الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استحباب القيام عند ذكر ولادته
عليه الصلاة والسلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين وبعد فقد اطلعت على سؤال ورد من المدينة المنورة بإمضاء السيد أحمد علي الهندي الرامضوري وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
ماقول علماء المسلمين أيد الله بهم الدين وقواهم على إزاحة شبه الملحدين في قول رجل سئل عن القيام عند ذكر الولادة الشريفة النبوية فأجاب (وهذا نص كلامه) وأما توجيه القيام بقدوم روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم من عالم الأرواح إلى عالم الشهادة فيقومون تعظيماً له فهذا أيضاً من حماقاتهم لأن هذا الوجه يقتضي القيام عند تحقق نفس الولادة الشريفة ومتى تكرر الولادة في هذه الأيام فهذه الإعادة للولادة الشريفة مماثلة بفعل مجوس الهند حيث يأتون بعين حكاية ولادة معبودهم (منهيا) أو مماثلة للروافض الذين ينقلون شهادة أهل البيت رضي الله عنهم كل سنة (أي فعله وعمله) فمعاذ الله فصار هذا حكاية للولادة المنيفة الحقيقية وهذه الحركة بلا شك وشبهة حرية باللوم والحرمة والفسق بل فعلهم هذا يزيد على فعل أولئك فإنهم يفعلونه في كل عام مرة واحدة وهؤلاء يفعلون هذه المزخرفات الفرضية متى شاؤُا وليس لهذا نظير في الشرع بأن يفرض أمر ويعامل معه معاملة الحقيقة بل هو محرم شرعاً انتهى كلامه فهل هذا الجواب صحيح أم لا أفيدونا مأجورين. وأقول جواباً عن ذلك مستعيناً بالله.
إنَّ هذا الجواب غير صحيح من وجوه وبسط الكلام في هذا المقام يحتاج لبيان حكم القيام لأهل الشرف إكراماً وتعظيماً لهم ومنه يعلم استحباب القيام عند ذكر مولده الشريف صلى الله عليه وسلم بالأولى إذ الفرض أنه إنما يفعل إكراماً وتعظيماً ومحبةً لأشرف الرسل صلى الله عليه وسلم فنقول القيام للعلماء تعظيماً للعلم مسنون دليله ما رواه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قوموا إلى سيدكم) يعني سعد بن معاذ القادم عليكم لما له من الشرف المقتضي للتعظيم قال الإمام النووي يستحب القيام للقادم من أهل الفضل وقد جاءت به أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح أهـ وقال شراح الجامع الصغير يؤخذ من الحديث أي المتقدم سن القيام لنحو
العلماء تعظيماً للعلم لا عجباً ورياء أما القيام للأمراء فيطلب للمداراة وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام لبعض الصحابة كعكرمة وعدي رضي الله عنهما وأقر حسان بن ثابت عندما قام له وحمل الحديث على أن الأمر بالقيام لسعد كان للتعظيم أولى من حمله على القيام لأجل تنزيله عن الدابة لمرض به أهـ لأنه لو كان كذلك لأمر البعض لا الكل ولا ينافي استحباب القيام مارواه الإمام أحمد وغيره عن معاوية بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحبَّ أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوء مقعده من النار) لقول شراح الحديث كالإمام الطبري غيره هذا الخبر إنما نهي من يقام له إذا أحبه تكبراً لا من يقام له إكراماً ورجحه الإمام النووي قائلاً الأصح والأولى بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أن معناه زجر المكلف أن يحب القيام له فهو المنهي عنه فلو لم يخطر بباله فقاموا له فلا لوم عليه أهـ وأما ما روي أن الصحابة كانوا إذا دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقومون له لما يرون من كراهته له فهو من تواضعه وشفقته صلى الله عليه وسلم بأمته زاده الله شرفاً إذ هو سيد المتواضعين حتى أنه كان يعفو عمن انتقصه كما هو معلوم من سيرته لا إنَّ القيام منهي عنه وإلَاّ لما أمر به وفعله لغيره وكذا ما ورد عنه عليه السلام (لاتقوموا كما الأعاجم يعظم بعضهم بعضا) فهو محمول على محبة القيام تعاظماً وتكبراً بدليل كما تقوم الأعاجم فإذا ثبت أن القيام مطلوب للتعظيم والإكرام لأهل الشرف فكيف يمنع منه عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم تعظيماً له بل إنه أولى وأحق من القيام لأحد أمته وقد نص غير واحد من الفقهاء الأئمة الأربعة ومن المحدثين وأهل السير على استحبابه فالذي ينبغي أن يُعول عليه ولا يلتفت لغيره استحبابه وتأكده لعموم المسلمين ولا يغتر بقول ابن حجر الهيتمي في فتلواه من أن الناس إنما يفعلونه تعظيماً فالعوام معذورون بخلاف الخواص أهـ.
