الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاريخ
ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين.
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
مسير سعد بن مالك رضي الله عنه إلى القادسية
اجتمع بسيراف بضعة وثلاثون ألفاً من المؤمنين وقائدهم العام سعد ابن مالك فأمر الأمراء وجعل على كل عشرة عريفاًً وعلى الرايات رجالاً من أهل السابقة وولى الحروب رجالاً على ساقتها ومقدمتها وطلائعها ومجنباتها وكل ذلك بأمر سيدنا عمر ورأيه وعبى سعد جيشه تعبئة تشهد بالخبرة والانتظام وتستلفت أنظار دهاقين السياسة والقواد المنظمة في هذا العصر. وتعلم الناس أن المسلمين كانوا على غاية الاستعداد ونهاية الانتظام. وهو ما يتحتم على المسلمين القيام به والسعي وراء تحصيله إذا أرادوا الخلاص مما يتهددهم من المطامع الأوروبية والقيام بنهضة إسلامية تمزق تلك الوحوش الضارية وتعمم انتشار العجل على وجه البسيطة مرة أخرى. فيتسابق الناس إلى الدخول في دين الله أفواجاً كما جرى من قبل ويخلص بنو الإنسان من همجية أمم تزعم أنها متمدنة راقية همجية لو دامت لقضت على العالم البشري بالهلاك والتلاشي ومهما يكن من المؤمنين من ضعف وفي أعدائهم من قوة فلا بد أن يرجع الإسلام إلى عزه ويحفظ كيان أمته بحول الله تعالى وقوته.
ثم أن سعداً بعد أن عبى جيشه بعث في المقدمة زهرة بن عبد الله التميمي فانتهى إلى العذيب وجعل على الميمنة عبد الله بن المعتمر وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط وخالد بن عرفطة خليفة له وسواد بن مالك التميمي على الطلائع وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة ثم سار سعد على التعبية وكان الفرس قد بعثوا قابوس بن قابوس بن المنذر إلى القادسية يستنفر العرب فسار إليه المهنى بن حارثة الشيباني بجيشه وذلك بعد وفاة أخيه المثنى فبيته واستولى على قابوس ومن معه ثم رجع المهنى إلى ذي قار وجاء إلى سعد بالخبر فوافاه بسياف فأعلمه بوصية أخيه المثنى إليه أن لا يدخلوا بلاد فارس بل يقابلونهم
على حدود أرضهم وقدم على سعد كتاب من سيدنا عمر بمثل رأي المثنى.
فأقام سعد بالقادسية شهراً يشن الغارات على تلك البلاد فأرسل يزدجرد ملك الفرس إلى رستم وأمره أن يسير إلى قتال المسلمين فخرج رستم بجيشه وكتب سعد بذلك إلى سيدنا عمر فكتب عمر إليه لا يكربنك ما يأتيك عنهم واستعن بالله وتوكل عليه وابعث رجالاً من أهل الرأي والمناظرة يدعونه فإن الله جاعل ذلك وهناً لهم فأرسل سعد إليه نفراً من المؤمنين فتركوا رستم وقدموا على يزدجرد فاجتمعوا عنده والناس ينظرون إليهم وإلى خيولهم فقال يزدجرد لترجمانه سلهم ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا والولع ببلادنا أمن أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا. فقال النعمان بن مقرن لأصحابه إن شئتم تكلمت عنكم ومن شاء آثرته. فقالوا بل تكلم فالتف إلى يزدجرد وقال له إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يأمرنا بالخير وينهانا عن الشر ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة فأجابه منا قوم وتباعد قوم ثم أمرنا أن نجاهد من خالفه من العرب فدخلوا معه حتى اجتمعنا وعرفنا جميعاً فضل ما جاء به ثم أمرنا بجهاد من يلينا من الأمم ودعائهم إلى الإنصاف والإسلام فإن أبيتم فادفعوا لنا الجزية فإن أبيتم فالمناجزة فقال يزدجر لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى وأقل عدداً وأسوء ذات بين منكم وقد كان أهل الضواحي يكفوننا أمركم فلا تطمعوا أن تقوموا للفرس وإن كان بكم جهد أعطيناكم قوتاً وكسوناكم وجعلنا عليكم ملكاً يرفق بكم فقام ابن زرارة فقال أيها الملك أما ما ذكرت من سوء الحال فقد كانت على ما وصفت وأشد ثم ذكر ما كان عليه العرب من سوء العيش حتى رحمهم الله بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم ففازوا باتباعه وسعدوا به. وأما أنت أيها الملك فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر أو اسلم لتنجو من ذلك وإلا فالسيف بأيدينا فغضب يزدجرد من كلامه وقال ارجعوا إلى صاحبكم وأخبروه إني مرسل إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية فلم يعبئوا لكلامه ورجعوا إلى سعد فقال يزدجرد لرستم ما كنت أرى أن في العرب مثل هؤلاء.
