الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال العلماء في التمثيل
4
تحت هذا العنوان ننشر ما يرد إلينا من أقوال علماء الإسلام وفتاويهم في سائر الأقطار ليظهر حكم الله تعالى في هذه المسألة الخطيرة
الجواب الحادي عشر للعالم الفاضل صاحب الإمضاء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم من العلماء العاملين إلى يوم الدين أما بعد فإني كنت أطالع مجلة الحقائق الغراء فرأيت فيها سؤالاً لبعض الفضلاء بعنوان رواية زهير الأندلسي يسأل فيه أهل العلم عن حكم تمثيل هذه الرواية وغيرها وقد أجاب العالمان الفاضلان الشيخ عارف أفندي المنير والشيخ محمد أفندي القاسمي في الجزء الثالث سؤاله وبينا حرمة ذلك وأثبتنا أنه منكر ولقد ساءَني ما رأيته في المفيد تعريضاً بهما لبعض المتفرنجين بلا دليل ولا روية بل حباً بنصرة أمثالهم المتجرئين على الدين بدون علم فأحببت أن أكتب ما خطر ببالي غير مبال بمن لا أخلاق لهم لا يعرفون إلا البذاءة وتنقيص أهل الفضل فأقول وبالله التوفيق أن التمثيل المعروف الآن مشتمل على عدة محرمات منها السمر بعد العشاء إلى نصف الليل في الغيبة واللهو المحظور وقد يكون ذلك سبباً لترك صلاة الفجر ومنها أن الرواية مشتملة على ممثلين غيروا هيئة وجوههم بوضع اللحى والشوارب المستعارة وفي ذلك تغيير لخلق الله المنهي عنه بالأحاديث الصحيحة أخرج البخاري في كتاب اللباس عن علقمة رضي الله عنه قال لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقالت أم يعقوب ما هذا قال عبد الله ومالي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله قالت والله لقد قرأت مابين اللوحين فما وجدته قال والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله فلنلعنه ومن فعل ذلك فهو ظالم وقال تعالى (ألا لعنة الله على الظالمين).
وأخرج البخاري أيضاً في كتاب اللباس من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. قال شارحه القسطلاني رحمه الله تعالى. لإخراج الشيء عن الصفة التي وضعها
أحكم الحاكمين كما ورد ذلك في لعن الواصلات بقوله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله. وفي الجامع الصغير (لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) قال العلامة المناوي وفيه أن ذلك حرام بل عده بعضهم من الكبائر للوعيد عليه باللعن أهـ وقال العلامة الحفني وخص النساء بالذكر في الحديث لكون الأغلب وقوع ذلك منهن فإن فعل ذلك الذكور كان الحكم كذلك فتبين من هذا أن ما يشتمل عليه التمثيل من تغيير وجوه الغلمان بوضع اللحى والشوارب المستعارة حرام وداخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام المغيرات خلق الله لأن العلة في حرمة ذلك التغيير فينسحب على الرجال كما أشار لذلك العلامة الحفني ومنها كون بعض الممثلين مرداً يخشى من النظر إليهم الفتنة ومعلوم أن النظر إلى المرد بشهوة حرام قال في تنوير الأبصار (وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لخوف الفتنة ولا يجوز النظر إليه بشهوة كوجه أمرد) قال العلامة ابن عابدين هنا ما ملخصه الأمرد الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته والغلام إذ بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحاً فحكمه حكم الرجال وإن كان صبيحاً فحكمه حكم النساء وهو عورة من فرقه إلى قدمه وهذا شامل لمن نبت عذاره بل بعض الفسقة يفضله على الأمرد خالي العذار والمراد من كونه صبيحاً أن يكون جميلاً بحب طبع الناظر ولو كان أسود لأن الحسن يختلف باختلاف الطبائع ويستفاد من تشبيه وجه المرأة بوجه الأمرد أن حرمة النظر غليه بشهوة أعظم إثماً لأن خشية الفتنة به أعظم منها ولأنه لا يحل بحال بخلاف المرأة كما قالوا في الزنا واللواطة ولذا بالغ السلف في التنفير منهم وسموهم الانتان لاستقذارهم شرعاً قال بعضهم قال ابن القحطان أجمعوا على أنه يحرم النظر إلى غير الملتحي بقصد التلذذ بالنظر وتمتع البصر بمحاسنه وأجمعوا على جوازه بغير قصد اللذة والناظر مع ذلك آمن من الفتنة أهـ.
