الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تهمة الرواة بعض الشعراء الأعراب
الذين عاصروا نشأة الإسلام بجفاء الدين ورقته
أ. د. عبد الله بن سليمان الجربوع
الأستاذ بقسم اللغة العربية - كلية الآداب
جامعة الملك سعود - الرياض
ملخص البحث
يعرض هذا البحث لجانب من جوانب السلوك الاجتماعي، عند ستة من شعراء الأعراب الذين عاشوا دهراً في الجاهلية ثم أدركوا الإسلام فأسلموا، وعاشوا فيه طويلاً حتى أدرك بعضهم بداية العصر الأموي. ويحاول الباحث عرض التهم التي ألصقت بالشعراء وإخضاعها للموازنة مع عدد من النصوص التي تنسب إلى هؤلاء الشعراء الذين وصفوا بجفاء الدين ورقته. ويظل القصد من ذلك هو إلقاء مزيد من الضوء يجلي تلك الانتقادات التي تناقلها الرواة في شأن هذه المسألة.
• • •
تصادفنا في كثير من أمهات المصادر العربية روايات مختلفة تتهم عدداً من شعراء العربية بجفاء الدين ورقته. وبالرجوع إلى تراجم هؤلاء الذين رموا بالفسق ورقة الدين، نجد من بين هؤلاء فريقا أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم وكانوا معروفين للرواة بجودة الشعر والفسق.
ومن هؤلاء أربعة شعراء من شعراء الأعراب معَّمرين عاشوا في الجاهلية دهراً، ثم أدركوا الإسلام فأسلموا وعاشوا فيه طويلاً حتى أدرك بعضهم زمن الأمويين وهؤلاء هم: أبو الطمحان القيني وشبيل بن ورقاء وتميم بن أبَي بن مقبل والحطيئة. وهؤلاء الشعراء الأربعة تجمعهم صفات مشتركة فهم جميعا مخضرمون وشعراء أعراب، وتفيد أخبارهم التي تناقلها الرواة أنهم جميعاً لم يطمئنوا للإسلام، ولم يتمكن من نفوسهم. فقد نشأوا في الجاهلية، وتطبعوا بطبائع أهلها وتأثروا فيها، وتمكنت عاداتها وتقاليدها في نفوسهم، وحينما جاء الإسلام لم يتأثروا كثيرا به لجفائهم وغلظتهم وشدة تبديهم. ويظهر من أخبارهم أنهم لم يستطيعوا أن يتأقلموا مع الحياة الإسلامية، ومضوا يعيشون الحياة كما كانوا يعيشونها قبل الإسلام غير مبالين بتعاليم الدين وأوامره ونواهيه. وعلى الرغم من التحول الكبير الذي أحدثه الإسلام في نفوس العرب الذين آمنوا به حين بدلت الدعوة الكثير من المفاهيم الخاطئة والعادات الموروثة التي ألفها الناس واعتادوا عليها، إلا فئة قليلة منهم يظهر أن الإسلام أوقعها في حرج، فقد قبلته على مضض، ومن خلال سلوك بعض أفرادها بعد إسلامه ظهر أنه لا يمكنه الانقطاع عن ماضيه. ولهذا حدث تعارض بين قديمه الموروث وجديده المكتسب، عبّر عنه من خلال تصرفاته التي تخالف نهج الإسلام وطهارته. لقد حفظت لنا الروايات نزراً يسيراً من أخبار بعض شعراء البادية الذين أسلموا، لكن قلوبهم بقيت على ما كانت عليه قبل الإسلام. فلم يحفلوا بالإسلام ولم يتعمقوا أسرار الدين وشرائعه ولذلك ظل موقف بعضهم من العقيدة ومن فرائضها يلفه الغموض وعدم الالتزام. وذلك ناتج عن عدم تمكن هؤلاء الأعراب من فهم الإسلام الفهم الصحيح، فهم قوم لم يصحبوا الرسول (صحبة كافية. وبعد إسلامهم انصرفوا إلى ذواتهم وحياتهم المعتادة من قبل. ولم يستطيعوا مجاراة التحولات الكبيرة
والمتغيرات المتلاحقة التي مر بها المجتمع العربي في بداية عصر الخلفاء الراشدين. كما أنهم لم يستطيعوا الانفكاك من الوجدان القبلي الذي كان يصبغ حياتهم، ولم يستطيعوا التخلص من تأثيره. وظلوا متأرجحين بين عادات الجاهلية التي تأصلت في نفوسهم من قبل، وعالم من حولهم يتغير بسرعة متناهية. لقد امتد وجود بعضهم في الإسلام فترة تقترب من نصف قرن من الزمان، ومع ذلك ظلوا بعيدين عن فهم الإسلام، وظلوا معزولين عن الحياة الإسلامية. وباستثناء فئة قليلة منهم مسّ الإيمان قلوبهم وكانوا مسلمين رجال صدق من مثل لبيد بن ربيعة والنابغة الجعدي فإن فئة غير قليلة من شعراء الأعراب كانت صلتهم بالدين ضعيفة. فالإيمان لم ينفذ إلى قلوبهم ولم يتعمقوا فهم العقيدة وفرائضها. ولذلك لم يجد بعضهم حرجا في التصريح بارتكابه المحرمات فهم يقبلون عليها ولا يجدون فيها ما يشينهم أو يعيبهم. كما أن سلوك بعضهم ظل وثيق الصلة بالماضي ولذا عجزوا عن تغيير قيمهم الدينية والاجتماعية.
فأبو الطمحان القيني (1) ذكره ابن قتيبة (2) فقال: ((هو حنظلة بن الشرْقيّ، وكان فاسقاً، وقال عنه الأصفهاني (3) : ((وكان أبو الطمحان شاعراً فارساً خارباً صعلوكاً، وهو من المخضرمين، أدرك الجاهلية والإسلام، فكان خبيث الدين فيهما كما يُذْكر. ووصفه البكري فقال (4) : ((وكان خبيث الدين جيد الشعر)) . وذكر ابن حجر (5) أن ابن قتيبة ذكر له في كتاب الشعراء شعراً يتبرأ فيه من الذنوب كالزنا وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير والسرقة)) .
ولم أقف على أثر لهذا الشعر في المصادر القديمة التي اطلعت عليها. وتفيد رواية ابن قتيبة أن أبا الطمحان القيني، ظل بعد إسلامه رقيق الدين. فقصته مع المرأة التي نزل بها فآوته وأكرمته، فسطا على شرفها ومالها ثم هرب، تنافي المروءة التي عرف بها الصعاليك، كما تصور في الوقت نفسه إسفافه وابتذاله، وتمرده على الأخلاق والأعراف واستهانته بهما. هذه القصة التي يبدو أنها حدثت في الإسلام ارتبطت باسمه وتناقلها الرواة عن ابن قتيبة (6) وفيها دلالة على سوء سلوكه وفساده وفسقه فقد قيل له: ما أدنى ذنوبك؟ قال: ليلةُ الدّيرْ، قيل له: ما ليلة الدّيْر؟ قال: نزلت بدَيْرانيةٍ، فأكلت عندها طَفَيْشَلاً بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها، ومضيت! ،،
لقد عكست تلك الرواية مع نماذج قليلة وصلت إلينا من أشعار يرجح أنه قالها في الإسلام، خبث دينه وفساد عقيدته. أول تلك النماذج نتفة من بيتين قالهما في أواخر حياته. لقد أظهرت تلك النتفة أن أبا الطمحان كان من المعَّمرين وقد أوغل في الحياة الإسلامية وامتد به العمر. ومع ذلك غلب على شعره، قلة الشعور الديني، إذْ لم تُظْهِرْ تلك النماذج على قلتها تأثره بالإسلام وتعاليمه. بل لعلني لا أبعد عن الحقيقة حينما أزعم أن هذه النتفة وأمثالها من شعره تؤكد خبث أبي الطمحان وفساد طويته، وتجلي تلك النزعة التي عرف بها عند الرواة. في هذه النتفة يتفجع الشيخ على شبابه الذي غاب ربيعه ويجزع من شيبه وتقارب خطواته. هذان البيتان قالهما بعد أن داهمته الشيخوخة وكان يتوقع من أمثاله وقد قرب أجله أن يحذر الموت ويترقبه، ويخاف من الحساب وعذاب القبر ويؤمل الخير وحسن الخاتمة. يقول (7) :[الوافر]
حنَتْني حانياتُ الدّهْرِ حتىّ
كأنيّ خاتلٌ أدنُو لِصَيْدِ
قصيرُ الخطْوِ يحسِبْ من رآني
ولست مُقَيداً أني بِقَيدِ
لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولعل في هذا السلوك الذي عبرت عنه هذه النتفة ما يعد مظهراً من مظاهر رقة الدين التي تحدث عنها الرواة. فقد غابت عنها المعاني الدينية وعكست ألفاظها طبيعة أخلاق أبي الطمحان ونظرته إلى الحياة.
كذلك وصل إلينا من شعره مقطوعة يبدو أنه قالها بآخرة من عمره. يعبر فيها عن انحرافه الخلقي ويجاهر فيها برغبته بشرب الخمر قبل أن يقضي نحبه. وإذا كان الشعر يمثل فكر صاحبه والشاعر أحياناً لا يتحدث من فراغ، فإن مضمون تلك المقطوعة وألفاظها ومعانيها، حتى على افتراض أن الشاعر قالها على سبيل المجاز، تتصادم مع الدين والقيم والأخلاق والأعراف. تتصادم مع الدين لأنه لا يرى في الخمر رجساً من عمل الشيطان. وهي في المقابل ضد الأخلاق والتقاليد لأن شيخاً يدنو أجله، ويعيش في آخر أيامه، يتهالك على الملذات، ويعكف عليها، ويدعو لها. إنه على الأقل بهذه الواقعية يعري نفسه ويبتذلها، ويعبر عن حاجاته الطبيعية. وهو في هذا يخالف القيم والمثل التي تعارف عليها الناس وألفوها. يقول (8) :[الطويل] .
