المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تهتك الحرائر يعلم كل عاقل ما لهذه المصيبة من الأضرار وما - مجلة الحقائق - جـ ٣٣

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌تهتك الحرائر يعلم كل عاقل ما لهذه المصيبة من الأضرار وما

‌تهتك الحرائر

يعلم كل عاقل ما لهذه المصيبة من الأضرار وما لها من التأثير على الأخلاق وكيف أنها بفضل تساهلنا تزداد يوماً فيوماً انتشاراً وتفشو من حين إلى حين حتى عمت جميع الطبقات وأصبحت الداء العضال لهذه المرأة بل الضربة القاضية على شرفها وكامل أخلاقها. مع مات في ذلك من مخالفة صريح الدين ومصادمة نصوص الكتاب المجيد والسنة الصحية دع عنك ما نشأ عنها وما ينشأ عنها من إتلاف الثروة وتبديدها على غير جدوى وبلا فائدة غير استحقاق السخط والمقت الإلهي ورمي الطبقة الوسطى فضلاً عمن تحتها بالضائقة المالية والعسر المستمر. . نعم إنك لتجد من تحسب أنه من الأغنياء في اضطراب زائد وكدر عظيم لا يدري ما يصنع أمام هذه الكارثة العظيمة والتيار الجارف.

مهما جد الفقير واجتهد في الكسب والتكسب لا يكاد يرضي امرأته ولا يستميل قلب ابنته فهما في سخط دائم عليه، وكره لحالته فلا يزال عيشه في كذر وليله في سهر يحالف الهم ويرافق الغم يكتسب حتى الحرام فيغش ويخدع ويضرب في كل سهم ابتغاء رضوان أهله ونسائه وما هم عنه براضين ما دام زي أمس يبطله زي اليوم وزي اليوم يبيده زي غد وما دام القصد من اللباس إنما هو التقليد لا الكتساء والتهتك لا التستر.

إن فضلى النساء لا تكاد تتزين لزوجها زينتها إلى السوق وقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية.

وقال صلى الله عليه وسلم كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية وأخرج ابن حجر في زواجره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله أخبرني ما حق الزوج على الزوجة فإني امرأة أيم فإن استطعت وإلا جلست أيماً قال فإن حق الزوج على زوجته إن سألها عن نفسها وهي على ظهر قتب أن لا تمنعه نفسها ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع.

وأخرج أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها

ص: 1

النساء وذلك بسبب قلة طاعتهن لله ولرسوله ولأزواجهن وكثرة تبرجهن، ومن هنا يعلم عظم وزر هذه الخطيئة (التبهرج) وأن المرأة المتبرجة لغير زوجها زانية والتي تخرج من دارها بغير إذن زوجها تلعنها ملائكة السماء والأرض حتى ترجع. والرجل الراضي بأن تتبرج امرأته لغيره وأن تخرج من غير أذنه شريك لها في وزرها مستحق للمقت معها بل هو الديوث الذي لا يشم ريح الجنة ولا يدخلها والخلاصة أن هذه السيئة من المنكرات التي يجب التناهي عنها والتعاضد لصد تيارها حتى لا يتسع الخرق فتعتقد المرأة أن خروجها متبهرجة حق من حقوقها الطبيعية لا دخل للزوج في وضعه ولا رفعه. وهذا ما دعانا لأن نستحث همة كل خطيب وكاتب ومدرس وواعظ ومرشد وناصح ليبذل كل جهده في إزالة هذه العادة السيئة والبدعة القبيحة وأن نشكر همة من قاموا ببلدتنا (دمشق) بتأسيس جمعية لهذه الغاية ولقد علمنا أن هذه الجمعية حيا الله رجالها توالي الجلسات وتعقد الاجتماعات وتجتهد كل الاجتهاد للتوصل إلى إبطال هذه الرذيلة بالطرق المشروعة المقبولة فجزى الله أعضاءها وكل مساعد لهم جزاء المحسنين وكان لهم خير معين.

