الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقالة خيالية
في المفاضلة بين الشريف الرضي وأبي الطبيب المتنبي
للعالم الفاضل صاحب الإمضاء
يا رواة الشعر وناظميه وأئمة النثر وعالميه ونقدة الكلام نقد الصيرف للدرهم والدينار ومآل الأنام في محاسن الخطب وأحاسن الأشعار.
لديكم يا شموس الأرض شمنا
…
يد الآداب قد ألقت عصاها
فإن لتصور الآداب أرضاً
…
فأنتم قد حللتم في رباها
وما الأشعار إلا ما رويتم
…
فأخبار القريض بكم تباهى
وما ترووه من خطب ونثر
…
يشق على الأنام بأن يضاهى
لازالت سماء أنديتكم زاهرة بكواكب العلوم ولا برج طير المسرة والألفة في رياض محافلكم يحوم. إني منذ أعوام غالها غول الانصرام انتظمت في سلك جماعة من آل البراعة واليراعة يتفاوضون في الأدب وفضله ويسعون في نظم ما انتثر من شمله فتعلقت بأهداب فكري أتأمل ألفاظه وفتكت بسويداء قلبي سيوف ألحاظه وأخذت بمجامع لبي جواهر فوائده وسحرت نهاي إذ حسرت اللثام وجوه خرائده فآليت إني لا أزال مردداً تلاوة ذكره دائباً سائر أوقاتي على الاهتمام بنظمه ونثره فوقع مني في النثر الاختيار وأكبر ظني أنه المختار على مقامات من فاز بالقدح المعلى من أسهم البلاغة وحاز المقام لا على من صياغة الإبداع وإبداع الصياغة وهو محمد أبو القاسم بن علي الحريري البصري الذي أعجز الأنام ولو كانت في ضوء مشكاته تسري.
فكنت من النظر إليها بين الكوثر والجنان أو محاورة الأدباء ومغازلة الغزلان ثم طفقت أجيل الفكر في ميدان دواوين الشعراء وأستجيد محاسن أشعار الفصحاء فأجابني لسان حال أهل العلم والمعارف وأومأت إلي لواحظ من إليهم تسب اللطائف أن الدواوين ثلاثة من غير شك مريب ديوان أبي الطيب والبحتري وحبيب فعول رأيي منها على ديوان أبي الطيب أحمد فكنت كما ازددت تأملاً فيه الشكر بلاغة ناظمه وأحمد فلازمته لزوم عاشق أباحه الوصل لائمه وعكفت عليه عكوف شحيح ضاع في الترب خاتمه إلى أن جذب بيد التأنيب أطراف توجهي غليه أحد الأفاضل ولفت هوادى عزمي عن أن تطارد في مضمار
فصاحته وتناضل وقال عليك بديوان أبلغ الفصحاء وأفصح البلغاء أشعر الهاشميين الذين هم أفصح العرب العرباء إلا وهو الشريف الموسوي الحسيب النسيب الذي له لدى اقتسام البلاغة أوفر نصيب فإنه البحر الذي ليس لتياره ساحل والعبقري الذي لم يكن لغيره مساجل فركبت جواد الحيرة وجريت في حلبة الأوهام والعبقري الذي لم يكن لغيره مساجل فركبت جواد الحيرة وجريت في حلبة الأوهام وغدوت متردداً بين أقدام وأحجام إلى أن قرع باب مسمعي خبر وجود منتدى جليل تتغذي الألباب بدر معينة والسلسبيل فقصدناه لنتحاكم عند أعضائه أنصار القريض وأساة القول المريض فمذ حللنا رحبة الواسعة وانتظمنا في سلك أنجمه الساطعة قام صاحبي وأنشد:
عليك بديوان الشريف فإنه
…
إلى نظمه روض البلاغة ينسب
ولازم إذا رمت القريض كتابه
…
صباح مساء فهو عنقاء مغرب
هو الويل إلا أن من كان عالماً
…
به روضه بين الخلائق مخصب
أو السحر لكن كل سحر محرم
…
وذا يا بني الآداب والعلم يندب
وليس بمحص فضل ماقد حواه من
…
بديع فنون الشعر قس ويعرب
فلا يكن لك عنه محيد إذا رمت أن تكون في الأدب وحيد ودع عنك نفاضة الجراب ولا يغرك خلب البرق ولمع السراب فكل الصيد في جوف الفرا وأين الثريا من الثرى. قلت:
دع القول زور أو استقم يا مهذب
…
فما كل غيث يمطر الأفق صيب
لعمرك ما تقديم شعر الشريف أن
…
تحققت ياذا الفضل ألا تعصب
تمسك إذا ما شئت في النظم رفعة
…
على كل ذي نظم يقول فيعجب
بأهداب شعر صاغ در عقوده
…
همام به لسن البلاغة تخطب
أبو الطيب الفرد الذي شمس فضله
…
بنسبتها شمس البسيطة كوكب
قريض ترى شعر الكميت وجرول
…
على قدم الآداب إبان يركب
فدع عنك قول الزور وأشهد بأنه
…
على غيره ذيل الفصاحة يسحب
فاسرح في رياض شعره وخل عنك القيل والقال وكن ممن تفي في ظلال خمائل نظمه وقال:
فإن من ثبت نبت ومن راغ رغبت عنه المعارف ونبت.
