الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[انْفِرَادُهُ عز وجل بِالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ] :
بَاقٍ فَلَا يَفْنَى وَلَا يَبِيدُ
…
وَلَا يَكُونُ غَيْرُ مَا يُرِيدُ
مُنْفَرِدٌ بِالْخَلْقِ وَالْإِرَادَهْ
…
وَحَاكِمٌ -جَلَّ- بِمَا أَرَادَهْ
"بَاقٍ" كَمَا أَنَّهُ الْأَوَّلُ بِلَا ابْتِدَاءٍ فَهُوَ الْبَاقِي بِلَا انْتِهَاءٍ، كَمَا لَا ابْتِدَاءَ لِأَوَّلِيَّتِهِ كَذَلِكَ لَا انْتِهَاءَ لِآخِرِيَّتِهِ "فَلَا يَفْنَى وَلَا يَبِيدُ" بَلْ هُوَ الْمُفْنِي الْمُبِيدُ وَهُوَ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 88] وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 26-27]"وَلَا يَكُونُ" فِي الْكَوْنِ "غَيْرُ مَا يُرِيدُ" وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ هُنَا الْإِرَادَةُ الْقَدَرِيَّةُ الْكَوْنِيَّةُ الَّتِي لَا بُدَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا مَحِيصَ وَلَا مَحِيدَ لِأَحَدٍ عَنْهَا وَهِيَ مَشِيئَةُ اللَّهِ الشَّامِلَةُ وَقُدْرَتُهُ النَّافِذَةُ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا نُفُوذَ لِإِرَادَةِ أَحَدٍ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ، وَمَا مِنْ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَلَوْ شَاءَ عَدَمَ وُقُوعِهَا لَمْ تَقَعْ، وَوُرُودُ ذَلِكَ فِي نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعْلُومٌ كَقَوْلِهِ تبارك وتعالى:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [الْبُرُوجِ: 16]{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الْكَهْفِ: 82]{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 16] وَهَذَا الْأَمْرُ الْقَدَرِيُّ الْكَوْنِيُّ غَيْرُ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفِسْقِ شَرْعًا وَلَا يُحِبُّ الْفَاسِقِينَ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ تَكْوِينٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفِسْقَ عِلَّةُ "حَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ" وَ"حَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ" عِلَّةٌ لِتَدْمِيرِهِمْ وَهَكَذَا الْأَمْرُ سَبَبٌ لِفِسْقِهِمْ وَمُقْتَضٍ لَهُ وَذَلِكَ هُوَ أَمْرُ التَّكْوِينِ، وَقَالَ:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [الْبَقَرَةِ: 185]{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الْمَائِدَةِ: 41]{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [الْمَائِدَةِ: 41] وَقَوْلُ نُوحٍ لِقَوْمِهِ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هُودٍ:34] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ
صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الْأَنْعَامِ: 125] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرَّعْدِ: 11] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} ، {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [الْمَائِدَةِ: 17] {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الْأَحْزَابِ: 17] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} [الْفَتْحِ: 11] وَقَوْلُهُ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} [آلِ عِمْرَانَ: 176] وَقَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الْإِسْرَاءِ: 18] وَقَوْلُ صَاحِبِ يس: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ} [يس: 23]، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزُّمَرِ: 38] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" 1، "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خيرا يصب به" 2، "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ أُمَّةٍ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَاكِهَا" 3، "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يُوَافَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" 4، "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ قَبْضَ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً" 5، "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ بَابَ
1 البخاري "6/ 217" في فرض الخمس، باب قوله تعالى:{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} .
مسلم "2/ 718/ ح1037" في الزكاة، باب النهي عن المسألة. من حديث معاوية رضي الله عنه.
2 البخاري "10/ 103" في المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض. والموطأ "2/ 941" في العين، باب ما جاء في أجر المريض.
3 مسلم "4/ 1791-1792/ ح2288" في الفضائل، باب إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبييها قبلها. من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
4 الترمذي "4/ 601/ ح239" في الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء. والحاكم "4/ 608" عن أنس وإسناده حسن.
5 الترمذي "4/ 453/ ح2147" في القدر، باب ما جاء أن النفس تموت حيث ما كتب لها. والحاكم "1/ 42" وإسناده صحيح عن أبي عزة رضي الله عنه.
وفي الباب عن مطر بن عكامس وأبي هريرة وعروة بن مضرس.
الرِّفْقِ"1 "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى نِيَّاتِهِمْ" 2 وَالْآثَارُ النَّبَوِيَّةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ "الْمَشِيئَةِ" فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وُرُودُهُ مَعْلُومٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الْبَقَرَةِ: 253] وَقَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 40] وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الْأَنْعَامِ: 137]{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يُونُسَ: 99]{لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هُودٍ: 118]{لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرعد: 31]{لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الْأَنْعَامِ: 35]{لَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السَّجْدَةِ: 13]{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 4]{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الْإِسْرَاءِ: 86]{فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} [الشُّورَى: 24]{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النِّسَاءِ: 133]{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الْفَتْحِ: 27]{إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ} [هُودٍ: 33] وَقَوْلُهُ عَنْ إِمَامِ الْحُنَفَاءِ: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الْأَنْعَامِ: 80] وَقَوْلُهُ عَنِ الذَّبِيحِ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصَّافَّاتِ: 102] وَقَوْلُهُ عَنْ شُعَيْبٍ عليه السلام: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الْأَعْرَافِ: 98] وَقَوْلُهُ عَنْ يُوسُفَ: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يُوسُفَ: 99] وَقَوْلُهُ عَنْ مُوسَى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الْكَهْفِ: 69] وَقَوْلُهُ عَنْ قَوْمِ مُوسَى: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ
1 أحمد "6/ 71" وسنده على شرط البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها.
