المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب طاهر بن الحسين - مجلة الحقائق - جـ ٢٧

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌كتاب طاهر بن الحسين

‌كتاب طاهر بن الحسين

أما بعد فعليك بتقوى الله وحده لا شريك له وخشيته ومراقبته عز وجل ومزايلة سخطه واحفظ رعيتك في الليل والنهار والزم ما ألبسك الله من العافية بالذكر لمعادك وما أنت صائر إليه وموقوف عليه ومسؤول عنه والعمل في ذلك كله بما يعصمك الله عز وجل وينجيك يوم القيامة من عقابه وأليم عذابه.

فإن الله سبحانه قد أحسن إليك وأوجب الرأفة عليك بمن استرعاك أمرهم من عباده وألزمك العدل فيهم والقيام بحقه وحدوده عليهم والذب عنهم والدفع عن حريمهم ومنصبهم والحقن لدمائهم والأمن لسربهم وإدخال الراحة عليهم ومؤاخذك بما فرض عليك وموقفك عليه وسائلك عنه ومثيبك عليه بما قدمت وأخرت ففرغ لذلك فهمك وعقلك وبصرك ولا يشغلك عنه شاغل وإنه رأس أمرك وملاك شأنك.

وأول ما يوفقك الله عليه وليكن أول ما تلزم به نفسك، وتنسب إليه فعلك، المواظبة على ما فرض الله عز وجل عليك من الصلوات الخمس والجماعة عليها بالناس قبلك وتوابعها على سننها من إسباغ الوضوء لها وافتتاح ذكر الله عز وجل فيها ورتل في قراءتك وتمكن من ركوعك وسجودك وتشهدك ولتصرف فيه رأيك ونيتك واحضض عليه جماعة من معك وتحت يدك وادأب عليهات فإنها كما قال الله عز وجل تنهى عن الفحشاء والمنكر.

ثم اتبع ذلك بالأخذ بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمثابرة على خلائقه واقتفاء أثر السلف الصالح من بعده.

وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله عز وجل وتقواه وبلزوم ما أنزل الله عز وجل في كتابه من أمره ونهيه وحلاله وحرامه وإتمام ما جاءت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قم فيه بالحق لله عز وجل ولا تميلن عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو لبعيد.

وآثر الفقه وأهله والدين وحملته وكتاب الله عز وجل والعاملين به فإن أفضل ما يتزين به المرء الفقه في الدين والطلب له والحث عليه والمعرفة بما يتقرب به إلى الله عز وجل فإنه الدليل على الخير كله والقائد إليه والآمر به والناهي عن المعاصي والموبقات كلها ومع توفيق الله عز وجل يزداد المرء معرفة وإجلالاً ودركاً للدرجات العلى في المعاد مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك والهيبة لسلطانك والأنسة بك والثقة بعد ذلك.

ص: 20

وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها فليس شيء أبين نفعاً ولا أخص أمناً ولا أجمع فضلاً منه والقصد داعية إلى الرشد والرشد دليل على التوفيق والتوفيق قائد إلى السعادة وقوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد وكذا في دنياك كلها.

ولا تقصر في طلب الآخرة والأجر والأعمال الصالحة والسنن المعروفة ومعالم الرشد والإعانة والاستكثار من البر والسعي له إذا كان يطلب به وجه الله تعالى ومرضاته ومرافقه أولياء الله في دار كرامته. أما تعلم أن الصدق في شأن الدنيا يورث العز ويمحص من الذنوب وأنك لن تحوط نفسك من قائل ولا تنصلح أمورك بأفضل منه فآته واهتد به تتم أمورك وتزد مقدرتك ويصلح عامتك وخاصتك وأحسن ظنك بالله عز وجل تستقم لك رعيتك والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلها تستدم به النعمة عليك.

