الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
تقريظ المطبوعات الحديثة
(المصحف الشريف، طبعة الحكومة الأخيرة له)
كانت المصاحف الشريفة تُكتب كالكَتْبة الأولى التي كتبها بعض كبار أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرها أهل الحل والعقد، وأمر الإمام الأعظم
عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في عهد خلافته بتوزيع نسخ منها على
الأقطار؛ ليعتمد عليها في الحفظ والنسخ. ويُسمى المصحف العثماني الرسمي
المذكور بالمصحف الإمام؛ لأن المسلمين كانوا يأخذون عنه ما ينسخون من
المصاحف في كل قطر، واشترط العلماء المقرؤون في القراءات المعتدّ بها أن
تكون موافقة لرسم هذا المصحف، فما لا يوافقه لا يعد من القرآن المتواتر الواجب
الاتباع، ولما ضعفت اللغة العربية بكثرة دخول الأعاجم في الإسلام اضطر
المسلمون إلى نقط المصاحف وشكلها؛ لأجل ضبط القراءة وعدم الغلط والتحريف
فيها ممن لم يتلق القرآن من المقرئين الحافظين.
ثم استحسن بعض الناس في القرون الوسطى أن يغيروا من رسم المصحف
الإمام ما يشتبه فيه القارئ غير المتلقي عن القراء، فيكتبوه بما استحدثوا من قواعد
الرسم ففعلوا، وأكثر ما غيروا يدخل في باب واحد وهو زيادة حرف المد في
الممدود كالعالمين ومالك، والكتاب، وأبصارهم، وغشاوة، ويخادعون، وطغيانهم،
والضلالة، وظلمات، والكافرين، وأبصارهم، والثمرات، وصادقين، والأنهار،
وأزواج، وأمثال ذلك مما يكثر حذف الألف فيه من رسم المصحف الإمام، وهذه
الأمثلة التي أوردناها هي من سورة الفاتحة، وربع الحزب الأول من سورة البقرة،
فصاروا يكتبون ذلك كله بالألف، وقد ترك أكثرهم ألفاظًا أخرى أبعد عن قواعد
الرسم مما ذكر لندرتها: كالربا فإن رسمها في المصحف بألف قبلها واو هكذا
(الربوا) وكذا كلمة العلماء في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} (فاطر: 28) وكالصلاة والزكاة فإنهما فيه بالواو هكذا (الصلوة الزكوة)
وجرت مطابع الآستانة وأكثر مطابع مصر وغيرها على هذا التغيير، وكان ينبغي
أن يذكر في آخرها تنبيه يبين فيه ذلك في المصاحف المطبوعة والمخطوطة، وقد
بقي في مصر وبعض بلاد الأعاجم من يستمسك باتفاق العلماء على وجوب اتباع
رسم المصحف المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم ويحافظون على ذلك
خطًّا وطبعًا. ومنه المصحف المعروف بمصحف أبي زيد والمصحف المعروف
بمصحف المليجي من مطبوعات مصر، والأول أصح وأضبط، وأما مصاحف
الآستانة فلم نر منها شيئًا من ذلك.
ثم إن الحكومة المصرية عنيت بطبع مصحف لم يطبع مثله في بلاد الإسلام،
وقد ذكرنا في ترجمة المرحوم حفني بك ناصف خبر اللجنة التي أُلِّفت لتحرير
رسمه على أصح الروايات المدونة في الكتب التي أُلِّفت في هذا الموضوع،
ولضبطه وتصحيحه وشكله وعد آياته ووضع علامات الوقف له، وقد أتمت اللجنة
عملها وكتبت بيانها له وأمضته في 10 ربيع الآخر سنة 1337، وكانت حروفه
كلها قد جمعت في المطبعة الأميرية الشهيرة ببولاق، وقرئ كله مرارًا كثيرة في
عدة سنين حتى تمت الثقة بأنه خالٍ من الغلط خلوًّا تامًّا، ثم طبع في مصلحة
المساحة بالجيزة سنة 1342، وطبع بيان اللجنة في آخره، وهو جدير بأن يعوِّل
عليه العالم الإسلامي كله، وقد طبع منه نسخ كبيرة على ورق سميك، وطبعت
نسخ أصغر منها على ورق رقيق كأحسن ما طبع في الآستانة بل خير منها، ولكن
النسخ المطبوعة المُعدَّة للبيع في مخازن وزارة المعارف لا تزال قليلة، لا تفي
ببعض الحاجة، فعسى أن تزاد لتكفي حاجة مصر وسائر البلاد.
