المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب مواد التعليم في بلاد المسلمين. وكيف تكون - التعليم في بلاد المسلمين

[عبد الفتاح بن سليمان عشماوي]

الفصل: ‌باب مواد التعليم في بلاد المسلمين. وكيف تكون

‌باب مواد التعليم في بلاد المسلمين. وكيف تكون

؟

مواد التعليم في بلاد المسلمين. وكيف تكون؟

لا يرى الإسلام أن للعلم حدا ينتهي عنده العالم، بل على العالم أن يدأب على البحث والنظر، وعليه أن يبتعد عن غرور أنصاف العلماء الذين يظنون أنهم علموا كل شيء، فليست هذه الصفة إلا لله وحده. قال تعالى:{نَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ويقول سبحانه: {َمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} ويقول جل شأنه: {َفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .

ويلاحظ من نصوص القرآن الكريم أن لفظ علم مطلق غير مقيد بعلم معين. اللهم إلا أن يكون علما ضارا بالأمة فهذا هو وحده الذي تحرمه مباديء الشريعة. جث تمنع كل ما يضر بالأمة كل ما يؤذي المجتمع.

ومن هنا يتفق العلماء على تحريم السحر والشعوذة والرمل وأمثالها. وقد خص بعضهم تلك النصوص الحاثة على طلب العلم أو المشيدة بفضله بعلم (التفكر) من حيث إيصاله إلى خشية الله بمشاهدة قدرته وعظمته في ملكوته {ِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} .

ص: 23

وخصها بعضهم بعلم (الفقه) من حيث يعرف به الناس الحلال والحرام ويستدلون لذلك بقول الرسول قيل:"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".

والصحيح: شمول مدلول العلم لكل علم نافع مفيد للأمة وشئون الدين والدنيا.

أما الحديث المذكور فتخصيصه بعلم الفقه خطأ، إذ المراد بالفقه الوارد فيه (يفقهه) .

هو الفهم والمعرفة بالدين الشامل للحياتين، لأن إطلاق (الفقه) على أحكام الحلال والحرام فقط اصطلاح متأخر عن عصر التشريع. وبذلك كان الصحيح ما فهمه المحققون من أنه يشمل كل ما جاءت به الشريعة من مباديء، وعقائد وأحكام وآداب وترغيب وترهيب وغيرها} وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء} وهذا لا يمنع من أن يكون العلم بالحلال والحرام أشرف العلوم التي رغبت فيها الشريعة، لاتصالها بتصحيح العبادات والمعاملات مما يؤدي إلى الاستقامة في الحياة الدنيا والنجاة في الآخرة.

ويرى علماء الشريعة ويجمعون على أن العلم المطلوب في الشرع نوعان:

ا- ما هـ وفرض عين: أي ما يطلب تعليمه وجوبا من كل فرد مكلف ولا يعذر أحد في الجهل به.

ص: 24

وهو ما يحتاج إليه الإنسان في إقامة دينه وقبول عمله عند الله تعالى، واستقامة معاملته ومعاشرته للناس.

ويدخل تحت هذا كله: تعلم أحكام العبادات، وتعلم أحكام المعاملات لمن يمارسها وكذا أهل الحرف.

2-

ما هو فرض كفاية: وهو كل ما يحتاج إليه المجتمع من غير نظر إلى شخص بذاته. كتعلم الصناعات التي يحتاج إليها الناس وتعلم المهن التي لابد للناس عنها، من خياطة وحياكة وغيرها على قدر ما يحتاجون إليه.

فإن لم يكن فيهم من يتعلم ذلك كانوا آثمين جميعا.

ولا ننكر صواب الغزالي في قوله: أما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا- كالطب. إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان. وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرها. وهذه العلوم التي لو خلا البلد بمن يقوم بها أثم أهل البلد. وإذا قام بها واحد كفي. وسقط الفرض عن الآخرين. وقال ابن عابدين: وأما فرض الكفاية من العلم. فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا. كالطب. والحساب. واللغة. وأصول الصناعات. كالفلاحة. والحياكة. والسياسة.

ص: 25

ويلاحظ من هذه النصوص التي نقلناها أن القاعدة في العلوم التي هي فرض كفاية هي كل ما يحتاج إليه في شئون المجتمع. من تجارة وطب واقتصاد. وهندسة. وكمياء. وفيزياء. وكهرباء. وكذا صناعة الأسلحة والذخائر. وجميع الصناعات واللغات المختلفة. وكذا كل ما يجد في المستقبل من الحاجة إلى علوم أخرى فإنها تعتبر من فروض الكفاية. بحيث يجب على الأمة أن يكون فيها من العلماء بتلك العلوم ما يكفي لحصول الأمة على ثمار تلك العلوم.

فلو كانت الأمة تحتاج في علم من العلوم إلى مائة عالم مثلا. ولم يكن فيها إلا خمسون عالما. تكون الأمة آثمة حتى يوجد فيها العدد الباقي اللازم من العلماء.

وقد حرص المسلمون الأولون على تعلم كثير من العلوم. ونبغوا فيها. ولم يقتصروا على نوع معين من العلم، وقد أفادوا الأمة بل الإنسانية جمعاء بما تعلموه وبرعوا فيه، وأمثلة ذلك كثيرة.

ص: 26