ومنها اشتمال التمثيل على التشبه بالإفرنجة بلبس القبعة (البرنيطة) وهو من المحرمات المكفرات والعياذ بالله تعالى قال في الفتاوى الهندية في الجزء الثاني من باب المكفرات يكفر بوضع قلنسوة المجوس على رأسه على الصحيح إلا لضرورة دفع الحر والبرد أهـ.
وقال في مجمع الأنهر ويكفر بوضع قلنسوة المجوس على الصحيح إلا لتخليص الأسير أو لدفع الحر والبرد عند البعض وقيل أن قصد به التشبه يكفر أهـ.
وأما قول معلم المدرسة في خطابه قد ورد الأمر فيه بالقرآن بقوله تعالى (فاعتبروا) الآية يفيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك الفرض لأنه لم يبينه عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه ولو بينه لوصل إلينا فيكون المعلم نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكتمان وحاشاه من ذلك لأنه لم يبلغنا ذلك وقد قال تعالى في كتابه العزيز (يا آيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ جميع ما أمر بتبليغه عملاً بهذه الآية وحيث أنه بلغ جميع ما أمر بتبليغه ثبت أن التمثيل ليس من الاعتبار الوارد في الآيات بل هو الاعتبار بذكر الأمم الماضية والأنبياء الكرام والأمثال البليغة والتذكر في المخلوقات والاستدلال بالأثر على المؤثر وقوله أن التمثيل من مكارم الأخلاق الواردة في السنة ليس كما زعم وإلا لسبقنا السلف الصالح والأصحاب الكرام لأنهم رضي الله عنهم ما تركوا شيئاً من السنة الشريفة والأحاديث المنيفة إلا وعملوا به وما بلغنا أنهم نصبوا مسارح لأجل تشخيص الروايات فعلم أن الذهاب إلى الروايات حرام ولا يجوز التصدق باسمها كيف وهي من الأمور المحدثة والبدع المفسدة للأخلاق وقد قال عليه الصلاة والسلام إياكم ومحدثات الأمور الحديث.
فبعد هذا هل يشك من له عقل وتمسك بالدين في حرمة فعل الروايات (التمثيل) وحرمة دفع الصدقة باسمها ورحم الله من قال وأجاد في المقال:
وإذا أراد الله فتنة معشر
…
وأضلهم رأووا القبيح جميلا
حلب
صلاح الدين
الجواب الثاني عشر لحضرة العالم المحقق صاحب الإمضاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد فقد اطلعت على السؤال الوارد في حكم التمثيل فسرحت الطرف في فتوى مولانا العلامة فضيلة مفتي بيروت وأجوبة العلماء الأعلام التي يقضي كل منها بتحريمه المحررة جميعها في أجزاء مجلة الحقائق الغراء فجزاهم الله عن الملة الحنيفية أعظم جزءاً فكم استلفتوا أنظاراً، ونبهوا أفكاراً، لأمر كثر ارتكابه، وعمت آثامه حيث أوضحوا المرام، وبينوا
الحلال من الحرام، بأدلة ساطعة، وبراهين قاطعة. كيف لا وهم من الأمة الوارد في شأنها قوله صلى الله عليه وسلم (لاتزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) ولله در السائل لقد اهتدى بهديه عليه الصلاة والسلام القائل العلم خزائن ومفتاحها السؤال فسلوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة السائل والمعلم والمستمع والمحب لهم. غير أنه لقلة بضاعتي في العلوم خطر لي أوهام خيلت لي قبلاً أن التمثيل ربما يكون من المستثنيات عن حكم الكذب والمحاكاة المحرمين فراجعت أقوال السادة الحنيفة التي هي وسائر المسائل الفقهية ثمرة الكتاب والحديث فلم أرد أبداً من القول بالتحريم وها إني أذكر ما عنَّ لي على صورة الإيراد والجواب مستعيناً بالله ملهم الصواب.