فهذا هفوة منه بل الخواص أحق بتعظيمه صلى الله عليه وسلم وقد فعله العالم الشهير تقي الدين السبكي وغيره ممن لا يحصى واستمر عليه العمل إلى يومنا هذا ويستمر إن شاء الله إلى يوم القيامة ولا ينكره ويحرمه إلا متبدع غالٍ فإن تخيل له أنه بدعة مذمومة بل البدعة تعتريها الأحكام الخمسة كما هو معلوم فكم من بدعة هي فرض أو واجب كتدوين العلوم الدينية ورد الشبه على الفرق الضلالية الذين هذا المانع منهم فليت شعري ماذا يقول هذا
المانع في قيام بعضنا لبعض وفي القيام عند ذكر مولده الشريف هل فيه تعظيم أم لا فإن منع التعظيم فهو مكابر معاند للحس والمشاهدة فلا يليق أن يخاطب وإن سلم أنه يفيد التعظيم وعد تعظيمه صلى الله عليه وسلم حماقة فيكون تنقيصاً وإهانة لجنابه الشريف صلى الله عليه وسلم ومن أهانه يحكم بكفره وردته وهدر دمه لأن الفقهاء قاطبة ذكروا في باب الردة أن منها الاستهزاء بالعلم أو العلماء وإهانتهم فإذا كان إهانة أحد علماء أمته عليه السلام موجباً للكفر والردة فكيف بأفضل المخلوقات عليه أفضل الصلوات والتسليمات قال ملا خسرو في شرح الدرر نقلاً عن فتاوي البزازية أن من انتقصه عليه السلام أو شتمه ولو في حال سكره يقتل حداً وهو مذهب أبي بكر الصديق رضي الله عنه والإمام الأعظم أبي حنيفة والثوري وأهل الكوفة والمشهور من مذهب مالك وأصحابه وقال الخطابي لا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله وقال ابن سحنون المالكي أجمع العلماء على أن شاتمه صلى الله عليه وسلم كافر وحكمه القتل إلى آخر ما قال. قال في الدر المختار ويجب إلحاق الاستهزاء والاستخفاف به (أي الشتم) ونقل الإمام الشعراني في كتابه كشف الغمة عن هذه الأمة في كتاب الردة عن ابن عباس رضي الله عنه قال كتن أعمى له امرأة تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي عليه الصلاة والسلام فأخذ المعول فوضعه في بطنها واتكأ عليه فقتلها فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال أنشد الله رجلاً فعل مافعل ألا قام فقام الأعمى يتخطى الناس حتى قعد بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تقع فيك فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال عليه السلام (ألا اشهدوا أن دمها هدر) ومعلوم أن عدم القيام لأحد كبراء الناس يشعر بإهانته وعدم المبلاة به ولذا يورث الحقد والضغائن كما هو العرف الآن والعرف أحد مدارات الشرع الشريف تبنى عليه الأحكام قال العلامة ابن عابدين في رسالته آداب المفتي:
والعرف في الشرع له اعتبار
…
لذا عليه الحكم قد يدار
فكم من مسألة لا نص فيها وقد تعارف الناس عليها وحكم الفقهاء بها وتداولوها في كتبهم
فكيف يقول المانع أن فاعل القيام بلا شك حري باللوم والحرمة والفسق وهو شبيه بفعل المجوس الخ فهذا افتراء وتهور عظيم لا يصدر مثله من مسلم فضلاً عن عالم فالمسلم الموحد إذا قام عند ذكر مولده الشريف لا يريد إلَاّ التعظيم والاحترام لمنصب الرسالة الذي بذل الأرواح دونه قليل فرحاً بإيجاد هذا الرسول الذي هو رحمة للعالمين لما فيه من عظم منة الله على خلقه أجمعين كما سن السجود لله تعالى شكراً عند تجدد نعمة وأي نعمة أعظم من نعمة ظهور أشرف الرسل حتى أن عمه أبا لهب لما بشر بولادته صلى الله عليه وسلم أعتق جاريته فرحاً به عليه الصلاة والسلام فجازاه الله بسبب ذلك بأن خفف عنه العذاب في كل ليلة اثنين مع أنه كافر معاند فكيف حال المسلم المحب والمقصود التعظيم بكل