المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ملامح تأثير الثقافة الإسلاميةفى بلاد الملايو - مجلة جامعة أم القرى ١٩ - ٢٤ - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ملامح تأثير الثقافة الإسلاميةفى بلاد الملايو

‌ملامح تأثير الثقافة الإسلامية

فى بلاد الملايو

روسني بن سامح

محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها

الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا

ملخص البحث

كان للإسلام والعرب دور بارز فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى وافتتح عهد جديد للشعب بوصول الإسلام إليه وحدثت حركة تأثير فكرى واسعة المدى خطيرة النتائج حتى انتشرت الثقافة العربية الإسلامية فيه. وأحدث الإسلام تغيرات جذرية فى مجال حياة الشعب دينيا وسياسيا واجتماعيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا. ومن أعظم مساهمة الثقافة الإسلامية:

- وصول الحروف العربية للكتابة الملايوية التى لم تكن لها حروف إلا إشارات ورموز.

- دخول الألفاظ العربية إلى اللغة الملايوية وأكثرها فيما يتعلق بتعاليم الإسلام حيث لم تكن للغة الملايوية كلمة تدل على معنى خاص ولذلك استخدمت الكلمة العربية للدلالة على ذلك المعنى ومن هذا المنطلق كثر دخول الكلمات والمصطلحات الدينية إليها. ومن حق هذا الكلمات المستعارة أنها تقبل النظام الصوتى الملايوى فيلحق بها اللواحق والسوابق.

- تغيير مجرى القصة الملايوية ووصول القصة العربية الإسلامية. وقبل العصر الإسلامى كثر دخول القصة الهندية إلى الأدب الملايوى وتداولت على ألسنة الشعب ثم بدأ الدعاة فى تغيير مجراها ومقاصدها إلى المجرى الإسلامى وإدخال العناصر الإيمانية وكذا بدلوا الألفاظ والتعبيرات فيها إلى الألفاظ العربية الإسلامية وتعبيراتها وأحلوا أسماء أمجاد الإسلام والأنبياء والملائكة وأسماء الله محل أسماء الأبطال الهندية وأسماء الآلهة الهندية.

ص: 341

وبجانب هذه الجهود اجتهدوا فى تعريف الشعب بالقصة الإسلامية من القرآن الكريم والتاريخ الإسلامى وقصص الأبطال قبل الإسلام ومن أثر هذه الجهود كثر دخول القصة العربية الإسلامية إلى الأدب الملايوى مما له أصل دينىبما فيه من القصص عن النبى محمد وأصحابه والأنبياء وما له أصل صوفى وما له أصل بطولى وما له أصل أسطورى وما له أصل رمزى.

- تأثر الشعراء الملايويين بالشعر الصوفى. وظهر ذلك وضوحا على يد حمزة الفنصورى الذى بدأ فى اختراع الشعر الملايوى الصوفى ويرجع فضله إلى تأثره بالصوفيين من خلال قراءة مؤلفاتهم ومنهم ابن عربى والبسطامى وجيلى والحلاج وذى النون المصرى. وهو أول من نظم الشعر الملايوى الصوفى من أثره رباعيات حمزة الفنصورى.

وكذا تأثر الأدب الملايوى بالنظم والوغزل والمثنوى والقطعة وامتاز تيار هذه الأنواع بالنزعة الصوفية التى تتحدث عن العلاقة بين العبد وربه وعن الأخلاق والنصيحة.

ويظهر من خلال هذا البحث المتواضع أن الإسلام لعب دوره البارز فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى كما لعب دوره فى تغيير مجرى حياة العرب فى عهده الأول وما زال هذا الأثر يتزايد يومت فيوما حتى العصر الحديث.

• • •

مقدمة:

لعب الإسلام دوره البارز فى تغيير مجرى حياة العرب وكان أثره يظهر جليا فى حياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية والعقلية كما يتجلى أثره الكبير فى اللغة العربية من وحدة اللغة وانتشارها وذيوعها واتساع أغراضها وارتقاء معانيها وتهذيب ألفاظها والتوسع فى دلالتها. ويتجلى أيضا فى حياتهم الأدبية.

ومن البديهى أن نعلم أن التغيير الذى حدث فى الآداب العربية منذ ظهور الإسلام لم يكن يرجع إلى شيء إلا إلى الإسلام وحده وكان المصدر الأول لهذا التغيير القرآن الكريم الذى كان وحده مصدر ثقافة المسلمين الدينية والعقلية والاجتماعية والأدبية. وكان هذا التغيير لم يحدث فجأة ولم يتم مرة واحدة وإنما حدث قليلا وظهر شيئا فشيئا.

ص: 342

وكذا شأن الإسلام عندما وصل إلى أرخبيل الملايو حيث لعب دوره كما لعبه فى منبعه الأصلى. ومن هنا يحاول هذا البحث الكشف على ملامح تأثير الثقافة الإسلامية فى بلاد الملايو ويقتصر حديثه فى العصر القديم منذ وصول الإسلام إليه ولم يجاوز ملامحه فى العصر الحديث وإن ورد فيه ذكر الأماكن المعاصرة.

ويتناول موضوعات تمهيدية عامة من أثر الإسلام فى الحياة الملايوية الدينية والسياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية وما فيها من التعريف بأرخبيل الملايو ودور حركة التجارة فى نشر الإسلام فيه ووصوله وعوامل انتشاره.

ثم يتناول الموضوع الأساسى من أثر الإسلام واللغة العربية فى اللغة الملايوية من حروف الكتابة إلى الكلمات والأدب بما فيه من القصة والشعر.

التعريف بأرخبيل الملايو:

ينبغى قبل الشروع فى الحديث عن تأثير الإسلام وثقافته على أرخبيل الملايو التعريف بأرخبيل الملايو وموقعه الجغرافى والمعروف أن أرخبيل الملايو هو مصطلح جغرافى القديم يطلق على مجموعة ضخمة من الجزر وشبه الجزر التى تقع فى منطقة جنوب شرقى آسيا من القارة الآسيوية.

ويعطينا التكوين الجيولوجى لتلك الجزر نفسها فكرة دقيقة عنها وهى تتكون من الجزر العديدة المبعثرة التى تمتد من أقصى الطرف الجنوبى الشرقى للقارة الآسيوية المتاخمة لجنوب بلاد التايلاند -THAILAND - شمالا حتى شمال القارة الأسترالية جنوبا بينما يحدها شرقا بحر الصين الجنوبى ويحدها غربا المحيط الهندى.

ويتكون من ثلاث مجموعات رئيسية:

اتحاد ماليزيا - FEDERATION OF MALAYSIA

وجمهورية إندونيسيا - REPUBLIC OF INDONESIA

وجمهورية الفلبين - REPUBLIC OF PHILIPPINES.

ولهذه المجموعات الثلاث لغتها الخاصة الموحدة فضلا عن اللهجات المحلية وهى اللغة الملايوية التى يتكلم بها أهلها فى حياتهم اليومية وفى معاملاتهم الرسمية ويكتبون بها مؤلفاتهم الأدبية والعلمية.

ص: 343

حياة الملايويين قبل وصول الإسلام (1) :

كان الملايويون فى تاريخهم الأول يعتقدون أنواعا من المعتقدات القديمة كما هو الواقع فى أنحاء العالم فكانوا يعتقدون بأن كل شيء فى هذا العالم له روح وقوة فالأشجار والجبال والأنهار والأحجار لها أرواح يخضع لها الناس ويجب عليهم أن يحترموها ويعبدوها لكيلا تغضب عليهم أو تنزل عليهم البلايا. ومن ثم ظهرت عبادة الطبيعة لديهم وبعد مرور الزمن وقعوا تحت التأثير الهندى منذ أن كثر الاختلاط بالقادمين إليهم من الهند بقصد التجارة طوال القرون المسيحية الأولى فظهر أثر ذلك عميقا فى أفكارهم وعباداتهم وعاداتهم وثقافتهم وآدابهم.

وكانت العلاقات بين الهند وأرخبيل الملايو عريقة قديمة. وبواسطتها تسرب إليه أثر الثقافة الهندية وأدبها وكان ذلك عظيما وعميقا للغاية. وبذلك تأثرت فى أول الأمر الكتابة الملايوية بالحروف الهندية وهى معروفة بحروف كاوى - KAWI - التى ظهرت فى فترة ما بين عام أربعمائة وسبعمائة وخمسين للميلاد من أثر قدوم الثقافة الهندية إليه. وكذا تأثرت بالحروف الهندية المعروفة بحروف جاوة القديمة التى كانت أصلا من حروف ونجى التى نشأت لدى أفراد بالاوا المقيمين فى بلدة كورومنديل جنوب الهند. وبصفة عامة تأثرت اللغة الملايوية باللغة السنسكريتية لغة الهند القديمة نتيجة انتشار الهندوكية والبوذية الديانتين السائدتين فيه قبل انتشار الإسلام (2) .

(1) وقد تناول الباحث حياة الملايويين قبل الإسلام من حيث تأثرهم بغيرهم لا من حيث نشأتهم وتطورهم.

(2)

انظر - محمد زكى عبد الرحمن - أثر اللغة العربية فى اللغة الماليزية - رسالة الماجستير - كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر - القاهرة - 1990 - ص 19 وما بعده

ص: 344

وكان الأدب الملايوى فى ذلك العصر أدبا لسانيا لم يكن فى متناول قرائه لأن حروف الكتابة كانت غير منتشرة إلا ما عرف من الحروف الهندية والإشارة والرموز. وكانت القصة قبل انتشار الإسلام مملوءة بالتأثير الهندى من كتاب بانجاتنترا ورامايانا ومهابراتا وغيرها من الكتب الهندية المشهورة. ويرى وينستد (1) WINSTEDT أن معظم الحكايات الملايوية القديمة مقتبسة من الحكايات الهندية القديمة أو بإعادة صياغتها الجديدة خاصة من حكايتى مهابراتا ورامايانا المشهورتين. كما عثر على الآثار الهندية فى قصص الحيوان وقصص التسلية والفكاهة وأعظم محتويات هذه القصص من كتاب بنجاتنترا ثم صيغت بصبغة ملايوية لتكون ملائمة لمتطلبات روح الشعب الملايوى.

ولم يقتصر التأثير الهندى فى القصة الملايوية على الشخصيات أو الأحداث أو حبكة الحكاية بل تعدى ذلك إلى الألفاظ إذ وجدت فى القصة الملايوية بعض الألفاظ المستعارة من الألفاظ السنسكريتية فمثلا فى حكاية هانج تواه - HANG TUAH - الملايوية وجد لقب لقسمان - LAKSEMANA - وهذا اللقب هندى وهو مذكور فى حكاية رامايانا وسرى راما (2) . وكذا لا ينحصر التأثير الهندى فى الألفاظ فى القصة بل تجاوز ألفاظ الحياة اليومية.

