المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لأنَّ الْبِدْعَةَ إِمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْعَادَاتِ أَوِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنْ تعلَّقت - مختصر كتاب الاعتصام - جـ ١

[علوي السقاف]

فهرس الكتاب

- ‌((بُدِئ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بُدِئ

- ‌البابُ الأوَّل[في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظاً]

- ‌فصل[البدعة التَّرْكيَّة]

- ‌البابُ الثاني[في ذمِّ البدع وسوء منقلب أصحابها]

- ‌فصل[الأدلة من النظر على ذمِّ البدع]

- ‌فصل[ما جاء فِي ذَمِّ الرَّأْيِ الْمَذْمُومِ]

- ‌فصل[مَا فِي الْبِدَعِ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمَحْذُورَةِ، وَالْمَعَانِي المذمومة]

- ‌فصل[الفرق بين البدعة والمعصية]

- ‌الباب الثالث[في أنَّ ذم البدع عامٌّ لا يخص واحدة دون أُخرىوفيه جملة من شُبَهِ المبتدعة]

- ‌فصل[أقسام المنسوبين إلى البدعة]

- ‌فصل[لفظ ((أهل الأهواء)) و ((أهل البدع)) ]

- ‌فصل[اختلاف مراتب إثم المبتدع]

- ‌فصل[أنواع القيام على أهل البدع]

- ‌فصل[تقسيم البدع إلى حسن وقبيح، والرد عليه]

- ‌فصل[تقسيم البدع إلى خمسة أقسام والرد عليه]

- ‌الْبَابُ الرَّابِعُ[فِي مَأْخَذِ أَهْلِ الْبِدَعِ بِالِاسْتِدْلَالِ]

- ‌فصل[بيان طرق أهل الزَّيغ]

- ‌الْبَابُ الْخَامِسُ[فِي أَحْكَامِ الْبِدَعِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ والفرق بينهما]

- ‌فصل[البدع الإضافية]

- ‌فصل[سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ما]

- ‌فصل[من البدع الإضافية: كلُّ عملٍ اشتبه أمرُه]

- ‌فصل[من البدع الإضافية: إخراج العبادة عن حدِّها الشرعي]

- ‌فصل[البدع الإضافية: هل يُعتد بها عبادات يتقرب بها إلى الله]

- ‌الباب السادس[في أحكام البدع وأنها ليست على رتبة واحدة]

- ‌فصل[كلُّ بدعة ضلالة]

- ‌فصل[هل في البدع صغائر وكبائر]

- ‌فصل[شروط كون البدع صغيرة]

- ‌الباب السابع[في الابتداع، هل يختصُّ بالأُمور العباديَّة؟ أو يدخل في العاديَّات]

- ‌فصل[في أقسام نشوء البدع]

- ‌الباب الثامن[في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان]

- ‌فصل[في الفرق بين البدع والاستحسان]

- ‌فصل[ردُّ حججِ المبتدعة في الاستحسان]

- ‌فصل[ردُّ شبهةِ استفتاء القلب]

- ‌الباب التاسع[في السبب الذي لأجله افترقت فِرَقُ المبتدعة عن جماعة المسلمين]

- ‌فصل[حديثُ الفِرَق وفيه مسائل]

- ‌الباب العاشر[فِي بَيَانِ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْعَنْهُ سُبُلُ أَهْلِ الِابْتِدَاعِ فضلَّت عَنِ الهُدى بعد البيان]

- ‌فهرس الموضوعات التفصيلي

الفصل: لأنَّ الْبِدْعَةَ إِمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْعَادَاتِ أَوِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنْ تعلَّقت

لأنَّ الْبِدْعَةَ إِمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْعَادَاتِ أَوِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنْ تعلَّقت بِالْعِبَادَاتِ فإنَّما أَرَادَ بِهَا أَنْ يَأْتِيَ تعبُّده عَلَى أَبْلَغِ مَا يَكُونُ فِي زَعْمِهِ لِيَفُوزَ بِأَتَمِّ الْمَرَاتِبِ فِي الْآخِرَةِ فِي ظَنِّهِ. وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَادَاتِ فَكَذَلِكَ، لأنَّه إنَّما وَضَعَهَا لِتَأْتِيَ أُمُورُ دُنْيَاهُ عَلَى تَمَامِ المصلحة فيها.

وَقَدْ ظَهَرَ مَعْنَى الْبِدْعَةِ وَمَا هِيَ فِي الشرع والحمد لله.

‌فصل

[البدعة التَّرْكيَّة]

وفي الْحَدِّ أَيْضًا مَعْنًى آخَرُ مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ. وَهُوَ أنَّ الْبِدْعَةَ مِنْ حَيْثُ قِيلَ فِيهَا: إنَّها طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ ـ إِلَى آخِرِهِ ـ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ لَفْظِهَا الْبِدْعَةُ التَّرْكِيَّةُ، كَمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْبِدْعَةُ غَيْرُ التَّرْكِيَّةِ فَقَدْ يَقَعُ الِابْتِدَاعُ بِنَفْسِ التَّرْكِ تَحْرِيمًا لِلْمَتْرُوكِ أَوْ غَيْرَ تحريم، فإنَّ الفعل ـ مثلاً ـ قد يَكُونُ حلَالًا بِالشَّرْعِ فَيُحَرِّمُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ يَقْصِدُ تَرْكَهُ قَصْدًا.