وهنا يحسن لبنا أن نورد للقراء مقالة نشرتها مجلة مكارم الأخلاق بقلم الكاتب المفكر عبد المجيد أفندي رئيس قسيم الإدارة بمديرية الشرقية في هذا الصدد لما فيها من الفائدة وفصاحة البيان قال أكثر الله من أمثاله:

بسم الله الرحمن الرحيم وبحمد والصلاة والسلام على رسوله أستفتح مقالتي التي جعلت عنوانها تهتك الحرائر وتالله ما كتبتها تحت هذا العنوان استلفاتاً للنظر ولا مبالغة في الوصف وإنما هو الواقع كما أنكم تنتظرون كيف لا وكل يرى المرأة لاهية عن بيتها عن الزينة دقها وجلها ثم لا يلبث أن يراها وقد أرادت الخروج قد أخذت كل زخرفها وازينت وبرزت من خدرها عروساً ولكنها لا خباء أو فجوراً ولا مبالغة ولا مراء كيف لا نسمي ذلك تهتكاً والحرة والفاجرة فيه سواء ها هي الطرقات والأسواق غاصة بالنساء وهن في غاية التبرج والخلاعة كما ترون فلا حاجة لوصف أزيائهن التي عند تصورها يضيق الصدر ويعتقل اللسان ماذا سترت المسلمة من زينتها التي أمرت بشترها إذا كانت هكذا في الطريق ظاهر ردفها وخصرها ونحرها وكفها والمعصم كذاك شعر رأسها وكل ما في وجهها كأنفها ثم الفم.

ص: 2

أم ماذا تركت الحرة للفاجرة من ضروب التبرج وماذا أبقت لنفسها من ضروب الاحتشام أنها لم تترك من ذاك ولم تبق من هذا شيئاً.

وماذا ينتظر الرجال إلا آخرة هذا الحال وبئست الآخرة هي هتك عرض وذهاب مال.

أيها المسلمون لا بأس عليكم ماذا جرى لعقولكم حتى رضيتم أن تفجر أمامكم نساؤكم.

أيها المسلمون أولى لكم من الاشتغال بالسياسة العمومية أن تسوسوا بيوتكم.

أيها المسلمون نساؤكم من نعم الله عليكم فأمسكوها أن تزول وكفى ما فرطتم.

أيها المسلمون أعراضكم كأرواحكم وقد فرطتم فيها كثيراً أفلا تتقون.

أيها المسلمون الله ولاكم أمر نسائكم لتصلحوا الولاية فأسأتم بتفريطك فهل أنتم منتهون.

أيها المسلمون ما بلغ النساء هذا الحد إلا من تساهلكم وضعف رأيكم في سياستهن وخور عزيمتكم في حجبهن كأنه لا غيرة في قلوبكم على أعراضكم قبح الله من لا يغار.

أيها المسلمون ما كلم واحد منكم الآخر في حال النساء إلا وأظهر التحسر والتأسف ولا شك في إجماعكم على قبح هذا الحال وسوء مآله.

فإذا كان الحال كذلك سيئاً في نفوسكم فلماذا عدم تغييره والله جاعل دواءه بيدكم أصبح التواكل غريزة فيكم حتى في خصوصياتكم أينتظر الواحد منكم أن يأتي غيره ليصون له حليلته أم تنتظرون أن تقلب الحكومة نظامها وتدخل في أموركم الخصوصية وهي تباعد عنها احتراماً لحريتكم الشخصية وكيف تتداخل هي وأنتم ساكتون وسكوتكم دليل على الرضا بما أنتم له كارهون والله ما شاعت هذه البدعة الفاحشة في المسلمات غلا بتفريطكم في الحجر عليهن فاحذروا يا رجال عاقبة هذا الحال فالعقل لا يسلم بصيانة المرأة تمشي كل وقت بهذا التهتك الفاضح تزاحم الرجال في الأسواق عين ترمقها وقدم يتبعها وقبيحة تسمعها وكف تلمسها ويد تصافحها ورب ساعد يضمها وفم يقبلها ومن يشك في بعض ما قلت فليسر في أسواق المدينة ويتفقد خاناتها (مخازنها) ويتأمل كيف تستقبل من فيها النساء وكيف يعاملوهن وهكذا تفسد الأخلاق وتهتك الأعراض ولا تنسوا أنه كلما كثر خروج المرأة ومخالطتها لغيرها زاد طلبها للملابس والحلي أما تشبهاً بغيرها وإن كن أعلىمنها أو أكثر ثروة وإما تشبهاً لما هو معروض في الأسواق استلفاتاً لأنظارهن وترغيباً لهن ألم تر أن التجار لم يقتصروا على هذه الوسيلة بل تجاوزوها إلى بيع سلعهن للنساء سلفاً وهم

