المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من النباتات الطبيعية في سراة غامددراسة لغوية وصفية - مجلة جامعة أم القرى ١٩ - ٢٤ - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌من النباتات الطبيعية في سراة غامددراسة لغوية وصفية

‌من النباتات الطبيعية في سراة غامد

دراسة لغوية وصفية

د. إبراهيم عبد الله الغامدي

الأستاذ المساعد بقسم اللغة والنحو والصرف - جامعة أم القرى

ملخص البحث

عُني هذا البحث بدراسة بعض النباتات التي تنمو في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديداً بمنطقة سراة غامد الشهيرة بوفرة النباتات الطبيعية التي تزدان بها أرض السراة في فصل الربيع وحتى أوائل فصل الصيف.

ويهدف البحث إلى دراسة تلك النباتات دراسة لغوية وصفية، موضحة بالصورة أجزاء النبتة.

ولما كان هذا البحث معنياً برصد ما اعترى بعض تسميات تلك النباتات من تطور صوتي أو دلالي أثناء رحلة الكلمة كان لابد لنا من الرجوع إلى مؤلفات علماء العربية القدماء اللغوية عامة والنباتية خاصة، بغية تأصيل هذه التسميات التي ينطقها أهل هذه المنطقة.

ويمثل هذا البحث الحلقة الأولى من مجموعة النباتات في المنطقة، وسوف تتبعه مجموعات أخرى بحوله تعالى.

• • •

مقدمة:

الحمد لله الذي ريَّن الأرض بالنبات، كما زيَّن السماء بالكواكب النيرات، وجعل من هذه النباتات دواءً وقوتاً للإنسان وأصلي وأسلم على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وبعد:

فقد تعددت الدراسات قديماً وحديثاً بتعدد ميادين الدرس، ومن بين هذه الدراسات دراسة النبات، ومن المعلوم أن الدرس النباتي نشأ مبكراً وتشعب إلى عدة شعب، بيَّن العلماء كل ما يتعلق بالموضوعات النباتية، سواء كانوا من علماء العربية القدماء، أو من الأمم الأخرى؛ لقناعتهم بأهمية هذه الدراسة المتمثلة في حاجتهم إلى النباتات كغذاء أو دواء.

فمن العلماء من عرض لهذا الموضوع من وجهة نظر طبيَّة، ومنهم من تناوله من ناحية تشريحية علمية، بينوا فيها وظائف كل جزء من النبتة. ومنهم من عرض له من ناحية لغوية، وهذا الجانب هو ما تدور هذه الدراسة حوله.

ص: 288

تنبه علماء العربية القدماء لهذا الجانب وخصوه بمؤلفات مستقلة، بينوا فيها أسماء النباتات، وأوصافها، وأماكن وجودها، واستشهدوا على ذلك بفصيح كلام العرب، إلا أنهم كانوا يصفون النبات وصفاً مجملاً قد يشترك مع غيره من النباتات. بل كانوا يتجوزون في التعبير عن النبات بالشجر أو العكس.

وسار المحدثون على منهج القدماء إلا أنهم فصلَّوا ما أجمله القدماء وبينَّوا ما أبهم عليهم واستدركوا ما فاتهم، ولكل باحث منهجه الذي سار عليه.

أما هذا البحث فسأعرض فيه لبعض النباتات الطبيعية (1) التي تُزين أرض سراة غامد (2) في فصل الربيع حتى أوائل فصل الصيف. وهذه الفترة الزمنية هي وقت نمو النباتات الطبيعية وازدهارها، فما أن ينتهي فصل الشتاء، حتى تكون الأرض مُشبعة بالأمطار، وبعد أن يهل فصل الربيع، تورق الأشجار، وتكثر الأزهار، وتخضر الأرض وتبدأ في ارتداء أبهى حللها حتى تصبح حديقة غنّاء، وجنّة خضراء، عندها يستطيع الباحث أن يصف النباتات وصفاً دقيقاً، قارناً ذلك بالصورة التي كان البحث النباتي بشكل عام واللغوي بشكل خاص يفتقدها، لعدم توفرها.

والمتأمل في تعدد النباتات واختلاف ألوانها وأشكالها وأحجامها وتباين روائحها، يدرك قدرة الخالق في إحكام صنعه الذي أحكم كل شيء صنعاً.

وقد كنت مدركاً صعوبة البحث في مثل هذه الموضوعات قبل البدء، ولكني رُمت إلى المحصلة النهائية المتمثلة في الإضافة الجديدة إلى الحقل اللغوي، وهذا ما ينشده جميع الباحثين.

(1) وأعني بها تلك النباتات التي تنمو نمواً طبيعياً ولا علاقة للإنسان بتعهدها ورعايتها.

(2)

ينظر موقع هذه المنطقة وتفرع قبائلها وحدودها في بلاد غامد والزهران لعلي صالح الزهراني، ص 4 فما بعدها الطبعة الأولى 1391 هـ / 1971 م، ومعجم قبائل الحجاز لعاتق بن غيث البلادي 3 / 356.

ص: 289

كما أن هذا العمل يعالج مشكلة معجمية تتمثل في اكتفاء المعجميين حيث يشرحون ألفاظاً كألفاظ النبات بقولهم: (معروف) ، ويصفونه وصفاً مجملاً يشترك مع غيره.

ولاشك أن الغاية المنشودة من هذا البحث هي الوقوف على أسماء النباتات وصفاً وصورة ومن ثم رصد حركة التطور الذي اعترى بعض التسميات من خلال رحلة الكلمة التي صحبتها تغيرات صوتية أو دلالية.

بدأت البحث بجمع مادته العلمية المقرونة بالصورة التي راعيت فيها زمن اكتمال نمو النبتة وقبيل أن تشيخ، متحرياً الدقة في التصوير، وذلك من خلال إبراز أغلب أجزاء النبتة.

كما استعنت بسؤال كبار السِّن من أبناء هذه المنطقة في معرفة تسميات هذه النباتات واستخداماتها.

وما هذا البحث إلا نواة لكثير مما جمعته من المادة العلمية النباتية، سينشر بإذن الله تباعاً. أما المنهج الذي سلكته في إعداد هذا البحث فكان منهجاً وصفياً تمثل في النقاط التالية:

1 -

جمع الأسماء النباتية وذلك من واقع لهجة أهل هذه المنطقة قارناً ذلك بالصورة الموضحة للنبات، مقدماً الاسم الفصيح للنبتة. ولاشك أن الوسيلة الإيضاحية مهمة في العمل المعجمي الذي لا يقتصر على الوصف المجرد، بل يسند ذلك الصورة التي تمكن القاريء من الوقوف على بيان الشيء المراد وصفه، وهذه الوسيلة يتحتم وجودها في مثل هذا النوع من الأبحاث.

2 -

عرض هذا المجموع على الكتب اللغوية القديمة والنباتية خاصة بغية تأصيل هذه التسميات.

3 -

الوصف اللغوي لأجزاء النبتة من واقع المشاهدة لها في طبيعتها.

4 -

ذكر ما أورده علماء العربية القدماء عن وصف النبتة.

5 -

المقارنة بين ما ذكره أهالي المنطقة من وصف للنبات مع ما ورد في مؤلفات علماء العربية القدماء.

6 -

بيان أماكن وجود النبات، وذكر مناطق انتشارها، مع تحديد زمن نموها وذبولها.

ص: 290

7 -

بيان الفروق الصوتية والصرفية والدلالية بين التسمية الفصيحة وما يُنطق في لهجة أهالي المنطقة موطن الدراسة إن وُجدت.

8 -

الإشارة في هامش البحث إلى بعض الاستعمالات الطبية للنبات أو الإحالة إليها.

9 -

رُتَّبتُ النباتات في هذه المجموعة وفق الترتيب الهجائي.

وقد استعنت في الدراسة بالعديد من المصادر والمراجع التي لها صلة بالموضوع، ككتب النبات القديمة منها والحديثة وكذلك المعاجم اللغوية.

كما أفدت من كبار السن ومن هم على دراية بأسماء النباتات كوالدي والوالد علي أحمد الغامدي وجمعان يعن الله الغامدي وسالم عبد الله الغامدي وجار الله الغامدي وغيرهم مِمّن قابلت فجزاهم الله خير الجزاء وجعل ما قدموه لي في موازين حسناتهم.