وقد بينت اللجنة في التعريف الذي وضعته لهذا المصحف الشريف المآخذ
التي اعتمدت عليها من الكتب المصنَّفة في الرسم وضبط الشكل، والعد والتجزئة
والتحزيب، وبيان المكي والمدني، ومواضع الوقوف وعلاماتها، وسجدات التلاوة،
حتى السكتات التي يوجبها حفص الذي يقرأ مسلمو الشرق كلهم على روايته.
وانفرد هذا المصحف بأشكال من الحركات والحروف للضبط والوقف والأداء
الموافق لقواعد فن التجويد فصَّلته اللجنة في بيانه، ومما لم أستحسنه من هذه
الاصطلاحات إغفال بعض الحروف من علامة السكون للدلالة على الإدغام - وكذا
الإخفاء - من تجويد الأداء وتشديد الحرف المدغم فيه، فإن أكثر القراء في هذه
المصاحف لا يقرؤون بيان اللجنة لهذه الاصطلاحات، وأكثر مَنْ يقرأُها مِنْ العوام
لا يفهمون المراد منها، فكان الأولى أن يكون الشكل كاملاً على المعهود في سائر
المصاحف، ويزاد عليها الشدة الدالة على الإدغام منفردة كما في بعض المصاحف
الهندية، وكذا علامة الإقلاب.
***
تقرير الدكتور فخري
(طبيب الجلد والأمراض التناسلية عن انتشار البغاء والأمراض التناسلية
بالقطر المصري، وبعض الطرق الممكن اتباعها لمحاربتها)
رفع الدكتور تقريره هذا سنة1924 لحضرة صاحب الجلالة الملك وحضرات
أصحاب السمو الأمراء، وحضرات أصحاب الفضيلة العلماء ورؤساء الدين،
وجميع الهيئات الرسمية وغير الرسمية بالقطر المصري.
تكلم فيه عن البغاء الرسمي وغير الرسمي بمصر القاهرة، وتعرض فيه
لبعض إحصائيات عن عدد العاهرات الأجنبيات والوطنيات بمصر، وقال أنه
يأسف جد الأسف لعدم عناية مصلحة الصحة برقابتهن بطريق جدي يخفف من
أضرارهن، ويوقف تيار العدوى بالأمراض الجلدية والتناسلية التي فشت في هذه
الأمة البائسة التي أهملت دينها، ونسيت كرامتها وشرفها، ولا سيما العاهرات
الأجنبيات ذوات الدرجة الأولى، فإنهن لا يخضعن لنظام الكشف الطبي على ما فيه
من نقص فاحش، فأصبحن شرًّا مستطيرًا وخطرًا كبيرًا.
والذي يقف على تقرير الدكتور يشعر بالألم الشديد مما وصلت إليه حالة البلد
الأدبية والصحية من الانحطاط والتدهور، وحسب القارئ أن يرى من إحصائيات
الدكتور أن عدد (مَنْ عَرَفَ مِنْ) المصابين بالأمراض الجلدية والتناسلية في عام
واحد سنة 1920 بسبب البغاء الرسمي وغير الرسمي (820200) ثمانمائة
وعشرون ألفًا ومائتان، وقد أنحى الدكتور - في أدب وصراحة - باللائمة على
النظام المتَّبع في رقابة العاهرات بمصر، وقارَنَ بينه وبين نظم الدول الأخرى،
وطلب من الحكومة بإلحاح العناية برقابة هذه الطائفة؛ كي يخف ضررها.
