المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الفَاء - معجم القواعد العربية - جـ ١

[عبد الغني الدقر]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الفَاء

‌بَابُ الفَاء

ص: 448

الفاء بجواب الشّرْط:

(=جوازم المضارع 7) .

ص: 449

الفَاء الزَّائِدَة: وهي نوعان:

(أَحَدُهما) الفاءُ الدَّاخِلةُ على خَبرِ المُبتدأ إذا تَضمَّن مَعنى الشرط نحو "الذي يَأتِي فَلَهُ دِرهَمٌ". وإنَّما كانَتْ زَائِدَةً لأَنَّ الخَبَر مُسْتَغْنٍ عن رَابطٍ يَرْبِطُه بالمُبتدأ.

(الثاني) التي دُخُولُها في الكلام كخُروجِها قاله الأَخفش واحتجَّ بقول الشاعر:

وقَائِلَةٍ: خَولانَ فانكِح فتَاتَهُم

وأُكرومَةُ الحَيَّيْنِ خِلوٌ كما هِيا

ص: 450

الفاء السَّببيَّة: تَخْتَلِفُ الفَاءُ السَبَبيَّة عن العَاطفةِ بأنَّ العاطفةَ يدخُلُ ما بَعْدها فيما دَخَل فيه الأوَّل، تقول:"أنتَ تأْتِيني فَتُكرِمُني" و "أنَا أزُورُك فأُحْسِنُ إليك".

أمَّا الفاءُ السَّبَبيَةُ فيخالفُ فيها ما بَعْدَها مَا قبْلَها، وذلِكَ قولُك:"ما تَأْتِيني فَتُكْرِمَني". و "ما أَزُورُك فَتُحدَّثَني" المراد: ما أزُورُك فكَيْف تُحَدِّثُني؟ وما أزُورُك إلَاّ لم تُحدِّثْني - كان النَّصبُ، وكانَتِ الفَاءُ للسَّبَبية والفِعْلُ بعدَها مَنْصوبٌ بأن مُضْمرةٍ وجُوباً، وإذا أراد: ما أزُورَك وَمَا تُحدِّثُني كانَ الرفْعُ لا غَيْرُ، لأَنَّ الثاني مَعطوفٌ على الأَوَّل، أمَّا فاءُ "كن فيكونُ" فَيَصِحُّ فيه الرَّفْعُ والنَّصبُ، فالرَّفعُ عَلى العَطْف والتَّعقِيْب والنَّصْبُ على أنَّ الفاءَ للسَّبَبِييّة، فيكونَ لَفْظُ "فَيكُونَ" سَبَباً عن كُنْ وهُمَا قِراءَتان سُبْعيَّتان، والنَّصبُ بعدَ فاء السَّبَبيَّة لا يكونُ إلا بأن يَتَقَدَّمَها نَفْيٌ أو طَلَبٌ مَحْضَيْن (وإنما قَيْدَ الطلَب والنَّفيَ بالمَحْضَين لأخراج النفي التالي تَقْريراً، والمَتلو بنفي، والمنتقض بـ "إلا" نحو "ألم تأتني فأحسن إليك" إذا لم ترد استفهاماً حقيقياً، والثاني: "ماتزال تأتينا فتحدثنا"، والثالث نحو "ما تأتينا إلا وتحدثنا" وبالطلب المحض، يخرج الطلب باسم الفعل نحو "نزال فنكرمك" وبما لفظه لفظ الخبر نحو "حسبك حديث فينام الناس" فالمضارع بكل هذا مرفوع لعدم محضيَّة النفي والطلب) وذلك بأَحَدِ الأُمُورِ التِّسْعَةِ وهي: "الأمْرُ والدُّعاءُ والنَّهْيُ والاسْتفْهامُ والعَرْضُ والتَّخْضِيضُ والتَّمَني والتَّرَجِّي والنَّفْي" فالأمْر نحو قول أبي النَّجْم:

يا نَاقُ سِيرِي عَنَقاً فَسِيحاً

إلى سُلَيمَانَ فَنَسْتريحا

والدُّعَاءُ نحو قَوْلِ الشّاعر:

رَبِّ وَفِّقْني فَلا أعْدِلَ عَنْ

سَنَنِ السَّاعِينَ في خَيْرِ سَنَن

والنَّهي نحو قوله تعالى: {وَلا تَطْغَوا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبي} (الآية "81" من سورة طه "20") .

والاستِفْهامُ نحو قولِه تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} (الآية "52" من سورة الأعراف "7") .

والعَرضُ نحو قَوْلِ الشَّاعِرِ:

يا ابنَ الكرامِ ألا تَدْنُو فَتُبْصِرَ ما

قَدْ حَدَّثُوكَ فَمَا راءٍ كمَنْ سمَعَا

والتَّخْضِيضُ نحو قوله تعالى: {لَوْلَا أخَّرْتَني إلى أجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ} (الآية "10" من سورة المنافقون "63") .

والتمني نحو قوله تعالى: {يَا لَيْتَني كُنْتُ مَعَهم فَأَفُوزَ فَوْزَاً عظيماً} (الآية "72" من سورة النساء "4") .

والتَّرَجِّي نحو قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أو يَذَّكَّرُ فتَنْفَعَهُ الذِّكرَى} (الآية "3 و 4" من سورة عبس "80") .

والنَّفي نحو قوله تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتوا} (الآية "36" من سورة فاطر "35") . {لا تَفْتَرُوا على اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكم بِعَذاب} (الآية "61" من سورة طه "20") .

ص: 451

الفَاءُ العَاطِفَةُ: وتُفيدُ أموراً ثلاثةً:

(أحدُها) التَّرتيبُ، وهو نَوْعَانِ: مَعْتويٌّ كما في "دَخَلَ محمَّدٌ فَعَليٌّ".

وذِكْرِيٌّ: وهو عَطْفٌ مُفَصَّلٍ على مُجْمَلٍ نحو قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُما الشَّيطَانُ عَنْهَا فأخرَجَهُمَا مِمَّا كانَا فِيهِ} (الآية "36" من سورة البقرة "2") ونحو {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أكْبَرَ مِنْ ذلكَ فقالُوا أرِنَا اللهَ جَهْرَةً} (الآية "135" من سورة النساء "4") وَلا يُنَافِي إفَادَتها التَّرتيبَ قَوْلُه تعالى: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَها بَأسُنَا} (الآية "4" من سورة الأعراف "7") لأنَّ التَّقْديرَ: أرَدنَا إهْلَاكَهَا فَجَاءَها بَأسُنَا.

(الثاني) التَّعْقِيبُ، وهُوَ في كُلِّ شيءٍ بِحَسَبِه، فإذا قُلنا:"تَزَوَّجَ خالدٌ فَوَلَدَ له" فالتَّعقِيبُ هُنا بعَدمِ فَتْرَةٍ بينَ التزوج والوِلادة سوَى الحمل،.

(الثالث) السَّبَبِيَّة، وذلك غالبٌ في العاطفة جملةً أو صفةً، فالجُملَةُ نحو {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيهِ} (الآية "15" من سورة القصص "28") . والصفةُ نحو {لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمَالِئُونَ مِنهَا البَطُونَ. فَشَارِبُونَ عَلَيهِ منْ الحَمِيمِ} (الآيات "52 - 53 - 54" من سورة الواقعة "56") .

وقَدْ تَأتي في الجُملَةِ والصِّفَةِ لمُجَرَّدِ التَّرْتيبِ نحو {فَرَاغَ إلى أَه - لِهِ فَجَاءَ بِعِجلٍ سَمِينٍ. فَقَرَّبَهُ إلَيهم} (الآية "26 و 27 "من سورة الذاريات"51" ونحو {فَالزَّاجِرَاتِ زَجراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكراً} (الآية "2 و 3"من سورة الصافات "37") .

ص: 452

الفاءُ الفصيحة: هي التي يُحذفُ فيها المَعطوفُ عليه مع كَونِه سَبَبَاً للمَعطُوف مِنْ غير تَقديرِ حَرْفِ الشَّرْط.

وقيل: سُمِّيتْ فَصِيحةًلأََنَّها تُفصِحُ عن المَحذُوف، وتُفِيد بَيَانَ سَبَبِيَّتِه، وقال بعضهم: هيَ داخِلةٌ على جملةٍ مُسَبَّبة عن جُملةٍ غير مَذْكورةٍ نحو قوله تعالى: {فَقُلنَا اضرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ فَانفَجَرت} (الآية "60"من سورة البقرة"60") أي: ضَرَبَ فانفَجَرتْ، ونحو قوله تعالى: {لو أنَّ عِندَنا ذِكراً من الأَوَّلين لَكُنَّا عبادَ الله المُخلَصين فَكَفَرُوا به (الآيات"168_169"من سورة الصافات "37") التقدير: فجاءَهُم محمد صلى الله عليه وسلم بالذكر فكفروا به، ومثله قول الشاعر وهوأبو تمام:

قالوا خُراسَانُ أَقصَى ما يُرادُ بنا

ثُمَّ القُفولُ فَقد جِئنا خُراسَانا

ص: 453

الفَاعِل:

-1 - تعريفُه:

هواسم (صريح ظاهر، أو مضمر بارز أو مستتر) ، أو مَا فِي تَأويلهِ، أُسنِدَ إليه فِعلٌ تَامٌ (متصرف أو جامد) ، أو ما في تَأويلهِ، مُقدَّمٌ عليه (ليخرج نحو "محمد قام") ، أصلِيّ المحَلّ (ليخرج "فاهم علي" فإن المسند وهو فاهم أصله التأخير) ، والصيغَة (ليخرج الفعل المبني للمجهول) .

فالأسم نحو {تَبَارَكَ اللهُ} و {تَبَارَكتَ يا الله} ومثله {أَقُوم} و {قُم} إلَاّ أَنَّ الإسمَ ضميرٌ مستترٌ، والمُؤوَّل به نحو:{أَوَلَم يَكفِهِم أَنَّا أَنزَلنَا} (الآية "51"من سورة العنكبوت"51") . أي أو لَمْ يَكفِهِم إِنزَالُنَا، {أَلَمْ يَأنِ لَلَّذِينَ آمَنُو أَن تَخشَعَ قُلوبهُمُ} (الآية "16" من سورة الحديد"57") أي أَلَم يَأنِ خُشُوعُ قُلوبِهم، والفعل كما مُثِّل، ولافَرْقَ بين المُتَصَرِّفِ والجَامِد كـ {أتَى} زيدٌ ونِعم الفتى، والمؤوَّل بالفعل، وهو ما يعمل عملَه ويَشمل اسمَ الفاعل، نحو {مُختَلِفٌ أَلوانُه} ، والصِّفَة المشبهة نحو {زيدٌ حَسَنٌ وجهُهُ} وهكذا المصدر واسمُ الفعل والظرْفُ وشِبهُهُ واسمُ التَّفضِّيل، وأمثِلَةُ المُبالَغَة، واسمُ المصدر كلُّ هؤلاء، محتَاجٌ إلى فاعلِ (= في أبوابها) .