لا يقال أن الممثلين (بفتح الثاء) قوم انقرضوا ومضوا فلا وجه لحرمة غيبتهم لأنه لا فرق بين غيبة الحي والميت قال في الدر المختار الغيبة أنه تصف أخاك الخ قال في رد المحتار أي المسلم ولو ميتاً الخ والعقيدة الحقة التي نلقى الله عليها أن الميت يتألم ويتلذذ كالحي.
وكذا لا يقال أن هؤلاء الممثلين مجهولون وغيبة المجهول ليست بغيبة لأن جهالة أشخاصهم مع معرفة أسمائهم وأنسابهم وألقابهم وأزمنتهم وأمكنتهم لا تؤثر في سقوط حرمة غيبتهم قال في الدر ولو اغتاب أهل قرية ليس بغيبةٍ لأنه لا يريد كلهم بل بعضهم وهو مجهول قال في رد المحتار مفهومه أنه لو أراد ذلك (أي كلهم) كان غيبة تأمل أهـ وما ذاك إلا لأن الكل معلومون ولو بأنسابهم دون أشخاصهم وما نحن فيه أولى.
فإن قيل كانت العلة في تحريم الغيبة هي الإيذاء وهو إنما يوجد حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب فلربما لا يكره الممثلون محاكاتهم كما إذا مثلت الأمراء مثلاً على وجه لا يشعر بتنقيصهم بل بعدلهم ليقتدى بهم ومثل معهم من لا تحرم غيبته كالحربيين مثلاً على وجه يشعر بتنقيصهم بسبب ظلمهم لتنفر الناس عن أعمالهم فلم يلزم حينئذ حرمة التمثيل من أصله قلنا لا نسلم أن الممثلين لا يكرهون محاكاتهم حسبما صورته فإنا نجد من أنفسنا كراهة تشخيصنا على أي حال كان ولا شك أن تشخيص الأمراء تنقيص لهم قال في الدر المختار ومن ذلك (أي أنواع) الغيبة المحاكاة كأن يمشي متعارجاً أو كما يمشي مقابلاً لقوله متعارجاً دليل على أن الإنسان يكره محاكاته مطلقاً على أن مناط العلة في التحريم الكراهة ولو في الجملة إذ عدم كراهة شخص لشيء يوصف به والحال أنه يكرهه من سواه إن
وصف به يعد غيبة إن وصف به بدليل حرمة غيبة الصبي والمجنون وإن لم يعقلا الكراهة والإيذاء ولم يكن لهما من يتأذى بذلك من الأقارب كما ذكر ذلك في رد المحتار عن ابن حجر بقي هنا صورة وهي ما إذا كان جميع الممثلين من الذين لا تحرم غيبتهم كالحربيين ولم يوجد محظور من نحو تخنث أو لبس قبعة فالظاهر عدم الحرمة من حيث ذلك وإن كان حراماً من حيث كونه كذباً كما سنبينه.