ص: 3

آمنون على أرباحهم بما يرون من تغلبهن على الرجال.

وهذا الأزار الجديد والبدع التي تظهر فيه كل يوم اختراع تجاري ساعد على انتشاره ورواجه تسلط النساء على الرجال مع ضرره المالي (إذا لم نقل الأدبي) فمن ذا الذي ينكر أن أنواع هذا الجديد أغلى ثمناً وأكثر كلفة وأقصر عمراً من القديم كيف لا ومادة الحبر الجديد لا تبلغ جودة الحبر القديم وأنواع الملاآت الجديدة لا تبلغ متانة الملاآت البلدية القديمة وقد كانت الحبرة الأولى تكفي صاحبتها خمس سنين أو أكثر وهي لا تبلغ ثمناً وكلفة أكثر من دينارين وقس على هذه النسبة الملاآت البلدية أما الحبرة الجديدة فقل أن تكفي سنة أو اثنتين إن كانت جديدة وكانت صاحبتها أكثر من غيرها لزوماً لبيتها والاختراع التجاري وتفنن الخياطات في الأزياء ضامنان لزوم حبرتين أو أكثر في السنة الواحدة وثمن وكلفة هذه لا ينقص عن ثلاثة دنانير وقد يزيد إلى سبعة للمتوسطات ولا ندري كيم تتكلف حبرة العاليات وعلى هذه النسبة تقاس الملاآت ولا تسل عما يجتهدن في إحرازه من نفائس الحلل واستنكاف الواحدة منهن الخروج بالحلة الواحدة مرتين وقد تهجر البدلة الثمينة بعد قليل لتغير زياه أو تترك في زوايا الصناديق حتى تنقرض والزوج أسال عرق جبينه في أداء ثمنها لا تجود عليه بالتحلي مرة بين يديه بثوب نظيف بهذه الوسائل الشيطانية والتصرفات النسوانية لتذهب الأموال ويسوء المآل.

وهل علمتم ما هي غاية النساء من هذا التبرج نعم تعلمون أنها غاية سافلة فإنما تريد المرأة من خروجها بهذه الهيئة أنها تسلتفت إليها الرجال أثناء سيرها قي الطريق وتريد أن تكون هي المرموقة بين السائرات معها بعين الاستحسان وإن تمحلت بعض الأسباب الواهية مثل كونها تريد مناظرة أمثالها ومباهتهن بنفسها فدعواها باطلة وإلا لأبقت الإزار على عهده السابق بسيرها في الطريق حتى تدخل محل المناظرة والمباهاة فتبدي زينتها على أمثالها وتباهي بها من تشاء منهن وربما نقول أن الرجال وإن رأوها في الطريق فليس يعرفون من هي حتى يكون في ذلك سيئة لزوجها فإذا سلمنا لها بذلك وضربنا صفحاً عن سفيه يراقب دخولها وخروجها من بيتها ولا يلبث أن يعرفها من هي فما فائدة ظهور زينتها لمن لا يعرفها أليس هذا نهاية الطيش والجهالة.