ألا عَلّلاني قبْلَ نَوْح النَّوائِحِ
وقبَل ارتقاءِ النفس بين الجوانحِ
وبعد غدٍ يالهفَ نفسي على غدٍ
إذا راحَ أصحابي ولستُ برائحِ
إذا راح أصحابي تَفِيضُ عُيونُهم
وغُودِرتُ في لحدٍ على صَفَائِحي
يقولونَ: هل أصلحتُم لأخيكُم
وما القبُر في الأرضِ الفضاءِ بصالحِ
وله نتفة أخرى قالها يتذكر فيها ماضيه وأيام صعلكته، ويعبر فيها عن حنينه إلى الغارات وأسلوب الفتك واللصوصية. تلك العادة التي حاربها الإسلام وأنزل بأصحابها أشد العقوبات. وكادت تختفي زمن الرسول (والخلفاء الراشدين من بعده. ومع أنه لم يرد في أخباره ما يفيد بأنه ظل يمارس تلك العادة بعد إسلامه، أو أنه أقلع عنها، بل لعلنا نرجح أنه كف عن ذلك بسبب شيخوخته على الأقل، إلا أن تلك الأبيات قد أظهرت ارتباطه بماضيه، وبدلاً من أن يعلن ندمه في إسلامه على ما كان من إغارته ولصوصيته في الجاهلية، وتوبته واطمئنانه على حياته في ظل الإسلام نجده لم يخف حنينه لحياة السلب والإغارة التي أعتاد عليها من قبل. بل نراه يعتز بصعلكته، ويجتر ذكرياته حينما كان يجازف بحياته ويعرضها لركوب المخاطر يقول (9) :
ياربّ مُظْلِمَةٍ يوماً لطيتُ لها
تمضي عليّ إذا ما غاب نُصّاري
حتى إذا ما انَجلتْ عني غَيَابتُها
وَثبْتُ فيها وثوب المُخْدِرِ الضَّارِي
لعل في تلك النماذج التي عرضنا لها في الأمثلة الماضية ما يمكن اعتباره شاهداً على رقة دين أبي الطمحان وفسقه. فهذا النزر اليسير من شعره الذي وصل إلينا فيه دلالة على أن روح الجاهلية ظلت تسيطر على تصرفاته. فقد اضطرب في سلوكه وخالف الإسلام وخرج على تعاليمه. وكان يتوقع منه وقد عاش دهراً في الإسلام أن يكون شعره عامراً بالتقى والصلاح والرغبة في النصح وعمل الصالحات. إلا أنه أظهر خلاف ذلك حنيناً إلى الماضي، وتهالكاً على المتع والملذات. وربما هذا هو ما جعل الرواة يتهمونه بفساد الدين وخبثه في الجاهلية والإسلام.
لقد كان لشعراء البادية الآخرين صلة ضعيفة بالدين فابن قتيبة يصف شبيل بن ورقاء فيقول (10) : ((هو من زيد بن كليب بن يربوع، وكان شاعراً مذكوراً جاهلياً، فأدرك الإسلام وأسلم إسلام سَوْءٍ، وكان لا يصوم شهر رمضان فقالت له بنته، ألا تصوم؟ فقال:[الطويل]
تَأْمُرُني بالصوْمِ لا دَرّ درها
وفي القبْرِ صَوْمُ لا أبَاكِ طَوِيلُ
وفي الاشتقاق بنحو مما في رواية ابن قتيبة (11) .
وأخبار الرواة عن شبيل بن ورقاء نادرة. فلم أقف له على شيء يذكر في المصادر التي اطلعت عليها، إلا ما تقدم ذكره مما يجعل رسم صورة عن حياته أمراً غير ممكن. وفي ضوء خبر ابن قتيبة، يمكن القول إن الإسلام لم يتمكن من نفس شبيل، ولم يتعمق في قلبه. فظل بعد إسلامه جافياً رقيق الدين. يقترف الذنوب ويجاهر بها، ويصعب عليه صوم شهر رمضان، وفي هذا دلالة على فسقه واستهتاره، وضعف عقيدته، وتنكره للدين وفرائضه.
وأشهر من يذكر في هذا المجال من شعراء الأعراب. شاعران هما: الحطيئة، جرول ابن أوس، وابن مقبل وسيأتي ذكر الحطيئة لاحقاً. أما تميم بن أُبَيّ بن مقبل فقد وضعه ابن سلام في الطبقة الخامسة من شعراء الجاهلية وقال عنه: ((وكان ابن مقبل جافياً في الدين، وكان في الإسلام يبكي أهل الجاهلية ويذكرها، فقيل له: تبكي أهل الجاهلية وأنت مسلم فقال: [الطويل]
ومَالِيَ لا أَبكِي الديَارَ وأهْلَهَا
وقد زارها زُوّارُعَكٍ وحِمْيَرَا
وجاء قَطَا الأجْبَابِ مِنْ كُل جَانِبٍ
فَوقّعَ في أعطانِنَا ثُم طَيّراَ
وهذان البيتان يعبران عن غربة ابن مقبل في الإسلام فلم يكن انتقاله من عهد الجاهلية إلى الإسلام ليحدث تحولاً في حياته أو تبديلاً في نمط تفكيره. فهو يحن إلى أيام الجاهلية ويبكي أهلها ويتذكرهم، ويرى أن الزمان قد تغير وأن الأرض قد بدلت، وتغيرت أخلاق الناس فصار يرى نفسه غريباً يعيش في وسط غريب عنه. يفسر هذا ويجليه قوله في القصيدة التي منها البيتان السابقان:[الطويل]
أَجِدّى أرى هذا الزمَان تَغيّرا
وبَطْنَ الركاءِ من مَوالّي أقْفَرَا
وكائِنْ ترى من مَنْهل بادَ أهلُهُ
وعِيدَ على معروفِهِ فتنكرا
والقصيدة التي منها هذه الأبيات تسير على هذا النمط. فهي تمجد حياة الجاهلية وترى أن أيامها أحسن حالاً من أيام الإسلام فقد أخذ يتحسر على الماضي ويرى أن أيامه فيها لن تعود، فقد مضت ومضى معها أشراف الناس ومضى ابن مقبل يعبر عن قلقه، ويرى نفسه أصبح غريباً يعيش في مجتمع غريب عنه، له مُثل وقيم تختلف عن مُثل الجاهلية وقيمها يقول في هذا المعنى (14) :[الطويل]
فَمَا نحْنُ إلا من قُرُونٍ تُنُقّصَتْ
بأصْغَر مما قد لقيِتُ وأكْبَرا
لقد كان فينا من يحُوطُ ذماَرنَا
ويُحْذِي الكمِيّ الزاعبيّ المؤُمّرا
لقد كان ابن مقبل، وهو يتباكي على أهل الجاهلية، ويتحسر ويتفجع على أهلها، يعيش صراعاً في نفسه بين قديمه البالي وجديده المشرق وهو بهذا لا يخفي تبرمه وضجره من التغير الذي حدث بعد الإسلام وذلك قوله (15) :[الطويل]
أَلهْفِي على عِزٍ عزيزٍ وظِهْرَةٍ
وظِلّ شَبابٍ كنتُ فيه فأدْبَرا
وَلهْفِي على حَييّ حُنَيْفٍ كِلَيهِمَا
إذا الغيثُ أمسَى كابَي اللون أغْبَرا
ويرى الدكتور عزة حسن أن بكاء الجاهلية وذكر أيامها والشعور بالغربة في الإسلام ظاهرة غريبة لا نراها عند غير ابن مقبل من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام.
ويفسر هذه الظاهرة بقوله: ((إن ابن مقبل عاش طويلاً في الجاهلية، وانقضت أيام شبابه في بيئة البادية القائمة على حرية الفرد وانطلاقه من القيود والارتباطات وما يتبعها من أعراف وعادات وتقاليد قبلية كانت سائدة في البادية منذ أقدم الأزمان. فطبعت نفسه على مُثُل هذه البيئة، وتملكته أعرافها وأنماط الحياة فيها، فارتبط بها ارتباطاً لا ينفصم. فلما جاء الإسلام بفكرته الجديدة ومُثله التي لا عهد للعرب بها، ولا سيما الأعراب منهم، بشرائطها ودقائقها، لم يستطع ابن مقبل وكثيرون غيره من سكان البادية أن يوفقوا بين حياتهم القديمة التي ألفوها وبين حياتهم الجديدة التي طرأت عليهم بظهور الإسلام. بل لم تعجبهم هذه الحياة، ولم يُسْلِسُوا لها قيادهم في سهولة ويسر في أول الأمر، لأن أنماط حياتهم القديمة كانت قد ثبتت في أعماق نفوسهم، ولم يكن من السهل عليهم أن ينتقلوا انتقالاً من طور إلى طور، بين يوم وضحاه، وأن يبدلوا أفكاراً ومبادئ بأفكار ومبادئ أخرى، كما يخلع الإنسان عنه ثوبا قديماً بالياً ليلبس بدلاً عنه ثوباً جديداً قشيباً.
هذا هو السبب، فيما أرى، في غربة ابن مقبل وأضرابه في بيئة الإسلام الجديدة، وحنينه إلى أيام الجاهلية. يضاف إلى ذلك أن الإسلام فرق بين ابن مقبل وبين زوجه “ الدهماء ” التي كان ورث نكاحها عن أبيه في الجاهلية. ويبدو أن ابن مقبل كان يعشق “ الدهماء ”، لأنه ما فتئ يذكرها في شعره بعد أن فرق بينهما الإسلام)) (16) .
