المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المنقول عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ١

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق:

- ‌ترجمة المؤلف:

- ‌الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ:

- ‌خُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِي تَفْسِيرِ الْبَسْمَلَةِ:

- ‌الْقَوْلُ فِي حَمْدِ اللَّهِ وَشُكْرِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ:

- ‌الْقَوْلُ فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ:

- ‌الْقَوْلُ فِي الصَّلَاةِ، وَالتَّعْرِيفُ بِالْآَلِ وَالْأَصْحَابِ:

- ‌[[الفصل الأول توحيد المعرفة والإثبات]]

- ‌أَسْمَاءُ اللَّهِ الْحُسْنَى:

- ‌[أَسْمَاءُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ]

- ‌إِثْبَاتُ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ

- ‌الْقَدِيرُ" الَّذِي لَهُ مُطْلَقُ الْقُدْرَةِ وَكَمَالُهَا وَتَمَامُهَا

- ‌ التَّصْرِيحُ بِاخْتِصَاصِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ

- ‌ الرَّفْعُ وَالصُّعُودُ وَالْعُرُوجُ إِلَيْهِ

- ‌طَبَقَةٌ أُخْرَى مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُلَمَاءِ السُّنَّةِ

- ‌[انْفِرَادُهُ عز وجل بِالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ] :

- ‌[إِثْبَاتُ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ لِلَّهِ عز وجل] :

- ‌[كَلَامُ اللَّهِ عز وجل] :

- ‌أَصْلُ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ:

- ‌ مَا قَالَهُ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ وَحُكْمِ الْجَهْمِيَّةِ:

- ‌رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

- ‌ الْمَنْقُولِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ

- ‌الْمَلَاحِدَةُ خَمْسُ طَوَائِفَ فِي تَوْحِيدِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِثْبَاتِ:

- ‌الْأُولَى سَلْبِيَّةٌ مَحْضًا يُثْبِتُونَ إِثْبَاتًا هُوَ عَيْنُ النَّفْيِ

- ‌الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: الْحُلُولِيَّةُ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعْبُودَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ

- ‌الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ: نُفَاةُ الْقَدَرِ وَهُمْ فِرْقَتَانِ:

- ‌الْمُخَالِفُونَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْقُرْآنِ سَبْعُ طَوَائِفَ

الفصل: ‌ المنقول عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب

وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَعَنِ التَّابِعِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السِّبَاطِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَعَطَاءٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَمُقَاتِلٍ وَغَيْرِهِمْ رحمهم الله مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَنَقَلْنَا أَقْوَالَهُمْ بِأَسَانِيدِهَا1، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَرْفُوعِ كِفَايَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

ذِكْرُ‌

‌ الْمَنْقُولِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَرَأَ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فَقَالُوا: مَا الزِّيَادَةُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى2. وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تبارك وتعالى فِي جَنَّتِهِ3. وَقَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى4. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ إِنْسَانٍ إِلَّا أَنَّ

1 انظرها جميعا وغيرها، عند اللالكائي في السنة "ص496-500". بأسانيدها. وكذلك في حادي الأرواح لابن القيم "ص369-373".

2 رواه ابن جرير "11/ 104-105" والدارمي في الرد على الجهمية "190" من طريق أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن نمران عنه به وسعيد بن نمران مجهول وأبو إسحاق مدلس وقد عنعن. ورواه عبد الله في السنة "ح470 و471" وابن أبي عاصم في السنة "ح474" وابن جرير "11/ 104" وابن خزيمة في "التوحيد ص183" والآجري في الشريعة "ص257" والدارقطني في الرؤية "121/ ب 122/ أ" واللالكائي "ح784" والبيهقي في الأسماء "ص307" من طرق عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر به.

وعامر بن سعد قال عن ابن حجر: مقبول "إذا توبع وإلا فلين" وأبو إسحاق مدلس وقد عنعن فسنده ضعيف وهو حديث صحيح بشواهده.

3 ابن أبي حاتم في تفسيره "حادي الأرواح ص369" واللالكائي في السنة "ح859" وسنده ضعيف فيه عمارة بن عبد قال عنه الحافظ: مقبول "إذا توبع وإلا فلين".

وصالح بن أبي خالد لم أجده إلا في الجرح والتعديل "ت1752" وسكت عنه. والحديث صحيح بشواهده.

4 أخرجه ابن أبي عاصم في السنة "ح473" وابن جرير "11/ 105" والدارمي في الرد على الجهمية "ح191" وعبد الله في السنة "ح473". وابن خزيمة في التوحيد "ص183" والآجري "ص257" والدارقطني في الرؤية "120 - أ" واللالكائي "ح783 و784". والبيهقي في الأسماء والصفات "ص307-308" وسنده فيه عنعنة أبي إسحاق وهو حديث صحيح لشواهده.

ص: 335

رَبَّهُ سَيَخْلُو بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ فَيَقُولُ: مَا غرك بي يابن آدَمَ؟ "ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟ "ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ 1. وَقَالَ رضي الله عنه: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ2. وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كُلُّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَرَى رَبَّهُ عز وجل؟ قَالَ: نَعَمْ3. وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُنَادِي أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟ فَيَقُومُونَ فِي كَنَفٍ وَاحِدٍ مِنَ الرَّحْمَنِ تَعَالَى لَا يَحْتَجِبُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَا يَسْتَتِرُ. قَالَ أَبُو عَفِيفٍ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْهُ: مَنِ الْمُتَّقُونَ؟ قَالَ: قَوْمٌ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَأَخْلَصُوا لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، فَيَمُرُّونَ إِلَى الْجَنَّةِ4. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَذُوقُوا الْمَوْتَ5. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مُلْكِهِ أَلْفَيْ عَامٍ يُرَى أَقْصَاهُ كَمَا يُرَى أَدْنَاهُ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ جل جلاله فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ6. وَكَانَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ رضي الله عنه يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الدُّعَاءُ عَنْهُ7، وَتَقَدَّمَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنهم. وَقَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه: {لِلَّذِينِ

1 أخرجه اللالكائي في السنة "ح860" وأخرجه أبو عوانة "حادي الأرواح ص369" وسنده صحيح عند أبي عوانة.

2 اللالكائي في السنة "ح787" وأبو بكر بن أبي داود "حادي الأرواح ص369" وسنده ضعيف وهو صحيح لشواهده.

3 الآجري في الشريعة "ص257" وسنده ضعيف فيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو ضعيف عن أبيه وله أوهام. وهو صحيح لشواهده.

4 اللالكائي في السنة "ح864". من طريق ابن أبي حاتم وقد رواه في تفسيره "حادي الأرواح ص369". وسنده ضعيف فيه ميمون "أبو حمزة" وهو ضعيف. وأبو عفيف هذا لا يعرف.

5 اللالكائي في السنة "ح865". وفيه ابن لهيعة وقد روى عنه ابن وهب. وهو من رواية سالم بن أبي أمية عن أبي هريرة وسالم يرسل عمن لم يلقه. والحديث صحيح لشواهده.

6 اللالكائي في السنة "ح866" وفي سنده ثوير بن أبي فاختة وهو ضعيف وقد تقدم الحديث مرفوعا من طريقه فانظره.

7 تقدم ذكره.

ص: 336

أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} قال: الجنة، و"الزيادة" هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عز وجل 1. وَكَانَ رضي الله عنه يُحَدِّثُ النَّاسَ فَشَخَصُوا بِأَبْصَارِهِمْ، فَقَالَ: مَا صَرَفَ أَبْصَارَكُمْ عَنِّي؟ قَالُوا: الْهِلَالُ. قَالَ: فَكَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى جَهْرَةً؟ 2. وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] : يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ تبارك وتعالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ3. وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأُدِيمَ عليهم بالكرامة جادتهم خُيُولٌ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ لَا تَبُولُ وَلَا تَرُوثُ لَهَا أَجْنِحَةٌ، فَيَقْعُدُونَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَأْتُونَ الْجَبَّارَ جَلَّ وَعَلَا فَإِذَا تَجَلَّى لَهُمْ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَقَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ رِضَاءً لَا سُخْطَ بَعْدَهُ4.

ذِكْرُ أَقْوَالِ التَّابِعِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ:

قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَكَعْبٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عز وجل. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عز وجل وَلُزُومِ طَاعَتِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِأَمْرِهِ وَالْمُعَاهَدَةِ عَلَى مَا حَمَّلَكَ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ وَاسْتَحْفَظَكَ مِنْ كِتَابِهِ فَإِنَّ بِتَقْوَى اللَّهِ عز وجل وَلُزُومِ طَاعَتِهِ نَجَا أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ سُخْطِهِ، وَبِهَا وَافَقُوا أَنْبِيَاءَهُ، وَبِهَا نَضِرَتْ

1 الدارمي في الرد على الجهمية "ح195" والطبري في التفسير "11/ 105" وابن خزيمة في التوحيد "ص148" والدارقطني في الرؤية "49 -أب" واللالكائي "ح786" وإسناده ضعيف فيه أبو بكر الهذلي وهو متروك الحديث والحديث صحيح لشواهده.

2 أخرجه عبد الله في السنة "ح465" والدارمي في الرد على الجهمية "ح196" وابن خزيمة في التوحيد "ص180" والآجري في الشريعة "ص264" واللالكائي "ح862". وإسناده ضعيف فيه أبو مراية قال عنه الحافظ: يروي عنه أسلم العجلي "ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديل" فهو مجهول.

