الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنن متروكة
إن ما يصنعه الناس في هذه العصور من رفع الصوت وراء الجنازة والجهر بالذكر وجوه أثناء المشي معها مغاير لما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام والسلف الصالح رضي الله عنهم واعتقاد أن بعض أهل العلم من الشافعية جوز ذلك لا أصل له كما ستعرفه ومن الغريب المحزن أن يعد كثير من الناس ترك هذه العواء إزراء بالميت وأهله وهذا ما دعانا لأن ننقل شيئاً مما كان عليه صلى الله عليه وسلم من كيفية سيره مع الجنائز وطرفاً من كلام الأئمة رضي الله عنهم في ذلك مع تقديم بيان صلاة الجنازة التي يجهلها أكثر الناس وما يتبع ذلك من التعزية لأهل الميت لعل الله يهدي بذلك أخواننا المسلمين فيرجعون عن هذه البدعة ويقتفون أر الرسول عليه الصلاة والسلام.
الصلاة على الميت
الصلاة على الميت فرض كفاية وكذلك غسله وتكفينه ودفنه إجماعاً إذا قام به واحد سقط التكليف عن الباقين وكيفية الصلاة عليه أن يكبر المصلي أربع تكبيرات يقرأ بعد التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وبعد التكبيرة الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم والأفضل أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية وهي اللهم صل علي سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم الخ وبعد التكبيرة الثالثة يدعو للميت بما يسمى دعاء والأحب أن يدعو بما ورد في السنة ومنه ما رواه أبو داود والترمذي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على جنازة فقال اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، ولا يجب بعد الرابعة شيء بل يستحب عند الشافعية أن يقول اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ثم يسلم تسليمتين كسائر الصلوات ثم يسير معها بلا رفع صوت ولا لغط ويستحب أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى والتفكر فيما يلقاه الميت وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه لأن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ قال العلماء رضي اللهم عنهم الصواب المختار ما كان عليه السلف رضي الله عنهم من
السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك والحكمة فيه أن هذه الحالة أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال ولا تغتر بكثرة من يخالفه قال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الصمت عند ثلاث تلاوة القرآن وعند الزحف وعند الجنازة وإليك بعض ما قاله الأئمة رضي الله عنهم في لزوم الصمت وراء الجنازة والاتعاظ والتدبر، قال في الدر المختار للسادة الحنفية وكره في الجنازة رفع الصوت بذكر أو قراءة أهـ قال محشية العلامة ابن عابدين رحمه الله قوله وكره الخ قيل تحريماً وقيل تنزيهاً كما في البحر عن الغاية وفيه عنها وينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصمت وفيه عن الظهيرية فإن أراد أن يذكر الله تعالى يذكره في نفسه وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل وهو يمشي معها استغفروا له غفر اله لكم أه قلت وإذا كان هذا في الدعاء والذكر فما ظنك بالغناء الحادث في هذا الزمان أه كلام العلامة ابن عابدين وقال العلامة ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل ما ملخصه وليحذر من هذه البدعة التي يفعلها أكثر الناس ثم العجب من أهل الميت كيف يأتون بالفقراء للذكر على الجنازة للتبرك بهم وهم عنه بمعزل لأنهم يبدلون لفظ الذكر بكونهم يجعلون موضع الهمزة ياء وبعضهم ينقطع نفسه عند آخر قوله لا إله ثم يجد أصحابه قد سبقوه بالإيجاب فيعيد النفي معهم في المرة الثانية وذلك ليس بذكر يؤدب فاعله ويزجر لقبح ما أتى به من التغيير للذكر الشرعي وإذا كان كذاك فأين البركة التي حصلت بحضورهم على أنهم لو أتوا بالذكر على وجهه لمنع فعله للحدث في الدين لأأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين إلى أن قال وهذا ما شاكله ضد ما كانت عليه جنائز السلف رضي الله عنهم لأن جنائزهم كانت على التزام الأدب والسكون والخضوع والخشوع والتضرع حتى أن صاحب المصيبة لا يعرف من بينهم لكثرة حزن الجميع وما أخذهم من القلق والانزعاج بسبب الفكرة فيما هم إليه صائرون وعليه قادمون حتى لقد كان بعضهم يريد أن يلقى صاحبه لضرورات تقع عنده فيلقاه في الجنازة فلا يزيد على السلام الشرعي شيئاً لشغل كل منهما بما تقدم ذكره وبعضهم لا يقدر أن يأخذ الغذاء تلك الليلة لشدة ما أصابه من الجزع كما قال الحسن البصري رضي الله عنه ميت غد يشيع ميت اليوم وانظر رحمنا الله تعالى وإياك إلى قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لمن
