الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح العلاّمة الأمير على نظم العلاّمة السُّجاعيّ
في " لاسيَّمَا
"
تحقيق ودراسة
د. أحمد بن محمد بن أحمد القرشي
الأستاذ المساعد في كلية إعداد المعلمين بالمدينة المنورة
ملخص البحث
هو الإمام العالم العلَاّمة الفاضل الفهَّامة محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن عبد القادر السّنباويّ المالكيّ الأزهريّ المشهور بالأمير الكبير، صاحب التحقيقات الرَّائقة والأليفات الفائقة، انتهت إليه الرّياسة في العلوم بالدّيار المصريّة.
صنّف عدّة مؤلفات اشتهرت بأيدي الطّلبة وهي في غاية التحرير، أكثرها حواش وشروح، ومن أشهرها حاشيته على مغني اللّبيب وكذا على المقدّمة الأزهريّة، وشذور الذّهب وغيرها.
وشرْحُه لأبيات لاسيّما للسُّجَاعيّ لا يقلّ قيمة عن بقيّة كتبه؛ إذ إِنَّ الأمير حشد في شرحه جُلَّ ما يتعلق بأحكام (لاسيّما) من أمهات وبطون الكتب المتفرّقة جمعها في شرحه في أسلوب علميّ لا تكاد تجده في أيّ كتاب آخر، ممَّا دفعني إلى تحقيقه ودراسته ونشره حيث ناقش الأمير حكم دخول الواو على (لاسيّما) وإعرابها، وجوازِ حذف " لا " وعدمه، و " سيّ " من حيث الإعراب وعدمه، وكون " ما " موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة زائدة وغيره، وأوجه إعراب الاسم الواقع بعد (لاسيّما) إذا كان معرفة أو نكرة، وحلول الجملة محلّه وعدمه، وعن مجموع (لاسيّما) هل هو من أدوات الاستثناء؟ وغير ذلك من الأحكام.
وقد حقّقت هذا الشّرح على ثلاث نسخ حاولت جاهداً وحرصت كل الحرص من خلال مقابلتها أن يخرج نصّ الكتاب كما أراده مؤلّفه ملتزما في ذلك الدّقّة والأمانة العلميّة في النّقل والتّحقيق الجيّد وختمت النّصّ المحقّق بفهرس للمصادر والمراجع الّتي اعتمدتّها في تحقيق ودراسة الكتاب.
وصلّى الله على سيّدنا وحبيبنا محمّد وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
• • •
كلمة المحقّق
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،،،،،،،،،،،، وبعد:
فقد اهتم علماء العربيّة منذ بداية التأليف في النَّحو العربيّ بتتبّع معاني أدوات العربيّة وأحكامها النّحويّة لذا نجد سيبويه تعرّض لها في الكتاب، والمبردّ في المقتضب، وابن السّرّاج في الأصول، والزّجّاجيّ في الجمل وغيرهم، وزاد اهتمامهم بها فأفردوا لها مصنّفات مستقلّة خاصّة بأدوات المعاني كحروف المعاني للزّجّاجيّ، ومعاني الحروف للرّمّانيّ، والأزهية للهرويّ، ورصف المباني للمالقيّ، والجنى الدَّاني للمراديّ، ومغني اللَّبيب لابن هشام الأنصاريّ وغيرها؛ بل بعض النّحاة أفرد مصنّفا مستقلاً بأداة من أدوات المعاني كالزّجّاجيّ في كتاب اللَاّمات، وأحمد بن فارس في مقالة كلاّ، وأبي جعفر الطّبريّ في رسالة كلاّ في الكلام والقرآن، ومكّي بن أبي طالب في شرح كلاّ وبلى ونعم، وابن هشام الأنصاريّ في رسالته المباحث المرضية المتعلّقة بمن الشّرطيّة، وعثمان النّجديّ الحنبليّ في رسالة أيّ المشددة وغيرهم من النّحاة.
