المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في تفسير المفردات وذكر آحكامها - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌في تفسير المفردات وذكر آحكامها

الْبَاب الأول

‌فِي تَفْسِير الْمُفْردَات وَذكر آحكامها

وأعني بالمفردات الْحُرُوف وَمَا تضمن مَعْنَاهَا من الْأَسْمَاء والظروف فَإِنَّهَا المحتاجة إِلَى ذَلِك وَقد رتبتها على حُرُوف المعجم ليسهل تنَاولهَا وَرُبمَا ذكرت أَسمَاء غير تِلْكَ وأفعالا لمسيس الْحَاجة إِلَى شرحها

حرف الْألف

الْألف المفردة تَأتي عَليّ وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن تكون حرفا يُنَادى بِهِ الْقَرِيب كَقَوْلِه

3 -

أفاطم مهلا بعض هَذَا التدلل وَنقل ابْن الخباز عَن شَيْخه أَنه للمتوسط وَأَن الَّذِي للقريب يَا وَهَذَا خرق لإجماعهم

وَالثَّانِي أَن تكون للاستفهام وَحَقِيقَته طلب الْفَهم نَحْو أَزِيد قَائِم

ص: 17

وَقد أُجِيز الْوَجْهَانِ فِي قِرَاءَة الحرميين {من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل} وَكَون الْهمزَة فِيهِ للنداء هُوَ قَول الْفراء ويبعده أَنه لَيْسَ فِي التَّنْزِيل نِدَاء بِغَيْر يَا ويقربه سَلَامَته من دَعْوَى الْمجَاز إِذْ لَا يكون الِاسْتِفْهَام مِنْهُ تَعَالَى على حَقِيقَته وَمن دَعْوَى كَثْرَة الْحَذف إِذْ التَّقْدِير عِنْد من جعلهَا للاستفهام أَمن هُوَ قَانِت خير أم هَذَا الْكفَّار أَي الْمُخَاطب بقوله تَعَالَى {قل تمتّع بكفرك قَلِيلا} فَحذف شَيْئَانِ معادل الْهمزَة وَالْخَبَر وَنَظِيره فِي حذف المعادل قَول أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ

4 -

(دَعَاني إِلَيْهَا الْقلب إِنِّي لأَمره

سميع فَمَا أَدْرِي أرشد طلابها)

تَقْدِيره أم غي وَنَظِيره فِي مَجِيء الْخَبَر كلمة خير وَاقعَة قبل أم {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} وَلَك أَن تَقول لَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير معادل فِي الْبَيْت لصِحَّة قَوْلك مَا أَدْرِي هَل طلابها رشد وَامْتِنَاع أَن يُؤْتى ل هَل بمعادل وَكَذَلِكَ لَا حَاجَة فِي الْآيَة إِلَى تَقْدِير معادل لصِحَّة تَقْدِير الْخَبَر بِقَوْلِك كمن لَيْسَ كَذَلِك وَقد قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} إِن التَّقْدِير كمن لَيْسَ كَذَلِك أَو لم

ص: 18

يوحده وَيكون {وَجعلُوا لله شُرَكَاء} مَعْطُوفًا على الْخَبَر على التَّقْدِير الثَّانِي وَقَالُوا التَّقْدِير فِي قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة} أَي كمن ينعم فِي الْجنَّة وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا} أَي كمن هداه الله بِدَلِيل {فَإِن الله يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء} أَو التَّقْدِير ذهبت نَفسك عَلَيْهِم حسرة بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات} وَجَاء فِي التَّنْزِيل مَوضِع صرح فِيهِ بِهَذَا الْخَبَر وَحذف الْمُبْتَدَأ على الْعَكْس مِمَّا نَحن فِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {كمن هُوَ خَالِد فِي النَّار وَسقوا مَاء حميما} أَي أَمن هُوَ خَالِد فِي الْجنَّة يسقى من هَذِه الْأَنْهَار كمن هُوَ خَالِد فِي النَّار وجاءا مُصَرحًا بهما على الأَصْل فِي قَوْله تَعَالَى {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس كمن مثله فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا} {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه كمن زين لَهُ سوء عمله}

وَالْألف أصل أدوات الِاسْتِفْهَام وَلِهَذَا خصت بِأَحْكَام

أَحدهَا جَوَاز حذفهَا سَوَاء تقدّمت على أم كَقَوْل عمر بن أبي ربيعَة

ص: 19

5 -

(بدا لي مِنْهَا معصم حِين جمرت

وكف خضيب زينت ببنان)

(فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَإِن كنت داريا

بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان)

أَرَادَ أبسبع أم لم تتقدمها كَقَوْل الْكُمَيْت

6 -

(طربت وَمَا شوقا إِلَى الْبيض أطرب

وَلَا لعبا مني وَذُو الشيب يلْعَب)

أَرَادَ أَو ذُو الشيب يلْعَب وَاخْتلف فِي قَول عمر بن أبي ربيعَة

7 -

(ثمَّ قَالُوا تحبها قلت بهرا

عدد الرمل والحصى وَالتُّرَاب)

فَقيل أَرَادَ أتحبها وَقيل إِنَّه خبر أَي أَنْت تحبها وَمعنى قلت بهرا قلت أبحها حبا بهرني بهرا أَي غلبني غَلَبَة وَقيل مَعْنَاهُ عجبا