2 البخاري "13/ 60" في الفتن، باب إذا أراد الله بقوم عذابا.
ومسلم "4/ 2206/ ح2879" في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [الْبَقَرَةِ: 70] وَقَوْلُهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْكَهْفِ: 24]{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [يُونُسَ: 49] وَقَالَ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هُودٍ: 107] وَعَنْ أَهْلِ النَّارِ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} [الْإِسْرَاءِ: 54] وَقَالَ: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [الْمَائِدَةِ: 40] وَقَالَ: {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشُّورَى: 27] وَقَالَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الْإِسْرَاءِ: 30] وَقَالَ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرَّعْدِ: 39] وَقَالَ: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يُونُسَ: 16] وَقَالَ: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} [الْإِنْسَانِ: 28] وَقَالَ: {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْمُدَّثِّرِ: 56] وَقَالَ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْإِنْسَانِ: 30] فَأَخْبَرَ أَنَّ مَشِيئَتَهُمْ وَفِعْلَهُمْ مَوْقُوفَانِ عَلَى مَشِيئَتِهِ لَهُمْ هَذَا وَهَذَا. وَقَالَ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 26] وَقَالَ: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الْأَحْزَابِ: 24] وَقَالَ: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 74] وَقَالَ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النُّورِ: 21] وَقَالَ: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 261] وَقَالَ: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} [يُوسُفَ: 56] وَقَالَ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يُوسُفَ: 76] وَقَالَ: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [يُوسُفَ: 56] وَقَالَ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إِبْرَاهِيمَ: 11] وَقَالَ: {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110] وقال: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} [الرُّومِ: 48] وَقَالَ: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يُوسُفَ: 100] وَقَالَ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 299] وَقَالَ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66] ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}
[الْبَقَرَةِ: 20] وَقَالَ: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشُّورَى: 33] وَقَالَ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الْوَاقِعَةِ: 65]، {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الْوَاقِعَةِ: 70] وَقَالَ: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التَّوْبَةِ: 28] وَقَالَ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فَاطِرٍ: 16]{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ} [الْأَنْعَامِ: 133]{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 22]{اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ} [الشُّورَى: 13]{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 261]{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الْقَصَصِ: 68]{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشُّورَى: 49] ، {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} [الشُّورَى: 52]{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 6]{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الِانْفِطَارِ: 8]{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إِبْرَاهِيمَ: 11]{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} [الشُّورَى: 19]{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الْقَصَصِ: 82] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ سَاقَ نَحْوًا مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ: وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَنَحْوُهَا تَتَضَمَّنُ الرَّدَّ عَلَى طَائِفَتَيِ الضَّلَالِ نُفَاةِ الْمَشِيئَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَنُفَاةِ مَشِيئَةِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَحَرَكَاتِهِمْ وَهُدَاهُمْ وَضَلَالِهِمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُخْبِرُ تَارَةً أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ بِمَشِيئَتِهِ، وَتَارَةً أَنَّ مَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَتَارَةً أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَكَانَ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَكَانَ خِلَافُ الْقَدَرِ الَّذِي قَدَّرَهُ وَكَتَبَهُ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ مَا عُصِيَ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَمَعَ خَلْقَهُ عَلَى الْهُدَى وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِعَ بِمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَقَعْ فَهُوَ لِعَدَمِ مَشِيئَتِهِ وَهَذَا حَقِيقَةُ الرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ {رَبَّ الْعَالَمِينَ} وَكَوْنِهِ الْقَيُّومَ الْقَائِمَ بِتَدْبِيرِ أُمُورِ عِبَادِهِ، فَلَا خَلْقَ وَلَا رِزْقَ وَلَا عَطَاءَ وَلَا مَنْعَ وَلَا قَبْضَ وَلَا بَسْطَ وَلَا مَوْتَ وَلَا حَيَاةَ وَلَا ضَلَالَ وَلَا هُدَى وَلَا سَعَادَةَ وَلَا شَقَاوَةَ
إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ إِذْ لَا مَالِكَ غَيْرُهُ وَلَا مُدَبِّرَ سِوَاهُ وَلَا رب غيره ا. هـ.1.
وَالْأَحَادِيثُ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْمَشِيئَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، مِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي شَأْنِ الْجَنِينِ:"فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ" 2 وقوله: "اشفعوا تأجروا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ" 3، "إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ" 4، "إِنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَمْ تَنَامُوا عَنْهَا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ لِيَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ" 5، "قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ" 6، "قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ" 7، "مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ" 8، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ" 9 وَقَوْلُهُ عَنِ اللَّهِ عز وجل: "فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ" 10 وَقَوْلُهُ: "مَثَلُ
1 انظر كلامه هذا وغيره في طريق الهجرتين في فصل في بيان أن المنفعة والمضرة لا تكون إلا من الله وحده.
