المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب اشادة الإسلام بالعلم والعلماء - التعليم في بلاد المسلمين

[عبد الفتاح بن سليمان عشماوي]

الفصل: ‌باب اشادة الإسلام بالعلم والعلماء

‌باب اشادة الإسلام بالعلم والعلماء

إشادة الإسلام بالعلم والعلماء

طبيعة الإسلام تفرض على الأمة التي تعتنقه أن تكون أمة متعلمة ترتفع فيها نسبة المتعلمين وتهبط أو تنعدم نسبة الجاهلين.

ذلك لأن حقائق هذا الدين من أصول أو فروع ليست طقوسا تنقل بالوراثة أو تعاويذ تشيع بالإيحاء وتنتشر بالإيهام.

كلا إنها حقائق تستخرج من كتاب حكيم ومن سنة واعية. ولقد كان أول ما نزل من القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} .

ولم يقل اقرأ باسم الله ذلك لأنه أراد سبحانه منذ البدء أن يشير إلى أن هذا الدستور الإلهي النازل من السماء إنه هو تربية، إنه نزل باسم المربي.

وما دامت هذه التربية إلهية المصدر فهي إذن محكمة الإحكام كله، كاملة في جميع جوانبها.

كانت (اقرأ) دعوة آمرة إلى الثقافة إلى العلم- إلى الفكر- إلى البحث المستفيض في السماء وفي الأرض. وفي الجبال وفي البحار، وفي كل ما خلق الله تعالى من كائنات صغرت أم كبرت.

ص: 7

كانت أول صيحة تسمو بقدر القلم، وتفيض بقيمة العلم، وتعلن الحرب على الأمية الغافلة، وتجعل اللبنة الأولى في بناء كل رجل عظيم أن يقرأ وأن يعلم.

ولم يسبق الإسلام- فيما نعلم- دين وقف من العلم كموقف الإسلام في الدعوة إليه والإشاادة بفضله.

فأما الإشادة به فقد جاءت فيه نصوص كثيرة منها قوله تعالى: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} وقوله تعالى: {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} .

ومن المعلوم أن أداة العلم قلم يكتب، ومداد يوضح، ومادة يكتب عليها، وقد أقسم الله بهذه الأدوات الثلاث.

ومن أمعن النظر في كتاب الله الكريم وجد أن الله تعالى إنما يقسم بكثير من مخلوقاته تنويها بشأنها ولفتا لأنظار الناس إليها.

ويقول تعالى في قصة خلق آدم: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} .

ص: 8

ذكر الله تعالى في هذه الآيات رده على الملائكة الذين تعجبوا كيف يجعل الله في الأرض خليفة ممن شأنه سفك الدماء والإفساد في الأرض.

فإن الإنسان وإن كان من بعض أخلاقه ما ذكرته الملائكة إلا أن هذه الخصائص يشترك فيها كثير من الحيوانات.

ولكن الميزة الأولى التي ينفرد بها الإنسان، هي استعداده للعلم ومن أجلها استحق الخلافة في الأرض والسيطرة عليها. واستحق أن تخضع له أكرم مخلوقات الله وهم الملائكة فأمرهم بالسجود لآدم بعد أن ظهر لهم ميزته عليهم بالعلم.

وفي هذا من الإشادة بالعلم وتكريمه وجعله الميزة الكبرى التي يتميز بها الإنسان عن غيره ما لا مزيد عليه وما نعرف له مثيلا في الديانات السابقة التي حكمت خلق الإنسان.

ومما جاء في الحديث الشريف عن فضل العلم:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث- صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له".

ص: 9

ومن الإشادة بالعلم ننتقل إلى الإشادة بالعلماء:

ففي القرآن الكريم والسنة المطهرة من الإشادة بفضلهم ما يلفت الأنظار إلى سمو مكانة العلماء في نظر الإسلام.

قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} وهو وقال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} وفي الحديث الشريف "العلماء ورثة الأنبياء" رواه أبو داود والترمذي.

ومن المعلوم أن الأنبياء هم الذروة في الكمال الإنساني، فهل هناك أكثر تشريفا للعلماء من أن يكونوا ورثتهم؟

من أجل هذا نجد أن الإسلام حث على طلب العلم والاجتهاد في تحصيله يقول الله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} فإن أمر من لا يعلم أن يسأل ما لا يعلم لا يكون بالسؤال إلا من العلماء، ويقول الله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه البيهقي وابن عبد البر.

ص: 10

وقد حث الإسلام أتباعه على الرحلة وطلب العلم.

فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:"من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" رواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم.

ص: 11