الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مبعوثون} وَإنَّهُ اكْتفى بِالْ
فَصْلِ
بَينهمَا بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَجوز الْوَجْهَيْنِ فِي مَوضِع فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {أفغير دين الله يَبْغُونَ} دخلت همزَة الْإِنْكَار على الْفَاء العاطفة جملَة على جملَة ثمَّ توسطت الْهمزَة بَينهمَا وَيجوز أَن يعْطف على مَحْذُوف تَقْدِيره أيتولون فَغير دين الله يَبْغُونَ
فصل
قد تخرج الْهمزَة عَن الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ فَترد لثمانية معَان
أَحدهَا التَّسْوِيَة وَرُبمَا توهم أَن المُرَاد بهَا الْهمزَة الْوَاقِعَة بعد كلمة سَوَاء بخصوصها وَلَيْسَ كَذَلِك بل كَمَا تقع بعْدهَا تقع بعد مَا أُبَالِي وَمَا أَدْرِي وليت شعري ونحوهن وَالضَّابِط أَنَّهَا الْهمزَة الدَّاخِلَة على جملَة يَصح حُلُول الْمصدر محلهَا نَحْو {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} وَنَحْو مَا أُبَالِي أَقمت أم قعدت أَلا ترى أَنه يَصح سَوَاء عَلَيْهِم الاسْتِغْفَار وَعَدَمه وَمَا أُبَالِي بقيامك وَعَدَمه
وَالثَّانِي الْإِنْكَار الإبطالي وَهَذِه تَقْتَضِي أَن مَا بعْدهَا غير وَاقع وان مدعيه كَاذِب نَحْو {أفأصفاكم ربكُم بالبنين وَاتخذ من الْمَلَائِكَة إِنَاثًا} فاستفتهم ألربك الْبَنَات وَلَهُم البنون) {أفسحر هَذَا} {أشهدوا خلقهمْ} {أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا}
أفعيينا بالخلق الأول وَمن جِهَة إِفَادَة هَذِه الْهمزَة نفي مَا بعْدهَا لزم ثُبُوته إِن كَانَ منفيا لِأَن نفي النَّفْي إِثْبَات وَمِنْه أَلَيْسَ الله بكاف عَبده أَي الله كَاف عَبده وَلِهَذَا عطف ووضعنا {على} ألم نشرح لَك صدرك لما كَانَ مَعْنَاهُ شرحنا وَمثله ألم يجدك يَتِيما فآوى ووجدك ضَالًّا فهدى {ألم يَجْعَل كيدهم فِي تضليل وَأرْسل عَلَيْهِم طيرا أبابيل} وَلِهَذَا أَيْضا كَانَ قَول جرير فِي عبد الْملك
10 -
(ألستم خير من ركب المطايا
…
وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)
مدحا بل قيل إِنَّه أمدح بَيت قالته الْعَرَب وَلَو كَانَ على الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ لم يكن مدحا الْبَتَّةَ
وَالثَّالِث الْإِنْكَار التوبيخي فَيَقْتَضِي أَن مَا بعْدهَا وَاقع وَأَن فَاعله ملوم نَحْو {أتعبدون مَا تنحتون} {أغير الله تدعون} {أئفكا آلِهَة دون الله تُرِيدُونَ}
{أتأتون الذكران} {أتأخذونه بهتانا} وَقَول العجاج
1 -
(أطربا وَأَنت قنسري
…
والدهر بالإنسان دواري)
أَي أتطرب وَأَنت شيخ كَبِير
وَالرَّابِع التَّقْرِير وَمَعْنَاهُ حملك الْمُخَاطب على الْإِقْرَار وَالِاعْتِرَاف بِأَمْر قد اسْتَقر عِنْده ثُبُوته أَو نَفْيه وَيجب أَن يَليهَا الشَّيْء الَّذِي تقرره بِهِ تَقول فِي التَّقْرِير بِالْفِعْلِ أضربت زيدا وبالفاعل أَأَنْت ضربت زيدا وبالمفعول أزيدا ضربت كَمَا يجب ذَلِك فِي المستفهم عَنهُ وَقَوله تَعَالَى {أَأَنْت فعلت هَذَا} مُحْتَمل لإِرَادَة الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ بِأَن يَكُونُوا لم يعلمُوا أَنه الْفَاعِل ولإرادة التَّقْرِير بِأَن يَكُونُوا قد علمُوا وَلَا يكون استفهاما عَن الْفِعْل وَلَا تقريرا بِهِ لِأَن الْهمزَة لم تدخل عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قد أجابهم بالفاعل بقوله {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا}
فَإِن قلت مَا وَجه حمل الزَّمَخْشَرِيّ الْهمزَة فِي قَوْله تَعَالَى {ألم تعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} على التَّقْرِير