هذا ما يراد من كونه جهة التمثيل غيبة أما ما يراد من جهة كونه كذباً فبيانه موقوف على بيان كونه كذباً وذلك من وجهين أحدهما إدعاء أن الممثلين (بكسر الهاء) هم أؤلئك القوم الغابرون. والثاني عدم خلو القصة التمثيلية عن زيادة أو نقص غير مطابق للواقع بصورة أنه صدق مطابق للواقع فيرد على الأول أنه مما يتيقن كذبه كمقامات الحريري مثلاً فإن الظاهر أن الحكايات عن الحرث بن همام والسروجي لا أصل لها فكيف يحرم كذب التشخيص دون كذب ما في المقامات وعلى الوجه الثاني أن القصة التمثيلية لها أصل معروف محقق فهي ككتب التاريخ وتحريمها دون التاريخ تحكم مع أن كتب التاريخ كثيرة تصنيفاً وقراءة وتعليماً وتعلماً. قلنا هذا إنما يرد أن لو كانت الروايات التمثيلية مجرد قصص خالية عن المحاكاة والتشخيص فحينئذٍ فيها وفي سماعها ما في التاريخ من تفصيل وتقسيم واختلاف مذاهب على اختلاف المقاصد والمآرب وللفقهاء في هذا المقام تحقيق للمرام فليرجع إليه من شاء وأما ما نحن فيه فحيث أن الروايات المنوه عنها بارزة بصورة التمثيل الذي ثبتت لدينا حرمته فلا يغتفر شيء من وجهي الكذب المذكورين.
لا يقال إذا كان المقصود من التمثيل رياضة الصبيان ومن الريع إعانة الفقراء والمحتاجين فهلا يكون هذا المقصد مبيحاً لذلك والأمور بمقاصدها لأن المقاصد الحسنة لا تجعل الحرام مباحاً والصبيان في غنى عن هذه الرياضة وفيما جاء في جواب الأستاذ الشيخ محمد القاسمي الحلاق تحت عنوان فصل في رياضة الصبيان وفي ما كتبه الأستاذ الشيخ محمد عارف أفندي المنير تحت عنوان الإعانة بالوسائل المنكرة ما هو كافٍ لكل منصف هذا ما ظهر لفهمي القاصر والله أعلم وأستغفر الله العظيم (حمص)
عبد القادر الخوجه.
الجواب الثالث عشر للعلامة المفضال الأستاذ المحقق صاحب الإمضاء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله. والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد فإني قد اطلعت على سؤال في مجلة الحقائق موقعاً برمز ي ص وإني لوددت أن يكون هذا السائل قد صرح باسمه لا برمزه وقد طلب بيان حكم الله تعالى في هذا التمثيل الواقع على هذه الصورة بحضور كثير ممن كان بسمة أهل العلم وغيرهم من العوام الذين لا معرفة لهم بحله وحرمته فنقول جواباً عن ذلك. التمثيل المسؤول عنه حرام بإجماع من يعتد بإجماعه المسلمين لاشتماله على محرمات عديدة منها النظر إلى الغلمان المرد مع مااشتملوا عليه من إسدال الشعور وتسريحها وتلو الأجساد وتمايلها وترقيق الصوت ولين الكلام المعبر عنه بالتخنث أي التشبه بالنساء قال العلامة ابن حجر المخنث هو من يتخلق بخلق النساء حركة وهيئة وعليه حملت الأحاديث الواردة بلعنه أهـ باختصار وقال العلامة البيجوري ونظر الرجل إلى الأمرد الجميل بشهوة أو خوف فتنة فهو حرام بالإجماع ولا يختص ذلك بالأمرد الجميل بل النظر بشهوة حرام لكل ما لا يجوز الاستمتاع به ولو جماداً وضابط الشهوة كما قاله الغزالي أن يتأثر بجمال صورته بحيث يظهر من نفسه الفرق بينه وبين الملتحي ويعرف ذلك بميل النفس إلى القرب والملامسة وكثير من الناس ينظرون إلى الأمرد مع التلذذ بجماله والمحبة له ويظنون أنهم سالمون من الإثم لاقتصارهم