المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسئلة من القاهرة عن الربا - مجلة المنار - جـ ١٠

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (10)

- ‌المحرم - 1325ه

- ‌فاتحة السنة العاشرة

- ‌الدعوة إلى انتقاد المنار

- ‌قيمة الاشتراك في السنة العاشرة

- ‌اللائحة الثالثةمن لوائح إصلاح التعليم والتربية الدينية

- ‌تمثيل القصص أو التياترو

- ‌أسئلة من جاوه

- ‌الأزهر ومدرسة القضاء الشرعي

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌الأخبار والآراء

- ‌صفر - 1325ه

- ‌الهوى والهدىأو اللذة والمنفعة [*]

- ‌سنن الاجتماعفي الحاكمين والمحكومين لهم وجزائهم

- ‌إلى أي شيء أنت يا مصر أحوج

- ‌فتاوى المنار

- ‌التعليم الديني

- ‌كلمة إنصاف واعتراف

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌استقالة اللورد كرومر وتقريره

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌ربيع أول - 1325ه

- ‌تاريخ المصاحف(2)

- ‌منافع الأوربيين ومضارهم في الشرق [*]

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌تشبيه كتاب الإحياء بالقرآن

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌إخلاص ابن سعود

- ‌ربيع الآخر - 1325ه

- ‌خلاف الأمة في العبادات ومذهب أهل السنة والجماعة

- ‌منافع الأوربيين ومضارهم في الشرق

- ‌أسئلة من بعض أهل العلم بتونس

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌المشروبات الروحية وتأثيرها

- ‌آراء الناس في مكاتبتنا مع لورد كرومر

- ‌حادثة دمياطفي طي الأرض، تقبيل أعتاب القبور، صناديق النذور

- ‌جمادى أول - 1325ه

- ‌منافع الأوربيين ومضارهم في الشرق

- ‌الأشربة الروحية

- ‌أسئلة من الحجاز

- ‌استفتاء عن الكشف الطبي على الميت

- ‌أسئلة من الهند

- ‌مطالب مسلمي روسيا من دولتهم

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌بدعة غريبة في مصر

- ‌جمادى الآخر - 1325ه

- ‌العسر المالي والربا والبنوك

- ‌أسئلة من القاهرة عن الربا

- ‌الجنة والنار

- ‌القسم برب موسى وعيسى وإبراهيم

- ‌مطالب مسلمي روسيا من دولتهم

- ‌رجب - 1325ه

- ‌بغداد في القرن السادس

- ‌هلال الصوم والفطر

- ‌سؤالان أو أسئلة من جاوه

- ‌العصبية الجنسية واللواء

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌الأخبار والآراء

- ‌شعبان - 1325ه

- ‌السنوسية والجامعة الإسلامية [*]

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌أبو حامد الغزالي(2)

- ‌أثارة من التاريخ

- ‌نموذج من إنجيل برنابا(2)

- ‌فتاوى المنار

- ‌المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌رمضان - 1325ه

- ‌نموذج من إنجيل برنابا(3)

- ‌بحث في المؤتمر الإسلامي

- ‌النسخ في الشرائع الإلهية

- ‌خطبة إسماعيل بك عاصم المحامي

- ‌أبو حامد الغزالي(3)

- ‌المؤتمر الإسلامي

- ‌رزيئة مصر بحسن باشا عاصم

- ‌الاحتفال بالعقد الأول من عمر المنار

- ‌شوال - 1325ه

- ‌الماديون والإلهيون [

- ‌التدوين في الإسلام

- ‌إصلاح الأزهر

- ‌الأحزاب في مصر

- ‌أوربا والإسلام

- ‌أعمال حسن باشا عاصم

- ‌رزيئة مصر بحسن باشا عبد الرازق

- ‌أقوال الجرائد اليومية في الاحتفال بالمنار

- ‌ذو القعدة - 1325ه

- ‌كتابان سياسيان لحكيم الإسلامالسيد جمال الدين الأفغاني [*]

- ‌كتابان سياسيان للأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده

- ‌نهي الصحابة ورغبتهم عن الرواية

- ‌حياة اللغة العربية

- ‌أوربا والإسلام

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌شيء من سيرة حسن باشا عبد الرزاق