قلت قد اعتذر عَنهُ بِأَن مُرَاده التَّقْرِير بِمَا بعد النَّفْي لَا التَّقْرِير بِالنَّفْيِ
وَالْأولَى أَن تحمل الْآيَة على الْإِنْكَار التوبيخي أَو الإبطالي أم أَي تعلم أَيهَا الْمُنكر للنسخ
وَالْخَامِس التهكم نَحْو {أصلاتك تأمرك أَن نَتْرُك مَا يعبد آبَاؤُنَا}
وَالسَّادِس الْأَمر نَحْو {أأسلمتم} أَي أَسْلمُوا
وَالسَّابِع التَّعَجُّب نَحْو {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل}
وَالثَّامِن الاستبطاء نَحْو {ألم يَأن للَّذين آمنُوا}
وَذكر بَعضهم مَعَاني أخر لَا صِحَة لَهَا
تَنْبِيه [قد تقع الْهمزَة فعلا وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ وأى بِمَعْنى وعد ومضارعه يئي بِحَذْف الْوَاو لوقوعها بَين يَاء مَفْتُوحَة وكسرة كَمَا تَقول وَفِي يَفِي وونى يني وَالْأَمر مِنْهُ إه بِحَذْف اللَّام لِلْأَمْرِ وبالهاء للسكت فِي الْوَقْف] وعَلى ذَلِك يتَخَرَّج اللغز الْمَشْهُور وَهُوَ قَوْله
1 -
(إِن هِنْد المليحة الْحَسْنَاء
…
وَأي من أضمرت لخل وَفَاء) فَإِنَّهُ يُقَال كَيفَ رفع اسْم إِن وَصفته الأولى وَالْجَوَاب أَن الْهمزَة فعل أَمر وَالنُّون للتوكيد وَالْأَصْل إين بِهَمْزَة مَكْسُورَة وياء سَاكِنة للمخاطبة وَنون مُشَدّدَة
للتوكيد ثمَّ حذفت الْيَاء لالتقائها سَاكِنة مَعَ النُّون المدغمة كَمَا فِي قَوْله
13 -
(لتقرعن عَليّ السن من نَدم
…
إِذا تذكرت يَوْمًا بعض أخلاقي)
وَهِنْد منادى مثل {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} والمليحة نعت لَهَا على اللَّفْظ كَقَوْلِه
14 -
(يَا حكم الْوَارِث عَن عبد الْملك
…
)
والحسناء إِمَّا نعت لَهَا على الْموضع كَقَوْل مادح عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
15 -
(يعود الْفضل مِنْك على قُرَيْش
…
وتفرج عَنْهُم الكرب الشدادا)
(فَمَا كَعْب بن مامة وَابْن سعدى
…
بأجود مِنْك يَا عمر الجوادا)
وَإِمَّا بِتَقْدِير أمدح وَإِمَّا نعت لمفعول بِهِ مَحْذُوف أَي عدي يَا هِنْد الْخلَّة الْحَسْنَاء وعَلى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين فَيكون إِنَّمَا أمرهَا بإيقاع الْوَعْد الوفي من غير أَن يعين لَهَا الْمَوْعُود وَقَوله وَأي مصدر نَوْعي مَنْصُوب بِفعل الْأَمر وَالْأَصْل وأيا مثل وَأي من وَمثله {فأخذناهم أَخذ عَزِيز مقتدر} وَقَوله أضمرت بتاء التَّأْنِيث مَحْمُول على معنى من مثل من كَانَت أمك
[آبالمد حرف لنداء الْبعيد] وَهُوَ مسموع لم يذكرهُ سِيبَوَيْهٍ وَذكره غَيره [أيا حرف كَذَلِك وَفِي الصِّحَاح أَنه حرف لنداء الْقَرِيب والبعيد] وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ الشَّاعِر
16 -
(أيا جبلي نعْمَان بِاللَّه خليا
…
نسيم الصِّبَا يخلص إِلَيّ نسيمها)
وَقد تبدل همزتها هَاء كَقَوْلِه
17 -
(فأصاخ يَرْجُو أَن يكون حَيا
…
وَيَقُول من فَرح هيا رَبًّا) [أجل بِسُكُون اللَّام حرف جَوَاب مثل نعم فَيكون تَصْدِيقًا للمخبر وإعلاما للمستخبر] ووعدا للطَّالِب فَتَقَع بعد نَحْو قَامَ زيد وَنَحْو أَقَامَ زيد وَنَحْو أضْرب زيدا وَقيد المالقي الْخَبَر بالمثبت والطلب بِغَيْر النَّهْي وَقيل لَا تَجِيء بعد الِاسْتِفْهَام وَعَن الْأَخْفَش هِيَ بعد الْخَبَر أحسن من نعم وَنعم بعد الِاسْتِفْهَام أحسن مِنْهَا وَقيل تخْتَص بالْخبر وَهُوَ قَول الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن مَالك وَجَمَاعَة وَقَالَ ابْن خروف أَكثر مَا تكون بعده
إِذن
فِيهَا مسَائِل