أثر التجارة فى نشر الإسلام وثقافته فى بلاد الملايو:

(1) See. R. Q. Winstedt. History of Classical Malay Literature. K. Lumpur.

Oxford University Press. 1972. P. 3.

(2)

See: Ibrahim Mohd Salleh - Kesusasteraan Melayu Kelasik Dan Moden-

Penerbit Asia - K.L Cet. 1 - p. 32

ص: 345

ترجع العلاقات بين العرب وأرخبيل الملايو إلى أزمنة قديمة مرت بمراحل ففى المرحلة الأولى كانت العلاقة تتمثل فى العلاقة التجارية أو الاقتصادية وهى أقدم علاقة بينهما وأبرز الوسائل التى انتقلت بواسطتها تيارات التأثير العربى الإسلامى إليه ثم تأتى المرحلة الثانية الخاصة بالعلاقة الدينية والسياسية نتيجة للعلاقة التجارية وهذه العلاقة تتمثل فى فترة وصول الإسلام إليه وانتشاره ونشوء الدولة الإسلامية فيه. وهى فترة استقبال أبناء البلاد الدين الإسلامى وتأثيره ثم تبرز المرحلة الثالثة كعلاقة التأثير الدينى والعقلى (1) . وهى فترة الاستيعاب والانعكاس والتفاعل بين تأثير العناصر العربية الإسلامية فى الأدب الملايوى وظروف انتقال الأدب الملايوى من العناصر الهندية.

وتنقسم العلاقات التجارية بين العرب وأرخبيل الملايو إلى علاقتين: علاقة مباشرة وعلاقة غير مباشرة. فالعلاقة المباشرة تتمثل فى الاحتكاك المباشر بينهما إذ كان العرب يحتاجون إلى السلع التى لا توجد إلا فى أرخبيل الملايو مثل التوابل والبخور والكافور التى وجدت فى سومطرة (2) . ويرى بعض الباحثين أن الكافور كان من العوامل التى أدت إلى قيام العرب برحلات إليه (3) . ونشأت هذه العلاقة المباشرة فى عصر ما قبل الإسلام منذ القرن الخامس قبل الميلاد وكانت أهمية ميناءه كمركز تجارى مستمرة حتى عصر النبوة فى القرن السابع الميلادى والقرون التى تليه (4) .

(1) See: Azyumardi Azra - Jaringan Ulama Timur Tengah Dan Nusantara Abad Ke

7 Dan 8 - Penerbit Mizan - Cet. 1 - 1994 - p. 23

(2)

ee: Abdul Rahman Hj. Abdullah - Pemikiran Umat Islam Di Nusantara

-Dbp. Cet. 1 - 1990 - p. 25

(3)

See: Abdullah Ishak - Islam Di India Nusantara Dan Cina - Nurin Cet. 1 - 1992 - p.

90 Enterprise-

(4)

See: Abdul Rahman Hj. Abdullah - 0p-cit - p. 26

ص: 346

وبجانب العلاقة المباشرة المتمثلة فى أهمية حصول البضائع التجارية منه، هناك علاقة غير مباشرة عندما نشأت العلاقة التجارية بين العرب والصين من طريق البحر الذى التجار العرب يستخدمونه للوصول إلى الصين. وهذا الطريق يعبر ميناء الهند وأرخبيل الملايو ثم البحر الصينى تبعا لحركة الرياح. كان معظمهم يتوقفون فى مراكز تجارية خاصة فى جزر الأرخبيل أثناء رحلتهم إلى الصين (1) . وكذا فى أثناء عودتهم.

ويرى بدر الدين حى الصينى (2) أن العلاقة بين الصين والعرب نشأت قبل الإسلام بقرون بطريقة غير منتظمة ثم تطورت وازدهرت إلى علاقة منتظمة قبيل ظهور الإسلام. واستمرت بعد ظهوره.

وفى القرن الثامن الميلادى انتظمت الرحلات البحرية بين الخليج العربى وأرخبيل الملايو والصين حيث انطلقت رحلات أبناء الخليج العربى التجارية من مراكز التجمع التجارى والملاحى على سواحل الخليج نفسه كلها من البصرة - فرضة العراق - وسيراف - فرضة الساحل الفارسى - والبحرين - فرضة الساحل العربى إلى أرخبيل الملايو والصين. ثم أخذت العلاقة تزدهر وتنمو فى القرن التاسع الميلادى إلى أن تم ازدهارها فى القرن الرابع عشر الميلادى (3) .

(1) See: Ibrahim T. Y. Ma - Perkembangan Islam Di Tiongkok - Bulan Bintang -

Jakarta - 1969 - p. 32

(2)

انظر: بدر الدين حي الصيني - العلاقات بين العرب والصين - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الأولى - سنة 1950 - ص - 8

(3)

انظر: مرزوقى حاج محمود حاج طه - الإسلام فى أرخبيل الملايو - رسالة الدكتورة - كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر - 1977م ص 97

ص: 347

وتبرز هذه الهجرة التجارية كأقدم عوامل الصلات والتأثير بين الدول العربية وأرخبيل الملايو وهى أحد المنافذ التى تسربت من خلالها الثقافة العربية الإسلامية إليه وأصبحت قناة رئيسية لانطلاق عجلة التأثير العربى الإسلامى عليه. وبهذه العلاقة التجارية افتتح عهد جديد للشعب الملايوى وبدأت حركة تأثير فكرى واسعة المدى خطيرة النتائج بوصول الإسلام إليه وانتشاره بين شعوبه حتى أصبح دينا رسميا له. وترتب على ذلك انتشار الثقافة العربية الإسلامية فيه.

وصول الإسلام إلى أرخبيل الملايو وانتشاره فيه:

كانت هناك رحلات ومراكز تجارية بين بعض بلاد الجزيرة العربية وبين أرخبيل الملايو من قبل الإسلام وفى صدر الإسلام. فإن ذلك يستلزم بالتحقيق أن الإسلام وصل إلى هذه البلاد فى وقت مبكر (1) . وانتقل من خلال التجار العرب الذين كانوا يختلفون إلى هذه الجزر وخاصة تجار عمان وحضرموت واليمن. ولم يكن الإسلام مجرد دين للعبادة فقط بل بث روحا جديدة وحضارة راقية لدى سكان هذه الجزر (2) .

(1) انظر: أحمد شلبي - موسوعة التاريخ الإسلامي - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الثالثة 1993م - ج8 - ص 336

(2)

انظر -محمد نصر مهنا - الإسلام في آسيا - المكتب الجامعي الحديث - اسكندرية - الطبعة الأولي 1990 - ص 550

ص: 348

ومن المحال أن نعرف على وجه التحقيق التاريخ الدقيق لوصول الإسلام إليه. وربما حمله إلى هنا تجار العرب فى القرون الأولى للهجرة وذلك قبل أن تصل إلينا أية معلومات تاريخية عن حدوث أمثال هذه المؤثرات فى تلك البلاد بزمن طويل ومما جعل هذا التاريخ أكثر احتمالا ما نعرفه من أن العرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ وقت مبكر وفى مستهل القرن السابع الميلادى لقيت تجارتهم مراكز تجارية مهمة. وبالإضافة إلى ذلك كانوا سادة التجارة مع الشرق بلا منازع ويمكن الجزم بأنهم كانوا قد أسسوا مستعمراتهم التجارية فى بعض جزر الأرخبيل (1) . وبهذه الطريقة دخل الإسلام معهم إليه فى القرون الأولى للهجرة.

(1) انظر: سير توماس و. أرنولد - الدعوة إلى الإسلام - ترجمة د. حسن إبراهيم حسن ود. عبد المجيد العابدين - مكتبة النهضة المصرية 1970 - ص 401 - 402

ص: 349

كما يرى س. ق. فاطمى (1) -S. Q. FATIMI - أن الإسلام وصل إلى الأرخبيل فى القرن الأول الهجرى بواسطة التجار العرب والفرس الذين كانوا يترددون فيها من قبل. ولمساندة هذه الآراء، أكدت قرارات ندوة العلماء والباحثين حول موضوع دخول الإسلام إلى إندونيسيا وآسيا (2) بأن الإسلام دخل إلى أرخبيل الملايو أول مرة فى القرن الأول الهجرى وكان من بلاد العرب مباشرة وأن أول منطقة دخلها الإسلام هى سواحل سومطرا الشمالية وأن الدعاة الأولين كان بعضهم من التجار العرب والفرس وبعضهم من أبناء البلاد الذين أسلموا واستقوا الثقافة الإسلامية ثم قاموا بالمساهة فى الدعوة إلى الإسلام (3) .

ومما تقدم نستخلص أن الإسلام وصل إلى سواحل أرخبيل الملايو فى القرن الأول الهجرى الموافق السابع الميلادى من بلاد العرب مباشرة وأما انتشاره فقد أصبح واضحا فى القرن الثالث عشر الميلادى على يد الدعاة الذين أكثرهم ينحدرون من أصلاب عربية. وكان معظمهم من الصوفيين (4) .

(1) See.S.Q. Fatimi- Islam Comes To Malaysia - Masri Singapore - 1963 - Ms. 99

(2)

عقدت هذه الندوة فى مدينة ميدان بسومطرة الشمالية فى الفترة ما بين 17-20 من شهر مارس سنة 1963م برئاسة المؤرخ الأندونيسي محمد سعيد وحضرها عدد من الباحثين وعلماء أندونيسيا والأجانب المهتمين بدراسة تاريخ الإسلام فى جنوب شرقى آسيا.

(3)

انظر -محمد أحمد السنباطي - حضارتنا فى أندونيسيا - دار القلم - الكويت - 1983 - ص 180

(4)

See. S. Q. Fatimi - op. cit - p. 100

ص: 350

وأول ما وصل إلينا من الأنباء عن انتشار الإسلام فى تلك البقاع ما جاء فى رحلة ماركوبولو (MARCOPOLO) الرحالة الإيطالى المشهور الذى زار شمال سومطرا فى عام 1292م وأخبر بأنه عثر على منطقة فى شرق سومطرا مشهورة باسم برلاق (PERLAK) اعتنق أهلها الإسلام وكان فيها ملك مشهور باسم إسلامه بجانب اسمه القديم ميرة سيلو - MERAH SILU - وهو الملك الصالح المتوفى سنة 1292م (1) . وفى هذا القرن ظهرت دولة برلاق (2) كدولة إسلامية أولى فى منطقة جنوب شرقى آسيا.

ثم وزار هذه المنطقة ابن بطوطة الرحالة العربى المشهور ونزل فى ضيافة الملك الظاهر وتحدث عن سلطان هذه الولاية وحرصه على إقامة شعائر الدين واهتمامه بدراسة الفقه على مذهب الشافعى ووصفه بأنه من فضلاء الملوك وكرمائهم. شافعى المذهب. محب الفقهاء. يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة. وهو كثير الجهاد والغزو. ومتواضع يأتى إلى صلاة الجمعة ماشيا على قدميه. وأهل بلاده شافعية. محبون للجهاد يخرجون معه تطوعا. وتغلبوا على من يليهم من الكفار. والكفار كانوا يعطونهم الجزية على الصلح (3) .