والحق أن مرحلة التحول من عهد الجاهلية إلى الإسلام كانت بالغة القصر إذ ما قيست بالتحولات الكبيرة والمتلاحقة التي أصابت المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام. وإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة حقيقة أخرى وهي أن الأعراب في البوادي كانوا أقل تأثراً بالإسلام من أهل الحواضر، وذلك ناتج كما أشرنا من قبل إلى طبيعة حياة الأعراب. فقد أسلموا متأخرين ولم يواجهوا منذ البداية عبء الاتصال بقيم الإسلام ومُثُلِه التي أحدثها في نفوس أتباعه من الرعيل الأول. ولهذا لم يتمكنوا من فهم الإسلام وما حمله من مظاهر التغير في الطباع والأخلاق والسلوك والقيم الاجتماعية والروحية. كما أنهم لم يتعمقوا أسرار الدين وشرائعه كشعراء الحضر الذين آمنوا بالإسلام منذ البداية وشاركوا مشاركة مباشرة بنشر قيمه ومبادئه. وإذا كان شعراء الحضر من أمثال: حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك ممن عاشوا الجاهلية والإسلام واتصلوا بأحداثهما قد استطاعوا أن يلائموا بين ماضيهم وحاضرهم. ولم يكن إدراكهم لعصر الجاهلية ليحول بينهم وبين التكيف مع مظاهر التغيير التي حملها الإسلام، فقد أحسنوا التعبير عنه وعن قيمه وقضاياه، أما شعراء الأعراب من أمثال الحطيئة وابن مقبل وأضرابهما، فقد ظل شعرهم جاهلياً. ولم يكن إسلامهم ليغير كثيراً من طباعهم وأخلاقهم. وإذا كان ابن مقبل وغيره من شعراء الأعراب قد أخفقوا في مواجهة المتغيرات الجديدة التي جاء بها الإسلام ، ولم يستطيعوا الوصول إلى معادلة جديدة ينفذون من خلالها إلى فهم المستجدات التي طرأت على حياة العرب بعد الإسلام، فهذه الظاهرة عند ابن مقبل يفسرها الدكتور عزة حسن بقوله: ((وليست حال ابن مقبل وجيله بدعة بين الحالات. فهذا الاضطراب والقلق والرجوع إلى القديم والحنين إليه شعور عام يشعر بن كل جيل اعتاد نمطاً من الحياة، وثبت عليه أمداً طويلاً، ثم اضطر أن يتخلى عنه دفعة واحدة، ويعتاد نمطاً آخر
من الحياة يختلف عن حياته الأولى اختلافاً كبيراً. هذه حال الأجيال القديمة المولية التي يكتب عليها أن تعيش في عهود الثورات الكبرى. فهي لا تستطيع البقاء على القديم الذي اعتادته، وقد تغير من حولها كل شيء ولا تستطيع السير مع الجديد الذي طرأ عليها، وقد ارتبطت بالقديم ارتباطاً وثيقاً. فيضيع أفرادها بين عهدين، لا هم في القديم ولا هم في الجديد)) (17) .
وأعرابية ابن مقبل وجفاء طبعه، ظلت تلازمه حتى آخر حياته. فقد أدرك عصر الأمويين، ومع ذلك لا نجد له أخباراً تفيد بمشاركته في الأحداث السياسية الكبيرة التي حدثت في عصره، إلا قصيدتين واحدة قالها في رثاء عثمان رضي الله عنه تنادي بالأخذ بثأره (18) وأخرى تتصل بأحداث صفين (19) . وهذه القصيدة التي قالها في رثاء عثمان رضي الله عنه، دلل بها ابن رشيق على جفاء أعربية ابن مقبل (20) هذه القصيدة تدلنا على أن حياة ابن مقبل في الإسلام، امتدت فترة ليست بالقصيرة فقد أدرك زمن الأمويين، بيد أنه ظل بعيداً عن مسرح الأحداث الإسلامية الكبرى التي حدثت في أول الإسلام، وفي عهد الأمويين. فلم يُؤثر عنه أنه شارك في تلك الأحداث التي تعاقبت في تلك الفترة. وأخباره وأشعاره تخلو من أية إشارة إلى أي نوع من المشاركة إلا ما كان من تدخله كما قلنا بشعره في رثاء عثمان رضي الله عنه، فقد نادى بالأخذ بثأره وهدد بالانتقام من قتلته. وباستثناء هذه القصيدة فإن مجموع شعره الذي وصل إلينا لم يتأثر بالإسلام بخلاف قصيدته الأخرى التي سنتحدث عنها لاحقاً.
وظلت موضوعاته تتصل بالأغراض التي ألفها شعراءُ الجاهلية المتبدون. لقد ظل ابن مقبل أعرابياً جافي الطبع، وظل شعره بعد إسلامه كما كان جاهلي الطابع. لم يتأثر بالإسلام، وفي الأخذ من تلك القيم والمثل السمحة التي جاء بها، وأبطل بها كثيراً من عادات الجاهلية وتقاليدها. إن هذه القصيدة هي الوحيدة من بين مجموع شعره التي عبرت عن روح الجماعة الإسلامية ووجدانها الجماعي. لقد أظهرت أن ابن مقبل وإن ارتبط بماضيه أكثر من ارتباطه بحاضره. فإن الإسلام قد مس قلبه ولم يظل بعيداً عن روحه وفكره. فقد استشعر بعض معانيه وتعاليمه على نحو قوله في رثاء عثمان رضي الله عنه (21)[الطويل]
فَغُودِرَ مقتولاً بغير جريِرةٍ
ألا حبَّذَا ذاك القتيلُ المَلحَّبُ
قتيُلُ سَعيدٌ مؤمُنُ شَقِيْت بِهِ
نفوسُ أعادِيهِ، شهيُدُ مطيَّبُ
نَعَاء عُرَى الإسلامِ والعدلِ بعدَهُ
نَعاءِ! لقد نابتْ على الناس نُوَّبُ
نَعَاءَ ابن عفَّاَن الإمِام لمجتَدٍ
إذا البرقُ للرَّاجِي سَنَا البرقُ خُلَّبُ
نَعَاءٍ لفضْل الحلم والحَزْمِ والندى
ومأوى اليتامى الغُبْرِ عَامُوا وأجْدَبوا
وحينما هدد قتله عثمان رضي الله عنه، توعدهم برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يتدارسون القرآن ويعملون بموجبه، ويعتزون بالدين ويموتون في سبيله. ويبدو ذلك واضحاً من قوله (22) :
وأشْمَطَ من طُولِ الجِهَادِ اسْتَخَفَّهُ
مَعَ المُرْد حتى رأسُهُ اليومَ أشْيَبُ
يُدَارِسُهُم أُمَّ الكِتابِ، ونفْسُهُ
تُنَازِعُهُ وُثْقَى الخِصَالِ، ويَنْصَبُ
وإذا كان ابن مقبل، قد استظل بظل الإسلام، وروح الدين وأخلاقه وأهدافه، عند رثائه لعثمان رضي الله عنه. فإنه في القصيدة الأخرى التي قالها في وقعة صفين، لم يستطع أن يتخلص من مظاهر الجاهلية التي استأثرت بمعظم شعره. فقد مال إلى الشر، وأفحش في القول، واستخف بأخلاق الإسلام وأهدافه. وورد له في هذه القصيدة من المعاني المبتذلة ما يتنافى مع روح الإسلام وتعاليمه وذلك قوله (23) :[الطويل]
وجَاءتْ بِهِ حَيَّاكةٌ عَركِيةٌ
تَنَازَعَها في طُهْرِها رَجُلان
وأشعار ابن مقبل تُنْبئ أنه، وإن عاش في ظل الإسلام دهراً طويلاً، فإن إسلامه لم يحدث تحولاً كبيراً في حياته. لقد ظل قلبه معلقاً في الجاهلية، يحن إلى عاداتها وتقاليدها، ويجد فيها مثله الأعلى. ولذلك كان شعره صدى لتلك الحياة وترجمة لعواطفه وأهوائه، فقد غلبت على موضوعات شعره الروح الجاهلية، وظل شعره في مجمله جاهلي اللفظ والمعنى والغرض. لم يتأثر بالإسلام الذي غير مظاهر الحياة العربية جميعها، ومنها الشعر فحدد له قيماً، ورسم له أدواراً تتفق وتعاليمه. ولم يستطع ابن مقبل أن يعبر عن تلك القيم، أو أن يواجه تلك التحولات التي أفرزها الإسلام. وإذا كانت قصيدته في رثاء عثمان قد عبرت عن روح الجماعة الإسلامية وعواطفها، فإن باقي شعره يخلو من أي عاطفة دينية إلا فيما ندر. لقد كانت صلته بالحياة الإسلامية ضعيفة. ولهذا احتلت الموضوعات التي لها علاقة بالعقيدة مكاناً متواضعاً في شعره. فلم نقف له في ديوانه إلا على أبيات قليلة ضمنها قصيدتين له هما كل ما نعلم له، استوحى فيهما معنى إسلامياً هما قوله (24) :[الطويل]
وما الدَّهر إلا تَارتان، فمنهما
أموتُ، وأُخْرى أبْتَغِى العيشَ أكْدَحُ
وكلتاهما قد خُطَّ لي في صَحِيفتي
فَلَلْعَيشُ أشْهَى لي، وللمَوتُ أرْوَحُ
وقوله في قصدية أخرى (25)) [البسيط]
يا حُرَّ أمْسَيْتُ شَيْخاً قَدْ وَهَي بَصَرِي
والتَاثُ ما دونَ يَوْمِ الوعْدِ من عُمُري
لَوْلا الحَيَاءُ ولَوْلا الدين عِبْتِكُمَا
بِبَعْضِ ما فِيكُما إذْ عِبْتُما عَوَري
أما بقية شعره على كثرته، فبحكم طبيعته التي عرف بها عند الرواة، انبرى يشيد فيه بمظاهر الحياة الجاهلية ولم يمنعه إسلامه من أن يضمنه مضامين جاهلية يأباها الإسلام. لقد ظل قلبه بعد إسلامه معلقا بزوجه الدهماء التي ورث نكاحها عن أبيه في الجاهلية، ففرق الإسلام بينهما، وظل شعره يحتفى بنزعات جاهلية أبطلها الإسلام. يعبر عن هذه النزعة الجاهلية، التي لم تتأثر كثيراً بالدين ويجليها قوله (26) :[البسيط]
هَلْ عَاشِقٌ نالَ مِنْ دَهْماءَ حاجَتَهُ
في الجاهِلِيةِ قبْلَ الدين مَرْحُومٌ
إنْ ينقُصِ الدهرُ مِني فالْفَتَى غَرَضٌ
لِلدهْرِ، من عوْدِهِ وافٍ ومَثْلُومُ
وإنْ يَكُنْ ذَاك مِقْداراً أُصِبْتُ بِهِ
فسيرَةُ الدهرِ تَعْوِيجٌ وتَقْويمٌ
ما أطْيَبَ العيشَ لوْ أنَّ الفتى حَجَرٌ
تَنْبُو الحوادِثُ عنْهُ وهو مَلْمُومُ
لا يُحْرِزُ المرءَ أنْصَارٌ ورابِيَةٌ
تَأْبَى الهوانَ إذا عُدّ الجراثِيمُ
لا تْمَتَعُ المرءَ أحجاءُ البلادِ، ولا
تُبْنىَ لَهُ في السَّموات السلالِيمُ
ومن شعراء الأعراب المخضرمين الموصوفين بقلة عواطفهم الدينية الحطيئة وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم (27) عمر دهراً في الجاهلية (28) وعاصر ظهور الإسلام وما رافقه من تحولات قلبت وجه الحياة. وأدرك عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ويظن أن توفى في زمن سعيد بن العاص في ولايته لمعاوية على المدينة (49-55هـ)(29) .