وفي الختام فإنني ألتمس العذر لما قد يكون في هذا البحث من خلل أو نقص، وحسبي أنني بذلت الجهد في سبيل إخراجه

تمهيد:

النبات مملكة كبيرة، وعلم واسع، عرض له العلماء قديماً وحديثاً، ودرسوه دراسة وافية من كافة جوانبه، إلا أن الدراسة القديمة للنباتات كانت تدور في مجملها حول الأعشاب الطبية، وهذا المنحى هو الأساس في البحث النباتي.

والمنحى اللغوي من بين هذه الدراسات التي تناولها علماء العربية القدماء وخصوها بمؤلفات مستقلة وضحوا فيها أقسام النبات وأنواعه وصفاته.

قال أبو حنيفة: ((النبات كله ثلاثة أصناف: شيء باق على الشتاء أصله وفرعه، وشيء آخر يبيد الشتاء فرعه ويبقى أصله، فيكون نباته في أرومته تلك الباقية، وشيء ثالث يبيد الشتاء فرعه وأصله فيكون نباته مما ينتشر من بزوره)) (1) .

(1) المخصص 10 / 211.

ص: 291

وقد كانت السمة الغالبة على هذه المؤلفات هي التعميم، يتضح ذلك من خلال عناوينها مثل كتاب “ النبات والشجر للأصمعي ” (1) ، وما خصه النضر بن شميل في كتابه “ الصفات ” (2) من حديث عن الزرع والكرم والبقول والأشجار)) .. وغيرهما من العلماء إلاّ أن هذا الحكم لا ينسحب على كل من ألف في النبات. فقد خُصت بعض الأشجار بمؤلفات مستقلة ككتاب “ النخل ” (3) لأبي حاتم السجستاني وكتاب “ النخل ” (4) للأصمعي، “ والشجر ” (5) لابن خالويه، وغيرها من المصنفات التي احتوت مجالاً دلالياً واحداً.

تلا ذلك مرحلة تتمثل في جمع ما تفرق من رسائل لغوية في النبات وغيره في مؤلفات ضمت مجموعة من الحقول كالغريب المصنف (6) لأبي عبيد القاسم بن سلام، والألفاظ لابن السكيت (7) ، والمخصص (8) لابن سيده، وغيرها. إلا أن هذه الرسائل اللغوية في النبات والشجر كان الهدف منها التدوين اللغوي بدليل اكتفاء علماء العربية القدماء - أحياناً - بذكر اسم النبتة دونما وصف لها.

(1) حققه هفنر ونُشر ضمن كتاب البلغة في شذور اللغة وطبع مرة أخرى بتحقيق عبد الله يوسف الغنيم، مطبعة المتنبي الطبعة الأولى 1392 هـ / 1972 م، القاهرة.

(2)

من بين ما فقد من مؤلفات التراث العربي.

(3)

حققه وعلق عليه ط/ إبراهيم السامرائي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1405 هـ / 1985 م.

(4)

نشره هنفر ضمن كتاب البلغة في شذور اللغة.

(5)

نشره الدكتور ك هـ. Batanouny وطبع بمطبعة ماكس سمرسوفي في كرخهين (نيدر لدستس) 1909 م.

(6)

حققه وقدم له محمد المختار العبيدي، مطبوعات بيت الحكمة، المغرب، 1989 م.

(7)

بعنوان كنز الحفاظ في تهذيب الألفاظ نشره: لويس شيخو، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين - بيروت 1895 م.

(8)

طبعة دار الفكر - بيروت.

ص: 292

وما أن يطالعنا القرن الثالث الهجري حتى نجد أبا حنيفة قد ألف لنا ((موسوعة نباتية في حوالي ستة أجزاء أربعة منها في موضوع النبات عامة واثنان في أسماء النباتات مرتبة على حروف المعجم..)) (1) . وقد أجاد أبو حنيفة في وصف النباتات وكذلك في ترتيب الأسماء النباتية وفق الحروف الهجائية غير أن هذا الكتاب لم يصل إلينا كاملاً. وقد بين بعض الباحثين جهود علماء العربية القدماء في هذا الجانب بما يغني عن إعادته (2) .

ولاشك أن الدراسات اللغوية الميدانية لها مردودها الإيجابي على اللغة إذ إن تتبع الأسماء النباتية أو المفردات العربية في لهجة من اللهجات العربية وتأصيل هذه المفردات أو التسميات من واقع ما ورد عن العرب الفصحاء فيه ثراء للبحث اللغوي خاصة في هذا الزمن الذي بَعُدت فيه أكثر اللهجات العربية عن اللغة الأم (الفصحى) .

وقد قفوت كتب النبات وجل الكتب اللغوية القديمة كالمعاجم وماله علاقة بالبحث متتبعاً التسميات الواردة في لهجة أهالي المنطقة ومؤصلاً لها من مؤلفات علماء العربية القدماء وذلك من خلال وصفهم الدقيق للنبات ذاكراً الفروق الصوتية والصرفية والدلالية إن وجدت.

الحَدَق

اسم النبتة: الحَدَق، الحَدَج.

أماكن وجودها: تنتشر في مناطق السراة انتشاراً واسعاً ويكثر وجودها على حواف الأودية ومجاري السيول، ويقل وجودها على سفوح الجبال.

(1) علم النبات عند العرب من مرحلة التدوين اللغوي إلى مرحلة الملاحظة العلمية المحض لإبراهيم مراد ص 262 مقال ضمن حوليات الجامعة التونسية عدد (29) ، 1988 م.

(2)

ينظر النبات عند العرب (ضمن كتاب إسهامات العرب في علم النبات) ص 45 فما بعدها للدكتور حسين نصار وتاريخ النبات عند العرب لأحمد عيسى.

ص: 293

وصفها: نبتة شجرية ترتفع عن الأرض قرابة المتر وتتدلى فروعها حتى تلامس الأرض ومَرَدَ ذلك لثقل ثمرتها وضعف عودها. لها أشواك حادة وبارزة على جانبي الساق وفروعه، وكذلك على العِرق المنصّف للورقة والورقة عريضة بيضاوية أما ثمرتها فأول ما تبدأ خضراء ثم تَصْفرّ شيئاً فشيئاً حتى يكتمل صفارها وشكلها كروي كالطماطم، بداخلها عدد كبير من البذور الصغيرة ذات المذاق المُر بل يعد هذا النبت من أشد النباتات مرارة.

لم يرد في مؤلفات اللغويين القدماء وصفٌ دقيق لهذا النوع من النبات كوصفهم لغيره فجاء في اللسان: ((ووجدنا بخط علي بن حمزة: الحذق: الباذنجان بالذال المنقوطة، ولا أعرفها. الأزهري عن ابن الأعرابي: يقال للباذنجان الحَدَق والمغد

)) (1) .

وجاء في المعتمد عن ابن البيطار: ((اسم لنوع من الباذنجان بريّ وثمره يكون أخضر، ثم أصفر، وقدره على قدر الجوز وشكله شكل الباذنجان سواء، وورقه وثمره وأغصانه وسماه بعضهم: شوك العقرب..)) (2) .

وقول صاحب المعتمد إن ثمرة الحدق وثمرة الباذنجان سواء فيه نظر إذ إن ثمرة الحدق دائرية الشكل كالطماطم الدائرية على حين أن ثمرة الباذنجان أسطوانية الشكل هذا جانب، والآخر هو الحجم فالباذنجان أكبر حجماً من الحدق في هذه المنطقة

بعض أبناء هذه المنطقة ومناطق أخرى يطلقون عليه اسم “ الحَدَج ” إلا أن القدماء ذكروا أن الحدج لغة في الحنظل ولم يُبينوا الفرق بين النبتين (3) .

(1) اللسان (حدق) .

(2)

المعتمد في الأدوية المفردة ليوسف بن عمر التركماني. تصحيح مصطفى السقا، دار القلم، بيروت، ص 92.

(3)

من فوائده الطبية كما نص عليها العلماء أنه ينفع من لسع العقرب، وثمرته يُتَبَخَّرُ بها للبواسير فيجففها وينفع منها وهذا شيء مجرب على حد قول صاحب المعتمد.

ص: 294

يطلق بعض أهل السراة على هذا النوع من النبت “ الحَدَق ” بفتح أوله وثانيه. والبعض الآخر يقولون: “ حَدَج ” بالجيم مكان القاف ونطقهم لصوت الجيم قريب من القاف. وقد أشار علماء العربية القدماء لهذا النطق الذي بين الجيم والكاف والقاف وبينوا التقسيمات النطقية لكل منها (1) .

بداية النمو حُلّب اكتمال النمو

اسم النبتة: خبيزا، حُلَّيبا، حُلَّب، مُرّه، الغزالة.