ويقولُ المبرِّد في باب الفاعل: وهو رَفعٌ، وإنَّما كان الفَاعِلُ رفعاً، لأنَّه هو والفِعلُ بمَنزِلةِ الإبتِدَاءِ والخَبَر، إذ قلت:{قامَ زيدٌ} فهو بمنزِلةِ قولك {القائمُ زيدٌ} .

-2 - أحكامُه: للفاعِلِ سَبعَةُ أحكام:

(1)

الرَفعُ.

(2)

وقُوعُه بعد فعلِه أو مَا فِي تأويله.

(3)

أنّه عُمدَةٌ لابُدَّ منه.

(4)

حَذْفُ فِعلِهِ.

(5)

تَوحيدُ فِعله مع تَثنِيةِ الفاعِلِ أو جَمعِه.

(6)

تَأنِيثُ فِعله وُجوباً، وجَوَازاً، وامتِناعُ تأنِيثِه.

(7)

اتَّصالُه بفعلِه وانفصالُه.

وهاكَ فيما يلي تَفصِيلَها:

ص: 454

(1)

رفعُ الفاعل:

الأَصلُ في الفاعل الرفعُ، وقد يُجَرُّ لَفظاً بإضافةِ المصدرِ نحو:

{وَلَوْلَا دَفعُ اللهِ النَّاسَ} (الآية "251"من سورة البقرة "2") أو بإضافة اسم المصدر نحو قول عائشة (رض)"مِن قُبلَةِ الرَّجُلِ_ امرأتَه الوضُوءُ"(القبلة: مصدر قبل و "الرجل" فاعله وهو مجرور لفظاً بالإِضافة و "امرأته" مفعول به "الوضوء" مبتدأ مؤخر وخبره "منْ قبلة الرجل") .

أو يجر بـ "من" أو "الباء" أو "اللام "الزوائد، نحو:{أنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنا مِنْ بَشِيرٍ} (الآية "19" من سورة المائدة "5" أي ما جَاءَنا مِنْ بَشِيرٌ، و {كَفَى باللهِ شهيداً} (الآية "79"من سورة النساء "4") أي كفى الله، {هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (الآية "36" من سورة المؤمنون "33") . أي هَيهَات مَا تُوعَدُون.

ص: 455

(2)

وٌقُوعُه بعد فِعله أو ما في تأويله:

يجبُ أنْ يَقع الفاعلُ بعدَ فِعله، أو ما في تأويلِ فِعله (وهو المُشتق الذي يَطلُب فاعِلاً أو نَائِباً عن الفاعل) ، فإن وُجِد ما ظاهرهُ أَنَّه فاعلٌ تقدَّمَ على المُسنَد، وجَب تقديرُ الفاعلِ ضَميراً مستتراً، والمقدَّمُ إمَّا مُبتدأ في نحو "الثَّمَرُ نَضِجَ"(في "نضج" ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية يعود على الثمر و "الثمر" مبتدأ)، وإمَّا فاعِلٌ لفعلٍ محذوفٍ في نحو:{وَإنْ أَحدٌ ("أحد" فاعل فعل محذوف يفسره المذكور، التقدير وإن استجارك أحداستجارك) مِنَ المُشرِكينَ استَجَارَكَ} (الآية "6" من سورة التوبة "9") لأنَّ أداةَ الشَّرطِ مُختَصَّةٌ بالجُملِ الفعليَّة، وجازَ الإبتداءُ والفاعليَّةُ في نحو قوله تعالى:{أبَشَرٌ يَهدُونَنا} (الآية "6" من سورة التغابن"64 "و "بشر" يجوز أن يكون مبتدأ، وسوغ الإبتداء، تقدم الإستفهام ويجوز أن نكون فاعلاً بفعل محذوف تفسيره يهدوننا) وفي {أأنتُمْ تخلُقُونهُ} (الآية "59"من سورة الواقعة

"56"و "أنتم" يجوز أن يكون مبتدأ، ويجوز أن يكون فاعل فعل محذوف يفسره المذكور. والأرْجَحُ الفاعِلَّيةُ لِفعلٍ محذُوف.

وعِندَ الكُوفيينَ يجُوزُ تقديمُ الفاعِلِ تَمَسُّكاً بنحو قولِ الزَّباء:

ما لِلجمالِ مَشيُها وَئِيداً

أجَندَلاً يَحمِلنَ أمْ حَديدا

برَفع "مَشيِها" على أنَّه فاعل لـ: "وئيداً" وهو - عند البصريين - ضرورةٌ، أو "مشيُها" مُبتدأ حُذِف خبرُه، لسد الحال مَسَدَّه، أي: يظهَر وئيداً.

ص: 456

(3)

الفاعِلُ عمدةٌ:

لا يَستغني فِعلٌ عنْ فاعل، فإن ظهَرَ في اللفظ نحو "دخَلَ المعلمُ" وإلَاّ فهو ضَميرٌ مستَترٌ راجعٌ إمَّا إلى مذكُور نحو "أبراهيمُ نَجَح" أوْ راجعٌ لِمَا دلَّ عليه الفعلُ كالحديث:"لا يَزْني الزَّاني حينَ يزْني وهو مُؤْمِنُُ، ولا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُها وهُو مُؤْمِنٌ" ففي "يشرب" ضميرٌمستَترٌ مرفوعٌ على الفاعليَّةِ راجعٌ إلى الشَّارب الدَّالِّ عليهِ يَشرَب.

أورَاجعٌ لما دَلَّ عليه الكَلامُ نحو: "كلَاّ إذَا بَلَغَتِ التَّراقِيَ"(الآية "26" من سورة القيامة "75") ففاعل"بَلَغَتْ" ضميرٌ راجِعٌ إلى الروح الدَّال عليها سِياقُ الكلام.

ص: 457

(4)

حذفُ فِعله:

يجوزُ حذفُ فِعلِ الفَاعلِ، إن أجِيبَ به نَفيٌ كقَولِك "بَلَى عَلِيٌّ" جواباً لمن قال "ما نَجَحَ أحَدٌ" ومنه قوله:

تجَلّدْتُ حتَّى قيلَ لم يَعرُ قلبَه

من الوَجد شيءٌ قلتُ بل أعظمُ الوجد

(فـ "أعظم الوجد" فاعل فعل محذوف دل عليه مدخول النفي، والتقدير: بل عراه أعظم الوجد، و "تجلدت" من التجلد، وهوالتصبر، "لم يعر"من عراه إذا غشيه) . أوأجيب به استِفهامٌ مُحقَّق، نحو "نعَم خالدٌ"جواباً لمن قال:"هل جَاءك أحد؟ " ومنه "وَلَئِنّ سَألتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ"(الآية "87"من سورة الزخرف"43" فلفظ الجلالة فاعل بفعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام، والتقدير: خلقنا الله)، أو مُقَدَّر كقولِ ضِرار بن نَهشَل يَرثي أخَاه يَزيد:

ليُبكَ يَزِيدُ ضَارِعٌ لخُصُومَةٍ

ومُختَبِطٌ مما تُطِيحُ الطَّوائِحُ

(فـ "ضارع" فاعل فعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام المقدر، كأنه قيل من يُبكيه؟ فقيل: ضَارعٌ أي يبكيه ضارع، هذا على رِواية ليبك مجهولاً، ورواه الأصمعي بنصب يزيد، ولبيك معلوماً، فعلى هذا لا شاهد فيه، وهذه الرواية، أقرب إلى الصحيح.

ويَجبُ حَذفُ فِعلهِ إذا فُسِّر بعدَ الحروفِ المُختَصَّةِ بالفعل نحو "أذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ"(الآية "1" من سورة الانشقاق"84") .

ص: 458

(5)

تَوحِيدُ فِعله مع تَثنِيةِ الفَاعِلِ وجَمعِه:

يُوَحَّدُ الفعلِ مع تَثنِيَةِ الفَاعِلِ وجَمعِه كما يُوحِّدُ مع إفرادِه نحو "زَحَفَ الجيشُ" و "تصَالَحَ الأَخَوَانِ" و "فازَ السَّابِقُون" و "تعَلَّم بناتُكَ" ومِثلُه "أَزَاحِفٌ الجَيشُ" و "أفَائِزٌ السَّابِقُون" و "أمُتَعَلِّم بَنَاتُكَ". ولُغَةُ تَوحِيدِ الفِعلِ هي الفُصحى وبها جاءَ التنزيلُ، قال تعالى:{قالَ رجُلانِ} (الآية "23" من سورة المائدة "5") و {قالَ الظَّالِمُونَ} (الآية "8" من سورة الفرقان "25") و {قالَ نِسوةٌ} (الآية "30" من سورة يوسف "12") ولُغةُ طَيئٍ وأَزد شَنوءة (وهي المشهورة بلغة "أكلوني البراغيث" كما في سيبويه) : مُوَافَقَةُ الفِعل لِمرْفُوعِهِ بالإِفرادِ والتَّثنية والجمع نحو {ضَرَبُوني قَوْمُكَ} و {ضَرَبتَنِي نِسوَتُكَ" و "ضرَبَانِي أخَوَاكَ" وقال أمَيَّةُ:

يَلُومُونَني في اشتِراءِالنَّخِيـ

ـلِ أهلِي فَكُلُّهُمُ أَلوَمُ

("أهلي" فاعل يلومونني، فألحق الفعل علامة الجمع مع أنه مسند إلى الظاهر) .

وقال أبو فِراس الحمداني:

نُتِجَ الرَّبِيعُ مَحَاسِناً

أَلقَحنَهَا غُرُّ السَّحائِبْ

(غر جمع "غراء" مؤنث أغر بمعنى أبيض، وهي فاعل "ألقحنها" وألحق به علامة جمع المؤنث وهي النون) .

والصَّحيحُ أنَّ الألِفَ والوَاوَ والنونَ في ذلكَ أَحرُفٌ دَلُّوا بها على التَّثنيةِ والجَمعِ تذكيراً وتأنيثاً، لا أَنَّها ضَمَائِر الفَاعِلين، وما بَعدَهَا مُبتدأ على التَّقدِيم والتأخير أو ما بَعدَهَا تابعٌ على الإِبدَال من الضَّمير، بدل كُل من كُلّ.

