المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌السنوسيون كنا كتبنا في هذا الصدد نبذة عن طرابلس الغرب وبرقة - مجلة الحقائق - جـ ١٦

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌السنوسيون كنا كتبنا في هذا الصدد نبذة عن طرابلس الغرب وبرقة

‌السنوسيون

كنا كتبنا في هذا الصدد نبذة عن طرابلس الغرب وبرقة وقد رأينا الآن في المقتطف الأغر شيئاً عن السنوسيين أحببنا أن نثبته في مجلتنا لما سيكون لهم من الشأن في الحرب القائمة الآن بين الدولة العلية وإيطاليا. قال ينسب السنوسيون إلى زعيمهم الأول السيد محمد بن علي بن السنوسي الخطَّابي الحسني الإدريسي المهاجري وهو من قبيلة ولد سيدي عبد الله ويتصل نسبه بالحسن ابن الإمام علي بن أبي طالب. ولد سنة 1205 للهجرة وقيل 1217 في مستفانم من أعمال الجزائر ونشأ بها وطلب العلم بمدينة فاس ولما بلغ الثلاثين من عمره ارتحل عنها وأخذ يجول في الصحراء إلى الجنوب من الجزائر يعظ الناس ويحثهم على الصلاح والتقوى. ثم سار إلى تونس وطرابلس وبرقة ومصر وانتقل من مصر إلى مكة فلقي بها السيد محمد بن إدريس الفاسي المشهور بالعلم والصلاح وأخذ عنه الطريقة الصوفية فبرع فيها وأذن له أستاذه بإعطاء العهود وتلقين الذكر فبنى زاوية بجبل أبي قبيس قرب مكة وأقام فيها زمناً. ولقي في مكة محمد شريف من أمراء ودّاي وكان قد قدمها حاجاً فتمكنت عرى الصداقة بين الاثنين وصار محمد شريف من أشد أنصاره فيما بعد. وسافر من مكة إلى نجد ولقي بها علماء الوهابيين فارتاب فيه علماء مكة بسبب ذلك وخاصموه. فلما رأى أن أعداءَه قد كثروا في مكة رحل إلى برقة سنة 1255 وأقام في الجبل الأخضر وبنى فيه زاوية قرب درنة سماها الزاوية البيضاء وهي أو زاوية أنشأها في إفريقية وبقي في الجبل الأخضر سبع سنوات مشتغلاً بإقراء الحديث والفقه فطار صيته وهرع الناس إليه للأخذ عنه ثم سار إلى مكة وأقام فيها زمناً وعاد إلى الجبل الأخضر بطريق القاهرة. وكان محمد شريف قد صار سلطاناً على ودّاي والمكاتبة متواصلة بين الاثنين. أما الحكومة العثمانية فلم يرق لها النفوذ الذي وصل إليه السنوسي فأحس السنوسي بذلك وانتقل إلى واحة جغبوب على ثلاثين ميلاً من واحة سيوه وبقيت فيها إلى أن توفي في 9 صفر سنة 1276 ودفن هناك.

وخلفه ابنه الأصغر السيد محمد المهدي السنوسي وكان عمره أربع عشرة سنة فقام بنشر طريقته ومعه أخوه الأكبر السيد محمد شريف وعمره خمسة عشرة سنة وحولهما جماعة من المريدين يتولون أمرهما. ونال السيد محمد المهدي شهرة أبيه في الصلاح والتقوى فكثر مريدوه لاسيما في برقة وطرابلس وودّاي. وتوفى محمد شريف سلطان وداي سنة

ص: 4

1858 م فخلفه السلطان علي ثم السلطان يوسف وكان الثلاثة أشد أنصار السنوسية.

وقويت السنوسية كثيراً في أيام السيد محمد المهدي فكانت زواياها منتشرة من الغرب الأقصى إلى الهند ومن وداي إلى الأستانة لكنها لم تتمكن من مزاحمة الطرق الأخرى في الهند والممالك العثمانية. وهذه الزوايا كثيرة جداً في الصحراء الكبرى وشمال أفريقية وفي كل زاوية خليفة يدير شؤونها ويبايع الناس فيها ويعلم أولادهم القرآن ومبادئ العلوم ويقتني الماشية ويشتغل بالزراعة بمساعدة المريدين فينفق على الزاوية وما فضل يرسله إلى شيخه السنوسي فصار محمد المهدي كأنه ملك يجبى إليه الخراج.

ولما قام محمد أحمد المهدي بدعوته في السودان أوفد إليه السنوسي رسولاً بطريق ودّاي يستعلم منه عن دعوته فوصل الرسول بعد استيلاء المهديين على الأبيض ورأى من القتل والسلب ما اشمأزت منه نفسه وما لا ينطبق على مبادئ السنوسيين فعاد وأخبر بما رأى فعزم السنوسي على أن لا يكون له أقل تعلق بمهدي السودان وكتب إلى سلاطين وداي وبونو وغيرهما يحذرهم من الانتصار له. وكتب إليه المهدي كتابين طلب منه في أحدهما أن يكون أحد خلفائه الأربعة وفي الآخر أن ينصره على الحكومة فلم يرد عليه جواباً.

ومازال السنوسي يزداد نفوذاً حتى خاف السلطان عبد الحميد عاقبة الأمر وبث عليه العيون والأرصاد فأحسّ السنوسي بذلك وارتحل سنة 1894 م إلى واحد الكفرة في الصحراء الكبرى بعيداً عن الحكومة ثم انتقل سنة 1900 إلى قروفي دار قوراني من أعمال ودّاي فلقيه أهاليها بكل ترحاب وبنى زاوية هناك في مكان حصين على رأس أكمة وأقام فيها. وكان الفرنسويون قد تقدموا في البلاد ففتحوا برنو سنة 1900 وقتلوا سلطانها رابح الزبير ثم فتحوا باقرمى فحاول السنوسي أن يمنعهم من الاستيلاء على بلاد كانم وهي في الصحراء إلى الشمال الشرقي من بحيرة تشاد وكان له فيها زاوية في مكان حصين فزحف عليها الفرنسويون سنة 1903 م وفتحوها عنوة فاغتمَّ لذلك كثيراً ومات في 30 مايو من السنة نفسها فوضعت جثته في تابوت صنع لها في قرو ونقلت إلى زاوية التاج وهي الآن في خيمة هناك. وخلفه ابن أخيه واسمه أحمد شريف ويقيم الآن في واحة الكفرة بعيداً عن الفرنسو يين.

ولا يعرف عدد السنوسيين تماماً لكن أكثر أهالي طرابلس وبرقة والجانب الشرقي من

ص: 5

الصحراء الكبرى وودّاي سنوسيون ومنهم عدد ليس بقليل في تونس والجزائر وبرنو ودارفور والجانب الغربي من الصحراء. فهم قوة كبيرة لا يستخف بها.

ص: 6