2 هذه اللفظة عند مسلم دون البخاري "4/ 2037/ ح2645" في القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه. من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
3 البخاري "13/ 448" في التوحيد، باب في المشيئة والإرادة.
ومسلم "4/ 2026/ ح2627" في البر والصلة، باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
4 البخاري "13/ 447" في التوحيد، باب في المشيئة والإرادة وغيره.
5 رواه بهذا اللفظ البيهقي في دلائل النبوة "4/ 155". ورواه أحمد في مسنده "1/ 391" بلفظ: لو أراد.
وفي سنده المسعودي وقد رواه عنه يزيد بن زريع عند أحمد ويونس بن بكير عند البيهقي. وأصل الحديث عند البخاري دون هذه الزيادة.
6 أحمد "1/ 214 و224 و283" وسنده صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
7 أخرجه مسلم "4/ 2045/ ح2654" في القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء.
8 أحمد "2/ 182" وابن ماجه "1/ 72/ ح199" من حديث النواس بن سمعان وسنده صحيح.
9 الترمذي "4/ 448/ ح2140" في القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن وقال هذا حديث حسن وهو كما قال.
10 البخاري "2/ 38" في المواقيت، باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ صَمَّاءُ مُعْتَدِلَةٌ حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ" 1، وَقَوْلُهُ: "تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِنَّ لِلَّهِ عز وجل سَحَائِبَ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ"2، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَيْعَةِ: "ومن أصاب من ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ عز وجل، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ" 3، وَفِي حَدِيثِ احْتِجَاجِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: "أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ" وَلِلنَّارِ: "أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ" 4 وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ وَارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا مُكْرِهَ لَهُ" 5 وَقَوْلُهُ:"وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ" 6، وَقَوْلُهُ عَنِ اللَّهِ عز وجل:"ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ أَفْعَلُ مَا أَشَاءُ، عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" 7 وَقَوْلُهُ: "مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ نِعْمَةٍ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَيَرَى فِيهِ آيَةً دُونَ الْمَوْتِ"8 وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ:
1 البخاري "13/ 446" في التوحيد، باب في المشيئة.
ومسلم "4/ 2163/ ح2809" في صفات المنافقين، باب مثل المؤمن كالزرع. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
2 رواه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة "ص24" والبيهقي في شعب الإيمان "الكنز ح3189" من حديث أبي هريرة. وإسناده ضعيف.
وعزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى الفرج بعد الشدة من حديث أنس وهو غلط وهو كما بيناه وكذا قال العراقي في تخريج الأحياء "1/ 168".
3 البخاري "7/ 219" في مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار إلى النبي بمكة وبيعة العقبة من حديث عبادة بن الصامت.
4 البخاري "8/ 595" في التفسير، باب وتقول هل من مزيد.
ومسلم "4/ 2186/ ح2846" في الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون.
5 البخاري "13/ 448" في التوحيد، باب في المشيئة والإرادة.
والترمذي "5/ 526/ ح3497" في الدعوات، باب 78. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
6 مسلم "4/ 2052/ ح2664" في القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز. وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
7 أحمد "5/ 154 و177" والترمذي "4/ 656/ ح2495" في صفة القيامة باب 48. وابن ماجه "2/ 1422/ ح4257" في الزهد، باب ذكر التوبة من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
8 رواه الطبراني في الصغير "1/ 212" والأوسط "مجمع الزوائد /10/ 143" وفيه عبد الملك بن زرارة وهو ضعيف.
"فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي" 1 وَفِي حَدِيثِ "آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ": "فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ" 2 وَفِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: "لَا أَهْزَأُ بِكَ وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَدِيرٌ"3. وَقَالَ: "فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي" 4 وَقَالَ: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا أَحَدٌ" 5، وَقَالَ: "إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ حَوْضِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى كَذَا" 6 وَقَالَ فِي الْمَدِينَةِ: "لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى" 7، وَفِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ: "وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ" 8، وَفِي حِصَارِ الطَّائِفِ، "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ" 9، وَفِي قُدُومِهِ مَكَّةَ: "مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ" 10، وَفِي قِصَّةِ بَدْرٍ: "هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" 11، وَفِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ: "إِنَّكُمْ تَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ" 12 وَقَالَ: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ شَاءَ
1 البخاري "13/ 392" في التوحيد باب قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ومسلم "1/ 180/ ح193" في الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
2 البخاري "2/ 292" في الأذان في باب فضل السجود. ومسلم "1/ 163-166/ ح182" في الإيمان باب معرفة طريق الرؤية من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3 مسلم "1/ 174-175/ ح187" في الإيمان باب آخر أهل النار خروجا من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
4 البخاري "11/ 96" في الدعوات باب لكل نبي دعوة مستجابة ومسلم "1/ 118 ح198" في الإيمان باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
5 مسلم "4/ 194/ ح2496" في فضائل الصحابة باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم من حديث أم مبشر رضي الله عنهما.