عوامل انتشار الإسلام:

(1) See. Sopian Taimon - Intisari Sejarah Asia Tenggara. DBP. 1972. p. 22

(2)

أحد مدن في جزيرة سومطرة أندونيسيا.

(3)

انظر: ابن بطوطة - رحلة ابن بطوطة - دار صادر - بيروت 1992 ص 618

ص: 351

وصل الإسلام إلى أرخبيل الملايو بطريق سلمى بواسطة التجار العرب وبدأ ينتشر متدرجا حتى ظهر انتشاره جليا فى القرن الثالث عشر الميلادى على يد الصوفيين. ومن العوامل التي ساعدت على انتشاره فيه زواج التجار العرب المسلمين بالنساء الملايويات منذ العهد المبكر للإسلام فنشأت عن ذلك أسر إسلامية فى ولاياته والبلدان الأخرى التى كانوا يتمركزون فيها وأصبحت تلك البيوت المزدوجة الجنسية منارات يهتدى بها السكان. ونتج من هذا آلاف من الأسر المسلمة التى ظلت تتزاوج فيما بينها وكانت النساء الملايويات بعد الزواج يتطبعن بطباع الإسلام التى أعجبت العديد من المواطنين وأقنعتهم حتى اعنتقوا الإسلام. ومن المسلمين من كان يتزوج بأكثر من واحدة حتى ساعد هذا الزواج على زيادة عدد المسلمين (1) .

ومنها جهود الملوك والرؤساء الملايويين وتشجيعهم ومنهم من اعتنق الإسلام وأسهم إسهاما بارزا فى نشر الدعوة الإسلامية. وكان الشعب الملايوى معروفا بالولاء الكامل تجاه ملوكه فى كل شيء. وأدى هذا الولاء إلى سهولة انطلاق الدعوة لسكان هذه البلاد (2) .

كما انتشر الإسلام فى مملكة ملقا (MELAKA) بشبه جزيرة الملايو عن طريق المصاهرة مع سلطان سامودرا (SAMUDERA) ثم صارت هذه المملكة الصغيرة إمبراطورية إسلامية عظيمة بسطت نفوذها على كثير من البلاد المجاورة وحيثما امتد سلطانها نشرت الإسلام فى مناطق نفوذها (3) .

وأصبحت مملكة ملقا هى أكبر دولة إسلامية حيث أسلم سلطانها وهو بارا مسوارا - PARA MASWARA ثم غير اسمه إلى السلطان مجت اسكندر شاه - SULTAN MEGAT ISKANDAR SHAH- (4) .

(1) See. Abdullah Ishak. op. cit. pp. 113 - 114

(2)

انظر: محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 35

(3)

انظر: محمد عبد الرءوف - الملايو: وصف وانطباعات - الدار القومية- الكويت 1966 - ص 49

(4)

See. Joginder Singh Jessy - Tawarikh Tanah Melayu 1400 - 1959

- DBP. CET. 2 - 1965 - p - 20

ص: 352

ومن عوامل انتشار الإسلام الظروف المستقرة الآمنة السليمة من موجات الحروب المضطربة حيث كان الدعاة الأوائل وبعضهم من التجار الذين حملوا الإسلام ونشروه بالطريق السلمى فالمؤكد المعروف أن الإسلام انتشر فيه بالسلام لا الحرب ويتعذر أن نعثر على موقعة عسكرية تبشر بالإسلام أو تفرض فرضا بعهد النصر فالناس فى هذه المناطق دخلوا فى الإسلام عن قبول وإقتناع ورغبة وكان دخولهم فى هذا الدين أفواجا بمنهج الحكمة والموعظة الحسنة والقدوة السليمة. وبالإضافة إلى ذلك قدَّم الإسلام الثقافة والحضارة الراقية التى أسهمت فى تكوين الشخصية الملايوية (1) . وكان للعرب سواء دعاة أم وعاظا أم تجارا فضل فى حمل رسالة الدعوة الإسلامية إلى موانئ أرخبيل الملايو بالطريق السلمى ومنهم من صاهره بعض ملوك الأرخبيل (2) .

ومنها مميزات الدعاة العرب الأخلاقية فكان للتجار العرب المسلمين وما يمتازون به من أخلاق إسلامية فى البيع والشراء والمعاملة الأثر الكبير فى جذب أنظار سكان البلاد إلى الإسلام حتى ساد الإسلام فى ربوعه وأصبح ديانة سائدة فيها (3) . ومن خصائصهم أنهم تعودوا على عادات أهل البلاد التى ساعدت على سهولة اندماجهم واحتكاكهم بأهل البلاد المحليين وكان هذا الاحتكاك والاختلاط ييسر انطلاق عجلة الدعوة الإسلامية وبالإضافة إلى ذلك فإنهم استطاعوا بسهولة أن يتعلموا اللغات المحلية بسرعة فوثقوا بذلك صلاتهم مع أهل البلاد المحليين (4) .

(1) انظر - أحمد شلبي - السابق - ص 449.

(2)

انظر - مرزوقي حاج محمود حاج طه - السابق - ص 177

(3)

انظر: محمد زيتون - المسلمون في الشرق الأقصي -دار الوفاء - القاهرة - الطبعة الأولى 1985 - ص 123

(4)

انظر - أحمد شلبى - السابق - ص448

ص: 353

وقد أحدث الإسلام تغيرات جذرية فى شئون الحياة لدى أبناء الملايويين فى جميع النواحى دينيا وسياسيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا ولم يقتصر انتشار الإسلام فيه باعتباره دينا فقط بل انتشرت معه الثقافة العربية والآداب العربية الإسلامية (1) . وقد ساهم الإسلام بدوره الفعال فى نقل الثقافة العربية الإسلامية وآدابها إلى تربة الملايو مثل انتقال الحروف العربية إلى الكتابة الملايوية واختلاط مفردات عربية فى اللغة الملايوية وانتشار الأنواع الأدبية العربية الإسلامية من القصة والشعر فى الأدب الملايوى.

أثر الإسلام فى الحياة الملايوية:

قد اتفق المؤرخون المسلمون من العرب أن اختيار شعب الملايو الدين الإسلامى اختيار لا إجبار فيه بل اعتنقه بالاقتناع التام قلبا وقالبا ولقى استجابة واسعة النطاق وهى ظاهرة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الشعب الملايوى حيث اعتنق الملايويون دين الإسلام. وبدءا من المواطن العادى الذى كان يعيش فى البيئة البدوية أو البدائية إلى طبقات الوزراء والأمراء والملوك.

ومن الجدير بالذكر أن شعب الملايو أقبل على الإسلام ليس كإقباله على دين جامد يراه يهتم بمراسم العبادات وتشييع الجنازات والأحزان الأخرى بل استقبله كدين ومنهج شامل للحياة واتخذه وسيلة للتقدم فى جميع مجالات الحياة وقد أحدث الإسلام تغيرات جذرية فى شئون الحياة لدى أبناء الملايو فى جميع النواحى دينيا وسياسيا وعلميا وثقافيا ولغويا وأدبيا. وتظهر آثاره جليا فيها حيث توارثها الجيل بعد الجيل حتى يومنا الحاضر.

1-

أثر الإسلام فى الحياة الدينية:

(1) See. Jamilah Bt. Hj. Ahmad - Kumpulan Esei Sastera Melayu Lama

- BP. - CET. 1 - 1981 - p - 118

ص: 354

قد انتشرت الدعوة الإسلامية فى أرخبيل الملايو بسلام ولم توجد أية مقاومة ومعارضة تذكر حيث إن الملوك والرؤساء بجانب الشعوب أقبلوا على الإسلام طواعية وبجدية وإخلاص وبدون تردد. وهذه السمة هي التي ساعدت على سرعة انتشار الإسلام وتأثيره فى الأرخبيل وكان حضور عدد كبير من التجار والدعاة العرب إليه بوفود متتالية لمجرد تعليم أبناء البلاد مبادئ الإسلام وعلومه وأحكامه وأدبه حتى تركوا ما كانوا عليه من أديان أخرى وتلبسوا بشعائر الإسلام.

وإن الهندوكية والبوذية اللتين جاءتا قبل الإسلام لم تسيطرا على قلوب الملايويين ونفوسهم بل كانتا تلعبان دورا رئيسيا فى أوساط الملوك والرؤساء والأغنياء منهم فقط دون أبناء الشعب ولم تؤثرا إلا فى أمور العادات والمناسبات والمعاملات (1) فحقيقة الأمر أن الشعب الملايوي تأثر بهما من الجانب المادي فحسب وأما الجانب الروحى فلم تتسربا إلي قلوبه لأنهما قامتا على أساس الخيال وجلب المصالح الشخصية بعيدا عن مخاطبة العقل والضمير.

ومن منطلقات هذه الناحية اعتنق الملايويون دين الإسلام وتركوا المعتقدات القديمة من الهندوكية والبوذية والخرافات المضللة بسبب النشاط والتعاشر الكريم الذي أبداه المسلمون فى خلق كريم ومستوي رفيع من المعاملات والتوادد والوحدة الإسلامية ولقد ساعدت هذه العوامل على توسيع رقعة العقيدة الإسلامية حتي غدت ممالك بوذا والديانة الهندوكية فيه فى ذبول لفساد عقيدتها (2) .

2-

أثر الإسلام فى الحياة السياسية:

(1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) Islam Dalam Sejarah Dan

Kebudayaan Melayu - ABIM - Cet 4 - 1990 - p. 12

(2)

انظر: عبد الرءوف الشلبي - الإسلام في أرخبيل الملايو - دار القلم - كويت - الطبعة الثالثة

1983 -

ص - 101

ص: 355

من هذه الناحية صار الإسلام عمادا حقيقيا فى توحيد صفوف أبناء الملايو منذ القدم لأن الإسلام دعا إلى تحقيق الأخوة والمحبة والوحدة بين شعوبه. وقد حدث التغيير البارز عندما ظهرت الدولة الإسلامية فيه نتيجة انطلاق حركة الدعوة الإسلامية وجهود الدعاة والوعاظ. وفى القرن التاسع الميلادي ظهرت أول دولة إسلامية فيه وهي دولة برلق. وأنشئت فى سنة 840 م وكان ملكها الأول السلطان السيد مولانا عبد العزيز شاه. ثم تلا هذه الدولة إنشاء دولة سمودرا باساي (SAMUDERA PASAI) سنة 1042 م. وكان ملكها الأول السلطان محمود شاه. ثم قامت دولة فطانى (PATANI) فى القرن الثالث عشر الميلادى (1) .