ولا تتهمن أحداً من الناس فيما تواليه من عملك قبل أن تكشف أمره فإن إيقاع التهم بالبراء والظنون السيئة بهم آثم آثم. فاجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك واطرد عنك سوء الظن بهم وارفضه فيهم يعنك ذلك على استطاعتهم ورياضتهم ولا تتخذن عدو الله الشيطان في أمرك معمداً فإنه إنما يكتفي بالقليل من وهنك ويدخل عليك من الغم بسوء الظن بهم ما ينقص لذاذة عيشك واعلم أنك تجد بحسن الظن قوة وراحة وتكتفي به ما أحببت كفاية من أمورك وتدعو به الناس إلى محبتك والاستقامة في الأمور كلها ولا يمنعك حسن الظن بأصحابك والرأفة برعيتك أن تستعمل المسألة والبحث عن أمورك والمباشرة لأمور الأولياء وحياطة الرعية والنظر في حوائجهم وحمل مؤناتهم أيسر عندك مما سوى ذلك فإنه أقوم للدين وأحيا للسنة.

واخلص نيتك في جميع هذا وتفرد بتقويم نفسك تفرد من يعلم أنه مسؤول عما صنع ومجزي بما أحسن ومؤاخذ بما أساء فإن الله عز وجل جعل الدنيا الدنيا حرزاً وعزاً ورفع من اتبعه وعززه.

واسلك بمن تسوسه وترعاه نهج الدين وطريقه الأهدى وأتم حدود الله تعالى في أصحاب لجرائم على قدر منازلهم وما استحقوه ولا تعطل ذلك ولا تتهاون به ولا تؤخر عقوبة أهل العقوبة فإن في تفريطك في ذلك ما يفسد عليك حسن ظنك واعتزم على أمرك في ذلك بالسنن المعروفة وجانب البدع والشبهات يسلم لك دينك وتتم لك مروءتك وإذا عاهدت عهداً

ص: 21

فأوف به وإذا وعدت الخير فأنجزه واقبل الحسنة وادفع بها وأغمض عن عينك كل ذي عيب من رعيتك واشدد لسانك عن قول الكذب والزور وأبغض أهل النميمة فإن أول فساد أمورك في عاجلها وآجلها تقريب الكذوب والجرأة على الكذب لأن الكذب رأس المآثم والزور والنميمة خاتمتها لأن النميمة لا يسلم صاحبها وقائلها لا يسلم له صاحب ولا يستقم له أمر.

وأجب أهل الصلاح والصدق وأعن الأشراف بالحق وأعن الضعفاء وصل الرحم وابتغ بذلك رجه الله تعالى وإعزاز أمره والتمس فيه ثوابه والدار الآخرة.

واجتنب سوء الأهواء والجور واصرف عنهما رأيك وأظهر براءتك من ذلك لرعيتك وانعم بالعدل سياستهم وقم بالحق فيهم وبالمعرفة التي تنتهي بك إلى سبيل الهدى.

واملك نفسك عند الغضب وآثر الحلم والوقار وإياك والحدة والطيش والغرور فيما أنت بسبيله.

وإياك أن تقول أنا مسلم أفعل ما أشاء فإن ذلك سريع إلى نقص الرأي وقلة اليقين لله عز وجل واخلص لله وحده النية فيه واليقين.

واعلم أن الملك سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ولن تجد تغير النعمة وحلول النقمة إلى أحد أسرع منه إلى جهلة النعمة من أصحاب السلطان والمبسوط لهم في الدولة إذا كفروا نعم الله وإحسانه واستطالوا بما أعطاهم الله عز وجل من فضله.

ودع عنك شره نفسك ولتكن ذخائرك وكنوزك التي تدخر وتكنز البر والتقوى واستصلح الرعية وعمارة بلادهم والتفقد لأمورهم والحفظ لدمائهم والإغاثة لملهوفهم. واعلم أن الأموال إذا اكتنزت وادخرت في الخزائن لا تنمو وإذا كانت في صلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف الأذية عنهم نمت وزكت وصلحت به العامة وترتبت به الولاية وطاب به الزمان واعتقد فيه العز والمنفعة وليكن كنز خزائنك تفريق الأموال في عمارة الإسلام وأهله ووفر منه على أولياء أمير المؤمنين قبلك حقوقهم وأوف من ذلك حصصهم وتعهد ما يصلح أمورهم ومعاشهم فإنك إذا فعلت قرت النعمة لك واستوجبت المزيد من الله تعالى وكنت بذلك على جباية أموال رعيتك وإخراجك أقدر وكان الجمع لما شملهم من عدلك وإحسانك أسباباً لطاعتك.

