الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدى التمثيل
رد افتراء
بقلم العلامة الكبير صاحب الإمضاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فقد اطلعت على ما جاءَ في المفيد عدد (841) رداً على ما نشر في (الحقائق) عن حكم التمثيل لكاتب تدلس برمزه وتستر بإخفاء اسمه تحت عنوان دحض باطل فرأيت أن أبين مالها وما عليها وما ترمى إليه فاستخرت الله في ذلك وسألته الإعانة على ما هنالك أنه على ما يشاء قدير.
فكتبت ما شاء الله أن أكتب فلم يتم الكلام عليها حتى أطلعني بعض الأخوان على مقالتين في المفيد في الموضوع ذاته فرأيت وجوب
الكلام على الجميع فأقول وبالله التوفيق.
الكلام على ذلك في بحثين الأول في العبارة وما ترمي إليه. من رمى بنظره إلى عجر العبارة وبجرها يحكم لأول وهلة أن الكاتب جهول مكابر وحسود متظاهر لم يقصد بكتابته المذاكرة ولم يجر على سنن آداب البحث والمناظرة بل ركب فيها متن عمياء وخبط عشواء ولو دخل البيوت في أسئلته من أبوابها لتطفلت مع العجز برد جوابها أجوبة يستحسنها مع أدلتها أولو الألباب ولا يكاد يظفر بها هو وأمثاله في كتاب ولكن أبى الله أن يجعله مظهراً لاستفادة العلوم وأهلاً لفهم المنطوق منها والمفهوم فهو جاهل لم يدر الدقائق ولم يقدر قدر (الحقائق) ولو كان جهله بسيطاً لأمكن له دواء ولكن الجهل المركب لا دواء له ولا شفاء ألم يعلم هذا الجاهل أن الحجة قامت على تحريم التمثيل من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه حتى تواردت فتاوى علماء المسلمين في منعه وتحريمه ولكن أبى أن يذعن للحق وينقاد لأوامر الشرع حتى ظن أن خلافه يهتك حريم الإجماع ويثلم سنن الأتباع. أيها الكاتب ما الذي حملك على خلاف الأئمة ومصادمة الأدلة وتسميتها بجهلك ألعوبة. كبرت كلمة جرى بها لسانك وحررها بنانك أتخال أن تعدد الكتابات وتلونك تلون الحرباء في الإمضاءات يخفى على الأطفال والبنات أم زيف كلامك يروج بالتمويهات أما تعلم أن (للحقائق) علماء وللدقائق فضلاء هم للدين حماة يذبون عن حرمه
ذب الغيور ويحمون ساحته حماية الليث الهصور تصديقاً لقول الصادق الأمين لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين (البحث الثاني) في بيان المهم من كلماته وما يترتب عليه بسببها فنقول قال في العدد المار ما لفظه (قرأت في المفيد الأغر سؤالاً يطلب صاحبه بيان الحقيقة عما جاء في مجلة (الحقائق) جواباً على حكم التمثيل من حيث هو وما كنت لأجهد النفس عن البحث عن البديهيات ولكن يعزّ عليَّ أن أرى الدين أصبح ألعوبة تتقاذفها الأهواء وأظل ساكناً) الخ قدمنا أن جميع ما حرره في مقالته خارج عن دائرة أدب الشريعة وكان اللائق عدم الجواب عنه إلَاّ أننا نخشى من ظنه وظن أمثاله أن أهل العلم عاجزون عن جوابه وعن تزييف كلامه فلنتكلم على المهم منه فنقول:
إن كان مراده بألعوبة أن الأدلة التي قامت على تحريم التمثيل من الكتاب والسنة هي الألعوبة فإن كان جاهلاً فيعرف بما أجمع العلماء على تحريمه من ذلك فإن أنكره استتيب فإن تاب فبها ونعمت وإلا فعلى الحاكم مجازاته بما يستحق لأنه معاند ومتبع لنفسه وهواها ثم قال (فإن جاز وجود مجتهد يقول بحرمة التمثيل جاز أن يكون القائل بإباحته مثل ذلك).
قلت معاذ الله أن يحل العلماء ما وضح تحريمه بالدليل القاطع والبرهان الساطع فإن من حرم حلالاً مجمعاً عليه أو أحل حراماً كذلك أو أباحه فقد خرج من ذمة المسلمين ولو كان مباحاً عند أحد منهم كما ادعى هذا الأخرق لبينوه أحسن بيان ولعضدوه بأقوى برهان إذ ليسوا عاجزين عن الجواب ولا يفتقرون إلى أحد في كتاب لأنهم أفصح لساناً وأوضح حجة وبياناً ولما لم نر أقلامهم ولا سمعنا كلامهم تبين افتراؤه عليهم على أن التمثيل لو خلا عن جميع المحرمات على سبيل الفرض فهو من اللهو الباطل لقوله صلى الله عليه وسلم كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلَاّ رميه بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته فإنهن من الحق.