3 أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية "198" سنده ضعيف فيه شريك القاضي وأبو اليقظان وهو عثمان بن عمير وهو ضعيف وقد تقدم من طريقه مرفوعا.

4 الآجري في الشريعة "ص267" وسنده ضعيف جدا فهو من رواية الحسن البصري وهو مدلس وقد عنعن والحكم بن أبي خالد "وهو ابن ظهير": قال عنه الحافظ: متروك رمي بالرفض واتهمه ابن معين.

ص: 337

وُجُوهُهُمْ وَنَظَرُوا إِلَى خَالِقِهِمْ، وَهِيَ عِصْمَةٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْفِتَنِ وَمِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ1 رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لو علم العابثون فِي الدِّينِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إِنَّ أَشْرَفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ تبارك وتعالى غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. وَقَالَ كَعْبٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا نَظَرَ اللَّهُ عز وجل إِلَى الْجَنَّةِ قَطُّ إِلَّا قَالَ: طِيبِي لِأَهْلِكِ، فَزَادَتْ ضِعْفًا عَلَى مَا كَانَتْ، حَتَّى يَأْتِيَهَا أَهْلُهَا، وَمَا مِنْ يَوْمٍ كَانَ لَهُمْ عِيدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَيَخْرُجُونَ فِي مِقْدَارِهِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَيَبْرُزُ لَهُمُ الرَّبُّ تبارك وتعالى فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَتُسْفِي عَلَيْهِمُ الرِّيحُ الْمِسْكَ، وَلَا يَسْأَلُونَ الرَّبَّ تبارك وتعالى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا، وَقَدِ ازْدَادُوا عَلَى مَا كَانُوا مِنَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ سَبْعِينَ ضِعْفًا، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَزْوَاجِهِمْ وَقَدِ ازْدَدْنَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ: إِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَتَجَلَّى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَآهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ نَسُوا نَعِيمَ الْجَنَّةِ، وَقَالَ طَاوُسٌ: أَصْحَابُ الْمِرَاءِ وَالْمَقَايِيسِ لَا يَزَالُ بِهِمِ الْمِرَاءُ وَالْمَقَايِيسُ حَتَّى يَجْحَدُوا الرُّؤْيَةَ وَيُخَالِفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ. وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقِ السَّبِيعِيِّ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ تبارك وتعالى. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ أُعْطُوا فِيهَا مَا سَأَلُوا وَمَا شَاءُوا، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْءٌ لَمْ تُعْطَوْهُ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ تبارك وتعالى فَلَا يَكُونُ مَا أُعْطُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، فَالْحُسْنَى الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ تبارك وتعالى:{وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} [يُونُسَ: 26] بَعْدَ نَظَرِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ تبارك وتعالى. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الْكَهْفِ: 110] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ أَرَادَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ خَالِقِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا. وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: مَا حَجَبَ اللَّهُ عز وجل أَحَدًا عَنْهُ إِلَّا عَذَّبَهُ ثُمَّ قَرَأَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ

1 انظر هذه الأقوال وغيرها في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي.

ص: 338

لَصَالُو الْجَحِيمِ، ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 15] قَالَ: بِالرُّؤْيَةِ. وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: قَدِمَ عَلَيْنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا قَوْمًا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ؛ "إِنَّ اللَّهَ ينزل إلى سماء الدنيا" و"إن أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ" فَحَدَّثَنِي بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ فِي هَذَا، وَقَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَقَدَ أَخَذْنَا دِينَنَا هَذَا عَنِ التَّابِعِينَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُمْ عَمَّنْ أَخَذُوا؟ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ قَبِيصَةَ: أَتَيْنَا أَبَا نُعَيْمٍ يَوْمًا فَنَزَلَ إِلَيْنَا مِنَ الدَّرَجَةِ الَّتِي فِي دَارِهِ فَجَلَسَ وَسَطَهَا كَأَنَّهُ مُغْضَبٌ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَحَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ، هَؤُلَاءِ أَبْنَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يُحَدِّثُونَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يُرَى فِي الْآخِرَةِ حَتَّى جَاءَ ابْنُ يَهُودِيٍّ صَبَّاغٌ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يرى "يعني بشر الْمِرِّيسِيَّ قَبَّحَهُ الله".

ذكر أقول الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَطَبَقَاتِهِمْ وَمَشَايِخِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى:

قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْيُنِهِمْ. وَسُئِلَ رحمه الله عَنْ قَوْلِهِ عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [الْقِيَامَةِ: 23] أَتَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَشْهَبُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ تَنْظُرُ مَا عِنْدَهُ، قَالَ: بَلْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظَرًا، وَقَدْ قَالَ مُوسَى:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الْأَعْرَافِ: 143] وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قِيلَ لِمَالِكٍ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى. فَقَالَ مَالِكٌ: السَّيْفَ السَّيْفَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمِاجِشُونُ وَسَأَلْتُهُ عَمَّا جَحَدَتِ الْجَهْمِيَّةُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُمُ الشَّيْطَانُ حَتَّى جَحَدُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فَقَالُوا: لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَجَحَدُوا. وَاللَّهِ أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ، وَنَضْرَتِهِ إِيَّاهُمْ:{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [الْقَمَرِ: 25] فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

ص: 339

لَيَجْعَلَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُخْلِصِينَ لَهُ ثَوَابًا لِيُنُضِّرَ بِهَا وُجُوهَهُمْ دُونَ الْمُجْرِمِينَ وَتَفْلُجَ بِهَا حُجَّتُهُمْ عَلَى الْجَاحِدِينَ وَهُمْ {عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} لَا يَرَوْنَهُ، كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يُرَى وَلَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْجُبَ اللَّهُ عز وجل جَهْمًا وَأَصْحَابَهُ عَنْ أَفْضَلِ ثَوَابِهِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ حِينَ يَقُولُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فَجَحَدَ جَهْمٌ وَأَصْحَابُهُ أَفْضَلَ ثَوَابِهِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ. وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التي فيها الرؤية فَقَالُوا: تَمَرُّ بِلَا كَيْفٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَذَكَرَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُصَلَّى خَلَفَ الْجَهْمِيِّ، وَالْجَهْمِيُّ الَّذِي يَقُولُ: لَا يُرَى رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ سَابِطٍ فِي الزِّيَادَةِ أَنَّهَا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عز وجل، فَأَنْكَرَهُ رَجُلٌ فَصَاحَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ. وَذَكَرَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْجَهْمِيَّةِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الرحمن "خدارا بآن جهان جون بيند" وَمَعْنَاهُ: كَيْفَ يُرَى اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: بِالْعَيْنِ. وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ رحمه الله: يَرَاهُ تبارك وتعالى الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَرَاهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْمَأْخُوذُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ: الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّؤْيَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَقَدْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الرُّؤْيَةِ: هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ رَوَاهَا الثِّقَاتُ عَنِ الثِّقَاتِ إِلَى أَنْ صَارَتْ إِلَيْنَا. إِلَّا أَنَّا إِذَا قِيلَ لَنَا فَسِّرُوهَا لَنَا، قُلْنَا: لَا نُفَسِّرُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَكِنْ نُمْضِيهَا كَمَا جَاءَتْ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ: سَأَلْتُ أَسْوَدَ بْنَ سَالِمٍ عَنْ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ: أَحْلِفُ عَلَيْهَا أَنَّهَا حَقٌّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ؛ فِيهَا مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَمَّا أَنْ حُجِبَ هَؤُلَاءِ فِي السُّخْطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا، قَالَ الرَّبِيعُ: فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبِهِ تَقُولُ؟

ص: 340

قَالَ: نَعَمْ وبه أدين لله عز وجل. وَلَوْ لَمْ يُوقِنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ لَمَا عَبَدَ اللَّهَ عز وجل. رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} : فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ تبارك وتعالى يوم الْقِيَامَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُحْجَبُونَ عَنِ اللَّهِ عز وجل. رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ. وَلِابْنِ بَطَّةَ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ: أَلَيْسَ رَبُّنَا تبارك وتعالى يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَلَيْسَ تَقُولُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ أَحْمَدُ: صَحِيحٌ. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -وَقِيلَ لَهُ تَقُولُ بِالرُّؤْيَةِ- فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالرُّؤْيَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ، عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَقَالَ {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذُكِرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْءٌ فِي الرُّؤْيَةِ فَغَضِبَ وَقَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ أَيْضًا: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ لَهُ فِي رَجُلٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْزَى اللَّهُ هَذَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ تَعْرِفُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي الْعَطُوفِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: إِنِ اسْتَقَرَّ الْجَبَلُ فَسَوْفَ تَرَانِي وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فَلَا تَرَانِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ؟ 1 فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ غَضَبًا شَدِيدًا

1 فيه أبو العطوف وهو الجراح بن المنهال قال ابن حبان: كان يكذب في الحديث ويشرب الخمر وقال النسائي والدارقطني: متروك "الميزان ت1453".

