الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُلَاءَمَةِ، ولأنَّ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْعَادَاتِ فِي أنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ كَالْمَأْذُونِ فِيهِ ـ إنْ قِيلَ بِذَلِكَ ـ فَهِيَ تُفَارِقُهَا، إِذْ لَا يُقْدَمُ عَلَى اسْتِنْبَاطِ عِبَادَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا؛ لأنَّها مَخْصُوصَةٌ بِحُكْمِ الْإِذْنِ المُصَرَّح بِهِ، بِخِلَافِ الْعَادَاتِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِنِ اهْتِدَاءِ الْعُقُولِ لِلْعَادِيَّاتِ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَدَمِ اهْتِدَائِهَا لِوُجُوهِ التَّقَرُّبَاتِ إلى اللهِ تعالى.
فإذا ثبت أنَّ المصالح المرسلة ترجع إمَّا إِلَى حِفْظِ ضَرُورِيٍّ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ أَوْ إِلَى التَّخْفِيفِ؛ فَلَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُ الْبِدَعِ مِنْ جِهَتِهَا وَلَا الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ؛ لأنَّ الْبِدَعَ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ، لأنَّها مُتَعبَّدٌ بِهَا بِالْفَرْضِ، ولأنَّها زيادة في التكليف وهو مضادٌ لِلتَّخْفِيفِ.
فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كلِّه أَنْ لَا تعلَّق لِلْمُبْتَدِعِ بِبَابِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ إِلَّا الْقِسْمَ الْمُلْغَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وحسبُك بِهِ متعلَّقاً، واللهُ الْمُوَفِّقُ.
وَبِذَلِكَ كُلِّهِ يُعلم مِنْ قصدِ الشَّارِعِ أنَّه لَمْ يَكِلْ شَيْئًا مِنَ التَّعَبُّدَاتِ إِلَى آرَاءِ الْعِبَادِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حدَّه، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ؛ كَمَا أنَّ النقصان منه بدعة.
فصل
[في الفرق بين البدع والاستحسان]
وأمَّا الِاسْتِحْسَانُ؛ فلأنَّ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَيْضًا تعلَّقاً بِهِ؛ فإنَّ الِاسْتِحْسَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُستحسِن، وَهُوَ إمَّا الْعَقْلُ أَوِ الشَّرْعُ.
أمَّا الشَّرْعُ فَاسْتِحْسَانُهُ وَاسْتِقْبَاحُهُ قَدْ فُرِغ مِنْهُمَا، لأنَّ الْأَدِلَّةَ اقتضت ذلك
فَلَا فَائِدَةَ لِتَسْمِيَتِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَا لِوَضْعِ ترجمةٍ لَهُ زَائِدَةٍ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَمَا ينشأُ عَنْهَا مِنَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ؛ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْلُ هُوَ المُستحسِن، فَإِنْ كَانَ بِدَلِيلٍ فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ، لِرُجُوعِهِ إِلَى الْأَدِلَّةِ لَا إِلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَذَلِكَ هُوَ الْبِدْعَةُ الَّتِي تُسْتَحْسَن.
وَيَشْهَدُ [لِذَلِكَ] قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي الِاسْتِحْسَانِ: إنَّه [مَا] يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ بِرَأْيِهِ، قَالُوا: وَهُوَ عِنْدُ هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا يُستحسن فِي الْعَوَائِدِ، وَتَمِيلُ إِلَيْهِ الطِّبَاعُ؛ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ إِذَا لَمْ يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ مَا ينافي هذا الكلام.
وَرُبَّمَا يَنْقَدِحُ لِهَذَا الْمَعْنَى وجهٌ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي استدلَّ بِهَا أَهْلُ التَّأْوِيلِ الأوَّلون، وَقَدْ أَتَوْا بِثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ:
(أَحَدُهَا) : قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ: {وَاتَّبِعُوا أحْسنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (1)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ} (2) ، هو ما تستحسنه عقولُهم.
(الثاني) : قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: ((مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ)) (3) ، وإنَّما يَعْنِي بِذَلِكَ مَا رَأَوْه بِعُقُولِهِمْ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ حُسْنُه بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُسْنِ مَا يَرَوْن، إذْ لَا مَجَالَ لِلْعُقُولِ فِي التَّشْرِيعِ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ فَائِدَةٌ، فدلَّ عَلَى أنَّ الْمُرَادَ مَا رَأَوْهُ برأيهم.