أماكن وجودها: تنتشر في الوديان والمزارع، وحول المنازل، وسفوح الجبال، ويقل وجودها في أعالي الجبال.

وصفها: نبتة تفترش الأرض، أوراقها طويلة بدون عرض، يخرج من بين أوراقها المتمايلة على بعضها سيقان متفرقة قليلة، تنتهي بوردة لونها وردي مع زرقة بداخلها.

أما جذرها فوتدي، يحتوي على مادة سائلة بيضاء متى ما قطع الجذر أو أي جزء من البقلة سالت منه هذه المادة الشديدة المرارة. يستخدم النساء هذه المادة بوضعها على الثدي، بغية إفطام الرضيع عن أمه.

قال عنها علماء العربية القدماء: ((والحلب: نبات ينبت في القيظ بالقيعان وشطآن الأودية، ويلزق بالأرض حتى يكاد يسوخ ولا تأكله الإبل إنما تأكله الشاء والظباء وهي مغزرة مسمنة وتحتبل عليها الظباء يقال: تيس حلب.. وهي بقلة جعدة غبراء في خضرة تنبسط على الأرض يسيل منها اللبن إذا قطع منها شيء

)) (2) .

(1) الكتاب لسيبويه 4 / 432. وقد فصَّل القول في ذلك أستاذي الدكتور محمد جبل في كتابه أصوات اللغة العربية ص 99 فما بعدها وص 116 فما بعدها.

(2)

اللسان (حلب) .

ص: 295

أهل هذه المنطقة يطلقون جميع التسميات السابقة عدا اسم الغزالة، فيقولون الخُبيزا؛ لأنها تشبه في استدارتها الخبزة التي هي الطُلمة، وأما تسميتهم لها بالحليبا فلم أجد لهذه التسمية ذكراً عند القدماء ولعل مرد ذلك للمادة التي تسيل منها والتي تشبه الحليب. أما إطلاقهم عليها اسم: مُرَّة فلأن المادة التي تحتويها هذه النبتة طعمها مُرّ، ولعلها تسمية صحيحة فقد جاء في اللسان:((هذه البقلة من أمرار البقول والمرّ الواحد)) (1) . وبعض قرى هذه المنطقة تنطق بالاسم الفصيح للنبتة وهو الحُلَّب وبنفس الصيغة. فلعل تعدد التسميات لها مشتق من صفات هذا النبت كأهل نجد الذين يطلقون عليها اسم: الغزالة؛ لأن الظباء تحتبل عليها.

بداية النمو حُمَّاض اكتمال النمو

اسم النبتة: حُمَّاض، (حُمَّيْضا) .

أماكن وجودها: سفوح الجبال، وبين الصخور، وكذلك في الشعاب.

وصفها: نبتة ترتفع عن الأرض إلى قرابة نصف المتر، جذرها أصفر اللون، يتفرع منه مجموعة من الفروع الصغيرة يتخلل السوق أوراق ملساء، خضراء اللون، متوسطة الحجم، تشبه إلى درجة كبيرة أوراق العُثْرب، وكذلك السوق وما تفرع عنها، إلا أن أوراق هذه النبتة أصغر حجماً من أوراق العثرب وأسْمَك.

أما الثمرة فذات لون أحمر، يتخللها خطوط حمراء قانية، بداخلها حبة خضراء. وطعم جميع أجزاء هذا النبات شديد الحموضة، ولعل سبب تسميته بهذا الاسم لهذه العلة.

(1) اللسان (مرر) .

ص: 296

يطلق بعض أهالي المنطقة على هذا النوع تسمية (الحُمَّيْضَا) . ولم أجد هذه التسمية في مؤلفات القدماء، أما بعضهم الآخر فينطق الاسم الفصيح الحُمّاض. قال الأزهري:((والحُماض بقلة برية تنبت أيام الربيع في مسايل الماء ولها ثمرة حمراء، وهي من ذكور البقول وقال رؤبة (1) : كثمر الحُماض من هَفْت العلق ومنابت الحماض: الشُّعيبات وملاجيء الأودية، وفيها حموضة..)) (2) .

إلا أن أبا حنيفة قال: ((الحُماض من العُشب، وهو يطول طولاً شديداً وله ورقة عظيمة، وزهرة حمراء، وإذا دنا يُبْسُه ابيضّت زهرته، والناس يأكلونه..)) (3) . ولعل أبا حنيفة يعني بالحُمَّاض هنا ما يطلق عليه (العُثْرُب) فهذه النبتة تتمثل جميع هذه الأوصاف إلاّ أن العثرب شيء والحماض شيء آخر.

خِرْوَع

اسم النبتة: خِرْوَع.

أماكن وجودها: توجد في أغلب أودية جبال السِّراة بيد أن كثرتها تكون بالقرب من المساكن وفي المسارب المؤدية إليها وعلى حواف الأراضي الزراعية والأماكن القريبة من الماء، ولم أجدها في أعالي الجبال أو سفوحها.

صفتها: نبتة طبيعية رخوة، تنمو في أوائل فصل الربيع، وتذبل في فصل الصيف، ترتفع عن الأرض قرابة المتر ويزيد ارتفاعها في الأماكن التي تكثر فيها المياه، يبدأ نموها بسوق خضراء، تتفرع من أصل الجذر الوتدي، مُجوفة من داخلها يتخللها أوراق عريضة وطويلة، شديدة الخضرة، ناعمة الملمس، ينصفها عرق أخضر كبير، وخطوط شعرية على امتداد الورقة.

أما ثمرتها فتكون على شكل كعابر صغيرة، خضراء في بداية نموها، تحمل حباً صغيراً بحجم الحبة السوداء، فإذا شاخت النبتة وصارت إلى الذبول، انقلب لون هذه الكعابر مع السوق إلى اللون البُني، وتناثرت حبوبها على جنبات النبتة الأصلية، ولهذا السبب نجد كثرة هذا النبات في بقعة دون أخرى.

(1) ديوانه ص 108.

(2)

التهذيب 4 / 224.

(3)

اللسان (حمض) .

ص: 297

أما النبات الذي عرض له الدكتور حسن مصطفى في كتابه (1) ووسمه بالخروع فلا يعرفه أهالي هذه المنطقة ولم يشر إليه القدماء في مؤلفاتهم ولا أظن أن هذه النبتة هي المرادة في بيت عنترة.

تأكل الماشية من هذه النبتة كعابرها، وما يعلو النبتة من فروع، ويقال إنّ الماشية تسمن عليها. قال عنها ابن منظور: ((

ومنه قيل لهذه الشجرة: الخروع؛ لرخاوته وهي شجرة تحمل حباً كأنه بيض العصافير يسمى: السمسم الهندي..)) (2) .

ولا تزال هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات عند أهل هذه المنطقة إلا أنهم استبدلوا فتحة الواو بكسرة فيقولون: ((الخِروِع)) . ولعل هذا من باب الإتباع إتباع حركة الواو لحركة الخاء.

زَقُّوم

اسم النبتة: الزَّقُّوم.

أماكن وجودها: تنتشر في أودية جبال السراة، وحول المنازل والمسارب المؤدية إليها.

وصفها: تنبت على شكل أسْوق غبراء اللون، كأسوق العرفج، إلا أنها أسمك، يتخللها ورق أخضر في بداية النمو، ثم تكسوه غبرة عند الكبر، شكلها شبه دائري. ينمو على جوانب كل ساق كعابر مستديرة شوكية، إذا قَرُب الإنسان أو الحيوان منها علقت به. عودها وورقها شديد المرارة، وشكلها قبيح، بل تُعَدّ من أقبح النباتات شكلاً.

وقد وصفها أبو حنيفة بقوله: ((أخبرني أعرابي من أزد السراة قال: الزَّقُّوم شجرة غبراء صغيرة الورق مدروتها، لا شوك لها، ذَفِرة مُرَّة لها كعابر في سوقها كثيرة، ولها وريد ضعيف جداً يجرسه النحل، ونورتها بيضاء، ورأس ورقها خبيث جداً)) (3) .

وقد أحسن الأعرابي في وصف هذه النبتة. ومازال هذا النوع موجوداً وبنفس التسمية القديمة عند ناس هذه المنطقة.

(1) نباتات في الشعر العربي ص 77 - 78 طبع مطابع جامعة الملك سعود، ط1، 1415هـ / 1995م، الرياض.

(2)

اللسان (خَرع) .

(3)

اللسان (زقم) وتذكرة داود ص 203.

ص: 298

أما استعمال هذا النبات فلم يذكر لي أهالي السراة أي استعمال له حتى الحيوانات لا تأكله.

