الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الأول
مقدمة المحقق:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] .
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن المهمة العظمى لأنبياء الله تعالى ورسله هي بيان توحيد الله تعالى وما
يتعلق بهذا التوحيد من اقتضاء ولوازم، إذ به تسلك طريق الجنة وبه يحل الرضوان "ورضوان من الله أكبر" وبه تزكو النفوس وتعمر.
وإذ الأمر كذلك فإن التوحيد أولا وقبل كل شيء:
التوحيد: علما ومعرفة "فاعلم أنه لا إله إلا الله".
التوحيد: سلوكا ومعايشة.
التوحيد: دعوة وجهادا.
فهو أولا وقبل كل شيء، ومحاولة تخطي هذا السبيل هو ضرب من الهلكة وتجاوز للمنهج الأقوم وتعد على دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والتوحيد المقصود هو توحيد الكتاب والسنة، نعتقد ما تأمر النصوص، ونقف حيث تقف. ومحاولة ولوج العقائد عن طريق القياس ومناهج المتكلمين يجعل البصر يرتد حسيرا خاسئا ولن يجني إلا التحير، وعند الموت سيتمنى دين العجائز. "ومن تدبر القرآن وتصفح السنة والتاريخ علم يقينا أنه لم يكن بين يدي السلف مأخذ يأخذون منه عقائدهم غير المأخذين السلفيين [الوحي والفطرة] ، وأنهم كانوا بغاية الثقة بهما، والرغبة عما عداهما، وإلى ذلك دعاهم الشرع حتى لا تكاد تخلو آية من آيات القرآن من الحض على ذلك. وهذا يقضي قضاء باتا بأن عقائدهم هي العقائد التي يثمرها المأخذان السلفيان، يقطعون بما يفيدان فيه عندهم القطع، ويظنون ما لا يفيدان فيه إلا الظن، ويقفون عما عدا ذلك، وهذا هو الذي تبينه الأخبار المنقولة عنهم كما تراها في التفاسير السلفية وكتب السنة، وهو الذي نقله أصاغر الصحابة عن أكابرهم، ثم نقله أعلم التابعين بالصحابة وأخصهم بهم وأتبعهم لهم عنهم، ثم نقله صغار التابعين عن كبارهم، وهكذا نقله عن التابعين أعلم أتباعهم بهم، وأتبعهم لهم، وهلم جرا" المعلمي في التنكيل "1/ 344".
ومن هنا فإن التصنيف في العقائد هي مهمة المهمات وليس لها إلا الرجال، وليست الصعوبة في شيء فيه إلا في عرضه سليما واضحا بعيدا كل البعد عن دخن
المصنفين وتعقيدات المتكلمين. وإذا كان الفقه هو معرفة الرخصة عن دليل فإن التوحيد هو الفطرة من غير تبديل. وقد وقع كثير من المصنفين في التوحيد في داء الكلام حتى صار هذا العلم خاصا لقوم ما ومقصورا عليهم مع أننا نعلم وهم يعلمون كذلك أن محمدا رسول الله ودعوته للناس كافة ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي على أصحابه رضي الله عنهم صفات الله تعالى وكان فيهم التفاوت في الأفهام والعقول وكم ورد الخلاف بينهم في مسائل عدة إلا أن مسائل التوحيد لم تختلف عندهم ولم يراجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء منها. قال المقريزي في خططه: "ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس وصف لهم ربهم بما وصف به نفسه، فلم يسأله أحد من العرب بأسرهم، قرويهم وبدويهم عن معنى شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلاة، وشرائع الإسلام. إذ لو سأله أحد منهم عن شيء من الصفات لنقل، كما نقلت أحاديث الأحكام وغيرها. ومن أمعن النظر في دواوين الحديث والآثار عن السلف، علم أنه لم يرد قط لا من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه في القرآن وعلى لسان نبيه، بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا سكوت فاهم مقتنع، ولم يفرقوا بين صفة وأخرى، ولم يتعرض أحد منهم إلى تأويل شيء منها، بل أجروا الصفات كما وردت بأجمعهم ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به سوى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم". الخطط "3/ 309".
ومع هذا الذي ذكرنا صارت مباحث التوحيد مربوطة في أذهان طلبة العلم بالتعقيد والسفسطة الكلامية. ولي في هذا تجربة:
أولا: في معاهد العلم: فأبغض المباحث عند الطلبة مبحث "العقيدة" ليس لذاتها وحاشى أن يكون ذلك ولكن لأسلوب عرضها حتى صارت القاعدة عند بعض المدرسين: تقول: سأتكلم كلاما لا أفهمه أنا ولا يفهمه السامع حتى يقال عني عالم.
ثانيا: كثيرا ما سألني طلبة علم في بداية طريقهم عن كتاب فيه مسائل التوحيد
ليصبح عندهم بصورة تفصيلية واضحة فأصاب بالتردد وليس ذلك لقلتها بل هي بحمد الله كثيرة ولكن لأن مصنفات التوحيد التعليمية "وأقصد المصنفات السلفية" قلما تخلو من مراجعات كلامية لإثبات مسائل في التوحيد. فيشكو طالب العلم من هذا كثيرا.