والصحيح أنَّ هذه اللغة لا تَمنعُ مع المُفرَدَين، أو المُفرَدَات المُتَعَاطفة بِغَير "أو" نحو "جاءَاني زيدٌ وخالدٌ" (وذلك كقول عبد الله بن قيس الرقيات يرثي مصعب بن الزبير:

تولى قتال المارقين بنفسه

وقد أسلماه مُبعدٌ وحَمِيمُ) .

ص: 459

(6)

تأنيث فِعلِه وجُوباً، وجَوازاً، وامتناعُ تأنيثِه:

إن كانَ الفاعِلُ مُؤَنَّثاً أُنِّثَ فِعلُه بِتَاءٍ سَاكِنَةٍ في آخِرِ الماضِي (جامداً كان الفعل أو متصرفاً، تاماً أو ناقصاً) وبِتَاءِ المُضَارَعَةِ في أوَّل المُضَارع.

ويَجبُ هذا التَّأنِيث في ثلاثِ مَسَائل:

(إحداها) أنْ يكونَ الفَاعِلُ ضَمِيراً مُتَّصلاً لِغَائِبَةٍ، حَقِيقِيَّةِ التَّأنيثِ أو مَجَازِيَّتِهِ (المراد بحقيقي التأنيث ماله آلة التأنيث والمجَازِي بخلافه.

فالحقيقية كـ "فاطمةُ تَعَلَّمَتْ أو تَتَعَلَّم"، والمجازيّة نحو:"الشَّجرَةُ أَثمرَتْ أو تُثمِر" (بخلاف الضمير المنفصل نحو "ما قام إلا هي" و "شجرة اللوز مَا أثمر إلَاّ هي" فتذكير الفعل واجب في النثر وجائز في الشعر وسيأتي في امتناع التأنيث.

ويجوزُ ترْكُ تاءِ التَّأنيثِ في الشِّعرِ مع اتصال الضَّمير إن كان التَّأنِيثُ مَجَازيّاً كقول عَامِر الطائي:

فَلامُزْنَةَ ودَقَتْ ودَقَها

ولا أرْضَ أَبقَلَ إبقَالُها

(القياس: أبقلتْ، لأَنَّ الفاعل ضميرٌ مُؤنَّث متصل، ولكن حَذَف التاء للضرورة، يصف الشاعر: سحَابةً، وأرضاً نافعتين، و "المزنة" السَّحَابة البيضاء و "ودَق المطر" قطر "وأَبقلت الأرض" خَرج بَقلُها) .

ومثله قولُ الأعشى:

فَإمّا تَرَينِي وَلِي لِمَّةٌ

فإنَّ الحَوَادثَ أَوْدَى بها

(القياس: أوْدَت لأنَّ الفاعل ضمير متصل، لكنه حذف التاء ضرورة و "اللِّمة" الشعر الذي يجاوز شحمة الأُذُن "أًوْدَى بها" أهلكها) .

(الثانية) أنْ يكُونَ الفَاعلُ ظاهراً مُتَّصِلاً، حَقِيقيَّ التَّأنيث (مفرداً أو مثنى أو جمع مؤنث سالماً) نحو:{إذْ قَالَتِ امرأَةُ عِمرانَ} (الآية "35" من سورة آل عمران "3") . وإنَّما جَازَ في فَصِيحِ الكَلامِ نحو: "نِعمَ المَرْأةُ" و "بئسَ المَرْأة" لأنَّ المُرادَ بالمَرْأةِ فِيها الجنسُ، وسيَأتي أَنَّ الجنسَ يجُوزُ فيه الوَجهَان.

(الثَّالثة) أنْ يكونَ ضميرَ جَمعِ تكسِير لِمُذكَّرٍغيرِ عَاقِلٍ نحو "الأيَّامُ بكَ ابتَهَجَتْ، أو ابتَهَجنَ". أوضَميرَ جمعِ سَلامةٍ أو تكسيرٍ لمُؤنَّثٍ نحو "الهِنداتُ أو الهَنود فَرِحَتْ أوْ فَرِحنَ".

ويَجُوزُ التَّأنيث في أربعةِ مواضع:

(أحدُها) أنْ يَكُونَ الفاعلُ اسماً ظاهِراً مَجَازِيَّ التَّأنيث نحو "أَثمر الشَّجَرةُ أوْأثمرتِ الشَّجرةُ" أو حَقِيقِيَّ التأنيث، وفُصِل من عَامِله بغَير"إلَاّ" نحو "سَافَرَأوْ سَافَرَتِ اليومَ فَاطمةُ" ومنه قولُ الشاعر:

إنَّ امرَءًا غَرَّهُ مِنكُنَّ واحِدِةٌ

بَعدِي وبَعدَكِ في الدنيا لَمَغرُورُ

ومنه قولُ العَرب "حَضَرَ القاضيَ اليومَ امرأةٌ" والتَّأنيث أكثر ُ.

(الثاني) أنْ يكونَ جَمعَ تَكسِير (يعامل معاملة هذا الجمع: اسم الجمع كـ "قوم" و "نساء" واسم الجنس كـ "شجر" و "بقر") لِمُؤَنَّث أو لِمُذكَّر نحو "جاءَت أو جاءَ الغِلمانُ أو الجَواري".

(الثالث) أن يَكونَ ضميرَ جمعٍ مكسَّرٍعَاقِل نحو "الكَتيبَةُ حضرتْ أو حَضَرُوا".

(الرَّابعُ) أنْ يكونَ الفعلُ من باب "نِعمَ" نحو "نِعمَ أو نِعمتَ الفَتَاةُ هِندٌ" والتَّأنيث أجود - هذا فيما عُلِم مُذكَّره من مؤنَّثِه، أَمَّا في غَيره فَيُراعَى اللَّفظُ لعَدَمِ مَعرفَةِ حالِ المَعنى كـ "بُرغوث ونملَة" وكل ذلك في المُؤَنَّثِ الحقيقي.

أمَّا المجازيّ فذوا التاء مُؤنَّث جَوازاً، والمجَرَّدُ مُذَكَّرٌ وُجُوباً إلَاّ إنْ سُمِعَ تأنِيثُه كـ "شَمسٍ وأرْضٍ وَسَمَاءٍ".

ويمتَنِعُ التَّأنِيثُ في ثلاث صُوَرٍ:

(إحداها) أنْ يكونَ الفاعلُ مَفصُولاً بـ "إلَاّ" نحو "ما أقبلَ إلَاّ فاطمةُ" والتَّأنيثُ خاصٌّ بالشعر كقوله:

مَا بَرِئِتْ مِنْ رِيبَةٍ وَذَمٍّ

في حَرْبِنَا إلَاّ بَنَات العَمِّ

(ثانِيها) أن يكونَ مُذَكَّراً مَعنَىً فَقَط، أو مَعنىً ولَفظاً، ظاهراً أو ضَميراً، نحو "اجتَهَدَ طَلحَةُ وعليٌّ سَاعَدَهُ".

(ثالثها) أنْيَكونَ جمعَ سلامَةٍ لِمُذَكَّرٍ نحو {قَدْ أَفلَحَ المُؤمِنُونَ} (الآية "1" من سورة المؤمنون "23") .

(7)

اتِّصَالهُ بفعله وانفِصاله:

الأصل في الفاعل أن يتصلَ بفعلهِ، لأنَّه كالجُزْءِ منه، ثم يَجيءُ المَفعول، وقد يُعكس فَيَتَقَدَّم المفعولُ، وكُلُّ من ذلك جائزٌ وواجبٌ.

فأمَّا جَوازُ الأصلِ فنحو {وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُدَ} (الآية "16" من سورة النمل "27") .

وأمَّا وجوب تَقدِيمِ الفاعل ففي ثلاثِ مسائل:

"أ" أنْ يُخشَى اللَّبس بأن يكونَ إعرابُهما تقديريًّا (ويشمل ذلك أن يكون الفاعل والمفعول مقصورين، أو منقوصين أو إشارتين، أو موصوليين، أومضافين لياء المتكلم) ، ولا قرينة، نحو "أكرَمَ مُوسى عِيسى" و "كلَّم هَذا ذاكَ" فإنْ وُجدَت قَرينَةٌ جَازَ نحو "أكَلَ الكُمَّثرَى مُوسَى".

"ب" أن يكون الفاعل ضميراً غيرَ مَحصُور، والمَفعول ظاهراً أو ضميراً، نحو "كلَّمتُ عليًّا" و "فهَّمتُه المسألة".

"ج" أنْ يُحصَر المفعول بـ "إنما" نحو "أنَّما زَرَعَ زَيدٌ قَمحاً" أو بـ "إلَاّ"(وهذا عند الكوفيين) نحو "مَا عَلَّمَ عليٌّ إلَاّ أَخاه" وأجاز الأَكثَرُون (البصريون والكسائي والفراء) تَقديمَه على الفَاعِل عِندَ الحَصرِ بـ "إلاًّ" مُستَنِدين في ذلك إلى قولِ دِعبلِ الخزاعي:

ولَمَّا أبَى إِلَاّ جِمَاحاً فُؤَادُهُ

ولمْ يسلُ عُنْ لَيلَى بِمالٍ ولا أهلِ

(فقدم المفعول المحصور بـ "إلا" وهو "جماحاً" على الفاعل وهو "فؤاده" والجماح هنا: الإسراع، وجواب "لما" في البيت بعده: تسلى بأخرى) وإلى قولِ مجنونِ بَني عامر:

تَزَوَّدتُ من لَيلى بتَكليمِ ساعَةٍ

فَما زادَ إلَاّ ضِعفَ ما بي كَلامُها

(قدم أيضاً المفعول المحصور بـ "إلَاّ" وهو "ضعف" على الفاعل وهو "كلامها") .

وكذلك الحصر بـ "إنما" يجوز تقديمُ المفعول على الفاعل نحو "إنما" يجوز تقدِيمُ المفعول على الفاعل نحو "أنما قَلَّمَ الشجرَ زيدٌ".

وأمّا جَوازُ تَوَسُّطِ المَفعولِ بَينَ الفعل والفاعل فنحو {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} (الآية "41" من سورة القمر"54") .