- ‌مصائب الأمة الإسلامية بفقد رجالها

- ‌ذو الحجة - 1325ه

- ‌خطاب الشيخ أحمد الإسكندري في اللغة العربية

- ‌رأي كبار ساسة الغرب في الحركة المدنية الجديدةفي الشرق

- ‌أبو حامد الغزالي(4)

- ‌تعريف وكلام عام في العربية والاستعرابوالتعريب والإعراب [*]

- ‌رأي الشيخ أحمد المنوفي في الإصلاح ورجاله

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌نادي دار العلوم الخديوية

- ‌ترجمة فقيد الإصلاح ذكاء الملك

- ‌فاجعة أدبية

- ‌خاتمة المجلد العاشر

الفصل: ‌أسئلة من القاهرة عن الربا

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌أسئلة من القاهرة عن الربا

من 32 - 35

فضيلة الأستاذ العلامة صاحب مجلة المنار الغراء

السلام عليكم. وبعد، فأرجو من فضيلتكم أن تكشفوا النقاب عن هذه الأسئلة

الآتية: ولكم مني مزيد الشكر سلفًا.

(1)

هل ربا الفضل جائز مطلقًا؛ فإن كان بعضه جائزًا وبعضه غير

جائز، فتفضلوا بشرح مستوف بفرق الجائز من غير الجائز؟

(2)

ما قولكم في حديث أبي أسامة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(لا ربا إلا في النسيئة) أيعتبر منسوخًا بحديث أبي سعيد الخدري الذي روى أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل،

ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا

بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز) أم كيف يمكن الجمع بين

الحديثين؟

(3)

في صحيح البخاري أنه قال صلى الله عليه وسلم: (الذهب

بالذهب ربا إلا هاء هاء، والبُّر بالبُّر ربا إلا هاء هاء، والشعير بالورق ربا إلا هاء

هاء، والثمر بالتمر ربا إلا هاء هاء) . من هذا الحديث يتبين لدينا أربع صور،

ونشاهد في ثلاث منها التجانس في البدلين وفي الرابع اختلاف فيهما؛ لأن الشعير

غير الورق فما حكم بيع الشعير بالورق المقصود من هذا الحديث؟ وما العلة في

اختلاف هذه الصورة عن الصور الأخرى؟

(4)

جاء في حاشية ابن عابدين (ج4 ص 243 هامش مطبعة بولاق)

تحت مطلب (كل قرض جَرَّ نفعًا حرام) هذه العبارة بحروفها، وفي

معروضات المفتي أبي السعود لو ادَّان زيد العشرة باثني عشر بطريق المعاملة في

زماننا بأزيد من عشرة ونصف، ونبه على ذلك

إلخ.

من هو هذا السلطان الذي أصدر الأمر المذكور؟ وفي أي زمن كان؟ وما

دواعي إصداره له وأَنَّى نجد صورة الأمر؟

ثم من هو شيخ الإسلام المشار إليه، وهل يمكنكم أن تفيدونا - أثابكم الله -

بنص فتواه، عسانا نقف على الأسباب التي بنى عليها الفتوى؟

...

... وتفضلوا في الختام بقبول فائق احتراماتي أفندم

...

...

طالب بمدرسة الحقوق الخديوية

(المنار)

أما الجواب عن الأول، فقد نقل المحدثون أن السلف رضي الله عنهم

قد اختلفوا في ربا الفضل، فأجازه ابن عمر وابن عباس وأسامة بن زيد وابن الزبير

وزيد بن أرقم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير مطلقًا، ونقلوا عن ابن عمر أنه

رجع عن ذلك، واختلفوا في رجوع ابن عباس، وحجتهم حديث أسامة المذكور في

السؤال وهو في الصحيحين، والجمهور على خلافهم وحجتهم حديث أبي سعيد الذي

تقدم في السؤال أيضًا وهو في الصحيحين، وإنما جعل مدار الخلاف في ربا الفضل

على الأحاديث؛ لأن الربا المحرم في القرآن هو ربا النسيئة الذي كان في الجاهلية

وهو أن يزيدوا في المال كل شهر كما قال ابن حجر في الزواجر؛ لأجل الإنساء

أي: التأخير في الأجل حتى يتضاعف أضعافًا كثيرة.