والحمد لله هو لكل حمد أهل فإني مع كثرة نظري في هذا العلم والبحث في مظانه وقد راجعت فيه الكثير مرة بعد مرة وقد وفقني الله تعالى أن نشطت للرد على بعض كتب الكلاميين المشتهرة في بلادنا وخاصة الكتاب المشتهر باسم "شرح جوهرة التوحيد" للبيجوري فإني أرى أن كتاب العلامة حافظ بن أحمد الحكمي: "معارج القبول بشرح سلم الوصول، إلى علم الأصول في التوحيد". هو في الطبقة العليا من المفاريد: استقصاء وسهولة وقصر الأدلة على المأخذين السلفيين.
وبفضل الله تعالى وحده فإني وجهت همي نحوه بمشورة بعض أهل الخير لإخراجه إخراجا علميا لتتم منه الفائدة ويحصل بسببه ما رجى منه مؤلفه حين قال: والله أسأل أن يعين على إكماله بمنه وفضله، وأن ينفعني وطلاب العلم به وبأصله.
وأصل الكتاب هو نظم مختصر فيه بيان عقيدة السلف، نظمه كما قال بسؤال أحد المحبين له، وضم فيه مسائل أخرى نافعة تتعلق بما افتتن به العامة من صرف عباداتهم إلى القبور والأحجار والأشجار وسمى النظم "سلم الوصول إلى مباحث علم الأصول" قال الشيخ رحمه الله: فلما انتشر "النظم" بأيدي الطلاب، وعظمت فيه رغبة الأحباب، سئل مني أن أعلق عليه تعليقا لطيفا، يحل مشكله، ويفصل مجمله، مقتصرا على ذكر الدليل ومدلوله، من كلام الله تعالى وكلام رسوله، فاستخرت الله تعالى بعلمه، واستقدرته بقدرته، فعن لي أن أعزم على ذلك الأمر المسئول، مستمدا من الله تعالى الإعانة على نيل السول، وسميته "معارج القبول، بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول". أ. هـ.
وقد قصرت عملي في هذا الكتاب على النحو التالي:
1-
قمت بضبط النصوص من آيات وأحاديث وذلك بحسب ورودها في مظانها.
2-
عزوت الآيات إلى مظانها مع كثرتها إذ كان الشيخ رحمه الله يسوق في المبحث أغلب ما يطرأ على ذهنه من آيات قرآنية فيثبتها. وقد جعلت العزو في الأصل وليس في الحواشي والسبب في ذلك كثرة الآيات المستشهد بها فلو أثبتها في الحواشي لكانت الحاشية أكبر من المتن.
3-
قمت بتخريج الأحاديث النبوية وعزوها لمصادرها والحكم عليها وذلك حسب قواعد هذا العلم العظيم مستعينا بأقوال جهابذة هذا الفن وأحكامهم. وقمت بتخريج الحديث تخريجا مطولا حاولت استقصاء مظانه وكلام الأئمة على رجاله والكلام فيه إن ذكر إلا أنني وجدت أن إثبات هذا التخريج في حواشي الكتاب سيضر به وذلك لسببين:
الأول: أن الكتاب سيصبح ضخما جدا وربما يصبح التخريج أكبر من الأصل وذلك لكثرة الأحاديث فيه إذ إنه في الجزء الأول فقط أكثر من خمسين وستمائة حديث نبوي شريف، من غير الأقوال الأثرية ومصادر التفسير.
ثانيا: أن في هذا التخريج شغل للقارئ عن المتن، ولأن الكتاب كتاب تعليمي فإن مراد القارئ تحصيل مراده من المتن وكذلك معرفته صحة الأحاديث وثبوتها ولذلك قصرت تخريجي على النحو التالي:
1-
إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما قصرت العزو عليه إلا إذا كان المصنف قد ذكر مع الصحيح بعض المصادر الحديثية الأخرى فإني أبين مكان ورودها في المصدر المحال عليه.
2-
إذا كان المصنف قد عزى الحديث إلى مصادر حديثية غير الصحيحين وكان في أحدهما فإني أبين ذلك وأقتصر بذكره في المصدر المحيل عليه مع ذكره في الصحيح.
3-
وإذا كان الحديث في غير الصحيحين فإني أقتصر على ما اقتصر عليه
المؤلف في العزو إذ إنه الغالب عنده عزو الحديث لمصادره فإذا كان الحديث صحيحا في المصدر المحال عليه ذكرت ذلك وإذا كان ضعيفا بينته فإن كان له ما يقويه ذكرت فقط أن الحديث صحيح أو حسن لشواهده دون الإطالة في بيان شواهده ومتابعاته. وإذا كان ضعيفا ولم أجد له من الشواهد ما يقويه اقتصرت على عزو المصنف وبيان ضعف الحديث فقط.
وقد ألحقت فيه ترجمة لمصنفه رحمه الله من قلم ابنه "أحمد بن حافظ الحكمي" كما أثبتها كما هي. وكذلك نص المنظومة في بداية الكتاب ولابنه تعليقات عليها أثبتها كما هي وذلك لفائدتها.
والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعل عملي هذا في ميزان صحيفتي المقبولة يوم القيامة وأن يغفر زللي وخطلي
…
وقد بذلت جهدي وهو جهد المقل "وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع".
والحمد لله رب العالمين.