وللدكتور في وصف أضرار العاهرات كلمات مؤثرة تشف عن وجدان صادق
وإحساس شريف، إذ يقول وهو يصف العاهرات ذوات الدرجة الأولى: (فبعضهن
يحترفن حرفة التمثيل أو الرقص أو الخدمة في بعض محال التجارة أو القهاوي
والبارات وغيرها من الأعمال) .
(وفي ساعات فراغهن ينتشرن كجيوش الجراد في أنحاء العاصمة؛ ليلقين
شباكهن على شبيبة البلاد ورجالها وكهولها، ولهن من جمال شكلهن وسحر عيونهن
الجنسي الوراثي أسلحة قوية للفتك بعقول الطائشين! ولمهاجمة قلوب من يتعطشون
للجمال الأوربي الخلاب، ولهن من خروجهن على رقابة البوليس نوع من الكرامة
يسحر كثيرًا من الرجال الذين تعودت نفوسهم أن تمجَّ كل ما له علاقة بالعاهر
الرسمية. هذه هي الأفعى صاحبة صولجان الامتيازات، وتلك هي عقرب مصر
الذي يتغذى من دماء أبنائها، ويسمم حياة رجالها، ويقتل مستقبلها تحت ستار نوع
من الأنظمة لو وجهت له عناية قليلة لقل شره. وضعفت مصيبته) . اهـ (ص
12 و13) .
ثم تكلم الدكتور على الأسباب التي تحمل على انتشار البغاء، وأهمها وجود
المواخير المصرح بها في القطر، وإهمال الرجل زوجه، وصرفه الوقت الطويل
في المقاهي وأماكن الطرب واللهو، وترك دور التمثيل الساقط يدخلها الشبان
والنساء بدون رقابة، وكثرة الزواج الإجباري مع جهل الآباء بمصير بناتهم وبنيهم،
ومثله في ذلك الزواج النفعي، واختلال حال البلد اقتصاديًّا وهو نقص برامج التعليم.
ثم تكلم على طرق مقاومة البغاء وقال: لا بد فيها من وضع حد للرجل؛ لأنه
شريك للمرأة في ذلك الفساد، فإذا ضُيِّق على العاهر وتُرك الرجل وشأنه لا يعدم
بجبروته امرأة أخرى يفسدها حتى تصير عاهرًا، وهكذا. ولا بد من رفع المستوى
الأخلاقي، وتعاون رجال الدين والتربية مع رجال السلطة في تنمية روح الفضيلة
في نفس الناشئين، ومنع المواخير الرسمية. ويرى الدكتور كما يرى غيره ممن
بحثوا نظام العاهرات أن منع البغاء دفعة - وإن كان فيه شيء من الضرر - إلا أنه
أخف ضررًا من هذه الفوضى التي وصلت إليها حالة البلاد، ويطلب من جميع
الهيئات التعاون على منعه.
وإني أشكر للدكتور فخري غيرته الشديدة على حالة البلاد الصحية والخُلُقية
وإخلاصه لمهنته، وقيامه بما توجبه عليه، ولو أن كل طبقة تقدمت لحكومة البلاد
بما لديها من ضجيج وما يتفق مع عملها لتحسنت الحالة، ونهضنا بأمتنا نهضة
مباركة.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... محمد العدوي
(المنار)
إن في هذا التقرير من العبر أعظم مما اختار الأستاذ المقرظ منه بل كله فوائد
وعِبَر لمن يريد أن يعتبر، وأين المعتبرون؟ إن التقرير يثبت لنا أن جل رزايا
فاحشة البغاء، سببها التفرنج، حتى إن تقليد نسائنا للأوروبيات في طراز الأزياء
(الموضة) هي أكبر أسباب البغاء السري الوطني، ومع هذا نرى كتَّابنا ومنتحلي
الفلسفة والتجديد فينا دائبين على ترغيب النساء والرجال في السير في هذا التقليد
إلى آخر حدوده بلبس (البرنيطة) ليجهزوا على هذه الأمة في أجسادها وأرواحها
وأموالها.
_________