وفي حديث جابر عند أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة أن النبي - صلى

الله عليه وسلم - اشترى عبدًا بعبدين. وفي حديث عبد الله بن عمر عند أحمد وأبي

داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ابتع علينا إبلاً بقلائص من

إبل الصدقة إلى محلها) ، قال: فكنت أبتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل

الصدقة إلى محلها.

ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أداها من إبل الصدقة عندما جاءت.

وهناك روايات أخرى في موطأ مالك ومسند الشافعي، وعند البخاري تعليقًا في

شراء الحيوان بالحيوان مع التفاضل، بل والنسيئة، وهذا مما يقول الجمهور

بجوازه على أنهم رووا النهي عنه من حديث سمرة وحديث جابر بن سمرة. فهذا

نوع من ربا الفضل، قد أجازه الجمهور.

وأما الجواب عن الثاني وهو تعارض حديث أسامة (لا أبي أسامة كما ورد

في السؤال) ، وهو (لا ربا إلا في النسيئة) واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم: (إنما

الربا في النسيئة) ، وحديث أبي سعيد:(لا تبيعوا الذهب)

إلخ كما ذكر في

السؤال، فقد قال الحافظ في فتح الباري: واتفق العلماء على صحة حديث أسامة

واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد، فقيل: إن حديث أسامة منسوخ.

لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال وقيل: المعنى في قوله: (لا ربا) الربا الأغلظ الشديد

التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد

مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل، وأيضًا نفي

تحريم ربا الفضل من حديث أسامة، إنما هو بالمفهوم، فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛

لأن دلالته بالمنطوق، ويُحمل حديث أسامة على الربا الأكبر. اهـ.

والقول بالنسخ أضعف الأقوال، والقول بترجيح المنطوق على المفهوم كما

ترى غريب في هذا المقام، وإذا قلت: إن المنفي في صيغ الحصر منفي بالمنطوق،

كنت أقرب إلى الصواب، وإلا لما كان نفي الألوهية عن غير الله في كلمة التوحيد

إلا من قبيل المفهوم الذي تعرف ما قال فيه أهل الأصول، فبقي القول بأن حصر

الربا في النسيئة هو الربا الحقيقي الذي ورد فيه الوعيد الشديد في القرآن،

وهذا هو الجمع الذي جرى عليه المحققون، كابن القيم وقال: إن ربا الفضل لم

يُحرَّم لذاته، وإنما حرم لسد الذريعة.

وعلى هذا يكون الربا الذي ورد عليه الوعيد في القرآن خاصًّا بربا النسيئة

المعهود في الجاهلية، ولا يدخل فيه ربا الفضل خلافًا لبعض الفقهاء، ولو تناوله

القرآن بالنص، لما اختلف فيه أكابر علماء الصحابة لا سيما ابن عباس وابن عمر

رضي الله عنهم ، فعلى هذا لا يكون ربا الفضل منافيًا للإسلام.

وأما الجواب عن السؤال الثالث؛ فهو أن ما نقله السائل غلط وقع في بعض

نسخ البخاري المطبوعة، ومنها النسخة التي على هامش فتح الباري، والصواب

(والشعير بالشعير) وحديث (هاء وهاء) هذا هو حديث عمر، وليس فيه ذكر

الورق إلا في رواية أبي ذر وأبي الوقت من رواة البخاري، فإنهما قالا: (الذهب

بالورق) بدل (الذهب بالذهب) ، واتفق جميع رواة الصحيحين على (والشعير

بالشعير) ، وبه احتج الشافعي وأبو حنيفة وفقهاء المحدثين على أن الشعير صنف

غير البر خلافًا لمالك والليث، وغيرهما ممن قال: إنهما صنف واحد.

وأما الجواب عن الرابع فهو أنَّ السلطان الذي أصدر ذلك الأمر: إما

السلطان سليمان القانوني ولعله الأرجح، وإما ولده السلطان سليم، فإن أبا السعود

كان في عصرهما وقد توفي في جمادى الأولى سنة 982.

