المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الطائفة الرابعة: نفاة القدر وهم فرقتان: - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ١

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق:

- ‌ترجمة المؤلف:

- ‌الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ:

- ‌خُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِي تَفْسِيرِ الْبَسْمَلَةِ:

- ‌الْقَوْلُ فِي حَمْدِ اللَّهِ وَشُكْرِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ:

- ‌الْقَوْلُ فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ:

- ‌الْقَوْلُ فِي الصَّلَاةِ، وَالتَّعْرِيفُ بِالْآَلِ وَالْأَصْحَابِ:

- ‌[[الفصل الأول توحيد المعرفة والإثبات]]

- ‌أَسْمَاءُ اللَّهِ الْحُسْنَى:

- ‌[أَسْمَاءُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ]

- ‌إِثْبَاتُ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ

- ‌الْقَدِيرُ" الَّذِي لَهُ مُطْلَقُ الْقُدْرَةِ وَكَمَالُهَا وَتَمَامُهَا

- ‌ التَّصْرِيحُ بِاخْتِصَاصِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ

- ‌ الرَّفْعُ وَالصُّعُودُ وَالْعُرُوجُ إِلَيْهِ

- ‌طَبَقَةٌ أُخْرَى مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُلَمَاءِ السُّنَّةِ

- ‌[انْفِرَادُهُ عز وجل بِالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ] :

- ‌[إِثْبَاتُ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ لِلَّهِ عز وجل] :

- ‌[كَلَامُ اللَّهِ عز وجل] :

- ‌أَصْلُ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ:

- ‌ مَا قَالَهُ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ وَحُكْمِ الْجَهْمِيَّةِ:

- ‌رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

- ‌ الْمَنْقُولِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ

- ‌الْمَلَاحِدَةُ خَمْسُ طَوَائِفَ فِي تَوْحِيدِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِثْبَاتِ:

- ‌الْأُولَى سَلْبِيَّةٌ مَحْضًا يُثْبِتُونَ إِثْبَاتًا هُوَ عَيْنُ النَّفْيِ

- ‌الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: الْحُلُولِيَّةُ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعْبُودَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ

- ‌الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ: نُفَاةُ الْقَدَرِ وَهُمْ فِرْقَتَانِ:

- ‌الْمُخَالِفُونَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْقُرْآنِ سَبْعُ طَوَائِفَ

الفصل: ‌الطائفة الرابعة: نفاة القدر وهم فرقتان:

فَلَمْ يَكْفُرْ هَذَا الكفر أحد من النَّاسِ، وَكَانَ هَذَا الْمَذْهَبُ الَّذِي انْتَحَلَهُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَنَظَمَهُ ابْنُ الْفَارِضِ فِي تَائِيَّتِهِ "نَظْمِ السُّلُوكِ" وَأَصْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ الْمَلْعُونِ انْتَحَلَهُ ابْنُ سَبْعِينَ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُطْبِ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ الرَّقُوطِيُّ نِسْبَةً إِلَى رَقُوطَةَ بَلْدَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ مُرْسِيَةَ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ وَاشْتَغَلَ بِعِلْمِ الْأَوَائِلِ وَالْفَلْسَفَةِ فَتَوَلَّدَ لَهُ الْإِلْحَادُ مِنْ ذَلِكَ وَصَنَّفَ فِيهِ، وَكَانَ يَعْرِفُ السِّيمِيَاءَ وَيُلْبِسُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَغْبِيَاءِ مِنَ الأمراء والأغنياء، ويزعم أَنَّهُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الْقَوْمِ. وَلَهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ كِتَابُ الْبُدُوِّ، وَكِتَابُ الْهُوَ. وَقَدْ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى عَقْلِ صَاحِبِهَا أَبِي نُمَيٍّ، وَجَاوَرَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِغَارِ حِرَاءَ يَرْتَجِي فِيهِ الْوَحْيَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ كَمَا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِنَاءً عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ مِنَ الْعَقِيدَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ وَأَنَّهَا فَيْضٌ يَفِيضُ عَلَى الْعَقْلِ إِذَا صَفَا فَمَا حَصَلَ لَهُ إِلَّا الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنْ كَانَ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَأَى الطَّائِفِينَ حَوْلَ الْبَيْتِ يَقُولُ عَنْهُمْ: كَأَنَّهُمُ الْحَمِيرُ حَوْلَ الْمَدَارِ وَأَنَّهُمْ لَوْ طَافُوا بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ1، فَاللَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ، وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ عَظَائِمُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، تُوُفِّيَ يَوْمَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ.

‌الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ: نُفَاةُ الْقَدَرِ وَهُمْ فِرْقَتَانِ:

فِرْقَةٌ نَفَتْ تَقْدِيرَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِالْكُلِّيَّةِ وَجَعَلَتِ الْعِبَادَ هُمُ الْخَالِقِينَ لِأَفْعَالِهِمْ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَلَازِمُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُمْ هُمُ الْخَالِقُونَ لِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِمْ نَفْيَ تَصَرُّفِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَإِخْرَاجَ أَفْعَالِهِمْ عَنْ خَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ، فَيَكُونُ تَكَوُّنُهُمْ مِنَ التُّرَابِ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ إِلَى آخِرِ أَطْوَارِ التَّخْلِيقِ هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ تَطَوَّرُوا، وَبِطَبِيعَتِهِمْ تَخَلَّقُوا، وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى مَذْهَبِ الطَّبَائِعِيِّةِ الدَّهْرِيَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُثْبِتُوا خَالِقًا أَصْلًا كَمَا قَدَّمْنَا مُنَاظَرَةَ أَبِي حَنِيفَةَ لِبَعْضِهِمْ فَأَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْهِ.