ويجدر بالذّكر أنَّ المفسرين اهتموا ببيان معاني الحروف وتطبيقها في تفاسيرهم، كأمثال القرطبيّ في كتابه الجامع وأبي حيّان الأندلسيّ في كتابيه البحر المحيط والنَّهر المادّ، والسَّمين الحلبيّ في كتابه الدّر المصون وغيرهم من المفسّرين السَّابقين واللَاّحقين.
لذا يطيب لي أن أقدّم لقرّاء العربيّة ومحبّيها شرحاً نفيساً تفرّد بالحديث عن (لاسيّما) للعالم الفاضل محمَّد بن محمَّد بن عبد القادر السّنباويّ الشَّهير بالأمير الكبير، وهو شرح على أبيات لاسيَّمَا للسُّجَاعي آمل من خلاله أن أكون قدَّمت عملاً ينير الطَّريق لمعرفة أحكامها، ويذلّل مسالكها، ويكون عوناً للباحثين في الدّراسة.
• • •
وعملي في هذا الشَّرح يقع في قسمين:
القسم الأوَّل: الدّراسة، وتشتمل على مدخلٍ حول (لاسيّما) ، ثُمَّ ترجمةٍ موجزة لكلٍّ من الأمير والسُّجَاعيّ، ثُمَّ توثيق نسبة الشَّرح والنَّظم لهما، ثمَّ مصادر الأمير في الشَّرح، ثم وصف النُّسخ المعتمدة في التحقيق ومنهجي في تحقيقها.
القسم الثاني: تحقيق الشَّرح وفق قواعد التحقيق؛ ثُمّ صنعت فهرساً للمصادر والمراجع.
• • •
وأودُّ أن أتقدّم بالشّكر الجزيل وعظيم العرفان لأستاذي الأستاذ الدّكتور سليمان بن إبراهيم العايد الّذي تعهّد هذا البحث من أوّل لحظة بالمتابعة والنّصح والتوجيه، فله منّي جزيل الشّكر سائلا الله عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناته.
كما لا يفوتني أن أتقدَّم بالشّكر الجزيل والدُّعاء الخالص للزَّميل الأستاذ عبد الحفيظ محمَّد نور المعيد بقسم الدّراسات القُرآنيَّة بكليّة المعلمين بالمدينة المنوّرة على ما بذله من جهد خالصٍ في طباعة هذا البحث، ومن النُّصح والإرشاد سائلا الله عز وجل له أن يعينه على إنجاز دراسته العليا، وأن يكتب لنا وله التوفيق والسَّداد والقبول في كلّ أعمالنا إنّه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلَّى الله على نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا.
مدخل
يطيب لي في هذا المدخل أن ألخص وأوجز الأقوال والآراء الَّتي أوردها الأمير في شرحه لمنظومة " لاسيَّما " للسُّجاعيّ إذ إنَّه في مقدِّمة الشَّرح بيَّن منهجه الَّذي سيسلكه حيث قال: (مقتضى الترتيب الوضعي في " ولاسيَّما " أن يبحث فيها أوَّلاً: عن " الواو " من حيث كونها اعتراضية أو غيره ممَّا يأتي؛ ثم عن " لا " من حيث جواز حذفها وعدمه وغيرهما ممَّا يأتي ثم عن " سيّ " من حيث الإعراب وعدمه؛ ثم عن " ما " من حيث كونها موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة زائدة وغيره ثم عن مجموع " ولاسيَّما " هل هو من أدوات الاستثناء؟ ثُمَّ عن الاسم الواقع بعدها من حيث إعرابه، وحلول الجملة محله وعدمه) .
