الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلام في الإسلام
إن لمن أحسن المواضيع التي يخوض فيها الكتاب الحث على الآداب الإسلامية والأخلاق المحمدية لأن من تمسك بها نال الحظ الأوفر وفاز بالقدح المعلى كيف لا وقد قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقال عليه الصلاة والسلام فعليكم بسنني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإن من سننه صلى الله عليه وسلم السلام وقد كانت تحية العرب قبل الإسلام عم صباحاً وتحية أهل الذمة بالأكف والأصابع والأكاسرة بالسجود للملك وتقبيل الأرض والفرس بطرح اليد على الأرض أمام الملك والحبشة بعقد اليدين على الصدر مع السكينة والروم بكشف الرأس وتنكيسها وحمير بالإيماء بالدعاء بالأصبع وتحية ملك اليمامة بوضع اليد على كتف المحيى فإن بالغ رفعها ووضعها مراراً فلما أشرقت شمس افسلام واستنارت كواكبه نسخ جميع التحيات وأمر بلفظ (السلام عليكم) معرفاً بأل أو سلامٌ عليكم منوناً وهو من القربات العظيمة لأنه أفضل التحيات إذ هو تحية الملائكة فيما بينهم وتحية أهل الجنة في الجنة قال الله تعالى (وتحيتهم فيها سلام) وإليك بعض ما ورد في الحث عليه قال تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم وروى الدارمي والترمذي وابن ماجة بإسناد حسن عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.
وروى البخاري في صحيحه عن عمار رضي الله عنه ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار وروي هذا مرفوعاً في غير البخاري وهذا من جوامع الكلم وكيفية السلام أن يقول المسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحداً ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم فإن قال المبتدئ السلام عليكم حصل
السلام وكذلك إن قال السلام عليك أو سلامٌ عليك وأما الجواب فأقله وعليك السلام أو وعليكم السلام فإن حذف الواو فقال عليكم السلام أجزأه ذلك ولو قال عليكم لم يكن جواباً اتفاقاً وينبغي للمسلم أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتياً بالسلام فلا يجب الرد وأقل ما يسقط عنه فرض الرد وإذا سلم على أيقاظ عندهم نيام فالسنة أن يخفض صوته بحيث يحصل سماع المستيقظين ولا يستيقظ النائم فقد روى مسلم في صحيحه من حديث المقداد رضي الله عنه قال كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن فيجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان ويشترط أن ياون الجواب على الفور فإن أخره ثم رد لم يعد جواباً وكان آثماً بترك الرد. وتكره الإشارة باليد من غير لفظ السلام لما رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالكف ولا ينافي هذا ما رواه الترمذي عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوماً وعصبة من النساء قعود فأشار بيده بالتسليم لأنه محمول على الجمع بين اللفظ والإشارة كما تدل عليه رواية أبي داود وزاد في روايته فسلم علينا. وابتداء السلام سنة مستحبة ليس بواجب وهو سنة كفاية فإن كان المسلم جماعة كفى عنهم تسليم واحد منهم ولو سلموا كلهم كان أفضل وأما المسلم عليه فإن كان واحد تعين عليه الرد وإن كانوا جماعة كان رد السلام فرض كفاية عليهم وإن ردوه كلهم فهو نهاية في الكمال والفضيلة ولو رد غيرهم لم يسقط عنهم الرد بل يجب عليهم أن يردوا فإن اقتصروا على رد الأجنبي أثموا. روى أبو داود في سننه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم وإذا نادى أحد أحداً من وراء ستر أو جدار فقال السلام عليك يا فلان أو كتب كتاباً فيه السلام عليك يا فلان أو السلام على فلان أو أرسل رسولاً وقال له سلم على فلان فبلغه الكتاب أو الرسول وجب عليه أن يرد السلام روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جبريل يقرأ عليك السلام قالت قلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته وإرسال السلام إلى من غاب عنه مستحب وكذلك يستحب الرد على المبلغ أيضاً فيقول
وعليك وعليه السلام روى أبو داود في سننه عن غالب القطان عن رجل قال حدثني أبي عن جدي قال بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائته فأقرئه السلام فأتيته فقلت إن أبي يقرئك السلام فقال عليك وعلى أبيك السلام فهذا وإن كان رواية مجهول يتسامح به لأن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم كلهم والرسول إن التزم التبليغ يجب عليه تذكره لأنه كالأمانة وإلا فهو كالوديعة.
