الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الإسلامي والتوحيد
الإيمان بالملائكة الكرام
الإيمان بالملائكة عليهم السلام أصل من أصول العقائد الإسلامية وركن من أركانها فيجب على المكلف أن يصدق بوجودهم ويعتقد اعتقاداً جازماً لا يشوبه شك بأنهم عباد مكرمون خلقهم المهيمن جلت قدرته لطاعته وشغلهم بعبادته يسبحون الليل والنهار لا يفترون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يخافون ربهم من فوقهم وهم من خشيته مشفقون لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون عصمهم من الكدورات البشرية والرعونات النفسانية والشهوات البهيمية وأقدرهم على أشياء يعجز الإتيان بها البشر كقطع المسافة البعيدة في أسرع من لمح البصر وحمل الأشياء الثقيلة كالجبال والبلاد من غير أن يمسهم تعب أو يحل بهم اضطراب أو كسل فهم جنود الله تعالى لا يحصى عددهم غيره ولا مرية في أن الإيمان بهم يبعث الإنسان على الإذعان لقيوم السموات والأرض والاعتراف بقدرته الباهرة التي أقامت هذا الوجود على دعائم الحكمة وكمال الانتظام.
الملائكة عليهم السلام ذوات موجودة قائمة بأنفسها واختلف في حقيقتهم والمذهب الحق الذي عليه جمهور المسلمين أنهم أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة شأنهم الطاعة ومسكنهم السموات ومنهم من يسكن الأرض أخرج الترمذي وابن ماجة من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد. وفي الطبراني من حديث جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في السموات السبع موضع قدم أو شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد.
وقد أقامهم الله تعالى على وظائف مخصوصة منهم من شأنه الاستغراق في معرفة الله والتنزه عن الشغل بغيره ومنهم رسل بين الله وأنبيائه ورسله كجبريل عليه السلام ومنهم من هو موكل بقبض الأرواح كعزرائيل عليه السلام قال تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) ومنهم حفظة على العباد قال تعالى: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ومنهم من يكتب أعمال العباد قال تعالى: (وإن عليكم لحافظين كراماً
كاتبين) وقال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ومنهم موكلون بالجنة ونعيمها قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) ومنهم موكلون بالنار وعذابها قال تعالى: (عليها تسعة عشر) ومنهم حملة العرش قال تعالى: (الذين يحملون العرش) الآية ومنهم قائمون بمصالح العباد ومنافعهم وتصوير الأجنة في الأرحام كما وردت بذلك الأخبار ودلت عليه الآثار وكله دليل على عظيم قدرة الله عز وجل وسعة ملكه وأحاطة علمه فسبحان من خلق كل شيء فقدره تقديراً.
وإنما حجبت البشر عن رؤية الملائكة لأن النفوس البشرية لا تطيق النظر إليهم بأعيانهم وصفاتهم في صورهم الأصلية ولا تستطيع أخذ الكلام عنهم لاختلاف الجنس بل ربما صعقوا من هيبتهم وماتوا كما قال تعالى: (ولو نزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون) أي لماتوا وليس بعجيب عدم رؤية البشر لهم إذا كانوا على صورهم الأصلية لأنهم أجسام لطيفة ألا ترى إلى الهواء مع كونه جسماً مالئاً للفضاء فإنه لا يرى لكونه جسماً لطيفاً.
وأما رؤية الأنبياء لهم على صورتهم الأصلية فهي خصوصية خصوا بها لتلقي المسائل الدينية والأحكام الشرعية وفي مقدمة ابن خلدون جعل الله للأنبياء الانسلاخ من الحالة البشرية إلى الحالة الملكية في حالة الوحي فطرة فطرهم الله عليها وجبلة صورهم فيها ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بما ركب من غرائزهم من العصمة والاستقامة فإذا انسلخوا عن بشريتهم وتلقوا في ذلك ما يتلقونه عاجوا على المدارك البشرية لحكمة التبليغ للعباد أه.
والدليل على تشكل الملائكة بأشكال مختلفة تمثل الملك لمريم بشراً سوياً ودخول بعضهم على بعض الأنبياء بصورة مجهولة وتمثل جبريل للرسول عليه السلام بصورة آدمي أخرج البخاري عن الحارث بن هشام أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي فقال أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول، وتمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيساً لمن يخاطبه وتارة كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وأتاه مرة في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر حينما سأله عن الإسلام.
