الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاح الأمم بالدين
مهما أطلنا التصور وأجهدنا الفكر لا نرى كالدين جامعاً للأمم على تفرقها كافلاً لسعادتها وارتقائها ذلك أن الدين يستدعي أن يعتقد المتدين أن له رباً حكيماً قادراً مطلعاً على هواجس ضميره وما يكنه صدره معاقباً له على ما يقترفه من المعاصي العقاب الشديد مثيبه على أعماله الصالحة الثواب الجزيل فلا يستبيح أن يعصيه في سره ولا في علانيته كما لا ينفك أن يطيعه في كل ما دعاه إليه ولو كلفه ذلك أن يجود بنفسه وماله. هذه مزية من مزايا التدين وخصيصة من خصائصه وهي السبب الوحيد لتقدم الأمم والعامل الأقوى على نهوضها إذا كان ما تتمسك به من العقائد والآداب صحيحاً ولو في الجملة.
لسنا نقول باستقامة غير الدين الإسلامي ولا بجواز التدين بذلك الغير فذا مما لا نحلم به ولا نجوز أن يحلم به مسلم ولكنا نريد أن نجهر بحقيقة واضحة وهي أن المتمسكين بالأديان التي تأمر بالفضيلة وتنهى عن الرذيلة ولو كان ذلك في الجملة خير من الذين جعلوا دينهم هواهم ومعبودهم شهواتهم.
مثال ذلك أن من يتولى وظائف الحكم من اللادينيين إذا أمكنته الفرص لا يبالي إذا ظلم أو خان أو ارتشى أو فعل ما تأباه المرؤة والأمانة لأنه لا يعتقد أن عليه رقيباً لا يغفل عند غفلة الرقباء ولا يوقن بأنه إذا أمن عذاب الدنيا فلا يأمن عقاب الآخرة ولا يردعه عن عمله القبيح العقاب الذي رتبه عليه قانون حكومته أو ميله لمراعاة حقوق الوطنية والإنسانية فللقوانين الموضوعة من قبل البشر منافذ عدة يخرج منها المجرم بريئاً والظالم عادلاً وللشهوة الإنسانية حكم نافذ وسلطان غالب على حب الوطنية والإنسانية ولا كذلك المتدين الصادق إذا نيطت به الوظائف فهو يعتقد أنه مدين بإيفائها حقها معاقب على التفريط لواجباتها في أخراه وإن سلم من العقاب على ذلك في دنياه وقس على الموظف التاجر والزارع والمحترف وغيرهم فاللاديني من هؤلاء يغش ويكذب ويأكل أموال الناس بالباطل ويشهد الزور ولا يدع شيئاً دعته شهوته إليه مما يفسد نظام الهيئة الاجتماعية إلا ارتكبه بعكس المتدين الصادق كما سبق.
هذه بعض مزايا الدين بالنظر إلى الأفراد وإذا أردت التحقق ببعض مزاياه بالنظر إلى رابطته التي تؤلف بين مئات الملايين من النفوس فتجعلهم كالنفس الواحدة وتمكنهم إذا أحسنوا التمسك بها من السلطة والسيادة على سكان البسيطة.
جاء الإسلام والناس في جاهلية جهلاء وغواية عمياء متفرقين المذاهب مختلفين بالآراء فهداهم إلى الطريق الأقوم وسلك بهم المنهج الأعدل جمعهم بعد التفرق وضمهم بعد الشتات حتى تكونت لهم رابطة كسلسلة أحد طرفيها في المشرق والآخر في المغرب فأصبحوا وهم سادة أهل الأرض وفي قبضتهم وتحت حكمهم أكثر من نصفها وما بلغوا هذا المنصب ولا ارتقوا هذا المرتقى إلا بتمسكهم بدينهم وعلمهم بالانتفاع من رابطته ولولا أن خلفهم من سلك غير مسلكهم وتنهج خلاف منهجهم لرأيتهم اليوم وفي يدهم الكرة الأرضية كما ترى مثالها بيد الجغرافيين.
فالواجب على المسلمين وقد كاد أن يدركهم التلاشي ويحل بهم الاضمحلال أن يتمسكوا بدينهم حق التمسك ويرتبطوا برابطته تمام الارتباط فإذا فعلوا ذلك بقي للمستقلين منهم كالعثمانيين استقلالهم وكانوا العقبة الكؤود في امتداد نفوذ أوروبا وربما يأتي يوم يستردون فيه سلطتهم ويعود إليهم مجدهم ولا يعوزهم إلا نشر العلوم الدينية فيما بينهم وتسهيل الطرق لتعارفهم مع بعضهم فهم على كثرتهم وعدم خلو قطر أو مدينة من طائفة كبيرة منهم يقدرون على كل شيء ولا يذلون لشيء أخذ الله بأيدينا إلى ما فيه صلاحنا وفلاحنا ورد عنا كيد الأعداء ومكرهم بمنه وكرمه.