وقيل أنه لابد في الاعتداد بسلام المرسل ووجوب الرد من صيغة من المرسل أو الرسول بأن يقول المرسل السلام على فلان فبلغه فيقول الرسول فلان يسلم عليك أو يقول الرسول السلام عليك من فلان وإن لم توجد هذه الصيغة من واحد بأن قال المرسل سلم على فلان فقال الرسول فلان يسلم عليك فلا يجب الرد.
وإذا سلم على أصم لا يجب عليه جواب ولكن يستحب له ولو سلم على الصبي على بالغ يجب الرد لعموم قوله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وإذا سلم على قوم فيهم صبي ورد الصبي يسقط الفرض بسلامه وقيل لا يسقط وإذا سلم عغليه إنسان ثم لقيه على قرب يسن له أن يسلم عليه ثانياً وثالثاً وأكثر روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء لصلاته أنه جاء فصلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام وقال له ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم حتى فعل ذلك ثلاث مرات وروى أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه وروى ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتماشون فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة وتفرقوا يميناً وشمالاًُ ثم التقوا من ورائها سلم بعضهم على بعض وإذا تلاقى رجلان فسلم كل واحد منهما على صحابه دفعة واحدة يجب على كل واحد منهما أن يرد على صاحبه وإن سلم أحدهما بعد الآخر كان جواباً وإذا لقي إنسان إنساناً وقال المبتدئ وعليكم السلام لا يكون ذلك سلاماً بخلاف عليكم السلام بلا واو فإنه سلام ويجب على المخاطب البرد وقيل لا يجب ولكن يكره فعل ذلك وإذا اجتمع الرجلان فخيرهما الذي يبدأ بالسلام روى أبو داود في سننه بإسناد جيد عن أبي إمامة رضي الله
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام وروى الترمذي من حديث أبي إمامة قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام قال أولاهما بالله تعالى والسنة أن يبدأ المسلم بالسلام قبل الكلام والأحاديث الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على ذلك وإذا كان المسلم عليه مصلياً أو مؤذناً في حال أذانه أو إقامته الصلاة أو نائماً أو ناعساً أو مشتغلاً بالبول أو كان يأكل واللقمة في فمه فإن سلم عليه في هذه الأحوال كلها أحد لم يستحق جواباً أما إذا كان على الأمل وليست اللقمة في فمه فلا بأس بالسلام ويجب الرد وكذلك في حال المبايعة وسائر المعاملات يسلم ويجب الجواب وأما السلام على من يقرأ القرآن فالأولى تركه لاشتغاله بالتلاوة ومثله المشتغل بالدعاء وأما الملبي في الإحرام فيكره أن يسلم عليه لأن يكره له قطع التلبية فإن سلم عليه رد السلام باللفظ وإذا كان المسلم غير مشهور بفسق ولا بدعة يسلم وسلم عليه فيسن له السلام ويجب الرد عليه وأما المبتدع ومن اقترف ذنباً عظيماً ولم يتب منه فينبغي أن لا يسلم عليهم ولا يرد عليهم كما جنح إليه كثير من العلماء واحتج له البخاري في صحيحه بما رواه في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك هو ورفيقان له الخ القصة وقال البخاري وقال عبد الله بن عمرو لا تسلموا على شربة الخمر وقال النووي فإن اضطر إلى السلام على الظلمة بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة في دينه أو دنياه بعدم السلام سلم قال الإمام أبو بكر ابن العربي قال العلماء يسلم وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى والمعنى الله رقيب عليكم.
والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل وأما المرأة مع الرجل فإن كانت زوجته أو جاريته أو محرماً له فهي معه كالرجل فيستحب لكل ابتداء الآخر بالسلام ويجب على الآخر الرد وإن كانت أجنبية فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلم أحدهما على الآخر وإن سلم لا يجب رد ذلك ولا يجوز وإن كانت ممن لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل وعليه أن يرد عليها وإذا كانت النساء جمعاً فيسلم عليهن الرجل أو كان الرجال جمعاً كثيراً فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يخف عليه ولا عليهم ولا عليها فتنة روى ابن داود وابن ماجة عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا وروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال
كانت فينا امرأة تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر (تطحن) حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا وأما أهل الذمة فيحرم ابتداؤهم بالسلام فإن سلموا هم على مسلم قال في الرد وعليكم ولا يزيد على هذا روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك وقال الإمام المتولي أنه لو أراد تحية ذمي فعلها بغير السلام بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك أو صبحت بالخير والسعادة أو بالعافية أو صبحك الله بالسرور أو ما أشبه ذلك قال النووي لا بأس به إذا احتاج إليه وأما إذا لم يحتج إليه فالاختيار أن لا يقول شيئاً من ذلك فإنه إيناس وبسط لهم ونحن أمرنا بعدم ودهم وإذا سلم على قوم بينهم كفرة يقصد المسلمين أو المسلم وإذا كتب كتاباً إلى مشرك وكتب فيه سلاماً أو نحوه فينبغي أن يكتب كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل (من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى).