على النظر دون إرادة الفاحشة وليسوا سالمين. ويحرم أيضاً استماع صوته إن تلذذ به أو خيف منه الفتنة كما بحثه العلامة الزركشي رحمه الله تعالى وأما الانحناء إلى قرب الركوع فنص الفقهاء على كراهته وأعظم من هذا كله لبس البرنيطة فإنهم عدوه من المكفرات قال الثقة ابن حجر في كتاب الردة عند قوله أو سجود لصنم أو شمس تنبيه وقع في المواقف وتبعه السيد الجرجاني في شرحه الخ ما نقله عنهما وقال ثم قالا ماحاصله أيضاً يلزم على تفسير الكفر بأنه عدم تصديق الرسول في بعض ما جاء به ضرورة تكفير من لبس الغيار مختاراً أي لبس ما كان مختصاً بغير المسلمين لأنه لم يصدق بالكل وذلك لأننا جعلنا اللبس الصادر عنه باختياره علامة على الكفر بناءً هنا على أن ذلك اللبس ردة فحكمنا عليه بأنه كافر لأنه غير مصدق أهـ كلامه وقال في كتاب التعزيز من سعى في إفساد النساء والغلمان ولم ينزجر إلا بحبسه حبس فعلى هذا لا يوجد تمثيل بالمعنى المصطلح عليه الآن إلا وقد اشتمل على محرمات عديدة فقد قام بهذا التمثيل أبو خليل القباني وسماه بالكميدا فقام على
إنكاره علماء زمانه حتى تصدر لإزالته المرحوم الشيخ سعيد أفندي الغبرة واستحصل أمراً سلطانياً بمنعه وأصدرت الحكومة أيضاً أوامر جديدة بمنع التمثيل في المدارس فحينئذٍ منعه واجب للأمر بإطاعة أولي الأمر قال تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقال القسطلاني عند قوله صلى الله عليه وسلم لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً ما نصه واستنبط من هذا الحديث النهي عن فعلٍ مستحب وهو متابعة المأموم للإمام في غير تخلفٍ خشية ارتكاب محذور وهو مظنة رؤية شيء من عورة الرجال أهـ بتصرف.
فعلى هذا لو فرض أن للتمثيل فوائد فينبغي النهي عنه لاشتماله على كثير من المفاسد وأما قول أحد المعلمين مستدلاً على جواز هذا التمثيل بقوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار) فهو حجة عليه لأن الاعتبار هو الاتعاظ بمن سبق من الأمم كيف حلّ بهم العذاب بارتكابهم المناهي وعدم امتثال الأوامر وأي اتعاظ يكون بهذا التمثيل المشتمل على أنواع من المحرمات كما تقدم لك ببيانه وقوله أيضاً مستدلاً على جواز هذا التمثيل بقوله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم الخ لا يخفى إن إنما للحصر فكأنه قال ما بعثت إلَاّ لأتمم مكارم الأخلاق وهو كذلك لأنه الخاتم لمن سبقه من الأنبياء عليهم وعلى نبينا أشرف الصلاة وأتم التسليم وإنما جاء من قبله بالبعض أو بالمعظم ولا يخفى أيضاً أن قوله مكارم الأخلاق هو من إضافة الصفة للموصوف أي الأخلاق الكريمة وهي الاتباع لسنة الله ورسوله فيكون به شريفاً ديناً صالحاً فأي خلق كريم بهذا التمثيل حتى يكون من جملة ما بعث لإتمامه عليه الصلاة والسلام وقد احتوى على محرمات وخرافات عديدة كما نقدم لك بيانه فإن قال ذلك المعلم أنه قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بل تقوله الذين لا يعلمون وإن قال أنه لم يفعله لكنه من مكارم الأخلاق نقول هذا طعن بالرسالة فإنه يقتضي أنه لم يتمم وقد قال صلى الله عليه وسلم مستشهداً للصحابة إلا هل بلغن ثلاث مرات ليت شعري هل يجوز لنا أن نطلق اللسان ونقول هذا التمثيل من مكارم الأخلاق التي بعث النبي لإتمامها كلا والله قال صلى الله عليه وسلم وهل يكب الناس على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم وقول الممثلين إنما التمثيل فرض جاء في القرآن يستدل به على حصر هذا التمثيل بالفرضية ويستدل على الفرض أنه جاء به القرآن لأن