ثم قال (أنه حدث في الأزمنة الأخيرة الخ) قلت هذا من جملة جهله وتمويهه فكيف يدعي حدوثه وهو قديم وموجود قبل الإسلام بل قبل ميلا المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بأربعة أو خمسة قرون واسمه عندهم التياترو واشتقاقه من التياتروم أو التياترون كما قاله الفاضل فريد وجدي وتياترو كلمة إفرنسية معناه الملهى والملعب فتسميته بالتمثيل الأخلاقي أو الأدبي تمويه يُراد به ترويج هذه البدعة المضلة في نفوس الجاهلين والأحرى
به أن يُدعى التدليس الاختلاقي ثم قال (أنه لا نص عليه بذاته في كتاب أو سنة ولا يؤثر عن صحابي) الخ قلت ومما يقضي بالعجب اعترافه بأنه لا نص عليه مع حكمه عليه بأنه من الاعتبار المأمور به في القرآن ومن مكارم الأخلاق التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لإتمامها. ومن المعلوم أنه لا نزاع في عدم النص على التمثيل وإنما النزاع في تحريمه وشمول النصوص له واندراجه فيها لأن غالب نصوص الشارع عامة تشمل أفراداً كثيرة قال في (حصول المأمول) أثناء عبارة له ما لفظه قال صلى الله عليه وسلم (تركتم على الواضحة ليلها كنهارها) وجاءت نصوص الكتاب العزيز بإكمال الدين وبما يفيد هذا المعنى ويصحح دلالته ويؤيد براهينه كقوله سبحانه (اليوم أكملت لكم دينكم) ولا معنى للإكمال إلا وفاء النصوص بما يحتاج إليه الشرع أما بالنص على كل فرد فرد أو باندراج ما يحتاج إليه تحت العمومات الشاملة ومما يؤيد ذلك قوله تعالى (مافرطنا في الكتاب من شيء) أهـ وقد استوفينا الكلام على ذلك في رسالتنا تحقيق الكلام في وجوب القيام عند تلاوة قصة المولد ووضع أمه له عليه الصلاة والسلام هذا وقال العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى أثناء كلام له ما لفظه (بل الصواب الذي عليه جمهور أئمة المسلمين أن النصوص وافية بجمهور أحكام أفعال العباد ومنهم من يقول أنها وافية بجميع ذلك وإنما أنكر ذلك من أنكره لأنه لم يفهم النصوص العامة التي هي أقوال الله ورسوله وشمولها لأحكام أفعال العباد وذلك أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم فيتكلم بالكلمة الجامعة العامة التي هي قضية كلية وقاعدة عامة تتناول أنواعاً كثيرة وتلك الأنواع تتناول أعياناً لا تحصى فبهذا الوجه تكون النصوص محيطة بأحكام أفعال العباد) أه وفي (حصول المأمول) أيضاً ما نصه ثم لا يخفى على كل ذي لب صحيح وفهيم صالح أن في عمومات الكتاب والسنة ومطلقاتهما وخصوص نصوصهما مايفي بكل حادثة تحدث ويقوم بكل نازلة تنزل عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله أه فتبين من هذا أنه لا حادثة وجدت أو ستوجد إلا وفيها حكم منصوص عليه في الكتاب أو السنة أو مندرج تحت العمومات المتقدمة وتبين لك أيضاً جهل هذا الكاتب وخبطه وتمويهه وأن دخوله في الحجاج عداء وكلامه على أهل العلم والفضل مجرد افتراء والعلماء ورثة الأنبياء بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه لا رتبة فوق رتبة النبوة ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة
فيا ويل مَنِ العلماء خصماؤه يوم القيامة فما أفلح قوم آذوا علماءهم ولا نجح قوم حكموا أهواءهم. ثم أسهب الكاتب الكلام في الحط على الأجلاء أصحاب الحقائق وما علمنا ذنبهم معه هل أحدثوا بدعة حظرها الدين؟ هل استخفوا بعلمائهم وأشرافهم أئمة المسلمين؟ أم بثوا دسائسهم في الجرائد؟ أم جمعوا جموعاً لفعل المنكرات في المعابد؟ أم. . نعم ذنبهم أنهم وقفوا مجلتهم لخدمة الدين ونشروا في تحريم التمثيل نصوص علماء المسلمين فإن كان هذا ذنبهم فيا سعادتهم في دنياهم ويا نضارة وجوههم عند لقائهم مولاهم.
وأنا بقية كلامه في ما سبق فتعرف أجوبته وبيان خلطه وخبطه مما قدمناه لك فتذكر فما في العهد من قدم ولا حاجة بنا إلى الإعادة خشية من سآمة التالين وهذا ما حضرني وفوق كل ذي علم عليم.
دمشق
محمد القاسمي الحلاق