الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
وأمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْبِدْعَةِ حَقِيقِيَّةً أَوْ إِضَافِيَّةً، فإنَّ الْحَقِيقِيَّةَ أَعْظَمُ وِزراً، لأنَّها الَّتِي بَاشَرَهَا الْمُنْتَهِي بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، ولأنَّها مُخَالَفَةٌ محضة وخروج عن السُّنَّةِ ظاهراً.
4-
وأمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا ظَاهِرَةَ الْمَأْخَذِ أَوْ مُشْكِلة، فلأنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا مَحْضُ مُخَالَفَةٍ، فإنْ كَانَتْ مُشْكِلَةً فَلَيْسَتْ بِمَحْضِ مُخَالَفَةٍ، لِإِمْكَانِ أنْ لَا تَكُونَ بِدْعَةً، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُحْتَمَلِ، أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الظاهر.
5-
وأمَّا الِاخْتِلَافُ بِحَسَبِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَوْ عَدَمِهِ فلأنَّ الذَّنْبَ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا فيعظُم بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ الْبِدْعَةُ تَكُونُ صَغِيرَةً فَتَعْظُمُ بِالْإِصْرَارِ عليها، فإذا كانت فلتة فَهِيَ أَهْوَنُ مِنْهَا إِذَا دَاوَمَ عَلَيْهَا، وَيَلْحَقُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِذَا تَهَاوَنَ بِهَا الْمُبْتَدِعُ وسَهَّل أَمْرَهَا، نَظِيرَ الذَّنْبِ إِذَا تَهَاوَنَ بِهِ، فَالْمُتَهَاوِنُ أَعْظَمُ وِزْرًا مِنْ غَيْرِهِ.
6-
وأمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا كُفْرًا وَعَدَمَهُ فَظَاهِرٌ أَيْضًا، لأنَّ مَا هُوَ كُفْرٌ جَزَاؤُهُ التَّخْلِيدُ فِي الْعَذَابِ - عافانا الله - فَلَا بِدْعَةَ أَعْظَمُ وِزْرًا مِنْ بِدْعَةٍ تُخْرِجُ عن الإسلام، والله المستعان بفضله.
فصل
[أنواع القيام على أهل البدع]
وَهَذَا بَابٌ كَبِيرٌ فِي الْفِقْهِ تَعَلَّقَ بِهِمْ مِنْ جِهَةِ جِنَايَتِهِمْ عَلَى الدِّينِ، وَفَسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ، وَخُرُوجِهِمْ عَنْ جَادَّةِ الْإِسْلَامِ، إِلَى بُنَيَّاتِ الطريق فَنَقُولُ: إنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِمْ بِالتَّثْرِيبِ أَوِ التَّنْكِيلِ أَوِ الطَّرْدِ أَوِ الْإِبْعَادِ أَوِ الْإِنْكَارِ هُوَ بِحَسَبِ حَالِ الْبِدْعَةِ فِي نَفْسِهَا مِنْ كَوْنِهَا عظيمة المفسدة في الدين، أم لا
وَكَوْنِ صَاحِبِهَا مُشْتَهِرًا بِهَا أَوْ لَا، وَدَاعِيًا إليها أو لا، ومستظهراً بالأتباع وَخَارِجًا عَنِ النَّاسِ أَوْ لَا، وَكَوْنِهِ عَامِلًا بِهَا عَلَى جِهَةِ الْجَهْلِ أَوْ لَا.
وكلٌ من هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَهُ حُكْمٌ اجتهاديٌّ يخصُّه، إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ فِي الْبِدْعَةِ حدٌّ لَا يُزاد عَلَيْهِ وَلَا يُنقص مِنْهُ، كَمَا جاء في كثير من المعاصي، كالسرقة والقتل والقذف والخمر وغير ذلك، ولا جَرَمَ أنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الأُمة نَظَرُوا فِيهَا بِحَسَبِ النَّوَازِلِ، وَحَكَمُوا بِاجْتِهَادِ الرَّأْيِ، تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي بَعْضِهَا مِنَ النَّصِّ، فَخَرَجَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ العلماءُ أَنْوَاعٌ:
(أَحَدُهَا) الْإِرْشَادُ وَالتَّعْلِيمُ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ كَمَسْأَلَةِ ابن عباس رضي الله عنه حِينَ ذَهَبَ إِلَى الْخَوَارِجِ فَكَلَّمَهُمْ حَتَّى رَجَعَ منهم ألفان أو ثلاثةُ آلاف.
(الثاني) الهجران وترك الكلام والسلام.
(الثالث)[التغريب] كما غرَّب عمر صَبِيغاً.
(الرابع)[السجن] كما سجنوا الحلاج قبل قتله سنين عديدة.
(الخامس) ذِكْرُهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ وَإِشَاعَةُ بِدْعَتِهِمْ كَيْ يُحذروا، وَلِئَلَّا يُغتر بِكَلَامِهِمْ، كَمَا جَاءَ عَنْ كثير من السلف في ذلك.
(السادس) القتال إِذَا نَاصَبُوا الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ كَمَا قَاتَلَ عليٌّ رضي الله عنه الْخَوَارِجَ، وغيرُه مِنْ خلفاء السُّنَّةِ.
(السابع) القتل إنْ لم يرجِعوا مع الاستتابة وقد أظهر بدعته.
(الثامن) مَنْ أسرَّها وَكَانَتْ كُفْرًا أَوْ مَا يَرْجِعُ إليه فالقتل بلا استتابة