المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدين الإسلامي والتوحيد - مجلة الحقائق - جـ ٢٣

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌الدين الإسلامي والتوحيد

‌الدين الإسلامي والتوحيد

18

التفاضل بين الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام

والملائكة والصحابة

قدمنا أن من تمام نعمة الله تعالى وكمال رحمته بهذا النوع الإنساني أن أرسل إليه رسلاً هادين مرشدين اصطفاهم من بين أفراده وميزهم بخصائص لا يشركهم فيها سواهم وأيدهم بالآيات والمعجزات تصديقاً لدعواهم وتحقيقاً لصدق نبوتهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وذكرنا معنى المعجزة والفرق بينها وبين ما يظهر من خوارق العادات على أيدي غيرهم وأثبتنا أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أكثر الأنبياء معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهاناً وأوضحهم محجة وتبياناً ثم سردنا شيئاً يسيراً من معجزاته إظهاراً لعظيم قدره وسمو مكانته وإيذاناً بما حباه الله تعالى من الآيات المثبتة لنبوته والمواهب الدالة على تحقيق رسالته وفي هذا المقام نريد أن نبين أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل خلق الله تعالى وأن الأنبياء والملائكة عليهم السلام متفاوتون في الرتبة وكذلك الصحابة رضي الله عنهم فنقول:

أجمعت الأمة الإسلامية على أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق علي الإطلاق من أنبياء وملائكة وغيرهم. قال تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) قال المفسرون يعني محمداً عليه الصلاة والسلام رفعه سبحانه من ثلاثة أوجه بالذات في المعراج وبالسيادة على جميع البشر وبالمعجزات فإنه عليه الصلاة والسلام أوتي من المعجزات مالم يؤته نبي قبله.

فال الزمخشري وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره مالا يخفى لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه والمتميز الذي لا يلتبس وقد بينت هذه الآية وكذا قوله تعالى (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) إن مراتب الرسل والأنبياء عليهم السلام متفاوتة والتفضيل المراد لهم هان في الدنيا وكذلكة بثلاثة أحوال أن تكون آياته ومعجزاته أظهر وأشهر أن تكون أمته أزكى وأكثر أن يكون في ذاته أفضل وأطهر وفضله في ذاته راجع إلى ماخصه الله تعالى به من كرامته وتفضيله ببكلام أو خلة أو رؤية أو ماشاء الله من

ص: 2

الطافة وتحف ولايته واختصاصه وغير ذلك.

ولامرية في أن آيات نبينا صلى الله عليه وسلم ومعجزاته أظهر وأبهر وأكثر وأبقى وأشهر ومنصبه أعلى ومقامه أعظم وأوفر وذاته أفضل وأطهر وخصوصياته على جميع الأنبياء أشهر من أن تذكر وقد ثبت أن انتفاع أهل الدنيا بدعوته أكمل من انتفاع الأمم بدعوة سائر المرسلين فوجب أن يكون أفضل النبيين وأن تكون درجته أرفع من درجاتهم ومرتبته أسمى من مراتبهم.

ومن تأمل حديث الشفاعة في المحشر وانتهاءها إليه وانفراده هناك بالسؤؤد يظهر لهما لهذا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من الاختصاص بالمقام الأعلى والمراتب العظمى.

أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي لله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الأرض للحشر وأول شافع وأول مشفع وفي الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم أنا أكرم ولد آدم يومئذٍ على ربي ولا فخر وفيه أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال الصلاة والسلام أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه السلام أنا سيد الناس يوم القيامة.

قال الفخر الرازي رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى وصف الأنبياء بالأوصاف الحميدة ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم (أولئك اللذين هذه الله فبهداهم أفئدة) وقد أتى بجميع ما أتوا به من الخصال الحميدة فقد اجتمع فيه ما كان مفرقاً فيكون أفضل منهم.

وأما ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام (لا تفضلوني) على يونس بن متى ولا تفضلوا بين الأنبياء) ولا تخيروني على موسى كما في الشفاء للقاضي عياض فقد حمل العلماء النهي على التفضيل المؤدي إلى تنقيص بعضهم وانحطاط قدرهم أو أنه قال ذلك تواضعاً واحتراماً لمقامهم أو نهى عن ذلك قبل علمه بأنه سيد ولد آدم وأفضلهم وأشرفهم.

ويليه صلى الله عليه وسلم في الفضيلة سيدنا ابراهيم فموسى فعيسى فنوح عليهم الصلاة والسلام وهؤلاء هم أولو العزم المشار إليهم في القرآن العظيم بقوله تعالى (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) كما اتفقت عليه كلمة العلماء ويلي أولي العزم بقية الرسل ثم

ص: 3

الأنبياء غير الرسل مع تفاوت مراتبهم عند الله تعالى لظاهر قوله تعالى (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) ويليهم في الفضيلة الملائكة عليهم السلام وهم متفاوتون في الفضيلة كما قدمنا وحقيقتهم أنهم أجسام نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة شأنهم الطاعة ومسكنهم السماوات غالباً ومنهم من يسكن الأرض كما وتصفهم الله تعالى بقوله (عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)(يسبحون الليل والنهار لا يفترون) لا يوصفون بذكورة ولابأنوثة ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون وأفضلهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام وهم رؤساء الملائكة وهذا باتفاق العلماء ثم بقية الملائكة بعضهم أفضل من بعض على حسب مراتبهم.

وأما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم أفضل القرون المتأخرة والمتقدمة ماعدا الأنبياء والمرسلين لحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّا أحدهم ولا نصيفه وفي الترمذي من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام الله الله في أصحابي لا تنخذونهم غرضاً من بعدي فمن أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم إلخ.

ولا يخفى ترجيح رتبة مكن لازمه صلى الله عليه وسلمة وقاتل معه وقتل تحت رايته على من لم يكن كذلك وأفضل الصحابة النفر الذي ولي الخلافة العمى وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وشأنهم في ترتيبهم في الفضل على حسب ترتيبهم في الخلافة ويدل على ذلك حديث بن عمر رضي الله عنه المخرج عند الطبراني كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فلم ينكره صلى الله عليه وسلم.

قال السعد التفتازاني على هذا وجدنا السلف والخلف ثم يلي الخلفاء الأربع في الأفضلية الستة الباقية تمام العشرة المبشرين بالجنة وهم طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم ولم يرد نص بتفاوت بعضهم على بعض في الأفضلية فلا نقول به لعدم التوقيف وتخصيص هؤلاء العشرة بالجنة لكونهم جمعوا في حديث مشهور أخرجه الترمذي وبن

ص: 4

حيان ثم يلي رتبة الستة في الأفضلية أهل بدر لحديث أخرجه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم أن الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

ثم يلي رتبة أهل غزوة بدر الصحابة الذين غزوا أحد ثم يليهم أهل بيعة الرضوان ثم بقية الصحابة أهل القرن الأول ثم يليهم في الأفضلية أهل القرن الثاني ثم أهل القرن الثالث لحديث البخاري ومسلم عن عمر أن أبن حصين وبن مسعود رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. يتبع

ص: 5