ويختلف الرواة في زمن إسلامه فيرى ابن قتيبة أنه لم يسلم إلا بعد وفاة النبي (، لأنه لم يسمع له بذكر فيمن وفد عليه من وفود العرب (30) .
ويرى المستشرق أجنتس جولد تسهير ((أن هذه الحجة غير مقنعة، لأن الحطيئة لم يكن رفيع المكانة في قبيلته حتى يكون بين الممثلين لها في الوفد الذي أرسلته إلى النبي محمد (والأخبار الخاصة بوفود القبائل تدل على أن أكبر أعيان القبيلة هم الذين كانوا يؤلفون الوفد (31) .
ويرى ابن حجر وغيره أنه أسلم في عهد النبي (ثم ارتد، ثم أسر وعاد إلى الإسلام (32) ويتحدثون عن أخلاقه فيجمعون على القول أنه كان ذا شر وسفه (33) ويصفه ابن قتيبة بأنه كان رقيق الإسلام (34) ويتهمه الأصمعي وينفرد بالقول بأنه ((كان كثير الشر، قليل الخير، فاسد الدين)) (35) .
ويرى عدد من الدارسين المحدثين أن الرواة القدامى، قد تحاملوا على الحطيئة وبالغوا في اتهامه، وصوروه بصورة بشعة جعلت الناس ينفرون منه ويخشونه (36) وإذا كان المؤرخون القدامى قد رسموا صورة شريرة للحطيئة، فإن بعض الدارسين المحدثين قد عنوا بدراسة الأسباب التي أثرت في سلوكه وشخصيته. ويتفقون على أن نشأته المتواضعة وفقره وتدافع نسبه بين القبائل، ودمامته وقبحه، كل ذلك جعله يشعر بالنقص الذي لازمه، ويقف موقف العداء ممن حوله.
ويتفق الدكتور شوقي ضيف مع الدكتور طه حسين على الأسباب التي أثرت في سلوك الحطيئة ويختلفون على زمن المدة التي حدث فيها اضطرابه وقلقه. فشوقي ضيف يرى أن قلق الحطيئة وغربته واضطرابه حدثت له في أول حياته، في العصر الجاهلي يقول في ذلك ((ولقب بالحطيئة لقصره أو لدمامته، وقد ولد لأمه تسمى الضراء، كانت لأوس ابن مالك العبسي. ونشأ في حجره مغموزاً في نسبه، وجعله ذلك قلقاً مضطرباً منذ أخذ يحس الحياة من حوله، وزاد في اضطرابه وقلقه ضعف جسمه وقبح وجهه. إذ كانت تقتحمه العيون، ولم يكن فيه فضل شجاعة يستطيع أن يتلافى به هوان شأنه في “ عبس ” على نحو ما صنع عنترة من قبله. ومن ثم نشأ يشعر بغير قليل من المرارة، ولعل هذا هو السبب في غلبة الهجاء عليه)) (37) .
أما الدكتور طه حسين فيرى أن اضطراب نفس الحطيئة وغربته إنما حدث له في الإسلام لا في العصر الجاهلي ويعلل ذلك بقوله ((يأس الحطيئة وحزنه لم يكونا فيما أرى مقصورين على حياته المادية، بل كانا يأتيانه من ناحتين أخريين: كانا يأتيانه من دخيلة نفسه التي لم تطمئن إلى الدين الجديد، ولم تؤمن به فيما يظهر إلا تكلفاً ورياء، واتقاء للسيف الذي لم يكن للعربي إلا أن يختار بينه وبين الإسلام، فنفس الحطيئة لم تكن ساخطة على حياته المادية وحدها، بل كانت ساخطة على حياته المعنوية أيضاً، كانت ساخطة على هذه الحياة التي حالت بين عواطفه الجاهلية، وبين أن تظهر وتنمو وتؤتي ثمرها كما يجب أن تؤتيه، وتذوق لذات الحياة وآلامها كما كان يحب أن يذوقها. والناحية الأخرى هي ناحية جسمه، فقد كان الحطيئة قصيراً جداً، قريبا من الأرض، ولهذا سمي الحطئية كما يقول الرواة، وكان دميماً قبيح المنظر مشوه الخلق لا تأخذه العين، ولا تطمئن إليه، فكان منظره بشعاً، وكان من غير شك يحس اقتحام الأعين له ونبوها عنه، فيسوءه ذلك ويؤذيه، أضف إلى هذا كله أنه لم يكن مستقر النسب، وإنما كان مدخولاً مضطرباً، ينتسب هنا وينتسب هناك، وكان العرب يعرفون منه ذلك ويذكرونه به، ويزدرونه من أجله، فكان الحطيئة مهاجماً من جميع نواحيه، مضطراً إلى أن يدافع عن نفسه من جميع نواحيه أيضاً، كان سيىء الدين، فكان محتاجاً إلى أن يتقى عواقب سوء الدين، كان سيئ الحال، فكان محتاجاً إلى أن يرد عن نفسه عوادي الفقر والبؤس والإعدام. كان مشوه الخلق، فكان مضطراً إلى أن يحمي نفسه من السخرية والاستهزاء، وكان كل شيء يقوي في نفسه سوء الظن بالناس، وقبح الرأي فيهم، وكان ابتلاؤه للناس يزيده إسراعاً إلى ذلك وإمعاناً فيه، فأصبح الحطيئة شيئاً مخوفاً مهيباً يكره منظره، ويتقي لسانه، ويشتري الأعراض منه بالأموال
…
كان الحطيئة بائساً شقياً، غريباً في
هذا الطور الجديد من أطوار الحياة العربية، كأنما ارتحل العصر الجاهلي ونسيه وحيداً في العصر الإسلامي، فهو ضائع الرشد، ضائع الصواب، قد فقد محوره إن صح هذا التعبير. ولي على هذا دليلان. أحدهما: أن أكثر ما يروى عن الحطيئة من النوادر وغريب الأحاديث إنما يروى عنه في الإسلام لا في العصر الجاهلي، فما بقي لنا من أخباره في العصر الجاهلي لا يصوره شاذاً ولا غريباً ولا مضطرب النفس، إنما اضطربت نفسه في الإسلام، لأن سماحة هذا الدين لم تمس قلبه الجاهلي العريق في جاهليته. والآخر أن أكثر ما يروى من النوادر عن الحطيئة، لو حاولنا تاريخه، يكاد يرجع إلى أيام عمر وأوائل أيام عثمان، أي إلى هذا العصر الإسلامي الخالص الذي سيطر النظام الإسلامي الدقيق فيه على حياة العرب من جميع وجوهها. فلما تقدمت أيام عثمان، وأقبلت أيام معاوية وظهر من سادة قريش وشبابها من عادوا إلى شيء من حياة فيها غير قليل من بقايا الحياة الجاهلية، اطمأنت نفس الحطيئة بعض الشيء، ولعلها ابتسمت للحياة قليلاً، فقد اتصل الحطيئة بالوليد بن عقبة بن أبي معيط عامل عثمان على الكوفة، وكان الوليد سيداً من سادات قريش، لم تكد الفرصة تمكنه حتى استأنف حياة أقل ما توصف به أنها لم ترض المسلمين، وأنها حملت عثمان على عزله عن الكوفة، بل على أن يقيم عليه حد الشراب، فيما تحدث الرواة)) (38) .
لقد أجمع الرواة على وصف الحطيئة بأن كان رقيق الإسلام، وربما لحقته هذه التهمة لأسباب من أهمها:
شعره في الردة، فتنسب إليه أبيات يحرض فيها قبائل العرب على قتال المسلمين. كما يهزأ فيها من خلافة أبي بكر، ويهجو القبائل التي تمسكت بإسلامها (39) .
مدحه لخارجة بن حصن وقومه حينما ارتدوا عن الإسلام، ومنعوا الزكاة وقاتلوا المسلمين (40) .
حنينه إلى الجاهلية ويظهر ذلك جلياً في مديحه لشبث بن حَوْط (41) .
غلبة شعر الهجاء عليه، ولشدة وقع هجائه كان يخشاه الناس. كما أن معظم شعره يعكس صورة الأخلاق والعادات والتقاليد الجاهلية (42) .
مجون الحطيئة ويعبر عن ذلك سخريته واستخفافه بشرائع الإسلام وأوامره. ويعكس ذلك شعره في حادثة سكر الوليد بن عقبة، ووصيته إن صحت، فقد أوصى بماله للذكور دون الإناث ! فقالوا له: إن الله لم يأمر بهذا! فقال: لكني آمر به. ومع أننا لا نستبعد أن الرواة قد تصرفوا وزادوا في هذه الرواية، إلا أن أصلها يظل شاهداً على استهتار الحطيئة ومجونه (43) .
ولا تختلف نظرة الدارسين المحدثين عن نظرة القدامى، فالكل يصف الحطيئة بضعف العقيدة ورقة الإسلام. فطه حسين يرى أن الحطيئة ((اتخذ لنفسه من الإسلام رداء، لم يشك الرواة في أنه كان رقيقاً جداً يشف عما تحته من حب الجاهلية وإيثارها والحزن الشديد عليها)) (44) .
