المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: الحاجة إلى الأمن الطمأنينة: - محو الأمية التربوية - جـ ٨

[محمد إسماعيل المقدم]

الفصل: ‌أولا: الحاجة إلى الأمن الطمأنينة:

‌أولاً: الحاجة إلى الأمن الطمأنينة:

فمن أهم الاحتياجات المرتبطة بالتنمية السوية للطفل نفسيًا بحاجة إلى الاطمئنان والحاجة إلى الاطمئنان تشكل العاطفة والاتجاهات التي تتحكم في مواقفه واختياراته والأبوان لهما دور أساسي جدًا في تشكيل هذه العاطفة وتحقيق الطمأنينة لدى الأبناء.

ما هي الوسائل التي يتحقق بها الطمأنينة بالنسبة للأطفال نفسيًا؟ باعتبار أن الطمأنينة أو الأمان أهم الاحتياجات النفسية.

أولاً: أولى هذه الوسائل الرفق واللين، فالرفق والليونة في التعامل مع الأبناء يحقق لديهم ثقة متبادلة واطمئنان نفسيًا وعواطف مشتركة؛ لأن اللين والرفق هو التعبير الحقيقي والأمثل على محبة الوالدين لأبنائهما، والرفق عبارة عن رسالة ترسلها أنت إلى الطفل ليستوعب من خلالها أنك تحبه وتريد به الخير. على اعتبار أن الرفق هو الأصل في العملية التربوية يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ وَلَا عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (1) حينما قدم رجلٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ» فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» (2)

فهذا الرفق وهذا التودد رسالة تبلغ بها الطفل أنك تحبه وفي نفس الوقت تعطيه الأمان أنك أيضًا تحبه فأول شيء الالتزام بأسلوب الرفق واللين وأن هذا هو الأصل فالأصل في التعامل هو الرفق واللين.

وعلى الجهة الأخرى الأسلوب الثاني: اجتناب الشدة والقسوة وكثرة المحاسبة فالطفل ما زال لم يكتمل نموه نفسيًا فاستعمال القسوة والشدة مع طفل لم يكتمل قد يصيبه باضطرابات سلوكية الخوف الخوف المرضي طبعًا الخجل فقدان الثقة بالنفس أو التقدير للذات ممكن يظهر أيضًا في موضوع التبول

(1) مسند أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها (صححه الألباني).

(2)

صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 7

اللاإرادي والحقيقة أن الشدة والقسوة أو البداءة بالشدة والقسوة هي عبارة عن إعلان إفلاس تربوي معناها أن هذا المربي عاجز فاشل لا يستطيع أن يوجه الكلمة الطيبة وبالحوار وبالرحمة فبالتالي يلجأ إلى أسلوب الشدة والقسوة يقول الإمام ابن خلدون صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عن إرهاق المتعلم بالشدة والقسوة خاصة آثار الأولاد يقول إن هذا من سوء الملكة، ومن كان مرباه بالقهر من المتعلمين قضى به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل، وحمله على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليهم، وهذا إن شاء الله سنناقشه بالتفصيل حينما نتكلم عن الآثار الضارة في نفسية الطفل من مسألة الضرب غير المنضبط.

ثالثًا: من وسائل إشباع الحاجة إلى الطمأنينة عند الأطفال الاجتهاد والبحث عن وسائل لإدخال البهجة والسرور على الطفل، وهذه إما أن تكون مادية أو معنوية.

معنوية مثلاً كالقبلة أو المداعبة أو الضم أو السلام أو الابتسام في وجهه هذه كلها مما يدخل البهجة والسرور على الطفل.

