الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشرى للعثمانيين
اعتناء الحكومة باللغة العربية
اللغة العربية الشريفة يجب على كل مسلم مهما كان جنسه ومذهبه ولغته ومشربه أن يعطيها حقها من الاعتناء وقسطها من الاعتبار. لأنها لغة القرآن الكريم الذي هو أساس الشريعة الإسلامية الغراء. ومنبع الفضائل السامية والأخلاق الكاملة كيف يكون حال المسلم الذي يجهل لغة القانون الإلهي الذي أنوله الله للمسلمين ليتعبدوا بتلاوته وأحكامه ولغة الأحاديث النبوية التي توضح ما أشكل من معاني الكتاب وتبين ما أبهم من إشاراته وتفصل ما أجمل من أوامره وتحث على مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال.
هذه اللغة الكريمة أقدم اللغات الحية الغنية بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها لغة القرآن لغة الدين الإسلامي لغة العلم أصبحت اليوم والعارفون بها أقل من القليل ولذلك ترى المسلمين متناكرين غير متعارفين متخاذلين غير متعاضدين لأن للإسلام جامعتين عظيمتين عليهما ترتكز قواعده ومنهما يستمد رواءه وقوته جامعة الخلافة وجامعة اللغة العربية وبالثانية يكون التعارف والتآلف للانضمام إلى لواء الأولى أدام الله تأييده.
المسلمون في حاجة تامة لتعميم اللغة العربية فيما بينهم لأن بتعميمها تعميم مبادئ الدين القويمة التي تحض على الاتفاق والائتلاف وتحث على التعاضد والتعاون وتجعل المسلمين جميعاً من ترك وعرب وكرد وغير ذلك يداً واحدة على من ناوأهم ملتفين حول عرش الخلافة العظمى والإمامة الكبرى.
إذا تعممت اللغة العربية بين المسلمين تجلت لهم تلك المدنية الزاهرة التي بلغت بالمسلمين في أبان مجدهم منزلة تحسدهم عليها الأفلاك وتطأطأ لها جباه الجبابرة.
لا يتسنى للمسلمين أن يجعلوا وجهتهم الجامعة الدينية العظيمة إلا باتباعهم أوامر الدين الذي يحض على الاتحاد والوفاق وعدم الالتفات إلى الاختلاف بالجنس واللغة ولا تمكن معرفة هذه الأوامر إلا بشيوع اللغة العربية بين جميع المسلمين ولا شك أن ملوك الإسلام مطالبون بالاعتناء بهذه اللغة الكريمة وحث رعاياهم على تعلمها وتعليمها للأسباب المار ذكرها. والدولة العلية العثمانية مكلفة بهذا الواجب أكثر من غيرها لأنها دولة الخلافة الإسلامية التي يتعلق بأهدابها مسلمو العالم في جميع الأقطار وهم يدينون بالقرآن الكريم
المنزل بلسان عربي مبين.
وهذا الوجه وحده كاف لأن يكون لهذه اللغة عند الحكومة العثمانية المنزلة السامية على أنه لو لم تكن هذه الدولة دولة الخلافة الإسلامية لكانت السياسة تقضي عليها بالاعتناء بالعربية لأنها لغة أكثر رعاياها المخلصين في عثمانيتهم وقد مضى على الدولة العلية العثمانية أمد ليس بقليل كانت فيه تغضي عن إنالة هذه اللغة قسطها من الحظوة لديها وتلهوا عن إجابة نداء أبناء الأمة العربية الذين يودون أن يكون للغتهم شأن عند الحكومة يليق بما انطوت عليه من اشتات الفضائل وقد دأب أبناء العرب على مطالبة الحكومة بجعل اللغة العربي رسمية للحكومة وشاءت السياسة عدم إجابة هذا الطلب بما يستحقه من السرعة ومن حجج المانعين أن القانون الأساسي يقضي بأن تكون اللغة الرسمية للحكومة هي التركية مع أنه حور كثير من مواد القانون لمسيس الحاجة لتحويره وهو ليس بذي أهمية بالنظر لمسألتنا الحاضرة وماذا يمنع من أن يكون للحكومة لغتان رسميتان ترجح حكومات الولايات استعمال إحداهما بحسب حالة الأهالي واستعدادهم وكم جر عدم إجابة هذا الطلب على الحكومة والشعب من المصائب والرزايا واتسعت بينهما مسافة الخلف وسوء التفاهم فترى الشعب العربي وعقلاء الأتراك ومفكريهم ناقمين على الحكومة عدم إصغائها لهذا الأمر الديني الاجتماعي الذي يتوقف عليه نجاح هذه الدولة والتآلف بين شعبيها الكريمين اللذين يمثلان أكثريتها المطلقة الترك والعرب.
ومن جهة أخرى كان بعض رجال الحكومة وذوي الشأن فيها يرمون الشعب العربي بقوارص الكلام كالمروق من الوطنية وعدم محبة العثمانية وإرادة الخروج عليها (معاذ الله) إلى غير ذلك وحجتهم في ذلك ما يشاهد من بعض متطرفي الكتاب من استعمال اللهجة العنصرية الشديدة في هذا الطلب والتهور في التنديد بالحكومة مما ينشأ عنه تفريق الأمة وجعلها شيعاً وأحزاباً والخروج عن جادة الآداب المرعية في المخاطبة بين الحاكم والمحكوم.
خشي كثير من عقلاء الطرفين مغبة سوء التفاهم وكاد يفضي الأمر إلى ما لا تحمد عقباه لولا أن ألهم الله رجال الحكومة الحاضرة أن تقدم مصلحة الحكومة والأمة على العنصرية فصدرت البشرى بصدور الإرادة السنية بجعل اللغة العربية رسمية للحكومة ولغة التدريس
والقضاء في البلاد العربية.
سر بهذا النبأ كل غيور على مصلحة هذه الأمة العثمانية محب لرقيها عالم بما جر على الأمة والبلاد من الأجن والمحن إثارة الخلاف باسم العنصرية. وجهل الحكام بلغة المحكومين وما تسبب عن الثاني من فقد الأنفس وضياع الأموال وهذه من الخطوات السريعة الخطيرة في تقدم هذه المملكة وتدرجها في مدارج الحضارة والعمران إن شاء الله.
لم يمض على صدور هذه الإرادة بضعة أيام حتى شوهد استعمال العربية في دوائر العدلية وبات الناس يتوقعون خيراً كثيراً وأمن المتخاصمون من التلاعب بإفاداتهم وتقاريرهم وكثيراً ما ضاعت حقوق بسبب جهل الحكام بلغة المحكومين وجهل المترجمين أو تعمدهم التحريف.
فنشكر للحكومة تلبية نداء العرب المخلصين لعرش الخلافة ونرجو أن تكون هذه البشرى مقدمة لأعمال كثيرة من نوعها يحصل بها الائتلاف التام بين الشعب والحكومة حتى يكف المشاغبون عن غلوائهم وسوء ظنهم بالحكومة ورغبتها بالإصلاح فإن اطمئنان الشعب من حسن نية الحكومة وتعلق قلوب الأمة بها خير ما يساعدها على نهوضها من كبوتها وسيرها في مضمار الترقي والفلاح.