ص: 341

حَتَّى تَبَيَّنَ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ قَاعِدًا وَالنَّاسُ حَوْلَهُ فَأَخَذَ نَعْلَهُ وَانْتَعَلَ وَقَالَ: أَخْزَى اللَّهُ هَذَا، هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ. وَدَفَعَ أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ رَوَاهُ أَوْ حَدَّثَ بِهِ وَقَالَ: هَذَا جَهْمِيٌّ كَافِرٌ خَالَفَ مَا قَالَهُ اللَّهُ عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أَخْزَى اللَّهُ هَذَا الْخَبِيثَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [الْبَقَرَةِ: 210]{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فَمَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فَقَدْ كَفَرَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالرُّؤْيَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَالْجَهْمِيُّ كَافِرٌ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَطَّانُ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَهْلُ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ تبارك وتعالى، وَيُكَلِّمُونَهُ وَيُكَلِّمُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا إِذَا شَاءُوا. وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْقَوْمُ يَرْجِعُونَ إِلَى التَّعْطِيلِ فِي أَقْوَالِهِمْ، يُنْكِرُونَ الرُّؤْيَةَ وَالْآثَارَ كُلَّهَا، وَمَا ظَنَنْتُهُمْ عَلَى هَذَا حَتَّى سَمِعْتُ مَقَالَاتِهِمْ. قَالَ حَنْبَلٌ وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، فَقَدْ كَفَرَ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الرَّسُولِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا فَقَدْ كَفَرَ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ قَوْلَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَنُقِرُّ بِهَا وَنُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله يَقُولُ: فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي رُؤْيَةِ الدُّنْيَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الصَّائِغُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: الرُّؤْيَةُ مَنْ كَذَّبَ بِهَا فَهُوَ زِنْدِيقٌ. وَقَالَ حَنْبَلٌ يَقُولُ: الرُّؤْيَةُ مَنْ كَذَّبَ بِهَا فَهُوَ زِنْدِيقٌ. وَقَالَ حَنْبَلٌ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا يُنْكِرُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْئًا، أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ، وَكَانُوا يُحَدِّثُونَ بِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ يُمِرُّونَهَا عَلَى حَالِهَا غَيْرَ مُنْكِرِينَ لِذَلِكَ وَلَا مُرْتَابِينَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشُّورَى: 52] وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَقَالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى

ص: 342

الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} فَأَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ مُوسَى يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ وَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وَلَا يَكُونُ حِجَابٌ إِلَّا لِرُؤْيَةٍ، أَخْبَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَنَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَنْ أَرَادَ يَرَاهُ، وَالْكُفَّارُ لَا يَرَوْنَهُ. قَالَ حَنْبَلٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِي النَّظَرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ: تَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّكُمْ" أَحَادِيثُ صِحَاحٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عز وجل. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نُؤْمِنُ بِهَا وَنَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ أَحَادِيثُ الرُّؤْيَةِ. وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ يُرَى، نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا نَشُكُّ فِيهِ وَلَا نَرْتَابُ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَكَذَّبَ بِالْقُرْآنِ وَرَدَّ عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ، يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. قَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ قَالَ: هَذِهِ صِحَاحٌ نُؤْمِنُ بِهَا وَنُقِرُّ بِهَا وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقْرَرْنَا بِهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا لَمْ نُقِرَّ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَفَعْنَاهُ رَدَدْنَا عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْرِ: 7] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ أَمِيرُ خُرَاسَانَ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي يَرْوُونَهَا فِي النُّزُولِ وَالرُّؤْيَةِ مَا هُنَّ؟ فَقَالَ: رَوَاهَا مَنْ رَوَى الطَّهَارَةَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالْأَحْكَامَ -وَذَكَرَ أَشْيَاءَ- فَإِنْ يكونوا في هذه عُدُولًا وَإِلَّا فَقَدِ ارْتَفَعَتِ الْأَحْكَامُ وَبَطَلَ الشَّرْعُ. فَقَالَ: شَفَاكَ اللَّهُ كَمَا شَفَيْتَنِي. أَوْ كَمَا قَالَ. ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِهِ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ خَالِقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ لِلْمُزَنِيِّ: مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: أَقُولُ إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، فَقَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ فَقَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ. قَالَ: وَتَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا افْتَرَقَ النَّاسُ قَامَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ شَهَرْتَنِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِيكَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَرِّئَكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا، تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الْأَحْزَابِ: 44] : أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أن اللقاء ههنا لَا يَكُونُ

ص: 343

إِلَّا مُعَايَنَةً وَنَظَرًا بِالْأَبْصَارِ، قُلْتُ: وَاللِّقَاءُ ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِالتَّوَاتُرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُلُّ أَحَادِيثِ اللِّقَاءِ صَحِيحَةٌ كَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بِئْرِ مَعُونَةَ:"إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا" 1، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم:"مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ لِقَاءَهُ" 2 وَحَدِيثُ أَنَسٍ: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ، صلى الله عليه وسلم" 3 وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: "لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً" 4 وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى: "مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ" 5 وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ اللِّقَاءِ الَّتِي اطَّرَدَتْ كُلُّهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ، وَهَذِهِ

1 البخاري "7/ 388-389" في المغازي، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة.

2 أحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:

رواه البخاري "11/ 357" في الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

ومسلم "4/ 2065/ ح2683" في الذكر والدعاء، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

ب حديث عائشة رضي الله عنها:

أخرجه البخاري "11/ 357" في الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

ومسلم "4/ 2065-2066/ ح2684، 2685" في الذكر والدعاء باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

ج حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

أخرجه البخاري "13/ 464" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} . ومسلم "4/ 2066/ ح2685" في الذكر والدعاء، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

د وفي الباب عن أبي موسى الأشعري:

أخرجه البخاري: "11/ 357" في الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

ومسلم "4/ 2067/ ح2685" في الذكر والدعاء، باب فيمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

3 أخرجه مسلم "2/ 733-734/ ح1059" في الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه وفي "2/ 738-739/ ح1061".

4 أخرجه مسلم "4/ 2068/ ح2687" في الذكر، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله، وأحمد "5/ 153 و169".

5 أخرجه الطبراني في الكبير "مجمع الزوائد 10/ 372". وقال الهيثمي: رجاله ثقات.

وأخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه "1/ 94/ ح93" في الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله دخل الجنة.

ص: 344

أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ تبارك وتعالى فِي الْجَنَّةِ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَذَلِكَ غَايَةُ النَّعِيمِ وَأَعْلَى الْكَرَامَاتِ وَأَفْضَلُ فَضِيلَةٍ، وَلِذَا يَذْهَلُونَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ عَنْ كُلِّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَنُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَضْرَعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَدْعُوهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى أَنْ يَرْزُقَنَا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ تَعَالَى فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، وَأَنْ لَا يَحْجُبَنَا عَنْهُ فَنَكُونَ مِنَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ جَحَدَ الرُّؤْيَةَ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، مُكَذِّبٌ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ رَادٌّ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مُخَالِفٌ لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَافِرٌ بِلِقَاءِ اللَّهِ عز وجل، مُتَّبِعٌ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيُوَلِّيهِ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَيُصْلِيهِ جَهَنَّمَ إِنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى جُحُودِهِ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ؟ وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ الْمُكَذِّبِينَ مَحْجُوبُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ تَعَالَى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ، ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَوْلَهُ: {تُكَذِّبُونَ} بِالرُّؤْيَةِ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي وَعِيدِ مُنْكِرِي اللِّقَاءِ وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ مُنْكِرَ الرُّؤْيَةِ بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: "هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِيهَا سَحَابَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِيهِ سَحَابَةٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، فَيَلْقَى الْعَبْدَ فيقول: أي قل أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتُرْفَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فيقول: أي قل أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتُرْفَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرِ مَا استطاع. فيقول: ههنا إِذًا. ثُمَّ يُقَالُ: الْآنَ

ص: 345

نَبْعَثُ شَاهِدًا عَلَيْكَ. فَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ انْطِقِي فَيَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ"1 وَمِنْ تَرَاجِمِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ؛ بَابُ وَعِيدِ مُنْكِرِي الرُّؤْيَةِ2، وَالدَّلَالَةُ مِنْهُ وَاضِحَةٌ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ تبارك وتعالى فِي دَارِ الْآخِرَةِ. وَكَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَحْثُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَّةِ وَإِقْرَارِهَا كَمَا أَتَتْ:

وَكُلُّ مَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ

أَثْبَتَهَا فِي مُحْكَمِ الْآيَاتِ

أَوْ صَحَّ فِي مَا قَالَهُ الرَّسُولُ

فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ وَالْقَبُولُ

"وَكُلُّ مَا" ثَبَتَ "لَهُ" أَيْ: لِلَّهِ عز وجل "مِنَ الصِّفَاتِ" الثَّابِتَةِ الَّتِي "أَثْبَتَهَا" هُوَ سبحانه وتعالى لِنَفْسِهِ وَأَخْبَرَنَا بِاتِّصَافِهِ بِهَا "فِي مُحْكَمِ الْآيَاتِ" مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 115] وَقَوْلِهِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [الْقَصَصِ: 88] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 26-27] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الرُّومِ: 39] وَقَوْلِهِ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [اللَّيْلِ: 19] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الْإِنْسَانِ: 9]

1 مسلم "4/ 2279/ ح2968" في الزهد والرقائق.

2 مثاله الإمام ابن القيم في حادي الأرواح "ص379" وقال: ومن تراجم أهل السنة على هذا الحديث: باب في الوعيد لمنكري الرؤية كما فعل شيخ الإسلام وغيره "حادي الأرواح ص380".