وأقول لاشكَّ أنَّ المؤلّف تناول في منهجه أقوال سابقيه، ولم يكتف بالنَّقل عنهم بل خرج إلى المناقشة والرَّدّ والتَّرجيح كما أنَّه قام بالرَّدّ على أقوال المعترضين عليه سالكاً أسلوب الجدل ليوقع بهم، وهذا أمر ظاهر لمن يقرأ الشَّرح قراءة فاحصة ممَّا جعل كلامه من ناحية في بعض المسائل مُلغزا، ومن ناحية أخرى جعل القارئ المتابع لآراء العلماء في المسألة الواحدة يجد عسراً ومشقَّة في معرفة آرائهم بسبب نثره للآراء هنا وهناك ومتابعته للمعترضين عليه، لذلك وغيره وضعت هذا المدخل وقد قسَّمته إلى مبحثين:
المبحث الأول: إعراب " ولاسيَّما " والاسم الواقع بعدها، وفيه ستّ مسائل (1)
(1) اعتمدت في دراسة هذا المبحث – إلى جانب ما ذكره الأمير في شرحه – على المصادر والمراجع التالية:
الكتاب 2/ 286، والأصول 1/ 305، وشرح المفصل 2/ 85، والإيضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الجمل لابن عصفور 2/ 262، وشرح التسهيل 2/ 318، وشرح الكافية الشافية 2/ 724، وشرح الكافية للرضي 1/ 248، والارتشاف 3/ 1549، ومغني اللبيب 148، والمساعد 1/ 596، وتعليق الفرائد 6/ 147، وهمع الهوامع 1/ 234، وشرح الألفية للأشموني 2/ 167، وحاشية الأمير على المغني 1/ 123، وحاشية الخضري على ابن عقيل 1/ 80، والنحو الوافي 1/ 401.
:
المسألة الأولى: إعراب " الواو " الداخلة على جملة " لاسيَّما كذا " ومحل الجملة من الإعراب: وفيها ثلاثة أوجه:
أوَّلاً: أن تكون " الواو " اعتراضية، بناء على ما قيل بجواز الاعتراض في آخر الكلام، وعلى هذا فالجملة لا محل لها من الإعراب.
ثانياً: أن تكون حاليةً نحو: (ساد العلماء ولاسيما زيدٌ) فجملة (لاسيَّما زيدٌ) حال من (العلماء)، فيكون محلها نصباً أبدا؛ إذ المعنى: سادوا والحال أنّه لا مثل زيد موجود فيهم، أي لا مثله في السّيادة أو في العلم وهما متلازمان؛ إذ المعنى: سادوا لِعلْمهم.
ثالثا: أن تكون عاطفة، وعلى هذا فالجملة تابعة لما قبلها محلاً وعدمه، فهي في
نحو: (غايةُ ما تكلمت به الحقُّ أحقُّ بالاتباع ولاسيَّما الواضحُ) في محل رفع؛ إذ الجملة قبلها خبر عن (غاية) ؛ وإذا قلت ابتداء: (أكرمْ العلماءَ ولاسيَّما زيدٌ) فلا محل لها؛ لكون الجملة قبلها ابتدائية، ولا مانع من جعلها للاستئناف وهو ظاهر، وعليه لا محلّ لها من الإعراب.
المسألة الثانية: إعراب " سيّ ": وفيها أربعة أوجه:
الأوّل: اسم للا النافية للجنس منصوب؛ لأنها مضافة إلى (ما) في حالة رفع الاسم الَّذي بعدها؛ وفي حالة جرّه تكون (سيّ) مضافة إلى الاسم الذي بعد (ما) ، واسم " لا " في هاتين الحالتين يكون معربا؛ لأنه مضاف.
الثاني: اسم للا النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب، إذا كان الاسم الذي بعدها منصوباً، وتكون " ما " زائدة و (سيَّ) في هذه الصّورة مبنيّة؛ لأنها غير مضافة ولا شبيهة بالمضاف.
الثالث: قيل: إنّها في هذه الصّورة منصوبةٌ وليست مبنيّةً لشبهها بالمضاف، وحينئذٍ فتحتها فتحة إعراب لا بناء.
