المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الإسلام والإيمان الإسلام هو الاستسلام إلى الله والانقياد لأحكامه بمعنى أن - مجلة الحقائق - جـ ٣٣

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌الإسلام والإيمان الإسلام هو الاستسلام إلى الله والانقياد لأحكامه بمعنى أن

‌الإسلام والإيمان

الإسلام هو الاستسلام إلى الله والانقياد لأحكامه بمعنى أن تبرأ من حولك وقوتك وعلمك وما قلت وما عملت وما تخيلت وما أملت مسلماً وجهك إليه مجرداً روحك له متوجهاً بقلب خاشع وضمير صاف ونفس نقية إلى قيوم السموات والأرض فاراً من الأغيار ملتجئاً إلى جنابه من دعوى الأنانية والاستقلال معتصماً بحضرته من الرعونات النفسية والكدورات البشرية راغباً غليه أن يوفقك لتعلم ويهديك فيما لا تعلم حتى تستوجب رضاه وتستحق كرامته في دنياك وأخراك.

هذا هو معنى الإسلام الذي اختاره الله على سائر الأديان وبعث به رسله عليهم الصلاة والسلام وتمت الدعوة إليه بخاتمهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم وقام به الصحابة والسلف رضي الله عنهم ففتحوا لابلاد ودوخوا الملوك والأكاسر وأبادوا عروش القياصرة وسادوا على الأمم جميعاً.

(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) وأما الإيمان فمعناه التصديق بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين بالضرورة وأركانه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره من الله تعالى.

وقد قدمنا معنى الإيمان بهذه الأصول الستة بما لا يعوزنا إلى زيادة الإيضاح. وإذا عرفت ذلك تأيد لديك أن الدين الإسلامي هو الدين العام الذي جعله الله دين رسله وأصفيائه ومقدمة لإفاضة أنوار علمه عليهم والأصل الذي يرجع إليه العالم كله. ولو أدرك الناس كافة معنى الإسلام وفقهوا كنه ما يرمي إليه لما وجد على الأرض من يدين لله بدين آخر.

وهنا يحسن بنا أن نورد شيئاً مما كتبه العالم الاجتماعي الكبير فريد بك وجدي في معنى الإسلام ليتضح للقراء ما تضمنه من السماحة والمحاسن الأدبية والأخلاقية والاجتماعية مما يؤدي إلى الاعتراف بأنه اشرف الأديان وأكملها. .

قال حفظه الله: (الإسلام) هو الدين الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمة للأديان ولأجل بيان حقيقة هذا الدين المبين يحسن بي نقل ترجمة ما كتبته لمؤتمر الأديان باليابان في هذه السنة.

لم أجعل غرضي من مقالي هذا إلا أمراً واحداً إذا فهم حق الفهم كان أشد في جذب الناس إلى هذا الدين من كل البراهين المعجمة والحجج الملزمة ذلك الأمر هو أن الإسلام ليس

ص: 11

بدين جديد جاء أمة معينة إنما هو الدين الذي أوحاه الله إلى جميع رسله فحرفه أتباعهم ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم أخيراً لإحداث إصلاح ديني عام لسائر الملل شرقيها وغربيها. بعث الله به رسوله حين تعارف الأمم واتصالها ليكون دينها العام الذي عليه يتم اتحادها ويصفو لديه تعارفها. ولذلك جعل قاعدته الإيمان بسائر رسل الله من نعرف أسماءهم ومن لا نعرف أسماءهم وبجميع كتب الله بأي لغة كانت كما سيمر معك تفصيلاً. فهم هذا الأمر الخطير يفيد المسلم وغير المسلم. فيفيد المسلم لأنه يريه أنه تابع لدين من ضمن الأديان المنعزلة المتعادية ولكن للدين الأصلي الجامع لسائر الأديان. فهو بهذا الاعتبار يجد في نفسه قيمة لم يحس فيها من قبل لأنه يرى نفسه رجلاً عاماً لا خاصاً متبعاً ديناً هو في نفسه دين وجامع أرواح الكل في أكمل شكل وأجمل حال. فمن كان كذلك فلا يتحامل على الأديان لأنه أمر بأن يؤمن بها كلها وأن يكون منها بالمركز الوسط مكتفياً بما في كتابه من خلاصاتها ومن أدرك من الناس مقامه في هذا المركز الأوسط العام وشعر أنه في مجمع أميال الأمم وفي نقطة تلاقي مرامها واتحاد أفئدتها في يوم من الأيام فلا يهون على نفسه أن يميل عنه إلى نقطة متطرفة ولو سيق إليها بقوة قاهرة.

