الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاريخ
ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين.
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بعد أن ذكرنا شذرة من أحوال سيدنا عمر رضي الله عنه وما كان عليه من الورع والزهد والتقوى والسهر على مصالح الرعية وشدة التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأخلاق والمناقب أحببنا أن نذكر شيئاً من فتوحاته ليعلم أخواننا من ناشئة العصر أن الجهاد لإعلاء كلمة الله عز وجل وتأييد دينه سبحانه هو حياة هذه الأمة الإسلامية وقوام أمرها وبه حفظ كيانها وصون مجدها وشرفها وإنقاذها من أنياب تلك الذئاب وخلاصها من عبث قوم لم يرقبوا في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة.
فتح دمشق
لما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة عزل خالداً عن إمارة الجيوش بالشام وجعل أبا عبيدة أميراً عليها وكتب إليه بذلك فوصل البريد إليهم وهم في وقعة اليرموك كما تقدم بيانه في آخر ترجمة أبي بكر رضي الله عنه، وكتم أبو عبيدة وفاة أبي بكر ولم يخبر الناس بأن عمر ولاه على إمارة الجيوش في الشام بدلاً من خالد رضي الله عنهم.
اجتمع المشركون بعد انهزامهم في وقعة اليرموك في فحل وكان هرقل وراء حمص فأرسل أبو عبيدة طائفة من المسلمين إلى فحل لمحاصرة من اجتمع فيها. وبعث ذا الكلاع في جند من المسلمين إلى جهة حمص ليمنعوا هرقل من مساعدة أهل دمشق فنزلوا بين حمص ودمشق. وسير جنداً آخر فكانوا بين دمشق وفلسطين. ثم سار هو وخالد بن الوليد فقدموا على دمشق ونزل أبو عبيدة على ناحية وخالد على ناحية وحصروا أهل دمشق سبعين ليلة وقيل ستة أشهر وأحاطوا بهم من كل جانب وجاءت خيول هرقل لإغاثة دمشق فمنعتها خيول المسلمين التي عند حمص. ثم اتخذ خالد حبالاً كهيئة السلاليم ونهض هو وبعض وجهاء جنده قاصدين أن يتسوروا سور البلدة وتآمروا مع الجند بأنهم إذا سمعوا تكبيراً على
السور أن يرقوا إليهم ويقصدوا الباب. فلما وصل هو وأصحابه إلى السور رموا الحبال إلى أعلى السور فعلق فيه حبلان فصعد فيهما القعقاع ومذعور رضي الله عنهما وأثبتا بالشرف بقية الحبال التي جعلها خالد كهيئة السلاليم وكان ذلك المكان أحصن موضع بدمشق وأكثرها ماء.
فصعد المسلمون ثم انحدر خالد وأصحابه وترك بذلك المكان من يحميه وأمرهم بالتكبير فكبروا فأتاهم المسلمون إلى الباب وإلى الحبال وانتهى خالد إلى من يليه فقتلهم وقصد الباب فقتل البوابين وثار أهل المدينة لا يدرون ما الخبر وتشاغل أهل كل ناحية بمن يليهم وفتح خالد الباب وقتل كل من عنده من المشركين. هكذا كان قواد الجيوش الإسلامية يخاطرون بأنفسهم ويخوضون غمرات الموت أمام الجنود بكل جرأة وإقدام رغبة في الشهادة ومبادرة إلى جنان الخلود حتى كان شرب كأس المنون إذا تلظت الحرب أشهى إليهم من الماء العذب. وكيف لا تنبعث روح الشهامة والثبات في جيش تيقن أن الجنة تحت ظلال السيوف ورأى أمراءه وقواده إلى القتل يبادرون ولميدانه يتسابقون؟. . هنا تتساقط من عيون المؤمن درر المرجان وتكاد نفسه تذهب حسرة على ما وصل إليه المؤمنون بعد تلك الأيام النضرة والحياة الطيبة.
ولما رأى الروم ما صنع خالد بهم قصدوا أبا عبيدة وبذلوا له الصلح فقبل منهم وفتح له الباب وطلبوا منه أن يدخل ويمنعهم من جند خالد.
فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ودخل خالد عنوة ولكن أبا عبيدة لم يعلم بذلك. فالتقى خالد والقواد في وسطها. هذا قتلاً ونهباً وهذا صلحاً وتسكيناً فاجروا ناحية خالد على الصلح مثلهم وأظهر أبو عبيدة إمارته وعزل خالد وكان صلحهم على المقاسمة وقسموا معهم للجنود التي تركوها لمحاصرة أهل فحل وللجنود التي أرسلوها لمنع هرقل من إعانة دمشق ولغيرهم ممن هو عون للمسلمين يومئذ. وكان ذلك في رجب سنة أربع عشرة. وأخبر أبو عبيدة عمر بالفتح. فكتب عمر إليه يأمره بإرسال جند العراق نحو العراق فأرسلهم وجعل هاشم بن عتبة أميراً عليهم. واستخلف في على دمشق يزيد بن أبي سفيان.
فتح فحل وتوابعها
ثم سار أبو عبيدة إلى فحل وبعث خالداً على المقدمة وجعل شرحبيل ابن حسنة على الناس
وعلى الخيل ضرار بن الأزور وعلى الرجال عياض بن غنم وكان على جانبي الجيش أبو عبيدة وعمرو بن العاص وقصد أهل فحل من الروم بيان. وصادف وصول شرحبيل حينئذ فنزل بالناس على فحل وبينهم وبين الروم المياه والأوحال فكتبوا إلى عمر وأقاموا ينتظرون أمرهم ففاجأهم الروم وخرجوا إليه بغتة وعلى الروم سقلار بن مخراق ولكن المسلمين كانوا على غاية اتيقظ والحذر وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلى على تعبئة الجيش وتمام الأهبة وكان الروم يومئذ ثمانين ألفاً فغرتهم كثرتهم وهجموا على المسلمين وحصل قتال عظيم دام ليلتهم ونهارهم حتى غشيهم ظلام الليلة التالية. فحار الروم وولوا الأدبار وقد أصيب رئيسهم سقلار والذي يليه نسطوس ولم يتمكن الروم من الفرار فانتهت بهم الهزيمة إلى الوحل فأدركهم المسلمون وأوسعوهم وخزاً بالرماح وغنموا أموالهم. ثم ارسل أبو عبيدة شرحبيل ومن معه إلى بيسان وانصرف هو بخالد ومن معه إلى حمص.
ولما استخلف أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان على دمشق وسار إلى فحل كما تقدم بعث يزيد دحية الكلبي إلى تدمر وأبا الأزاهر القشيري إلى حوران فصالحوهما ووليا عليهما. ثم سار يزيد إلى مدينة صيدا وجبيل وبيروت وعلى مقدمته أخوه معاوية ففتحها هي وغيرها من سواحل دمشق.
وأما شرحبيل بن حسنة فأنه قتل من أهل بيسان خلقاً كثيراً ثم صالحه من بقي منهم على مثل صلح دمشق فقبل منهم. وكان أبو عبيدةو قد بعث الأعور إلى طبرية يحاصرها فصالحه أهلها على مثل صلح دمشق أيضاً وأن يشاطروا المسلمين المنازل فنزلها القواد وكتبوا بالفتح إلى عمر.
مسير المثنى بن حارثة وأبي عبيد بن مسعود إلى فارس
اهتم عمر رضي الله عنه بحث الناس إلى الخروج مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى فارس مبادرة في إمضاء ما أوصاه به أبو بكر رضي الله عنه. فأول من انتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفي وسعد بن عبيدة الأنصاري وسليط ابن قيس وهو ممن شهد بدراً ثم تتابع الناس على ذلك. وكان أهل فارس من أثقل الوجوه على المسلمين فتكلم المثنى بن حارثة وقال أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه فإنا قد فتحنا ريف فارس وغلبناهم على خير شقي السواد وقتلنا منهم واجترأنا عليهم ولنا إن شاء الله ما بعدها. فاجتمع الناس ودعى
عمر بأبي عبيد بن مسعود الثقفي وهو أول من انتدب للقتال فجعله أميراً وقال له اسمع من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر ثم قال له أني لم يمنعني أن أؤمر سليطاً إلا سرعته إلى الحرب وإن التسرع إلى الحرب ضياع الأعراب فإنه لا يصلح الحرب إلا الرجل المكيث وأوصاه بجنده. فساروا على بركة الله تعالى وكان بعث أبي عبيد أول جيش سيره عمر ولم يول عمر رضي الله عنه إمارة ذلك الجيش لأحد من السابقين المهاجرين ولا الأنصار مع توفر كل منهم يومئذ. بل عدل عنهم إلى أبي عبيد بن مسعود الثقفي لأنه كان له سعة نظر في الأمور وحسن دراية في تعبئة الجيش وتنظيم شؤونه.