الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب سياسة التعليم في بلاد المسلمين
…
سياسة التعليم في بلاد المسلمين. وكيف تكون
إن سياسة التعليم في بلاد المسلمين اليوم تحتاج إلى مراجعة وتغيير شاملين. كي تحقق الغاية النبيلة من التعلم والتعليم.
فيجب أن تسير سيرا حثيثا تستمد مبادئها من مباديء الإسلام وترسى أسسها على قواعده المتينة.
ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان القائمون على شئون التعليم من ذوى الخبرة الطويلة والفهم العميق الواعي لأصول التربية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد يتطرق إلى أذهان البعض أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يصلحان إلا للوعظ والإرشاد وشئون الآخرة فقط.
أما أصول التربية الحديثة المتصلة بسياسة التعليم فهما بعيدان عنها كل البعد في أعينهم التي تبصر ولا تنظر. وهذا بلا شك خطأ ظاهر في الفهم وقصور في الإدراك لأن الله رب العالمين مربى الخلق وأعلم بنفوسهم. وضع للإنسان ما فيه صلاحه دنيا ودينا. ومهد له السبل ووضع ته من الوسائل ما يساعده على تقوية إدراكه واتساع دائرة معارفه. وسبحانه} عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} {عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الأمي الذي أوتي الكتاب ومثله معه، كان مثلا أعلى في رسم سياسة التعليم الناجحة التي قادت الأمة إلى الخير والهدى والرشاد ونسوق بعض الأمثلة على ذلك.
كان صلى الله عليه وسلم يتخير الوقت المناسب ليلقى على القوم دروسه ومواعظه الحكيمة. حتى تجد في نفوسهم استعدادا تاما واستيعابا كاملا لكل ما يقوله صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يطيل الحديث نص بعض الأوقات، ويقتصر في أوقات أخرى. حسب ما يراه في القوم من استعداد وإصغاء.
ومن الأمور التي يجب أن توضع موضع الاهتمام في سياسة التعليم في بلاد المسلمين اختيار المعلمين الأكفاء المخلصين في أداء رسالتهم والمتفانين في مهمتهم السامية وليكن لنا برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يختار من الصحابة الأجلاء من يتوسم فيه الكفاءة التامة لمهمة تعليم المسلمين.
فنراه صلى الله عليه وسلم يختار مصعب بن عمير مبعوثا إلى المدينة ليعلم المسلمين أمور دينهم، ويقرأ على أهلها القرآن ويفقههم في الدين.
ونجح مصعب أيما نجاح في نشر الإسلام وجمع الناس عليه. واستطاع رضي الله عنه أن يتخطى الصعاب التي توجد دائما في طريق كل نازك غريب.
وعندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرسل مبعوثا إلى اليمن، اختار معاذ بن جبل رضي الله عنه، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يطمئن على مدى استعداده للقيام بهذه المهمة. فقال صلى الله عليه وسلم موجها كلامه إلى معاذ:
"بم تحكم يا معاذ؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله للعمل بكتابه وسنة نبيه".
هذان الموقفان نسوقهما على سبيل المثال لا على سبيل الحصر والأمثلة على ذلك كثيرة.
ولو حاولنا أن نتعرف على سر نجاح هؤلاء الصحابة الأجلاء الذين قاموا بمهمة التعليم لأدركنا أن سر ذلك هو:
أولا: الاختيار الموفق والسياسة الرشيدة في التعليم.
ثانيا: إخلاصهم لربهم ورسولهم ودينهم.
ثالثا: أمانتهم العلمية واستيعابهم الكامل لكل ما تعلموه.
رابعا: فرحهم الشديد ورغبتهم الأكيدة في تعليم غيرهم ابتغاء وجه الله.
وبعد عصر النبوة أيضا. وما تلاه. سار التعليم في بلاد المسلمين على هذه السياسة الرشيدة والطريق القويم. فجمعت الأحاديث. وألفت الكتب. التي لا تزال إلى عصرنا هذا منهلا لكل باحث ودارس في شتى العلوم والفنون. ومازلنا نعيش عالة على تلك المؤلفات القيمة لأسلافنا الصالحين
…
وعلمائنا العاملين المخلصين.
أما اليوم: فإن سياسة التعليم في بلاد المسلمين تحتاج إلى تغيير شامل لأنها أصبحت تسير عكس الاتجاه الذي سار فيه أسلافنا فرغم كثرة المؤلفات في علم النفس وأصول التربية الحديثة وطرق التدريس. رغم كل هذا - نجد الطلاب في معاهد العلم على اختلاف أنواعها. وفي جميع بلاد المسلمين. نراهم غير جادين في تحصيل العلم للعلم لفضله ونوره- إلا قليلا ممن شرح الله صدره- وأصبح كل همهم من العلم وبغيتهم فيه هو الحصول على مؤهل علمي يؤهلهم لوظيفة معينة.
ومن هنا مال العلم الدراسي إلى السطحية. وحلت الملخصات والمذكرات محل المراجع الغنية والمصادر الأصيلة. فيجب على القائمين على شئون التعليم في بلاد المسلمين.
الالتفات بعين الاعتبار إلى خطورة هذه الحالة ومعالجتها قبل أن يستشرى الداء.
ومما يلفت النظر أيضا: أسماء الشهادات التي تمنح للخريجين من معاهد التعليم في بلاد المسلمين. لماذا لا تكون لها صيغتها العربية الإسلامية؟ ولا أظن أن معاجم اللغة العربية قاصرة عن أن تخرج لنا أسماء عربية أصيلة لمؤهلاتنا العلمية على اختلاف أنواعها. وحتى تكون لنا شخصيتنا الإسلامية المتكاملة. التي نفخر ونعتز بها. يجب ألا نترك التقليد والاقتباس طغيان على كل شيء. حتى على الأسماء والمسميات.
وخلاصة القول: أن سياسة التعليم في بلاد المسلمين تحتاج إلى نظر وبحث واهتمام صادق من القائمين على التعليم وشئونه في بلاد المسلمين وأن يضعوا في اعتبارهم الاهتمام بالآتي:
أولا: بالمعلم كيف يكون قدوة صالحة متمكنا من مادته مخلصا في عمله. مقتديا بمن سبقوه من السلف الصالح علما وسلوكا.
ثانيا: بالتلميذ كيف نحببه في العلم ونرغبه فيه ونوصله إليه بالطرق السهلة بعيدا عن التعقيد.
ثالثا: بمواعيد الدراسة، يجب أن تكون ملائمة لاستعداد الطالب لتلقى الدروس، ولنا برسول الله أسوة حسنة.
رابعا: بمكان الدراسة، وربما يظن البعض أن هذا لا دخل له ولا تأثير على نفسية المعلم والطالب. ولكن هذا عامل هام من عوامل نجاح المعلم والطالب.
ثم يجب أن نضع دائما في الاعتبار أن كل عمل بدون إخلاص لا نافع فيه ولا فائدة ترجى منه- فليكن الإخلاص رائدنا في أعمالنا.