ويلخص درويش الجندي موقف شعراء البادية من الدعوة الإسلامية فيقول:
((كانوا يقفون موقف الحياد والتربص، وكانوا يخشون انتصار هذه الدعوة التي تعمل على دك الصروح الجاهلية وتغيير قيمها ومثلها التي كانوا يعيشون في ظلالها بالتكسب بالشعر مدحاً وهجاء، وليس ذلك من وسائل الكسب المشروع في الإسلام، فلما كان ما يخشون من انتصار هذه الدعوة اضطروا إلى الدخول فيما دخل فيه الناس من دعوة الإسلام، ومنهم من اطمأن قلبه بالإيمان ككعب بن زهير، ومنهم من كان ضعيف العقيدة رقيق الدين كالحطيئة الذي ما كادت حروب الردة تشعل نيرانها حتى خلع ربقة الدين معاديا للإسلام بقلبه ولسانه، فلما استقرت الدعوة من جديد دخل في الإسلام مرة أخرى وحاول في ظلال الإسلام أن يسلك وسيلته الجاهلية في العيش، فتقلبت به الأحوال بين النجاح والإخفاق)) (45) .
ويشير الدكتور الجبوري إلى المعاني الإسلامية في شعر الحطيئة، فيرى أنها لا تعني أن الحطيئة كان ذا حظ من الدين والورع (46) .
ويجمع عدد من المستشرقين على أن الحطيئة وإن أقلع عن الردة وعاد إلى الإسلام، فقد ظل رقيق الدين. ويتفقون على أن حياته زينها مؤرخو الأدب بنوادر مختلفة تصور أنه ساخر ماجن، ومسلم رقيق الدين (47) .
ويرى شوقي ضيف أن الرواة بالغوا في اتهام الحطيئة بفساد الدين، قد يكون رقيقه، ولكنه ليس فاسده، فقد كان يستشعره في الهجاء بشهادة لسانه، فحينما عرض للزبرقان لم يقذع في هجائه بل مَسَّه برفق وعمد إلى التهكم والسخرية بمثل قوله يخاطبه:[البسيط]
دَعِ المكَارِمَ لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها
واقعُدْ فإنَّكَ أنت الطَّاعِمُ الكَاسِي
ويعقب شوقي ضيف على ذلك بقوله ((ولا شك في أن الإسلام هو الذي خفف من حدة لسانه)) ومعنى ذلك أن الإسلام لم يظل بعيداً عن روح الحطيئة، بل أخذ يرسل فيها مثل هذه الإشاعات النيرة (48) .
وعلى أن الرواة أجمعوا على وصف الحطيئة بأنه كان رقيق الدين، فإن الدارسين يكادون يجمعون على أن ما وصلنا من أخباره قد زاد فيها الرواة وتوسعوا. وربما كان لتلك الأخبار التي صاحبت ولادته ونشأته، أثر في تلك الأحكام التي أطلقت عليه، فنسبه متدافع بين قبائل العرب، وصفه الأصمعي فقال: بأنه مغموز النسب (49) وقال عنه ابن الكلبي ((كان الحطيئة مغموز النسب وكان من أولاد الزنا الذين شرفوا (50) وقد كان الحطيئة يشعر بتلك العقدة، فقد زعم الجاحظ أن الحطيئة لقي الزبرقان بن بدر، فسأله من أنت؟ قال: أنا أبو مليكة، أنا حسب موضوع (51) !
وتزامنت شهرة الحطيئة مع ظهور الإسلام، ولم تكن له به قدم راسخة، فقد اتصل بالحياة الإسلامية متأخراً، وكان أثر الدين في شعره خافتاً ضعيفاً، وامتدت به الحياة إلى عصر الراشدين، وظل ينظم شعره كما كان أسلافه يفعلون في الجاهلية يمدح السادات ويهجوهم، ويثير العداوات والنعرات وكان حريصاً على العادات الجاهلية ولم يلتزم بالعادات الإسلامية التي كان الخلفاء يحرصون على غرسها في نفوس الشعراء. ولعل هذا كان من أقوى الأسباب التي جعلت الإخباريين يضيفون إليه أخباراً فيها قدر كبير من المبالغة والتزيد، ويتناقلونها دون تمحيص. لهذا يبدو أن الحطيئة كان ضحية لتلك الروايات التي جعلت منه إنساناً شريراً يخشاه الناس ويتقون شره.
وعلى الرغم من كل تلك الروايات التي تتهم الحطيئة برقة الدين، ولؤم الطبع، والبخل، ودناءة النفس. نقف له على شعر يكشف فيه عن نفس تواقة إلى التوبة، لا ترى السعادة بجمع المال ومتاع الدنيا، إنما السعادة الحقيقية في التقوى والعمل الصالح (52) كما أن من يطالع شعره يقف له على أبيات تصوره إنساناً رقيق القلب عطوفاً على امرأته وبنيه وبناته (53) كما أن هذا الشاعر الذي غلب عليه الهجاء، كان فيه على الرغم من كل ما يروى عنه نوازع كريمة. فقد كان يثني على من يحسن إليه، ويعترف بفضله ولا ينكره، ولهذا امتنع عن هجاء أوس بن حارثة الطائي حينما دعي إلى ذلك (54) . هذه الصور عن شخصية الحطيئة والتي لا تخلو من الملامح المتناقضة، تدفعنا إلى تصحيح تلك الأحكام التي أطلقت عليه وتجعلنا نحذر الانسياق وراء الأخبار التي حشدها الرواة وتناقلوها عن أخلاقه وطباعه.
وفي عصر الراشدين حال الخلفاء بين الشعراء وبين نزعاتهم وأهوائهم. فقد وجهوا الشعر وجعلوه في خدمة الدعوة وعارضوا أي شعر فيه خروج على فرائض الدين وشرائعه. وتكاد الروايات تجمع على أن الخلفاء لم يتسامحوا مع الشعراء الذين حاولوا الخروج على تعاليم الإسلام، فقد تعقبوهم وحاسبوهم، وضربوا على أيدي العابثين منهم، وألزموهم سلوك جادة الصواب والحق، نفروهم من فاحش القول ومن رفثه، ومن شعر الهجاء والتشبيب، وقد بلغ الأمر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عزل عامله على ميسان النعمان ابن عدي لأبيات قالها ذكر فيها الخمرة ووصف فيها مجالس اللهو والطرب (55) وتقدم إلى الشعراء بأن لا يُشَبب رجل بامرة إلا جُلِدَ (56) وأنكر على عبد بني الحسحاس صراحته في غزله ومجاهرته بالحب الجسدي مما ينافي الحياء العام وقال له: حينما سمعه ينشد بعض شعره ((إنك ويلك مقتول)) (57) وغَّرب أبا محجن لأنه جاهر بشرب الخمرة على الرغم من شعوره بالإثم في تعاطيها (58) وسجن الحطيئة لهجائه على الرغم من أن الحطيئة لم يقذع في هجاء الزبرقان، بل مسه برفق وعمد إلى التهكم والسخرية حينما قصر به عن بلوغ بعض المكرمات (59) وأنَّب حسان بن ثابت رضي الله عنه ووبخه حينما سمعه ينشد في مسجد رسول الله (ما كان يقول أيام الصراع بين المسلمين والمشركين (60) ، كما نهى أن ينشد الناس شيئاً من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحي والميت، وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهلية بما جاء من الإسلام (61) .
كان عمر رضي الله عنه حريصاً على الآداب الإسلامية، كارهاً لكل تقاليد الجاهلية، ولهذا ضَيَّق على الشاعر غير الملتزم بعض وجوه القول، فمنع نعت الخمر، ورفث القول والإقذاع في الهجاء، ونحو ذلك من الأغراض الشعرية التي لا تلتزم بالمثالية الخلقية للإسلام. لقد بدل الإسلام الحياة العربية وصاغها وفق مبادئه وتعاليمه. وقد أراد عمر من الشعر أن يكون صورة الحياة الإسلامية وتعبيراً عنها. وقد حاول شعراء صدر الإسلام الإفادة من فنهم الشعري لتحقيق هذه الغاية النبيلة. ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا فئة قليلة من شعراء الأعراب، تمردوا على القيم والالتزام بأوامر الدين وفرائضه. وكان من أشهرهم شاعران عرفا عند الرواة بفحشهما وسوء أخلاقهما. والشاعران هما النجاشي الحارثي (قيس بن عمرو بن مالك) وضابئ بن الحارث بن أرطاة بن شهاب، من البراجم.
وقد شاع بين الرواة أن النجاشي كان فاسقاً رقيق الإسلام (62) أما أشعاره التي وصلتنا فإنها على قلتها تبرز سوء أخلاقه وطباعه، إذ تصوره قبيحاً فاحشاً يميل إلى الطيش والسفه، يهتك الحرمات، ويتمرد على القيم، ولا يبالي بمُثُل أو أعراف وكانت فوق ذلك تعبيراً عن سلوك تجاوز كل الحدود التي رسمها الإسلام من قَبْلُ للشعراء، وبدا هذا السلوك في مظاهر مختلفات: إجماع الرواة على ذلك الخبر الذي تواترت روايته في أمهات المصادر. فقد روي أنه شرب الخمر في رمضان فأقيم عليه الحد، وجلده علي رضي الله عنه مائة سوط (63) . إجماع الرواة هذا يثبت الخبر ويؤكد صحته. وفي طبيعة شعره، فقد اشتهر بالهجاء في عصر يعتبر فيه الهجاء جريمة يعاقب عليها فاعلها، ويبدو شره وسفهه في هجائه لأهل الكوفة (64) وفي هجائه لبني العجلان الذين عرفوا بتعجيل قرى أضيافهم، إلى أن هجاهم به النجاشي، فضجروا منه وسُبوا به واستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسجنه، وقيل إنه حده (65) . واشتهر النجاشي بهجائه لتميم بن أبيّ بن مقبل (66) وعبد الرحمن بن حسان ابن ثابت (67) وقريشٍ (68) ومعاوية رضي الله عنه (69) .