رابعًا: هناك وسائل مادية كشراء الهدايا واللعب وما يدخل الفرحة على الأبناء ويشتهونه دون إسراف فهذه الوسائل التي تدخل عليه الفرحة والبهجة، أيضًا هي صورة من صور التعبير عن الحب الحقيقي مهم جدًا أن يشعر الطفل بأنه محبوب، ولذلك من الخطأ الشديد تربويًا أنك تهدد الطفل بأنه إذا لم يفعل كذا فلن تحبه خطر شديد جدًا؛ لأن موضوع الحب غير قابل للمساومة أو استعماله كسلاح لاجتذاب الطفل فلا بد أن الطفل يشعر أنك تحبه في كل الأحوال وأنك تتقبله في كل الأحوال، وإن كان هذا لا يعني أنك لا تنكر عليه سلوكه الشيء بصورة مناسبة؛ فشعور الطفل بأنه مرغوب ومحبوب عنصر مهم في اكتمال نموه السوي حتى تتشكل شخصيته المستقرة وتنمو لديه القدرات الإبداعية وتشع منه معاني التفاؤل والنجاح.

ص: 8

عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير من بني العباس -يوقفهم في الصف- ثم يقول «مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» (1)(من يصل في مسابقة قبل الآخر له مكافئة كذا وكذا) قال فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم وهذا رواه الإمام أحمد في مسنده.

فانظر إلى خير من وطئ الحصى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يتواضع مع الأطفال وكيف يتودد إليهم بهذه الطريق وروى مسلم عن جابر بن سمرة وكان من أطفال الصحابة قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان (أطفال صغار) فجعل صلى الله عليه وسلم يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًا وهذه التلامس الجسدي لأن هذا التلامس له أثر مهم جدًا في الطفل فأخذ يمسح خدي كل واحد من الأطفال واحدًا واحدًا.

قال جابر: وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردًا وريحًا كأنما أخرجهم من جونة عطار، من طيب عطره صلى الله عليه وسلم لأنه كان يهتم جدًا بالتعطر؛ فلذلك لما مسح خده كأنه أخرجه من جونة عطار أي فيهما رائحة المسك أو الرائحة الطيبة النفاذة.

خامسًا: من هذه الوسائل التي تشبع احتياجه إلى الأمان وإلى الاطمئنان، وإلى الطمأنينة سؤال الطفل عن أحواله، والاهتمام بشئونه، ومتابعة أخباره، ومشاركته أفراحه وأحزانه.

هذا كله يشكل قاعدة يعتمد عليها الطفل في مواجهة صدامات الحياة، وهذا يحدث تقاربًا بين القلوب، ويدمي الثقة بين الولد وأبويه.

(1) مسند أحمد من حديث عبد الله بن الحارث رضي الله عنه.

الحكم: إسناده حسن (من موقع الدرر السنية).

ص: 9

هذا الاهتمام يجعل الوالدين على علم ودراية بأحوال ابنهما يومًا بعد يوم وبالتالي تعرف الأحوال ينبئ الوالدين إلى تنمية الأمور الصالحة ومعالجة ما يمكن أن يفسد من أخلاق أو سلوكيات قبل استرحالها هذا كله يفرض بصماته على شخصية الطفل.

سادسًا: أيضًا من وسائل بناء الطمأنينة إزالة الهواجس لدى الطفل تجاه الوالدين؛ فالأطفال أذكى مما نتصور ومما نعتقد وهم كثيرو الملاحظة والاستنتاج وكثيرًا ما تختلج ركونهم هواجس تضايقهم وتزعزع استقرارهم النفسي أكثر الأسباب الموجبة لذلك شعور الطفل بأن والديه لا يعدلان ولا يساويان في المعاملة بين أبنائهم تفضيل بعض الأولاد على بعض والعدالة ليس المقصود بها فقط العدل في توزيع الأموال والنواحي المادية لكن لا شك أنه يدخل فيها أيضًا العدالة في العواطف وإظهار المحبة والتودد فإذا شعر الطفل بعدم العدالة في هذه الناحية فإنه يتولد لديه مشاعر القلق والتوتر وهذه بتكون السبب وراء بعض الظواهر مثل العناد المفرط أو الاستسلام تمامًا الموضح للشخصية ينطوي وينذوي وينحسر مشاعر أن به دونية ويعامل بدونية ليس كباقي إخوته بجانب إن عدم وقوع العدالة لا شك أن يكون السبب من أسباب وقوع الضغائن والعداوة والكراهية والحقد والحسد.