وأمَّا وُجُوبُ التَّوسُّطِ ففي ثلاث مسائل:

"إحداها" أن يَتَّصلَ بالفاعلِ ضميرُ المفعول نحو {وَإِذِ ابتَلى إبراهيمَ رَبُّهُ} (الآية "124"من سورة البقرة "2") و {يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالمين مَعذِرتُهُمْ} (الآية "52"من سورة الغافر "40". وإنما وجب تقديم المفعول فيهما لئلا يعود الضمير على المفعول وهو متأخر لفظاً ورتبة) .

ويجوزُ في الشِّعرِ فَقَط تأخيرُ المفعول نحو قولِ حسَّان بنِ ثابتٍ يمدَحُ مُطعِمَ بنَ عَدِي:

وَلَوْ أنَّ مَجداً أخلَدَ الدهرَ واحداً

من الناسِ أَبقَى مَجدُه الدَّهرَ مُطعِمَا

(قدَّم الفاعل وهو "مجدُه" وفيه ضمير يعُود على "مُطعماً" وهو مَفعولُه، وعادَ الضَّمير على مُتَأخِّر لَفظاً ورُتبة، وهذا في الشعر جائز) .

(الثانية) : أن يكون المفعولُ ضميراً، والفاعِلُ اسماً ظاهِراً نحو:"أنقَذَني صَدِيقي".

(الثّالثة) أن يكونَ الفاعلُ مَحصوراً فيه بـ "إنَّما" نحو {إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} (الآية "28" من سورة فاطر "35")، أو بـ "إِلَاّ" نحو:"لا يزيدُ المحبَّةَ إلَاّ المَعروفُ".

أمَّا تَقديمُ المَفعولِ على الفعل جوازاً فنحو {ففريقاً كَذَّبتُم وَفَرِيقاً تَقتُلُونَ} (الآية "87"من سورة البقرة "2") .

وأمَّا تَقدِيمُ المَفعولِ وُجُوباً فَفِي مسألتين:

(إحداهما) أن يكونَ لَهُ الصَّدَارَة كأنْ يكونَ اسمَ استِفهام نحو: {فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنكِرُون} (الآية "81"من سورة غافر "40") .

(الثانية) أن يَقعَ عامِلُه بعدَ الفاء، وليسَ له مَنصوبٌ غَيرُه مقدَّم نحو:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (الآية "3" من سورة المدثر"74") .

ص: 460

فَرَطَكَ: أصلها من فَرَطَ: أي سَبَق وتَقَدَّم، وفَرطَك هنا: اسمُ فِعلٍ، تُحذِّرُ به المُخَاطَبَ شَيئاً بين يَدَيه، أو تأمُرُه أن يَتَقَدَّمَ، مثل أَمَامَك، والكاف فيه للمُخَاطبة.

ص: 461

فَصَاعِداً: تَقُولُ "أخَذْتُ هذا بدرْهمٍ فَصَاعِداً" التَّقدير: أَخَذتُه بدرْهمٍ، ثُمَّ زِدْتُ صَاعِداً، ودخَلتِ الفاءُ لأنها للتَّرْتِيب والتَّعقِيب، وقيل: الفاءُ لِتَزْيين اللَّفظ، ولو أتَيت بـ "ثُمَّ" بَدلَ الفَاءِ لَجَاز، ولكنَّ الفاءَ أَجودُ، لأنَّ مَعناه الاتِّصالَ، وشُرْحُه على الحقيقة: أخَذْتُه بدَرْهمٍ فَزَاد الثَّمنُ صَاعِداً، فحُذِفَ العَامِلُ وَصاحِبُ العَامِلُ وَصاحِبُ الحال تخفيفاً.

ومثلهْ: "أَخَذْتُه بدرهمٍ فَزائِداً" ولا يَجوزُأخَذْتُه بدرهمٍ فَصَاعِدٍ ولا وَصَاعِدٍ، لأنَّك لا تُريد أن تُخبر أنَّ الدرهمَ مَعَ صاعِدٍ ثمنٌ لشيء، ولكنَّك أخبَرت بأدْنَى الثَّمن فجعلته أوَّلاً ثُمَّ قَصَدتَ شيئاً بعد شَيْءٍ لأََثمانٍ شَتَّى.

ص: 462

فَضلاً: مِنْ قولهِم: "فُلانٌ لا يَملِكُ دِرْهَماً فَضلاً عَنْ دِينار" ومعناه: لا يملكُ دِرْهَماً ولا ديناراً، وإنَّ عَدَمَ مِلكِه للدينار أولى من عَدَمِ مِلِكِه للدِّرهم، وكأنه قال: لا يملِكُ دِرْهماً فكيف يَملَكُ دِيناراً.

وإعرابها على وجهين:

(أحدهما) أنْيكونَ مَصدراً بِفعلٍ مَحذُوفٍ.

(الثاني) أن يَكونَ حالاً من مَعمول الفِعل المَذْكُوروهو "دِرْهماً" وإنَّما سَاغَ مَجِيء الحَالِ مِنه مع كَونِه نَكِرَةً للمُسَوِّغ وهو وُقُوعُ النكرة في سِيَاقِ النفي، ومثله:"زَيدٌ لا يحفظ مَسأَلةً فضلاً عن القُدْرَةِ على التدريس".

ص: 463

فَعَالِ: هذَا الوَزْنُ المَبنيُّ عَلَى الكَسرِ والمَفتوحُ الفاءِ نَوْعان:

(الأوَّل) : أنْ يكونَ بمَعنَى الأََمر وهو اسمُ فعلٍ نحو "نزَالِ" و "طلاعِ" أي إنزِل واطلُعْ.

(الثاني) : أن يَكونَ صفةَ سَبٍّ للمؤنَّثِ ويَلزَمُهُ النِّداء ولا يجوزُ تَأْنِيثه نحو "يا فَسَاقِ" و "يافَجَارِ" أي يا فَاسِقَةُ ويا فَاجِرَةُ.

ص: 464

الفِعل:

-1 - تعريفُه:

هُوَ ما دَلَّ على مَعنَىً في نَفسِهِ مُقتَرِنٍ بأحَدِ الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ.

ويُؤخَذُ من لَفظِ أَحداثِ الأسماء أي المصادر.

-2 - عَلاماتُه:

يَنجَلي الفعلُ بأربع علامات:

(إحداها) تاءُ الفاعِل، مُتَكلِّماً كَانَ كـ "فَهِمتُ" أو مخاطباً نحو:"تباركَتِ".

(الثانية) تاءُ التَّأنيث السَّاكنَة (أما المتحركة حركة إعراب فتختص بالاسم، والمتحركة حركة بناء فتدخل على الحرف في "لات" و "ربت" و "ثمة" وتكون في الاسم أيضاً نحو "لاقوة") كـ "قَامَتْ وقَعَدَتْ"(بهاتين العلامتين ثبتت فعلية "ليس وعسى" خلافاً لمن زعم حرفيتهما) .

(الثالثة) ياءُ المُخَاطبة كـ "قُومِي، هَاتِي، تعالِي".

(الرابعة) نون التوكيد ثقيلةً أو خفيفةً نحو {لَيُسجَنَنَّ وليَكُوناً} (الآية "32" من سورة يوسف "12") .

-3 - أنواعُه:

أنواعُ الفِعلِ ثلاثةٌ: المَاضِي، والمُضَارِعُ، والأَمر، (= في حُروفها) .

ص: 465

الفِعلُ الثُّلاثيُّ المجرَّد:

-1 - تعريف المجرد:

هوما كانَتْ جميعُ حُرُوفِه أصلِيَّةً، لا يَسقُطُ مِنها حَرْفُ في تَصَارِيف الكَلِمة لِغَيرِ عِلَّة تَصريفيَّة.

-2 - أَوْزَان الثلاثي:

للمُجَرَّدِ الثَّلاثي باعتِبار المَاضِي ثلاثَةُ أوزَان:

فالفاء - أولَ الكلمة - مُحرَّكةٌ بالفَتح دائماً.

أمَّا العين - وسط الكلمة - فتكونُ إمَّا مَفتوحةً، أو مَكسُورَةً. نحو "كَتَب، وظَرُف، وعَلِم".

وأمَّا الماضي مع المضارع فله ستة أحوالٍ جمعها بعضُهم في قولِه:

فَتحُ ضَمٍّ، فَتحُ كَسرٍ، فَتحَتَان

كَسرُ فَتحٍ، ضَمُّ ضَمٍّ، كَسرَتان

أي فتح في الماضي وضم في المضارع وهكذا الباقي وإليك تفصيلَها باباً باباً:

ص: 466

الباب الأول:

فتحُ ضمٍّ كـ "نصرَ ينصرُ" فَتحٌ في المَاضِي، وضَمٌّ في المضارع، وضَوَابِط هذا البَابِ التَّقرِيبيَّة: أنْ يكون مُضعَّفاً مُتَعَدِّياً نحو: "مَدَّه يَمُدُّه"

(وشذ من المُضعَّف: حَبَّ يَحِب، وقياسُه الضمُّ لأنه متعدٍّ، وجاء بالوجهين خمسةُ أفعال "هَرَّهَ يهُرُّه يَهِرُّه" كرهه، و "شدَّ متاعَه يشُدُّه ويشِدُّه" أَوثَقه، و "علَّه الشراب يعّلُّه ويعِلُّه" " سقاه علَلاً بَعدَ نَهَل"، و "بتَّ الحبلَ يبُتُّه ويبِتُّه" قطعه، و "نمَّ الحديث يَنُمُّه وينِمُّه" أفشاه إفشاءاً) .

أَوأجوَف (انظر الأجوف في حَرفه، وشذَّ من الأجوف: طال يطول، فإنه من باب شَرُف، أي أن أصلها طَوُل يطوُل) .

وَاوِيّاً كـ "قال يَقُول"، أو ناقِصاً (انظر الناقص في حرفه) واوِيَّاً نحو:"سَما يَسمُو"، أو مُراداً به الغَلَبةَ والمُفَاخَرةَ بِشَرْط ألَاّ تكونَ فَاؤه وَاوَاً، أو عَينُه أولامُه يَاءً نحو:"خاصَمَنِي فخصَمتُه فأنا أخصمه" بضم عَينِ المُضارِعِ فيهما، فإنْ كانَتِ الفاءُ وَاواً، أو العينُ واللامُ ياءً فقياس مضارعِه كَسرُ عَينِه كـ:"وَأَثبتُه أَثِبُه" و "بَايَعتُه أبِيعُه" و "رَامَيتُه أَرمِيه".