تأمل أيها القارئ لهذه الغاية السافلة كيف تكون في نفس تلك الخارجة متى خرجت وتذكر

ص: 4

أن هيئتها وهي عنوان الخلاعة تطمع من يراها في بلوغ إربه منها وتحرك همته للسعي إلى ما توسوس له به نفسه مع أنها لو ألزمت بستر زينتها لسارت في حمى هيبة الاحتشام ولما وجد سفيه من نفسه مطمعاً يؤديه لمداعبتها وانظر ما في هذا البلد من أشرار برعوا في الوقاحة والتحكك بالنساء واستهواء عقولهن وما فيها من أماكن الفجور التي يسمونها سرية وما يوجد بين أكنافها من القوادات المتسترات ببعض الحرف النسائية ألا تكون نهاية ذلك فساد العرض ولو بعد حين خصوصاً مع مواظبة النساء على الخروج وكثرة الأسباب التي يتذرعن لبها إليه فإما شراء شيء من السوق (لا لنفسها فقط أو لها ولأولادها بل لزوجها أيضاً) أو لزيارة أهل أو ضريح أو جبانة أو لنزهة أو حمام أو لحفلة فرح أو موكب جامع كموكب المحمل أو وفاء النيل أو وفود ملك أو أمير أو غير ذلك مما يتجاوز العد ولا يحيط به الحد.

ومع تعرض الأعراض بالخروج لحظ تلك الآلات يسمح الرجال لهن به وتجد المرأة من هذه الأسباب ما يكفي لخروجها من بيتها كل يوم أكثر من مرة وهي مقدمة عندها على واجباتها المنزلية وقد واظب أكثر النساء عليها كل المواظبة ورأي من تفريط رجالهن أكبر مسهل لهن حيث ترك الرجال (غلا قليلاً منهم) أمر الخروج للنساء إن شئن قعدن وإن شئن خرجن ومن منهن تشأ أن لا تخرج.

عرفنا من تمادي النساء على هذا الحال والتزام الرجال الصمت والسكون في هذا المقام رغماً عن تحقيقهم ضرره أدباً ومالاً أن سبب هذا الصمت والسكون مع الحاجة للكلام والحركة السريعة هو وهم ساد على عقول الجنسين في فهم معنى الحرية الشخصية التي أطلقتها الحكومة للرعايا فظنوها حكماً مطلقاً لا قيد فيه ومعنى ذلك أن يمشي كل على هواه في ظل الحرية لا أن تخرج المرأة عن طاعة زوجها وتجري في الحجاب على مشيئتها وقد آنست من الرجل التساهل في حقه فكادت تنكره واسترسلت مع هواها وتوسعت في مطالبها حتى وصلت إلى ما نراها فيه الآن لاهي على الزي الإفرنجي الذي يقتضي الاحتشام من الزينة حيث لا حجاب يسترها ولا هي على الزي البلدي متخذة حجاباً يستر زينتها التي كانت تطمئن في اتخاذها في الأيام الخالية على الحجاب اللائق فأصبحت مثال التبرج ولكن لا تبرج الجاهلية الأولى بل تبرج المدينة الأخرى معنى الحرية أن لا ظلم

ص: 5

اليوم فالقوي والضعيف سواء يحكم بينهما بالعدل فيدار القضاء فليتمتع كل ذي حق بحقه لا سواه وليلتزم كل حده لا يتعداه.

للمرأة حقوق ولها حدود فلا نهضمها الحق ولا نرضى تخطيها الحد فلها مما نحن بصدده الخروج لزيارة والديها مرة كل أسبوع ولزيارة محارمها (أي أقاربها المحرمة عليهم) في كل سنة مرة. (انظر المادة 215 من كتاب الأحوال الشخصية).

وعليها أن تكون مطيعة لزوجها فيما يأمرها به من حقوق الزوجية ويكون مباحاً شرعاً (أي لا تلزمها طاعته في أمر يحرمه الشرع) وأن تتقيد بملازمة بيته ولا تخرج عنه إلا بإذنه (انظر المادة 212 من الأحوال الشخصية).