وقد واجه الملايويون المؤامرات والهجمات المتعددة والمتكررة من جانب قوي الاستعمار المختلفة بقوة العقيدة الإسلامية ولم يغيروا عقيدتهم الإسلامية مهما كان الثمن حتي استطاعوا القضاء على امبراطورية ماجاباهيت (MAJAPAHIT) الهندوكية سنة 1478م ونقل شعارها إلي ديماك (DEMAK) عاصمة الدولة الإسلامية بجاوا (JAWA) وكان زعيمهم فى تلك الحالة رادين باتك (RADIN BATAK) وهو أول من أسلم من ملوك جاوا (2) . ثم نالوا الاستقلال للبلاد وطردوا المستعمرين الهولنديين والإنجليز عنها. ومن أعظم الممالك الإسلامية الملايوية:

مملكة باساي (PASAI)

.................................. سنة 1280م - 1400م

مملكة ملقا (MELAKA)

................................

سنة 1400م - 1511م

مملكة أتشية (ACEH) ............................................ سنة 1511م - 1650م

مملكة جوهور وريؤو (JOHOR DAN RIOU) .............

سنة 1650م - 1800م

(1) See. Abdul Rahman Hj. Abdullah. op. cit. p. 48

(2)

See. Sopian Taimon - op. cit. p. 4

ص: 356

وبمجيء الإسلام تفتحت آفاق جديدة فى مجال الاقتصاد الخارجي حيث اتسع نطاق التعاون بين أرخبيل الملايو والدول الأخري فى الشرق الأوسط وأفريقيا وغرب أوربا. لأن المسلمين كانوا يملكون زمام التجارة العالمية بجانب السياسية الدولية. ويرى السيد نجيب العطاس أنه لم يكن من المبالغة لو أننا نقارن بين نفوذ الإسلام فى الأرخبيل بنفوذ الإسلام فى أوربا فى القرنين السابع والثامن للميلاد حيث تمكن دخول الإسلام ونفوذه من تشكيل الكيان أو الظروف الجديدة فى أوربا التي تعرف بالعصر الحديث كما يدل دخول الإسلام ونفوذه فى منطقة الأرخبيل على ظهور زمن جديد وبداية عصر جديد (1) .

3-

أثر الإسلام فى الحياة الاجتماعية:

من هذه الناحية الاجتماعية كان شعاع الإسلام أيقظ الملايويين وأنقذهم من الضلال وحثهم على تخطي العقبات فى طريق التقدم والازدهار. وعان الملايويون فى عهد نفوذ الهندوكي قبل الإسلام كثيرا من المشاكل الاجتماعية كوجود الطبقات والتعصب القبلى ودكتاتورية الحاكم واستغلال الأغنياء ومعاناة الفقراء وغير ذلك.

وكان من أثر الإسلام فيه نجاحه فى محو تلك المشاكل بالقضاء على الفوارق الطبقية وإعلان أن الناس جميعا سواسية فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوي والأعمال الصالحة. ودعت هذه الدعوة الطيبة الملايويين إلى الدخول فى الإسلام ونبذ الهندوكية التى قامت على أساس الطبقات وعدم الاهتمام بشأن الفقراء والضعفاء (2) .

وكانت الحقوق الفردية التى أعطاها الإسلام للمسلمين شعارا للملايويين يشعرون بالأمان والطمأنينة فى حياتهم فلا قهر ولا تعذيب بل العدل وسيادة القانون فى كل حال خلافا لما حدث فى الماضي من الإكراه والقيود التى أدت إلى تعطيل نشاط الحياة.

(1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas -op. cit. p. 4

(2)

See. Abdullah Ishak - op. cit. p. 126

ص: 357

وقد رفع الإسلام حياة الملايويين من مجتمع بدائي متخلف إلى مجتمع حضاري متقدم. فالحضارة الإسلامية تغلبت على الحضارات القديمة التى بقيت فيه سنينا طويلة قبل الإسلام وأدت إلي ترقية الحياة الاجتماعية لديهم فالعصر الإسلامى هو عصر النهضة الفكرية والعلمية التى لم تحدث من قبل فيه وقد أحرز الإسلام تقدما عظيما فى تطوير سلوكيات المجتمع الملايوي وتغيير نظرة حياتهم ومبادئ ثقافتهم من حالة الجمود والتخلف إلى الواقعية والمنطقية (1) .

ومن سمات تأثر المسلمين الملايويين بالإسلام أنهم سموا أنفسهم وأبنائهم بأسماء عربية إسلامية وغيروا الأسماء الهندية والمحلية القديمة والشعيبة بأسماء عربية ومثال ذلك لفظ أونج AWANG اسم شعبي فغيروه إلى محمود أو بكر. ويمكن القول إن المجتمع الإسلامى الملايوي فى القرون الماضية منذ اعتناقه الإسلام إلى اليوم كان مجتمعا متمسكا بالإسلام وتعاليمه ومبادئه حيث تسود فيه الأفكار الإسلامية والقيم الروحية وكذا يهتم المسلمون بالشئون الإسلامية والتعاليم الدينية والأعياد والاحتفالات الدينية المختلفة.

4-

أثر الإسلام فى الحياة العلمية والثقافية:

فى هذه الناحية كان للإسلام والدعاة المسلمين فضل كبير فى ترقية مستوي التفكير لدي الملايويين حيث كانوا يعيشون فى عالم الأساطير والخرافات أيام السيادة الهندوكية فى أراضيهم. فنقلهم الإسلام من تلك الضلالات والظلمات إلي عالم النور والإيمان والحضارة فى كل نواحي الحياة. وكان العقل الملايوي فى ظل الحكم الهندوكي مغلقا وصار ضحية التقليد الأعمي للرؤساء والملوك ولا مفر لهم من ذلك.

(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 44

ص: 358

ومن نعم الله الكبري أن حرر الإسلام تلك العقول من قيود الخرافات وهداهم إلي حرية التفكير المنطقي والتفكير الفلسفى والخضوع الكامل للخالق الوحيد هو الله سبحانه وتعالى. وبالإضافة إلى ذلك لعبت التعاليم الإسلامية دورها فى نقل الملايويين من عبادة الأصنام والأوثان وما تقتضيه من الانحطاط فى النظر والإسفاف فى الفكر إلي عبادة إله واحد مقدس. ومن أبرز سمات أثر الإسلام فى الحياة العلمية والثقافية فيه محو الأمية لدي الشعب وتقليل عددها. بجانب إعداد العلماء المحليين البارزين (1) .

وأدى وصول الإسلام إليه إلي انتشار العلوم الإسلامية التي كانت تدرس فى مراكز التعاليم الإسلامية المشهورة مثل باساي (PASAI) وأتشية (ACEH) وملقا (MELAKA) وفطاني (PATANI) وكلنتان (KELANTAN) . ولعبت هذه المراكز دورا بارزا فى نشر الإسلام وثقافته فى هذه المناطق وكانت مدينة باساي أول مركز للعلوم الإسلامية فيه ومنها انتشرت التعاليم الإسلامية إلي أنحاء الأرخبيل. ومن العوامل التي ساعدت على ازدهار التعليم الإسلامي جهود السلاطين والملوك نحو حركة التعليم مثل تشجيعهم العلماء والوعاظ لكي يكرسوا جهودهم وكذا مساهمتهم فى إنشاء المدارس والمساجد والبيوت لتكون مكانا للتعليم كما أصبح ركن من القصور مكانا للتعليم (2) .

(1) See. Abdul Rahman Hj. Abdullah. op. cit. p. 60

(2)

See. Abdullah Ishak - op. cit. pp. 131 - 132

ص: 359

ولم ينتج الإسلام فى الشرق قوة سياسية لها خطرها وسيطرتها فحسب بل نشر العلم والعرفان فى ربوع البلاد وأبرز شخصيات علمية ذات يد طولي فى تطوير الفكر الملايوي وذات أثر أعظم فى اللغة وآدابها كما كان للإسلام فضل أكبر فى نشر الحضارة والأمن وتدريب معتنقيه على أداب النظافة والهندام ومراعاة العادات الصحية. وذلك كما جاء فى الملاحظات التي كتبها بعض الرحالة الصينيين الذين زاروا البلاد إبان انتشار الإسلام هناك (1) .

وكان المعلم الذي ينهض بمهمة التعليم الديني نازحا من الجزيرة العربية أو من الهند أو ممن تخرج على أيديهم من أبناء البلاد. ومن الحجاج الملايويين من أقام بجانب المسجد الحرام حقبة من الدهر رغبة فى طلب العلم فكانوا يقومون بمهمة التدريس بعد رجوعهم إلي أهاليهم. وبعض هؤلاء الذين رحلوا إلي الأرض المقدسة تتلمذ على أيدي مشاهير العلماء والمتصوفة فى عصره وأصبحوا أنفسهم حجة فى العلم والدين وتركوا لمن خلفهم كنوزا ثمينة من تأليفهم وإنتاجهم (2) .

(1) انظر - محمد عبد الرءوف - الإسلام فى أرخبيل الملايو - السابق - ص 156

(2)

See. Abdul Rahman Hj. Abdullah - op. cit. p. 59

ص: 360

وكان التعليم وسيلة لمعرفة الدين والعبادة وبدأ فى أول أمره بشكل الحوار بين الداعي والمستمع ثم تطور فانقسم إلي حلقات للوعظ فى المساجد ودروس التعليم للنشئ من أولاد المسلمين. وبعد مرور الزمان ظهرت فكرة بناء البيوت الصغيرة بجوار مسكن المعلم وذلك لتلبية زيادة أعداد كبيرة من المسلمين الراغبين فى تعلم الدين الإسلامي. وكثير منهم جاءوا من أماكن متفرقة بعيدة. ومن هنا بدأ نظام الكتاتيب أو ما يسمي بالماليزية الفندق أو بالأندونيسية البسنترين (1) . وما لبث أن انتشرت الكتاتيب فى أرخبيل الملايو حيث تدرس فيها تلاوة القرآن وعلوم الإسلام الأساسية مثل الفقه والتوحيد والتفسير والحديث وعلوم العربية مثل النحو والصرف والبلاغة والمنطق والمطالعة. وبالإضافة إلي ذلك عثر على أماكن أخري لدراسة التعاليم الإسلامية من بيوت العلماء المسلمين والمساجد والسوراو (2) التي كانت منتشرة فى أرجاء البلاد (3) .

ومع هذا فإن الدور الذي لعبه الفندق والمسجد والسوراو وبيوت العلماء فى مجال التعليم كان مهما بارزا وذا تأثير عميق فى قلوب أبناء المسلمين فيه. وفى عهد الاستعمار الغربي نشأت من هذا الدور سلسلة من الحركات النضالية الإسلامية ضد الاستعمار الأجنبي فى هذه البلاد وهي تمثل معاقل الدين الإسلامي حيث ينهض فيها العلماء ويخرجون الفئات القادرة على حمل رسالة الإسلام.

أثر الإسلام فى حروف الكتابة:

(1) هذا الاسم يطلق علي مكان التعليم الديني علي نظام الحلقات الدراسية القديمة. وهذا المكان عبارة عن مساحة تبلغ فدانا أو أكثر. وفيها مسجد أو سوراو. وهو مكان يتم فيه التعليم وبجانبه بيت للشيخ أو المعلم. وفي إطاره أكواخ أو بيوت صغيرة من الخشب يبلغ عددها مئات بل بعض الفندق تحتوى على آلاف منها. وقد بناها الطلبة بأنفسهم وهم يسكنون فيها.