أما فائدة غير المسلم في فهم هذا الأمر الجلل فهو لأنه يسهل عليه المخرج من ورطته والخلاص من شكوكه وشبهه. فإنه ما من عاقل من عقلاء الأمم الأخرى إلا وشعر بأن أيدي الخرافات قد امتدت إلى أصول عقائده فيجد نفسه مضطراً للتأفف منها راجياً إصلاحها على أي حال كان. فلو علم أن الإسلام إنما جاء بالإصلاح العام لسائر الأديان البشرية لا أنه دين منعزل مثل سائرها لكان التفاته إليه يشبه الأمر الاضطراري لأنه كلما آلمه أمر مما يكرهه في دينه وظنه محرفاً عن أصله نزع إلى ذلك الدين الإصلاحي مضطراً لا مختاراً ولا يزال يدفع ويندفع حتى يقع في دائرته.

لهذا جعلنا غرضنا من هذه الرسالة تجلية هذا الأمر الخطير في أظهر أشكاله تاركين الدلالة على فضائل الإسلام لغيرنا ممن في المؤتمر خوفاً من أن لا يلتفت لهذه النقطة واحد منهم.

هذه النقطة التي حاولت تجليتها في هذه الرسالة هي أظهر ما في القرآن من خصائص الإسلام وهي السبب الأكبر في تهالك الأمم على هذا الدين في كل جيل لأن الأمم وإن لم تدرك هذا السر علماً إلا أنها تحس به وتلمسه في الإسلام فترة فيه صورة عقائدها مصححة

ص: 12

منقحة خالصة مما يثير الشكوك والشبه فتميل إليها بأرواحها وتنقلب أشد تعصباًُ لها من أهلها. ولا توجد هذه الخصيصة في أي دين من الأديان لأن هذا المركز الوسط ليس لواحد منها ولم يشرع منها لأن يكون ديناً عاماً أصلاً فتراها كلها بما طرأ عليها من التحريف على أطراف متناقضة لا محل للتوفيق بينها بوجه من الوجوه مثال ذلك: البوذي لا يهون عليك أن يكون نصرانياً (ولا حكم للنادر) لأنه لا محل للصلح بين البوذية والنصرانية بوجه ما. فالنصراني يقول أن عيسى كلمة الله وهو الأقنوم الثاني بعد الأب تجسد وعاش بين الناس وصلب ليفتدي العالم كله من خطيئة كان ارتكبها آدم في أول الخليقة ويعتقد البوذي أن الإله (فيشنو) هو أد أركان التثليت الهندي قد تجسد مراراً لتخليص العالم من الشرور وقد تجسد أخيراً في بوذا للمرة التاسعة فكيف يمكن التوفيق بين صاحبي هاتين العقيدتين وبأي مرجح يقبل أحدهما عقيدة الآخر ويترك عقيدته التي جمد عليها طول عمره.

ثم لا يمكن أن يكون البوذي يهودياً لأن التوراة موجهة الخطاب إلى بني إسرائيل ورافعة إياهم على سائر الأمم وليس في نصوصها ما يسمح بوضع بوذا الذي يجله مئات الملايين من الآسيويين منذ أكثر من ألفي سنة في موضع إجلال واحترام فيعز على البوذي أن يركب في تسفيه رأي أسلافه كلهم هذا المركب ثم لا يستطيع النصراني أن يكون بوذياً ولا يهودياً لعدم وجود محل للصلح في واحد من هذين الدينين بالنسبة له ولكن جميعهم يستطيعون أن يسلموا بلا حرج لأن قاعدة دين الإسلام هي الإيمان بسائر الأنبياء ومؤسسي الأديان ممن نعلمهم ومن لا نعلمهم قال تعالى عن الأنبياء (وإن من أمه إلا خلا فيها نذير) وقال تعالى منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك فيرى البوذي أن الإسلام لا ينكر عليه فضل بوذا بصفته مؤسس ديانة كبيرة وفي نصوصه ما يسمح بحسبانه من الرسل العظام ويرى النصراني أن الإسلام يذكر عيسى بالتبجيل والاحترام ويضعه في مصاف الرسل الكرام وكذلك يرى اليهودي فيما يختص بموسى عليه الصلاة والسلام. فيسهل على الجميع الاجتماع على هذا الدين بلا بكير حرج ولا سيما إن أدركوا أنه جمع العقائد كلها بعد تنقيحا وجعلها كلها ديناً واحداً لأنها كانت كذلك في مبدئها (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاء العلم بغياً بينهم) لهذا السبب تهالكت الأمم على الإسلام

ص: 13

لرؤيتها فيه صورة عقائدها منقحة مصححة.