ص: 346

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الْكَهْفِ: 21] وَقَوْلِهِ تبارك وتعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 28] وَقَوْلِهِ عَنْ عِيسَى عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [الْمَائِدَةِ: 116] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطُّورِ: 48] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [الْقَمَرِ: 13] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 57] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [الْمَائِدَةِ: 64] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزُّمَرِ: 67] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الْأَعْرَافِ: 145] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [الْمَائِدَةِ: 54] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} ، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّفِّ: 4] وَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} ، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [الْبَقَرَةِ: 205] {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لُقْمَانَ: 18] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الْفَتْحِ: 18]{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التَّوْبَةِ: 96]{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزُّمَرِ: 7] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الْمَائِدَةِ: 80] وَكَقَوْلِهِ: {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التَّوْبَةِ: 46] وَقَوْلِهِ فِي الْيَهُودِ: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الْمُمْتَحَنَةِ: 13] وَفِي قَاتِلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النِّسَاءِ: 93] وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الْأَعْرَافِ: 156] وَكَقَوْلِهِ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً

ص: 347

وَعِلْمًا} [غَافِرٍ: 7] وَكَقَوْلِهِ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الْأَنْعَامِ: 54] وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وَقَوْلِهِ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 159] وَكَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} وَقَوْلِهِ عَنْ إِبْلِيسَ: {فَبِعِزَّتِكَ لِأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] وَقَوْلِهِ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصْفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصَّافَّاتِ: 180] وَكَقَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النُّورِ: 53] الْآيَةَ. وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [الْمَائِدَةِ: 95] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السَّجْدَةِ: 22] وَقَوْلِهِ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 4] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الْحَشْرِ: 23] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ} وَقَوْلِهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 26-27] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الْأَنْعَامِ: 19] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الْحَدِيدِ: 4] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَرْيَمَ: 54-56] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الْحِجْرِ: 49-50] وَقَوْلِهِ: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غَافِرٍ: 3] وَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [الْبَقَرَةِ: 245] وَقَوْلِهِ: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الْأَنْعَامِ: 110] وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرَّعْدِ: 13] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، صِفَاتِ ذَاتِهِ تَعَالَى وَأَفْعَالِهِ عز وجل.

ص: 348

"أَوْ صَحَّ فِي مَا قَالَهُ الرَّسُولُ" مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ عز وجل: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي حِينَ يُذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ" 1 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم:"سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَاءَ نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا2، وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم:"لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3. وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الْأَنْعَامِ: 65] قَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ" قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ" قَالَ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا أَيْسَرُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ4. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْ يَحِلَّ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَنْزِلَ بِي سُخْطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلَا

1 البخاري "13/ 384" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} . وباب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} .

ومسلم "4/ 2061/ ح2675" في الذكر، باب الحث على ذكر الله، وفي التوبة باب في الحض على التوبة والفرح بها.

2 مسلم "4/ 2090/ ح2726" في الذكر والدعاء، باب التسبيح أول النهار وعند النوم. وأبو داود "2/ 81/ ح1503" في الوتر، باب التسبيح بالحصى.

والترمذي "5/ 556/ ح3555" في الدعوات، باب 104.

والنسائي "2/ 77" في السهو باب نوع آخر من التسبيح.

وابن ماجه "2/ 1251/ ح8-38" في الآداب، باب فضل التسبيح.

3 البخاري "6/ 287" في بدء الخلق، باب قول الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} .

ومسلم "4/ 2107/ ح2751" في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه.

4 البخاري "8/ 291" في تفسير سورة الأنعام، باب قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} . وفي الاعتصام، باب قول الله تعالى:{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} وفي التوحيد، باب قول الله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} .

والترمذي "5/ 261-262/ ح2067" في التفسير، ورواه عبد بن حميد ونعيم بن حماد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه "الدر المنثور 3/ 283".

ص: 349

حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ" رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ1. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ" 2 الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ فِي الرُّؤْيَةِ. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ مَثَلُ الْقَائِمِ الْمُصَلِّي حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا4. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ:"إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا تُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِهِ5. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "وَإِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ إِلَى وَجْهِ عَبْدِهِ" رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ6، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ: "أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ" الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا7. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: "يَقُولُ النَّاسُ لِآدَمَ أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ: خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ" الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا8. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تُغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ

1 ابن هشام "2/ 62" والبداية والنهاية لابن كثير "3/ 136" ولم يذكرا له سندا إلا قولهما: قال ابن إسحاق. وقد تقدم من رواية الطبراني بسند ضعيف.

2 تقدم ذكره.

3 البخاري "6/ 4" في الجهاد، باب فضل الجهاد والسير. ومسلم "3/ 1498/ ح1878" في الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله.

4 أحمد "1/ 249-250" وأبو داود "4/ 328/ ح5108" في الأدب، باب في الرجل يستعيذ من الرجل وابن خزيمة في التوحيد "ص13". وسنده صحيح.

5 البخاري "3/ 164" في الجنائز، باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة. ومسلم "3/ 1250/ ح1628" في الوصية، باب الوصية بالثلث.

6 ابن خزيمة في التوحيد "ص15" والبيهقي في الأسماء والصفات "ص386" وسند البيهقي صحيح رجاله ثقات. وسند ابن خزيمة فيه يحيى بن أبي كثير يدلس وقد عنعن.

7 أحديث أنس: أخرجه البخاري "13/ 91" في الفتن، باب ذكر الدجال. ومسلم "4/ 2248/ ح2933" في الفتن، باب ذكر الدجال وصفة ما معه.

ب حديث ابن عمر. أخرجه البخاري "13/ 90" في الفتن، باب ذكر الدجال. ومسلم "4/ 2247/ ح169" في الفتن، باب ذكر الدجال وصفة ما معه.

8 حديث الشفاعة تقدم ذكره.

ص: 350

وَالنَّهَارَ. وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يُغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضَ وَتَكُونُ السَّمَاوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ2. وَتَصْدِيقُهُ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودِيَّ الَّذِي قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ4. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْبَاقِي فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: أَلَا عَبْدٌ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ" الْحَدِيثَ5 تَقَدَّمَتْ أَلْفَاظُهُ فِي إِثْبَاتِ النُّزُولِ. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ - فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ6. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى: "فَقَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ" الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ7. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ يَدَ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ" رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ 8 وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ خَلْقِ آدَمَ: "فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ

1 تقدم ذكره.

2 تقدم ذكره.

3 البخاري "13/ 393" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} . مسلم "4/ 2174/ ح2786" في المنافقين، باب صفة القيامة والجنة والنار.

4 تقدم ذكره.

5 تقدمت طرقه.

6 تقدم ذكره.

7 سيأتي بطوله.

8 ابن خزيمة في التوحيد "ص65" وسنده صحيح. وله شواهد صحيحة.

ص: 351

وَتَعَالَى وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي، وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مباركة، ثم يبسطها فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ" الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ1. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ سُؤَالِ مُوسَى عليه السلام رَبَّهُ عز وجل عَنْ مَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ:"قَالَ يَا رَبِّ فَأَخْبِرْنِي بِأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً، قَالَ: هَذَا أَرَدْتَ فَسَوْفَ أُخْبِرُكَ؛ قَالَ: غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا" الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ2. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَكْفَأُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ" الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ" الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ5، وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ" الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ6. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم:"وَمَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي

1 ابن خزيمة في التوحيد "ص67" والبيهقي في الأسماء والصفات "ص411" ورواه الترمذي "5/ 453-454/ ح3368" في التفسير باب 95.

وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة رضي الله عنه والحاكم "1/ 64" وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وهو كما قالا رغم أنف مضعفه في تعليقه على الأسماء والصفات.

2 ابن خزيمة في التوحيد "ص69-70" والبيهقي في الأسماء والصفات "ص402-403". وهو عند مسلم في صحيحه "1/ 176/ ح189" في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

3 البخاري "11/ 372" في الرقاق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة. ومسلم "4/ 2151/ ح2792" في صفات المنافقين، باب نزل أهل الجنة.

4 مسلم "4/ 2113/ ح2769" في التوبة، باب غيرة الله تعالى.

5 تقدم ذكره.

6 تقدم ذكره.

ص: 352

مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ1. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ خَيْرِهِ"2 الْحَدِيثَ. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم:"عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلَاسِلِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ3. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ4. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: "إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ "5. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ فِي بَاطِلٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. وَفِي رِوَايَةٍ: "مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ لَمْ يَزَلْ فِي سُخْطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ"7. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا زَوْجُهَا" 8. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "وَإِذَا أَبْغَضَ

1 البخاري "13/ 360" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} .

ورواه مسلم "4/ 2160/ ح2804" في المنافقين، باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل.

2 رواه أحمد "4/ 11-12" وابن ماجه "1/ 64/ ح181" في المقدمة. وابن أبي عاصم في السنة "ح554" والدارقطني في الصفات "ح30" من حديث أبي رزين وسنده ضعيف فيه وكيع بن عدس "وقيل حدس" قال عنه الحافظ. مقبول "إذا توبع وإلا فليّن".

3 أحمد "2/ 302، 406، 448، 457" والبخاري "6/ 145" في الجهاد باب الأسارى في السلاسل من حديث أبي هريرة عندهما.

4 البخاري "6/ 39" في الجهاد، باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم.

ومسلم "3/ 1504/ ح1890" في الإمارة، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة.

5 تقدم ذكره.