وأما الصبيان فالسنة أن يسلم عليهم روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وروى أبو داود بإسناد الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على غلمان يلعبون فسلم عليهم وفي بعض الروايات فقال السلام عليكم يا صبيان وهذا تدريب لهم على آداب الشريعة وفيه سلوك التواضع ولين الجانب ويسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير ولو خالفوا بأن سلم الكبير على الصغير والكثير على القليل لا يكره وما ذكر فيما إذا تلاقى الاثنان في طريق أما إذا ورد على قعود أو قاعد فالوارد يبدأ السلام على كل حال صغيراً كان أو كبيراً روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير وفي رواية للبخاري زيادة يسلم الصغير على الكبير الخ وإذا لقي رجل جماعة وخص أحدهم بالسلام كره ذلك منه لأن السلام شرع للأنس والألفة وبتخصيص البعض إيحاش الباقين وربما صار سبباً للعداوة وإذا مشى في السوق والشوارع المطروقة كثيراً مما يكثر فيه الملتاقون يكفي أن يسلم على بعض دون
بعض لأنه لو سلم على كل واحد ممن لقيه لتشاغل به عن كل مهم وإذا سلم جمع على واحد فقال وعليكم السلام وقصد الرد على جميعهم سقط عنه الفرض وإن قصد واحداً منهم لم يسقط عنه الفرض ولو دخل إنسان على جماعة قليلة يعمهم سلام واحد واقتصر على سلام واحد على جميعهم وما زاد من تخصيص فهو أدب ويكفي أن يرد منهم واحد قمن زاد فهو أدب ولو كان جمعاً لا ينتشر فيهم السلام الواحد كالجامع والمجلس الكبير فسنة السلام أن يبتدئ به الداخل في أول دخوله إذا شاهد القوم ويكون مؤدباً سنة السلام في حق من سمعه ويدخل في فرض كفاية الرد كل من سمعه فإن أراد الجلوس بينهم سقط عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين ويستحب إذا دخل بيتاً أو مسجداً ولم يكن فيه أحد أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وإن كان جالساً مع أحد وأراد الذهاب فالسنة أن يسلم عليه فقد روى أبو داود والترمذي بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة قال الترمذي حديث حسن ويجب على القوم جوابه وإذا مر على أحد وظن أنه إذا سلم عليه لم يجبه إما لتكبر أو لعدم اعتنائه بالمار أو السلام فينبغي أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن فإن السلام مأمور به المار ولم يؤمر بتحصيل الرد مع أنه قد يخطئ الظن فيه ويرد ولا عبرة بمن قال أن سلام المار سبب لحصول الإثم في حق الممرور عليه لأن ذلك جهالة بينة من حيث أن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات ولو نظرنا لمثل هذه الخيالات الفاسدة لتركنا إنكار المتنكر على من فعله جاهلاً بكونه منكراً وغلب على ظننا أنه لا ينزجر بنصحنا له فإن إنكارنا عليه وإرشادنا له يكون سبباً لإثمه إذا لم يقلع عنه ولا شك في أنه لا يجوز ترك الإنكار بمثل هذا ويستحب لمن سلم على إنسان ولم يرد عليه أن يحلله من ذلك بقوله أبرأته من حقي أو جعلته فغي حل منه ويلفظ بهذا فإنه يسقط حق الآدمي روى ابن السني في كتابه عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجاب السلام فهو له ومن لم يجب فليس منا ويستحب لمن سلم على إنسان ولم يرد عليه أن يقول له بلطف ولن رد السلام واجب فينبغي لك رده كي يسقط عنك الفرض.