والسلطان سليم قد توفي في رمضان من تلك السنة، وقد ولاه سليمان الإفتاء

سنة 945 وهو هو شيخ الإسلام. أما صورة الفتوى فلم نقف عليها، والظاهر أن

سببها وسبب الأمر السلطاني الذي بني عليها منع الربا المضاعف، والاطلاع عليها لا

يفيدنا فائدة فقهية، وإنما فائدته تاريخية محضة، فإننا نعلم أنها مبنية على استباحة

المعاملة، ولذلك علل ابن عابدين عبارة الدر التي ذكرتموها؛ بأن السلطان إذا أمر

بمباح وجبت طاعته، (والمعاملة) ، ولا إخالكم تجهلونها؛ هي بيع القليل بالكثير

احتيالاً على الربا كأن يقرضه تسع مائة، ويبيع منديلاً ثمنه عشرة قروش بمائة

قرش مثلا، وقد أجاز الحيلة الحنفية والشافعية، واستدلوا عليها بإذن النبي - صلى

الله عليه وسلم - ببيع الصاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الجيد بالحيلة؛

وهي أن يباع كل من الصاع والصاعين بالثمن، وذلك خروج من نص (والتمر

بالتمر ربا إلا هاء وهاء) في الحقيقة دون الصورة، والمانعون للحيلة كالمالكية

والحنابلة لا يجدون للحديث مخرجًا إلا القاعدة التي ذكرها ابن القيم، وهي أن ما

حُرِّم لسد الذريعة كربا الفضل جاز للمصلحة، وأنت تعلم أنه لا معنى لاشتراط كون

بيع النقد أو القوت بجنسه يدًا بيد مثلا بمثل لذاته؛ لأن عاقلاً لا يفعل ذلك إذ ليس فيه

فائدة، وإنما يقصد الناس بالبيع الزيادة بالقدر أو الوصف ولا شيء من ذلك بمحرم

لذاته؛ لأنه هو أصل المنافع والمقصد من التجارة، فلم يبق لذلك الشرط معنى إلا سد

ذريعة التوسل إلى ربا النسيئة الذي كانوا يأكلونه أضعافًا، فلما أَخبَر عامل خيبر النبي

صلى الله عليه وسلم أنهم يأخذون الصاع من التمر الجنيب، وهو الطيب أو

الصلب، وقيل: ما أخرج حشفه بصاعين من الجمع، وهو ما خلط بغيره، أو الدقل

وهو نوع رديء، قال:(لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا) رواه

البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة. فأباح ذلك عند العلم بالحاجة إليه،

وأمر بأن يكون البيع بالدراهم؛ لأنه هو الأصل في التجارة، وليبقى بعيدًا عن

ذريعة الربا.

ومن الحنفية من صرح بأن الحيلة في الربا لا تجوز إلا لحاجة، كتثمير مال

اليتيم أو الأرملة، أو طالب العلم المنقطع عن الكسب، وعنده مال إذا أنفقه نفد

واضطر هو إلى ترك العلم، فلم يجزه هؤلاء إلا للحاجة أو الضرورة ولا يجيزون

أن يكون مضاعفًا، فقد راعى هؤلاء النص القطعي في تحريم الربا المضاعف الذي

لا هوادة فيه، وراعوا المصلحة أو الضرورة وقدروها بقدرها في ربا الفضل،

وأخرجوها بما يسمونه المعاملة أو المرابحة عن صورة المنهي عنه في الأحاديث،

حتى لا تخرج عن حكمة الشارع في معناها ولا في صورتها، فإن كل حيلة أبطلت

حكمة الشارع ومقصده فهي باطلة، لا تزيد صاحبها إلا مقتًا وضلالاً.

واعلم أن الزيادة الأولى في الدَّين المؤجل من ربا الفضل، وإن كانت لأجل

التأخير، وإنما ربا النسيئة المعهود هو ما يكون بعد حلول الأجل لأجل الإنساء أي:

التأخير، وإذا تكرر ذلك كان الربا المضاعف، كما كانوا يفعلون في الجاهلية.

