المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌مقدمة مضت خمس سنوات على ظهور الجزء الأول - التفسير البياني للقرآن الكريم - جـ ٢

[عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌مقدمة مضت خمس سنوات على ظهور الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة

مضت خمس سنوات على ظهور الجزء الأول من هذا التفسير البياني، نفدت خلالها ثلاث طبعات منه، وظهرت منه طبعة أخرى مسروقة في بيروت، قبل أن يتاح لي تقديم هذا الجزء الثاني الذي طال انتظاره.

وعلى مدى تلك السنوات، تابعت العكوف على تدبر البيان القرآني والإنقطاع لخدمة كتابنا الأكبر، فكنت كلما اجتليت باهر أسراره البيانية، ألفيت من الصعب أن أقدمها على النحو الذي يفي بخلالها، وتهيبت أن أودي بالمألوف من تعبيرنا، أسراراً من البيان المعجز تدق وتشف، حتى لتجل عن الوصف وتبدو كلماتنا حيالها عاجزة صماء! فإن أكن جرؤت على تقديم هذا الجزء الجديد من التفسير البياني بعد طول تهيب ومعاناة، فليشفع لي أن حذدت له كل طاقتي وجهدي، وأن الأمر فيه يتجاوز كل طاقة وجهد.

* * *

والمنهج المتبع هنا، هو الذي خضعت له فيما قدمت من قبل، بضوابطه الصارمة التي تأخذنا باستقراء اللفظ القرآني في كل مواضع وروده، للوصوص إلى دلالته، وعرض الظاهرة الأسلوبية على كل نظائرها في الكتاب المحكم، وتدبر سياقها الخاص في الآية والسورة، ثم سياقها العام في المصحف كله، التماساً لسرها البياني.

وإذ نضع معاجم العربية وكتب التفسير في خدمة هذا المنهج، فإننا نحاول أن ندرك حسن العربية للألفاظ التي نتدبرها من النص القرآني، عن طريق لمح الدلالة المشتركة في شتى وجوه استعمالها لكل لفظ، وواضح أنه لا سبيل إلى دراسة أي نص في لغة} }

ص: 7

ما، دون فقه لألفاظه في لغته. ثم يكون للنص بعد ذلك أن يحدد لكل لفظ دلالته الخاصة، من شتى الدلالات المعجمية، أو يضيف إليها ملحظاً ينفرد به،

والقول بدلالة خاصة للكلمة القرآنية، لا يعني تخطئة سائر الدلالات المعجمية، كما أن إيثار القرآن لصيغة بعينها، لا يعني تخطئه سواها من الصيغ في فصحى العربية. بل يعني أننا نقدر أن لهذا القرآن معجمه الخاص بيانه المعجز، فنقول إن هذه الصيغة أو الدلالة قرآنية، ثم لا يعترض علينا بأن العربية تعرف صيغاً ودلالات أخرى للكلمة.

* * *

والأمر كذلك فيما يهدى إليه الاستقراء من وجوه بيانية وظواهر أسلوبية، تقدمها منه دون أن نخشى فيها مخالفة لبعض قواعد النحويين وأحكام البلاغيين. لأن الأصل أن تعرض قواعدهم وأحكامهم على البيان الأعلى، لا أن نعرض القرآن عليها ونخضعه لها. ويبدو أننا في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في قواعد النحو المدرسية وأحكام الصنعة البلاغية، في ضوء ما هدى ويهدي إليه التدبر الإستقرائي لكتاب العربية الأكبر. في بيانه المعجز.

كما ننتفع بجهود المفسرين حين نعرض أقوالهم على القرآن الكريم، فنقبل منها ما يحتمله نصاً وسياقاً. ثم يكون إيرادنا للأقوال الأخرى التي لا يقبلها النص، لفتاً إلى وجه الشطط فيها أو التكلف والإعتساف، وتنبيهاً إلى ما ينبغي من حذر وحرص، لاتقاء التورط في مقحم التأويلات المذهبية والمدسوسات الإسرائيلية.

* * *

وأرانى في حاجة إلى تقرير مسألتين في المنهج:

أولاهما: أن المرويات في أسباب النزول موضع اعتبار في فهم الظروف التي لابست نزول الآية. مع تقدير أن الصحابة الذين عاصروا نزولها ورويت عنهم أقوال

ص: 8

فيها، وربطها كل منهم لما وهم أو فهم أنه السبب في نزولها. وهذا هو معنى قول علماء القرآن: إن المرويات في أسباب النزول يكثر فيها الوهم.

ونقدر معه أن السببية فيها ليست بمعنى العلية التي لولاها ما نزلت الآية. وأن العبرة في كل حال، بعموم اللفظ المفهوم من صريح نصها، إلا أن يتعين الاعتبار بخصوص السبب الذي نزلت فيه بدليل من صريح النص أو بقرينة بينة.

والأخرى: أن ترتيب النزول موضع اعتبار كذلك، لفهم السياق العام لما نتدبر من آيات القرآن ودلالات ألفاظه وخصائص بيانه في المصحف كله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} .

* * *

وبعد وقبل، فإن القضية الكبرى في هذا التفسير، وكل تفسير، هي أنه لا يعني بحال ما، تقديم كلمة يمكن أن تقوم مقام الكلمة القرآنية في سياقها، على وجه المماثلة والترداف، فيهيهات لبشر أن يأتي بآية من مثل هذا القرآن.

التفسير ليس إلا محاولة للفهم على وجه الشرح والتقريب، بالكلمات المفسرة، لا على انها والكلمات القرآنية سواء. ولعل هذا مما حمل المفسرين على الإطالة في الشرح والتكثر في وجوه التأويل للكلمة أو الآية القرآنية، من حيث يتعذر علينا جميعاً الإتيان بكلمة أخرى مماثلة لها، في موضعها من البيان المعجز.

ولست بحيث أجهل أن المدى الذي بلغته في محاولتي، محدود بطاقتي وجهدي.

ويظل المجال مفتوحاً لعطاء أبنائي الصفوة، طلاب الدراسات القرآنية العليا الذين أحظى بصحبتهم في أعرق الجامعات الإسلامية، ويظل مفتوحاً بعدنا لجهد أجيال من العلماء تتاقب على تدبر كتابنا الأكبر فتدرك منه ما فاتنا أن ندركه، وتستشرف لآفاق قصرت محاولتنا عن مدادها.

ويبقى من أسراره ما يفوت ظاقة البشر:

{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} . صدق الله العظيم.

المغرب

شوال 1397 هـ

أكتوبر 1977 م

ص: 9