ص: 22

وطب نفساً بكل ما أردت واجهد نفسك فيما حددت لك في هذا الباب وليعظم حقك فيه وإنما يبقى من المال ما أنفق في سبيل الله وفي سبيل حقه واعرف للشاكرين حقهم وأثبهم عليه وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورها هول الآخرة فتتهاون بما يحق عليك فإن التهاون يورث التفريط والتفريط يورث الهوار.

وليكن عملك لله عز وجل وفيه وارج الثواب فإن الله سبحانه قد أسبغ عليك فضله. واعتصم بالشكر وعليه فاعتمد يزدك الله خيراً وإحساناً فإن الله عز وجل يكتب بقدر الشاكرين وإحسان المحسنين ولا تحقرن ذنباً ولا تمالئن حاسداً ولا ترحمن فاجراً ولا تصلن كفوراً ولا تداهنن عدواً ولا تصدقن نماماً ولا تأمنن عدواً ولا توالين فاسقاً ولا تبغن غاوياً ولا تحمدن مرائياً ولا تحقرن إنساناً ولا تردن سائلاً فقيراً ولا تحسن باطلاً ولا تلاحظن مضحكاً ولا تخلفن وعداً ولا تذهبن فخراً ولا تظهرن غضباً ولا تباينن رجاء ولا تمشين مرحاً ولا تزكين سفيهاً ولا تفرطن في طلب الآخرة ولا ترفع للنمام عيناً ولا تغمض عن ظالم رهبة منه أو محاباة ولا تطلب ثواب الآخرة في الدنيا.

وأكثر مشاورة الفقهاء واستعمل نفسك بالحلم وخذ عن أهل التجارب وذوي العقل والرأي والحكمة ولا تدخلن في مشورتك أهل الرفه والبخل ولا تسمعن لهم قولاً ضررهم أكثر من نفعهم.

وليس شيء أسرع فساداً لما استقبلت فيه أمر رعيتك من الشح واعلم أنطك إذا كنت حريصاً كنت كثير الأخذ قليل العطية وإذا كنت كذلك لم يستقم أمرك إلا قليلاً فإن رعيتك إنما تعتقد على محبتك بالكف عن أموالهم وترك الجور عليهم.

ووال من صفا لك من أوليائك بالاتصال إليهم وحسن العطية لهم واجتنب الشح واعلم أنه أول ما عصى به الإنسان ربه وأن العاصي بمنزلة الحري وهو قول الله عز وجل (ومن يوق شح نفسه فآولئك هم المفلحون) فسهل طريق الجود بالحق واجعل للمسلمين كلهم في بيتك حظاً ونصيباً وأيقن أن الجود أفضل أعمال العباد فأعده لنفسك خلقاً وارض به عملاً ومذهباً وتفقد الجند في دواوينهم ومكاتيبهم وادر عليهم أرزاقهم ووسع عليهم في معاشهم يذهب الله عز وجل بذلك فاقتهم فيقوى لك أمرهم وتزد قلوبهم في طاعتك وأمرك خلوصاً وانشراحاً.

ص: 23

وحسب ذي السلطان أن السعادة أن يكون على جنده ورعيته رحمة من عدله وعطيته وإنصافه وعنايته وشفقت وبره وتوسعته فذلك مكروه أحد البابين باستشعار فضله الباب الآخر ولزوم العمل به تلق إن شاء الله تعالى به نجاحاً وصلاحاً وفلاحاً. واعلم أن القضاء من الله تعالى بالمكان الذي ليس لديه شيء من الأمور لأنه ميزان الله الذي يعدل عليه أحوال الناس في الأرض وبإقامة العدل والعمل في القضاء تصلح أحوال الرعية وتأمن السبل وينتصف المظلوم وتأخذ الناس حقوقهم وتحسن المعيشة ويؤدي حق الطاعة وترزق من الله العافية والسلام يقيم الدين وتجري السنن والشرائع في مجاريها.