6 رواه البيهقي في الأسماء والصفات "ص214" وإسناده على شرط الشيخين "وفيه ما بين أبلة ودمشق" من حديث أبي هريرة.
7 البخاري "13/ 447" في التوحيد، باب في المشيئة والإرادة.
8 مسلم "2/ 669/ ح974" في الجنائز، باب ما يقال عند دخول المقابر.
9 البخاري "13/ 448" في التوحيد، باب في المشيئة والإرادة.
ومسلم "3/ 1402-1403/ ح1778" في الجهاد والسير، باب غزوة الطائف.
10 مسلم "4/ 2202-2203/ ح2873" في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه.
12 هي عين ماء تبوك وقد قالها صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك رواه مسلم "4/ 1784/ ح706" في الفضائل، باب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم من حديث رجاء بن حيوة.
مَضَى وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ غَيْرَ حَنِثٍ" 1 وَقَالَ: "لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا" ثُمَّ قَالَ: فِي الثَّانِيَةِ: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ"2. وَقَالَ: "أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ" فَقَالَ الصَّحَابَةُ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: "قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ" قَالُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ3، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ.
"مُنْفَرِدٌ" رَبُّنَا عز وجل "بِالْخَلْقِ" فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا اللَّهُ خَالِقُهُ سُبْحَانَهُ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ فَهُوَ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ وَخَالِقُ الْكَافِرِ وَكُفْرِهِ وَالْمُؤْمِنِ وَإِيمَانِهِ وَالْمُتَحَرِّكِ وَحَرَكَتِهِ وَالسَّاكِنِ وَسُكُونِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزُّمَرِ: 62] وَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فَاطِرٍ: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التَّغَابُنِ: 2]{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التَّغَابُنِ: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصَّافَّاتِ: 96] وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الرُّومِ: 40] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ
1 رواه أبو داود "3/ 225/ ح3262" في الإيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين.
وابن ماجه "1/ 680/ ح2105" في الكفارات، باب الاستثناء في اليمين ولكن بلفظ: من حلف واستثنى. وسنده حسن.
2 أبو داود "3/ 231/ ح3285" في الإيمان، باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت. من رواية عكرمة مرسلا. وقال: وقد أسند هذا الحديث غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس.
قال أبو حاتم: والمرسل أشبه "العلل 1/ 440".
قلت: في سنده شريك القاضي وهو ضعيف.
3 رواه ابن ماجه "2/ 1448 "1449/ ح4332" وابن حبان في صحيحه "موارد2620" والفسوي في المعرفة والتاريخ "1/ 304".
وسنده ضعيف فيه الضحاك المعافري: مجهول، وسليمان بن موسى الأشدق في حديثه بعض لين وخولط قبل موته بقليل.
سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النَّحْلِ: 80-81] وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ، نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ، عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُون، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ، أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الْوَاقِعَةِ: 58-74] وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَشْعَرِيِّينَ "مَا أَنَا أَحْمِلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ"1. وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُصَوِّرِينَ "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرًا" 2. وَفِيهِ "مَنْ صَوَّرَ صورة كلف الله أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ" 3 وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الصَّحِيحَةِ، فَلِلَّهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. "وَالْإِرَادَهْ" أَيْ: وَمُنْفَرِدٌ بِالْإِرَادَةِ فَلَا مُرَادَ لِأَحَدٍ مَعَهُ وَلَا إِرَادَةَ لِأَحَدٍ إِلَّا بَعْدَ إِرَادَتِهِ عز وجل وَمَشِيئَتِهِ كَمَا قَالَ
1 البخاري "1/ 55" في الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} وفي باب لا تحلفوا بآبائكم.
ومسلم: "3/ 1268/ ح1649" في الأيمان، باب ندب من حلف يمينا. فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه.
2 البخاري "10/ 385" في اللباس، باب نقض الصور، وفي التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} .
مسلم "3/ 1671/ ح2111" في اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان.
3 البخاري "12/ 427" في التعبير، باب من كذب في حلمه.
ومسلم "3/ 1671/ ح2110" في اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان.
والنسائي "8/ 215" في الزينة، باب ذكر ما يكلف أصحاب الصور يوم القيامة.
تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [الْمُدَّثِّرِ: 54-56] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التَّكْوِيرِ: 27-29] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الْإِنْسَانِ: 29-31] فَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ مَشِيئَةٌ وَاللَّهُ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَمَشِيئَتِهِمْ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ وَلَا مَشِيئَةَ إِلَّا بِإِقْدَارِ اللَّهِ عز وجل لَهُمْ إِذَا شَاءَ وَأَرَادَ.
"وَحَاكِمٌ جَلَّ بِمَا أَرَادَهْ" فَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا رَادَّ لِإِرَادَتِهِ وَلَا مُنَاقِضَ لِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} بَلْ هُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} - {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} - {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} و {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} و {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} لا ناقص لِمَا أَبْرَمَ وَلَا مُعَارِضَ لِمَا حَكَمَ، وَلَا يُقَالُ لِمَ فَعَلَ كَذَا وَهَلَّا كَانَ كَذَا لِأَنَّهُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 23] وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي آخِرِهِ قَالَ: "ذَلِكَ بأني جواد واحد مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدَ، عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"1.