وخرج رستم من عند الملك كئيباً حزيناً وبعث بجلاً في أثرهم ليرجعوا إليه وقال إن أدركتهم تلافينا أرضنا وإلا فقد سلبكم الله أرضكم فسار ذلك الرجل في أثرهم حتى وصل إلى الحيرة فلم يدركهم ورجع إلى رستم فقال له لقد ذهب القوم بأرضكم.
وبعد مسيرالوفد على يزدجرد كما تقدم أغار سواد بن مالك التميمي على تلك الناحية فاستاق ثلاثمائة دابة وحمل عليها السمك فصبح بها العسكر فقسم سعد بينهم وسموا ذلك اليوم يوم الحيتان وواصلوا السرايا والبعوث وسار رستم إلى ساباط في ستين ألفاً وأرسل أمامه الجالينوس في أربعين ألفاً أخرى وجعله مقدمة له وساقته عشرون ألفاً وجعل في ميمنة الجيش الهرمزان وفي الميسرة مهران بن بهران وحمل ثلاثة وثلاثون ألفاً. ولما فصل رسام عن ساباط كتب إى أخيه البنذوان أما بعد فأصلحوا حصونكم وأعدوا ما استطعتم فكأنك بالعرب قد قارعوكم عن أرضكم وأبنائكم وقد كان من رأي مدافعتهم ومطاولتهم لأني لا أراهم إلا سيظهرون علينا ويستولون على ما بأيدينا.
ثم سار رستم حتى نزل كوثى فأتى برجل من العرب فقال له رستم ما جاء بكم وما تطلبون فقال نطلب وعد الله بأرضكم وأبنائكم إن لم يسلموا قال رستم فإن قتلتم دون ذلك قال من قتل دخل الجنة ومن بقي أنجزه الله وعده قال رستم فنحن إذاً وضعنا في أيديكم فقال أعمالكم وضعتكم واسلمكم الله بها فلا يغرنك من ترى حولك فلست تحاول الناس إنما تحاول القضاء والقدر فغضب رستم وأمر به فضربت عنقه.
إن قول هذا العربي لرستم (أعمالكم وضعتكم وأسلمكم الله بها الخ) جدير بأن يعتبر به المؤمنون في هذا العصر حيث فشت بينهم المنكرات وعمت الموبقات وشرب الخمر وظهر الربا وانتشرت أنواع المحرمات انتشاراً أودى بالمؤمنين إلى هذه الرزايا والبلايا وألقى بهم في هذه الأخطار التي أحاطت بهم كإحاطة السوار بالمعصم قال تعالى: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصابتكم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم).
ثم بعد أن قتل رستم ذلك الرجل العربي سار فنزل البرس وفشا في عسكره المنكر وغصبوا الرعايا أموالهم وأبناءهم حتى نادى رستم منهم بالويل وقال صدق والله العربي.
ثم سار رستم حتى نزل الحيرة ودعا أهلها فغررهم وهم بهم فقال له ابن بقيلة إذا كنت عاجزاً عن نصرتنا فلا تجمع علينا وتلومنا على الدفع عن أنفسنا.
وأرسل سعد رضي الله عنه السرايا إلى السواد وسمع بهم رستم فبعث الفرس لاعتراضهم وبلغ ذلك سعداً فأمد السرايا بعاصم بن عمر فجاءهم وخيل فارس قد أحاطت بهم فلما رأى الفرس عاصماً هربوا منهزمين. وجاء عاصم بالغنائم ثم أرسل سعد رضي الله عنه عمرو
بن معديكرب وطليحة الأسدي طليعة فلما ساروا أكثر من فرسخ رأوا عاصماً قد وافى بالغنائم فرجع عمرو ومضى طليحة حتى وصل عسكر رستم فبيتهم ليلاً واقتاد بعض الخيل وخرج يعدو به فرسه فركب الفرس في طلبه إلى أن أصبح وهم في أثره فرجع عليهم فقتل اثنين وأسر الثالث وشارف عسكر المسلمين فخاف الفرس ورجعوا عنه ثم سار رستم فنزل القادسية وذلك بعد خروجه من المدائن بستة اشهر وكان يطاول ويحاول خوفاً منهم ويزدجرد يستحثه في الخروج عليهم.
يتبع