واشتد في أمر الله عز وجل وتورع عن النطق وامض لإقامة الحدود وأقلل العجلة وأبعد عن الضجر والقلق وانع بالقسم وانتفع بتجربتك وانتبه في صحتك واسدد في منطقك وأنصف الخصم وقف عند الشبهة وابلغ في الحجة ولا ولا يأخذك في أحد من رعيتك محاباة ولا مجاملة ولا لومة لائم وتثبت وتأن وراقب وانظر وتفكر وتدبر واعتبر وتواضع لربك وارفق بجميع الرعية وسلط الحق على نفسك ولا تسرعن إلى سفك الدماء فإن الدماء من الله عز وجل بمكان عظيم انتهاكاً لها بغير حقها.

وانظر هذا الخراج الذي استقامت عليه الرعية وجعله الله للإسلام عزاً ورفعة ولأهله توسعة ومنعة ولعدوه كيتاً وغيظاً ولأهل الكفر من معاديهم ذلاً وصغاراً فوزعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم ولا تدفعن شيئاً منه عن شريف لشرفه ولا عن غني لغناه ولا عن كاتب لك ولا لأحد من خاصتك ولا من حاشيتك ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له ولا تكلف أمراً فيه شطط واحمل الناس كلهم على أمر الحق فإن ذلك أجمع لألفتهم والزم إرضاء العامة.

واعلم أنك جعلت بولايتك خازناً وحافظاً وراعياً وإنما سمى أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقيمهم فخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ونفذه في قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم واستعمل عليهم أولي الرأي والتدبير والتجربة والخبرة بالعلم والعدل بالسياسة والعفاف ووسع عليه في الرزق فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلبت وأسند إليك فلا يشغلك عنه شاغل ولا يصرفك عنه صارف فإنك متى آثرته وقمت فيه بالواجب استدعيت به زيادة النعمة من ربك وحسن الأحدوثة في عملك واستجررت به المحبة من رعيتك

ص: 24

وأعنت على الصلاح فدرت الخيرات ببلدك وفشت العمارة بناحيتك وظهر الخصب في كورك وكثر خراجك وتوفرت أموالك وقويت بذلك على ارتباط جندك وإرضاء العامة بإفاضة العطاء لهم من نفسك وكنت محمود السياسة مرضي العدل في ذلك عند عدوك وكنت في أمورك كلها ذا عدل وآلة وقوة وعدة فتنافس فيها ولا تقدم عليها شيئاً تحمد عاقبة أمرك إن شاء الله تعالى.

واجعل في كل كورة من عملك أميناً يخبرك خبر عمالك ويكتب إليك بسيرهم وأعمالهم حتى كأنك مع كل عامل في عمله معايناً لأموره كلها وإذا أردت أن تأمرهم بأمر فانزظر عواقب ما أردت من ذلك فإن رأيت السلامة فيه والعافية ورجوت فيه حسن الدفاع والصنع فامضه وإلا فتوقف عنه وراجع أهل البصر والعلم به ثم خذ فيه عدته فإنه ربما نظر الرجل في أمره وقد أتاه على ما يهوى فأغواه ذلك وأعجبه فإن لم ينظر في عواقبه أهلكه ونقض عليه أمره فاستعمل الحزم في كل ما أردت وباشره بعد عون الله عز وجل بالقوة وأكثر من استخارة ربك في جميع أمورك وافرغ من عمل يومك ولا تؤخره وأكثر مباشرة بنفسك فإن لغد أموراً وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت.

