المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العصريون والدين يقال أن بعض الناس يطلبون من أهل العلم الغيورين - مجلة الحقائق - جـ ٢٥

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌العصريون والدين يقال أن بعض الناس يطلبون من أهل العلم الغيورين

‌العصريون والدين

يقال أن بعض الناس يطلبون من أهل العلم الغيورين على الدين تأليف جمعية تضم شتات الشبان العصريين وتؤلف بينهم وبين المتدينين وتزيل سوء التفاهم الحاصل بينهم وتدحض ما علق بقلوبهم من الشبه. وما انتابهم من الشكوك والأوهام وتفهمهم أن الدين الإسلامي والعلم الصحيح أخوان توأمان وفرقدان متلازمان وأن الدين يحرض على العلم ويدعو إلى النظر في عالم السموات والأرض ويطلق للعقل عنان الفكر ليذلل لخدمته الكائنات. ويزيد إيماناً بخالق هذه المخلوقات. وأن العلم يثبت أن الدين الإسلامي خير دين يدين به البشر وكلما زاد العلم تقدماً زاد رونق الدين الإسلامي ووضحت تكاليفه وظهر أنه خليل العقل وصديقه وحجتهم في لزوم هذه الجمعية أنهم يرون أكثر الشبان الذين يتعلمون هذه العلوم الطبيعية يمرقون من دينهم أو يشكون من عقائدهم غير مستمسكين بالدين ولا متخلقين بأخلاق المسلمين.

بلغنا هذا الاقتراح فاستحسناه ولكن وجدنا من الصعب تحقيقه لذلك أحببنا أن نشرح أحوال هؤلاء الشبان ونبين لمن يرغب منهم في التعلم والاهتداء بهدي الدين أن إزالة شبههم لا تتوقف على تأليف هذه الجمعية لوجود ما يغني عنها فنقول.

العصريون المطلوب إصلاحهم هم من تعلموا العلوم العصرية مع عدم تعلمهم أو إتقانهم على الدين وهؤلاء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام القسم الأول وهو أكثرهم وأشدهم ضلالاً من وقف عند المادة وأنكر ما وراءها فهو لا يعبأ بالدين وما هو عنده إلا خرافات وأوهام ونزغات شيطان فهذا لا تنفع فيه المواعظ ولا تؤثر فيه النصائح والقسم الثاني من ضرب العلوم الدينية بسهم ضئيل فهو حيران لا يدري أي شيء يغلب عليه. الدين أم الإلحاد فهو بين بين تتنازعه عواطف الزندقة وصبا التدين فهذا يطمع في هدايته وإن كان بعيداً ويرجى برؤه وإن كان عنيداً والقسم الثالث من يغلب عليه حب الدين والتدين ولكن لا تفتأ نزغة الإلحاد توحشه وتقلقه. وتبعده وتقربه فهو يتفانى في حب الدين ويزداد شغفاً وشوقاً إلى ترقي المسلمين.

ويريد أن يزيل ما علق بقلبه من الشبه ولكن لا يدري أي طريق يسلك. لا أي باب يطرق فالواجب على أفراد هذين القسمين أن يتعهدوا مجالس العلم ويطرقوا أبواب الأساتذة يسئلونهم عما طرأ عليهم من الشبه ليزيلوا شكوكهم ويحلوا مشكلاتهم يقولون لو أتينا هؤلاء

ص: 23

العلماء وسألناهم عما يدور في خلدنا من الشبه لأسكتونا وحكموا علينا بالكفر والإلحاد والفسق والضلال فماذا نصنع؟ قلنا لا نصيب لما تقولون من الصحة فإن العلماء مستعدون لإزالة شبه كل يسألهم وهل وظيفتهم غير ذلك ولكن ربما تدخلون عليهم بصورة المتعنتين لا المتعلمين فيلاحظون ذلك منكم فينبذونكم.

هذه أقسام العصريين وأحوالهم وسبب زيغهم وإلحادهم معروف لا يكاد يختلف فيه وهو عدم تمكنهم من العلوم الدينية وتضلعهم بها. حكى بعضهم قال اجتمعت بأحد العصريين فدارت بيننا المباحثة بمسألة الاجتهاد والتقليد وهذه صورة ما دار بينهما:

العصري: أليس الواجب على العلماء أن يعيروا هذه المسألة جانباً من الالتفات والنظر فيخرجو الناس من هذه القيود التي أضرت بالمسلمين وأوصلتهم إلى هذه الحال التي تذيب القلوب وتدمي المقل؟

المتدين: سبحان الله وهل مسألة الاجتهاد والتقليد هي التي أوصلت المسلمين إلى ما ترى؟

العصري: نعم وما على المسلمين لو تركوا هذه الأقاويل ورجعوا إلى الكتاب والسنة وأخذوا منهما أحكام الحلال والحرام.

المتدين: وهل أخذ الأئمة الكرام من غير الكتاب والسنة؟

العصري: وهل تعتقد أن كل مسائل الفقه مأخوذة من الكتاب والسنة؟

المتدين: وهل يشك في ذلك؟

العصري: لقد أخطأ فهمك وطاش سهمك هناك ألوف المسائل لم يعثر لها على دليل.

المتدين: كأنك لم تقرأ ما كتبته مجلة (الحقائق) في الجزء الأول من سنتها الأولى فإنها أخذت على عهدتها أنا تجيب على مسائل الفقه التي يظن أنها ليس لها دليل وتبين دليلها بما يقنع أولي الألباب فإن كنت في شك من بعض المسائل الفقهية فالمجلة مستعدة للجواب عما يرد عليها من الأسئلة قل لي بربك ماذا قرأت من وسائل العلوم الدينية ومقاصدها كالنحو والصرف والمنطق والأصول والفقه والحديث؟

العصري: لم أقرأ من ذلك إلا النذر القليل.

المتدين: وهل من اللائق أن يخوض بمسائل الاجتهاد والتقليد من لا يحسن الوضوء ولا الصلاة ولا يجيد قراءة لفظ الحديث الذي يعرض نفسهم لفهم منطوقه ومدلوله وصريحه

ص: 24

وإشارته وظاهره وخفيه ومشكله ومفسره إن هذا لشيء عجاب. عليكم معشر العصريين بتعلم العلوم الدينية فإنها هي الحاجزة بينكم وبين النار. وإياكم أن يخدعكم أبالسة المبتدعة بما يلقونه في عقولكم من تحقير الفقه والفقهاء وتنفيركم من علماء الدين وأهل السنة أه.

فقد وضح من جملة ما قدمناه أن الداء هو جهلهم بالعلوم الدينية وعدم تضلعهم بها. وإن الدواء الناجع هو رجوعهم إلى تعلم علوم الدين ومسائلها ومقاصدها فإن من علامات محبة الدين أن يطلب المرء ما يثبت تلك المحبة في قلبيه بأن يكون على يقين من أمره لا يشككه زيغ الزائغين ولا إلحاد الملحدين وأن أبواب الأساتذة مفتوحة للتعليم. وإن كل درس يقرأ عندهم هو الجمعية التي يطلبونها وما سوى ذلك فشهوات يمنيهم بها الشيطان ليحول بينهم وبين ما ينفعهم ويصدهم عن سبيل الله ولله في خلقه شؤون.

ص: 25