إنما للحصر فكأنه قال ما التمثيل إلا فرض بدليل أنه جاء به القرآن أقول لا يخفى على من له أدنى إلمام بفن من الفنون أو بفن الوضع فقط أن أل الداخلة على الأسماء وضعت لأن تدل إما على الاستغراق وهي التي يصلح في موضعها ما يدل على العموم كلفظة كل أو على الجنس وهي التي يشار بها إلى الماهية المتحققة في ضمن فرد من الأفراد أو على العهد الذكري وهي ما تدل على المذكور سابقاً على مدخولها أو على العهد الذهني أو الخارجي فالأول ما يشار بها إلى حصة معلومة في الذهن والثاني ما يشار بها إلى حصة معينة في الخارج فكأنه قال كل تمثيل أو ماهيته المتحققة في ضمن فرد أو المعهود ذهناً أو خارجاً فرض جاء به القرآن وأما العهد الذكري فلا سبيل إليه هنا إلا أن يقال أنه مذكور بالقوة فكأن السائل يقول ما حكم هذا التمثيل فقال إنما التمثيل فرض الخ فيتركب من هذا قياس منطقي فيقال هذا الدال على قول وفعل الأندلسيين تمثيل وكل تمثيل أو ماهيته أو المعهود ذهناً أو خارجاً أو ذكراً على ما سبق فرض جاء به القرآن فهذا الدال على فعل وقول الأندلسيين فرض جاء به القرآن وأنت خبير بفساد النتيجة لفساد المقدمة الكبرى فيسقط الاستدلال به على فرضية هذا التمثيل. فانظر يا أخي بعين الإنصاف هل من قائل بهذا؟ إن هذا لشيء عجاب ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا ألا اختلاق وهل مراده بالفرض المؤكد كما هو أحد معانيه أو الفرض العيني أو الكفائي وعلى كل لا قائل به لما يلزم عليه تأْثيم الكل إن قلنا أنه فرض عيني أو البعض على القول بأنه كفائي أو اللوم على القول بأن المراد به المؤكد كما سبق وهل المراد بالقرآن كل ما يقرأ كما هو أحد معانيه أيضاً والمراد به المنزل على سيدنا محمد المتعبد بتلاوته المتحدي بأقصى سورة منه وعلى كلٍ فهو غير مسلم لأنه على الأول ليس كل ما يقرأ يكون حجة على الفرضية وعلى الثاني لم يسمع بآية تدل على فرضية تمثيل فعل الأندلسيين هذا ما يسره الله تعالى في هذا المعنى. ثم رأيت في جريدة المفيد في عدد 847 مقالة بإمضاء مشاهد يدعي أن الممثلين لم يقولوا إنما التمثيل فرض جاء في القرآن وإنما قالوا إن ذكر الماضي فرض جاء في القرآن يظن صاحب المقالة أنه قد خلص الممثلين مما وقعوا فيه وليس كذلك من وجوه منها أن إنكاره للبيت الأول واعترافه بالبيت الثاني واعتراف بخطأ البيت الأول ومنها أن جميع ما قيل في البيت الأول يقال في البيت الثاني عيناً بعين كما لا يخفى على المتأمل ومنها قوله
إن ذكر الماضي الخ يرد عليه أن الممثلين فعلوا وما اقتصروا على الذكر فالدليل غير المدعى كما هو ظاهر وأما استهزاؤه بمن كتب في التمثيل من جلة العلماء الأعلام فالجواب عنه ما أجاب الله تعالى من استهزأ بمن آمن بالله ورسوله (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون).