الأولى فِي نوعها قَالَ الْجُمْهُور هِيَ حرف وَقيل اسْم وَالْأَصْل فِي إِذن أكرمك إِذا جئتني أكرمك ثمَّ حذفت الْجُمْلَة وَعوض التَّنْوِين عَنْهَا وأضمرت أَن وعَلى القَوْل الأول فَالصَّحِيح أَنَّهَا بسيطة لَا مركبة من إِذْ وَأَن وعَلى البساطة فَالصَّحِيح أَنَّهَا الناصبة لَا أَن مضمرة بعْدهَا
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي مَعْنَاهَا قَالَ سيبوية مَعْنَاهَا الْجَواب وَالْجَزَاء فَقَالَ الشلوبين فِي كل مَوضِع وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْأَكْثَر وَقد تتمحض للجواب بِدَلِيل أَنه يُقَال لَك أحبك فَتَقول إِذن أَظُنك صَادِقا إِذْ لَا مجازاة هُنَا ضَرُورَة اه
وَالْأَكْثَر أَن تكون جَوَابا لإن أَو لَو ظاهرتين أَو مقدرتين فَالْأول كَقَوْلِه
18 -
(لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا
…
وأمكنني مِنْهَا إِذن لَا أقيلها)
وَقَول الحماسي
19 -
(لَو كنت من مَازِن لم تستبح إبلي
…
بَنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا)
(إِذن لقام بنصري معشر خشن
…
عِنْد الحفيظة إِن ذُو لوثة لانا)
فَقَوله إِذن لقام بنصري بدل من لم تستبح وَبدل الْجَواب جَوَاب وَالثَّانِي نَحْو أَن يُقَال آتِيك فَتَقول إِذن أكرمك أَي إِن أتيتني إِذن أكرمك وَقَالَ الله تَعَالَى {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} قَالَ الْفراء حَيْثُ جَاءَت بعْدهَا اللَّام فقبلها لَو مقدرَة إِن لم تكن ظَاهِرَة
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي لَفظهَا عِنْد الْوَقْف عَلَيْهَا وَالصَّحِيح أَن نونها تبدل ألفا تَشْبِيها لَهَا بتنوين الْمَنْصُوب وَقيل يُوقف بالنُّون لِأَنَّهَا كنون لن وَإِن رُوِيَ عَن الْمَازِني والمبرد وَيَنْبَنِي على الْخلاف فِي الْوَقْف عَلَيْهَا خلاف فِي كتَابَتهَا فالجمهور يكتبونها بِالْألف وَكَذَا رسمت فِي الْمَصَاحِف والمازني والمبرد بالنُّون وَعَن الْفراء إِن عملت كتبت بِالْألف وَإِلَّا كتبت بالنُّون للْفرق بَينهَا وَبَين إِذا وَتَبعهُ ابْن خروف
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي عَملهَا وَهُوَ نصب الْمُضَارع بِشَرْط تصديرها واستقباله واتصالهما أَو انفصالها بالقسم أَو بِلَا النافية يُقَال آتِيك فَتَقول إِذن أكرمك وَلَو قلت أَنا إِذن قلت أكرمك بِالرَّفْع لفَوَات التصدير فَأَما قَوْله
20 -
(لَا تتركني فيهم شطيرا
…
إِنِّي إِذن أهلك أَو أطيرا)
فمؤول على حذف خبر إِن أَي إِنِّي لَا أقدر على ذَلِك ثمَّ اسْتَأْنف مَا بعده وَلَو قلت إِذن يَا عبد الله قلت أكرمك بِالرَّفْع للفصل بِغَيْر مَا ذكرنَا
وَأَجَازَ ابْن عُصْفُور الْفَصْل بالظرف وَابْن بابشاذ الْفَصْل بالنداء وبالدعاء وَالْكسَائِيّ وَهِشَام الْفَصْل بمعمول الْفِعْل والأرجح حِينَئِذٍ عِنْد الْكسَائي النصب وَعند هِشَام الرّفْع وَلَو قيل لَك أحبك فَقلت إِذن أَظُنك صَادِقا رفعت لِأَنَّهُ حَال
تَنْبِيه
قَالَ جمَاعَة من النَّحْوِيين إِذا وَقعت إِذن بعد الْوَاو أَو الْفَاء جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ نَحْو {وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك إِلَّا قَلِيلا} {فَإِذا لَا يُؤْتونَ النَّاس نقيرا} وَقُرِئَ شاذا بِالنّصب فيهمَا وَالتَّحْقِيق أَنه إِذا قيل إِن تزرني أزرك وَإِذن أحسن إِلَيْك فَإِن قدرت الْعَطف على الْجَواب جزمت وَبَطل عمل إِذن لوقوعها حَشْوًا أَو على الجملتين جَمِيعًا جَازَ الرّفْع وَالنّصب لتقدم العاطف وَقيل يتَعَيَّن النصب لِأَن مَا بعْدهَا مُسْتَأْنف أَو لِأَن الْمَعْطُوف على الأول أول
وَمثل ذَلِك زيد يقوم وَإِذن أحسن إِلَيْهِ إِن عطفت على الفعلية رفعت أَو على الاسمية فالمذهبان