6 أبو داود "3/ 305/ ح3598" في الأقضية، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها وفي سنده المثنى بن يزيد وهو مجهول ومطر بن طهمان الوران وهو صدوق كثير الخطأ. وتابع حسين بن ذكروان المعلم المثنى كما عند ابن ماجه "2/ 778/ ح2320" في الأحكام، باب من ادعى ما ليس له وخاصم فيه.

ورواه الحاكم من طريق أخرى "4/ 99" وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وهو عند أحمد من طريق أخرى "2/ 82" فالحديث صحيح إن شاء الله وله شاهد وهو الذي يليه.

7 أبو داود "3/ 305/ ح3597" في الأقضية، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها. وأحمد "2/ 70" والحاكم "2/ 27" وإسناده حسن.

8 تقدم ذكره.

ص: 353

عَبْدًا دَعَا جِبْرَائِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ1. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ2. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ: "بَلِّغُوا قَوْمَنَا عَنَّا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا" وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3، وَهُوَ مِنَ التَّنْزِيلِ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَةً وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ سَبْيِ هَوَازِنَ: "اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا" أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4، وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَنَزَّلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ حَتَّى تَرْفَعُ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ" أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ5.

وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ رضي الله عنه وَفِيهِ: "كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَمَّلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ" 6 وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم:"أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا7. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيُّوبَ عليه السلام: "وَعِزَّتِكَ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ

1 تقدم.

2 تقدم.

3 تقدم قريبا.

4 البخاري "10/ 426-427" في الأدب، رحمة الولد وتقبيله ومعانقته. ومسلم "4/ 2109/ ح2754" في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه.

5 البخاري "10/ 431" في الأدب، باب جعل الله الرحمة من مائة جزء.

ومسلم "4/ 2108/ ح2752" في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه.

6 مسلم "4/ 2108/ ح275" في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه.

7 البخاري "13/ 368-369" في التوحيد، باب قول الله:{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . وأخرجه مسلم كذلك "20864/ ح2717" في الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل.

ص: 354

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ1. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ فِيهِنَّ" أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا2، وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ" لِمُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ 3، وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ" قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هُودٍ: 102] أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4، وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ لِيَنْسَى شَيْئًا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا" رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ5. وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَلِفِهِ: "لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ" أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا6. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أقامه وإن شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا7، وَفِي صَدْرِهِ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ". وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ: "لَا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا -يَعْنِي النَّارَ- وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَدْ قَدْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ" وَفِي

1 البخاري "13/ 464" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} .

2 البخاري "13/ 465" في التوحيد، باب قول الله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} .

ومسلم "1/ 532-533/ ح769" في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

3 مسلم "1/ 352/ ح486" في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود.

وأبو داود "1/ 232/ ح879" في الصلاة، باب في الدعاء في الركوع والسجود.

والترمذي "5/ 524/ ح3493" في الدعوات، باب رقم 76.

والنسائي "2/ 223 و225" في الافتتاح، باب نوع آخر من الدعاء في السجود.

وابن ماجه "2/ 1262-1263/ ح3841" في الدعاء، باب ما تعوذ منه رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

4 البخاري "8/ 354" في التفسير، باب:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} .

ومسلم "4/ 1997-1998/ ح2583" في البر والصلة، باب تحريم الظلم.

5 البزار "كشف الأستار ح2231" والحاكم "2/ 375" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والبيهقي "10/ 12" والطبراني وابن مردويه وابن أبي حاتم "الدر المنثور 5/ 531".

6 تقدم ذكره.

7 تقدم ذكره.

ص: 355

رِوَايَةٍ "قَطْ قَطْ" بَالطَّاءِ أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ1. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: "لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ" عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ وَوَصَلَهَا الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ2. وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم:"أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ. وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي التَّرْجَمَةِ السَّابِقَةِ3. وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، يَحْتَاجُ اسْتِقْصَاؤُهَا إِلَى بَسْطٍ طَوِيلٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كفاية، وما أشبهه فَسَبِيلُهُ سَبِيلُهُ.

"فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ" لَهُ "وَالْقَبُولُ" الْفَاءُ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ كُلِّ مَا، فَنَقُولُ فِي ذَلِكَ: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آلِ عِمْرَانَ: 7-8] وَلَا نَضْرِبُ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَنَتَّبِعُ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَعَصَمَنَا مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَفَضْلِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ

مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلِ

وَغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلِ

بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى

طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى

أَيْ: جَمِيعُ الْآيَاتِ وَالصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا "نُمِرُّهَا صَرِيحَةً" أَيْ: عَلَى

1 تقدم ذكره.

2 البخاري تعليقا "13/ 399" في التوحيد، باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا شخص أغير من الله" وقد رواه موصولا في النكاح، باب الغيرة "9/ 319" ومسلم "ح2760" في التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش بلفظ:"لا شيء أغير من الله تعالى".

3 البخاري "13/ 399" في التوحيد، باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم:"لا شخص أغير من الله".

ومسلم: "2/ 1136/ ح1499" في اللعان في فاتحته.

ص: 356

ظَوَاهِرِهَا "كَمَا أَتَتْ" عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مُتَّصِلًا إِلَيْنَا كَالشَّمْسِ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، "مَعَ اعْتِقَادِنَا" إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا "لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ" مِنْ أَسْمَاءِ رَبِّنَا تبارك وتعالى وَصِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ كَمَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَأَرَادَهُ "مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ" لِأَلْفَاظِهَا كَمَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّسَاءِ: 164] أَنَّ التَّكْلِيمَ مِنْ مُوسَى، وَأَنَّ لَفْظَ الْجَلَالِةِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ فِرَارًا مِنْ إِثْبَاتِ الْكَلَامِ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَقَدْ عُرِضَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا قَرَأَ هَذَا إِلَّا كَافِرٌ، قَرَأْتُ عَلَى الْأَعْمَشِ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ عَلَى يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَلَى عَلِيِّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} يَعْنِي بِرَفْعِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقُرَّاءِ، رَوَى ذَلِكَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى1. وَرَوَى ابْنُ كَثِيرٍ أَنَّ بَعْضَ الْمُعْتَزِلَةِ قَرَأَ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ:{وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا} فقال له: يابن اللَّخْنَاءِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الْأَعْرَافِ: 143] يَعْنِي أَنَّ هَذَا لَا يَقْبَلُ التَّحْرِيفَ وَلَا التَّأْوِيلَ2. وَكَمَا قَالَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] حَيْثُ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ سَبِيلًا إِلَى حَكِّهَا لَحَكَكْتُهَا وَلَأَبْدَلْتُهَا اسْتَوْلَى. وَلَهُ فِي ذَلِكَ سَلَفُ الْيَهُودِ فِي تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى لَهُمْ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [الْبَقَرَةِ: 58] فَدَخَلُوا يزحفون على أستاهم وَقَالُوا: "حِنْطَةٌ"3 فَخَالَفُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الدُّخُولِ سُجَّدًا وَبَدَّلُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَكَانَ

1 ابن مردويه "ابن كثير 1/ 601".

2 ابن كثير "1/ 601".

3 رواه محمد بن إسحاق ورجاله ثقات "ابن كثير 1/ 103". ورواه البخاري: إلا أنهم قالوا فيه حبة في شعيرة "8/ 164" في التفسير، باب:{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} .

وروي غير ذلك انظر ابن كثير "1/ 103".

ص: 357

جَزَاؤُهُمْ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الْبَقَرَةِ: 59] وَجَعَلَهُمُ اللَّهُ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ، فمن فعل كمن فَعَلُوا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُهُمْ كَمَا مَضَتْ سُنَّةُ اللَّهِ بِذَلِكَ:{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [الْقَمَرِ: 43] .

وَ"مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ" لِمَعَانِيهَا كَمَا فَعَلَهُ الزَّنَادِقَةُ أَيْضًا كَتَأْوِيلِهِمْ "نَفْسَهُ" تَعَالَى بِالْغَيْرِ، وَأَنَّ إِضَافَتَهَا إِلَيْهِ كَإِضَافَةِ بَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 28] أَيْ: غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الْأَنْعَامِ: 54] أَيْ: عَلَى غَيْرِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ عِيسَى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [الْمَائِدَةِ: 116] أَيْ: وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي غَيْرِكَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِمُوسَى:{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] أَرَادَ وَاصْطَنَعْتُكَ لِغَيْرِي، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ بَلْ وَلَا يَتَوَهَّمُهُ وَلَا يَقُولُهُ إِلَّا كَافِرٌ. وَكَتَأْوِيلِهِمْ "وَجْهَهُ" تَعَالَى بِالنَّفْسِ مَعَ جُحُودِهِمْ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَانْظُرْ لِتَنَاقُضِهِمُ الْبَيِّنِ، وَهَذَا يَكْفِي حِكَايَتُهُ عَنْ رَدِّهِ. أَمَّا مَنْ أَثْبَتَ النَّفْسَ وَأَوَّلَ الْوَجْهَ بِذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 27] فذكر الوجه مرفرعا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَلَفْظُ رَبِّ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ، وَذَكَرَ ذُو مَرْفُوعًا بالتبعية نعتا لوجه، فَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ هُوَ الذَّاتَ لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" بِالْيَاءِ لَا بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 78] فَخَفَضَهَ لَمَّا كَانَ صِفَةً لِلرَّبِّ فَلَمَّا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِالرَّفْعِ إِجْمَاعًا تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَجْهَ صِفَةٌ لِلذَّاتِ لَيْسَ هُوَ الذَّاتَ وَلَمَّا رَأَى آخَرُونَ مِنْهُمْ فَسَادَ تَأْوِيلِهِمْ بِالذَّاتِ أَوِ الْغَيْرِ لَجَئُوا إِلَى طَاغُوتِ الْمَجَازِ فَعَدَلُوا إِلَى تَأْوِيلِهِ بِهِ أَوْلَى وَأَنَّهُ كَمَا يُقَالُ: "وَجْهُ الْكَلَامِ" وَ"وَجْهُ الدَّارِ" وَ"وَجْهُ الثَّوْبِ" وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَتَكَلَّفُوا الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّ التَّكَلُّفِ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ فَوَقَعُوا فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ الثَّوْبُ وَالدَّارُ وَالْكَلَامُ مَخْلُوقَاتٍ كُلَّهَا وَقَدْ شَبَّهْتَمْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ؟ فَأَيْنَ الْفِكَاكُ وَالْخَلَاصُ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فُصِّلَتْ: 23] وَكَمَا أَوَّلُوا الْيَدَ بِالنِّعْمَةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ الْعَرَبِ: "لَكَ