ص: 467

الباب الثاني:

فعَل يفعِل كـ "ضَرَب يَضرْب" وضابطُه التَّقريبي: أنْ يكونَ مِثالاً واوياً نحو "وَثَب" و "وَعَدَه يَعِدُه" - بشَرْط أنْ لا تكونَ لامُه حَرْفَ حَلق كـ "وَقَعُ يَقَع" و "وَضَع يَضَع" - أو أَجوف يائِيًّا كـ "جَاءَ يَجِيء" و "شَابَ يَشِيبُ" و "بَاعَه يَبِيعهُ" أو نَاقِصاً - بشَرْطِ ألَاّ تَكُونَ عَينُه حَرْفَ حَلق كـ "سعَى يَسعَى" و "نَهَاه يَنهَاهُ" خَالفَ الباب لوُجودِ حَرْفِ الحَلق فيهما -.

وشَذَّ من البَابِ: "أَبَى يَأبَى"(قياسه كسر عين المضارع لوجود الشرط فَشذ) و "بَغى يبغِي" و "نعى ينعِي"(قياس المثالين فتح العين فيهما لِوُجود حرف الحلق: فلحقا الباب الثاني شذوذاً) .

أَو مُضَاعَفاً لازِمَاً كـ "حَنَّ إليه يَحِنُّ" و "دَبَّ يَدِبُّ" و "فَرَّ يّفِرُّ".

ونَدرَ مَجِيءُ المُضَعَّفِ اللاّزم على هذا البَاب، وهو نوعان: نوعٌ شاذّ، ونَوع يَصحُّ فيه الوجهان: الشذوذ والقياس - وهو الأصل -.

أمَّا الشَّاذ: فَوَرَدَ منه خمسةٌ وعِشرون فِعلاً، وهي "مَرَّ يَمُرُّ" و "جَلَّ يَجُلُّ" بمعنى ارْتَحَلَ، و "ذرَّتِ الشّمسُ تَذُر" فاضَ شُعَاعُها، و "أجَّ الظليمُ (الذكر من النعام) يَؤُجُّ" إذا سُمِعَ له دَوِيٌّ عند عَدْوِه، و "كرَّ الفارسُ يكُرُّه" و "هَمَّ به يَهُم" عَزَم عليه، و "عمَّ النَّبتُ يعُم" طَالَ، و "زمَّ بأَنفِه يَزُمُّ" تكبَّر، و "سحَّ المَطَرُ يسُحُّ" نَزَل بكَثرة، و "ملَّ في سَيره يَملُّ" أسرعَ في السير، و "شقَّ عليه الأمرُ يَشُق" أضرَّ به، و" خَسَّ في الأمرُ يخُسُّ" دَخَل، و "غَلَّ فيه يغُلُّ" دخل أيضاً. و "قشَّ القومُ يَقُشُّون" حَسُنت حَالُهُم بعدَ بؤس، و "جنَّ عليه الليلُ يَجُن" أظلم، و "رَشَّ السَّحابُ يَرُشُّ" أمطَر، و "ثَلَّ الحَيَوان يثُل" رَاثَ، و "طلَّ دَمُه يَطُل" أُهدِر، و "خبَّ الحِصانُ يخُبُّ" أسرَع، و "كمَّ النَّخلُ يَكُم" طلع أكمامُه و "عسَّتِ الناقةُ تَعُسُّ" و "قَشَّ تقُشُّ" رَعَتُ وحدَها، و "هبَّت الريحُ تَهُب" فكلُّها بالضم في المضارع، وقياسها الكسرُ ولكن الضَّم هو السماع.

أمَّا الضَّرْبُ الثَّاني الذي يّصِحُّ فيه الوَجهان: الشُّذوذ والأَصل، فقد وَرَد منه سَبعةَ عَشَر فِعلاً وهي:

"صَدَّ عن الشَّيء يَصُدُّ" أعرَضَ عَنه، "وأَثَّ الشَّجَرُ والشَعَر يَؤُثُّ ويَئِثُّ" كثُر والتَفَّ، و "خرَّ الحَجَرُ يخُرُّ ويَخِرُّ" سَقَط من علوٍّ و "حَدَّتِ المَرْأَةُ تَحُدُّ وتَحِدُّ" تَرَكَتِ الزِّينَة، و "ثرَّتِ العَينُ تثُر وتَثِرُّ" غزُر ماؤها. و "جدَّ الرَّجُلُ في عَمَلِهِ يَجُدُّ ويَجِدُّ" قَصَده بعَزْمٍ، و "ترَّت النَّواةُ تَتُر وتَتِرُّ" طارَتْ مِنْ تَحتِ الحَجَر، و "درَّتِ الشَّاة تَدُرُّ وتَدِرُّ" كَثُر لَبنُها، و "جمَّ الماءُ يَجُمُّ ويَجِمُّ" كَثُر، و "شَبَّ الحِصَانُ يَشُب ويشِبُّ" لَعِب، و "عَنَّ الشيءُ يَعُن ويَعِنُّ" ظهَر، و "فَحَّتِ الأفعى تفُحُّ وتفِحُّ" نَفَخَتْ بفَمِها وصَوَّتَتْ، و "شذَّ عن الجماعةِ يَشُذُ ويَشِذُّ" انفَرَد، و "شحَّ بالمالِ يَشُحُّ" بَخِل، و "شطَّ المَزَارُ يَشِطُّ" بَعُدَ، و "نسَّ اللَّحمُ يَنُس ويَنِسُّ" ذهَبتْ رُطُوبتَهُ، و "حرَّ النَّهارُ يَحُرُّ ويَحِرُّ" حَمِيتْ شَمسُه (وهناك ثلاثة ألفاظ ذكرها ابن مالك في لاميته من الشذوذ وهي كما في القَامُوس مما يَصحُّ فيه الوَجهان: الشذوذ والقياس: وهي "أَلَّ السِيفُ يَؤُل ويَئِل" لَمَعَ وبَرَقَ، و "أبَّ الرجلُ يَؤُب ويَئِب" تَهَيَّأ للسَّفَر، و "طشَّتِ السَّماءُ تطُشُّ وتطِشُ" أُمطرتْ مطراً خفيفاً) .

ص: 468

الباب الثالث:

فَعَل يفعَل: كـ "فَتَح يفتَح" و "ذهَب يذهَب" بفتح العين بالماضي والمضارع، وضَابطُه: أن يكونَ العينُ أو اللَاّمُ أَحدَ حُروفِ الحَلق، بِشَرْط ألَاّ يكُونَ مُضَعَّفاً، وإلَاّ فَهو على قِياسِه السَّابِق من ضَمِّ عَينِ مُضارِع المُتَعدّي، وكَسر عَينِ لَازِمه، وقَدْ يَرد عن العربِ كسرةُ مع وجود بعض حروف الحلق، نحو "رجَع يَرْجِع" و "نزَع يَنزِع" فلا يجوزُ فَتحُه، وقد يَرِدُ بضمةٍ نحو "دخَل يدْخُل" و "صرَخ يصرُخُ" و "نفَخَ يَنفُخ" و "قعَدَ يَقعُد" وأخَذَهُ يأخُذُه" و "طلَعتِ الشمسُ تطلُع" و "بزغَتَ تَبزُغ" و "بلَغَ المكانَ يَبلُغُه" و "نَخَل الدَّقيقَ يَنخُلُه" و "زعَم كذا يَزعَمه".

أمَّا ماوَرَد من هذا الباب بدون أحَدِ حُروفِ الحَلق فَشاذ كـ "أَبى يأبَى".

ص: 469

الباب الرابع:

فعِل يفعَل: كـ "فرِح يَفرَحُ" و "عَلِم يَعلَم" و "خافَ يَخَافُ"(أصله: خوف يخوَف وكذلك شَاء يشاء. تحركت الواو في خوف وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ومثلها: شاء: أصلها: شَيِئ يشيء تحركت أيضاً الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً) و "شَاء يَشَاء" و "رضِي يَرْضَى" و "وَجِيَ البعيرُ يُوجَى" أُصِيبَ في خُفِّه. و "سئِم يَسأَم" و "صحِبَه يَصحَبُه" و "شرِبَه يَشرَبُه" ولا ضَابط له.

وإنَّما تَأتي مِنه الأفعالُ الدَّالَّةُ على الفَرح وتَوابِعِه، والامتِلاء، والخُلوّ، والأَلوانِ والعُيوب، والخِلَق الظاهِرة التي تُذْكر لِتَحلِيَةِ الإِنسان كـ "فَرِحَ يَفرَح، وطَرِبَ يَطرَب وأَشِرَ يَأشَر، وبَطِر يَبطَرُ، وغَضِب يَغضَبَ، وحَزِنَ يَحزَن، وشَبِعَ يَشبَعُ، ورَوِي يَرْوَى، وسَكِر يَسكَرُ، وعَطِش يَطَشُ، وظَمِئَ يَظمَأ، وصَدِي يَصدَى، وهَيِم يَهِيَمُ، وحَمِر يَحمَر، وسَوِدَ يَسوَد، وعَوِرَ يَعوَرُ، وعَمِش يَعمَش، وجَهِر يَجهَر (الأجهر: الذي لا يبصر في الشمس) ، وغَيِد يَغيدُ، وهَيِف يَهيَف (الهَيف: ضمورة البطن) ، ولَمِيَ (اللمى سمرة في الشفة تستحسن) يَلمي" وشذَّ منه تِسعةُ أَفعَالٍ يَجُوزُ فيها الوَجهَان: الفَتحُ على أَصل البَاب، والكَسرُ شُذُوذاً عَنه. وهي:

"حَسِب يَحسَسِب" بمعنى ظنَّ، "وَغِرَصَدْرُه يَغِرَ" إذا اغتَاظَ، و "وحِرَ يَحِرُ" إذا امتَلأَ حِقداً، و "نعِم ينعِمَ" حَسُن حاله، و "بئِس يَبأَس ويَبئِسُ" ضدُّ نَعِمَ، و "يئِسَ يَيأَسُ ويَيئِسُ" بالمُثَنَّاة التَّحتيَّة، وهو مَنِ انقَطَع رَجَاؤه. و "ولِهَ يَوْلِه" فَقَد عَقلَه لِفَقد مَنْ يُحِب، و "يبِسَ الشَّجَرُ يَيبَسُ" و "وَهِلَ يَوْهِلُ" فَزِعَ.

ص: 470

الباب الخامس:

فَعُل يفعُل: كـ "كَرُم يكرُم" و "عذُب يَعذُب" و "حسُن يَحسُن" و "شرُف يَشرُف"، وأفعالُ هذا البابِ لا تكونُ إلَاّ لَازِمَةً بخلافِ بَاقِي الأَبواب، فإنَّهاتأتي لَازِمةً، ومُتَعدِّيةً.