فَمَنْ يَشَأْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهِ
…
وَمَنْ يَشَأْ أَضَلَّهُ بِعَدْلِهِ
فَمِنْهُمُ الشَّقِيُّ وَالسَّعِيدُ
…
وَذَا مُقَرَّبٌ وَذَا طَرِيدُ
قَالَ اللَّهُ عز وجل: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْأَنْعَامِ: 59] وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الْأَعْرَافِ: 178] وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي
1 تقدم ذكره قبل قليل.
طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْأَعْرَافِ: 186] وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ} [الْإِسْرَاءِ: 97] وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الْكَهْفِ: 17] وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فَاطِرٍ: 8] وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الْأَنْعَامِ: 125] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرَّعْدِ: 27] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [الْقَصَصِ: 56] وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 272] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يُونُسَ: 35] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [الْبَقَرَةِ: 120] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 73] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشَّمْسِ: 6] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ: "مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ" 1 وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، زَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا"2.
"فَمِنْهُمْ" أَيْ: مِنْ عِبَادِهِ "الشَّقِيُّ" وَهُوَ مَنْ أَضَلَّهُ بِعَدْلِهِ "وَ" مِنْهُمْ "السَّعِيدُ" وَهُوَ مَنْ وَفَّقَهُ وَهَدَاهُ بِفَضْلِهِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ "وَذَا مُقَرَّبٌ" بِتَقْرِيبِ الله إياه إليه وَهُوَ السَّعِيدُ "وَذَا طَرِيدُ" بِإِبْعَادِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَهُوَ الشَّقِيُّ الْبَعِيدُ، فَبِيَدِهِ تَعَالَى الْهِدَايَةُ وَالْإِضْلَالُ وَالْإِشْقَاءُ
1 مسلم "2/ 593/ ح868" في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة من حديث جابر رضي الله عنه.
2 مسلم "4/ 2088/ ح2722" في الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل. وأحمد "4/ 371" من حديث زيد بن أرقم.
وَالْإِسْعَادُ، فَهِدَايَتُهُ الْعَبْدَ وَإِسْعَادُهُ فَضْلٌ وَرَحْمَةٌ، وَإِضْلَالُهُ وَإِبْعَادُهُ عَدْلٌ مِنْهُ وَحِكْمَةٌ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ مَحَلُّ الْهِدَايَةِ فَيَهْدِيهِ، وَمَنْ هُوَ مَحَلُّ الْإِضْلَالِ فَيُضِلُّهُ، وَهُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ، وَعَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، وَعَلِيمٌ بِالْمُهْتَدِينَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالشَّاكِرِينَ وَأَعْلَمُ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ وَلِذَا نَقُولُ:
لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ قَضَاهَا
…
يَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ عَلَى اقْتِضَاهَا
أَيْ: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ مِنْ هِدَايَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَإِضْلَالِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَإِسْعَادِ مَنْ يَشَاءُ وَإِشْقَاءِ مَنْ يَشَاءُ، وَجَعْلِهِ أَئِمَّةَ الْهُدَى يَهْدُونَ إِلَى الْحَقِّ بِأَمْرِهِ وَأَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ يَهْدُونَ إِلَى النَّارِ، وَإِلْهَامِهِ كُلَّ نَفْسِ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، وَجَعْلِهِ الْمُؤْمِنَ مُؤْمِنًا وَالْكَافِرَ كَافِرًا عَاصِيًا مَعَ قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ الشَّامِلَةِ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ شَاءَ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى، وَلَوْ شَاءَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا وَلَكِنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ بِهِمْ مِنْ قِسْمَتِهِمْ إِلَى ضَالٍّ وَمُهْتَدٍ وَشَقِيٍّ وَسَعِيدٍ وَمُقَرَّبٍ وَطَرِيدٍ وَطَائِعٍ وَعَاصٍ وَمُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ وَمُوجَبُ رُبُوبِيَّتِهِ، وَحِكْمَتُهُ حِكْمَةُ حَقٍّ وَهِيَ صِفَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ، وَهِيَ مُتَضَمَّنُ اسْمِهِ "الْحَكِيمِ" وَهِيَ الْغَايَةُ الْمَحْبُوبَةُ لَهُ وَلِأَجْلِهَا خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى وَمَنَعَ وَأَعْطَى وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْآخِرَةَ وَالْأُولَى، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْحَكِيمُ فِي خَلْقِهِ وَتَكْوِينِهِ الْحَكِيمُ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الْحَكِيمُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَجَمِيعِ شرعه، فإن أسمائه وَصِفَاتِهِ صِفَاتُ كَمَالٍ وَجَلَالٍ، وَأَفْعَالَهُ كُلَّهَا عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ، وَالْفِعْلُ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ عَبَثٌ، وَالْعَبَثُ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ، فَجَمِيعُ مَا خَلَقَهُ وَقَضَاهُ وَقَدَّرَهُ خَيْرٌ وَحِكْمَةٌ مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ سبحانه وتعالى وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا شَرَعَهُ وَأَمَرَ بِهِ كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَمَا كَانَ مِنْ شَرٍّ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَمِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى فِعْلِ الْعَبْدِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ مَذْمُومَةٌ مَكْرُوهَةٌ لِلرَّبِّ غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى الرَّبِّ عز وجل فَخَيْرٌ مَحْضٌ وَلِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَعَدْلٍ تَامٍّ وَغَايَةٍ مَحْمُودَةٍ لَا شَرَّ فِيهَا الْبَتَّةَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا قَصَّهُ عَنِ
الْجِنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الْجِنِّ: 10] فَبَنَى الْفِعْلَ فِي إِرَادَةِ الشَّرِّ لِلْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرَّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ وَسْعَدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ والشر لَيْسَ إِلَيْكَ" 1 فَنَفَى أَنْ يُضَافَ الشَّرُّ إِلَى اللَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ خَالِقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرًّا مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ عز وجل، وَإِنَّمَا كَانَ شَرًّا مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْعَبْدِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرَّ لَيْسَ إِلَّا السَّيِّئَاتِ وَعُقُوبَتَهَا، وَمُوجِبُ السَّيِّئَاتِ شَرُّ النَّفْسِ وَجَهْلُهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا" 2 وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ الَّذِي عَلَّمَهُ أُمَّتَهُ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ" 3، وَقَالَ تَعَالَى فِي حِكَايَتِهِ اسْتِغْفَارَ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ:{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غَافِرٍ: 9] وَمَنْ وَقَاهُ اللَّهُ السَّيِّئَاتِ وَأَعَاذَهُ مِنْهَا فَقَدْ وَقَاهُ عُقُوبَتَهَا مِنْ بَابِ الِاسْتِلْزَامِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ مُوجِبَ السَّيِّئَاتِ هُوَ الظُّلْمُ وَالْجَهْلُ وَذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ وَهِيَ أُمُورٌ ذَاتِيَّةٌ لَهَا، وَأَنَّ السَّيِّئَاتِ هِيَ مُوجِبُ الْعُقُوبَةِ وَالْعُقُوبَةُ مِنَ اللَّهِ عَدْلٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ شَرًّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ أَلَمِهَا، وَذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ جَزَاءً وِفَاقًا كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزُّخْرُفِ: 76] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يُونُسَ: 44] فَأَفْعَالُ اللَّهِ عز وجل كُلُّهَا خَيْرٌ بِصُدُورِهَا عَنْ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ وَغِنَاهُ الَّتِي هِيَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، فَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ أَعْطَاهُ مِنْ فَضْلِهِ عِلْمًا
1 مسلم "1/ 535/ ح771" في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
2 مسلم "2/ 593/ ح867" في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة وقد تقدمت.
3 البخاري "11/ 97-98" في الدعوات، باب أفضل الاستغفار.
وأحمد "4/ 122-125".
وَعَدْلًا وَحِكْمَةً فَيَصْدُرُ مِنْهُ الْإِحْسَانُ وَالطَّاعَةُ وَالْبِرُّ وَالْخَيْرُ، وَإِذَا أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَمْسَكَهُ عَنْهُ وَخَلَّاهُ وَدَوَاعِيَ نَفْسِهِ وَطَبْعَهُ وَمُوجَبَهَا، فَصَدَرَ مِنْهُ مُوجَبُ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَقَبِيحٍ، وَلَيْسَ مَنْعُهُ لِذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ فَضْلُهُ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَلَيْسَ مَنْ مَنَعَ فَضْلَهُ ظَالِمًا وَلَا سِيَّمَا إِذَا مَنَعَهُ عَنْ مَحَلٍّ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَلِيقُ بِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْفَضْلَ هُوَ تَوْفِيقُهُ وَإِرَادَتُهُ تَعَالَى أَنْ يَلْطُفَ بِعَبْدِهِ وَيُعِينَهُ وَيُوَفِّقَهُ وَلَا يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَهَذَا مَحْضُ فِعْلِهِ وَفَضْلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الْأَنْعَامِ: 153] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 10-11] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الْأَنْعَامِ: 124] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [الْأَنْعَامِ: 116] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [النَّحْلِ: 37] وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النَّجْمِ: 30] وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْبَقَرَةِ: 105] وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ، أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التِّينِ: 7-8] بَلَى وَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُ مْ -إِلَى قَوْلِهِ- قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آلِ عِمْرَانَ: 73-74] وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ
أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النَّجْمِ: 32] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْحَدِيدِ: 28-29] اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ أَنْ تَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، آمِينَ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِرَحْمَتِكِ نَسْتَغِيثُ، اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
"يَسْتَوْجِبُ" يَسْتَحِقُّ "الْحَمْدَ عَلَى اقْتِضَاهَا" الضَّمِيرُ لِلْحِكْمَةِ فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، فَجَمِيعُ مَا يَفْعَلُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ هُوَ مُوجَبُ رُبُوبِيَّتِهِ وَمُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى طَاعَةِ الْعِبَادِ وَمَعَاصِيهِمْ وَإِيمَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى خَلْقِهِ الْأَبْرَارَ وَالْفُجَّارَ، وَعَلَى خَلْقِهِ الْمَلَائِكَةَ وَالشَّيَاطِينَ، وَعَلَى خَلْقِهِ الرُّسُلَ وَأَعْدَاءَهُمْ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى عَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي أَعْدَائِهِ، كَمَا هُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَكُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْكَوْنِ شَاهِدَةٌ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الْإِسْرَاءِ: 44] وَقَالَ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التَّغَابُنِ: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} [الْقَصَصِ: 98]{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 69- 70] وَعَلَّمَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ: "رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ" 1 وَفِي الذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" 2، وَفِي التَّلْبِيَةِ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ" 3، وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَكُ الْمُلْكُ كُلُّهُ وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، أَسْأَلُكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ"4 وَفِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ:"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ" 5 الْحَدِيثَ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرَّبَّ عز وجل لَا يَكُونُ إِلَّا مَحْمُودًا كَمَا لَا يَكُونُ إِلَّا رَبًّا وَإِلَهًا، فَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي حَمْدِهِ كَمَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ مَحْمُودًا كَالرُّسُلِ وَالْعُلَمَاءِ فَمَرْجِعُ ذَلِكَ الحمد إليه، كا أَنَّ مَصْدَرَهُ وَمُوجِبَهُ مِنْهُ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُمْ كَذَلِكَ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ الْمَلِكُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَيَرْزُقُ بَعْضَ عِبَادِهِ إِذَا شَاءَ مُلْكًا وَهُوَ مَالِكُهُ وَمَلِكُهُ وَكَمَا أَنَّهُ الْعَلِيمُ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ فَيُعَلِّمُ بَعْضَ عِبَادِهِ مِنْ عِلْمِهِ مَا شَاءَ. وَقَالَ فِي ذِكْرِ عَبْدِهِ يَعْقُوبَ عليه السلام:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يُوسُفَ: 68] وَكَذَلِكَ مَا مِنْ
1 مسلم: "1/ 534/ ح771" في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه وفي الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام.
2 البخاري "2/ 325" في الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، وفي الدعوات، باب الدعاء بعد الصلاة وفي الرقاق، باب ما يكره من قيل وقال.
ومسلم "1/ 414/ ح593" في المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة.
3 البخاري "3/ 408" في الحج، باب التلبية وفي اللباس، باب التلبيد.
ومسلم "2/ 841/ ح1184" في الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها. من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
4 عزاه صاحب الكنز للديلمي "ح5097" ولم أجده عنده.
5 البخاري "3/ 3" في التهجد، باب التهجد بالليل وفي الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه من الليل. ومسلم "1/ 532-533/ ح769" في صلاة المسافرين، باب الدعاء من صلاة الليل.
مَحْمُودٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَذَلِكَ الْحَمْدُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ عز وجل فِي الْحَقِيقَةِ، فَحَمْدُ كُلِّ مَحْمُودٍ دَاخِلٌ فِي حَمْدِهِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مُلْكٍ دَاخِلٌ فِي مُلْكِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَمِنْهُ وَلَهُ وَإِلَيْهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
"مَسْأَلَةٌ": فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ وَبِمَا عَلَّمَنَا مِنْ صِفَاتِهِ أَنَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَيُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ وَلَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ، فَمَا الْجَوَابُ؟ قُلْنَا: إِنَّ الْإِرَادَةَ وَالْقَضَاءَ وَالْأَمْرَ كُلٌّ مِنْهَا يَنْقَسِمُ إِلَى كَوْنِيٍّ وَشَرْعِيٍّ، وَلَفْظُ الْمَشِيئَةِ لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي الْكَوْنِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وَمِثَالُ الْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وَمِثَالُ الْقَضَاءِ الْكَوْنِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وَمِثَالُ الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} فَهَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْإِرَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْأَمْرِ هُوَ مَشِيئَتُهُ الشَّامِلَةُ وَقُدْرَتُهُ النَّافِذَةُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ خُرُوجٌ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ عَنْهَا. وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، بَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ وَالسَّيِّئَاتُ وَالطَّاعَاتُ، وَالْمَحْبُوبُ الْمَرْضِيُّ لَهُ وَالْمَكْرُوهُ الْمُبْغَضُ كُلُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَقَدَرِهِ وَخَلْقِهِ وَتَكْوِينِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مُخَالَفَتِهَا وَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا مِثْقَالُ ذَرَّةٍ. وَمِثَالُ الْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} . وَمِثَالُ الْقَضَاءِ الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وَمِثَالُ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ وَالْقَضَاءُ وَالْأَمْرُ الْكَوْنِيُّ الْقَدَرِيُّ هُوَ
الْمُسْتَلْزِمُ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ، فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَمَّا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ. وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَمَا قَبْلُهُ إِلَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ الْمُطِيعِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَنْفَرِدُ فِي حَقِّهِ الْإِرَادَةُ وَالْقَضَاءُ وَالْأَمْرُ الْكَوْنِيُّ الْقَدَرِيُّ، فَاللَّهُ سبحانه وتعالى يَدْعُو عِبَادَهُ إِلَى طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ وَجَنَّتِهِ وَيَهْدِي لِذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ فِي الْكَوْنِ وَالْقَدَرِ هِدَايَتَهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَعَمَّمَ الدَّعْوَةَ إِلَى جَنَّتِهِ وَهِيَ دَارُ السَّلَامِ وَأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى ذَلِكَ جَمِيعَ عِبَادِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَجِيبُ مِمَّنْ لَا يَسْتَجِيبُ، وَخَصَّ الْهِدَايَةَ بِمَنْ يَشَاءُ هِدَايَتَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} .