سابعًا: أيضًا من أسباب تحقيق أو إشباع الحاجة إلى الطمأنينة العناية الخاصة لـ «الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة» إذا كان هناك طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة وهذا تعبير مهذب شائع إلى الآن بدل التعبير القديم «الطفل المعوق» سواء إعاقة ذهنية أو عقلية أو إعاقة بدنية.

سُئلت امرأة؛ أي أبنائك أحب إليك؟ قالت صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يُشفى وغائبهم حتى يعود أيضًا يدخل في هذا الطفل اليتيم والطفل صاحب الإعاقة الدائمة.

من فنون التعامل مع الطفل فهم نفسيته ودوافع سلوكه وحالياته النفسية فالتعامل السطحي مع الطفل دون أن تنفد إلى أعماقه ونعرف ماذا يحتاجه بالضبط طبعًا يحدث أو يكون سبب وراء بعض المشاكل السلوكية سواء في الطفولة أو فيما بعد فالإنسان كان يربي وهو لا يعرف احتياجات الطفل

ص: 10

الأساسية النفسية بالذات فهذا يترتب عليه واحد من أمرين الذي هو عدم إشباع الاحتياجات النفسية للطفل: حسب طبيعة الطفل إما أن ينطوي على ذاته ويهرب وينكمش ويشعر بالإحباط فبالتالي ينشأ ضعيف الشخصية أو أنه يتعامل مع هذه المشاعر هذا الإهمال أو هذا الافتقار للاحتياجات الأساسية ليتعامل بعدوانية وبعنف حتى يلبي هذه الاحتياجات فيحصل رد فعل هجومية على المحيط الأسري وعلى الآباء تتخذ صورًا انتقامية فإما إن الطفل الذي لم تشبع احتياجاته الأساسية إما أنه يتعامل بالطريقة السلبية بالانطواء والانكماش والإحباط وإما بالعكس العدوانية وممارسة العنف بصور انتقامية التي منها مثلاً التبول اللاإرادي هو يعرف ما الذي يغيظ الأب أو الأم ما الذي يجعله يشتعل غضبًا فيعمله من أجل أن صورة من صور الانتقام أحيانًا يكون هذا هو السبب وراء التبول اللاإرادي أو الألفاظ البذيئة التي تستعملها تشيط الأم غضبًا فممكن يستعملها لما عرف إن هذه حاجة تغضبها كسلاح ليواجه به هذا النوع من القهر العناد والعدوانية هذه بتكون صورة من صور التعامل مع الحرمان من الاحتياجات النفسية.

الاحتياجات النفسية بالنسبة للإنسان عمومًا أي إنسان إما أنها الحاجات المادية الاحتياجات الفسيولوجية التي يحتاجها الإنسان للبقاء الحاجة إلى الطعام والمأوى إلى آخره الحاجة إلى الأمن حتى يحمي نفسه من المخاطر والمخاوف الحاجة الاجتماعية الانتماء والشعور بأنه داخل جماعة أيضًا هذا شيء مهم فاحترام الذات أو تقدير الذات حيث يشعر الإنسان أنه يؤدي عملاً ذا قيمة أو ذا فائدة وأنه قادر على تحمل المسئوليات وإنجاز المهام أيضًا له علاقة بالشعور بالاستقلال والنمو الحاجة إلى تحقيق الذات تحقيق الذات أن يحقق طموحاته من خلال الإنجاز واستغلال الطاقات والقدرات.

هناك احتياجات كثيرة لكن ينبغي أن يأتي الإيمان ويهذب هذه الحاجيات ويوجهها التوجيه السليم عن طريق الحراف والإقناع والتزام مكارم الأخلاق والقيم.

ص: 11