ما يفيده ومنه القيام كما هو العرف العام وربما يشعر كلام المانع بأن هذا القيام إذا طلب بطلب للساعة التي برز فيها عليه الصلاة والسلام من بطن أمه إذ هو أعظم نعمة كما تقدم وأما تكرار ذلك كلما قريء المولد فلا فيشبه فعل المجوس الخ فنقول له هذا تحكم بحت لأنه متى كان القصد بالقيام التعظيم فلا يمنع من تكرره وله نظائر في الشرع كثيرة لا كما قال المانع لا نظير له فمنت نظيره وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما ذكر حتى قال كثير من الأئمة لو ذكر في المجلس الواحد ألف مرة يصلى عليه ألف مرة لوجود سببه وهو ذكر اسمه الشريف كما ذكر علماء الأصول من أن الأمر يتكرر بتكرر سببه وكذا تعظيم الأيام الفاضلة والليالي بصومها وإحيائها يتكرر كلما تكررت كذلك هنا لما وجد السبب وهو قراءة سيرته عليه الصلاة والسلام الشريفة والاطلاع على أحواله المنيفة التي هي مناط كل كمال وعلى المؤمن أن يجعلها نصب عينيه في كل حال فحين مايصل القارئ إلى ذكر بروزه صلى الله عليه وسلم من بطن أمه يتذكر هذه النعمة العظمى فيقوم تعظيماً له وشكراً لله تعالى عليها فهل هذا يلام عليه المرء ويقال بأنه شبيه بفعل المجوس الكفرة الذين يحكون ولادة معبودهم وفعل الرافضة الذين يمثلون ما فعل بأهل البيت كل سنة فإن ما يفعله المجوس منكر من أصله يجعلون معبوداً حادثاً متولداً فهو كفر صراح فكلما كرروا ذلك فقد زاودا ضلالاً على ضلال وكذا تمثيل ما فعل بأهل البيت مشتمل على عدة مفاسد محرمات لا تخفى فكيف يشبه هذا المانع حال المسلمين الموحدين الجالسين في محل معظم فيه رائحة طيبة يتلون كتاب الله وينشرون قصة اشرف خلقه بكل آداب مطلوبة ويصلون
عليه كلما ذكر ويقومون لذكر ولادته تعظيماً له وفرحاً بوجوده بحال هؤلاء حتى حمله الغلو فجعله أزيد من فعل المجوس والروافض سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ونظير هذا القيام تعظيماً له عليه الصلاة والسلام الأمر بغض الصوت بحضرته عليه السلام في حياته وعند قراءة حديثه وسيرته بعد وفاته وكذا مناداته باسم يشعر بتعظيمه كيا رسول الله قال تعالى (يا آيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) وقال أيضاً: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) فهل هذا النهي من الله تعالى وتحريم رفع الصوت على صوته الشريف وتحريم ندائه باسمه إلَاّ لمزيد تعظيمه عليه السلام ونظيره أيضاً ماورد في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن حكمة ذلك فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فصامه فنحن نصومه فقال صلى الله عليه وسلم أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه أي شكر الله تعالى فهذا صريح في أن تجديد إظهار الشكر على النعمة السابقة في الوقت الموافق لوقت حدوثها مطلوب بل هو مطلوب في كل وقت تذكر فيه ومن نظيره أيضاً كما يظهر لي عمل الأضحية في أيام النحر المأمور به أمر إيجاب أو ندب لمن قدر عليه إظهاراً للشكر بنجاة الذبيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم في مثل هذا اليوم من ذبح أبيه له بإنزال الفداء وهو كبش من الجنة فاختبر الله خليله بتكليفه ذبح مهجة قلبه ثم فداه بعد ماسعى في رضاه بذبح عظيم بقصد التكريم إيثاراً لبقائه عن إمضاء قضائه إذ جعله أباً للعرب عموماً ولحبيبه الأعظم خصوصاً وإذا كان الحق أمر الخلق باتخاذ هذا اليوم الذي نجى فيه والد نبيه وحبيبه عيداً أكبر وأمرهم فيه