الرّابع: وقيل: (سيَّ) منصوب على الحال على أنَّ " لا " مهملةٌ وليست عاملةً النَّصب في (سيَّما)، فإذا قيل:(ساد العلماء لاسيَّما زيد) أي: سادوا غير مماثلين زيداً في السّيادة، والعامل فيها الجملة السابقة، وهذا الرَّأي منسوب للفارسيّ (الارتشاف 3/ 1552)
المسألة الثالثة: إعراب " ما " من " لاسيَّما ": وفيها ستّة أوجه على النّحو التالي:
إذا كان الاسم الواقع بعدها مجروراً ففيها وجهان:
الأوّل: " ما " حرف زائد لا محل له من الإعراب بين المضاف (سيّ) والمضاف إليه الاسم واقع بعد " ما ".
الثاني: أن تكون " ما " نكرة تامة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) وإذا كان الاسم الواقع بعدها مرفوعاً ففيه وجهان:
الأوّل: " ما " اسم مبنيّ على السّكون في محلّ جرّ مضاف إلى (سيّ) سواء أكانت (ما) اسماً موصولاً أم نكرة موصوفة بمعنى (شيء) ؟ .
الثاني: قيل " ما " اسم موصول بمعنى الَّذي في محلّ رفع خبر (لا) ، و (سيَّ) اسمها؛ وهو منسوب للأخفش. (الارتشاف 3/ 1550)
وإذا كان الاسم الواقع بعدها منصوباً ففيه – أيضا – وجهان:
الأوّل: " ما " حرف زائدٌ كافٌّ عن الإضافة.
الثاني: " ما " نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) .
المسألة الرَّابعة: إعراب الاسم الواقع بعد (لاسيَّما) إذا وقع نكرة أو معرفة:
أوّلاً: إن كان مجروراً نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٍ أو رجلٍ) ففيه وجهان:
أحدهما: أن تكون (ما) زائدة، والاسم مجرورٌ بالإضافة إلى " سيّ "، فيكونُ التقدير: قام القوم لا مثل زيدٍ أو رجلٍ.
والوجه الثاني: أن تكون (ما) نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) في محلّ جرّ مضافة إلى (سيّ) ، فيكون زيدٌ أو رجلٌ بدلاً منها، فيكون التقدير: قام القوم لا مثل رجلٍ زيدٍ أو رجلٍ. وهذا الوجه لم يذكره الأمير.
(الإيضاح في شرح المفصل 1/ 368، وشرح الكافية للرضي 1/ 249)
ثانياً: إن كان مرفوعاً نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٌ أو رجلٌ) ففيه وجه واحد:
هو أنَّ الاسم المرفوع خبر لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: (هو زيدٌ، أو هو رجلٌ) ، وهذه الجملة سنبيّن موقعها في المسألة التالية.
ثالثاً: إن كان منصوباً، فإن كان نكرة نحو:(قام القوم لاسيّما رجلاً) فهو تمييز إمّا لكلمة (سيّ) على أن تكون (ما) حرفا زائدا كافّا عن الإضافة، أو تمييزاً لكلمة " ما " على أنّها نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) مبنيّة على السّكون في محلّ جرّ مضاف، و (سيّ) مضافة إليها وهو الأحسن.
وإن كان الاسم المنصوب بعد (لاسيّما) معرفةً نحو: (قام القوم لاسيّما زيداً) ففيه ثلاثة أوجهٍ:
الأوَّل: مفعولٌ به لفعل محذوف وجوباً تقديره: أخصّ، أو: أعني، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنا، على أن تكون " ما " نكرة تامّة غير موصوفة بمعنى (شيء) في محلّ جرٍّ مضافة إلى (سيّ) .
الثاني: تمييز على مذهب الكوفيين وغيرهم كالرّضيّ الَّذين أجازوا تعريف التمييز.