واعلم أن اليوم إذا مضى ذهب بما فيه فإذا أخرت عمله اجتمع عليك عمل يومين فيشغلك ذلك حتى ترضى منه وإذا أمضيت لكل يوم علمه أرحت بدنك ونفسك وتستيقن أمر سلطانك وانظر أحرار الناس وذوي الفضل منهم ممن بلوت صفاء طويتهم وشهدت مودتهم لك ومظاهرتهم بالنصح والمحافظة على أمرك فاستخلصهم وأحسن إليهم وتعاهد أهل البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة واحتمل مؤنتعم وأصلح حالهم حتى لا يجدوا لخلتهم مسافراًُ وافرد نفسك بالنظر في أمور الفقراء والمساكين ومن لا يقدر على رفع مظلمته إليك والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه فسل عنه أخفى مسألة وكل بأمثاله أهل الصلاح في رعيتك ومرهم برفع حوائجهم وخلالهم لتنظر في ما يصلح الله به أمرهم وتعاهد ذوي البأساء ويتاماهم وأراملهم واجعل لهم أرزاقاً من بيت المال اقتداء بأمير المؤمنين أعزه الله تعالى في العطف عليهم والصلة لهم ليصلح الله بذلك عيشهم ويرزقك به بركة وزيادة. وأجر للأمراء من بيت المال وقدم حملة القرآن منهم والحافظين لا كثره في الجرائد على غيرهم وانصب لمرضى المسلمين دوراً تأويهم وقواماً يرتقون بهم وأطباء يعالجون أسقامهم

ص: 25

وأسعفهم بشهواتهم ما لم يؤدي ذلك إلى سرف في بيت المال. واعلم أن الناس إذا أعطوا حقوقهم وفضل أمانتهم لم تبرمهم وربما تبرم المتصفح لأمور الناس لكثرة ما يرد عليه ويشغل ذكره وفكره منهما ما ينال به مؤونة ومشقة وليس من يرغب في العدل ويعرف محاسن أموره في العاجل وفضل ثواب الآجل كالذي يستقري ما يقربه إلى الله تعالى ويلتمس رحمته. وأكثر الأذن للناس عليك وأرهم وجهك وسكن حراسك واخفض لهم جناحك وأظهر لهم بشرك ولن لهم في المسألة والنطق واعطف عليهم بجودك وفضلك وإذا أعطيت فأعط بسماحة وطيب نفس والتماس للضيقة والأجر من غير تكدير ولا امتنان فإن العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله تعالى.

واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى من قبلك من أهل السلطان والرياسة في القرون الخالية والأمم البائدة ثم اعتصم في أحوالك كلها بالله سبحانه وتعالى والوقوف عند محبته والعمل بشريعته وسنته وبإقامة دينه وكتابه واجتنب ما فارق ذلك وخالفه ودعا إلى سخط الله عز وحل واعرف ما تجمع عمالك من أموال وما ينفقون منها ولا تجمع حراماً ولا تنفق إسرافاً وأكثر مجالسة العلماء ومشاورتهم ومخالطتهم وليكن هواك اتباع السنن وإقامتها وإيثار مكارم الأخلاق ومقلتها وليكن أكرم دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيباً لم تمنعه هيبتك من إنهاء ذلك إليك في ستر وإعلامك بما فيه من النقص فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك لك وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك فوقت لكل رجل منهم في كل يوم وقتا يدخل فيه بكتبه ومؤامرته وما عنده من حوائج عمالك وأمور الدولة ورعيتك ثم فرغ لما يورد عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك وكرر النظر فيه والتدبير له فما كان موافقاً للحق والحزم فأمضه واستخر الله عز وجل فيه وما كان مخالفاً لذلك فاصرفه إلى المسألة عنه والتثبت ولا تمتن على رعيتم ولا غيرهم بمعروف تؤتيه إليهم ولا تقبل من أحد إلا الوفاء والاستقامة والعون في أمور المسلمين ولا تضعن المعروف إلا على ذلك وتفهم كتابي إليك وأمعن النظر والعمل به واستعن بالله على جميع أمورك واستخره فإن الله عز وجل مع الصلاح وأهله وليكن أعظم سيرتك وأفضل رغبتك ما كان لله عز وجل رضا ولدينه نظاماً ولأهله عزاً وتمكيناً وللملة والذمة عدلاً وصلاحاً. وأنا أسأل الله عز وجل أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءتك والسلام.

ص: 26