السَّخْبر

اسم النبتة: السَّخْبر.

أماكن وجودها: يوجد في أعالي الجبال وسفوحها. ولم أجده في الوديان أو ما جاورها.

وصفها: عُشبة ترتفع عن الأرض إلى قرابة نصف المتر، يخرج من أطرافها العليا زهر بني يشبه جزء السبلة. عوده دقيق أصفر اللون يغطي بعض أجزائه قشرة خضراء خشنة الملمس له رائحة عطرية جميلة، خاصة إذا ما وضع على الشاي كالحبق وغيره من ذوات الروائح العطرية.

قال أبو حنيفة عن أبي زياد: ((ومن الشجر: السَّخْبر، وهو الغَرز، مشبهان، ينبتان نبت الإذخر على طوله وعرضه وريحه وأخبرني بعض الأعراب أن منابت السخبر: الجلد، والأقبال (1) الغليظة، لا ينبت في السهل ولا في وادي مَيَّه (2) وقال بعض الرواة: السخبر شجر يشبه الثُمام له جرثومة وعيدانه كالكراث في الكثرة، كأن ثمره مكاسح القصب أو أرق منها ذا طال تدلت رؤوسه وانحنت وفيه حرارة وذَفَر طيب..)) (3) .

من النص السابق يتضح لنا وسم أبي حنيفة لهذا النوع من النبات بالشجر وليس كذلك كما هو واضح في الصورة ولعل القدماء كانوا يتجوزون في التعبير عن النبات بالشجر أو العكس وهذا دليل على ذلك إذ إن السخبر نبت صغير من أنواع الحشائش كما سبق وصفه وما زالت هذه التسمية وبنفس الصيغة موجودة عند أهالي هذه المنطقة.

سُذاب

اسم النبتة: سَذاب، فَيْجَن، حَزاء، فيجل، الخُفْت.

أماكن وجودها: ينتشر في معظم مناطق السراة، إذ ينبت في الجبال، والأودية، وقرب المنازل، وعلى جنبات الطرق.

(1) يعني: سفوح الجبال.

(2)

الوادي كثير الماء.

(3)

النبات 2 / 31.

ص: 299

وصفها: نبات أخضر اللون يميل إلى الزّرقة، يصل ارتفاعه إلى المتر، يتكون من مجموعة من السيقان، يتخللها فروع جانبية، وأوراق صغيرة خضراء اللون، يعلوه زهرة صفراء لها رائحة قوية عطرية، تكتمل هذه الزهرة في آخر فصل الصيف، يتوسط الزهرة حبة خضراء كحبة البُنّ إلا أنها مستديرة. لهذا النوع فوائد طبية كثيرة (1) .

لم يوضح لنا علماء العربية القدماء وصف هذا النبات كتوضيحهم لغيره إلا أنهم أشاروا إليه في مصنفاتهم ومما ورد عنهم قول أبي حنيفة: ((السذاب: الفيجن، السذاب: فارسي معرب، قد جرى في كلام العرب، وسذاب البر هذا الذي يقال له: الحَزَاء وهو نبت)) (2) . وقال أبو هلال العسكري: ((والفيجن: السذاب)) (3) .

ويقول ابن دريد: ((والفيجن الذي يسمى السذاب لغة شاميّة. قال أبو بكر: لا أعرف للسذاب اسماً في لغة أهل نجد إلا أن أهل اليمن يسمونه الخُفْت)) (4) .

وقال ابن منظور: ((الحزا والحزاء جميعاً نبت يشبه الكَرَفْس، وهو من أحرار البقول ولريحه خَمْطَة تزعم الأعراب أن الجن لا تدخل بيتاً يكون فيه الحزاء..)) (5) .

وقد أكد آدي شير فارسية الكلمة فقال: ((السداب والسذاب نبات يقارب شجر الرمان، ورقه كالصعتر، وزهره أصفر ورائحته بجملته مكروهة تعريب سِدَاب ومنه التركي سداف)) (6) .

(1) ينظر المعتمد في الأدوية 219، 220.

(2)

النبات 2 / 5.

(3)

التلخيص في معرفة أسماء الأشياء 1 / 467.

(4)

الجمهرة 2 / 1172.

(5)

اللسان (حزا) .

(6)

الألفاظ الفارسية المعربة ص 88.

ص: 300

ومما سبق نلحظ قول علماء العربية القدماء بفارسية الكلمة وأنها ليست عربية، إلا أن وصف آدي شير لهذا النوع من النبات ليس دقيقاً. فهذا النبات لا يصل إلى ارتفاع شجر الرمان، كما أن رائحته ليست كريهة، وأوراقه ليست كأوراق الصعتر. فلعل ما ذكره نبت آخر غير الذي نحن بصدده. أما قول ابن منظور إن الجن لا تدخل بيتاً يكون فيه الحزاء فلازال هذا الزعم إلى اليوم.

وهذه التسمية مازالت تطلق على هذا النوع من النبات إلى عصرنا عند أهالي هذه المنطقة وعند غيرهم ممن يقطنون السراة، ويجمعون عليها دونما خلاف حتى في نطقهم لها إلا أنهم استبدلوا فتحة السين بضمة فيقولون:(السُّذاب) أما بقية أسماء هذه النبتة فلا يعرفها أهل هذه المنطقة.

السَّنُّوت

اسم النبتة: السَّنُّوت.

أماكن وجودها: الوديان، وبالقرب من المنازل، والمسارب المؤدية إليها.

وصفها: نبات حولي يبدأ نموه مع أوائل فصل الربيع، وهو عبارة عن مجموعة من السيقان الخضراء القانية المخططة بخطوط دقيقة، تتفرع إلى عدّة فروع، وكل فرع يعلوه خيوط خضراء دقيقة ناعمة وهي كالأوراق في بقية النباتات، تتحول هذه الخيوط بعد أن يشيخ النبات إلى اللون الأصفر، وكذلك السوق.

أما الزهرة فخضراء على شكل مظلة دائرية، وذلك في بداية تكونها، تحمل حبوباً صغيرة خضراء. وتتفرع الزهرة إلى مجموعات، كل مجموعة تحمل كماً من الحبوب، وفي أواخر فصل الصيف تبدأ في الاصفرار، وتكبر الحبوب التي تحملها مع الاحتفاظ بلونها الأول، وهذه الحبوب مضلعة الشكل لها رائحة جميلة وحجمها كحجم حبوب الشَّمَر.

أما طول هذا النبات وقصره فيتوقف على البيئة التي ينمو فيها، فإن كانت التربة جيدة والماء كثير فيرتفع إلى أكثر من مترين وإن كانت الأرض غير جيدة والماء قليل فيصل ارتفاعه إلى المتر أو يزيد قليلاً. له رائحة جميلة، وأهل المنطقة يستخدمون فروعه للسواك لأنه يطيب الفم.

ص: 301

جميع أجزاء هذا النبات يستفاد منها حيث تطبخ الخيوط الشعرية وكذلك الفروع الرطبة وتؤكل وذلك في بداية نمو هذا النبات. كما يصفون الثمرة للعديد من الأمراض، كالأمراض الباطنية، والغثيان، والقيء وغيرها وهو مُجَرَّب (1) .

عرض لهذا النبات جلّ علماء العربية القدماء، وكذلك بعض الباحثين المحدثين، بغية الوصول إلى تحديد هذا النوع من النبات لما ذُكر من فوائده في أحاديث المصطفى (التي من بينها قوله:((لو كان شيء ينجي من الموت لكان السَّنا والسنوت)) (2) علاوة على ما ورد في الأثر والتراث العربي عنه.

أما ما ذكره بعض اللغويين عن هذا النبات فقول أبي حنيفة: ((أخبرني أعرابي من أعراب عمان قال: السنوت عندنا الكمون. وقال: وليس من بلادنا ولكن يأتينا من كِرمان. وقال لي غيره من الأعراب: هو الرازيانج ونحن نزرعه، وهو عندنا كثير. وقال: هو رازيانجكم هذا بعينه قال الشاعر:

هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم

وهم يمنعون جارهم أن يقردا

وقد أكثر الناس فيه، فقال بعض الرواة: السنوت هاهنا الشمر، وقيل: الرّب.

وقيل: العسل، وقيل: الكمون. وقال ابن الأعرابي: هو حب يشبه الكمون وليس به)) (3) . وقال أبو حنيفة في موضع آخر (4) إنه السِّبت، أي الشِّبت.