(2)

هذا المكان بمثابة المصلى.

(3)

See. Abdullah Ishak - Islam Di India، op. cit. pp. 133 - 134

ص: 361

دخل الإسلام إلي أرخبيل الملايو بطريق سلمي واقتناع من المواطنين وتلقوا الدين الإسلامي بصدر رحب واقتناع وتركوا وراءهم الديانات الأخري وأخذوا منه الثقافات والحضارات والآداب ولم يكن الإسلام دينا فحسب ولكنه دين ومنهج للحياة والمجتمع والحضارة والثقافة والأدب. وعندما وصل إليه حمل معه أثرا فعالا من الحضارة والثقافة العربية الإسلامية وكان ذلك إرصادا بشروق مجال جديد فى تاريخ الحضارة والثقافة الملايوية ومن أقيم ما قدم لها الإسلام الكتابة بالحروف العربية.

وقد أسهمت النهضة الإسلامية التي أسسها الإسلام فى شعوب الأرخبيل فى ترقية الملايويين ليتربعوا على أرضية صلبة من التقدم والرقي والتفكير (1) . وكان من الإصلاحات التي أحدثها الإسلام محو الأمية وابتكار طريقة لكتابة اللغة الملايوية لأول مرة بالكتابة العربية (2) .

(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 86

(2)

انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 153

ص: 362

وكانت أول مساهمة إسلامية هامة فى الثقافة الأدبية الملايوية هي الكتابة بالخط العربي وهذه الكتابة معروفة عند الملايويين باسم كتابة جاوية - TULISAN JAWI - وكانت الأعمال الأدبية القديمة وما تأثر بالأدب الهندي مكتوبة بهذا الخط (1) . وكان الفضل فى تعريف هذه الحروف إلي الثقافة الملايوية يرجع إلي التجار العرب الذين كانوا تجارا ودعاة من المتصوفة والمرشدين ولم يكفهم أن يعلن الفرد إسلامه فقط بل تجاوزوا إلى تعليمهم الصلاة والأدعية والأذكار الصوفية وتلاوة القرآن. ولم يكن عمليا أن يتعلم هذه الأشياء عن طريق اللغة العربية بل كان من الأيسر أن يتعلم هؤلاء الدعاة اللغة المحلية. ثم يعلموا أبناء الشعب مبادئ الدين عن طريق لغتهم. وقد اكتسبوا اللغة فيما يبدو عن طريق الاختلاط والتفاهم مع الشعب الملايوي ثم حاولوا أن يكتبوا هذه اللغة بالرموز العربية. وقد وفت الحروف العربية بجميع الأصوات فى اللغة الملايوية إلا القليل (2) مما سنشير إليه.

وكانوا قبل وصول الثقافة الإسلامية لا يعرفون الأدب المكتوب بل كانوا يمارسون الأدب اللساني يتناقلون الحكايات والتواريخ بالذاكرة والفم وكان للقصاصين دور بارز فى عصور ما قبل الإسلام فى تطور الأدب الشعبى وأما الأدب الملايوي المكتوب فلم يظهر إلا فى العصر الإسلامي (3) بعد استخدام الحروف العربية للكتابة.

(1) See. Jamilah Bt. Hj. Ahmad - op. cit. - p. - 110

(2)

انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 154

(3)

See. Zuber Osman. Kesusasteraan Lama Indonesia. Abbas Bandong. 1978. p. 5

ص: 363

وقد أثيرت التساؤلات حول وجود الحروف للكتابة قبل وصول الإسلام. هل هناك حروف للكتابة أم رموز. فلقد أثبتت البحوث الأثرية أن الملايوين القدماء كانت لديهم حروف خاصة تكتب بها لغتهم. ومنها ما يسمي بحروف الكاوي (KAWI) وهي الحروف التي ظهرت فى أرخبيل الملايو بقدوم الثقافة الهندية فى فترة ما بين عام أربعمائة ميلادية وسبعمائة وخمسين ميلادية كما تعرفوا على حروف جاوة القديمة وهي أصلا من حروف ونجي (WINGI) التي نشأت لدى شعب بالاوا المقيمين فى بلدة كورومنديل جنوب الهند.

وهناك نوع آخر من الحروف المستخدمة لكتابة اللغة الملايوية القديمة وهو ما يسمي بحروف رينتشونج (RENCUNG) التي ساد استعمالها فى منطقة جنوب جزيرة سومطرة وبلدة مينج كاباو (MINANG KABAU) وما زالت هذه الحروف تستخدم فى هذه المنطقة حتي القرن الثامن عشر الميلادي واستبدلت بعد ذلك بالحروف اللاتينية نتيجة زحف الاستعمار الهولندي فى ذلك القرن (1) .

وبدخول الحروف العربية إلي الأرخبيل قد قضي على الحروف الأخرى المستخدمة من قبل. وذلك لأن الخط العربي أنسب فى التعبير والتسجيل لكتابة اللغة الملايوية لما فيها من السهولة الفائقة فى تهجية كلمات هذه اللغة بالمقارنة إلي استعمال الحروف الهندية القديمة وكانت الكتابة الجاوية تشبه الكتابة العربية تماما فقد استعارت جميع الحروف العربية غير أنها زادت زيادات أو أدخلت تعديلات للدلالة على أصوات لا نظير لها فى العربية.

(1) See.A. Samad Ahmad-Sejarah Kesusasteraan Melayu. Vol. 1. DBP. 1965. p. 27

ص: 364

وعدد الحروف الزائدة خمسة أحرف وهي بمثابة تكملة لحروف الهجاء العربى فالنون الساكنة المتبوعة بالجيم المصرية رمزوا لذلك بالحرف ع بثلاث نقط من أعلى. والنون الساكنة المتبوعة بحرف الياء رمزوا لذلك بالحرف ن بثلاث نقط من أعلى. والباء المهموسة التي لا نظير لها فى العربية رمزوا لها بالحرف ف بثلاث نقط من أعلى. والجيم المصرية رمزوا لها بالحرف ك بنقطة من أعلى. والتاء الساكنة المتبوعة بالشين رمزوا لها بالحرف ج بثلاث نقط من الوسط (1) .

فمثال ذلك كما يلي:

رسم حرف

نطقه

... مقابله باللاتينية

ج

... تشا/ ca

C

غ

... نجا/nja

... NG

ق

... با/fa

... F

ك

... جا/ga

... G

...

ن/ن

... نيا/jna

... NY

كما أنهم تصرفوا فى حروف العلة بحيث يزيدونها دون أن يكون هناك مد لتدل على ما يدل عليه الشكل فى العربية. وكذا يكتبون بالنون الساكنة بدلا من التنوين ويزيدون الواو أو الياء أو تارة الألف قبل النون الساكنة لتدل هذه الحروف على صوت الضمة أو الكسرة أو الفتحة. فمثال ذلك ما يلي:

الكلمة

... الزيادة

...

معناها

كطاعتن

ن بدلا من التنوين

... الطاعة

محمدون

... وبدلا من الضمة

...

اسم شخص

مسليم

... ي بدلا من الكسرة

... المسلم

خبران

... ابدلا من الفتحة

...

الخبر

(1) انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 154

ص: 365

ويعتقد أن الملايويين ومعلميهم العرب اقتبسوا من الحروف الفارسية فى زيادة هذه النقط على الحروف العربية. وذلك لوجود علاقات وثيقة بينهم وبين الفرس فى العصور الإسلامية (1) . وعلى الرأي الآخر أن هذه الحروف الخمسة عربية الشكل وهي متسربة من أبجدية اللغة الفارسية أو التركية العثمانية أو الأردية أم اللونغورية. لأن أرخبيل الملايو لها علاقة وثيقة بهذه الدول منذ الزمان القديم (2) . ويري الأستاذ السيد محمد نجيب العطاس أن الحروف الخمسة الزائدة مبتدعة لتلائم أصوات لسان الملايويين وإنها مأخوذة من حروف عربية مع زيادة النقط فحرف ج مأخوذ من ج وحرف غ مأخوذ من غ وحرف ف مأخوذ من ف وحرف ك مأخوذ من ك وحرف ن مأخوذ من ن (3) .

ومثال تلك الحروف الخمسة فى الكلمة كما يلي:

الحروف

الكلمات

نطقها

...

معناها

ج

جواجا

... CUACA/ تشواتشا

... الجو

غ

بوغا

... BUNGA/ بونجا

...

الزهرة

ف

فلسو

... FALSU / فلسو

...

التزوير

ك

كوا

... GUA / جوا

...

الغار

ن

يات

... NYATA/ نياتا

...

الوضوح

ن

بوكون

BUKUNYA / بوكونيا

... كتابه

وتنبغي الإشارة إلي أن حرف ن إذا كان من أصل حروف الكلمة فإنه يكتب هكذا ن بالنقط تحته وإذا كان ضميرا فيكتب هكذا ن بالنقط فوقه كما فى المثال الأخير.

وترتيب الحروف الملايوية كما يلي:

اب ت ث ج ح خ ج د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ غ ف ق ف ك ك ل م ن ن وهـ لاء ي

(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق -ص 97-99

(2)

انظر - عبد الرازق بن وان أحمد - اللغة العربية في ماليزيا بعد استقلال - رسالة الماجستير - كلية الآداب - جامعة الإسكندرية - 1990 - ص - 263

(3)

See. Syed Mohammad Naquib Al-Attas - (B) Preliminirary Statment on A General Theory Of Islamization Of The Malay - Indonasian Archipelago - DBP. 1965 -pp. 27

ص: 366

وإن أول ما كتبت به اللغة الملايوية من المؤلفات كانت بالحروف العربية عند انتشار الإسلام فى القرن الثالث عشر الميلادي - فيما يبدو ولا تزال تكتب بها- وأول وثيقة وصلتنا كتبت بهذه الحروف نقوش أثرية عثر عليها فى العقد الرابع من هذا القرن فى الساحل الشرقي لشبه جزيرة الملايو تعرف بحجر ترنجانو وهو مودع الآن فى المتحف الوطني بالعاصمة وهو محفور من أربع جهات كتبت عليه قوانين رسمية (1) . وبعد أن عرف الملايويون استخدام الخط العربي لكتابة لغتهم بدأوا فى تدوين الحكايات والتواريخ التي تناقلوها شفهيا منذ أمد بعيد على شكل كتب ورسائل وغير ذلك (2) .

وقد طبعت فى مكة المكرمة مجموعة كبيرة من الكتب الدينية الملايوية بهذه الحروف وأرسلت إلي كل أنحاء البلاد الملايوية. ولذلك ظهرت الكتب الكثيرة التي ألفت وترجمت إلي اللغة الملايوية فى التفسير والحديث والتوحيد والفقه والتصوف والآداب وغيرها وكانت الكتابة كلها بالحروف العربية.