"مَسْأَلَةٌ": فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ بِمُمْكِنٍ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ كُلَّهُمْ طَائِعِينَ مُؤْمِنِينَ مُهْتَدِينَ؟ قُلْنَا: بَلَى وَقَدْ قَدَّمْنَا لَكَ جُمْلَةً وَافِيَةً مِنَ الْآيَاتِ وَالْآحَادِيثِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدَّمْنَا لَكَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ بِهِمْ هُوَ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَمُوجَبُ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ فَضْلِهِ وعدله، فحينئذ قول الْقَائِلُ لِمَ كَانَ مِنْ عِبَادِهِ الطَّائِعُ وَالْعَاصِي؟ كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: لِمَ كَانَ مِنْ أَسْمَائِهِ الضَّارُّ النَّافِعُ وَالْمُعْطِي الْمَانِعُ وَالْخَافِضُ الرَّافِعُ وَالْمُنْعِمُ الْمُنْتَقِمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ إِذْ أَفْعَالُهُ تَعَالَى هِيَ مُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَآثَارُ صِفَاتِهِ، فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فِي أَفْعَالِهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بَلْ وَعَلَى إِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، فَسُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يصفون، لا يسئل عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
"مَسْأَلَةٌ": وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُوَسْوِسُ الشَّيْطَانُ لِبَعْضِ النَّاسِ فَيَقُولُ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ السَّيِّئَاتِ مَعَ كَرَاهَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهَا، وَهَلْ يَأْتِي الْمَكْرُوهُ بِمَحْبُوبٍ؟ فَنَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِيمَانًا بِإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَاسْتِسْلَامًا لِأَقْدَارِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَتَسْلِيمًا لِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، اعْلَمْ يَا أَخِي وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَبْدِ أَمْرٌ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْثِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَالتَّسْلِيمُ لِأَقْدَارِهِ وَالْيَقِينُ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَالْفَرَحُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَسَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا مَا عَلِمْنَاهُ وَلَا يُحِيطُ بِكُنْهِ شَيْءٍ مِنْهَا وَنِهَايَتِهِ إِلَّا الَّذِي اتَّصَفَ بِهَا وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَمِمَّا عَلِمْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا عَلَّمَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى أَنَّ السَّيِّئَةَ لِذَاتِهَا لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً لِلَّهِ وَلَا مَرْضِيَّةً كَمَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ نَهَى عِبَادَهُ عَنِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} وَلَكِنْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ مَحَابِّهِ وَمَرْضَاتِهِ مَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ إِمَّا فِي حَقِّ فَاعِلِهَا مِنَ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالْإِذْعَانِ وَالِاعْتِرَافِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالْخَوْفِ مِنْ عِقَابِهِ وَرَجَاءِ مَغْفِرَتِهِ وَنَفْيِ الْعَجَبِ الْمُحْبِطِ لِلْحَسَنَاتِ عَنْهُ، وَدَوَامِ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ وَتَمَحُّضِ الِافْتِقَارِ وَمُلَازَمَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالطَّاعَاتِ الْمَحْبُوبَةِ لِلرَّبِّ عز وجل الَّتِي أَثْنَى فِي كِتَابِهِ عَلَى الْمُتَّصِفِينَ بِهَا غَايَةَ الثَّنَاءِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ:"لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا فَقَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ" أَخْرَجَاهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ كَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ رَبُّهُ وَإِلَهُهُ وَسَيِّدُهُ وَمَوْلَاهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَعَدَمُ مَحَبَّتِهَا وَالنَّفْرَةُ مِنْهَا، وَالِاجْتِهَادُ فِي كَفِّ النَّفْسِ عَنْهَا، وَأَطْرِهَا عَلَى مَحَابِّ اللَّهِ وَأَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهَا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ اللَّهُ عز وجل، فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ بِجَهْلِهَا وَشَرَارَتِهَا فَصَدَرَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ فَلْيُبَادِرْ إِلَى دَوَاءِ ذَلِكَ وَلْيَتَدَارَكْهُ بِمَحَابِّ اللَّهِ عز وجل وَمَرْضَاتِهِ مِنَ التَّوْبَةِ والإنابة والاستغفار والادكار وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَرْشَدَ إِلَى ذَلِكَ وَأَثْنَى عَلَى مَنِ اتَّصَفَ بِهِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}
1 لم يخرجه البخاري بطوله من حديث أنس بن مالك وإنما إلى قوله: "في أرض فلاة".
وحديث أنس أخرجه مسلم "4/ 2104/ 2747" في التوبة، باب الحض على التوبة. وقد أخرجه البخاري بطوله من حديث الحارث بن سويد في الدعوات، باب التوبة "11/ 102".