وللزوج أن يمنعها من الخروج من بيته بلا إ1ذنه إلا في الأحوال التي يباح لها الخروج فيها شرعاً كزيارة والديها ومحارمها كما تقدم وله منعها من زيارة الأجنبيات وعيادتهن ومن الخروج إلى الولائم ولو كانت عند المحارم (انظر المادة 217 الأحوال الشخصية).

ولكي تظهر لكم حكمة مبالغة الشرع في كراهة خروج النساء إلى الولائم حتى أنه أعطى الرجال حق منعهن من الخروج إليها ولو كانت عند المحارم أصف لكم هيئة فرح وكيف كانت حالة النساء فيها وإن كان ذلك غير خاف عليكم.

زرت القاهرة منذ شهرين في ليلة جمعة ومررت صدفة بفرح في بيت عظيم مطل على شارع مهم وكانت الحفلة في الشارع أمام هذا البيت فرأيت النساء مشرفات على الرجال ن الشبابيك المفتحة عن آخرها بلا ستر ولا غطاء ولا خوف ولا حياء كأنهن نساء رجل واحد نافست الواحدة منهن ضرتها في اجتذاب قلبه إليها بزينتها وبهرجتها وكلكم يعلم ما يفعل النساء بأنفسهن عن الخروج للأفراح وكان الرجال المجتمعون في هذا المهرجان في نظرهن ذاك الرجل الواحد لا يرون في الظهور عليه عاراً بل يرونه أمراً حلالاً وصادف أن فرغ المغنون من أغنية كانوا يغنونها وسكتوا للاستراحة فانفتح باب التنكيت ورمت السنة السفهاء من قبيح القول ما أضحك الغافلين والنساء يسمعن وينظرن ولا يستحين كل هذا جرى وكل من الرجال الحاضرين يسمع ويرى وما منهم من قبح منكراً أو هزته حمية لدفع هذا العار المهين مع أن المكان لا يخلو طبعاً من كثير من أزواج أولئك النساء مدعوين مثلهن إلى المهرجان وكانوا بأعينهم يرونهن ويرضون كل ذلك منهن فما استطعت

ص: 6

صبراً على هذا المنكر وكاد الفؤاد يتصدع والكبد تنفطر فنبهت صاحب الدار لما فيها فأسرع لوقته إلى داخل الحرم وأرسل من أغلق الشبابيك فحجبهن عن الأنظار وما حرمن من مشاهدة الحفلة وراء الحجاب.

هذه حفلة من كثير مثلها تقام في هذه المدينة الواسعة وطبعاً يجري في الكل ما جرى في هذه ويحدث من اجتماع النساء وأمنهن الرقيب والزاجر تلك المنكرات الكبائر فالحكمة البالغة في ذلك الحكم في منه هذا الفجور باجتناب أسبابه.

وللزوج على زوجته الولاية التأديبية (انظر المادة 206 الأحوال الشخصية) وعليها الحجاب وستر الزينة بنص الكتاب إذ قال الله تعالى: وليضربن بخمرتهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن) وقال (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وقد اتفق أغلب المفسرين على أن المراد ستر المرأة رأسها ووجها وجميع بدنها بحيث لا يظهر منها إلا عين واحدة وقيل عيناها وأن لا تظهر شيئاً غير ذلك مطلقاً إلا لضرورة تستوجب الإباحة شرعاً ككشف المخطوبة وجهها وكفيها لمن يخطبها.

وقد اجتنبت الحكومة التعرض لهذه الحقوق بل لم تتعرض للرجال في حق إجراء التعزير المباح لهم شرعاً إيقاعه على النساء عند تجاوزهن حداً من تلك الحدود مثل ما في المادة (209) الأحوال الشخصية هو يباح للزوج تأديب المرأة تأديباً خفيفاً على كل معصية لم يرد في شأنها حد مقرر ولا يجوز له أن يضربها ضباً فاحشاً ولو بحق وقد صرحت الحكومة بحيادها هذا في المادة الأولى من قانون عقوباتها وهذا نصها من خصائص الحكومة أن تعاقب على الجرائم التي تقع على أفراد الناس بسبب ما يترتب عليها من تكدير الراحة العمومية وكذلك على الجرائم التي تحصل ضد الحكومة مباشرة بناء على ذلك قد يعينت في هذا القانون درجات العقوبة التي لأولياء الأمر شرعاً تقريرها وهذا بدون إخلال في أي حال من الأحوال بالحقوق المقررة لكل شخص بمقتضى الشريعة الغراء.