ثم اتسع استخدام هذه الحروف فى جميع المجالات وعلى كل المستويات وبها ازدهرت حركات التأليف والترجمة والمراسلة وبرز أعلام من الملايويين ينشرون أفكارهم ويرفعون شأن آدابهم ويسجلون حركات أمتهم وخواطرهم وتراثهم. وكذا اتسع نطاق استعمال الكتابة بقيام السلطات الإسلامية فى تنفيذ كتاباتها ومراسلاتها بالحروف العربية وتشجيع السلاطين المسلمين شعوبهم على القراءة وعلماءهم على مضاعفة تأليف الكتب باللغة الملايوية لتوجيه المسلمين وإرشادهم أو ترجمة ما ينفعهم من الكتب الإسلامية وكانت هذه الأعمال كلها مكتوبة بالحروف العربية.

(1) انظر -محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص - 61

(2)

انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 88

ص: 367

والأمر المهم الآخر فى دراسة أثر الإسلام فى هذا المضمار هو حركة التأليف والترجمة بالحروف العربية. فالدعاة والعلماء قاموا بإصدار كتب ومؤلفات فى الدراسات الإسلامية لأبناء الملايو باستعمال اللغة الملايوية مكتوبة بالحروف العربية. وكان أكثرهم يؤلفون كتبا دينية باللغة الملايوية بالحروف العربية نقلا أو مقتبسا عن الكتب العربية الإسلامية ليقرأها أبنائهم تيسيرا لهم فى فهم الإسلام.

وقد بدأ فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى صدور عدد من الجرائد والمجلات باللغة الملايوية وكلها مكتوبة بالحروف العربية ولا يزال حتي اليوم توجد جهود مخلصة لإبقاء استعمال الحروف العربية ونشرها بين جموع المواطنين فى البلاد (1) وكانت المؤلفات الأدبية الملايوية القديمة التي ظلت حتي الآن بكتابة اليد أو طبعة الحجر على شكل مخطوطات كلها مكتوبة بالحروف العربية.

ولم يبق حظ هذه الحروف على عرشها بعد انتشار زحف المستعمرين الإنجليز والهولنديين فحاولوا فى تغيير الشخصية الملايوية وصبغوها بصبغتهم. وظهرت جهودهم فى تغيير نظام كتابة اللغة الملايوية وفى أندونيسيا اقترح PYAPEL عام 1860م إلغاء الحروف العربية المستخدمة فى كتابة اللغة الملايوية وفى عام 1901م صدرت اللائحة الرسمية للأبجدية الملايوية أن تكون للغة الملايوية الأبجدية اللاتينية (2) .

وأما فى ماليزيا فقد بذل R. J. WILKINSON جهده فى تغيير الحروف للكتابة وفى عام 1904م أدخل الحروف اللاتينية فى اللغة الملايوية (3)

(1) انظر - نفسه - ص 51 وما بعده

(2)

See. Research di Indonesia 1945-65. Urusan Reaearch Nasional. P. 141.

فى رسالة ماجستير لزين العابدين سوتومو. اللغة العربية والثقافة الإسلامية فى أندونيسيا - جامعة القاهرة ص ص - 206-207

(3)

See. Carmel H. L. Hsia. The Influence of English on the Lexical Expansion of

Bahasa Malaysia. Ph.D Thesis. University of Edinburgh 1981 p. 73

ص: 368

واحتلت هذه الحروف مكانة الحروف العربية ونالت حظها. فظلت تستخدم حتى الآن.

أثر الإسلام فى اللغة الملايوية:

لو تتبعنا تاريخ انتشار الإسلام فى جنوب شرقى آسيا عبر عدة قرون لوجدنا أن اللغة العربية كانت تسير جنبا إلى جنب مع هذا الدين الحنيف الذي رافق هجرة العرب من شبه جزيرة العربية وبخاصة حضرموت واليمن بقصد التجارة ونشر الدين فى هذه البقاع فمهدت بذلك الطريق أمام اللغة العربية للزحف والنمو والاتساع عن طريق فتح المدارس الأولية - الكتاتيب - وتدريس العلوم الدينية فى المساجد باللغة العربية.

وكان لانتشار الإسلام فى الأرخبيل واعتزاز الناس به أثر كبير فى تسرب مفردات اللغة العربية ومصطلحاتها وحروفها وأساليبها إلى اللغة الملايوية وكان استخدام المفردات العربية فى اللغة الملايوية يتناول جميع المجال مثل العلوم والفنون والهندسة والاحتفالات والولائم والاقتصاد وشؤون الإدارة والقانون والتعليم كما كان استخدامها فى الحياة اليومية منذ ولادة الإنسان حتي وفاته مثل العقيقة والموت والتلقين (1) وإلى جانب ذلك رفع الإسلام شأن اللغة الملايوية من صفتها البدائية ونطاقها الضيق إلى أن تكون لغة مشهورة لدي شعوب جنوب شرقي آسيا بفضل اصطحاب الإسلام بها فى مسيرة نشر تعاليمه فى أرجاء دول المنطقة.

(1) See. M. Abdul Jabbar Beg - Arabic Loan-Words In Malay - A Comparativ

Study - University of Malaya - 1976 - P. 89

ص: 369

وقد أشار الدكتور محمد نجيب العطاس إلى هذا الأمر حينما ذكر أن أهم الأحداث التى تجري على أثر تطور الثقافة الإسلامية مباشرة هى توسيع استعمال اللغة الملايوية حتى تشمل النواحي الفلسفية. وإن استعمالها كلغة للأدب الفلسفى الإسلامى فى الأرخبيل أدي إلى تحسين وتزويد مفردات هذه اللغة ومصطلحاتها الخاصة (1) ومن الطبيعى أن يأخذ الإسلام اللغة الملايوية كأداة لنشر الأدب الإسلامي. وقد أدي هذا إلى تطوير هذه اللغة حتى صارت واسعة الانتشار فى أنحاءه.

وجاء أثر الإسلام فى الناحية اللغوية عن طريق العرب الذين اختلطوا بشعوب الملايو واستقروا فيها حتي تمكنوا من تكوين جاليات عربية وكثير منهم أقام القري والمدن بمختلف الجهات التي تعد بمثابة مراكز لنشر الدعوة الإسلامية بل إن بعضهم أسس المدارس العربية والدينية. كما جاء أثر الإسلام فى اللغة عن طريق جهود علماء المسلمين المحليين الذين تربوا على أيدي مدرسيهم العرب سواء فى أرخبيل الملايو أو الأراضى العربية ثم قاموا بمهمة التدريس وتربية أبناء البلاد بعلوم الدين. ففى كلتا الحالتين لزم عليهم أن يستخدموا الكلمات والمصطلحات العربية والإسلامية لشرح الأفكار والدروس للملايويين ولجئوا فى كثير من الأحيان إلي استخدامها أيضا فى معاملاتهم اليومية وبمرور الأيام والأزمنة تلاحمت اللغة الملايوية باللغة العربية لتصبح اللغة العربية هي المسيطرة على الكتابة ولتصبح المفردات العربية هي البديلة والمتممة لمعظم الفراغات اللغوية (2) .

الكلمات العربية الدخيلة:

(1) See. Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) op. cit. p. 21

(2)

انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 51-52

ص: 370

إن أغلبية من تعرض لدراسات المفردات العربية الدخيلة فى الملايوية أقروا بأن عددها لايقل عن ألف كلمة ولا ريب فى أن عدد كلمات العربية المستعملة فى العصر القديم كان أكبر بكثير نظرا لعدم وجود مزاحمة من جانب اللغات الأوربية فى ذلك العصر (1) .

والكلمات الدخيلة من العربية كان جلها من الأسماء سواء كانت جامدة أو مشتقة وقل أن تؤخذ من الأفعال والحروف. وبعد دخولها إلي اللغة الملايوية تحضع لنظام الصرف والنحو الملايويين فتلحق بها السوابق واللواحق والإضافات وغيرها لتؤدي المعاني المطلوبة من أحوال مختلفة لكل كلمة (2) . ومثال ذلك ما يلي:

الكلمة

... معناها

... زيادتها

برصبر

... يصبر

... بر فى أوله

كصبران

... الصبر

... ك - ان

كطاعتن

... الطاعة

... ك - ن

وكذا تؤخذ على صيغة المفرد وقليل منها على صيغة الجمع والمراد به جمع التكسير ويعامل معاملة المفرد فى اللغة الملايوية. ومثال ذلك ما يلي:

الكلمات

المعاني

أرواح

... الروح

... خواطير

... الخاطر

عجايب

... العجيب

وللحروف العربية قابلية الاندماج فى الكلمات الملايوية مع التغيير الصوتي المناسب فمثال ذلك أن حرف العين يقوم مقام حرف الكاف مثل نكمة بمعني نعمة وإكلان بمعني إعلان (3) . وقد حدث مثل هذا نتيجة استخدام الحروف اللاتينية لكتابة الأصوات العربية لأنه لا توجد بها رموز تدل على الأصوات العربية التي توجد فى بعض الكلمات العربية المستعارة فى اللغة الملايوية (4) .

(1) انظر - نفسه ص 148

(2)

انظر - نفسه ص 149

(3)

انظر - عادل محي الدين الألوسي - العروبة والاسلام في جنوب شرقى آسيا - دار الشئون الثقافية - بغداد - الطبعة الأولي - ص 78

(4)

انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 62

ص: 371

وكذلك وجدت كلمات عربية ركبها الملايويون بلغتهم لإبداع ألفاظ جديدة للتعبير عن أمور مستحدثة فى الحياة الفكرية والاجتماعية ومثال ذلك ما يلى:

الكلمة

... المعنى

... الكلمة العربية

حق ميليك

الملك التام

حق

جوروحساب

المحاسب

... حساب

تاتا ترتيب

الانضباط

ترتيب

وهذه الكلمات الدخيلة تنقسم إلي مجموعتين كبيرتين المجموعة الأولي تضم الكلمات العربية الدخيلة التي بقيت وحافظت على معانيها الأصلية أو إحدى معانيها ومثال ذلك ما يلي:

الكلمة

... معانيها

أسرة

... الأسرة

سؤال

... السؤال

شرح

... الشرح

صبر

... الصبر

وأما المجموعة الثانية فهي تضم الألفاظ العربية الدخيلة التي تغيرت مدلولاتها (1) ومثال ذلك كما يلي:

... الكلمات

... معناها

... ساعة

...

الثانية

... مكتب

...

المعهد العالي

...

مادة

...

القول البليغ

... ديوان

...

القاعة

... مريد

...