الإيمان بكتب الله تعالى
الإيمان بكتب الله المنزلة من أركان العقيدة الإسلامية أيضاً فيجب على المكلف أن يعتقد بثبوتها وأن يجزم بأن الله تعالى أنزلها على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام وبين فيها أمره ونهيه ووعده ووعيده وهي كلام الله تعالى حقيقة بدت منه بلا كيفية قولاً وأنزلها وحياً إما مكتوبة في الألواح أو مسموعة من وراء حجاب أو من ملك مشاهد.
من تلك الكتب التوراة والإنجيل والزبور والقرآن أما التوراة فهو كتاب الله المنزل على موسى الكليم عليه السلام لبيان الأحكام الشرعية والعقائد الصحيحة المرضية والتبشير بظهور نبي من ذرية إسماعيل عليه السلام وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والإشارة إلى انه يأتي بشرع جديد ينسخ جميع الشرائع ويهدي به إلى سبيل الرشد وطريق السعادة والنجاة فيجب تعظيم التوراة التي أنزلت على موسى ولم تعبث بها أنامل التحريف والتبديل واحترامها والإيمان بها أما التوراة الموجودة الآن فليست هي عين المنزلة بل هي محرفة ومبدلة ومغيرة ومما يدل على ذلك أنه ليس فيها ذكر الجنة والنار وحال البعث والجزاء مع أن ذلك أهم ما يذكر في الكتب الإلهية وأيضاً مما يؤكد كونها محرفة ذكر وفاة سيدنا موسى عليه السلام في الباب الأخير منها والحال أنه هو الذي أنزلت عليه وعاش بعدها مدة.
أما الزبور فكتاب أيضاً من كتب الله أنزله على نبيه داود عليه السلام وهوعبارة عن أدعية وأذكار ومواعظ وحكم وليس فيه أحكام شرعية لأن داود عليه السلام كان مأموراً باتباع شريعة موسى عليه السلام فيتحتم الإيمان به وتعظيمه واحترامه إلا أننا لا ندري له نسخة صحيحة والدلائل قائمة على تحريف أهل الكتاب له بحسب المقاصد والأغراض ولذا توجد فيه إطلاقات غير لائقة في حق من تنزه عن الاتصاف بالجواهر والأعراض جل شأنه وعز سلطانه وتعالى عما يقول الكافرين علواً كبيراً.
وأما الإنجيل فهو كتاب الله أنزله الله على رسوله عيسى عليه السلام لبيان الحقائق ودعوة الخلق لتوحيد الخالق وتنزيهه عن الوالد والأولاد ونفي الشركاء عنه والأنداد ونسخ بعض أحكام التوراة الفرعية والتبشير بظهور خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فيحب التصديق به وتعظيمه واحترامه أما الإنجيل الموجود الآن فليس هو الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام بل هو كتاب ألف بعد رفعه إلى السماء وله عندهم أربع نسخ ألفها أربعة أشخاص
بعضهم لم ير المسيح أصلاً وهم متى ومرقص ولوقا ويوحنا وإنجيل كل من هؤلاء مناقض للآخر في كثير من المطالب وقد كان للنصارى أناجيل كثيرة غير هذه الأربعة تخلصاً من كثرة التناقض وتخلصاُ من وفرة التضاد والتعارض وقد ثبت بالأدلة الواضحة حتى عند الكثير من أهل الكتاب أن التوراة والإنجيل كانت نسختهما الأصلية مفقودة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بإعصار وأما الموجودان في عصره وفي هذا العصر فهما عبارة عن كتابين جامعين لما صح وما لم يصح من الأخبار ومع ذلك فلم تزل أيدي التحريف تعبث فيهما حتى في هذا العصر كما هو مشاهد فلا يمر زمن إلا وتظهر نسخة تخالف ما قبلها في بعض المسائل تأييداً لبعض المذاهب مع ادعاء كل طائفة أن المحرف نسخة غيرها.
وأما القرآن العظيم فهو أشرف كتب الله المنزلة على أشرف رسله (محمد) صلى الله عليه وسلم وهو آخر الكتب السماوية نزولاً وأجمعها أحكاماً وأدلها برهاناً وأقواها محجة وتبياناً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يلحقه تغيير ولا تبديل ولا تحريف (إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ناسخ جميع الكتب قبله وحكمه باق إلى يوم القيامة مكتوب في السطور محفوظ في الصدور.