قال في الجنازة استغفروا لأخيكم فقال لا غفر الله لك فإذا كان هذا حالهم في تحفظهم في رفع الصوت بمثل هذا اللفظ فما بالك بما يفعلونه مما تقدم ذكره فأين الحال من الحال فإنا لله وإنا إليه راجعون فالسعيد في نبذ هذه العوائد المبتدعة وشد يده على اتباع السلف فهم القوم لا يشقى من اتبعهم ولا من أحبهم (إن المحب لمن يحب مطيع) أ. هـ كلام صاحب المدخل وكذلك الحكم عند السادة الحنابلة قال في الدليل وشرحه (ويكره القيام لها ورفع الصوت) والصيحة (معها ولو بالذكر والقرآن) بل يسن الذكر والقرآن سراً ويسن لمتبعها أن يكون متخشعاً متفكراً في مآله متعظاً بالموت وبما يصير إليه الميت وقول القائل مع الجنازة استغفروا له ونحوه بدعة عند أحمد وكرهه. وحرمه أبو حفص أ. هـ وكذلك الحكم عند السادة الشافعية وإليك ما نقل عن الرملي وغيره من أكابر السادة الشافعية في حواشي المنهج ونصها. المختار والصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة أو ولا ذكر ولا غيرهما بلب يشتغل بالتفكر في الموت وما بعده وفناء الدنيا وأن هذا آخرها ومن أراد الاشتغال بالقراءة والذكر فليكن سراً وما يفعله جهلة القراء من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام يجب إنكاره والمنع منه ومن تمكن من منعه ولم يمنعه فسق أ. هـ وأما من قال بأن عدم الاتيان بما يفعله الناس اليوم يعد إزراء بالميت وأهله فلا وجه له بعد ما سمعت من النصوص وهل يجنح عاقل إلى ترك السنة ومخالفة الصحب الكرام نظراً لهذه العادة السيئة ومتى كانت تقدم البدع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وقد عد شيخ الإسلام العلائي في قواعده ترك السنة من الكبائر كما نقله عنه القدوة ابن حجر في الزواجر.
وتستحب التعزية وهي تصبير صاحب الميت بذكر ما يسليه ويحفف حزنه ويهون عليه مصيبته ورد عنه عليه الصلاة والسلام ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة ومدتها من موته إلى ثلاثة أيام وتكره بعد مضي ثلاثة أيام إلا إذا كان صاحب المصيبة غائباً واتفق رجوعه بعد الثلاثة وهي مستحبة قبل الدفن وبعده ولكن بعده أفضل لشغلهم قبله بتجهيزه ويستحب أن يعم بالتعزية جميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء إلا أن تكون امرأة شابة فلا يعزيها إلا محارمها ويكره تنزيهاً الجلوس للتعزية بأن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية بل
ينصرفوا في حوائجهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهية الجلوس للتعزية وكون الكراهة للتنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر فإن انضم إلى ذلك أمر آخر من البدع المحرمة كان ذلك من قبائح المحرمات ولا حجر في لفظ التعزية ويستحب أن يقول المسلم في تعزية المسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وفي الكافر بالمسلم أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وفي الكافر بالكافر أخلف الله عليك ومما عزى به الإمام الشافعي رضي الله عنه بعض أحبابه وقد جزع على فقد ولده بقوله: يا أخي، عز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أضر المصائب فقد سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر، فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه، وقد نأى عنك ألهمك الله عند المصائب صبراً، وأحرز لنا ولك بالصبر أجراً، وكتب رضي الله عنه:
إني لمعزيك لا أني على ثقة
…
من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد ميته
…
ولا المعزي ولو عاشا إلى حين
هذا ونسأله تعالى أن يوفقنا لاتباع السنة السنية والانتصار للحق والحمد لله رب العالمين.