(1) ينظر السنا والسنوت د/ محمد البار، ص 79 فيما بعدها. مكتبة الشرق الإسلامي، الطبعة الأولى 1412 هـ / 1992 م، المملكة العربية السعودية. وجامع الشفاء لعلي عبد الحميد ص 301 فما بعدها، المكتبة التجارية، ط1، 1413 هـ.

(2)

الترمذي رقم 2082، ومسند أحمد 6 / 369.

(3)

النبات 2 / 248. وينظر حدائق الأدب ص 243، واللسان (سنت) .

(4)

النبات 2 / 26.

ص: 302

ومما سبق يتضح لنا خلاف العلماء حول تحديد هذا النوع من النبات. والراجح أن قول ابن الأعرابي هو الصحيح؛ لأنَّ غالبية من يقطنون السراة يجمعون على هذه التسمية، وهو كما قال ابن الأعرابي يشبه الكمون لدرجة اللبس، ولكن المدقق في النباتين يلحظ الفرق بينهما. فنبتة الكمون تتقارب سوقه وتتفرع، وثمرته مجتمعة مع بعضها، أما السنوت فكل ساق ينبت على حدة من أصل الجذر، وثمرته دائرية، ولكنها متفرقة. كما أن حبوب ثمرة الكمون، تختلف عن حبوب السنوت، فالأولى بنية اللون، والثانية خضراء. وقد قارنت بين النباتين مقارنة عملية، بغية التعرف على الفروق الدقيقة بين النبتتين، فوقفت على الفروق السابقة.

أما ما ورد في بيت الحصين بين القعقاع، فالراجح أنّ المقصود به العسل، وليس النبات؛ لأن العرب دائماً يقرنون بين السمن والعسل. وعلى هذا فتكون كلمة السنوت من كلمات المشترك اللفظي (1) ويكون الفيصل في تحديد دلالتها السياق الواردة فيه الكلمة.

ومازال أهل هذه المنطقة بل أهالي السراة يُجمعون على أن هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات. أما نطقهم للكلمة فبفتح السين وضم النون مع تشديدها وهي لغة فصيحة قال ابن الأثير: ((ويروى بضم السين والفتح أفصح..)) (2) .

ضُرَم

اسم النبتة: ضُرَم.

أماكن وجودها: توجد بكثرة في أعالي الجبال، وبين الصخور، وحول شجر العرعر، وكذلك على جنبات السفوح والوديان.

وصفها: نبتة ترتفع عن الأرض قرابة المتر أو أكثر قليلاً، سوقها ناعم، وكل ساق على حدة وذلك من أصل الجذر يتخللها أوراق خضراء قانية كأوراق الشِّيح، على شكل الرقم ثمانية وهذا اللون للأوراق في أوج نموها، ثمّ ينقلب لونها بعد أن تكبر النبتة نحو الغبرة. يبدأ نموها في أوائل فصل الربيع، وتبدأ في الذبول في أواخر الصيف.

(1) ينظر المزهر 1 / 407 - 408.

(2)

اللسان (سنت) .

ص: 303

أما ثمرتها فذات لون وردي، يخالطها سواد لمن رآها عن بعد، وبياض يميل إلى الاصفرار، لها رائحة عطرية ذكية. يضعها بعض أبناء المنطقة على اللبن ليذكي طعمه.

قال عنها أبو حنيفة: ((شجر طيب الريح، وكذلك دخانه طيب)) وقال:

((الضُرَم واحدته ضُرْمة شجر نحو القامة، أغبر الورق، شبيه بورق الشيح أو أجل قليلاً، وله ثمر أشباه البلوط حُمْر إلى السواد تأكله الغنم

وله ورد أبيض صغير كثير العسل.. ولعسله فضل في الجودة، وله حطب لاجمر له وهو طيب الرائحة)) (1) .

ووصْف أبي حنيفة للنبتة كان دقيقاً إلا أن هذا النوع لايصل ارتفاعه - كما ذكر - إلى القامة، إلاّ أن يكون ذلك في أماكن أُخر.

وهذا الاسم للنبتة مازال مستخدماً بمعناهُ ولفظه لم يمسسه تغيير عند أهل هذه المنطقة.

طُبّاق جبلي طُبّاق

اسم النبتة: طُبّاق.

أنواعها: نوعان:

النوع الأول: ينبت هذا النوع في أعرقة الركبان وأخصّ منها ما كان في الوديان أو قريباً منها.

وصفها: نبتة صغيرة تُعد من النباتات المتسلقة ساقها أخضر ناعم مَليء بالماء، وأوراقها دائرية شفافة ناعمة خضراء ما أن يضغط عليها الإنسان حتى تتصبب ماء. أما ثمرتها فشبيهة بثمرة العثرب حمراء اللون، يبدأ نموها في فصل الشتاء وتموت قبل بداية الخريف. تأكلها الحيوانات وخاصة الأغنام.

النوع الآخر: الطُبَّاق الجبلي. هذا النوع لا يشبه النوع الأول، وليس بينهما تقارب في الشكل. ويوجد في أعالي الجبال وسفوحها، ولم أجده في الوديان، وأكثر مايكون بين شجر العرعر التي تشتهر بها هذه المنطقة.

(1) النبات 2 / 97 و 3 / 210.

ص: 304

وصفها: نبتة متعددة الفروع يصل ارتفاعها إلى قرابة السبعين سنتيمتراً تقريباً. يتفرع كل فرع إلى فروع أُخر يتخلل سوقه أوراق كثيرة مزدحمة وطويلة مع الدقة مَشَرَّمة الأطراف ولونها أخضر فاتحة اللون، تميل إلى الصفرة لناظرها عن بعد ولا تكاد تجد منه نبتة منفردة، بل يكون مجتمعاً عزيراً.

من ميزات هذا النبات: أن أوراقه تحوي مادة لزجة كأنها الصمغ، إذا أمسك بها الإنسان بشدة لصقت بيده، ولعل هذا السبب الرئيس الذي جعل العرب القدماء يستخدمون هذا النبت في علاج الكسور. وما زال إلى اليوم.

قال عنه أبو حنيفة: ((الطُبَّاق بالضم والتشديد شجر، وقال الدينوري: أخبرني بعض أزد السراة قال: الطُبّاق شجر نحو القامة ينبت متجاوراً لاتكاد ترى منه واحدة منفردة، وله ورق رقاق خضر تترنج (1) إذا غُمِزت. يُضمد بها الكسر فتلزمه فتجبر، وله نور أصفر مجتمع. ومنابته الصخر مع العَرْعَر)) (2) .

أما النوع الأول من هذا النبت فلم أجد له ذكراً في مؤلفات القدماء، ولعل مردّ ذلك إلى عدم انتشاره وكثرته، ولصغر النبتة واختفائها في الموضع المشار إليه سابقاً.

أما النوع الثاني فما زال موجوداً ويكثر في أعالي الجبال ويطلق عليه الناس في هذه المنطقة نفس المسمى الفصيح ويستعملونه لنفس الغرض.

بداية نموها عُبُب اكتمال نموها

اسم النبتة: عُبُب.

أماكن وجودها: تنتشر في أكثر مناطق السراة: الجبال، الوديان، وعلى جوانب الطرقات، وتكثر في الأماكن القريبة من المياه.

(1) أي: يلزق إذا ضُغِط على ورقته.

(2)

النبات 2 / 106 - 107، والتلخيص 2 / 484.

ص: 305

صفتها: ترتفع عن الأرض قرابة المتر والنصف، وتتفرع إلى فروع كثيرة، تنشطر هذه الفروع من الساق. تبدأ في النمو على شكل سيقان خضراء اللون مجتمعة، تحمل الفروع أوراقاً كثيرة، خضراء قانية كبيرة، في طول ورقة التين إلا أنها أقل عرضاً، وأغلب أوراقها يتخللها ثقوب. أما ثمارها: فهي كروية الشكل حمراء، تكون داخل أقماع خضراء في بداية النمو ثم تميل إلى الصفرة وهو ما يسمى بالكأس. هذا الثمر الأحمر على شكل حبوب أكبر قليلاً من حب البُنّ مستديرة، وبعض حبوبها تكون صغيرة نتيجة لقرب النبتة من الماء وبعدها، وبداخل الحبة الحمراء حبوب صفراء صغيرة طعمها مُرّ، وداخلها كالطماطم.