ولم يَأتِ من هذَا الباب يَائِيُّ العين إلَاّ "هَيُؤَ" الرجلُ، حَسُنَتْ هَيئتُه، ولا يَائِيَّ اللَاّمِ إلَاّ "نَهُوَ" أيْ صَارَ ذا نُهيَةٍ وهي العَقلُ، وإنَّما قلِبَتِ الياءُ وَاواً لأجلِ الضمةِ، ولا مُضَاعَفَاً إلَاّ قَليلاً كـ "لَبُبَ" و "شرُرَ" ويجوزُ في هذا المضعف الضم والكسر.

وأفعالُ هذا الباب للأوصاف الخَلقِيةَّ الدَّائِمة، وقد تُحوَّل الأفعالُ الثُلاثيَّة إلى هذا الباب، للدِّلالة على أنَّ مَعناها صَارَ كالغَريزَةِ في صَاحِبه

ورُبَّما استُعمِلتْ أَفعالُ هذا الباب للتَّعَجُّب فَتنسَلِخُ عن الحَدَث نحو: "شَجُع" إذا كُنتَ تَتَعَجَّب من شَجَاعَتِه، ولا تُرِيدُ الحَدِيثَ عنها،

ص: 471

الباب السادس:

فعِل يفعِل، بكَسرِ العين فيهما نحو:"حَسِب يحسَب" و "ورِث يَرِث" وهو قَليلٌ في الصحيح، كثيرٌ في المُعتَل كما تقدَّم في الباب الرابع.

ص: 472

تنبيه (1) :

ليس معنى أن يكونَ الثلاثيُّ المجردُ مَحصُوراً في سِتَّةِ أبواب، أنَّهُ قِياسِيُّ بل كلُّه سَمَاعي، والضَّوَابط المَذْكُورَة ضَوابِطُ تَقرِيبية.

تَنبيه (2) :

أكثرُ الأَفعالِ الثُّلاثيَّةِ المُجَرَّدَةِ استِعمالاً في لُغَةِ العَرَب:

البابُ الأوَّل ثم الثاني وهكذا.

تنبيه (3) :

يَجبُ مُرَاعاةُ صُورَةِ الماضي والمُضَارِع مَعاً، لمُخَالَفَةِ صُورةِ المضارع عن المَاضِي في الثلاثيِّ المجرَّد.

وشَذَّ عن الأبواب ستة: "دِمتَ تَدُوم" و "متَّ تَمُوتُ" و "فضِل يفضُل" و "حضِر يحضُر" كما في لسان العرب.

ص: 473

الفعلُ الثُّلاثِي المَزِيد:

-1 - مَزيد الفِعل الثُّلاثي ثلاثةُ أقسام:

(1)

ما زِيدَ فيه حَرْفٌ واحِدٌ.

(2)

ما زِيدَ فيه حَرْفَان.

(3)

ما زِيدَ فيه ثَلاثَةُ أحرُف.

أمَّا المَزيدُ بحَرْفٍ واحدٍ: فثلاثة أوْزان:

"أ""فَعَّلَ" كـ "فَرّح" و "برَّأ" و "ولِّى" و "زكَّى" بتضعيف العين.

"ب""فَاعَلَ"(وزن "فاعل" يكون للمشاركة غالباً نحو: "شاركه" و "قاسمه") كـ "قَاتَلَ" و "أخَذَ" و "والَى" بزيادةِ ألِف المُفاعلة.

"ج""أفعَلَ"(وزن "أفعلَ" و "فعَّلَ" يكونان للتعدية غالباً) كـ "أكرَمَ" و "أحسَنَ" و "أمَنَ" و "أتَى" و "أقَرَّ". بزيادَة همزَةِ قَبلَ الفَاء.

وأمَّ المَزِيدُ بحَرفَين: فَخَمسةُ أوْزان:

"أ""تَفَعَّل"(وزن "تَفَعّلَ" يكون لمطاوعة فعل غالباً نحو: "قَدَّمته فتقدم") كـ "تَقَدَّم" و "تزَكَّى" و "تقَدَّس" ومنه "اطَّهَرَ" و "ادَّكَرَ" بزيادةِ التاءِ وتضعيفِ العين.

"ب""تَفَاعَل"(وزن "تفاعل" يكون للمشاركة غالباً نحو: "تضارب خالد وعمرو" و "تقاتلا") كـ "اجتَمع" و "انتَقَى" و "اختَارَ" و "اصطَبَر" و "اتَّقَلَ" و "اتَّقَى" بزيادَةِ الهَمزةِ والتَّاءِ (وزنا "انفعل وافتعل" لمطاوعة فعلٍ غالباً تقول "كُسِر فانكسَر" و "جمعتُه فاجتمع") .

"هـ؟؟ ""افعَلَّ كـ "احمَرَّ" و "اصفَرَّ" و "ابيَضَّ" بزيادَةِ الهَمزَةِ وتَضعِيفَ اللَاّمِ، ومِنه "ارْعَوَى: وزْنُ "افعلَلَ" بفك الإدغام.

وأما المَزِيدُ بِثَلاثَة أحرُف: فأَرْبَعَةُ أوْزان:

"أ""استَفعَل" كـ "استَغفر" و "استَعجل" و "استَقَام" بزيادة الهمزة والسِّين والتاء.

"ب""افعَوعَلَ" كـ "احدَوْدَبَ الظَّهر" و "اغدَوْدَن الشَعَر"(طال) و "احلَوْلى العِنَبُ" بزيادة الهمزة والواو، وتكرير العين.

"ج""افعَوّل" كـ "اجلوَّذ"(أسرَع وهذا الوزن يدل على تكلف في العمل) و "اعلَوَّط"(تعلق بعنق البعير فركبه) بزيادة الهَمزَةِ والواو مُضَعَّفة.

"د""افعَالَّ"(وزن افعالَّ يدل على المبالغة في الألوان) كـ "احمَارَّ" و "اشهَابَّ" واخضَارَّ" بزيادة الهَمزَةِ والأَلفِ، وتكريرِ اللام.

ص: 474

الفعلُ الرباعيُّ المجرَّد:

لِمُجَرَّد الفِعلِ الرُّباعِي وَزْنٌ واحد وهو "فَعللَ" كـ "حَصحَصَ"(بان وظهر) و "دربخ"(من دربخ الرجل: إذا طأطأ رأسه وبَسَط ظهره) و "دمدَمَ"

(من دَمدَم عليه: كلمَهُ مُغضِباً) و "سبسَبَ"(من سَبسَب الماءَ أسالَه) ويكُون لَازِماً كهذِه الأَمثِلةُ، ومُتَعدِّياً كـ "دَحرَجَه".

وقد يُصَاغ هَذا الوزنُ من مركَّب لاختِصارِ حِكايَته كـ قولهم: "فَلفَلتُ الطَّعَامَ" أي وضَعتُ فيه الفُلفُل، و "نرْجَستُ الدَّواء" أي وضَعتُ فيه النَّرجِسَ. و "عصفَرتُ الثَّوبَ" أي صَبغتُه بالعُصفر، ومِنه بَعضُ النَّحت كـ "بَسمَلتُ" و "حوْقَلتُ" و "حمدَلتُ" اختصاراً: لبسمِ الله، ولَا حوْل ولا قُوَّةَ إلَاّ باللَّه والحمدُ للَّه.

ويُلحَق (انظر الملحق في حرفه) بالمُجَرَّد الرُّباعيّ سَبعةُ أوْزَانٍ:

(1)

فَعلَل، كـ "شَملَل" (شملل البسر: التقط منه ما تحت النخلة) بزِيادة اللَاّم وأصلُه: شَمِل.

(2)

فَوْعل، كـ "حَوقَل" (حوقل: مشى فأعيا) .

(3)

فَعول، كـ "دَهوَر" (دهورَه: جمعَه وقذفه في مهواه) .

(4)

فعيَل كـ "عَيثَرَ"(أثارَ العِثيَر، وهو الغبار) .

(5)

فَعَلَى، كـ "سَلَقى" (سَلَقى: إذا استَلقى على ظَهره) .

(6)

فَيعَلَ كـ "بيطَرَ".

(7)

فَعنلَ، كـ "قلنَسَ" (قَلنسَه: ألبسهُ القُلنسوة) .

ص: 475

الفِعلُ الرُّباعِيُّ المَزِيد: أبنيَتُه ثلاثةٌ:

(1)

تَفَعلَلَ، بِزَيَادةِ حَرْفٍ وَاحدٍ وهو التاء كـ "تدحرَجَ، يَتَدَحرَج تدَحرُجاً"

ويَلحقُ به "تجَلبَبَ" أي لَبِس الجِلبَاَب، و "تجَوْرَب" لَبِس الجَورب، و "تفَيهق"أَكثَرَ في كَلامِهِ، و "ترَهوَكَ"أي تَبَختَر، و "تمَسكَنَ"أظهَر الذُّل والمَسكَنَة،.

(2)

افعَنلَلَ، بِزيَادَةِ حَرْفين: الهَمزةِ والنُّون كـ "احرَنجَمَ"أي ازْدَحَم، ويقال: حَرْجَمتُ الإِبلَ فاحرَنجَمَتْ: أي رَدَدْتُ بعضَها إلى بعضٍ فارْتَدَّتْ ويُلحَق به نحو: "اقعَنسَسَ" أي تَأخَّر و "اسلَنقَى"أي نَام عَلى ظَهرِه ولا يجوزُ الإدغامُ والإِعلالُ في المُلحَق.

(3)

افعَللَّ، بِزيادَة حَرْفَين: الهَمزة واللَاّم، وهو بِسكُونِ الفَاءِ وفتحِ العَين وفَتح اللامِ الأُولى نحو:"اقشَعَرَّ يَقسَعِرُّ اقشِعراراً"أي أَخَذَته قَشعَرِيرَةٌ.

تنبيه:

لا تكونُ زِيادةٌ في ثلاثيِّ أو رُباعِي إلَاّ من حُرُوف الزيادة (انظر في حروف الزيادة) .

ولا يَلزمُ في كلِّ مجرَّدٍ أن يُستَعملَ له مَزِيد مثل "لَيسَ، خَلا" ونحوهما من

الأَفعالِ الجَامِدَة.