ص: 358

يَدٌ عِنْدِي" أَيْ: نِعْمَةٌ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [الْمَائِدَةِ: 64] يَعْنِي: نِعْمَتَاهُ، فَلَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ إِلَّا نِعْمَتَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لُقْمَانَ: 20] وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] أَرَادَ ،بِنِعْمَتِي فَأَيُّ فَضِيلَةٍ لِآدَمَ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؟ وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ بِنِعْمَتِهِ؟ وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزُّمَرِ: 67] أَرَادَ مَطْوِيَّاتٌ بِنِعْمَتِهِ، فَهَلْ يَقُولُ هَذَا عَاقِلٌ؟ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: "بِقُوَّتِهِ" اسْتِشْهَادًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذَّارِيَاتِ: 147] أَيْ: بِقُوَّةٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ كُلُّ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُوَّةٍ؟ فَعَلَى هَذَا مَا مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وَأَيُّ فَضْلٍ لِآدَمَ عَلَى إِبْلِيسَ إِذْ كُلٌّ مِنْهُمَا خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُوَّتِهِ؟ ومعنى قَوْلِهِ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: "لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذَرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ". أَفَلَمْ يَخْلُقِ الْمَلَائِكَةَ بِقُوَّتِهِ، وَأَيُّ فَضْلٍ لِآدَمَ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ الَّتِي هِيَ صِفَتُهُ، نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَكَمَا تَأَوَّلُوا الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَاسْتَشْهَدُوا بِبَيْتٍ مَجْهُولٍ مَرْوِيٍّ عَلَى خِلَافِ وَجْهِهِ وَهُوَ مَا يُنْسَبُ إِلَى الْأَخْطَلِ النَّصْرَانِيِّ:

قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ

مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ

فَعَدَلُوا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دَلِيلٍ مِنَ التَّنْزِيلِ إِلَى بَيْتٍ يُنْسَبُ إِلَى بَعْضِ الْعُلُوجِ لَيْسَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ، فَطَفِقَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ يُفَسِّرُونَ بِهِ كَلَامَ اللَّهِ عز وجل وَيَحْمِلُونَهُ عَلَيْهِ، مَعَ إِنْكَارِ عَامَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ لِذَلِكَ وَأَنَّ الِاسْتِوَاءَ لَا يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْبَتَّةَ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي زَمَانِهِ فَقَالَ: الْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ مُضَادٌّ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ قِيلَ اسْتَوْلَى، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا مغالب له ا. هـ.1. وَقَدْ فَسَّرَ السَّلَفُ الِاسْتِوَاءَ بِعِدَّةِ مَعَانٍ بِحَسَبِ أَدَاتِهِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهِ، وَبِحَسَبِ تَجْرِيدِهِ عَنِ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ حَتَّى

1 العلو للذهبي "مختصره ص194-195".

ص: 359

انْتَحَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ لَا بِاشْتِقَاقٍ صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ، بَلْ بِاسْتِنْبَاطٍ مُخْتَلَقٍ وَافَقَ الْهَوَى الْمُتَّبَعَ. وَقَدْ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي رَدِّ ذَلِكَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رحمه الله فِي كِتَابِهِ الصَّوَاعِقِ وَبَيَّنَ بُطْلَانَهُ مِنْ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ وَجْهًا فَلْيُرَاجَعْ1. وَكَمَا أَوَّلُوا أَحَادِيثَ النُّزُولِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا بِأَنَّهُ يَنْزِلُ أَمْرُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى نَازِلًا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ؟ فَمَاذَا يَخُصُّ السَّحَرَ بِذَلِكَ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِهِ، فَنَسَبَ النُّزُولَ إِلَيْهِ تَعَالَى مَجَازًا. فَيُقَالُ لَهُمْ: فَهَلْ يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يرسل من يدعي رُبُوبِيَّتَهُ، وَهَلْ يُمْكِنُ لِلْمَلِكِ أَنْ يَقُولَ:"لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ"2 وَهَلْ قَصُرَتْ عِبَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنْ يَقُولَ يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِ اللَّهِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكُمْ كَذَا أَوْ أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ لَكُمْ كَذَا حَتَّى جَاءَ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ يُوهِمُ بِزَعْمِكُمْ رُبُوبِيَّةَ الْمَلَكِ. لَقَدْ ظَنَنْتُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا. وَكَمَا أَوَّلُوا الْمَجِيءَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَجَازِ فَقَالُوا يَجِيءُ أَمْرُهُ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النَّحْلِ: 33] فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} [الْبَقَرَةِ: 210] فَقَالُوا: هُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ، وَالتَّقْدِيرُ يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ قَدِ اتَّضَحَ ذَلِكَ غَايَةَ الِاتِّضَاحِ أَنَّ مَجِيءَ رَبِّنَا عز وجل غَيْرُ مَجِيءِ أَمْرِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَأَنَّهُ يَجِيءُ حَقِيقَةً، وَمَجِيءُ أَمْرِهِ حَقِيقَةٌ، وَمَجِيءُ مَلَائِكَتِهِ حَقِيقَةٌ، وَقَدْ فَصَلَ تَعَالَى ذَلِكَ وَقَسَّمَهُ وَنَوَّعَهُ تَنْوِيعًا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ، فَذَكَرَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ مَجِيئَهُ وَمَجِيءَ الْمَلَائِكَةِ، وَكَذَا فِي آيَةٍ الْفَجْرِ، وَذَكَرَ فِي النَّحْلِ مَجِيءَ مَلَائِكَتِهِ وَمَجِيءَ أَمْرِهِ، وَذَكَرَ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ إِتْيَانَهُ وَإِتْيَانَ مَلَائِكَتِهِ وَإِتْيَانَ بَعْضِ آيَاتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَمْرِهِ. ثُمَّ يُقَالُ: مَا الَّذِي يَخُصُّ إِتْيَانَ أَمْرِهِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ أَلَيْسَ أَمْرُهُ آتِيًا فِي كُلِّ وَقْتٍ، مُتَنَزِّلًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِتَدْبِيرِ أُمُورِ خَلْقِهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَحْظَةٍ:{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرَّحْمَنِ: 29] وَتَأَوَّلُوا النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ عز وجل فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِالِانْتِظَارِ قَالُوا: إِنَّهُ كَقَوْلِهِ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ

1 مختصر الصواعق "2/ 126-152".

2 تقدم ذكره ورواياته.

ص: 360

نُورِكُمْ} [الْحَدِيدِ: 13] فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَيْسَ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ تَعَدَّى بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَدَاةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {انْظُرُونَا} أَلَمْ يُضِفِ اللَّهُ تَعَالَى النَّظَرَ إِلَى الْوُجُوهِ الَّتِي فِيهَا الْإِبْصَارُ، وَيُعَدِّهِ بِإِلَى الَّتِي تُفِيدُ الْمُعَايَنَةَ بِالْبَصَرِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} أَوَلَمْ يُفَسِّرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالرُّؤْيَةِ الْجَلِيَّةِ عِيَانًا بِالْأَبْصَارِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ حَدِيثًا صَحِيحًا، حَتَّى شَبَّهَ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ بِرُؤْيَتِنَا الشَّمْسَ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، تَشْبِيهًا لِلرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ، لَا لِلْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ، وَلَمْ يَزَلِ الصَّحَابَةُ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، وَيُحَدِّثُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَيَنْقُلُهُ التَّابِعُونَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَهَلُمَّ جَرًّا. فَنَحْنُ أَخَذْنَا دِينَنَا عَنْ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْتُمْ عَمَّنْ أَخَذْتُمْ؟ وَمِنْ شُبُهَاتِهِمْ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ عز وجل:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الْأَنْعَامِ: 113] وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا عَنِ الصَّحَابَةِ تَفْسِيرَانِ: أَوَّلُهُمَا لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا1، وَبِذَلِكَ نَفَتْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ. ثَانِيهُمَا تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {لَا تُدْرِكُهُ} أَيْ: لَا تُحِيطُ بِهِ، فَالنَّفْيُ لِلْإِحَاطَةِ لَا لِلرُّؤْيَةِ2، وَهَذَا عَامٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَهَذَا تَفْسِيرُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْكِتَابِ هَلْ بَيْنَهُمْ مِنْ أَحَدٍ فَسَّرَ الْآيَةَ بِمَا افْتَرَيْتُمُوهُ؟ وَمِنْ إِفْكِهِمُ ادِّعَاؤُهُمْ مَعْنَى التأبيد في النفي {لَنْ تَرَانِي} [الْأَعْرَافِ: 143] حَتَّى كَذَبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا مُخْتَلَقًا لَفْظُهُ: لَنْ تَرَانِي فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. وَهُوَ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: إِنَّ نَفْيَ "لَنْ" لِلتَّأْبِيدِ مُطْلَقًا إِلَّا الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، قَالَ ذَلِكَ تَرْوِيجًا لِمَذْهَبِهِ فِي الِاعْتِزَالِ، وَجُحُودِ صِفَاتِ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلَا، وَقَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ كَابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهِ3، وَرَدَّهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ حَيْثُ قَالَ:

1 تفسير ابن كثير "2/ 168".