وَقَالَ المتنبي

8 -

(أَحْيَا وأيسر مَا قاسيت مَا قتلا

والبين جَار على ضعْفي وَمَا عدلا)

أَحْيَا فعل مضارع وَالْأَصْل أأحيا فحذفت همزَة الِاسْتِفْهَام وَالْوَاو للْحَال وَالْمعْنَى التَّعَجُّب من حَيَاته يَقُول كَيفَ أَحْيَا وَأَقل شَيْء قاسيته قد قتل غَيْرِي والأخفش يقيس ذَلِك فِي الِاخْتِيَار عِنْد أَمن اللّبْس وَحمل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ} وَقَوله تَعَالَى {هَذَا رَبِّي} فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة

ص: 20

والمحققون على أَنه خبر وَأَن مثل ذَلِك يَقُوله من ينصف خَصمه مَعَ علمه بِأَنَّهُ مُبْطل فيحكي كَلَامه ثمَّ يكر عَلَيْهِ بالإبطال بِالْحجَّةِ وَقَرَأَ ابْن مُحَيْصِن {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام وَإِن زنى وَإِن سرق فَقَالَ وَإِن زنى وَإِن سرق

الثَّانِي أَنَّهَا ترد لطلب التَّصَوُّر نَحْو أَزِيد قَائِم أم عَمْرو ولطلب التَّصْدِيق نَحْو أَزِيد قَائِم وَهل مُخْتَصَّة بِطَلَب التَّصْدِيق نَحْو هَل قَامَ زيد وَبَقِيَّة الأدوات مُخْتَصَّة بِطَلَب التَّصَوُّر نَحْو من جَاءَك وَمَا صنعت وَكم مَالك وَأَيْنَ بَيْتك وَمَتى سفرك

الثَّالِث أَنَّهَا تدخل على الْإِثْبَات كَمَا تقدم وعَلى النَّفْي نَحْو {ألم نشرح لَك صدرك} {أَو لما أَصَابَتْكُم مُصِيبَة} وَقَوله

9 -

(أَلا اصطبار لسلمى أم لَهَا جلد

إِذا أُلَاقِي الَّذِي لاقاه أمثالي)

ذكره بَعضهم وَهُوَ منتقض بِأم فَإِنَّهَا تشاركها فِي ذَلِك تَقول أَقَامَ زيد أم لم يقم

الرَّابِع تَمام التصدير بدليلين أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تذكر بعد أم الَّتِي للاضراب

ص: 21

كَمَا يذكر غَيرهَا لَا تَقول أَقَامَ زيد أم أقعد وَتقول أم هَل قعد وَالثَّانِي أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي جملَة معطوفة بِالْوَاو أَو بِالْفَاءِ أَو بثم قدمت على العاطف تَنْبِيها على أصالتها فِي التصدير نَحْو {أولم ينْظرُوا} {أفلم يَسِيرُوا} {أَثم إِذا مَا وَقع آمنتم بِهِ} وَأَخَوَاتهَا تتأخر عَن حُرُوف الْعَطف كَمَا هُوَ قِيَاس جَمِيع أَجزَاء الْجُمْلَة المعطوفة نَحْو {وَكَيف تكفرون} {فَأَيْنَ تذهبون} {فَأنى تؤفكون} {فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} {فَأَي الْفَرِيقَيْنِ} {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور وَخَالفهُم جمَاعَة أَوَّلهمْ الزَّمَخْشَرِيّ

ص: 22

فزعموا أَن الْهمزَة فِي تِلْكَ الْمَوَاضِع فِي محلهَا الْأَصْلِيّ وَأَن الْعَطف على جملَة مقدرَة بَينهَا وَبَين العاطف فَيَقُولُونَ التَّقْدِير فِي {أفلم يَسِيرُوا} {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا} {أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم} {أفما نَحن بميتين} أمكثوا فَلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض أنهملكم فَنَضْرِب عَنْكُم الذّكر صفحا أتؤمنون بِهِ فِي حَيَاته فَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم أَنَحْنُ مخلدون فَمَا نَحن بميتين ويضعف قَوْلهم مَا فِيهِ من التَّكَلُّف وَأَنه غير مطرد فِي جَمِيع الْمَوَاضِع أما الأول فلدعوى حذف الْجُمْلَة فَإِن قوبل بِتَقْدِيم بعض الْمَعْطُوف فقد يُقَال إِنَّه أسهل مِنْهُ لِأَن المتجوز فِيهِ على قَوْلهم أقل لفظا مَعَ أَن فِي هَذَا التَّجَوُّز تَنْبِيها على أَصَالَة شَيْء فِي شَيْء أَي أَصَالَة الْهمزَة فِي التصدير وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ غير مُمكن فِي نَحْو {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} وَقد جزم الزَّمَخْشَرِيّ فِي مَوَاضِع بِمَا يَقُوله الْجَمَاعَة مِنْهَا قَوْله فِي {أفأمن أهل الْقرى} إِنَّه عطف على {فأخذناهم بَغْتَة} وَقَوله فِي {أئنا لمبعوثون أَو آبَاؤُنَا} فِيمَن قَرَأَ بِفَتْح الْوَاو إِن {آبَاؤُنَا} عطف على الضَّمِير فِي

ص: 23