الثالث: مستثنى منصوب، على أنَّ " ما " كافّةٌ عن الإضافة، و (لاسيّما) نُزّلت منزلة (إلاّ) في الاستثناء؛ واختُلف في نوع الاستثناء: فذهب ابن هشام الأنصاري على أنّه استثناء منقطع، وذهب الأمير على أنّه استثناء متّصل لدخول المستثنى في المستثنى منه.
المسألة الخامسة: محلّ الجملة إذا كان الاسم الّذي بعد (لاسيّما) مرفوعاً:
ذكرنا فيما سبق أن الاسم المرفوع بعد (لاسيّما) في نحو: (قام القوم لاسيّما زيدٌ) خبر لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: (هو زيدٌ)، فالجملة إذاً من حيث الإعراب لها وجهان:
أحدهما: الجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (ما) المضاف إلى (سيّ) .
الثاني: الجملة في محلّ جرٍّ صفة (ما) ؛ لأنها نكرة موصوفة بمعنى: شيء، وهي مضافة إلى "سيّ ".
المسألة السادسة: خبر " لا ": بيّن النّحاة أنَّ خبر " لا " النَّافية للجنس الدَّاخلة على " سيّما " محذوف، سواء كان اسمها – أي:" سيّ " – معرباً أم مبنياً؟
قال أبو حيَّان: (و " سيَّ " في " لاسيّما " هو اسم " لا " منصوب، وخبرها محذوف لفهم المعنى، فإذا قلت: " قالم القوم لاسيّما زيدٌ " فالتقدير: لا مثلَ قيام زيدٍ قيامٌ لهم) . (الارتشاف 3/ 1552) وذهب الأخفش إلى أنَّ الخبر " ما " من " لاسيّما " وهي اسم موصول بمعنى " الَّذي ".
المبحث الثاني: أحكام عامّة تتعلق ب " لاسيّما "، وفيه أحد عشر حكماً (1) :
الأوَّل: حكم اقتران " لاسيّما " ب " الواو ":
رأى بعض النّحاة كثعلب وجوب اقتران " لاسيّما " ب " الواو "، مستدلاًّ على ذلك ببيت امرئ القيس:" ولاسيّما يوم بدارة جُلجُلِ "، قال ابن هشام:(قال ثعلب: من استعمله على خلاف ما جاء – أي في البيت بدون الواو – فهو مخطئ) . (المغني 149)
وجمهور النّحاة يرون جواز دخول " الواو " على " لاسيّما " نحو: (قام القوم ولاسيّما زيدٌ)، وقد تحذف مستدلّين بقول الشَّاعر:
فِهْ بالعُقود وبالأَيمان، لاسِيَما عقْدٌ وفاءٌ به من أعظم القُرَب
(1) اعتمدت في دراسة هذا المبحث على مصادر ومراجع المبحث السابق.
وأمَّا الرّضيّ فقد أجاز دخول الواو عليها وحذفها بشرط جعلها مصدراً، أي بمعنى: خصوصاً، قال:(ويجوز مجيء " الواو " قبل " لاسيّما " إذا جعلته بمعنى المصدر، وعدم مجيئها، إلَاّ أنَّ مجيئها أكثر) . (شرح الكافية 1/ 249)
الثاني: حكم حذف " لا " من " لاسيّما ":
تضاربت أقوال النّحاة في حذفها وعدمه، فمن النّحاة من أوجب دخولها على (سيّما) كثعلب وجعل استعمالها بدون " لا " خطأ؛ أمّا ابن يعيش فقد ذهب إلى أنه لا يجوز الاستثناء بها حتى تأتي " لا "، قال:(ولا يُستثنى ب " سيّما " إلَاّ ومعه جحْدٌ، لو قلت: " جاءني القوم سيّما زيدٌ " لم يجز حتى تأتي ب " لا "، ولا يُستثنى ب " لاسيّما " إلَاّ فيما يراد تعظيمه) . (شرح المفصل 2/ 86)
وجعل أبو حيّان حذف " لا " غريباً وأنه يوجد في كلام المولَّدين، قال:(وكذلك حذف " لا " من " لاسيّما " إنّما يوجد في كلام الأدباء المولَّدين، لا في كلام من يحتجّ بكلامه) . (الارتشاف 3/ 1552)
وذهب بعض النّحاة إلى جواز حذفها؛ وذلك لكثرة استعمالهم لها فتصرّفوا فيها تصرّفاتٍ كثيرة، منها حذف " لا ".
