المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الزنا لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم الزنا فإذا - مجلة الحقائق - جـ ٢٤

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌الزنا لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم الزنا فإذا

‌الزنا

لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم الزنا فإذا فشا فيهم الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب

لم تزل عقلاء الأمم قديماً وحديثاً تعتقد بتحريم هذه الرذيلة، وبأنها الوسيلة إلى نقض أسس العمران، والعامل الأكبر على خراب الممالك والبلدان وأنها مجلبة الشر، ومميتة الأخلاق، والضربة القاضية على الشرف والعفاف.

اتفقت كافة الشرائع على تحريم هذه الفاحشة (الزنا) تحريماً مؤكداً ووضعت العقوبات الشديدة لإماتتها، وقطع دابرها، حفظاً للتربية، وصيانة للأخلاق العامة، ولئلا تضيع الأنساب، ويقل النسل، وتفقد الثقة بالأصول، فمنها من حكم على الزاني والزانية بأن يوثقا ثم يطرحا في الماء ومنها من حكم عليهما بالإحراق، ومنها من حكم عليهما بالقتل، ومنها من حكم عليهما بصلم الأذنين، وجدع الأنف كما تقدم بيانه ص 430 من المجلد الأول. وفرقت الشريعة الإسلامية في العقوبة بين المحصن وغير المحصن فأوجبت أن يخرج الأولإذا ثبت لدى الإمام زناه إلى أرض فضاء ثم يرجم بالحجارة حتى يموت وحظرت قتله بغير صورة الرجم تعذيباً له وتأديباً لغيره، وحكمت على الثاني إن كان حراً بجلد مأة مع تغريب عام وإن كان عبداً بجلد خمسين مع تغريب نصف عام، وشددت النكير على المتهاون بإقامة هذا الحد. فقال جل ذكره (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين).

نهى الله تعالى عن استعمال الرأفة والرحمة بالزاني والزانية لعظم هذه الفاحشة التي هي من أكبر الكبائر ولذا قرنها تعالى بالشرك وقتل النفس فقال سبحانه (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيام ويخلد فيها مهاناً إلا من تاب) وسماها أيضاً فاحشة فقال عز اسمه (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) وقال سبحانه (ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا).

قال العلماء رضي الله عنهم: الفاحشة أقبح المعاصي، والمقت بغض مقرون باستحقار فهو أخص من الفاحشة. وهو من الله عز وجل في حق العبد يدل على غاية الخزي والخسار. وللقبح ثلاث مراتب عقلي وشرعي وعادي. فقوله تعالى فاحشة إشارة للأول، ومقتاً إشارة

ص: 1

للثاني وساء سبيلا إشارة للثالث. ومن اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح أهـ وقد جاء في السنة الشريفة تغليظ شديد لمرتكب هذه الكبيرة. أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل له ندا وهو خلقك قلت إن ذلك لعظيم قلت ثم أي قال له أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك. وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. وأخرج الشيخان أبو داود والترمذي والنسائي. لا يحل دم ارمئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. وأخرج أبو داود والنسائي. لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا في إحدى ثلاث زنا بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً بالله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض أو يقتل نفساً فيقتل بها. وأخرج أحمد والطبراني واللفظ له، تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه. فلا يبقى مسلم يدعو دعوة إلا استجاب الله عز وجل له، إلا زانية تسعى بفرجها أو عشارا. وأخرج الطبراني عنه صلى الله عليه وسلم، أن الزناة تشتعل وجوههم نارا. واخرج البيهقي عنه عليه الصلاة والسلام. الزنا يورث الفقر. وأخرج البخاري من حديث طويل رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة إلى أن قال فانطلقنا إلى مثل التنور قال فاحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضو ضو الحديث وفي آخره وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأخرج أبو داود واللفظ له والترمذي والبيهقي. إذا زنى الرجل أخرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان. وأخرج البيهقي عنه صلى الله عليه وسلم. أن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإذا تاب رد عليه. وأخرج أبو يعلى عنه صلى الله عليه وسلم لا تزال أمتي بخير متماسك أمرها ما لم يظهر فيهم ولد الزنا وأخرج البزار أنه صلى