لقد جانب النجاشي في شعره الحياة العامة للمسلمين فجاهر بشرب الخمر في عصر لم تعد فيه المجاهرة بذلك مقبولة، وانصرف إلى الهجاء، وأحيا، رغم إسلامه، روح الجاهلية ورواسبها. وقد عكست المقطوعات الشعرية التي احتفظت بها المصادر قبح هجائه وفحشه، كما صورت رقة دينه وفساد أخلاقه، وسوء علاقته بالآخرين، وكانت امتداداً لصورة الهجاء القديم أو بعثاً لها. لقد استعاد الهجاء أنفاسه على يد النجاشي، وتحول إلى سباب وبذاءة يبلغان حد الإقذاع، ومن ذلك هجاؤه أهل الكوفة:[البسيط]
إذَا سَقَى الله أرْضاً صَوْبَ غادِيَةٍ
فلا سَقَى الله أرض الكُوفَةِ المَطَرَا
التَّارِكين على طُهْرٍ نساءَهُم
والناكِحين بِشَطَّي دِجْلَةَ البَقَرَا
والسارِقين إذا ما جَنَّ ليلُهُم
والطَّالِبِين إذا ما أصْبَحوا السُوَرَا
لقد حبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه النجاشي لهجائه لبني الحارث، وهدده بقطع لسانه إن عاد مرة أخرى للهجاء. إن النجاشي في هجائه بني العجلان لم يعمد إلى سباب أو شتم، بل حط من قدرهم وسخر منهم، ووصفهم بقلة الخير والخساسة واعتمد في ذلك على التصوير الحسي القائم على دلالة أخلاقية اجتماعية. [الطويل]
إذَا الله عادَى أهْلَ لُؤْمٍ ودِقَةٍ
فعَادى بَنِي العَجْلان رهْطَ ابن مُقْبِل
قُبَيلَةٌ لا يَغْدِرُون بِذِمَّةٍ
ولا يَظْلِمُون الناسَ حَبَّةَ خرْدَلٍ
ولا يَرِدون الماءَ إلا عَشِيةً
إذَا صَدَرَ الوُرادُ عن كُل مَنْهلٍ
تَعَافُ الكِلابُ الضَّارياتُ لُحُومَهُم
وتأكُلُ مِنْ كَعْبٍ وعوْفٍ ونَهْشَلِ
وما سُمِّي العجْلانَ إلا لقولِهِم
خُذِ القَعْبَ، فاحْطُبْ أيُها العبدُ واعْجَلِ
لقد وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقفا حازماً من كل شعر يمكن أن ينبش أحقاداً مضت، أو يؤجج عداوات تثير العداء والبغضاء، وتسهم في إعادة الروح الجاهلية أو ترسخ عاداتها وتقاليدها. ولقد أخذ بالعقاب كل شاعر حاول أن يصرف الشعر عن موضوعاته التي تتصل بالحياة الإسلامية، ويعود به إلى بعض وظائفه الجاهلية التي يأباها الإسلام كالهجاء المقذع والغزل الفاحش المبتذل والمنافرات القبلية. وأمام خروج بعض الشعراء عن الإطار الخلقي الذي رسمه الإسلام حاول عمر رضي الله عنه أن يصل بالشعر إلى معادلة جديدة تربط الشعر بالحياة الإسلامية، وتحول بين الشعراء وبين الانعتاق من أوامر الشريعة وفرائضها، أو الاندفاع مع رغبات النفوس وأهوائها.
ومن شعراء الأعراب الذي وصفوا بالفحش وسوء الخلق: ضابئ بن الحارث بن أرطاة، من بني غالب بن حنظلة التميمي البرجمي. وصفه ابن سلام فقال:((وكان ضابئ ابن الحارث رجلا بذيا كثير الشر)) (70) . وقال عنه المبرد: ((وكان فاحشاً)) (71) وحينما سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه شعره في أم ولد عبد الله بن هوذة قال ((ما أعلم في العرب رجلا أفحش ولا ألأم منك، وإني لأظن رسول الله (لو كان حياً لنزل فيك قرآن:)) (72) وساق ابن سلام وغيره من الرواة خبر حبس عثمان له لبعض جناياته ومنها (73) :
- وطئ صبياً بدابته فقتله، فرفع إلى عثمان بن عفان فاعتذر بضعف بصره.
- استعار كلب صيد من قوم من بني نهشل يقال له قرحان، فحبسه حولاً، ثم جاءوا يطلبونه وألحوا عليه حتى أخذوه فرمى أمهم به.
- اضطغن علي عثمان ما فعل به، فلما دعي ليُؤَدّبَ شد سكيناً في ساقه ليقتل بها عثمان فعثر عليه فأحسن أدبه.
وتحتفظ أمهات المصادر العربية بقدر يسير من شعر ضابئ، وهذا القدر على قلته يكفي للتدليل على صحة ما ذهب إليه الرواة. ففي بعض أبياته نقف له على معان ساقطة الفحش والإقذاع فيهما ظاهران يغنيان عن أقاويل الرواة ويكشفان عن نفس شريرة لا تتورع عن القذف والبهتان. ولعل أظهر ما يوضح أخلاق ضابئ وسوء طباعه وإسرافه في البغي والعدوان هجاؤه لأم ولد عبد الله بن هوذة. فقد أبرزت الأبيات استخفافه بالقيم الأخلاقية، والمثل العربية واندفاعه وراء السفه والبغي. والإسلام الذي أمر أتباعه بالتحلي بالأخلاق الفاضلة التي تقوم على نبذ الفواحش ما ظهر منها وما بطن، حرم الهجاء وذم الفحش. ويبدو أن رقة دين ضابئ دفعته إلى السقوط والإفحاش على هذه الشاكلة التي لا نرى أمثلة لها حتى في الشعر الجاهلي، حينما كان الشعراء يرمزون إلى ما يريدون ولا يصرحون بالمعنى الفاحش كما هو ظاهر في أبيات ضابئ (74) . [الطويل]
فأُمُكُمُ لا تُسْلِموها لِكَلْبِكُمْ
فإنّ عُقوقَ الأمَهاتِ كَبِيرُ
وإنّكَ كلْبٌ قد ضَرِيتَ بما تَرى
سَمِيِعٌ بِمَا فَوْقَ الفِرَاشِ بَصيرُ
إذَا عثّنَتْ من آخر الليل دُخْنَةً
يَبِيتُ لها فوقَ الفِرَاشِ هَرِيرُ
إن هذا الشعر والنماذج الأخرى التي سقطت إلينا من شعر ضابئ بعيدة كل البعد عن فكر الإسلام وتصوره لطبيعة الشعر. فالإسلام الذي كان يستهدف الغاية الأخلاقية هذب أخلاق أتباعه، وأمرهم بالصدق في القول والعمل، وحذرهم من كل صنوف البغي، وقرن شرف المعنى في الشعر بالبعد الأخلاقي حتى في موضوع الهجاء. فالرسول (حينما دعا حسان بن ثابت لهجاء قريش أمره أن يلقى أبا بكر ((يعلمه هنات القوم)) (75) وقد جاء ذلك كله بأداء تعبيري يغلب عليه نقاء الألفاظ وعفة المعاني. وحينما تفرد حسان رضي الله عنه من بين شعراء المسلمين وأقذع في هجاء أعداء الإسلام، وعرض للعورات، وكشف السوءات كان أشد الناس بعداً عن التهافت والسقوط التي وصل إليها ضابئ في هجاء أم ولد عبد الله بن هوذة.
هذا الجانب الفاحش الذي ورد في شعر ضابئ أو في شعر النجاشي عندما هجا أهل الكوفة، يعدان أمراً غريباً في ظل الإسلام وفي صدره الأول بالذات. ولعل تسامح عثمان رضي الله عنه، ولينه الذي اشتهر به شجع بعض شعراء الأعراب الذين عرفوا بضمور الوازع الديني على مثل هذا اللون من الهجاء الذي تنكره الأخلاق الفاضلة والتعاليم الدينية. إن تمزيق الأعراض وهتك الحرمات على هذه الشاكلة التي وردت في شعر ضابئ وفي شعر النجاشي أيضاً ما كان لهما أن يظهرا بهذه الصورة الجريئة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لقد ظل التلازم قائماً بين وظيفة الأدب والشخصية الإسلامية في عصر عمر.
والملامح التي أبرزتها أخبار ضابئ وأشعاره تؤكد أن تعاليم الإسلام لم تتمكن من نفسه. وأنه ظل متأرجحاً بين عادات الجاهلية وتقاليدها وبين تعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه. لقد كان شديد الصلة بالأخلاق الجاهلية، بعيداً عن المثالية الإسلامية والخلق الإسلامي. وكان مجافياً للإسلام، يبكي الجاهلية ويحن إلى تقاليدها وأخلاقها، ويرى نفسه غريباً عن المجتمع الذي يعيش فيه. يقول في هذا المعنى (76) . [الطويل]
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمدينَةِ رَحْلُةُ
فإني وقّيار بِها لغَريبُ
وفي بعض أشعاره التي سقطت إلينا من شعره يتبدى لنا ضابئ أعرابياً يميل إلى التهور والطيش والاستخفاف، فهو يستهين بالخلافة ويضطغن على الخليفة عثمان رضي الله عنه ويهم بقتله، يقول في هذا المعنى (77) :[الطويل]
همَمْتُ ولم أفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنى
تركْتُ على عثمانَ تَبْكِي حلائِلُه
إن في القليل من الشواهد التي عرضنا لها من أخباره وأشعاره ما يكفي للتدليل على استخفافه بالإسلام وأهله. لقد ظل ضابئ متأرجحاً بين القيم الروحية التي تميلها عليه عقيدته وبيئته الإسلامية، وبين طباعه وأخلاقه التي جبل عليها. فهو في أخباره وأشعاره أقرب إلى الجاهلية وأخلاقها منه إلى الإسلام ونقائه وصفائه. وحينما نحاول أن نعلل ضعف الوازع الديني عند ضابئ وغيره من شعراء البادية لا نجد ما نسوغ به ذلك إلا شدة تمسكهم بأخلاقهم وطباعهم الجاهلية. فهم يقدسونها ويندفعون مع رغباتهم وأهواء نفوسهم غير مبالين بالدين وفرائضه، وذلك لجهلهم بالإسلام، وأنهم لا يعرفون حدوده، ولم يقفوا على حقائق العقيدة وأصول الشريعة، فغابت عن أكثرهم معالم الدين وحكمه ومراميه. وانساقوا وراء عادات الجاهلية وتقاليدها، وشغلوا أنفسهم بحياتهم الخاصة وابتعدوا عن جوهر الإسلام، وشرف غاياته ونبل مقاصده. فهذا ضابئ يتحلل من واجبات الإسلام ويخالف ما تفرضه العقيدة والمثل العربية والأخلاق الاجتماعية. فينتهك حرمات الأنفس والعورات، ويقذف المحصنات ويهتك أعراضهن ويهم بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، مستهيناً بسلطان المسلمين ونقمتهم وغضبهم.