2 تفسير ابن كثير "2/ 167".

3 تفسير ابن كثير "2/ 254".

ص: 361

وَمَنْ يَرَى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّدًا

فَقَوْلَهُ ارْدُدْ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا

وَالْقَائِلُ لِمُوسَى {لَنْ تَرَانِي} هُوَ الْمُتَجَلِّي لِلْجَبَلِ حَتَّى انْدَكَّ، وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ {الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وَهُوَ الَّذِي قَالَ:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ قوله لموسى عليه السلام: {لَنْ تَرَانِي} إِنَّمَا أَرَادَ عَدَمَ اسْتِطَاعَتِهِ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الدَّارِ لِضَعْفِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ فِيهَا عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ جل جلاله: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الْأَعْرَافِ: 143] الْآيَةَ. فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْجَبَلُ لِتَجَلِّي اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يَثْبُتُ مُوسَى لِذَلِكَ وَهُوَ بَشَرٌ خُلِقَ مِنْ ضَعْفٍ؟ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوْلِيَائِهِ قُوَّةً مُسْتَعِدَّةً لِلنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ عز وجل، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَأْتَلِفُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا مَنِ اتَّبِعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَنَصَبَ الْخِصَامَ أَوِ الْجِدَالَ وَالْمُعَارَضَةَ بَيْنَ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاتَّبَعَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَضَرَبَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَآمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ وَشَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؟ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مُرَادُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ تَأْوِيلُهُ إِلَّا بِدَفْعِ النُّصُوصِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لَا مَحَالَةَ وَلَا بُدَّ، فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَا يُكَذِّبُهُ كَمَا هُوَ مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنٌ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُبَيِّنُ الْكِتَابَ وَتُوَضِّحُهُ وَتُفَسِّرُهُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُرْشِدُ إِلَيْهِ. وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ وَلَا يَرْتَابُ فِيهِ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَأَدْلَى بِشُبُهَاتِهِ لِغَرَضِ شَهَوَاتِهِ:{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ، وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [الْبُرُوجِ: 19-20] وَهَذَا دَأْبُهُمْ فِي جَمِيعِ نُصُوصِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِثَالًا وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. فَمَنْ عُوفِيَ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هدانا الله.

"ولا تعطيل" أَيْ: لِلنُّصُوصِ بِنَفْيِ مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِ اللَّهِ تَعَالَى

ص: 362

وَنُعُوتِ جَلَالِهِ فَإِنَّ نَفْيَ ذَلِكَ مِنْ لَازِمِهِ نَفْيُ الذَّاتِ وَوَصْفُهُ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ، إِذْ مَا لَا يُوصَفُ بِصِفَةٍ هُوَ الْعَدَمُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَهْمِيَّةِ: إِنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ وَذَلِكَ لِجُحُودِهِمْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهَا رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّكْذِيبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالِافْتِرَاءَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ، وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ، لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهِمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزُّمَرِ: 32-35] .

"وَغَيْرِ تَكْيِيفٍ" تَفْسِيرٍ لَكِنَّهُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ رَبِّنَا تَعَالَى كَأَنْ يُقَالَ اسْتَوَى عَلَى هَيْئَةِ كَذَا، أَوْ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ بِصِفَةِ كَذَا، أَوْ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ عَلَى كَيْفِيَّةِ كَذَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ عز وجل وَاعْتِقَادِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَطْلُوبًا مِنَ الْعِبَادِ فِي الشَّرِيعَةِ لَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَدَعْ مَا بِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ إِلَّا بَيَّنَهُ وَوَضَّحَهُ، وَالْعِبَادُ لَا يَعْلَمُونَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مَا عَلَّمَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [الْبَقَرَةِ: 255] وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [البقرة: 110] فَلْيُؤْمِنِ الْعَبْدُ بِمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَقِفْ مَعَهُ كَهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِيُمْسِكْ عَمَّا جَهِلَهُ وَلِيَكِلْ مَعْنَاهُ إِلَى عَالِمِهِ كَكَيْفِيَّتِهَا {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْرِ: 7] .

"وَلَا تَمْثِيلِ" أَيْ: وَمِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ لِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ، فَكَمَا أَنَّا نُثْبِتُ لَهُ ذَاتًا لَا تُشْبِهُ الذَّوَاتِ فَكَذَلِكَ نُثْبِتُ لَهُ مَا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَنَعْتَقِدُ تَنَزُّهَهُ وَتُقَدَّسَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشُّورَى: 11] وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ فِي أَحْكَامِ

ص: 363

الشَّرِيعَةِ، هُوَ أَقْبَحَ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[الْأَعْرَافِ: 33] فَكَيْفَ بِالْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ تَشْبِيهِ خَلْقِهِ بِهِ أَوْ تَشْبِيهِهِ لِخَلْقِهِ فِي اتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ مَعَهُ وَصَرْفِ الْعِبَادَةِ لَهُمْ، وَإِنَّ اعْتِقَادَ تَصَرُّفِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ مَلَكُوتِهِ تَشْبِيهٌ لِلْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ، كَمَا أَنَّ تَمْثِيلَ صِفَاتِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ خَلْقِهِ تَشْبِيهٌ لِلْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ، وَكِلَا التَّشْبِيهَيْنِ كُفْرٌ بِاللَّهِ عز وجل أَقْبَحَ الْكُفْرِ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَرْيَمَ: 65] وَقَالَ تَعَالَى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النَّحْلِ: 60] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلِ: 74] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ بَلْ جَمِيعُ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، بَلْ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ وَلَمْ يُنَزِّلْ كُتُبَهُ إِلَّا بِذَلِكَ:{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الْأَحْزَابِ: 4] .

"بَلْ قَوْلُنَا" الَّذِي نَقُولُهُ وَنَعْتَقِدُهُ وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ هُوَ "قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى" مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ وَأَصْحَابِ الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ1 قَدِيمًا وَحَدِيثًا الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ، وَهُوَ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَبِلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ. وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ إِلَى أَذْهَانِ الْمُشَبِّهِينَ مَنْفِيٌّ عَنِ

1 انظر أقوالهم في كتاب العلو للذهبي.

ص: 364

اللَّهِ عز وجل فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، بَلِ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ تَفْسِيرُهَا قِرَاءَتُهَا، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولُهُ تَشْبِيهٌ، فَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِمَّا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَاتُ الصَّرِيحَةُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ، وَنَفَى عَنِ اللَّهِ النَّقَائِضَ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْهُدَى. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ، وَآمَنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَيْضًا رحمه الله: لِلَّهِ تَعَالَى أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ لا يسع أحد مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ رَدُّهَا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَوْلُ بِهَا فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْعُدُولُ فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ، أَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَمَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَلَا بِالرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ وَلَا يَكْفُرُ بِالْجَهْلِ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا وَتُثْبَتُ هَذِهِ الصِّفَاتُ وَيَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيهَ كَمَا نَفَى التَّشْبِيهَ عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَى فَقَالَ سُبْحَانَهُ:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، قَدْ أَجْمَلَ اللَّهُ الصِّفَةَ فَحَدَّ لِنَفْسِهِ صِفَةً: لَيْسَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ. وَصِفَاتُهُ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَلَا مَعْلُومَةٍ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ. قَالَ فَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِلَا حَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ، وَلَا يَبْلُغُ الْوَاصِفُونَ صِفَتَهُ، وَلَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، فَنَقُولُ كَمَا قَالَ وَنَصِفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ وَلَا يَبْلُغُ صِفَتَهُ الْوَاصِفُونَ، نُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَلَا نُزِيلُ عَنْهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ بِشَنَاعَةٍ شَنُعَتْ. وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَلَامٍ وَنُزُولٍ وَخَلْوَةٍ بِعَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَضْعِهِ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَالتَّحْدِيدُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِدْعَةٌ، وَالتَّسْلِيمُ فِيهِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَلَا حَدٍّ إِلَّا مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ: سَمِيعٌ بَصِيرٌ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا، عَالِمًا غَفُورًا عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ عَلَّامَ الْغُيُوبِ. فَهَذِهِ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ لَا تُدْفَعُ وَلَا تُرَدُّ، وَهُوَ

ص: 365

عَلَى الْعَرْشِ بِلَا حَدٍّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} كَيْفَ شَاءَ الْمَشِيئَةَ إِلَيْهِ وَالِاسْتِطَاعَةَ إِلَيْهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِلَا حَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ، لَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُشَبِّهَةُ. قُلْتُ لَهُ: وَالْمُشَبِّهُ مَا يَقُولُ؟ قَالَ مَنْ قَالَ بَصَرٌ كَبَصَرِي، وَيَدٌ كَيَدِي، وَقَدَمٌ كَقَدَمِي فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ تعالى بخلقه ا. هـ. وَكَلَامُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَطُولُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهُ فِي الِاسْتِوَاءِ وَالْكَلَامِ وَالنُّزُولِ وَالرُّؤْيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

"طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى" إِذْ هُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَأَوْلَاهُمْ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاقْتِفَاءِ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِمْ حَفِظَ اللَّهُ الدِّينَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَأَلْحَقَنَا بِهِمْ سَالِمِينَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.