بالنحر مشاكلة للفداء الذي وقع منه تعالى لقصد إظهار الشكر وفي كل عام يتكرر فاتخاذ يوم ظهور جسم حبيبه الأعظم رحمة لعموم عامة العالم عيداً أكبر أحق وأجدر فانظر بعين الانصاف إلى محموع هذه النظائر المنصوص عليها المقصود منها تعظيمه عليه الصلاة والسلام أليس هذا القيام مثلها في التعظيم فيكون مأموراً به ليس بدعة منكرة على أنا نجعله فرداً من أفراد التعظيم الذي كلفنا به عموماً فحينئذٍ يدخل تحت الأمر فيكون من باب دلالة النص لا من باب القياس كما
حرره علماء الأصول في مثل قوله تعالى: (ولا تأكلوا مال اليتيم) فالمنصوص عليه حرمة الأكل وأهل اللغة فهموا من النص حرمة مطلق التناول من مال اليتيم فيشمل النص الشرب من مائه ولبس ثوب من ثيابه وسكنى داره وهكذا ومثله قوله تعالى: (ولا تقل لهما أف) المراد مطلق الأذى فكل فرد يدل على الأذى يدخل في النص فيدخل الضرب والشتم بالأولى وهكذا هنا لما كان القيام خصوصاً في زمننا هذا من جملة التعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم دخل في النص الدال على تعظيمه وهو كثير في القرآن والسنة فمنه قوله تعالى: (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) وقال تعالى: (لتؤمنن به ولتنصرنه) فقد فرض الله تعالى تعظيمه وجعله مثل الإيمان به وكم في القرآن العظيم من آية دالة على تعظيمه عليه الصلاة والسلام ومن أراد بسط الكلام على وجوب تعظيمه وفرضيته على كل مكلف مبرهناً عليه بالأدلة القاطعة فليرجع لكتب السير كالشفا لقاضي عياض والمواهب اللدنية للإمام القسطلاني وزاد المعاد لابن القيم وغيرها فيجد فيها ما يشفي الغليل فحينئذٍ لا يكون هذا القيام بدعة بل منصوصاً عليه بدلالة النص فمن يدعي إنكاره وتحريمه فهو مبتدع ضال وعند قصد الإهانة والتنقيص لمنصبه الشريف يكون كفراً وردة كما سلف وقد أفتى العلامة مفتي الثقلين الإمام أبو السعود بكفر من يتركه حين يقوم الناس إهانة واستنكاراً كما نقله العلامة السمنودي.
هذا وربما كان في ترك القيام إثارة فتنة عند عموم الناس ونسبة من لا يقوم عند قيام الناس تعظيماً له صلى الله عليه وسلم إلى مذهب الوهابية الذين تجاوزا الحد في الغلو بتكفير أهل التوحيد حيث يقولون بالتوسل بالأنبياء والأولياء وزيارتهم والتبرك بهم وطلب الحاجات من الله تعالى بواسطتهم فلا سبيل لتكفير المسلمين الموحدين الناطقين بالتوحيد كل يوم مرات متعددة بل كل ساعة ولحظة إذا سألوا الله تعالى حاجة وطلبوا منه تعالى بجاه أحبابه عنده قضاءها بل من يكفرهم إلى الكفر أقرب حتى لو سمعنا المؤمن الموحد يقول يا رسول الله أقضي لي حاجتي أو يا عبد القادر أطلب منك كذا لا تكفره بل تنهاه عن اعتقاد ظاهره ونحمل كلامه على المجاز في الإسناد وهو المجاز العقلي كما بينه علماء المعاني وهو كثير في القرآن كقوله تعالى (ياهامان ابن لي صرحاً) فإن البناء فعل العملة وهامان سبب آمر حتى أننا لو قلنا للعامي كيف تطلب من العبد قضاء حاجتك فيقول أنا مرادي أن الله يقضي
حاجتي بسبب ذلك العبد وجاهه عنده تعالى فمتى وجدنا قرينة دالة على أن المتكلم موحد نحمل كلامه الذي ظاهره إسناده الأفعال لغيره تعالى على المجاز كما حملوا قول الشاعر:
أشاب الصغير وأفنى الكبي
…
ر كر الغداة ومر العشي
على المجاز بدليل قوله بعد:
فملتنا إننا مسلمو
…
ن على دين صديقنا والنبي
فإنه دلّ على أنه موحد وكذا العامي الذي ينطلق بالتوحيد دائماً يلزمنا أن نحمل كلامه الذي لا يراد ظاهره على المجاز.