(الثالث) : أنَّ الْأُمَّةَ قَدِ اسْتَحْسَنَتْ دُخُولَ الحمَّام مِنْ غير تقدير أجرة ولا
(1) الزمر: 55.
(2)
الزمر: 18.
(3)
[حسن] موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه، رواه أحمد والطيالسي وغيرهما، انظر ((السلسلة الضعيفة)) (533) . وفيها رد جيد على هذه الشبهة.
تَقْدِيرِ مُدَّةِ اللَّبث وَلَا تَقْدِيرِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَلَا سَبَبَ لِذَلِكَ إِلَّا أنَّ الْمُشَاحَّةَ فِي مِثْلِهِ قَبِيحَةٌ فِي الْعَادَةِ، فَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ تَرْكَهُ، مَعَ أنَّا نَقْطَعُ أنَّ الْإِجَارَةَ الْمَجْهُولَةَ، أَوْ مُدَّةَ الِاسْتِئْجَارِ أَوْ مِقْدَارَ الْمُشْتَرَى إِذَا جُهِلَ فإنَّه مَمْنُوعٌ، وَقَدِ اسْتُحْسِنْتَ إِجَارَتُهُ مَعَ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ، فَأَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ دَلِيلًا.
فَأَنْتَ تَرَى أنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مَزَلَّةُ قَدَمٍ أَيْضًا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِعَ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: إنْ استحسنتُ كَذَا وَكَذَا فَغَيْرِي مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدِ اسْتَحْسَنَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ فَضْلِ اعْتِنَاءٍ بِهَذَا الْفَصْلِ، حَتَّى لَا يَغْتَرَّ بِهِ جاهلٌ أَوْ زاعمٌ أنَّه عَالَمٌ، وباللهِ التَّوْفِيقُ، فَنَقُولُ:
إنَّ الِاسْتِحْسَانَ يَرَاهُ مُعتبراً فِي الْأَحْكَامِ مالكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فإنَّه مُنْكِرٌ لَهُ جِدًّا حَتَّى قال:((من استحسن فقد شَرَّع)) والذي يستقرىء مِنْ مَذْهَبِهِمَا أنَّه يَرْجِعُ إِلَى الْعَمَلِ بِأَقْوَى الدليلين، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: إنَّه الْقِيَاسُ الَّذِي يَجِبُ العمل به بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أنَّ الِاسْتِحْسَانَ تسعة أعشار العلم.
وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تقدَّم قَبْلُ، وأنَّه مَا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ، أَوْ أنَّه دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَعْسُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، فإنَّ مِثْلَ هَذَا لا يكون تسعة أعشار العلم.
وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَلَيْسَ بِخَارِجٍ عَنِ الْأَدِلَّةِ البتَّة: لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ يقيِّد بَعْضُهَا وَيُخَصِّصُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا فِي الْأَدِلَّةِ السُّنية مَعَ الْقُرْآنِيَّةِ، وَلَا يَرُد الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا أَصْلًا، فَلَا حُجَّةَ فِي تَسْمِيَتِهِ اسْتِحْسَانًا لِمُبْتَدَعٍ عَلَى حَالٍ. وَلَا بدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِأَمْثِلَةٍ تُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ بِحَوْلِ اللهِ.
(أَحَدُهَا) : أَنْ يُعْدَل بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا بِدَلِيلِ الْكِتَابِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (1) ، فَظَاهِرُ اللَّفْظِ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ مَا يُتموَّل بِهِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ فِي الشَّرْعِ بِالْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ خاصة، فلو قال قائل: مالي صَدَقَةٌ، فَظَاهِرُ لَفْظِهِ يَعُمُّ كُلَّ مَالٍ، ولكنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ، لِكَوْنِهِ ثَبَتَ الحملُ عليه في الكتاب.
(الثاني) : أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ: سُؤْرُ (2) سِبَاعِ الطَّيْرِ نَجِسٌ، قِيَاسًا عَلَى سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَهَذَا ظاهرُ الْأَثَرِ، وَلَكِنَّهُ ظاهرٌ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ السَّبْعَ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَلَكِنْ لِضَرُورَةِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ، فَثَبَتَتْ نجاستُه بِمُجَاوَرَةِ رُطُوبَاتِ لُعابه وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَارَقَهُ الطَّيْرُ، لأنَّه يَشْرَبُ بِمِنْقَارِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ بِنَفْسِهِ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ، لِأَنَّ هَذَا أثرٌ قوي وإن خفي، فترجح عَلَى الأوَّل، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ جليَّاً، وَالْأَخْذُ بأقوى القياسين متفق عليه.