والذين يقولون بالمعاملة أو المرابحة، يجددون العقد عند نهاية الأجل إذا لم يدفع؛

لكيلا يزيدوا المال لمحض الإنساء صورة ومعنى. ولكن هذا إذا أدى إلى مضاعفة

المال على المدين، كان مخالفًا لحكمة الشاعر، ولا يستحله ذو دين.

_________

ص: 435

الكاتب: محمد رشيد رضا

أسئلة من سنغافورة

عن القرآن بالفونغراف

(س 36 و 37) عون الله الحضرمي بتصرف في لفظه: ظهرت آلة تنطق

بالأحرف بالغناء والأشعار المختلفة، وتغني وتنوح ثم ظهرت فيها قراءة القرآن

والأذان، وصارت تتداوله أيدي الكفرة وأهل الطغيان، في كل قهوة و (مخدرة

وزق زقاق) كأنه للتفرج والفرح، ويباع في كل دكان، من أهل الإسلام وأي دين

كان؛ لأن الأمة زاغت بهذه الفنون كأنهم أصيبوا بالجنون، ولا ندري ماذا يكون،

والله يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43) .

فأجبنا سؤال مجلة المنار عن حكم الشريعة في المسألة، فإن منهم من قال:

ذلك جائز، ومنهم من قال: ذلك لا يجوز. فنرجو أن تجتهدوا فيها وتملأوا

صحيفتكم بفتواها. وهذا عندي من أكبر الكبائر، والله أعلم بما في الضمائر.

(س) من السيد حسن بن علوي بن شهاب:

إلى المنار المنير: ما حكم الإسطوانات المودع فيها صوت القارئ للقرآن،

فهل هي كالمصحف في الحكم: حملاً ومسًّا وحرمةً أم لا؟ وقد اختلفت الأفهام هنا

وأنا أعتقد أن لا حكم لها، بل هي كغيرها من الجمادات.

(ج) قد جاءتنا أسئلة أخرى في معنى هذين السؤالين من مصر وغيرها

فاكتفينا بهما عنها، فأما استعمال هذه الآلة في تأدية القرآن، فهي فيما نرى تابعة

لقصد المستعمل، فإذا قصد بذلك الاتعاظ والاعتبار بسماعه، فلا وجه لحظره، وإذا

قصد به التلهي وهو ما عليه الجماهير فى كل ما يسمعونه من الفونغراف، فلا

وجه لاستباحته، وأخشى أن يدخل فاعله في عداد من اتخذوا دينهم هزؤًا ولعبًا،

فيتناوله وعيد قوله عز وجل: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ

الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيع} (الأنعام: 70) الآية، وقوله تعالى في وصف الكافرين أهل النار: {الَّذِينَ

اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا} (الأعراف: 51) ، وأن يدخل

مشتري الإسطوانات أو الألواح التي تؤدي القرآن بهذا القصد في عداد من نزل

فيهم {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا

هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (لقمان: 6) كلا بل ربما كان شرًّا من هؤلاء

الناس، فإنه جعل الآيات نفسها مع ذلك اللهو في قرن، فصرف النفس عن

الاعتبار، حتى إذا تليت عليه كان كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرًا. وقد كان

الأستاذ الإمام يتأثم من استعمال الفونغراف في تأدية القرآن مطلقًا فيما ظهر لي منه.

ولكن وجد في أصحاب العمائم هنا من تجرأ على القول بإباحته مطلقًا. ولعل

ما ذكرناه من اختلاف الحكم فيه باختلاف القصد أقرب. والله أعلم بالسرائر.

وقد يكون لبعض الناس من المقاصد الصحيحة غير قصد الاعتبار والاتعاظ

بسماع القرآن، ما يبيح لهم ذلك، أو يجعله مطلوبًا، كأن يستعين به من لا يضبط

القراءة أو لا يحسنها على ضبطها وتجويدها أو تحفظ فيه أثرًا تاريخيًّا.