ومن هنا رأينا أن تجليتنا هذه النقطة الخطيرة علمياً نظرياً يفيد المسلمين والباحثين في الإسلام أكثر مما لو كتبنا في فضائله سفراً كثيراً.

قلت في تلك المقالة ما ترجمته بتصرف قليل.

لتعذر شخوصي إلى بلاد اليابان للتشرف بالانضمام إلى أعضاء هذا المؤتمر المبجل ولحبي الشديد في معاضدة حضرات أعضائه بصدده رأيت أن ابعث بمقالي هذا إلى حضرة رئيس المؤتمر ليتفضل علي بترجمته إلى اللغة اليابانية وبقرائته على حضرات الأعضاء وجعله موضوعاً من المواضيع التي يتناقش فيها المؤتمر فأقول.

إن هناك أمراً خطيراً يضع الدين الإسلامي في مستوى يعلو به على سائر الأديان ويستلفت غليه الأنظار استلفاتاً خاصاً ويجعله ديناً عاماً يمثل إليه النفوس لا بقوة البرهان ومضاء الحجة وسلامة أصوله من الخلل فقط ولكن بقوة النواميس الاجتماعية القائدة للإنسانية إلى كمالها وتباشير الحركة الفكرية العامة التي تسوقها إلى باحات النور والمدنية.

هذا الأمر الخطير الذي يستلفت الأنظار وينبه الغافلين إلى هذا الدين هو أن الإسلام كما نص عليه القرآن ليس بدين جديد ولكنه الدين الأولي الذي أوحاه الله إلى المرسلين الأولين رحمة للعالمين.

قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما أوصى به نوحاً والذي أوحينا غليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أوروثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير).

نص الله كما ترى بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرسل ليؤسس ديناً جديداً في أمة معينة ولكن ليصلح سائر الأديان التي طرأ عليها التحريف بهداية الأمم للدين الأصلي الذي أرسل الله به سائر المرسلين (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا

ص: 14

نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).

بناء على ما تقدم فقاعدة الديانة الإسلامية هي قوله تعالى: (وقالوا كونوا هوداً ونصارى تهتدوا: قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وغسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون: فأن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون قل اتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون. هذه هي القاعدة التي بني عليها دين الإسلام وهي إن الإسلام ليس بدين جديد ولكنه الدين الذي أرسل الله به كل رسول ثم حرفه المحرفون من بعدهم. وإن الديانة الحقة هي أن يؤمن الإنسان بجميع رسل الله من أولهم إلى آخرهم لا فرق بين من أرسل لأمته ومن ارسل لغيرها، ون من يؤمن بسائر كتب الله إجمالاً مما أوحاه الله إلى رسله بأي لغة كانت وفي أي زمان أوحى.

هذه الديانة فضلاً عن أنها لا تثير في أية أمة من الأمم حب الذات ولا الحقد ستكون في يوم من اليام الديانة العامة اضطراراً لا اختياراً لأنه لماذا يكون الإنسان يهودياً ولا يكون بوذياً؟ ولماذا يكون مسيحيا ولا يكون برهيمياً؟ وبأي مرجح يعتقد الإنسان أن موسى كان رسول من الله إلى بني إسرائيل وقد جاء بكتاب مبين ونور عميم إلى أمته ولا يعتقد مثل هذه العقيدة في بوذا وزرادشت وبراهما ومحمد وكل المرسلين الذي تقدموا هؤلاء وجاؤوا إلى أممهم بكتب هادية إلى الخيرات ونهجوا لهم سبلاً موصلة إلى الكمالات؟ هل يعقل أن الله يرسل موسى إماماًَ ورحمة إلى بضعة أنفس من الآلاف من بني إسرائيل ويترك مئات الملايين من الصينيين واليابانيين وسائر الآسيويين والإفريقييين والأوستراليين وغيرهم بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، يهيمون في الظلمات ويعمهون في الضلالات بلا مرشد ولا رسول كريم؟ هل يتصور أن الله وهو الخالق العادل المنزه عن المحاباة والمصانعة يوحي حقائق الدين إلى بضعة آلاف من الناس ويترك ربوات الملايين في الظلام البهيم والفساد العميم؟ كلا بل قال الله:(وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وقال تعالى: (منهم من قصصنا

ص: 15

عليك ومنهم من لم نقصص عليك).

البقية تأتي

ص: 16