(الثالث) : أنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنْ يَتْرُكَ الدَّلِيلَ للعُرف، فإنَّه رَدَّ الأَيْمان إِلَى العُرف، مَعَ أنَّ اللُّغَةَ تَقْتَضِي فِي أَلْفَاظِهَا غَيْرَ مَا يَقْتَضِيهِ العُرف، كَقَوْلِهِ: واللهِ لَا دَخَلْتُ مَعَ فلانٍ بَيْتًا: فَهُوَ يَحْنَثُ بِدُخُولِ كلِّ مَوْضِعٍ يُسمى بَيْتًا فِي اللُّغَةِ، وَالْمَسْجِدِ يُسمى بَيْتًا فَيَحْنَثُ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا أنَّ عُرف النَّاسِ أَنْ لَا يُطْلِقُوا هَذَا اللَّفْظَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ بِالْعُرْفِ عَنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، فَلَا يحنث.
(الرابع) : تَرْكُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْيَسِيرِ لِتَفَاهَتِهِ وَنَزَارَتِهِ لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ، وَإِيثَارِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْخَلْقِ، فَقَدْ أجازوا الْبَيْعَ بِالصَّرْفِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ، وَأَجَازُوا بَدَلَ الدِّرْهَمِ النَّاقِصِ بِالْوَازِنِ لِنَزَارَةِ مَا بَيْنَهُمَا، وَالْأَصْلُ الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ، لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ أنَّ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مِثلاً بِمثل سواءً بسواءِ،
(1) التوبة: 103.
(2)
السؤر: البقية والفضلة.
وأنَّ مَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى (1) ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أنَّ التَّافِهَ فِي حُكْمِ العَدَم، وَلِذَلِكَ لَا تَنْصَرِفُ إِلَيْهِ الْأَغْرَاضُ فِي الْغَالِبِ، وأنَّ الْمَشَاحَّةَ فِي الْيَسِيرِ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى الْحَرَجِ والمشقة، وهما مرفوعان عن المكلَّف.
(الخامس) : ما تقدم أوَّلاً من أنَّ الأُمَّة اسْتَحْسَنَتْ دُخُولَ الحمَّام مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أُجرة وَلَا تَقْدِيرِ مُدَّةِ اللَّبْثِ وَلَا تَقْدِيرِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْمَنْعُ، إِلَّا أنَّهم أجازوه، لَا كَمَا قَالَ المُحتجون عَلَى الْبِدَعِ، بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الَّذِي لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنِ الْأَدِلَّةِ، فأمَّا تَقْدِيرُ العِوض فَالْعُرْفُ هُوَ الَّذِي قدَّره فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّقْدِيرِ، وأمَّا مُدَّةُ اللَّبْثِ وَقَدْرُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مقدَّراً بِالْعُرْفِ أَيْضًا فإنَّه يسقط للضرورة إليه، فَسُومح المكلَّف بِيَسِيرِ الْغَرَرِ (2) ، لِضِيقِ الِاحْتِرَازِ مَعَ تفاهة ما يحصل من (الغرض) وَلَمْ يُسَامَح فِي كَثِيرِهِ إِذْ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَلِعَظِيمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَرِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، غَيْرُ منصوصٍ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الأُمور، وإنَّما نُهي عَنْ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ مِمَّا يعظُم فِيهِ الْغَرَرُ، فَجُعِلت أُصولاً يُقاس عليها غيرها، فَإِذَا قلَّ الغررُ وَسَهُلَ الْأَمْرُ وَقَلَّ النِّزَاعُ ومَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْمُسَامَحَةِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ بِهَا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَسْأَلَةُ التَّقْدِيرِ في ماءِ الحمَّام ومدة اللبث.
فتأمَّلوا كيف وُجِدَ الاستثناءُ مِنَ الأُصول الثَّابِتَةِ بِالْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ. وَأَيْنَ هَذَا مِنْ زَعْمِ الزَّاعِمِ أنَّه اسْتِحْسَانُ الْعَقْلِ بِحَسَبِ الْعَوَائِدِ فَقَطْ؟. فَتَبَيَّنَ لَكَ بَوْنُ (3) مَا بين المنزلتين.
(1) رواه مسلم (1587) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(2)
الغرر: الجهالة التي قد تُؤدي إلى خطرٍ أو ضررٍ.
(3)
البَوْنُ: البُعْدُ.