الثالث: حكم تخفيف " سيّ " وعملها بعد التخفيف:
ذهب ثعلب وتبعه ابن عصفور إلى أنه لا يجوز تخفيف الياء بل يجب تشديد يائها، مستدلاًّ ثعلب ببيت امرئ القيس السّابق في الحكم الأوّل؛ وابن عصفور حذراً من بقاء الاسم المعرب على حرفين.
وذهب جمهور النّحاة إلى أنّه يجوز تخفيف " سيّ " من " لاسيّما " فيقال: " لاسِيَما " حكاه الأخفش وابن الأعرابي والنّحاس، وابن جنّيّ، واستدلّوا على جواز التخفيف بالبيت السّابق:(فهْ بالعقود ...... إلخ) ؛ وفي ذلك ردٌّ على الزّاعمين بأنّها لا تخفف.
قال الرّضيّ: (وتُصُرِّف في هذه اللّفظة تصرّفات كثيرة؛ لكثرة استعمالها، فقيل: " سيّما " بحذف " لا " و " لاسيَما " بتخفيف " الياء " مع وجود " لا " وحذفها) . (شرح الكافية 2/ 249)
ونصَّ الأخفش على جواز الخفض والرّفع حالة التّثقيل والتّخفيف، وذهب بعض النّحاة إلى أنّها إذا خُفّفت انخفض ما بعدها، وإذا ثُقّلت رفعت ما بعدها، وهو خلاف ما صرّح به الأخفش.
ثُمَّ اختُلف بعد تخفيفها في المحذوف أهو عين الكلمة أم لامها؟ فقال أبو حيّان:
(وأصل " سيّ ": سُوْي؛ والمحذوف عند ابن جنّيّ لام الكلمة، والأحسن عندي أن تكون المحذوفة عين الكلمة وقوفا مع ظاهر اللّفظ) . (الارتشاف 3/ 1552)
الرّابع: حكم حذف " ما ":
نصَّ النّحاة على أنَّ سيبويه ذهب إلى جواز حذف " ما " من " لاسيّما "، فتقول:(لاسيّ زيدٍ) قال سيبويه: (وسألت الخليل – رحمه الله – عن قول العرب: ولاسيّما زيدٍ، فزعم أنه مثل قولك: ولا مثل زيدٍ، و " ما " لغوٌ)(الكتاب 2/ 286) وفي قولهم ردٌّ على زعم ابن هشام الخضراوي بأنَّ سيبويه قال: إنَّ " ما " زائدة لازمة.
الخامس: حكم دخول " الواو " على الجملة الّتي بعد " لاسيّما ":
ذهب بعض النّحاة إلى أنه لا يجيء بعد " لاسيّما " بجملة مقترنة بالواو، قال أبو حيان:(وما يوجد في كلام المصنِّفين من قولهم: " لاسيّما والأمر كذلك " تركيبٌ غير عربيّ)(الارتشاف 3/ 1552) وهو ما نصَّ عليه – أيضاً – المراديّ.
وذهب فريق آخر من النّحاة إلى جوازه كالرَّضيّ ومثَّلَ له بقوله: (أُحبُّه ولاسيّما وهو راكبٌ) . (شرح الكافية 1/ 249)
وقد وافقه الدّمامينيّ حيث علّق على كلام الرَّضيّ بقوله: (وقد رأيت اشتماله على الحكم بصحة ما جعله الشَّارح – يعني المراديّ – تركيبا غير عربيّ) . (تعليق الفرائد 6/154)