ولم تلتزم الحكومة الحياد فقط بل نظامها متكفل بمعاونة الرجل على حجب امرأته ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة فإذا فرضنا أن رجلاً عجز عن حجب امرأته في بيتها وعن منعها من الخروج لغير ضرورة شرعية وفي حجاب شرعي فله رفع الأمر للقاضي فيحكم له بما

ص: 7

جاء به الكتاب والسنة وتنفذ الحكومة هذا الحكم كما نطق به لا تغيير ول تبديل وتستعمل القوة وتدخل البيوت كرهاً إذا استدعى الحال ذلك (انظر المواد 16و17و 93 من دكريتو 19 مايوسنة97 الشامل للائحة المحاكم الشرعية الجديدة).

أيها الرجال قد عرفناكم ما لكم على النساء من الحقوق المقدسة فما عليكم إلا أن تعضوا عليها بالنواجذ وتنهضوا نهضة الرجل الغيور لردعهن وردهن إلى الرشد واعلموا أنكم مسؤولون بين يدي ربكم عن كل هذه الآثام ولا عذر لكم في تفريطكم في حق يؤدي التفريط به إلى ما حرم الله ورسوله وما جعل الله أمر نسائكم بأيديكم إلا لأنه يعلم ما فيهن من ضعف العقل وخور العزيمة عند مغالبة هوى النفس فكنتم بذلك قوامين عليهن فاتق الله أيها الرجل واعتبر بما تنظر ولا تتجاهل حال امرأتك فهي متبرجة في خروجها كغيرها ولا نكلفك بأن ترجعها مرة واحدة إلى الحجاب الشرعي بل نريد أن يرجع الإزار إلى ما كان عليه قبل ظهور هذه البدعة فإن كنت غيوراً على حرمك وكارهاً أن يرى الناس وجه امرأتك تحت بشكمها الرقيق وكانت فيك بقية من حميتك الإسلامية فمزق اليوم ذاك البشمك كل ممزق واستبدله ببرقع من الحرير الأبيض الممتلى كحرير الكوفيات المحلاوي أو مثله مما ينسج في الأنوال البلدية عند الحمصاني أو اللباني ونحوهما أو اجعله من طبقتين من الحرير الهندي خالياً من شغل الإبرة ولتكن الثقوب التي تعمل فيه للزينة أو للنفس ضيقة بحيث لا ترى الشفتين من خلالها وإن كنت تريد أن يرى الناس خصر امرأتك نحيلاً فوق ردف ثقيل بارزاً على الوراء وأن يرو يديها البيضاوين أو المبيضتين بالمساحيق (البودرة) مكشوفتين إلى المرفقين أو نحو نصف الساعدين بعبارة أخرى إن كنت راضياً بخروجها (على البلهى) بلا إزار كما هي حقيقة الحال الآن فابق على فستانها (الحبرة والملاية الموضة) على حاله وإلا فإن كنت تعرف أن تلك اللذات لك وحدك وأبت نفسك أن تعرضها لغيرك فعجل بقلب هذا الفستان ثوباً لأنه لا ينقص إلا القبة والأزرار ولا تؤجل إعدام البرقع حتى تحضر غيره فإن تأخير المرأة عن الخروج ريثما يحضر البرقع الجديد لا ضرر فيه كتأخير إنفاد هذا العزم حتى تبرد الحمية وتنطفي نار الغيرة التي يحركها هذا التذكير وعلى الفرض إذا احتمل وجود ضرورة للخروج قبل تجهيز البرقع الجديد فيسد هذا الباب باستعمال البرقع البلدي السود (الذي لا عيب فيه على الدوام) لقضاء تلك