ومن خلال العرض السابق لسيرة الشعراء الستة الذين تقدم ذكرهم، تبين لنا وجود عناصر غريبة في سلوكهم تتعارض مع سماحة الإسلام وقيمه. فهم جميعا أدركوا الجاهلية وعاشوا بها ردحاً من الزمن، وامتد بهم الأجل طويلاً في الإسلام حتى أدركوا زمن الأمويين.وكان عليهم أن يلائموا بين حياتهم السابقة وبين ما حدث من تحولات جسيمة في المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام. ومع ذلك لم تبرأ نفوسهم من ظلال الجاهلية، ولم تبدل الدعوة الكثير من المفاهيم التي توارثوها فظل ذلك يعيش معهم في حياتهم الجديدة في الإسلام. ومعنى هذا أن إسلامهم لم يعدل من مواقفهم الفردية، ولذلك لم يستطيعوا أن يتقيدوا بحدوده، أو أن يمتثلوا لأوامره ونواهيه. فهم كما يبدو قد طبعوا على الشر وكلفوا به وانصرفوا إليه وقد وجدوا في الشعر متنفساً لهم يعبرون فيه عن غربتهم في الإسلام، وسخطهم على قيمه وتعاليمه.
وخلاصة القول فإن أبا الطمحان القيني جمع إلى لصوصيته المجون والفسق. وإذا كان قد أقلع عن اللصوصية في الإسلام لكبر سنه. فإن حياته في ظل الإسلام لم تخل من لهو وعبث يصل أحياناً إلى حد الخلاعة والمجون. وإذا كانت ليلة الدير، كما ذكر، هي أدنى ذنوبه فكيف يمكن أن نتصور أقصاها وأكثرها سوءاً. إن هذا الخبر الذي تواترت روايته يمثل تطرف أبي الطمحان في الإسلام وإيثاره لحياة اللصوصية. والتمرد على القيم والأخلاق والأعراف كما أن شعره على قلة ما وصل إلينا منه يعبر عن نوازع قلقه وغربته عن المجتمع الذي يعيش فيه وحنينه إلى مظاهر حياته في الجاهلية.
أما شبيل بن ورقاء فقد ضاق صدره بالإسلام ولذلك أنكر على ابنته حينما أمرته بالصوم في شهر رمضان.
أما ابن مقبل فلم يتعمق الإسلام نفسه ربما الجاهلة ولذلك لم يجد حرجاً في أن يوجه شعره في الإسلام ليمجد به عادات الجاهلية وتقاليدها ويجعلها دائماً حاضرة في ذهنه. ولا يهتم بالإسلام ويتحدث عنه إلا فيما ندر. وقد وجد في البادية ملجأ يلوذ به، ويفلت به من أعين الرقباء.
وإذا تجاوزنا هؤلاء الشعراء إلى الأسماء الأخرى نجد أن الحطيئة قد ارتد بعد إسلامه وشارك بشعره في حركة الردة وأعان به المرتدين ضد أبي بكر رضي الله عنه، ثم أدركته التوبة مرة أخرى. ومع ذلك ظل حتى آخر حياته موثراً لحياة الجاهلية، ونافراً من الحياة الإسلامية. واللحظات الأخيرة في حياته تصور مجونه واستهتاره، وتظهره رجلاً رقيق الدين. يسخر وهو على فراش الموت من فرائض الدين، ولا يعتد بما أمر الله به. وتدل كل إجابة في وصيته – إن صحت نسبتها إليه – على معنى مخالف للإسلام. فوصيته بماله للذكور دون الإناث تخالف صريح ما نصت عليه آية الميراث في سورة النساء (78) وحينما راجعوه وقالوا له: إن الله لم يأمر بهذا! أجاب لكني آمر به (79) وإلى جانب ذلك ظل الحطيئة حتى آخر حياته كلفاً بالشر، فقد تغير كل شيء من حوله في ظل الإسلام إلا نفسه، فقد نفرت من الحياة الإسلامية وآثرت عليها حياة الجاهلية لما فيها من لهو وحرية. ولهذا لم يجد حرجاً من مخالفته لأوامر الدين، وعدم التزامه بأحكامه وتعاليمه. وتطورت الأحداث السياسية منذ مقتل عثمان رضي الله عنه، ووجد بعض الشعراء متنفساً لهم في تلك الفتنة التي مرت بالجماعة الإسلامية، فانحرفوا عن جادة الدين والخلق. فالنجاشي الحارثي لا يلقى بالاً بحد من حدود الله، ولا يشعر بذنب أو خطيئة وهو يقبل على الخمرة ويحتسيها في رمضان. بل يمضي في تهتكه واستهتاره بالإسلام وقيمه. ويمثل في شعره سقوطاً آخر، يتجاوز فيه كل الحدود التي رسمها الإسلام للشعر. فالهجاء الذي كان يلقى معارضة شديدة من الخلفاء لأسباب دينيه،
يجد فيه قيس بن عمرو متنفساً له يخص به أتقياء الكوفة وقراءها. ويصور ذلك في هجاء مقذع يحتقر فيه أولئك الذين كانوا يكثرون من الصوم والصلاة وقراءة القرآن.
أما ضابئ بن الحارث البرجمي، فقد قاده فحشه وشره إلى السجن وإقامة الحد، ثم انتهى به أخيراً إلى القتل.
وهكذا تبين لنا من سيرة هؤلاء الشعراء الذين تقدم ذكرهم. أنهم مطبوعون على الشر، يغلب على أشعارهم الهجاء. فطائفة منهم لا تبالي في الوقوع في أعراض الناس، وأخرى يظهر من سلوكهم أنهم لا يحترمون تعاليم الإسلام وفرائضه. وقد برهنوا من خلال تلك الروايات والأشعار التي تقدمت الإشارة إليها من قبل، أنهم جميعاً يتصفون برقة الدين وقلة المروءة.
وفي نهاية هذا البحث بقيت لي كلمة لا بد من الإفصاح عنها وهي:
أدرك أن الخوض في أمور تمس العقائد والسلوك الاجتماعي، أمر شائك وصعب، فيه مزالق كثيرة، يجد المسلم نفسه في غنى عن الخوض فيها وفي تتبعها. وتزداد الأمور صعوبة وتعقيداً حينما تكون تلك الشخصيات قد عاشت في عصر مفضل، ومنهم من هو في عداد الصحابة رضوان الله عليهم – مثل – (أبو الطمحان القيني حنظلة بن شرقي) الذي ترجم له الحافظ بن حجر في (الإصابة 2/183) وعدد من الصحابة الذين أدركوا النبي (ولم يروه.
وهذه الدراسة لا تسعى إلى إثبات التهم التي تناقلها الرواة عن الشعراء أو رفعها عنهم، بل هي إلمامة إخبارية. قصد من حصرها وإيرادها عرضها وإخضاعها للدراسة من خلال الموازنة بينها وبين ما نسب إلى هؤلاء الشعراء من نصوص لا تخلو من صور انحراف في السلوك والأخلاق تتنافى مع طبيعة المسلم وفطرته. صحيح أن الذي وصلنا من هذه النصوص قليل، وبذلك تظل الصورة غير كاملة، ولهذا فلا بد أن نحذر من الانسياق وراء تلك الروايات التي لم تمحص من قبل. فمهما تناقل الرواة ومهما كان في شعر هؤلاء الشعراء من إسراف أو خروج على تعاليم الإسلام فإن هذا لا يحملنا على عدم الإنصاف في الحكم بسبب تلك الروايات أو تلك الأشعار التي تصور قلق الشعراء واضطرابهم وخروجهم على حدود الأخلاق والدين.
الحواشي والتعليقات
الطَّمَحان بفتح الطاء والميم بعدها حاء مهملة. فَعَلان من طمح بأنفه وبصره إذا تكبر والقين:
الحداد، وكل صانع قَيْنٌ، والقين أيضاً موضع القيد من البعير. محمد بن يزيد المعروف بالمبرد، الكامل في اللغة والأدب ط ليبيسك، (بيروت، مكتبة المعارف، د. ت) ، ج 1 ص 30.
عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر (القاهرة. دار المعارف، 1966م) ج1، ص 388. وانظر: عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون (القاهرة، مكتبة الخانجي، 1400هـ 1981م) ج 8، ص ص 94 – 96.
أبو الفرج بن علي بن الحسين الأصفهاني، كتاب الأغاني، (القاهرة، مصورة عن طبعة دار الكتب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، د. ت) ج 13، ص 3. الخارب: سارق الإبل خاصة، ثم نقل إلى غيره اتساعاً قال الجوهري: خرب فلان بإبل فلان يَخْرُب خِرَابَة مثل كتب يكتب كتابة أي سرقها، وخرب فلان: صار لصاً. إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط2، (بيروت دار العلم للملايين 1399هـ 1979م) ج 1، ص 119.
عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، سمْط اللالى في شرح أمالي القالي، تحقيق عبد العزيز الميمني، ط2 (بيروت، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، 1404هـ، 1984م) ج1، ص 332.
