الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان حقيقة
بقلم العالم الفاضل صاحب الإمضاء
قرأت في المفيد عدد (841) مقالة بعنوان دحض باطل يرد صاحبها على ما ورد في الحقائق من بيان حرمة التمثيل بأدلة واهية وقياسات عقيمة ومغالطات وسفطسة نسبها هو لغيره فأحببت له أن أبين خطأه وأبين أن حرمة ذلك من البديهيات التي لا تحتاج إلى الكتابة والرد ولكن لما قام بعض المتهورين وقال أن التمثيل من الفروض التي جاء بها القرآن وأنه من مكارم الأخلاق اضطر أهل العلم للرد عليه كي يبينوا للأمة حرمة ذلك حتى لا يغتروا بقول المتفرنجين المتجرئين على كتاب الله وسنة رسوله وإني تأسياً بأهل العلم واقتفاءً لأثرهم أقول أولاً قوله (القول بحرمة التمثيل إما أن يصدر عن مجتهد أو مقلد) الخ مجرد مغالطة لأن المعلوم عند أهل العلم أن الحوادث التي تحدث إنما تنطبق وتفرع على أصول تلك المذاهب ولا يلزم من ذلك أن يكون المفتي بها مجتهداً. ثانياً قوله (إذا لم يرد في الشيء بخصوصه نص تقررت الأصول) الخ يفهم من هذا أنه لا حاجة إلى باب القياس ومسالك العلة لأنه على هذا أن لم يوجد نص في الحادث فهو على الإباحة ولا قائل بذلك ثالثاً قوله (الأصل في الأشياء الإباحة كما هو مختار الجمهور من الحنفية والشافعية) ليس كذلك قال إمام الحرمين في الورقات فمن الناس (أي العلماء) من يقول أن الأشياء على الحرمة إلا ما أباحته الشريعة فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة فيستمسك بالأصل وهو الحظر ومن الناس من يقول بضده وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة إلَاّ ما حظره الشرع قال الشارح والصحيح التفصيل وهو أن المضار على التحريم، والمنافع على الحل والقول بالحظر أسلم لقوله عليه الصلاة والسلام (الحلال بين والحرام بين وبينهما أو مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) فإذا لم نقل أن التمثيل من الحرام البين ينبغي لنا أن نتقيه لأنه من الأمور المشتبهات ويفهم من كلام الأصوليين (فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة فيستمسك بالأصل وهو الحظر) إنه ليس كل مسألة منصوصاً عليها بعينها بل ما هو منصوص عليه بعينه وما هو مدلول عليه وما هو مقاس على غيره كما هو معلوم عند أهل العلم.
وبعد كتابة ما تقدم اطلعت على مقالة أخرى في المفيد عدد (847) ركب صاحبها متن عمياء ونظراً لتلبيسه وجه الحقيقة أردت أن أبين لأهل الإنصاف حقيقة ما شاهدته وإن كره المفترون المتفرنجون فقد وجد في الرواية تخنث الغلمان المرد كاشفي الرؤوس مسرحي الشعور وقد لبس بعضهم القبعة (البرنيطة) وقد وقع الكاتب فيما فر منه أولاً لاعترافه بأن الشهابي حسن التمثيل بقوله فعلينا أن نعتنق تلك المكرمات التي بعث لتتميها خير البشر صلى الله عليه وسلم الخ وقوله لو لم يكن في النظر إلى أخبار الغابرين عبر جليلة لما قص علينا سبحانه وتعالى أخبار الأمم السالفة وأمر بالاعتبار بها الخ أليس هذا استدلال منه على التمثيل بالحديث والقرآن الكريم وجعله من أفراد مكارم الأخلاق وأفراد الاعتبار. سلمنا أن الشهابي لم يقل بفرضية التمثيل صراحةً لكنه قال ذلك ضمناً لأنه لما حسن التمثيل ومن جملته ما أنشده الغلمان على قولكم (إنَّ الماضي فرض جاء في القرآن) وهذا التمثيل من ذكر الماضي فهو مما جاء في القرآن فثبت المدعى وإلَاّ فأي مناسبة لذكر الشهابي في خطابه حديث مكارم الأخلاق وأية الاعتبار وإنشاد المنشدين إنَّ ذكر الماضي فرض جاء في القرآن فثبت أن الشهابي يعد التمثيل من مكارم الأخلاق وأنه من فروض القرآن لأن من حسن قولاً أو فعلاً واستشهد عليه فهو قائل به فيكون مدعياً كما هو منصوص عليه في آداب المناظرة والعجب من بعض الكتاب أنهم يريدون الانتصار لأحبابهم فيوقعونهم فيما فروا منه نظراً لجهلهم بالعلوم الدينية والعلوم العربية إلَاّ طرفاً من الكتابة والإنشاد فتراهم يحسنون الإنشاء ولكن لا يفقهون ماذا يكتبون ولذلك يقولون لم ينشد إنما التمثيل فرض جاء في القرآن بل أنشد أن ذكر الماضي فرض جاء في القرآن ولم يعلموا أن مفهوم (إنَّ ذكر الماضي الخ) في معرض التمثيل والحث على فعله هو عين منطوق (إنما التمثيل فرض الخ) أما ما جعله الكاتب دليلاً على حل التمثيل وهو عدم إنكار من حضر من أهل العلم فليس بشيء لأنا نرى كثيراً من المنكرات شائعاً بين الناس كالغيبة والكذب ولا ينكره أحد حتى الخاصة فهل نعد هذا السكوت دليلاً على الحل؟ نرى كثيراً من المساجد والمدارس والأوقاف قد اتخذت بيوتاً وملكاً ولم ينكر عليهم فهل نعد ذلك من المباح؟
اللهم بصرنا بعيوننا وأرشدنا لما فيه صلاحنا ووفق الأمة لخير العمل والنجاح في العاجل
والآجل. حلب صلاح الدين.