التلميذ

وقد استعارت اللغة الملايوية كثيرا من الكلمات العربية والمصطلحات العربية وخاصة فى المجال الديني والعقلي مالم يكن هناك ألفاظ تدل على المعني نفسه قبل دخول الإسلام (2) إذ أن الدين الإسلامي هو العامل الرئيسي فى دخول اللغة العربية إلي بلاد الملايو ومن منطلق الإقناع أخذ الملايويون المصطلحات الدينية من العربية كلها تقريبا حتي أصبحت من ضمن متن اللغة الملايوية فقاموا بشرح معانيها ووضع التعريفات الواضحة لها فى المعاجم الملايوية وكتب الدين (3) .

أثر الإسلام فى الأدب الملايوي:

(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص 150

(2)

انظر - محمد عبد الرءوف - الملايو - السابق - ص 62

(3)

انظر - محمد زكي عبد الرحمن السابق - ص - 148

ص: 372

كان أثر الأدب العربي الإسلامي يظهر جليا فى الأدب الإبداعى من النثر القصصي والشعر وهناك أثر عربي إسلامي فى غير هذين النوعين المذكورين مثل الكتابة العلمية والمراد بها الكتب الدينية المكتوبة باللغة الملايوية وأنها متأثرة بتأثير عربي إسلامي من ناحية التبويب حيث وجدت فيها أبواب وفصول وكما تأثرت بمقدمة من حيث ذكر فيها الحمد لله والثناء على رسول الله ومن ناحية أخري أنها تأثرت بأسلوب التركيب العربي حيث وجد التركيب فيها تركيبا عربيا مع أن ألفاظها غير عربية (1) . والسبب فى ذلك أن المؤلف ألفها بطريقة ترجمة حرة من الكتب العربية أو أنها مقتبسة منها أو بإعادة صبغتها الجديدة من العربية. وبذلك تأثر بما قرأه من الأسلوب والمحتوى.

القصة:

قبل عصر الإسلام كانت قصة الأبطال الهندية مثل حكاية رامايانا ومحابراتا تحتل مكانا مرموقا فى أرخبيل الملايو. وعندما جاء الإسلام إليه استخدم الدعاة مثل هذه القصة من القصة العربية للتغلب على الأثر الهندي فى نفوس شعب الملايو وهذه القصة لا تخلو من الإضافات الفنية من الخيال والمغامرات والسحر والأسطورة لملاءمة ما ورد فى القصة الهندية (2) .

(1) See. Ibrahim Mohd Salleh - op. cit. - p. 33

(2)

See. Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - DBP - 1990 - p. 81

ص: 373

وإن القصة الهندية المشهورة فى أول عصر دخول الإسلام فى الأرخبيل لم تهجر بل إنها استخدمت كوسيلة للدعوة بعد وقوع تعديلات بالإضافة أو الحذف فيها أو بإعادة صبغتها بالصبغة الإسلامية أو بتحويل مجراها إلى المجرى الإسلامى ومثال ذلك حكاية شاهى مردان (SHAHI MARDAN) فيها ملك دار الهستان اسمه فكراما داتياجايا ((FIKRAMA DATARIAJAYA وابنه شاهي مردان (SHAHI MARDAN) يتعلم التعاليم الإسلامية على يد برهمين من دار الخيام. كما فيها ما يتعلق بأركان الإسلام كالصلاة وكانت عملية إسلامية القصة تتمثل فى أن تحذف كل العناصر الهندية فيها وتضاف عناصر عربية إسلامية محلها وتحل أسماء الأنبياء والملائكة محل أسماء آلهة هندية ثم تحل محل الشخصيات الهندية الشخصيات الإسلامية (1) .

وقد اجتهد الدعاة والوعاظ لتغيير مجرى الأدب الملايوي الهندوكي القديم إلي صورة الأدب الملايوي الجديد الإسلامي وقد نجحوا بالفعل فى تحويل مجري الحكايات الهندوكية ومقاصدها إلي المجرى الإسلامي وإدخال العناصر الايمانية الإسلامية واستخدام أداة تعبيرها بالكلمات والمصطلحات الدينية والعربية مثل لفظ الجلالة وملك الكون وخالق العالم وأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقضاء والقدر وغير ذلك من العناصر الإسلامية والمواصفات الثقافية العربية.

ونذكر هنا بعض الحكايات الهندوكية الشهيرة التي تم تغيير موضوعها ومواصفاتها ومغزاها الهندوكي إلي صورتها الجديدة بصبغة الثقافة الإسلامية والعناصر الايمانية بعد تأثرها بالتيارات الإسلامية. ومن هذه الحكايات:

1-

حكاية ماراكرما (HIKAYAT FIKRAMA)

تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية المسكين

2-

حكاية سرنجا بايا (HIKAYAT SERANJABAYA)

تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية أحمد محمد

(1) See. Bakar Hamid - Diskusi Sastera Tradisi - DBP- 1974 - Vol. 1 - pp. 78-80

ص: 374

3-

حكاية اندراجايا (HIKAYAT INDERAJAYA)

تم تغيير اسمها الهندوكي إلي اسمها الإسلامي الجديد هو: حكاية شاهي مردان

وأما القصص والحكايات فهي التي نالت اهتماما كبيرا فى أوائل العصر الإسلامي من جموع الناس خصوصا ما له طابع بطولي أو ديني ولذلك كثر دخول الحكايات التي تروي عن قصص الأنبياء وأبطال الإسلام والقصة التعليمية والصوفية وحكايات التسلية والفكاهة وهذه الحكايات منها ما ترجم من المصادر العربية أو ما اقتبس منها ومنها ما أعاد صياغته الأدباء الملايويون (1) . كما وصلت أيضا قصص ما قبل الإسلام من مثل قصة الاسكندر الأكبر والأمير حمزة وسيف بن ذي يزن وغيرهما من القصص لما فيها من سمات البطولة والدعوة الإسلامية (2) .

وقد سجل وريندي قائمة لأسماء المؤلفات الملايوية القديمة فى كتابه النحو الملايوي الذي طبع فى هولندا (AMSTERDAM) سنة 1736م. وتضم القائمة 69 كتابا من الحكايات والكتب دينية وغيرها. ومن الحكايات الملايوية المتأثرة بالأدب العربي الإسلامي المذكورة فيها ما يلي (3) :

حكاية ذو القرنين

حكاية أمير المؤمنين عمر

حكاية حمزة

حكاية لقمان

حكاية ملك سليمان

حكاية عبد الله عمر

حكاية كليلة ودمنة

حكاية محمد على الحنفية

حكاية معراج النبي محمد (

حكاية نور محمد

حكاية النبي محمد (

حكاية النبي موسي

حكاية النبي يوسف

حكاية النبي سليمان

حكاية عمر

ويمكن حصر القصة المتأثرة بالأدب العربي الإسلامي إلي أقسام تالية (4) :

- حكايات عن النبي محمد (.

- حكايات عن قصص الأنبياء.

- حكايات عن أصحاب النبي (.

- حكايات عن الأبطال الإسلاميين.

- حكايات عن الصوفيين والصالحين والشيعيين.

(1) انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 55

(2)

See. A. Samad Ahmad، op. cit. p. 18

(3)

See. R. Q. Winstedt - Malay Works Known By Wrendly In 1736 A. D. - Jsbras No. 82 - 1920 - pp. 163 - 165.

(4)

See. A. Samad Ahmad - op. cit p. 41

ص: 375

- حكايات عن الملوك المسلمين.

- حكايات عن قصة الإطار

أما عن تاريخ تأليف الحكايات الملايوية القديمة فلا يمكن تحديده لسبب عدم إفصاح المؤلفين عن أسماءهم وتاريخ إنتاجهم حتي لا يعرف الذين جاءوا بعدهم من الذي ألف هذا أو ذاك ومتي ألفه. ويعتقد أن معظم هذه الحكايات الملايوية قد دونت فى عهد السلطات الإسلامية فى مملكة ملقا فى القرن الخامس عشر الميلادي (1) حيث كانت ملقا حينئذ مزدهرة بكل فنون (2) . وكذا فى مملكة أتشيه فى القرن السادس عشر الميلادي بعد سقوط مملكة ملقا. بحيث يتمركز فيها العلماء والأدباء من العرب والفرس والهند وأبناء البلاد (3) .

الشعر:

عثر فى الأدب الملايوى القديم قبل وصول الإسلام على أنواع متنوعة من الكلام الموزون ومن أشهرها بنتون - PANTUN - وسلوكا - SELOKA- وجوريندم (4) - GURINDAM وبعد وصول الإسلام عرف الأدب الملايوى نوعا جديدا من الكلام المنظوم الذى عرف باسم شعر -SYAIR. وكان للشعر العربى الصوفى فضل بارز فى نشأته وازدهر فى القرن السادس عشر الميلادى فى أتشية على يد حمزة الفنصورى الذى كان رائدا فى إبداع الشعر الملايوى الصوفى وكان الفضل فى ذلك يرجع إلى تأثره بالأدب العربى الصوفى من خلال قراءته العميقة وانطباعاته فى آراء الصوفية مثل ابن عربى والحلاج وذى النون المصرى والبسطامى (5) .

(1) See. Ibid - p. 52

(2)

انظر - محمد زكي عبد الرحمن - السابق - ص - 57

(3)

See. A. Samad Ahmad ، op. cit. p. 10

(4)

See: Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - op-cit - p - 104.

(5)

See: Syed Mohammad Naguib Al Attas - (c) The Origin Of Malay Syair - DBP - Cet- 1 - 1968 - p. 5

ص: 376

وبدأ تأليف الشعر من سنة 1550 حتى سنة 1600 للميلاد وكانت مؤلفاته الشعرية من أوائل ما كتب فى الأدب الملايوى بالكلام المنظوم. وقد اقتبس واستوحى فى إنجاز شعره من أفكار الشعر العربى وأغراضه بالإضافة إلى إلمامه بالثقافة العربية والفارسية وانتهج فى أشعاره منهجا صوفيا وتتميز أشعاره بالصبغة الدينية التى تتحدث دائما عن الإيمان والعلاقة بين الإنسان وربه (1) .

وكان الشعر يستخدم أيضا لمحاكاة القصص وأغلب القصص فى أول الأمر كتبت نثرا ثم تحولت إلي الشعر لأنه مشهور لدي الشعب خاصة لدي النساء (2) . وكانت فنون الشعر متنوعة منها شعر تعليمي وشعر صوفى وشعر نصيحة وشعر تاريخي وشعر غنائي وشعر تمثيلي وغيرها (3) .

وقد اختلف المؤرخون فى تحديد أصل الشعر الملايوي وقد اكتشف على لفظ الشعر فى الكتاب الأدبي القديم مثل تاريخ الملايو. والمراد به نوع من الشعر العربي كما وجد فى كتاب تاج السلاطين وكان المراد به نوعا من الكلام الشعري الفارسي مثل الرباعي والمثنوي (4) .