قال عنه أبو حنيفة: ((والعبب ضرب من النبات، زعم أبو حنيفة أنه من الأغلاث تشبه الحرمل، إلا أنه أطول في السماء تخرج خيطاناً، ولها سنفة مثل سنفة الحرمل، وقد تقضم المعزى من ورقها.. وقال أعرابي: إن العبب هو حبُّ أحمر كأنه خرز العقيق أصغر من النبق وأكبر من حب العنب في أخبية في كل خباء واحدة.. وورقه كثيف واسع وخطيانه عبلة طوال وهي إلى الغبرة، والتثقب إليه سريع)) (1) .

وهذا التسمية مازالت مستخدمة إلى الآن. وبعض أهل المنطقة يقولون (عُبعُب) ، ولعل هذا من باب التخفيف المتمثل في التقاء المثلين وتوالي المتحركات.

عسلوج عُثرُب

اسم النبتة: عُثْرُب.

أماكن وجودها: تنتشر في جميع مناطق جبال السراة، وتكثر في الوديان والأماكن القريبة من الماء.

(1) النبات 2 / 119. ولهذا النبات فوائد طبية كثيرة ذكرها القدماء والمحدثون من بينها أن الناس يأخذون ورقه الذي لم يثقب فيدق وتضمد به الجراح.

ص: 306

وصفها: نبات كثير الانتشار في أودية وجبال السراة عامة. وهو من النباتات التي يبيد الشتاء فرعه ويبقى أصله، إلا أن أوج ازدهاره في فصل الربيع، يرتفع عن الأرض في المناطق الجبلية قرابة المتر أو يزيد قليلاً أما في الأودية ومناطق توفر الماء، فيزيد ارتفاعه إلى أن يصل إلى أكثر من مترين. تتفرع سيقانه إلى عدة فروع يجمعها أصل واحد. لون سيقانها خضراء مخططة بخطوط حمراء. أما أوراقها فصغيرة تنمو على الساق وفروعه، خضراء اللون طعمها حامض وثمرتها حمراء ناعمة الملمس حامضة الطعم أيضاً. يخرج بجانب الفروع الكبيرة وأسفل الجذع براعم صغيرة مليئة بالماء تُقشّر وتؤكل، وطعمها أقل حموضة من الأوراق والثمار. تؤكل هذه البراعم أو العساليج - كما وصفها القدماء - عندما يصاب الإنسان بالضرَّس (1) وبعد أكلها يذهب وهذا مُجَرَّب.

وصف جلّ القدماء هذا النبت الشجري، ومن بين ماذكروه قول أبي حنيفة:

((والعُثْرُب، واحدته: عُثْرُبة، شجرة نحو شجر الرُّمان في القدر، ورقة أحمر مثل ورق الحُمَّاض، وكذلك ثمره وهو حامض عفص مرعى جيد تدق عليه بطون الماشية أول شيء وله عساليج حمر تُقَشَّر وتؤكل، وله حب كحب الحماض مُرَّة خشينة)) (2) .

وقول أبي حنيفة إن ورقه أحمر فلعله يعني الثمرة أما الورق فأخضر اللون، كما أنّ طعم الأوراق حامض وليس مُراً.

وما زالت هذه التسمية تطلق على هذا النوع من النبات إلى عصرنا عند من يسكن جبال السراة سواء كانوا من أهل المنطقة أو غيرهم من القبائل الأخرى.

بداية نموها عَرْفج اكتمال نموها

اسم النبتة: عَرْفج، وحُلْبة.

(1) الضرَّس: أن يضرس الإنسان من شيء حامض. اللسان (ضرس) .

(2)

النبات 2 / 124، واللسان (عثرب) . له فائدة طبية ذكرها أبو حنيفة تتمثل في طبخ الورق حتى ينضج ثم يعصر الماء عنه ويلقى في الرائب المنزوع زبده الحامض يقوي البطن ويفتق الشهوة.

ص: 307

أماكن وجودها: تنبت على قمم جبال السراة وسفوحها، والسهول والوديان، وقد رأيته في أكثر مواطن الجزيرة.

وصفها: عبارة عن نبتة لايتجاوز ارتفاعها نصف المتر لها جذع يخرج منه مجموعة من العيدان الخضراء في بداية نموها تتفرع إلى عدة فروع هشة، يعلو كل عود منها ثمرة صفراء ناعمة الملمس. ليس لها أوراق، ولكن يخرج على جنبات الساق براعم ريشيه صغيرة. رائحتها طيبة، وإن كان طعم العود والثمر مرّاً، يبدأ نموها في أوائل فصل الربيع وتشيخ في أواخر فصل الصيف إلاّ أنه يبقى أصله وفرعه طول العام.

كان الناس يستخدمون هذه النبتة - ومازال بعضهم - لعدّة أغراض منها حَوْق (1) البيت وتسمى المِحْوقَة (2) وذلك بعد أن تُجزّ عيدانها وتربط من أسفلها برباط. كما يستخدمونها في إشعال النار لاتقادها.

ذكر هذه النبتة كثير من علماء العربية ومما دونوه قول بعضهم: ((والعَرْفج والعِرفْج نبت وقيل: هو ضرب من النبات سهلي سريع الاتقاد. العرفج واحدته عرفجة.. وقيل هو من شجر الصَّيف، وهو لين، أغبر، له ثمرة خشناء كالحسك.. عن أبي زياد العرفج طيب الريح أغبر إلى الخضرة، وله زهرة صفراء، وليس له حب ولا شوك..)) (3) .

وقال أبو عبيد: ((إذا مُطِر العرفج ولان عوده ثَقَب عوده، فإذا اسوَدَ قيل: قد أقمل: لأنه يُشبَّه ماخرج منه بالقمل..)) (4) . وهذه التسمية إلى الآن تُطلق على هذا النبت وبنفس الصيغة الفصيحة.

أما مسمى (حُلْبة) فقد جاء في اللسان قوله: ((والحلبة: العَرْفج)) (5) وهذه التسمية لايعرفها أهل هذه المنطقة.

عَصْبَه

(1) أي: كنسه ينظر اللسان (حوق) .

(2)

أي: المكنسة، ويقال لها عند أهل المنطقة (المحُقة) ينظر المصدر السابق.

(3)

النبات 2 / 192، والمخصص 11 / 152، 153.

(4)

الغريب المصنف 2 / 420، والمنتخب 2 / 469.

(5)

اللسان (حلب) .

ص: 308

اسم النبتة: عَصْبة وتُسمّى: لَبْلاب (1) ، وعَطْفَة.

أماكن وجودها: تكثر في الوديان بين الأشجار والنباتات الصغيرة.

وصفها: نبتة صغيرة لها سوق دقيقة، تخرج منها براعم كبراعم الحَبَل (2) تلتفّ على النباتات والأشجار التي حولها يتخلل الساق أوراق خضراء متفرقة بحجم ورق العبب، إلا أنها ملساء ناعمة ضعيفة، يخرج في بعض عناقيدها ثمرة ورديّة اللون مع بياض بداخلها. لا رائحة لها، تمتد على الأرض أو الشجر إلى أكثر من أربعة أمتار. تأكلها المواشي وخاصة الأغنام.

قال عنها كراع النمل: ((والعصبة نبتة تلتوي على الشجر)) (3) .

قال أبو حنيفة: ((والعَصْبة والعَصَبة والعُصْبة.. كل ذلك شجرة تلتوي على الشجر وتكون بينها ولها ورق ضعيف، والجمع عصب قال:

إن سلُيمى علقت فؤادي

تنشُّب العصب فروع الوادي

وقال مَّرَّة: العصبة: ماتعلق بالشجر فرقي فيه وعصب به. قال: وسمعت بعض العرب يقول: العصبة هي اللبلاب، وهي العطِفة والعَطفة)) (4) .

هذا الاسم ((عصبة)) عَرَفه كل من لاقيت من ناس هذه المنطقة وينطقونها بنفس الصيغة، أما بقية المسميات الخاصة بهذه النبتة فلم يعرفوها فربما تكون لغة قبائل أخر إذ إن هذه النبتة واسعة الانتشار في السراة وتهامة ونجد.

وقول أبي حنيفة بأن العصبة شجر فهذا من قبيل التجوز كما سبق بيانه.

عُقَّار

اسم النبتة: عُقَّار، حُرَّاق.

أماكن وجودها: من النباتات قليلة الانتشار، حيث يوجد في الوديان وحول المنازل والمزارع، وليس له وجود في الجبال وسفوحها.

وصفها: نبت ينمو على ساق واحدة، ولا فروع له يرتفع عن الأرض قرابة

(1) النبات 2 / 255.

(2)

الحبل: شجر العنب ومفردها: حَبَلَة. وهذه الكلمة مازالت مستخدمة في كلام غامد إلى الآن وبنفس الصيغة. اللسان (حبل) .