فَبِهَذَا التَّرْك إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ يُعْتَبَرُ مِثْلُهُ شَرْعًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لِأَمْرٍ يُعْتَبَرُ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، إِذْ مَعْنَاهُ أنَّه تَرَكَ مَا يَجُوزُ تركه أو ما يُطْلب تركُه، كَالَّذِي يُحَرِّم عَلَى نَفْسِهِ الطَّعَامَ الْفُلَانِيَّ مِنْ جِهَةِ أنَّه يَضُرُّهُ فِي جِسْمِهِ أَوْ عَقْلِهِ أَوْ دِينِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا مَانِعَ هُنَا مِنَ التَّرْكِ: بَلْ إِنْ قُلْنَا بِطَلَبِ التَّدَاوِي لِلْمَرِيضِ فإنَّ التَّرْكَ هَنَا مَطْلُوبٌ، وَإِنْ قلنا بإباحة التداوي، فالترك مباح.

وَكَذَلِكَ إِذَا تَرَكَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ، حَذَرًا مِمَّا بِهِ الْبَأْسُ فَذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمُتَّقِينَ، وَكَتَارِكِ الْمُتَشَابِهِ، حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَاسْتِبْرَاءً للدِّين

ص: 11

والعِرض.

وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَدَيُّنًا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَدَيُّنًا فَالتَّارِكُ عَابِثٌ بِتَحْرِيمِهِ الْفِعْلَ أَوْ بِعَزِيمَتِهِ عَلَى التَّرْكِ. وَلَا يُسَمَّى هَذَا التَّرْكُ بِدْعَةً إِذْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ لَفْظِ الْحَدِّ إِلَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ الْقَائِلَةِ: إنَّ الْبِدْعَةَ تَدْخُلُ فِي الْعَادَاتِ. وأمَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الأُولى فلا يدخل. لَكِنَّ هَذَا التَّارِكَ يَصِيرُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ أَوْ بِاعْتِقَادِهِ التَّحْرِيمَ فِيمَا أحلَّ اللَّهُ.

وأمَّا إِنْ كَانَ التَّرْكُ تَدَيُّنًا فَهُوَ الِابْتِدَاعُ فِي الدِّينِ عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ، إِذْ قَدْ فَرَضْنَا الْفِعْلَ جَائِزًا شَرْعًا فَصَارَ التَّرْكُ الْمَقْصُودُ مُعَارَضَةً لِلشَّارِعِ.

لأنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ همَّ أَنْ يُحرِّم عَلَى نَفْسِهِ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، وَآخَرَ الْأَكْلَ بِالنَّهَارِ، وَآخَرَ إِتْيَانَ النِّسَاءِ، وَبَعْضُهُمْ هَمَّ بِالِاخْتِصَاءِ، مُبَالَغَةً فِي تَرْكِ شأْن النِّسَاءِ. وَفِي أَمْثَالِ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) (1) .

فَإِذَا كلُّ مَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ تَنَاوُلِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ خارجٌ عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَامِلُ بِغَيْرِ السُّنَّةِ تَدَيُّنًا، هُوَ الْمُبْتَدِعُ بِعَيْنِهِ.

(فَإِنْ قِيلَ) فَتَارِكُ الْمَطْلُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ نَدْباً أَوْ وُجُوبًا، هَلْ يُسَمَّى مُبْتَدِعًا أَمْ لَا؟

(فَالْجَوَابُ) أنَّ التارك للمطلوبات على ضربين:

(1) رواه البخاري (5063) ومسلم (1401) ، وهو جزء من حديث رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ في خبر النفر الثلاثة؛ الذين سألوا عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 12

(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَتْرُكَهَا لِغَيْرِ التَّدَيُّنِ إِمَّا كَسَلًا أَوْ تَضْيِيعًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الدَّوَاعِي النَّفْسِيَّةِ. فَهَذَا الضَّرْبُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَالَفَةِ لِلْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ فِي وَاجِبٍ فَمَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي نَدْبٍ فَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، إِذَا كَانَ التَّرْكُ جُزْئِيًّا، وَإِنْ كَانَ كُلِيًّا فَمَعْصِيَةٌ حَسْبَمَا تبين في الأُصول.

(الثاني) أَنْ يَتْرُكَهَا تَدَيُّنًا. فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ قَبِيلِ الْبِدَعِ حَيْثُ تَدَيَّنَ بِضِدِّ مَا شَرَعَ اللَّهُ.

فَإِذًا قَوْلُهُ فِي الْحَدِّ: ((طَرِيقَةٌ مُخْتَرَعَةٌ تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ)) يَشْمَلُ الْبِدْعَةَ التَّرْكِيَّةَ، كَمَا يَشْمَلُ غَيْرَهَا، لأنَّ الطَّرِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَيْضًا تَنْقَسِمُ إِلَى تَرْكٍ وَغَيْرِهِ.

وسواءٌ عَلَيْنَا قُلْنَا: إنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ أم قلنا: إنَّه نفي الفعل.

وَكَمَا يَشْمَلُ الحدُّ التَّرْكَ يَشْمَلُ أَيْضًا ضِدَّ ذَلِكَ.

وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

قِسْمُ الِاعْتِقَادِ، وَقِسْمُ الْقَوْلِ، وَقِسْمُ الْفِعْلِ، فَالْجَمِيعُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ.

وَبِالْجُمْلَةِ، فَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ، يَتَعَلَّقُ به الابتداع.

ص: 13