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي (القاهرة، دار النهضة مصر للطبع والنشر، د. ت) ج2، ص 183.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 0388، الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 13، ص 7، البغدادي، خزانة الأدب ج 8، ص 94.
أبو هلال العسكري، ديوان المعاني (بيروت، عالم الكتب، د، ت) ج2 ص 161، الشريف المرتضى علي بن الحسين، أمالي المرتضى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، (بيروت، دار الكتاب العربي، 1387هـ 1967م) ج1 ص 257. ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج2، ص 184، أشعار اللصوص وأخبارهم، جمع وتحقيق عبد المعين الملوحي، ط2 (بيروت، دار الحضارة الجديدة، 1993م) ص ص 64، 77.
الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 13، ص 12، أحمد بن محمد الحسين المرزوقي، ديوان الحماسة، نشرة أحمد أمين وعبد السلام هارون، ط2 (القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1388هـ 1983م) ج3، ص 1266. علي بن حسن البصري، الحماسة البصرية، تحقيق مختار الدين أحمد، ط3، (بيروت، عالم الكتب، 1403هـ – 1983م) ج 1، ص 281، أشعار اللصوص وأخبارهم، ص ص 73، 76.
الشريف المرتضى، أمالي المرتضى، ج1، ص 260، أشعار اللصوص وأخبارهم، ص 78.
عبد الله بن مسلم بن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 452.
محمد بن الحسن بن دريد، الاشتقاق، تحقيق عبد السلام محمد هارون، (القاهرة، مطبعة السنة المحمدية 1378هـ 1958م) ص 232.
محمد بن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر (القاهرة، مطبعة المدني، 1394هـ 1974م) ج 1، ص 150.
تميم بن أبي بن مقبل، ديوان ابن مقبل، تحقيق الدكتور عزة حسن (دمشق، مطبوعات مديرية إحياء التراث القديم 1381هـ 1962م) ص 132.
ديوان ابن مقبل، ص ص 137، 138.
ديوان ابن مقبل، ص ص 140، 141.
ديوان ابن مقبل، المقدمة، ص ص 12، 13.
ديوان ابن مقبل، المقدمة، ص ص 13، 14.
ديوان ابن مقبل، ق 3، ص ص 11 – 21.
ديوان ابن مقبل، ق 42، ص ص 335 - 346.
الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (القاهرة مطبعة السعادة، 1374هـ 1955) ج2، ص 152، ج2 ص 814 (تحقيق محمد قَرْقزان) .
ديوان ابن مقبل، ص 14.
ديوان ابن مقبل، ص 17.
ديوان ابن مقبل، ص 346.
ديوان ابن مقبل، ص ص 24، 25.
ديوان ابن مقبل، ص ص 72، 76.
ديوان ابن مقبل، ص ص 267، 272، 273.
الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج1، ص 157.
ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج1، ص 110.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1 ص ص 325، 326، الإصابة ج2، ص ص 177، 178.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 322.
دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي، ترجمها عن الألمانية والإنجليزية والفرنسية عبد الرحمن بدوي، ط1 (بيروت دار العلم للملايين، 1979 م) ص 161.
ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 2، ص 176، الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 157.
الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 157، ابن حجر، الإصابة، ج 2، ص 176، البغدادي، خزانة الأدب ج 2، ص 407.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 322.
الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 163، وانظر الخبر أيضاً في الخزانة، ج2، ص 408.
طه حسين، حديث الأربعاء، ط 8، (القاهرة، دار المعارف، د. ت) ج 1، ص 134. وانظر شوقي ضيف العصر الإسلامي (القاهرة، دار المعارف د. ت) ص 99. وانظر مقدمة ديوان الحطيئة، تحقيق نعمان أمين طه، ط1 (القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1378هـ 1958م) ص 51.
شوقي ضيف، العصر الإسلامي، ص ص 95، 96.
طه حسين، حديث الأربعاء، ج 1، ص ص 131، 134.
الحطيئة، جرول بن أوس، ديوان الحطيئة، تحقيق نعمان أمين طه، ط 1، (القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1378هـ 1958م) ص 329، محمد بن يزيد المبرد، الكامل، تحقيق محمد أحمد الدالي، ط1 (بيروت، مؤسسة الرسالة 1406هـ 1986م) ج 2، ص ص 509، 510.
ديوان الحطيئة، ص 47.
ديوان الحطيئة، ص ص 51 – 52.
ينظر في هذا أخباره مع أشراف أهل المدينة، ومع عتبة بن النهاس العجلي، وحينما نزل ببني مقلد ابن يربوع، الأغاني ج2، ص ص 164، 167، 178، وانظر أحمد بن محمد بن عبد ربه، العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرين، ط 3 (القاهرة، لجنة التأليف والترجمة، 1384هـ 1965م) ج1، ص ص 283، 284 وديوان الحطيئة، ص ص 66، 329.
ديوان الحطيئة، ص ص 233، 237، 355، 358.
حديث الأربعاء، ج 1، ص 129.
درويش الجندي، الحطيئة البدوي المحترف، ط1، (القاهرة، مكتبة نهضة مصر، 1382هـ 1962م) ، ص 66.
يحي الجبوري، شعر المخضرمين وأثر الإسلام فيه، (بغداد، مكتبة النهضة، د. ت ص 244) .
دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي، ص 192، نالينو، تاريخ الآداب العربية من الجاهلية حتى عصر بني أمية، ط2، (القاهرة، دار المعارف، 1970م) ، ص 110، بلاشير، تاريخ الأدب العربي، ترجمة إبراهيم الكيلاني، ط2، (دمشق، دار الفكر، 1404هـ 1984م) ج2، ص 361.
شوقي ضيف، العصر الإسلامي، ص ص 99، 97، 100.
الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 163.
الأصفهاني، الأغاني، ج 2، ص 158.
المبرد، الكامل، ج 2، ص 715، الأغاني، ج 2، ص 171.
ديوان الحطيئة، ص 393.
الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 2، ص 177.
ديوان الحطيئة، ص 86. [الطويل]
من مبلغ الحسناء أن حليلها
بميسان يسقي في زجاج وحنتم
إذ شئت غنتني دهاقين قرية
وصناجة تجذو على كل منسم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
تنادمنا بالجوسق المتهدم
إذا كنت ندماني فبالأكبر أسقني
ولا تسقني بالأصغر المتثلم
فلما بلغ عمر (رضي الله تعالى عنه)، قال: والله إنه ليسوءني تنادمهم، فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته. وكتب في عزله فلما قدم عليه، قال: والله يا أمير المؤمنين، ما صنعت شيئاً مما ذكرت، ولكني أمرؤ شاعر، أصبت فضلاً من قوله فقلته فقال عمر:((والله لا تعمل لي عملاً أبداً)) .
أحمد بن يحيى البلاذري، أنساب الأشراف، تحقيق محمد حميد الله، (القاهرة، معهد المخطوطات بالاشتراك مع دار المعارف 1959م) ج 1، ص 127.
قال ابن عبد البر في خبر له، قال: حدثنا محمد بن فضالة النحوي، قال: تقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشعراء ألا يشبب رجل بامرأة إلا جُلِد، فقال حميد بن ثور:[الطويل]
أبي الله إلا أن سرحة مالك
على كل أفنان العِضَاة تروق
فهل أنا إن عللت نفسي بسرحة
من السرح موجود على طريق
يوسف بن عبد الله بن محمد عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق على محمد البجاوي (القاهرة، مطبعة نهضة مصر، د. ت) ج1، ص 378.
يقال سمعه عمر بن الخطاب ينشد [الكامل]
ولقد تحدر من كريمة بعضهم
عرق على جنب الفراش وطيب
فقال له إنك مقتول. ويقال إنه أنشد عمر القصيدة اليائية وفيها: [الطويل]
توسدني كفاً وتثني بمعصم
عليَّ وتحنو رجلها من ورائيا
فقال عمر: إنك ويلك مقتول.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، 409.
إذا مت فادفني إلى جنت كرمة
تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنَني بالفلاة فإنني
أخاف إذا ما مِت أن لا أذوقها
ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 4، ص 1746، ابن حجر، الإصابة، ج 7، ص 263.
ديوان الحطيئة، ص 206.
ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 1، ص 345.
ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 1، ص 345.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص 329، سمط اللالى، ص 890، ابن حجر، الإصابة، ج6، 493 البغدادي، خزانة الأدب، ج4، ص 76.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص ص 329، 330، البكري، سمط اللالى، ص 890، ابن حجر، الإصابة ج 6، ص 492، البغدادي، خزانة الأدب، ج 4، ص 76.
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص 330.
ابن رشيق، العمده، ج 1، ص 52.
ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 150.
الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، تحقيق سامي محمد العاني، ط2، (بيروت، عالم الكتب 1416هـ، 1996م) ص ص 198، 201، 206، 208.
الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، ص 199، وابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج 1، ص ص 332، 333.
نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط3 (القاهرة، مكتبة الخانجي، 1401هـ 1981م) ص ص 58 – 59، 307، 372، 524 – 526.
ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 172.
محمد بن يزيد المبرد، الكامل، تحقيق محمد أحمد الدالي، ج 1 (بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406هـ 1986م) ج 2، ص 502.
معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، تحقيق أ. بيفان من منشورات كيمبرج 1905م واعتمدت على نسخة مصورة عن هذه الطبعة قامت بتصويرها دار الكتاب العربي، بيروت، دون تاريخ ج 1، ص 230، وانظر البغدادي، خزانة الأدب ج 9، ص 326.
معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص ص 219، 222 ابن سلام طبقات فحول الشعراء، ج1 ص ص 171 – 175، المبرد، الكامل، ج 2 ص ص 502، 503 البغدادي، خزانة الأدب، ج 9، ص ص 324، 327
معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 220.
الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج 4، ص ص 138، 137.
معمر بن المثنى، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 220.
معمر بن المثني، نقائض جرير والفرزدق، ج 1، ص 221.
سورة النساء، آية 11.
ديوان الحطيئة، ص 356.