(1) See: Ismail Hamid - op-cit - pp. 106

(2)

See. Zuber Osman op. cit. p. 179

(3)

See. Bakar Hamid - op. cit. p.87

(4)

See. Ismail Hamid - op. cit.p. 105

ص: 377

ويري العطاس (1) أن الشعر العربي قد لعب دورا بارزا فى نشأة الشعر الملايوي وقد تسرب هذا النوع من الشعر إلي أرخبيل الملايو بواسطة الأدب الصوفى حيث كانت أتشية فى القرن السادس عشر الميلادي مركزا للعلوم الإسلامية وسادت فيه آراء صوفية أثارها علماء متصوفة مثل حمزة الفنصوري وعبد الصمد السومطراني والرانيري وغيرهم. وقد ساعد الأثر الصوفى فى نشأة الشعر الملايوي على يدي حمزة الفنصوري وهو رائد فيه. وكان الأدب الصوفى العربي قد ساعده على إبداع نوع جديد من الكلام الموزون فى الأدب الملايوي المعروف باسم شعر (SYAIR) وكذا قراءته العميقة وانطباعاته فى آراء الصوفية مثل ابن عربي والحلاج وذي النون المصري والبسطامي وغيرهم ألهمته فى إبداع هذا النوع من الشعر الملايوي.

ويتبين من هنا أن نشأة الشعر الملايوي من أصل الشعر العربي من حيث الأغراض الشعرية ولكنه يختلفه تماما من حيث الشكل لأن الشعر الملايوي يتكون من أربعة أشطر متساوية أصوات فى آخرها أأ أأ A A A A ويحتوي كل شطر على أربع كلمات لها 8،9،10 أو12 من مقاطع الصوت (2) . ومثال ذلك ما يلي:

INILAH GERANGAN SUATU MADAH

MENGARANG SYAIR TERLALU INDAH

MEMBUTOHI JALAN TEMPAT BERPINDAH

DI SANA IKTIKAD DIPERBETULI SUDAH

WAHAI PEMUDA KENALI DIRIMU

INILAH PERAHU TAMTHIL TUBUHMU

TIADA LAH BERAPA LAMA HIDUPMU

KE AKHIRAT JUGA KEKAL HIDUP MU

هذا هو قول رائع

إبداع الشعر الرائع

طلب المكان للانتقال

ثمة اعتقاد مستقيم

أيها الشباب اعرف نفسك

هذه السفينة تمثيل لجسمك

لا تبقي حياتك

فى الآخرة تبقي

(1) See. Syed Mohammad Naguib Al Attas - (c) op. cit - 1968 - p. 5

(2)

See. Ismail Hamid -op. cit. p 104

ص: 378

ومن صور الكلام الموزون المتأثر فى الأدب الملايوى نظم وغزل ومثنوى ورباعى وقطعة وأما النظم فكان لفظه مشتقا من الكلمة العربية وصار فى الأدب الملايوى مصطلحا لنوع خاص من الكلام الموزون الذى يأتى على شكل أبيات ويتكون من اثنتى عشر شطرا ويشتمل كل بيت فيها على شطرين. وفى كل شطرين أو أربعة أشطر قافية متحدة وهو شبيه ببحر الرجز فى الشعر العربى (1) .

ومنها ما يسمى الغزل من أصل الكلمة العربية وجاء ذكره فى كتاب تاج السلاطين للبخارى الجوهرى سنة 1603 الميلادية وكان الغرض منه نفس الغرض فى الغزل العربى من تصوير أحاسيس الحب والعاطفة وكذا استخدمه الشعراء الملايويون للنصائح. ويتكون من ثمانية أشطر بالقافية المتحدة لكل شطر (2) .

وكان المثنوى هو نوع آخر من الكلام الموزون ونشأ من تأثير الأدب الفارسى وكان من أغراضه فى الأدب الملايوى المدح ويتكون من عشر أو اثنتى عشر أو أربعة عشر مقطعا مع القافية المتحدة لكل شطرين مثل aa bb cc (3) .

وكان الرباعى نوعا آخر من الكلام الموزون الموروث من الأدب العربى أو الفارسى واستخدم لتصوير التعاليم الصوفية والفلاسفة الإسلامية ويتكون من أربعة أشطر بالقافية المتحدة aaaa والنوع الأخير من الكلام الموزون يدعى قطعة وهى مأخوذة من الكلمة العربية وليس لها نظام معين ولا تعريف جامد مانع وهى مطلق نوع من الكلام المنظوم فقط (4)

(1) Cited by Ismail Hamid. The Emergence of Islamic Malay Literature: A Case Study of Hikayat. 1981 p. 109.

(2)

Ibib. P.108

(3)

Ibib. P 109

(4)

Ibib

المراجع العربية

أحمد شلبي - موسوعة التاريخ الإسلامي - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الثالثة 1993م - ج8

بدر الدين حي الصيني - العلاقات بين العرب والصين - مكتبة النهضة المصرية - الطبعة الأولى - سنة 1950

ابن بطوطة - رحلة ابن بطوطة - دار صادر - بيروت 1992

سير توماس و. أرنولد - الدعوة إلى الإسلام - ترجمة د. حسن إبراهيم حسن ود. عبد المجيد العابدين - مكتبة النهضة المصرية 1970

عبد الرءوف الشلبي - الإسلام في أرخبيل الملايو - دار القلم - كويت - الطبعة الثالثة 1983

عادل محي الدين الألوسي - العروبة والاسلام في جنوب شرقى آسيا - دار الشئون الثقافية - بغداد - الطبعة الأولي

محمد نصر مهنا - الإسلام في آسيا - المكتب الجامعي الحديث - اسكندرية - الطبعة الأولي 1990

محمد أحمد السنباطي - حضارتنا فى أندونيسيا - دار القلم - الكويت - 1983

محمد عبد الرءوف - الملايو: وصف وانطباعات - الدار القومية- الكويت 1966

محمد زيتون - المسلمون في الشرق الأقصي -دار الوفاء - القاهرة - الطبعة الأولي 1985 الرسائل الجامعية

زين العابدين سوتومو. اللغة العربية والثقافة الإسلامية فى أندونيسيا - رسالة ماجستير - كلية الآداب - جامعة القاهرة

عبد الرازق بن وان أحمد - اللغة العربية في ماليزيا بعد استقلال - رسالة الماجستير - كلية الآداب - جامعة الإسكندرية - 1990

محمد زكى عبد الرحمن - أثر اللغة العربية فى اللغة الماليزية - رسالة الماجستير - كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر - القاهرة - 1990

مرزوقى حاج محمود حاج طه - الإسلام فى أرخبيل الملايو - رسالة الدكتورة - كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر - 1977م

Carmel H. L. Hsia. The Influence of English on the Lexical Expansion of Bahasa Malaysia. Ph.D Thesis. University of Edinburgh 1981.

المراجع الأجنبية

Samad Ahmad - Sejarah Kesusasteraan Melayu. Vol. 1. DBP. 1965.

Abdul Rahman Hj. Abdullah - Pemikiran Umat Islam Di Nusantara - Dbp. Cet. 1 - 1990

Abdullah Ishak - Islam Di India Nusantara Dan Cina - Nurin Enterprise - Cet. 1 - 1992.

Azyumardi Azra - Jaringan Ulama Timur Tengah Dan Nusantara Abad Ke 7 Dan 8 - Penerbit Mizan - Cet. 1 - 1994

Bakar Hamid - Diskusi Sastera Tradisi - DBP- 1974 - Vol. 1

Ibrahim Mohd Salleh - Kesusasteraan Melayu Kelasik Dan Moden - Penerbit Asia - K.L

Ibrahim T. Y. Ma - Perkembangan Islam Di Tiongkok - Bulan Bintang - Jakarta - 1969

Ismail Hamid - Asas Kesusasteraan Islam - DBP - 1990

---------------- - The Emergence of Islamic Malay Literature: A Case Study of Hikayat. 1981

Jamilah Bt. Hj. Ahmad - Kumpulan Esei Sastera Melayu Lama - DBP. 1981

Joginder Singh Jessy - Tawarikh Tanah Melayu 1400 - 1959 - DBP. 1965

Abdul Jabbar Beg - Arabic Loan-Words In Malay - A Comparative Study - University of Malaya - 1976

Q. Winstedt - History of Classical Malay Literature. K. Lumpur. Oxford University Press. 1972.

----------------- - Malay Works Known By Wrendly In 1736 A. D. - Jsbras No. 82 - 1920

Q. Fatimi - Islam Comes To Malaysia - Masri Singapore - 1963

Sopian Taimon - Intisari Sejarah Asia Tenggara. DBP. 1972

Syed Muhammad Naquib Al-Attas - (A) Islam Dalam Sejarah Dan Kebudayaan Melayu - ABIM - 1990

---------------------------------------- - (B) Preliminirary Statment on A General Theory Of Islamization Of The Malay - Indonasian Archipelago - DBP. 1965

--------------------------------------- - (C) The Origin Of Malay Syair - DBP - 1968

Zuber Osman. Kesusasteraan Lama Indonesia. Abbas Bandong. 1978.

ص: 379

ومن هذه الأنواع المذكورة من صور الكلام الموزون كان الشعر فى مقدمتها وتلقى حفاوة كبيرة ومنزلة رفيعة لدى الشعب وتدوول واسعا فى الأدب الملايوى حتى تغلب على أنواع صور الكلام الموزون التقليدى قبل مجيء الإسلام. ومن أعظم العوامل أدت إلى انتشاره فى أول وهلة طابعه الدينى لأنه يتحدث عن تعاليم الإسلام مع تصوير التعاليم الصوفية من العلاقة بين العبد وربه ثم تطور إلى تصوير الحقائق التاريخية.

• • •

الخاتمة

يتضح مما سبق أن للإسلام فضلا ودورا بارزا فى تغيير مجرى حياة الشعب الملايوى من شتى نواح دينيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأدبيا. وكانت معالم الإسلام تظهر فى تلك النواحى تدريجيا منذ وصول الإسلام إلى أرخبيل الملايو فى القرن الأول الهجرى من طريق التجار العرب من الدول العربية مباشرة. وكانت تلك المعالم تتجلى عندما بدأ الإسلام ينتشر فى القرن الثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر للميلاد على أيدى الدعاة العرب الصوفية والفرس والهند.

من أثر ذلك التطور ترك الشعب الملايوى ما كان آباءه يعتادون عليه من المعتقدات المضللة والحياة المنحرفة الموروثة من التقاليد الهندية بل أقبل على الإسلام وتعاليمه حتى تأسست حواضر إسلامية فى تلك البقع لتكون منطلقا للحركة الإسلامية والأدبية.

من أبرز أثر الإسلام فى أرخبيل الملايو ما يلى:

- تغيير مجرى اعتقاد الشعب الملايوى وحياته من التقاليد الهندية إلى الإسلامية.

- ظهور الحروف الهجائية العربية للكتابة الملايوية

- تسرب الألفاظ العربية ومصطلحاتها الإسلامية إلى اللغة الملايوية

- انتقال القصة العربية الإسلامية إلى الأدب الملايوى

- تسرب أنواع الشعر العربى إلى الشعر الملايوى.

والله أعلم.

الحواشي والتعليقات

ص: 380