وفي الختام نقدم النصيحة لآباء الأولاد أن يحفظوا عليهم آدابهم وأخلاقهم فلا يرموا بهم في المدارس التي تفسد تربيتهم وتضيع أوقاتهم فإن للأبناء حقوقاً على الآباء منها تحسين الأسماء وتعليمهم ما يلزم من أحكام الشريعة المطهرة وتأديبهم بآداب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتمرينهم على سلوك طريقته وفقنا الله لاتباعه وأماتنا على سنته.
دمشق
عبد الوهاب الشركة
الجواب الرابع عشر لأحد علماء بيروت الأفاضل
قيل لي ألا تكتب في مسألة تمثيل الروايات من حيث حلها أو حرمتها فقلت لقد كتب جملة من الأفاضل العلماء وكشفوا القناع عن حقيقة المسألة فهل بعد قول أولئك الأفاضل اعتراض لمعترض ولكني مع هذا أتطفل فأقول:
إن التمثيل بالنسبة إلى الإفرنجة يجوز عده من الفضائل إن جاز نسبته الفضيلة إليهم وذلك لأنه يظهر لهم قبائح الوقائع الماضية ومحاسنها عياناً فينهجون على ما يظهر لهم حسنه ويجتنبون قبيحه كأحوال الملوك الظلمة وغيرها وأما بالنسبة إلينا نحن المسلمين فلا يعد فضيلة لأن لنا شريعة كاملة تكفلت لنا ببيان كل حسن وقبيح في دنيانا وديننا وعلمتنا الجزئيات والكليات من سياسة الممالك إلى كيفية دخول الخلاء ولكن لما تركنا العمل بها أخذنا نقلد الإفرنجة فيما يلهون به دون جدياتهم نرجو بذلك الاهتداء لإصلاح أمر دنيانا معرضين عن أمر ديننا وهيهات فما دمنا على هذه الحالة لا نزداد إلَاّ انحطاطاً. التمثيل إن خلا عن منكر وهيهات فهو أقرب إلى اللعب منه إلى الجد ولو كان فيه كما يقولون اعتبار لمثل الشارع صلى الله عليه وسلم لأصحابه ما كرر الله تعالى ذكره في كتابه العزيز من إهلاك الأقوام السالفة وغيره والعاقل يتعظ بالإشارة على أن في مسرح الوجود وفي الوقائع الحاضرة من العبر ما يغني عن مسارح التمثيل التي هي في الحقيقة ملاهي ومراقص.
التمثيل كان معروفاً عند الرومان ومسارحهم باقية إلى اليوم في بعض البلدان فلماذا لم يدخله إلينا الخلفاء السالفون كالمأمون وإضرابه وقد أدخلوا علومهم من العقليات والرياضيات والفلكيات ألم يكن لأولئك الرجال من التمييز بين الغث والسمين مالشباننا المتفرنجين؟.
ثم إن حضور بعض من تزيا بزي العلماء تلك المسارح لا يكون حجة على إباحة التمثيل ولقد كنا نرى البعض يحضرون مسارح (القباني) ورواياته في دمشق وفيها ما لا يخفى من التهتك ثم لو فرضنا حصول الاعتبار بشهود الرواية الخالية من المنكر إن فرض خلوها من قبيل فرض المحال فهل يوازي ذلك الاعتبار تضييع صلوة الفجر عند من يصلي من أنصار التمثيل أو يعتقد مشروعية الصلاة. وهؤلاء نأمل من الله أن يكونوا قد اقتنعوا بما كتبه علماء الدين في الحقائق.
أما التاركون للصلاة الجاحدون لها فلا كلام لنا معهم وإنما نبين ما صح عن الشارع صلى الله عليه وسلم فيهم ليكون الناس على بينة في اجتنابهم ولتقوم الحجة على المؤثرين لأتباعهم.