(3)

المنتخب 2 / 467.

(4)

النبات 2 / 138 - 139.

ص: 309

(50)

سم أو أكثر قليلاً وتجتمع مع بعضها أحياناً، يتخلل الساق أوراق كأوراق النعناع، إلا أنها خشنة، يتخللها بعض الأشواك الشعرية الصغيرة التي تنتشر على جميع أجزاء الورقة ولونها أخضر شديد الخضرة، إذا مَرَّ الإنسان بجواره، ووقع على جسمه آلمه ألماً شديداً؛ لأن له لسعاً كلسع النار، وتبقى حرارته بضع ساعات، وربما ظهر مكانها بقع حمراء على الجلد.

يبدأ النبت هذا في النمو في فصل الربيع، ويذبل في أوائل الصيف. وهو من النباتات التي تحجم عنها جميع الحيوانات ولا تأكلها.

الاسم الفصيح الذي أورده القدماء هو (العٌقَّار) وبعض أبناء هذه المنطقة يطلقون عليه هذا الاسم الفصيح، وبنفس الصيغة.

أما تسميتهم له ب (الحُرَّاق) : فلأنه يحرق كما تحرق النار، فاشتقوا له هذا الاسم من أَثَرِه وقد بحثت في أغلب الكتب القديمة فلم أجد أحداً من العلماء وسمه بهذا الاسم.

بداية النمو العَكَش اكتمال النمو

اسم النبتة: العَكَش، العَقَش.

أماكن وجودها: يكثر وجودها في الوديان، على أطراف المزارع، وحواف

الآبار. وقد رأيتها منتشرة في أغلب وديان جبال السراة.

صفتها: نبات يرتفع عن سطح الأرض قرابة أربعة أمتار أو تزيد بالتفاف سوقه وأعضائه على بعضه أو على ما يجاوره من شجر، وتنمو على شكل سوق خضراء لايتجاوز سمكها (2) سم، يتخلل الساق أشواك معقفة حادة مثلثة الشكل، يميل لونها إلى الحمرة، خاصة الجزء الحادّ منها. يتفرع من الساق عدة فروع يتخللها مجموعة من الأوراق العريضة الناعمة الملمس، شديدة الخضرة في بداية نموها، ثم تميل إلى الاصفرار، عند اكتهال النبات، وجزء الورقة السفلي محاط بالأشواك

ص: 310

يثمر هذا النبات في فصل الصيف، وثمرته عبارة عن عنقود، يتفرع إلى عدة فروع، يعلو كل فرع في البداية ثمرة بيضاء داخلها زهرة وردية اللون، يخرج مكانها بعد فترة زمنية قليلة حبوب خضراء اللون كل حبة منها عبارة عن مجموعة من الحبوب طعمها حامض في بداية نموها ثمّ تحمر شيئاً فشيئاً إلى أن يصبح لونها خمرياً، حلو المذاق، وهذه الثمرة أشبه ماتكون بثمرة التوت، يحف هذه الثمرة مجموعة من الشوك.

وإذا مر الإنسان أو الحيوان بالقرب من النبت لِزَمهُ شوكه، ولعل هذا هو سبب تسميته في لهجة أهل هذه المنطقة العقش ومنه المثل الدارج عندهم:(فلان كالعقشة) أي يمسك بمن يأتيه. شبه في ذلك بهذا النبت.

وربما سُمي عكشاً لالتوائه على الأشجار، أو لكثرة فروع هذا النوع. قال ابن منظور: ((وشجرة عكشة: كثيرة الفروع.. والعَكشِة شجرة تلتوي بالشجر

)) (1) .

والغريب أن أبا حنيفة لم يعرض لهذا النبات في كتابه مع كثرة انتشاره. إلاّ أن ابن سيده ذكر أن ((العقَش نبت ينبت في الثمام والمرخ، وهو يتلوى مثل العَصْبة على فرع الثمام، وله ثمر خمرَّية إلى الحمرة)) (2) .

يُطلق أهالي هذه المنطقة على هذا النوع مُسمى (العَقَش) بفتحتين، والفصيح بفتح وسكون، ولعل سبب فتح الكلمة لمكان حرف الحلق (العين) وهذا خلاف ما يقررونه من مراعاة حرف الحلق إذا كان عيناً لا لاماً ولا فاءً، وربما حركوا القاف بالفتح لقرب مخرج القاف من مخارج حروف الحلق.

القُرَّاص قراص الحمير

اسم النبتة: القُرَّاص.

أماكن وجودها: تنبت في السهول، والقيعان، وبطون الأودية، وحول المنازل، والمسارب المؤدية إليها، وهو من النباتات كثيرة الانتشار.

(1) اللسان (عكش) .

(2)

المخصص 11 / 142، واللسان (عقش) .

ص: 311

وصفها: القراص نوعان: الأول يطلق عليه أهل هذه المنطقة: (قراص الحمير) وهذا النوع يرتفع عن الأرض قرابة (50) سم أو تزيد قليلاً، وهو عبارة عن مجموعة

من السوق، يتخللها فروع دقيقة خضراء، وأوراق مسننة الرأس، ليست عريضة، متطاولة، طعمها مُرُّ، ونورتها صفراء، تقع في الجزء العلوي من النبتة، وبعضها يكون داخل النبتة.

أما النوع الآخر: فهو نبت يشبه الجرجير إلى درجة كبيرة، أوراقه طويلة ومشرّمة، يتوسطها خط أبيض وتكون أوراقه مجتمعة، ترتبط بجذر أصفر اللون، يمتد داخل الأرض إلى قرابة (20) سم. يعلو هذا النوع نورة صفراء كنورة النبت السابق، ناعمة الملمس يجرسها النحل كثيراً، وهذا النوع كان أهل المنطقة يطبخونه كاللفت والسبانخ وغيرهما.

عرض علماء العربية القدماء لهذا النوع من النبات وذكروا أنواعه ومن بين ماورد في مصنفاتهم قول أبي حنيفة: ((أخبرني أعرابي من أزد السراة قال: القُراص قراصان أحدهما: العُقّار.. والآخر ينبت نبات الجرجير يطول ويسمو. وله زهر أصفر تجرسه النحل. وله حرارة كحرارة الجرجير، وحب صغار أحمر، والسوام تحبه وتحبط عنه كثيراً لحرارته حتى تنقد بطونها

والناس يحذرونه مادام غضاً، فإذا ولّى ذهب ذلك عنه.. وقال أبو زياد: من العشب القراص وهو عشبة صفراء وزهرتها صفراء. ولا يأكلها شيء من المال إلا هُريق فمه ماء ومنابته القيعان..)) (1) .

فوصف القدماء لهذا النوع من النبات كان دقيقاً، إلاّ أن قول أبي حنيفة وغيره، (له حب صغار أحمر) استوقفني إذ إن هذا النبت بنوعيه ليس له حب أحمر لا في زهرته ولا في بقية أجزائه. فربما يكون نباتاً آخر أو وهم من الراوي في وصف النبات.

(1) النبات 2 / 199 - 200، والمخصص 11 / 157، واللسان (قرص) .

ص: 312

ومازال هذا الاستخدام اللغوي يطلق على هذا النوع من النبات، إلاّ أن الاختلاف في تسمية القدماء له ب (العقار) والعقار سبق بيانه وصفته ولا تشابه بينهما البتة.

المرحلة الأولى المُرَار المرحلة الثانية

(بداية النمو)(ظهور الشوك)

اسم النبتة: مُرَار.

أماكن وجودها: تنبت في السهول والجبال وتكثر في الأودية وخاصَّة بين الزرع. وقد رأيته في أماكن متفرقة سواء في السراة أو في تهامة.

وصفها: تنبت على شكل سيقان خضراء قانية، يتفرع من الساق عدّة فروع، يتخللها أوراق خضراء قانية طويلة يصل طولها في بداية النمو إلى (20) سم مشرّمة كأوراق الجرجير تفترش الأرض يتوسطها مجموعة من الشعب المنتهية بالزهرة الصفراء الشوكة يميل إلى الغبرة عند اكتهال النبات. يعلو السيقان زهرة صفراء ناعمة محاطة بشوك أصفر قوي حاد، إذا داسه من ليس في رجليه نعل آلمه، ويستمر الألم لبعض

الوقت، ولا يوجد الشوك إلا حول الزهرة. أما طعم ورقها وعودها فشديد المرارة، وأكثر الحيوانات التي تأكل هذه النبتة الإبل. يبدأ نموه في أوائل الربيع ويذبل في آخر الصيف ويجف تماماً، ثم يعاود نموه في بداية فصل الربيع وذلك من أصل جذورها الذي يبقى حياً طوال العام.