ص: 8

الضرورة وكذلك لا تنتظر هلاك الحبرة أو الملاية الموجودة بل عجل بتحويلها كما ذكرنا حرصاً على فائدة هياج غيرة الحر على حرمه وأقلل ما استطعت السماح لأمرأتك بالخروج وليكن خروجها في عربة ما دمت قادراً على أجرتها أو مالكاً لها لأن مشي المرأة في الطريق على كل حال غير مأمون العواقب لكونها معرضة أن تصدمها عربة أو ترامواي أو يعتدي عليها مجنون أو سكران أو يصيبها أذى من حيوان وإذا مس الشرف عارض من هذه العوارض فلا يستطاع محو عاره ولا تبالي بمعارضتها مهما بلغت شدتها وادفعها تارة بالملاطفة والوعظ الحسن وتارة بالزجر والهجر في المضج وتسديد الجواب بالبرهان كأن تقول لك أن التضييق من الرجل على المرأة لا يحررها فيجيبها نعم لا يحرر الفاجرة ولكنه يحفظ المصونة الطاهرة وتقص عليها من الأحاديث الشريفة ما يحبب إليها الحجاب الشرعي كقوله صلى الله عليه وسلم أن لكل دين خلقاً وخلق هذا الدين الحياء. وكقول السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها أصلح شيء للمرأة أن لا ترى رجلاًُ ولا يراها رجل. وتبرهن لها على حسن ظنك بها بسماحك لها بالزينة ما دام إزارها ساتراً لها عن أعين الرجال واعلم أن انقياد المرأة للرجل متى ثبت على عزمه أمر قريب جداً إذا المرأة المسلمة في الحقيقة أرق قلباً وأسهل انقياداً للشرع من الرجل وما حصل الذي حصل إلا من تقصير الرجل في إرشادها وتعليمها ونصحها وتذكيرها وتساهله معها في أمر الحجاب كما مر فاعمل واثبت على عزمك وتحمل صدها وإن طال فإنها لا تلبث أن ترجع عن غيها وتثوب إلى الحق بعد الضلال وإياك والسكوت على هذا الحال وتذكر أنك جان على شرفك بيدك جناية وقعت أو كادت تقع بتعرضك لأسبابها وتعريض أمانتك المصونة للوقوع في أشراك أهل الضلال.

هذه يا قوم حالة النساء اليوم وهذا دواؤها ومن لا زوج لها فأمرها بيد وليها الشرعي من ذوي قرباها وهو أقرب الرجال إليها نسباً بحسب ترتيب الولاة شرعاً كما يستفاد من نص فتوى نقلناها عن صفحة 65 من الجزء الأول لتنقيح الفتاوي الحامدية لابن عابدين وهي سئل في بكر حديثة السن بلغت مبلغ النساء وهي لا أم لها ولا أب ولا جد ولها عم عصبة أمين غير مفسد يريد ضمها إليه خوف العار ويتخوف عليها فهل له ذلك الجواب نعم ومتى كانت الجارية بكراً حديثة السن يضمها إلى نفسه ولو لم يخف عليها الفساد أما إذا دخلت

ص: 9

في السن واجتمع لها رأي وعقلت فليس للأولياء حق الضم ولها أن تنزل حيث أحبت حيث لا يتخوف عليها وزمننا هذا لا أمن فيه على أنثى وحيث وجد الخوف فللولي حق الضم وقد استفتيت بعض السادات العلماء في صحة استنتاجي هذا فأفتوني وحيث أن هذا حق شرعي لكل ذي ولاية على أنثى فيجب عليه أن يتمسك به وإذا اشتبه على رجل أمر ولايته على امرأة له بها صلة قرابة وارتاب في كون الولاية عليها له أولا فليعرض الأمر على أي عالم فلا يبخل عليه بالجواب.

ها أنا قد ذكرتكم بحقوقكم ونبهتكم للخطر المحدق بأعراضكم وأموالكم فأطيعوني وإلا يؤاخذكم الله بذنوبكم تنبهوا يا قوم تنبهوا فما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.

ص: 10