المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشفقة على الحيوانات - مجلة الحقائق - جـ ٢٥

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌الشفقة على الحيوانات

‌الشفقة على الحيوانات

يعتقد الأوروبيون ومن نحا نحوهم ممن تشبع بعلومهم وتأدب بآدابهم أن الشفقة على الحيوانات والعطف عليها من خصائص المدنية الحديثة ومأثرة من مآثرها مع أنها من بعض مزايا الدين الإسلامي ومن جملة ما جاء به من السنن والآداب. إن الدين الإسلامي كما جاء رحمة عامة لسائر البشر جاء نعمة شاملة لسائر الحيوانات فأمر بالرفق بهم والإحسان إليهم ونهى عن تعذيبهم وإيذائهم روى البخاري في باب فضل سقي الماء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله فغفر له قالوا يا رسول الله وأن لنا في البهائم أجراً قال في كل كبد رطبة أجر وفي البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف فقال دنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا معهم فإذا امرأة حسبت أنه قال تخدشها هرة قال ما شأن هذه قالوا حبستها حتى ماتت جوعاً وروى أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً فدخلت فيها النار قال فقال والله أعلم لا أنت أطعمتيها ولا سقيتها حين حبستيها ولا أنت أرسلتيها فأكلت من خشاش الأرض وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) هذا طرف من حديث أخرجه البخاري في باب شرب الناس والدواب من الأنهار ونقل العيني في شرحه على البخاري روى سراقة بن مالك بن جعشم قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضالة من الإبل تغشى حياضي قد لطتها لأبلي فهل لي من أجران سقيتها فقال نعم في كل ذات كبد حرى أجر أخرجه ابن ماجة ومن حديث أخرجه البخاري في باب عيادة الصبيان قال سعد للنبي ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء ففي هذه الأحاديث دلالة على إظهار الشفقة على الحيوانات وإن كانت مؤذية ولا ينافي ذلك جواز قتلها لأنه إن سقاها يكون عاملاً بالشفقة والرحمة وداخلاً في عموم قوله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن.

ص: 5

وروى الإمام مسلم عن أبي يعلي شداد بن أوس أن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته وهذا الحديث من قواعد الدين العامة قال الشراح عند قوله عليه الصلاة والسلام إذا قتلتم فأحسنوا القتلة الخ وإحسان القتلة اختيار أسهل الطرق وأخفها إيلاماً وأسرعها إزهاقاً وأسهل وجوه قتل الآدمي ضربه بالسيف في العنق ولذا يمتنع قتل القمل والبق والبراغيث وسائر الحشرات بالنار لأنه من التعذيب وإحسان الذبح في البهائم الرفق بها فلا يصرعها بعنف، وتبيين محل ذبحها بأن يأخذ بيده اليسرى جلد حلقها من لحيها الأسفل بالصوف أو غيره حتى يظهر من البشرة موضع الشفرة وإضجاعها على شقها الأيسر لأنه أمكن للذابح إن كان من عادته أن يذبح باليمين وإلا فليضجعها على الأيمن ويكون ذلك من المقدم لا من القفا وإحداد الكسنة واجب في الكالة ومندوب في غيرها وينبغي مواراتها عنها في حال إحدادها فقد رواى الجلال والطبراني أنه صلى الله عليه وسلم مر برجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها قال أفلا قبل هذا؟ تريد أن تميتها موتتين هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها وعن مالك أن عمر رأى رجلاً يحد شفرته وقد أخذ شاة ليذبحها فضربه وقال أتعذب الروح ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها؟

وإراحة الذبيحة سقيها عند الذبح وإضجاعها بمكان سهل غير وعر وتعجيل إمرار السكين عليها بقوة ليسرع الموت إليها وبالإمهال بسلخها حتى تبرد ولا يجرها من موضع لآخر فقد روى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل وهو يجر شاة بإذنها فقال دع أذنها وخذ بسالفتها وهو مقدم العنق ومن إحسان للبهيمة أن لا تحمل فوق طاقتها ولا تركب واقفة إلا لحاجة ولا يحلب منها ما يضر بولدها ولا يشوى السمك والجراد حتى يموت وكتب الفقهاء طافحة بالحث على الرفق بالحيوانات فقد ذكر الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في إحيائه في باب منكرات الشوارع ما نصه وكذلك تحميل الدواب من الأحمال ما لا تطيقه منكر يجب منع الملاك منه أه اللهم اهدنا هداية من عندك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين والحمد لله رب العالمين.

ص: 6