فلست له مثلا مدي الدهر لاقيا
…
ومن ورد البحر استقل السواقيا
قال:
لقد جاوزت حداً يقصر عنه المجادل ويقف دون مداه كل معاند ومتحامل ماهذه الزخرفة التي لا يرضاها لنفسه إلا تقي ويعاف ورد زعافها من له قلب أو ألقى كأنك خلت أن تنميق كلامك يسري وزعمت أن سراب دعواك في غدير التمويه على البرية يجري.
دع عنك زخرفة المقال فإنها
…
لم يرض فيها غير غر جاهل
واعلم بأنك إن أردت تحاملاً
…
ترجع وأنت بصفقة المتحامل
فالزور قول ما تحمل عبأه
…
إلا امرؤ يأبى مقام الفاضل
قلت:
إليك فإن الحمق مني ومنك لا
…
يفيد سوى الأضغان يا من يناظر
ومن كان ذا حمق لدى الخصم تاركاً
…
سبيل التأني فهو لاشك خاسر
فهلم بنا إلى مورد الأنصاف وخلنا عن رنق الاعتساف ولندع طريق الخصام ونمسك ولنقل الحق لو على نفسي أو نفسك واعلم بأنك لن تجد مخالفاً أو مجتري يفضل شاعراً على أحمد أو حبيب أو البحتري بل الكل متفق على هذه المقالة ولا تتفق أمة الأدب على ضلاله.
تمسك بأذيال الذين تقدموا
…
عليك فليس البدر منهم بآفل
إذا أنهل طل من عيون سمائهم
…
فليس سحاب الفضل منك بهاطل
فكن تابعاً آراء من قد بنوالنا المعالي ولا تتبع مقالة قائل قال:
أيا من يروم علينا احتكام
…
بتقليدنا الأقدمين العظام
فحسبك إني بصير إذا
…
رأيت مقالاً عراه سقام
وإن كان قولاً صحيحاً له
…
لدى كل شهم أجل احترام
زلفت إليه ازدلاف فتى
…
بحب المعالي غدا مستهام
فعني إليك فلا أقتدي
…
وإن جل قدراً مقام الإمام
وهذا كلام الشريف فكن
…
سميعاً إذا ما تكن ذا اعتيام
فتسمع طير العلا صادحاً
…
كلام الشريف شريف الكلام
قلت:
أيامن تجرأ على الأقدم
…
ين بالحط منهم بغير احتشام
فما كان ظني بأن امرأ
…
يقول بما قلت بين الأنام
وهبك فريداً سما فكره
…
ألست وحيداً وهذه فئام
وحاشا تساوي جميع الورى
…
وقد قال طه عليه السلام
بنفي اجتماع الأنام على
…
خلاف صواب والالتئام
على أنني طالب أن يبي
…
ن فضل المجلي بهذا المقام
فأوضح محاسن من قد ترى
…
له الفضل تاجاً على كل هام
قال:
أرعني أذنك وأسمع، وشم برق محاسنه يسطع، أما الفخر فله فيه القدم الأعلى، وطريقته به هي الطريقة المثلى، فهو ذا افتخر سجد له كسرى، وقيصر وإن شئت الارتشاف من عذب بحره، وإن تتقلد بفرائد جوهره ودره، فإليك ما غرديه صادح نظامه، ونثر على عروس الآذان من فرائد المرجان ثغر كلامه، قال من فخرية له:
خصيم من الأيام لي وشفيع
…
كذا الدهر يعطي مرة ويطيع
وبي ظمأ لولا العلى ما بللته
…
وفي كل قلب غلة ونزوع
وما أنا ممن يطلب الماء للصدى
…
ويجمعني والواردين شروع
رضاعي من الدنيا الممات فطامهُ
…
وما نزح الثدي الغزير رضيع
أبينا ولا ضيم أصاب أنوفنا
…
وفي الأرض مصطاف لنا وربيع
إذا أغدرت نفس الجبان بصبره
…
حمتنا ذروع طلقة ودروع
(لها بقية محمد أبو الخير الطباع)