ولا يَلزمُ من كلِّ مَزِيدِ أن يكونَ له مُجَرَّد، مثل "اجلَوُّذ" (اجلَوَّذ اجلوَّذاً: مضى وأسرع) و "اعرُندَى"(العُرُندى: الصُّلب) ونحوِهما مِنْ كُلِّ ما كانَ على "افعَوَّلَ"و" افعَنلَى" ولا يَلزَمُ أيضاً فيما استُعمِلَ فيه بَعضُ المزيدات أن يستعمل فيه البعض الآخرُ، بل العُمدَةُ في ذَلِكَ على السَّماع - إِلَاّ الثلاثيّ اللازِم، فتطَّرِدُ الهمزةُ في أوَّلِه للتَّعدِية، فيقال في ""قَعَد وخَرَج":"أقعَدْتُه وأخرَجتُه".

ص: 476

فِعلُ الشَّرْطِ وجَوابهُ:

(=جوازمُ المُضارع 3) .

ص: 477

الفِعلُ المبني للمجهول:

(= نائب الفاعل) .

ص: 478

فَوق: ظَرْفُ مَكانٍ من أسماءِ الجِهَاتِ، وهو نَقيضُ تَحت، تقول:"زيدٌ فَوْقَ السَّطحِ" وقد يُستَعارُ للاستِعلاء الحُكمي، ومعناه الزِّيادة، أو الفَضل تقول:"عليٌّ فَوقَ أُسامةَ" أي بالفضل أو العِلم. ولها أَحكامُ قَبلُ وبعد (= قبل) .

ص: 479

في: من حُروفِ الجَرّ، تَجرُّ الظّاهر والمضمر، نحو {وفي الأرْضِ آياتٌ} (الآية "20" من سورة الذاريات "51") و {وفِيهَا ما تَشتَهِيهِ الأنفُسُ} (الآية "71" من سورة الزخرف "43") .

ولها عَشَرةُ معَانٍ أشهَرُها:

(1)

الظَّرْفِيَّةُ الحَقِيقِيَّة، مَكانِيَّةً كانَتْ، أو زَمَانِيَّةً نحو {غُلِبَتِ الرُّوم في أَدنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعدِ غَلَبِهِمْ سَيغلِبُونَ في بِضعِ سِنِين} (الآية "2 و 3 و 4"من سورة الروم "30") والمَجَازيَّة نحو {وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ) (الآية "179" من سورة البقرة "2") .

(2)

السَّبَبِيَّة نحو {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الآية "14" من سورة النور "24") أي بِسَبَب مَا خُضتُمْ فِيهِ.

(3)

المُصَاحَبَةُ نحو {قَالَ ادْخُلوُا في أُمَمٍ} (الآية "38" من سورة الأعراف "7") .

(4)

الاستِعلاء نحو {ولأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذوعِ النَّخلِ} (الآية "71" من سورة طه "20") على الاستِعَارَة التَبَعِيَّة.

(5)

المُقَايَسَة، وهي الواقِعَةُ بينَ مَفضولٍ سَابِقٍ، وفَاضِلٍ لاحقٍ، نحو {فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا في الآخِرَةِ إلَاّ قَلِيلٌ} (الآية "38" من سورة التوبة "9") ، أي بالقياس للآخِرَةِ.

(6)

أنْ تكونَ بمعنى الباءِ كقول زَيد الخَيلِ:

وَيَركَبُ يَوْمَ الرَّوعِ مِنَّا فَوَارسٌ

بَصِيرُونَ في طَعنِ الأباهِرِو الكُلى

ص: 480

الفَينَة: السَّاعَةُ والحِينُ، تَقُول:"ألقَاه الفَينَةَ بعدَ الفَينَةِ" و "فينَةً بَعدَ فَينَة" وهي - كما ترى - ظرفُ زَمانٍ.

ص: 481

بابُ القَاف

ص: 482

قَاطِبَةً: من أَلفَاظ الإِحَاطَة، تقولُ:"جَاءَ القَومُ قَاطِبَةً" أي جميعاً، ولا

تُستَعمل إلَاّ حالاً.

ص: 483

قَبل وإعرابُها: قَبُلُ في الأصلِ من قَبيلِ أَلفاظِ الجهات الستِّ المَوْضُوعَةِ

لأمكِنَةٍ، مُبهَمَةٍ، ثم استُعِيرَت لِزَمَانٍ مُبهم، سابقٍ على زَمانِ ما أُضِيفتْ هي إلَيه، وهي بِحَسَبِ الإِضافة تكُون، فإن أُضيِفَتْ إلى مَكانٍ كَانَتْظَرْفَ مَكانٍ كقولِكَ "المَدينةُ قبلَ مَكَّة"، وقد تُستَعملُ الظَّرفيَّةُ المَكَانِيَّة في المَنزِلَة والمكانة كقولهم:"عُمَرُ بالفَضل قَبلَ عُثمانَ". وإنْ أُضِيفَتْ إلى الزَّمان كَانَتْ ظَرْفَ زَمَان نحو "جِئتُكَ قَبلَ وَقتِ الظُّهر".

ولـ "قبلُ وبعدُ" حالتان: البِنَاء على الضَّم، والإِعراب، أمَّا البِنَاء على الضم فله حَالةٌ واحِدةٌ، وهي حذفُ المضافِ إِليه ونيَّةُ معناه (المراد بنية المعنى: أن نلاحِظَ المضاف إِليه معبّراً عنه تَعبيراً مّا دونَ الالتفات إلى لفظٍ بعينه) ، سواءٌ أَجُرَّ بـ "مِنْ" أم لا، لا تَزُول مَعرفتُه، نحو {لِلّهِ الأَمرُ مِنْ قَبلُ ومِنْ بَعدُ} (الآية "4" من سورة الروم "30") ونحو {ومِنْ قَبلُ مَا فَرَّطتُم في يُوسُفَ} (الآية "80"من سورة يوسف "12") وبِدُون "مِنْ" قولُه تعالى:{وقَدْ عَصَيتَ قبلُ وكُنتَ من المُفسِدين} (الآية "91"من سورة يونس "10") .

أمَّا الإِعرَابُ نَصباً على الظَّرفية، أو جرَّاً بـ "مِنْ" فلهُ ثلاث صور:

(1)

أنْ يُصَرَّحَ بالمُضافِ إلَيهِ نحو: "زرتُكَ قَبلَ الغدَاءِ" و "بَعدَ الفَجرِ" و "جِئتُكَ مِنْ قَبلِ الظُّهر" و "مِنْ بَعدِه".

(2)

أنْ يُحذَفَ المُضافُ إِليه، ويُنوَى ثُبُوتُ لَفظِهِ فَيبقَى الإِعراب وتَرْكُ التَّنوينِ كما لَوْ ذُكِرَ المُضافُ إليهِ كقولهِ:

ومِنْ قَبلِ نَادَى كُلُّ مَوْلىً قَرَبَةً

فَمَا عَطَفَتْ مَوْلىً عَلَيه العَواطِفُ

(وليسَ ببعيدٍ أن تكونَ رِواية البيت: ومن قبلُ فيكون مبنياً على الضم) .

أي: ومِنْ قبلِ ذَلكَ، وَهُمَا في هذِينِ الوَجهَينِ مَعرِفتَانِ أيضاً.

(3)

أنْ يُحذَفَ المُضافُ إليه، ولا يُنوَى شَيءٌ، فيبقى الإِعرابُ، ويَرجع التنوين لزوالِ ما يُعارِضهُ في اللَّفظِ كقَولِ عبدِ الله بن يَعرُب:

فَسَاغَ لي الشَّرابُ وكُنتُ قَبلاً

أكَادُ أغَصُّ بالماءِ الفُراتِ

والمراد: قَبلاً مَّا.

وقوله:

ونحنُ قَتَلنَا الأُسدَ أُسدَ خَفِيَّة

فَمَا شَرِبُوا بَعداً على لَذَّة خَمرا

وهما في هذه الحَالَة نَكِرَتان لِعَدَم الإِضافَةِ لَفظاً وتَقدِيراً، ولذلك نُوِّنا.

ص: 484

قَدْ اسم الفِعلِ: هي مُرادِفَةٌ ليَكفي يُقال: "قَدْ خالداً دِرْهمٌ" و "قدْني دِرْهمٌ" كما يُقال: "يَكفِي خَالداً دِرْهَمٌ".

ص: 485

قَدْ الاسمِيَّة: هِيَ مُرَادِفةٌ لِـ "حَسب"، وهي على الأكثر مَبنِيَّةٌ على السُّكون، يُقال:"قَدْ زيدٍ دِرْهمٌ" و "قَدْنِي دِرْهمٌ" بنُونِ الوِقَايَةِ حِرْصاً على بَقاءِ السُّكُونِ، وقليلاً ما تَكون مُعرَبَةً يقال:"قَدُ زيدٍ درهَمٌ" بالرفع كما يقال: "حَسبُه دِرْهَمٌ" بغيرِ نون، كما يقال: حَسبي.

قَدْ الحَرْفِيّة: تَختَصُّ بالفِعلِ المُتَصَرَّفِ الخَبَري، المُثبَتِ، المُجَرَّدِ مِنْ ناصِبٍ، وجَازم وحَرفِ تنفيس، وهي معَه كالجزءِ، فلا تُفصَلُ مِنه بشيء إلَاّ بالقسم كقولِ الشّاعر:

أخالِدُ قَدْ - واللهِ - أَوْطَأتَ عَشوَةً

وَمَا العَاشِقُ المِسكينُ فينا بسَارقٍ

وسُمِعَ: "قَدْ - وَاللهِ - أَحسَنتَ".

وقد يُضطَّر الشاعرُ فيقدمُ الاسمَ، وقد أوقَعَ الفعلَ على شيء من سَبَبِه، فليس للاسم المتقدِّمِ إلَاّ النصبُ وذلك نحو "قَدْ زيداً أضرِبُه" إذا اضطُّرشَاعِرٌ فَقَدَّم لم يَكُنْ إلَاّ النَّصب في زيد، لأَنَّه لا بُدَّ أَنْ يُضمَرَ الفِعلُ، لأَنَّ "قَدْ" مُختَصَّةٌ بالأَفعَال، ولو قُلتَ:"قد زَيداً أَضربُ" لم يَحسُن كما قال سيبويه.

ولِ"قَدْ" خَمسة مَعان:

ص: 486

(1)

التَّوقُّعُ، وهو مع المُضارعِ كقولك:"قَدْ يَقدُمُ الغَائِبُ اليومَ" وأمَّا مع المَاضي فَتدْخلُ منهُ على مَاضٍ مُتَوقَّعٍ، من ذلك قول المؤذِّنِ "قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ" لأنَّ الجماعَةَ مُنتَظرُونَ ذلك، وقدْ اجتَمَعَ في "قدْ قامَتِ الصَّلاةُ" ثلاثةُ مَعانٍ مُجتمعة: التَّحقِيق، والتَّوَقُع، والتَّقريب.

