المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدين الإسلامي والتوحيد - مجلة الحقائق - جـ ٢٥

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌الدين الإسلامي والتوحيد

‌الدين الإسلامي والتوحيد

خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

ذكرنا في مقالاتنا السابقة ما وهب الله تعالى لنبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من المقامات السامية والمراتب العالية الدالة على اصطفاء الله له من بين خلقه، وتفضيله على سائر أنبيائه وأثبتنا بالدلائل الواضحة والبراهين القاطعة ما لهذا الرسول من المعجزات الباهرات والآيات البينات الدالة على صدق نبوته وتحقيق رسالته ولكننا لم نوف الموضوع حقه بذكر الخصائص التي اختص فيها عليه الصلاة والسلام مما تثبت أنه نسيج وحده ووحيد عالمه وأنه الجامع لأشتات الفضائل والسجايا والجامع لمتفرقات المواهب والمزايا اعتماداً على أننا نفرد بالذكر موضوعاً خاصاً يتضمن بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم تشريفاً وتكريماً وتفضلاً وتعظيماً فنقول معتمدين في النقل على ما ثبت عن العلماء الثقات الحائزين قصبات السبق في مضمار الضبط وصحة النقل.

الخصائص جمع خصوصية وهي ما خص الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فانفرد به عن كل ما سواه أو انفرد به عن غيره من الأنبياء أو عن أمته والأولى خصائص مطلقة حقيقية وما عداها إضافية.

فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم سبقه على الأنبياء خلقاً واتصافاً بوصف النبوة وتحققاً بها فهو أول الأنبياء بل والمخلوقات أيضاً خلقاً ونبوة كما يشهد لذلك الحديث المخرج عن أحمد والحاكم والبيهقي عن العرباض بن سارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته.

وفي رواية للبخاري والطبراني عن ميسرة الضبي قال قلت يا رسول الله متى كنت نبياً قال وآدم بين الروح والجسد يعني أنه صلى الله عليه وسلم اختص بأنه روحه الشريفة وحقيقته الطاهرة الزكية اتصفت بالنبوة بالفعل قبل خلق جسده من دون أرواح سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنها قبل خلق أجسادهم لم تتصف بالنبوة وبهذا الاعتبار كان صلى الله عليه وسلم نبياً وآدم بين الروح والجسد.

ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام أخذ الميثاق على النبيين أن يؤمنوا به وينصروه والتبشير به في كتب الله المنزلة قال تعالى: (وإذ أخذنا لله ميثاق النبيين لما آتيتكم من

ص: 1

كتاب وحمة الآية) وأخرج البخاري عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجل إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن (يا آيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صحاب في الأسواق ولا يجزئ السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولا يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً)(قال تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والأنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم)

فإن من تأمل حسن تدبيره للعرب الذين هم كالوحش الشارد مع الطبع المتنافر المتباعد وكيف ساسهم واحتمل جفاهم وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه وقاتلوا دونه أهليهم وآباءهم وابناءهم واختاروه على أنفسهم وهجروا في رضاه أوطانهم وأحباءهم من غير ممارسة سبقت له ولا مطالعة كتب يتعلم منها سير الماضيين تحقق أنه أعقل العالمين.

ومما اختص به صلى الله عليه وسلم وعد الله تعالى إياه بالعصمة ممن قصده بسوء من الناس قال تعالى: (والله يعصمك من الناس) ولا ينافي ذلك ما وقع له يوم أحد من الشبحة ولا ما وقع يوم خيبر من السم في الذراع فإن العصمة الموعود بها هي سلامة النفس من القتل وما عساه فهو من الابتلاء الذي يقع للكمل لرفع درجاتهم أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية (والله يعصمك من الناس) فأخرج رأسه من القبة فقال لهم يا آيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله تعالى.

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم التي استأثر بها عن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الإسراء وما تضمنه من المعراج وهو من أشهر المعجزات وأعظم الآيات وأتم الدلالات الدالة على اختصاصه بما لم يصل إليه نبي مرسل ولا ملك مقرب وقصة المعراج ثابتة مشهورة.

ص: 2

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم عموم الدعوة للناس كافة عربهم وعجمهم أسودهم وأحمرهم قال تعالى: (وما أرسلناك لا كافة للناس بشيراً أو نذيراً) أخرج البخاري عن جابر الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة.

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه بعث رحمة للعالمين حتى للكفار بتأخير العذاب ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الأمم المكذبة قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) قال ابن عباس رحمة للبر والفاجر لأن كل نبي إذا كذب أهلك الله من كذبه وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أُخر من كذبه إلى الموت والقيامة وأما من صدقه فله الرحمة في الدنيا والآخرة بدليل (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المخرج عند الدرامي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه إنما أنا رحمة مهداة وفي الشفاء قال عليه الصلاة والسلام لجبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء فقال نعم كنت أخشى العاقبة أي سوء العاقبة فأمنت لثناء الله تعالى علي في كتابه بقوله (ذي قوة عند ذي العرش مكين (مطاع ثم أمين).

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة لحديث مسلم عن أنس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم أنا أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيام.

ومما خص به صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم أي جمعت له المعاني الكثيرة الجليلة تحت الألفاظ اليسيرة أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم.

وقد جمع الناس من جوامع كلمه الموجز البديع الذي لم يسبق نظيره من ذلك قوله صلة الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين وقوله المرء مع من أحب وقوله صلى الله عليه وسلم المرء كثير بأخيه وقوله صلى الله عليه وسلم اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن وقوله صلى الله عليه وسلم البلاء موكل بالمنطق وقوله صلى الله عليه وسلم من غش فليس منا وفي رواية من غشنا فليس منا قوله المجالس

ص: 3

بالأمانة وقوله صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى وقوله صلى الله عليه وسلم الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة والتودد إلى الناس نصف العقل وحسن السؤال نصف العلم إلى غير ذلك مما تقف العقول دون منتهى معانيه.

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أوتي علم كل شيء حتى المغيبات أخرج الإمام أحمد عن أبي ذر قال لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً وفي الحديث المخرج عند الطبراني بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت.)

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان أشجع الناس وأثبتهم في الهيجاء ومواقف الحروب قال في الشفاء وكان صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والنجدة بالمكان الذي لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة والأبطال منه غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت له حولة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديثاً أخرجه البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه وقد سأله رجل أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم لكن رسول الله لم يفر ثم قال لقد ريته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول_أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب _.

ص: 4