روى البخاري ومسلم في صحيحها وغيرهما من أصحاب السنن عن علي رضي الله عنه أنه قال إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخرُّ من السماء فتخطفني الطير أحب إليَّ من أن أكذب عليه سمعته يقول سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم إلى آخر الحديث وقد أخرجه البخاري في الجزء الرابع من صحيحه في كتاب الفتن فليراجع.؟ وقد تكلم الشراح على هذا الحديث فقال البعض أن علياً رضي الله عنه أراد بهؤلاء الخوارج الذين قاتلهم وأولوا آخر الزمان بآخر زمان الخلفاء الراشدين.
وقال بعض الشراح لا يمتنع تكرر الخروج فكما خرج هؤلاء في آخر زمن خلافة النبوة فيجوز أن يخرج أيضاً في آخر الزمان قوم على تلك الصفة سيما ولفظ الحديث يساعد ذلك لإطلاق آخر الزمان أهـ وعندي أن هؤلاء اليوم هم بعض المتفرنجين النابذين للدين ظهرياً ولأجل تأييد ذلك فلنطابق بين ألفاظ الحديث وبين حالهم قوله صلى الله عليه وسلم (أحداث
الأسنان) وهو كذلك يسمون أنفسهم بالشبان المتنورين حتى إن من تقدم منهم في السن نوعاً يتزيا بزي الشبان في الملبس والتزيين وحلق اللحية والتخنث في الكلام حتى وفي الكتابة أيضاً وقوله عليه الصلاة والسلام سفهاء الأحلام ينطبق عليهم. من سفه أحلامهم تضليلهم السلف وطعنهم في مذاهب الأئمة ونظرهم لكتب الفقه بالاستخفاف مع أن كتب أصول الفقه تقرأ اليوم باللغة العربية في بعض كليات أوربا لأجل التضلع في علم الحقوق وهم يزعمون أن أوربا هي منشأ العلوم فهلا اقتدوا بأهل أوربا في تعلم الفقه الإسلامي؟ ومن ذلك تدرك مقدار سفه أحلامهم. وقولاه صلى الله عليه وسلم يقولون من خير قول البرية أي أنهم خطباء كتبة شعراء (وإن يقولوا تسمع لقولهم).
تقدم أن بعض شراح الحديث قالوا في هؤلاء الخوارج المرادين بقوله صلى الله عليه وسلم سيخرج في آخر الزمان الحديث أنه لا مانع من تكرر خروجهم فمنهم من خرج في آخر زمن الخلافة ومنهم من يخرج في آخر الزمان وعلى كلٍ فإن بين الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه وبين الموجودين اليوم بين ظهرانينا شبه ظاهر لا ينكر على بعد العهد وتقادم الزمن وسآتيك على ذلك بالبرهان الساطع فأقول: اطلعت منذ عامين على مقالة في إحدى جرائد بيروت لبعضهم ذكر فيها الخوارج الذين تآمروا على قتل علي رضي الله عنه وكرم وجهه وعلى قتل معاوية وعمرو رضي الله عنهما والشروط التي وضعوها لإقامة جمهورية لو تمَّ لهم قتل الثلاثة.
يريد الكاتب أن هؤلاء الخوارج من قتلهم الإمام علياً رضي الله عنه وتصديهم لقتل معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما من أجل تأسيس الجمهورية هو أمر إسلامي مشروع وكنت وقتئذٍ عرضت المقالة على ناظم باشا أيام ولايته في بيروت فحال دون تتبعها مانع.
فهذه المقالة التي استحسن فيها صاحبها فعل الخوارج الذين اغتالوا الإمام علياً رضي الله عنه وأرادوا اغتيال معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما اللذين يقول فيهما مؤرخوا الإفرنجة (لولا معاوية بالشام وعمرو بمصر لما ثبت الإسلام في هذين القطرين) هي دليل قاطع على أن بين هؤلاء الموجودين اليوم بين ظهرانينا وبين الخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه صلة ظاهرة.
فقد ظهر لك معدن هؤلاء فماذا عسى أن يكون تمثيل الروايات بازاء هذه الآراء
والمعتقدات (وما تخفي صدورهم أكبر) نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويتولى هدانا أجمعين.