قال أبو حنيفة عنها عن أبي زياد: ((من العشب: المرار، وهو أفضل العشب وأضخمه ولونه إلى السواد، وزهرته صفراء، فإذا دنا منه اليُبس، شوَّك في أعاليه وذلك مع موضع الزهرة حيث كانت، وللمرارة شعب ذات عدد، وأصلها واحد. وربما ربضت الإبل.. وإذا أكلتها الإبل قلصت مشافرها فبدت أسنانها.. وأخبرني أعرابي من أعراب السراة، قال: المرار: شوك له ورق طوال عراض يلزم الأرض، ثم تشعب له شعب. ويخرج في رأس كل شعبة كرة كبيرة شَوكة جداً، فيها حب مثل حب العصفر.

المرحلة الثالثة المُرَار المرحلة الرابعة

أوج النمو اكتمال النمو

ص: 313

وهي عشبةٌ مُرَّة جداً، ومنابتها القيعان وأجواف الزرع.. وقال بعض الرواة: منابت المرار السهول. وعن الأعراب القدم: المرار: بقلة تعود في القيظ شجرة..)) (1)

(1) النبات لأبي حنيفة 2 / 267، والغريب المصنف 2 / 434، والنبات والشجر للأصمعي ص 34.

المصادر والمراجع

1-

الألفاظ الفارسية المعربة، السيد آدي شير، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، بيروت 1908م.

2-

بلاد غامد وزهران لعلي صالح الزهراني، الطبعة الأولى 1391 هـ / 1971 م.

3-

التلخيص في معرفة أسماء الأشياء لأبي هلال العسكري، عني بتحقيقه د/ عزة حسن، مطبوعات مجمع اللغة العربية ط1، 1389 هـ / 1969 م.

4-

تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، حققه وقدّم له الأستاذ عبد السلام هارون، راجعه محمد علي النجار، دار القومية العربية 1384 هـ / 1964 م.

5-

جمهرة اللغة لأبي بكر محمد بن الحسين بن دريد، حققه وقدّم له د / رمزي منير البعلبكي، دار العلم للملايين ط1 1987 م.

6-

حدائق الأدب لأبي محمد عبيد الله بن محمد، تحقيق د / محمد سليمان السديس، مكتبة الرشد، ط1، 1409 هـ / 1989 م.

7-

ديوان رؤبة بن العجاج، اعتنى بتصحيحه وترتيبه، وليم بن الورد. طبع في مدينة ليبيسيغ 1903 م.

8-

السّنا والسنوت د / محمد علي البار، مكتبة الشرق الإسلامي، ط1، المملكة العربية السعودية، 1412 هـ / 1992 م.

9-

سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، لأبي عيسى محمد بن عيسى، تحقيق أحمد شاكر، مطبعة الحلبى بمصر، ص2، 1398 هـ.

10-

الشجر لابن خالوية، نشر د / ك هـ. Batanouny، مطبعة ماكس شمر سوف، كرخهين، ضمن كتاب إسهامات العرب في علم النبات، الندوة العالمية الثالثة لتاريخ العلوم عند العرب، الكويت 1983 م.

11-

علم النبات عند العرب من مرحلة التدوين اللغوي إلى مرحلة الملاحظة العلمية المحض (بحث ضمن حوليات الجامعة التونسية) العدد (29) ، 1988 م.

12 -

الغريب المصنف، لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، حققه وقدّم له محمد المختار العبيدي، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، ط1، المغرب 1989 م.

13-

الكتاب لسيبويه، تحقيق الأستاذ عبد السلام محمد هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1975م.

14-

كتاب النبات لأبي حنيفة أحمد داود الدينوري، الجزء الثالث والنصف الأول من الجزء الخامس، حققه وشرحه وقدم له / برنهاردلفين، مطابع دار القلم، بيروت.

15-

لسان العرب لابن منظور، طبعة مصورة عن طبعة بولاق، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة.

16-

المخصص لأبي الحسن علي بن إسماعيل، طبعة دار الفكر.

17-

المستدرك على الصحيحين للحاكم، طبع بإشراف د / يوسف العسلي، دار المعرفة، بيروت.

18-

المعتمد في الأدوية المفردة، يوسف عمر التركماني، تصحيح مصطفى السقا، دار القلم، بيروت.

19-

معجم جامع الشفاء، إعداد / علي عبد الحميد، دار الخير للطباعة والنشر، ط1، 1413 هـ / 1992 م.

20-

معجم قبائل الحجاز لعاتق بن غيث البلادي، دار مكة للنشر والتوزيع، 1399 هـ / 1979 م.

21-

المنتخب من غريب كلام العرب لأبي الحسن علي بن الحسن، تحقيق د / محمد العمري، مطبوعات مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى. ط1 مكة المكرمة 1409 هـ / 1989 م.

22-

النبات عند العرب، د/ حسين نصار. ضمن كتاب (إسهامات العرب في علم النبات، الندوة العالمية الثالثة لتاريخ العلوم عند العرب) ، الكويت 1983 م.

23-

النبات والشجر للأصمعي ضمن كتاب (البلغة في شذور اللغة) ، عني بنشره أوغست هفنر.

24-

نباتات في الشعر العربي، د / حسن مصطفى حسن، طبعة جامعة الملك سعود، ط1، 1415هـ- 1995، الرياض.

ص: 314

من خلال النص السابق يتضح لنا وصف القدماء الدقيق لجميع أجزاء هذا النوع من النبات إلَاّ أن قوله عن العرب إن المرار بقلة وفي الصيف تكون شجرة فهذا من باب التجوز.

وقول أبي حنيفة: ((إذا دنا منه اليُبس شوك في أعاليه)) لعله يعني اشتداد عود الشوك. أما الشوك فيبدأ نموه مع نمو الزهرة الصفراء إلا أنه يكون ليناً في بداية نموه ويبدأ الشوك في اليبس من أعلى الشوكة إلى أسفلها ودليل ذلك إحمرار رأس الشوكة.

يطلق أهل هذه المنطقة على هذا النبت التسمية الفصيحة، مع اختلاف في حركة الميم حيث يفتحونها، والفصيح الضم ولعلهم هربوا من ضم الميم إلى الفتح، لصعوبة النطق بالضم ثم الانتقال إلى الفتح، فأتبعوا حركة الميم الراء طلباً للخِفَّة. وقد يكون لتحريك الميم بالضم أثر في الثقل فعدلوا عنه إلى الفتح.

• • •

خاتمة:

وفي الختام فإن الدرس اللغوي النباتي يعد من الدراسات الميدانية التي تفتقر إليها المكتبات العربية في زمننا هذا إذ إن الثروة اللغوية المتعلقة بالنباتات تكاد تكون شبه مفقودة؛ لابتعاد الناس عن التعامل والتعايش مع النبات.

وبعد الوصف التأصيلي لأسماء النباتات الطبيعية في هذه المنطقة اتضح للباحث ما يلي:

1-

أكثر أسماء النباتات في لهجة أهالي هذه المنطقة فصيحة وإن اعترى بعضها التطور سواء في أصواتها أو بنيتها.

2-

ضياع بعض أسماء هذه النباتات لبعد أهالي هذه المنطقة عن التعامل معها كما كان سابقاً.

3-

اندثار بعض النباتات لأسباب بيئية وعمرانية.

4-

قلة المؤلفات النباتية القديمة، إذ لا نجد مؤلفاً في اللغة عرض للتفصيل في وصف النباتات وصفاً دقيقاً سوى كتاب أبي حنيفة، ومع ذلك لم يصل إلينا كاملاً.

5-

تعدد التسميات للنبتة الواحدة من قرية إلى أخرى في نفس المنطقة.

6-

كثرة النباتات الطبيعية وتشابهها التشابه الذي يصل إلى درجة اللبس.

7-

اختلاف نمو النبات من مكان إلىآخر.

ص: 315

8-

قول بعض علماء العرب القدماء بفارسية بعض أسماء النباتات كأبي هلال العسكري وغيره عند بيانه للسذاب.

وبعد فما قدمته في هذا البحث لايعد سوى قليل من كثير ممّا تم جمعه ودراسته من النباتات الطبيعية في هذه المنطقة وسوف يتبع هذه المجموعة مجموعات أخرى بحوله تعالى.

الهوامش والتعليقات

ص: 316