وَسَمِّ ذَا النَّوْعَ مِنَ التَّوْحِيدِ

تَوْحِيدَ إثبات بلا تردد

قَدْ أَفْصَحَ الْوَحْيُ الْمُبِينُ عَنْهُ

فَالْتَمَسِ الْهُدَى الْمُنِيرَ مِنْهُ

"وَسَمِّ ذَا النَّوْعَ" وَالْإِشَارَةُ بِذَا إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ "إِثْبَاتُ ذَاتِ الرَّبِّ" إِلَى هُنَا وَمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ "مِنْ" نَوْعَيِ "التَّوْحِيدِ" الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا بِقَوْلِ: وَهُوَ نَوْعَانِ "تَوْحِيدُ إِثْبَاتٍ" لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ مَعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ وَمُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَنَفْيِ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ كَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ تبارك وتعالى، فَنُؤْمِنُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ بِلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، وَنَنْفِي عَنْهُ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَأَصْدَقُ قِيلًا وَأَبْيَنُ دَلِيلًا مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ عَكَسَ الزَّنَادِقَةُ الْأَمْرَ فَنَفَوْا عَنْهُ مَا أَثْبَتَهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى، وَأَثْبَتُوا لَهُ مَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ مِنْ أَضْدَادِ مَا تَقْتَضِي أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ، وَكَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَبَدَّلُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ.

ص: 366

فَائِدَةٌ:

قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ قَالُوا مُقَالَةً مُوَلَّدَةً مَا عَلِمْتُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ بِهَا قَالُوا: هَذِهِ الصِّفَاتُ تَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ وَلَا تُؤَوَّلُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ. فَتَفَرَّعَ مِنْ هَذَا أَنَّ الظَّاهِرَ يُعْنَى بِهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهَا غَيْرُ دَلَالَةِ الْخِطَابِ كَمَا قَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ. وَكَمَا قَالَ سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ: قِرَاءَتُهَا تَفْسِيرُهَا، يَعْنِي أَنَّهَا بَيِّنَةٌ وَاضِحَةٌ فِي اللُّغَةِ لَا يُبْتَغَى بِهَا مَضَايِقُ التَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، وَهَذَا هُوَ مَبْدَأُ السَّلَفِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَيْضًا أَنَّهَا لَا تُشْبِهُ صِفَاتِ الْبَشَرِ بِوَجْهٍ، إِذِ الْبَارِي لَا مِثْلَ لَهُ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ. الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَهَا هُوَ الَّذِي يَتَشَكَّلُ فِي الْخَيَالِ مِنَ الصِّفَةِ كَمَا يَتَشَكَّلُ فِي الذِّهْنِ مِنْ وَصْفِ الْبَشَرِ، فَهَذَا غَيْرُ ،مُرَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرْدٌ صَمَدٌ لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ صِفَاتُهُ فَإِنَّهَا حَقٌّ، وَلَكِنْ مَا لَهَا مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، فَمَنْ ذَا الَّذِي عَايَنَهُ وَنَعَتَهُ لَنَا، وَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَ لَنَا كَيْفَ سَمِعَ مُوسَى كَلَامَهُ؟ وَاللَّهِ إِنَّا لَعَاجِزُونَ كَالُّونَ حَائِرُونَ بَاهِتُونَ فِي حَدِّ الرُّوحِ الَّتِي فِينَا وَكَيْفَ تَعْرُجُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى بَارِئِهَا، وَكَيْفَ يُرْسِلُهَا، وَكَيْفَ تَسْتَقِلُّ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَيْفَ حَيَاةُ الشَّهِيدِ الْمَرْزُوقِ عِنْدَ رَبِّهِ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَكَيْفَ حَيَاةُ النَّبِيِّينَ الْآنَ، وَكَيْفَ شَاهَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخَاهُ مُوسَى يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ قَائِمًا1، ثُمَّ رَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَحَاوَرَهُ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِمُرَاجَعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَطَلَبِ التَّخْفِيفِ مِنْهُ عَلَى أُمَّتِهِ2، وَكَيْفَ نَاظَرَ مُوسَى أَبَاهُ آدَمَ وَحَجَّهُ آدَمُ بِالْقَدَرِ السَّابِقِ وَبِأَنَّ اللَّوْمَ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَبُولِهَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ3، وَكَذَلِكَ نَعْجِزُ عَنْ وَصْفِ هَيْئَتِنَا فِي الْجَنَّةِ وَوَصْفِ الْحُورِ الْعِينِ، فَكَيْفَ بِنَا إِذَا انْتَقَلْنَا إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَذَوَاتِهِمْ وَكَيْفِيَّتِهَا وَأَنَّ بَعْضَهُمْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْتَقِمَ الدُّنْيَا فِي لُقْمَةٍ مَعَ رَوْنَقِهِمْ وَحُسْنِهِمْ وَصَفَاءِ جَوْهَرِهِمُ النُّورَانِيِّ، فَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْظَمُ وَلَهُ الْمَثَلُ

1 أخرجه مسلم "4/ 1845/ ح2375" في الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام من حديث أنس رضي الله عنه.

2 البخاري "1/ 458-459" في الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء؟.

ومسلم "1/ 148-149/ ح163" في الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس.

3 سيأتي بطوله وهو في الصحيحين.

ص: 367

الْأَعْلَى وَالْكَمَالُ الْمُطْلَقُ وَلَا مِثْلَ لَهُ أَصْلًا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 52] انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ.

قُلْتُ قَوْلُهُ: مَنْ ذَا الَّذِي عَايَنَهُ فَنَعَتَهُ، هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ عِيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ نَعْتَهُ تَعَالَى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} . {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: مَنْ ذَا الَّذِي أَحَاطَ بِهِ عِلْمًا فَنَعَتَهُ، وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَهَا الَّذِي يَتَشَكَّلُ فِي الْخَيَالِ الْخَ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا التَّصَوُّرَ الْفَاسِدَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ جَهَلَةُ النُّفَاةِ عَلَى مَا صَنَعُوا مِنَ النَّفْيِ حِينَ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ظَاهِرِهَا إِلَّا مَا يَقُومُ بِالْمَخْلُوقِ وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا مَنْ هُوَ الْمَوْصُوفُ فَأَسَاءُوا الظَّنَّ بِالْوَحْيِ، ثُمَّ قَاسُوا وَشَبَّهُوا بَعْدَ أَنْ فَكَّرُوا وَقَدَّرُوا ثُمَّ نَفَوْا وَعَطَّلُوا، فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ.

"قَدْ أَفْصَحَ الْوَحْيُ الْمُبِينُ" مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ الصُّحُفُ الْأُولَى عَنْهُ" غَايَةَ الْإِفْصَاحِ وَشَرَحَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى أَكْثَرَ مِنْ شَرْحِ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ لِعِظَمِ شَأْنِ مُتَعَلِّقِهِ، "فَالْتَمِسْ" اطْلُبْ "الْهُدَى الْمُنِيرَ" أَيْ: مِنَ الْوَحْيِ الْمُبِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَّا مِنْهُ، وَمَنْ خَرَجَ عَنِ الْوَحْيِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ضَلَّ وَغَوَى وَلَا بُدَّ، فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا مَا عَلَّمَنَا هُوَ، فَنُصَدِّقُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَخْبَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ عَنْهُ كَمَا نَنْقَادُ وَنُسَلِّمُ وَنَمْتَثِلُ لِمَا أَمَرَ، وَنَجْتَنِبُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، بَلْ إِنَّ تَأْوِيلَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَخَفُّ جُرْمًا مِنْ تَأْوِيلِ مَعَانِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالتَّكْذِيبَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ دُونَ التَّكْذِيبِ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى وَأَخْبَرَتْ عَنْهُ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ جُرْمَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَظِيمٌ. أَعَاذَنَا اللَّهُ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.

لَا تَتَّبِعْ أَقْوَالَ كُلِّ مَارِدِ

غاو مضل ما رق مُعَانِدِ

فَلَيْسَ بَعْدَ رَدِّ ذَا التِّبْيَانِ

مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ

"لَا تَتَّبِعْ" أَيُّهَا الْعَبْدُ "أَقْوَالَ كُلِّ مَارِدٍ" عَلَى بِدْعَتِهِ وَزَنْدَقَتِهِ وَاتِّبَاعِ هَوَاهُ، "غَاوٍ" زَائِغٍ فِي دِينِهِ مَفْتُونٍ فِي عَقِيدَتِهِ "مُضِلٍّ" لِغَيْرِهِ "مَارِقٍ" مِنَ الْإِسْلَامِ "مُعَانِدٍ"

ص: 368