ص: 2

الله عليه وسلم قال، إذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة وأخرج أبو يعلى بسند حسن ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة المصرحة بقبح هذه الكبيرة، وعظم وزرها، وشدة عقابها، وما ينبعث عن فشوها من الأضرار العامة كظهور الفقر ونزول الذل والمسكنة بالأمة، وتلاشي الخير من بينها، وإحاطة الغضب والمقت الإلهي بها، والقضاء الأبدي على الأخلاق والفضيلة التي يبذل في صيانتها كل مرتخص وغال، ويستهان بالمحافظة عليها بالدماء والنفوس والأرواح هذا مع سريان الفساد في العائلات واختلاط الأنساب في القبائل وضياع الحقوق والمواريث وتولد الأمراض وتكاثرها خصوصاً منها المرض الزهري الشائع بين الزناة ذلك الداء الذي جعل يهدد الصحة العامة بالفتك والأجسام الصحيحة بالعلل (ولعذاب الآخرة أشد) وماذا نجيب عما بلغنا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث المار ذكرها وهل تقليدنا لفسقة أوروبا أو رحمتنا لعدد لا يتجاوز العشرة من العاهرات يكون جواباً منجياً لنا من عذا الله تعالى؟ هذا ما نحب أن نسئل عنه أولئك الذين يتوهمون بأنهم بإعادة (المرقص) لدمشق يحسنون صنعاً ويفعلون خيراً، وأنه لا غاية لهم إلا حفظ الصحة العامة وصيانة الأعراض وأنهم في خدمتهم هذه أرادوا تخليص الوطن مما هو فيه. فهم يصرفون الأوقات ويكررون الجلسات ويديمون المذكرات في انتقاء محل مناسب لأولئك المومسات. وليت شعري هل تخليص الوطن يكون بمعصية الله وبما يوجب مقته وسخطه؟ هل تخليص الوطن يكون بما يوجب عليه الخزي الدائم والعار الأبدي؟ هل صيانة الأعراض تكون بإباحتها بالطريق الرسمي بحيث لا يخشى مرتكبها لوم لائم ولا سيطرة مسيطر؟ هل صيانة الأعراض تكون بتسهيل أسباب الفحش؟ هل صيانة الأعراض تكون بإعداد محل رسمي للمومسات؟ هل صيانة الأعراض تكون بما حرمته الشرائع الديانات؟ هل صيانة الأعراض تكون بعرضها للبيع كالسلع في الأسواق؟ هل صيانة الأعراض تكون بإباحتها للعبد والحر والجهول والسفيه؟ هل حفظ الصحة العامة يكون ببذر بذور الوباء (الداء الزهري) فيما بين الناس؟ هل حفظ الصحة العامة يكون بإباحة الزنا بمن لا يحترسن من التطهر من دم الحيض والأقذار؟ هل حفظ الصحة العامة يكون بإتيان فرج هو مورد لكل خبيث وشيطان؟ هل قطع الأوقات وتكرار الجلسات ودوام المذكرات لانتقاء محل لهن مع ما ينضم إلى ذلك من

ص: 3

المعصية والإثم ومخالفة أمر الله أهون من تتبع عشرة من المومسات ونعهن من التجاهر ببيع الأعراض؟ تالله لو أنا نعني بهذا الأمر بعض العناية ونضرب على أيدي أولئك الفاجرات لما ظهر لهذه الفاحشة أثر ولما عرف لها خبر. شرطي واحد لو أحيل إليه أمر تتبع هؤلاء المومسات لما اقتدرن على أن يتجولن بالأسواق يستهوين بعض الجهلة ويستملن بعض الأغرار بل لو منح هذا الشرطي سلطة تمكنه من إلقاء القبض على كل من ظهرت عليها إمارة الفحش سواء في ذلك الرجل والمرأة وقبض على بعض أفراد قليلة لمات خبر هذه الموبقة ولارتاح الناس أجمعين من خطر هذه الفاحشة ولأصبحوا يشكرون من كان السبب في دفع هذا البلاء عنهم ورفع هذه الفاحشة من بينهم وحينئذ يحق لنا بأن ندعي خدمة الأمة، يحق لنا أن نرفع أصواتنا بأنا من المحافظين على صون الأعراض، من المحافظين على الصحة العامة، من نصراء الفضيلة، من محبي الشرف والأدب، ممن يكرهون الرذيلة وينأون عن الفساد، وعسى أن يكون ذلك بالقريب العاجل وما هو على همة أولي الأمر بعزيز.

ص: 4