ص: 487

(2)

تَقرِيبُ الماضي من الحالِ تقولُ: "أَقبَلَ العالمُ" فيحتمل المَاضِي القَريب والبَعيد، فإذا قلتَ:"قَدْ أقبَلَ" اختَصَّ بالقَرِيبِ ويُبنَى على إفادتها ذلك: أنهالا تُدْخُلُ عَلى "لَيسَ وَعَسَى ونِعمَ وبئسَ". لأنهنَّ للحالِ.

ص: 488

(3)

التَّقليلُ، وتَختَصُّ بالمضَارع نحو "قَدْ يَصدُقُ الكَذُوبُ"، وقَدْيكونُ التَّقليلُ، لمتَعَلِّقِهِ نحو قوله تعالى:{قَدْ يَعلَمُ مَا أنتُمْ عَلَيهِ} (الآية "64"من سورة النور "24") أيْ مَا هُمْ عَلَيه هوَ أَقل مَعلُوماتِهِ سُبحَانَه، والأولى أن تكون في الآية للتحقيق.

ص: 489

(4)

التَّكثِيرُ بمنزلة رُبَّما كقولِ الهُذَلي:

قَدْ أترُكُ القِرْنَ مُصفَراً أنَاملُهُ

كأنَّ أثوابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ

(القرن: هو المقابل في الشجاعة، الفرصاد: التوت) ومنْ ذلكَ قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَّماءِ (الآية "144"من سورة البقرة "2") .

ص: 490

(5)

التَّحقِيق، نحو قولِه تَعالى:{قَدْ أفلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (الآية "9" من سورة الشمس "91") ومنه {قد يَعلَمْ ما أَنتُم علَيه} (الآية "64"من سورة النور "24") فتدخلُ عَلى المَاضِي والمُضَارِعِ.

ص: 491

قُدَّام: قدَّامُ خِلاف وَرَاء، وهي مِن أسماءِ الجِهَات، وَلَها أرْبعةُ أحكام (= قبل) ، وهي مُؤَنَّثَةُ اللَّفظ، وتُصَغَّر بالهاء فَيُقَال: قُدَيدِيمَةٌ، ولا يُصَغَّر رُبَاعِيّ بالهَاءِ إلَاّ قُدَّامٌ وَوَرَاءُ.

ص: 492

قُرْبَ: تقول: "سكَنتُ قُرْبَ المَسجِدِ" قُرْبَ: مَفعولٌ فيه ظَرْفُ مَكَانٍ.

ص: 493

القَسَم: هو تَوْكيدِ لِكَلامِكَ، فإذا حلَفتَ على فِعلٍ غَيرِ مَنفِيٍّ لم يَقَعْ لَزِمَتهُ اللَاّمَ النُّونُ الخَفِيفَةُ أو الثَّقِيلةُ في آخِرِ الكَلِمة، وذلكَ قولُكَ:"واللهِ لأَفعلَنَّ".

ومِنَ الأَفعال أشياءُ فيها مَعنَى اليمين، يَجرِي الفعلُ بَعدَها مَجرَاهُ بَعدَ قولِكَ:"واللهِ" وذلِكَ قولُكَ: "أُقسِم لأَفعَلَنَّ" و "أَشهَدُ لأَفعَلَنَّ" و "أقسَمتُ باللهِ عَلَيكَ لتَفعَلَنَّ".

والقَسَم إمَّا علَى إضمارِ فعلٍ أو إظهارِه، تقول:"أحلِفُ بالله لأَفعَلنَّ" أو باللهِ، أوْ واللهِ، ولا يَظهرُ الفِعلُ إلا بالباءِ لأنَّها الأصلُ.

وإنْ كانَ الفِعلُ قَدْ وَقَعَ وحَلفتَ عَليه لم تَزِد على اللَاّمِ، وذلكَ قولُكَ:"واللهِ لَفَعَلتُ" وسُمِعَ من العَرَب من يقول: "واللهِ لَكَذَبتَ" فَنُونُ التَّوكيدِ لا تَدْخُلُ على فِعلٍ قَد وقَعَ، وإذا حَلَفتَ عَلى فِعلٍ مَنفِيٍّ لم تُغَيِّر عَنْ حالِه التي كانَ عَلَيها قبلَ أنْ تَحلِفَ، وذلكَ قولُكَ:"واللهِ لا أفعَلُ".

وقَدْ يَجُوز لك - وهُو مِنْ كَلامِ العَرَبِ - أَنْ تَحذِفَ "لا" وأَنتَ تُرِيدُ مَعنَاهَا، وذلك قولُك: "واللهِ أَفعلُ ذلك أَبَدَاً؛ تريد: واللهِ لا أَفعلُ ذلك أَبَدَاً، وقال الشاعر:

فَخَالِفْ فلا واللهِ تَهبِطُ تَلعَةً

من الأرضِ إلَاّ أنتَ للذُّلِّ عَارِفُ

(التلعة من الأضدَاد: يقال لما انحدر من الأرض، ولما ارتفع، وأراد الشاعر، ما انحدر من الأرض) . يريد: لا تَهبطُ تَلعةً (الشرط والقسم) ويقول سيبويه: سَأَلتُ الخليلَ عن قَوْلِهم: "أقسَمتُ عَلَيكَ إلَاّ فَعَلتَ" لم جَازَ هذا في هَذا المَوضِعِ؟ فقال: وَجهُ الكَلامِ، لَتَفعَلَنَّ، هَا هُنا، ولكنهم إنَّما أجَازُوا هَذا لِأَنَّهُم شَبَّهُوهُ: بِنَشَدْتُكَ الله، إذْ كانَ فيه مَعنَى الطَّلَب.

وأجَابَ الخليلُ عن قول: لَتَفعَلَنَّ، إذا جَاءَتْ مُبتَدأةً لَيسَ قَبلَها ما يُحلفُ به، قال: إنَّما جاءَتْ على نِيَّةِ اليَمِين وإنْ لم يتكلَّم بالمَحلُوفِ به.

ص: 494

حروف القسم: أحرُف القسم ثلاثة: الباء، والواو، والتاء (= في أحرفها) وإذا حَذَفتَ من المَحلُوف به حَرفَ القَسَم نَصَبتَه فَتَقُول:"اللهَ لأفعَلَنَّ" أرَدْتَ: أحلِفُ الله لأفعَلَنَّ، وكَذَلِكَ كُلُّ خَافِضٍ في مَوْضِعِ نَصبٍ إذا حَذَفتَهُ وصَلت الفِعلَ، نحو قوله تعالى:"واختَارَ مُوسَى قَوْمَه" أي من قومه، ومثلُه قولُ ذي الرمة:

ألَا رُبَّ من قَلبِي لهُ اللهَ ناصحٌ

ومَنْ قَلبُه لِي في الظِّباء السَّوانِحِ

ومِن العربِ من يَقُول: "آلّلهِ لأفعَلَنَّ" وذَلكَ أنَّه قَدَّرَ وُجودَ حَرفِ القَسَم الجارّ وتقول في "إن": "إنَّ زَيداً لمُنطلِقٌ" وإن شِئتَ قلتَ: "إنَّ زَيداً لمُنطلَقٌ" فَتكتَفِي بـ "إن".

وتَقُول في "لا النَّافية": "واللهِ لا أُجَاوِرُك".

وفي "ما النَّافية": "والله ما أكرَهُكَ" القَسَم على فعلٍ ماضٍ:

إذا أقسمتَ على فِعلٍ ماضٍ أدخلتَ عليه اللامَ، تقول:"والله لرأيتُ أحمدَ يَقرأ الدَّرس} وإذا وصلت اللامَ بـ "قد" فجيِّد بالغٌ، تقول: {واللهِ لقد رأيت عَمراً". وقد تقدم قريباَ معنى هذا.

ص: 495

قَطْ:

(1)

تَأتي بمَعنى "حَسب" تقول: "قَطْ زَيدٍ دِرْهمٌ} و "قطِي" و "قطكَ" كما يقال: "حَسبُ زيد دِرْهَمٌ" و "حسبِي" و "حسبُكَ" إلَاّ أنَّها مَينيَّةٌ لأنَّها مَوضُوعَةٌ على حَرفَين، وحَسب مُعرَبةٌ، وقد تَدخُلُ عَليهِ الفَاءُ تَزيِيناً لِلَفظِ فَيُقال "فَقط" كأنَّهُ جَوَابُ شَرطٍ محذوف.

(2)

وتَأتِي اسمَ فِعل بِمَعنى يَكفِي يُقالُ "قَطنِي" بِزيادَةِ نُونِ الوِقايةِ قبلَ يَاءِ المُتكلِّم، كما يقال: يَكفِيني،

ص: 496

قَطُّ: بِفتح القَافِ وتَشدِيدِ الطَّاءِ مَضمُومةً وتَأتي ظَرْفَ زَمَانٍ لاستِغراقِ الزَّمَنِ المَاضي وتختَصُّ بالنَّفي، يُقالُ:"ما رَأيتُه قَطُّ". وربُّما تُستَعمَل من غَير نَفيٍ كما في الحديث "تَوَضَّأ ثلاثاً قَطَّ"(كما في سنن أبي داود) .

وَمَا يجري عَلى الألسِنَةِ من قولهم: "لا أفعَلُهُ قطُّ" - لَحنٌ لأنها لا تُستَعمَلُ في المستَقبَلِ.

ص: 497

قَعَدَ: تَعمَلُ عَمَلَ كانَ نحو "قعَد زيدٌ يُكرم أَصحابَه" وجُملةُ يُكرم خبر قعد. (= كان وأخواتها "3" تعليق) .

ص: 498

قِعدَكَ اللُّه: بمنزلةِ نَشَدتُكَ الَلّه، يَنتَصِبُ على المَصدرِيَّة بإضمارِ فِعلٍ مَتروكٍ إظهارُه، وهو غَيرُ مُتَصَرِّف. ومَعناه: إنَّ الله مَعَك. ومِثلُها: قَعِيدَكَ، قال مُتَمِّمُ بنُ نُوَيرَه:

قَعِيدَكِ أنْ لا تُسمعِيني مَلَامةً

ولا تُنكِئي قَرحَ الفُؤادِ فَيَيجَعَا

ص: 499

القَلب المَكاني:

ص: 500