هذا ولنرجع لما نحن فيه من استحباب القيام عند ذكر مولده الشريف صلى الله عليه وسلم مطلوب ومؤكد ظاهراً وباطناً وقد كنت مرة في مجلس وكان فيه أحد المعاصرين وكان ممن لا يرى القيام عند ذكر الولادة الشريفة فقلت أليس فيه تعظيمه صلى الله عليه وسلم فقال إنَّ التعظيم بالقلب وباتباع سنته عليه الصلاة والسلام لا بهذا القيام الذي هو بدعة فقلت لا بأس به بل هو عنوان على التعظيم بالقلب دال عليه ومعاملة الشرع الشريف ظاهرية حتى حكم على من أقر بلسانه أن لا إله إلا الله بالإسلام مع عدم اطلاعنا على قلبه ومن أين يعلم ما في القلب إذا لم يدل الظاهر عليه وقد صار م ألفناه في نفوسنا من القيام لبعضنا بعضاً وأعمال الجوارح من اليد واللسان من أسباب التعظيم والإكرام أهـ وقد قالوا في تعريف الحمد العرفي بأنه فعل يشعر بتعظيم المنعم سواء كان ذلك الفعل باللسان أو بالأركان أو بالقلب كما قال بعضهم:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
…
يدي ولساني والضمير المحجبا
وقد عرفت أنه ليس ببدعة بل هو مثل القيام لذاته الشريفة تعظيماً له صلى الله عليه وسلم ولله در سيدنا حسان حيث قام حين مرّ عليه سيد الأكوان وقال:
قيامي للعزيز عليَّ فرض
…
وترك الفرض ماهو مستقيم
عجبت لمن له عقل وفهم
…
يرى هذا الجمال ولا يقوم
ويروى قيامي للنبي بدل للعزيز. نشدتك الله أيها المنكر للقيام لو أقبلت على مجلس وقام لك أكثر من فيه وتخلف البعض أما يقع في نفسك وفي نفس غيرك أن الذي ما قام لك حقرك بخلاف من قام لك واحترمك فما أسمجك وأجهلك فوالله أني لأخاف على منكر القيام
ومحرمه ومشبه فاعله بالمجوس والرافضة قائلاً بل هو أزيد وهو فعل الحمقى الخ ما قال الكفرَ والردةَ.
فتلخص أنه يندب القيام ويتأكد ويستحب عند ذكر ولادته الشريفة تعظيماً له صلى الله عليه وسلم وإكراماً وفرحاً بإيجاده الذي هو أجل نعمة على العالم وقد استحسن ذلك المسلمون ورأوه حسناً وقد ورد مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) وورد أيضاً (يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار) إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على اتباع سبيل المسلمين الناجين فلا عبرة بإنكار هذا المنكر وتحريمه القيام وتفسيقه فاعله فما هو إلَاّ نزعة شيطانية استولت على قلبه أعاذ الله المسلمين منه ومن أمثاله الذين يحطون من منصبه عليه الصلاة والسلام ويفسقون ويكفرون أهل الإسلام فوجود مثلهم أعظم بلية على المسلمين لأنهم يدعون الإرشاد ويبثون بين العباد أعظم الفساد من جهة الاعتقاد نسأله تعالى أما أن يوفقهم سبيل الرشاد أو يمحوهم من سائر البلاد ويكثر من كل متبع للسنة والجماعة يحث الناس على وجوب تعظيمه صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً وتعظيم أصحابه وأئمة الدين الذين خدموا شريعته ودونوها وعمل الناس بها إلى يوم القيامة.