1 انظر أقوال هذه الطائفة تفصيلا في: الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ لمحمود القاسم. ففيه ما يغنيك ويشفيك ويكشف لك عوارهم وضلالهم إن شاء الله تعالى.

ص: 371

وَفِرْقَةٌ نَفَتْ تَقْدِيرَ الشَّرِّ دُونَ الْخَيْرِ فَجَعَلُوا الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ وَجَعَلُوا الشَّرَّ مِنَ الْعَبْدِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَنْفِي تَقْدِيرَ الشَّرِّ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ دُونَ تَقْدِيرِهِ فِي الْمَصَائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا فَنَفَى تَقْدِيرَ الشَّرِّ مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْمَعَايِبِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ أَثْبَتُوا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى خَالِقًا بَلْ جَعَلُوا الْعِبَادَ مَعَهُ خَالِقِينَ كُلَّهُمْ، وَنَفَوْا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الْمُتَفَرِّدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَلَكُوتِهِ؛ وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى مَذْهَبِ الْمَجُوسِ الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا خَالِقَيْنِ: خَالِقًا لِلْخَيْرِ وَخَالِقًا لِلشَّرِّ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.

الطَّائِفَةُ الْخَامِسَةُ: الْجَبْرِيَّةُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْعَبْدَ مَجْبُورٌ عَلَى أَفْعَالِهِ قَسْرًا وَلَا فِعْلَ لَهُ أَصْلًا بَلْ إِثْبَاتُ الْفِعْلِ لِلْعَبْدِ هُوَ عَيْنُ الشِّرْكِ عِنْدَهُمْ بَلْ هُوَ كَالْهَاوِي مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ وَكَالسَّعَفَةِ تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ لَمْ يَعْمَلْ بِاخْتِيَارِهِ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً وَلَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ وُسْعَهُ بَلْ حَمَّلَهُ مَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ، وَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِ اخْتِيَارًا لِأَفْعَالِهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهَا بَلِ الطَّاعَةُ وَالْعِصْيَانُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ هِيَ عِنْدَهُمْ عَيْنُ فِعْلِ اللَّهِ عز وجل، فَرَفَعُوا اللَّوْمَ عَنْ كُلِّ كَافِرٍ وَفَاسِقٍ وَعَاصٍ وَأَنَّهُ يُعَذِّبُهُمْ عَلَى نَفْسِ فِعْلِهِ لَا عَلَى أَعْمَالِهِمُ الْقَبِيحَةِ، ثُمَّ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَعَاصِيَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا فِي كُتُبِهِ وَعَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ إِذَا عَمِلُوهَا صَارَتْ طَاعَاتٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَطَعْنَا مَشِيئَةَ اللَّهِ الْكَوْنِيَّةَ فِينَا، بَلْ لَمْ يُثْبِتُوا الْإِرَادَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْبَتَّةَ وَمَنْ يُثْبِتُهَا مِنْهُمْ يَقُولُ فِي الطَّاعَاتِ أَطَعْنَا الْإِرَادَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَفِي الْمَعَاصِي الَّتِي سَمَّاهَا اللَّهُ مَعَاصِيَ أَطَعْنَا الْإِرَادَةَ الْكَوْنِيَّةَ وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يُثْبِتُوا مَعْصِيَةً أَصْلًا بَلْ أَفْعَالُهُمْ جَمِيعُهَا حُسْنُهَا وَقَبِيحُهَا كُلُّهَا عِنْدَهُمْ طَاعَاتٌ عَلَى أَصْلِهِمْ هَذَا الْفَاسِدِ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ مِنْهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ وَفَرْضَهُ عَلَى عِبَادِهِ جِهَادَ الْكُفَّارِ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ بَلْ فِي إِرْسَالِهِ الرُّسُلَ وَإِنْزَالِهِ الْكُتُبَ، فَيَجِبُ عِنْدَهُمْ تَعْطِيلُ الشَّرَائِعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالِاحْتِجَاجِ عَلَى نَفْيِهَا بِالْقَدَرِ الْكَوْنِيِّ وَمُحَارَبَتِهَا بِهِ وَإِثْبَاتِ الْحُجَّةِ عَلَى اللَّهِ لِكُلِّ كَافِرٍ وَفَاسِقٍ وَعَاصٍ وَهَذَا كُفْرٌ لَمْ يَسْبِقْهُمْ إِلَيْهِ غَيْرُ إِمَامِهِمْ إِبْلِيسَ اللَّعِينِ إِذْ يَحْتَجُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحُجَّتِهِمْ هَذِهِ فَقَالَ:{فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ الْمَخْذُولَ مَوْرُوثٌ عَنْ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ مَعَ تَنَاقُضِهِ فِي إِثْبَاتِ أَفْعَالِ اللَّهِ عز وجل فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ لِلَّهِ تَعَالَى فِعْلًا يَقُومُ بِذَاتِهِ أَصْلًا بَلْ أَفْعَالُهُ خَارِجَةٌ عَنْهُ قَائِمَةٌ بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، ثُمَّ يَنْقُضُ ذَلِكَ بِجَعْلِهِ أَفْعَالَ الْعِبَادِ أَفْعَالَ اللَّهِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ

ص: 372