وأما حكم حمل ومس الإسطوانات أو الألواح التي بها تتأدى القراءة الذي

بني السؤال عنه على الاعتقاد بحرمة حمل المصحف أو مسه على المحدث، وهو

من يحتاج في صحة صلاته إلى الوضوء أو الغسل، ففيه وجهان:

(أحدهما) : أن يقال إن إسطوانة الفونغراف، أو لوحه الذي ينشأ عن قرع

الإبرة له الصوت المشتمل على الكلام ليس قرآنًا مكتوبًا؛ إذ لا يرى الناظر فيه

شيئًا من كلمات القرآن ولا حروفه، فلا يتناوله الضمير فى قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ

إِلَاّ المُطَهَّرُونَ} (الواقعة: 79)، الراجع الى قوله:{كِتَابٍ مَّكْنُون} (الواقعة:

78) بناءً على أن المراد بالكتاب: القرآن وهو وجه ضعيف في التفسير؛ لأنه ليس

بكتاب.

وهذا الوجه ظاهر على طريقة الفقهاء الذين ينظرون في استنباط الأحكام

إلى مدلولات الألفاظ في الغالب، وهو الذي لاح للسائل فيما يظهر.

(والوجه الثاني) : أن ينظر في المسألة إلى حكمتها وسرها، فيبني الحكم

على ذلك. وبيان ذلك أن تلك النقوش التي تسمى كتابًا ما كان لها حكم الكلام؛ إلا

لأنها وسيلة للعارف بها إلى أدائه ونقله، وكذلك إسطوانات الفونغراف أو ألواحه

وسيلة إلى ذلك. فإذا كانت الألواح والصحف المكتوب فيها القرآن كله أو بعضه

محترمة؛ لأنها وسيلة إلى أدائه، فلماذا لا تكون ألواح الفونغراف وإسطواناته

محترمة كذلك؟

ولصاحب هذا الوجه أن ينقض الوجه الأول بأن العرف يسمي ما في هذه

الإسطوانات والألواح قرآنًا؛ إذ يقال: إن هذا اللوح فيه سورة كذا أو قوله تعالى

كذا. وإذا نظرنا في الكتابة نظر الفيلسوف، نرى أن النقوش الدقيقة التي في ألواح

الفونغراف أجدر من النقوش الكتابية بأن تسمى كلامًا؛ ذلك بأنها كتابة طبيعية

حدثت من تموج الهواء بالقراءة اللفظية بواسطة الإبرة المعروفة، وهي تعيد الكلام

كما بدأه القارئ لا تخطئ.

وأما الكتابة الخطية المعروفة فهي كتابة اصطلاحية، لا تؤدي الكلام بطبعها،

بل بالمواضعة والاصطلاح، وقد يقع الخطأ فيها من الكاتب، فلا يؤدي ما أُملِي

عليه كما هو، ومن القارئ فلا يؤدي ما كُتِب على وجهه، وإن كان عارفًا بالكتابة،

بل المتلقي القراءة لا يضبطها كما هي؛ لذلك قال بعض علماء الأصول: إن تواتر

القرآن خاص فيما ليس من قبيل الأداء، فإننا لا نقطع بأن أداءنا لهذا القرآن المتواتر

كأداء النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان في عهده فونغراف حفظت به قراءته،

لقطعنا بذلك، ولعدَّ الأداء أيضًا متواترًا. ومن ثَمَّ قلنا: إن من المقاصد الصحيحة أن

يستعمل الفونغراف في أداء القرآن؛ لأجل ضبطه إن احتيج إلى ذلك.

هذا وإن تحريم مس المصحف على المُحْدِثِ لا ينهض عليه دليل من الكتاب

ولا من السنة. ولكن بعضهم ادَّعى الإجماع على حرمة مسه للجنب، ولا تسلم له

هذه الدعوى، والخلاف في غير المتوضئ أقوى.

نعم إن احترام القرآن واجب قطعًا، وإهانته من كبائر المحظورات، بل من

الكفر الصريح إذا كانت عن عمد. ولكن حمل المحدث له ينافي الاحترام، ولا يستلزم

الإهانة، فرب محدث يحمل القرآن وهو له أشد احترامًا، ورب متوضئ يحمله وهو

مقصر في احترامه.

_________

ص: 439