المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مناهج الإسلاميين في مقاومة التغريب - مقالات موقع الدرر السنية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌حكم الضرب بالدف والطبل وسماعهما

- ‌الشاب المسلم بين السلبية والإيجابية

- ‌ضوابط في زينة المرأة

- ‌مسألة الأخذ من اللحية وتقصيرها

- ‌القراءة الحَدَاثِيَّة للسنة النبوية "عرضٌ ونقد

- ‌وهم المثاقفة

- ‌مشروع التجديد الثقافي .. لماذا

- ‌الصناعة المالية الإسلامية والربح الأخلاقي

- ‌ظاهرة الأغنية الدينية

- ‌أوهام القاعدين عن دعوة المسلمين

- ‌مناقشات حول عمل المرأة والتوسّع فيه

- ‌الأزمة الإقتصادية العالمية…أسباب وحلول

- ‌استخدام التاريخ الميلادي

- ‌الأسماء المركبة: أنواعها وإعرابها .. دراسة نحوية

- ‌هل تعود السينما من جديد

- ‌مفهوم الشرعية الدولية وموقف الإسلام منه

- ‌القراءة التي تصنع التخلف

- ‌الو حدة الإسلامية ضرورة دينية ودنيوية

- ‌علماء الأمة الإسلامية والدور المنتظر منهم

- ‌الوحدة بين الأسس الدينية والمنطلقات السياسية

- ‌واقع الأمة…بشائر ومخاطر

- ‌نقاش علمي مع الشيخ ابن منيع في مسألة الأهلة

- ‌قاعدة في الأعياد

- ‌ما كان لله بقى .. الإخلاص في التأليف

- ‌وجهة نظر مختلفة حول موقف (أردوغان)

- ‌الانتصار لمنهج أهل السنة والجماعة

- ‌جريمة حصار غزة في الفقه الإسلامي

- ‌التغيرات والتداخلات في الاتجاه السلفي

- ‌اتباع الهوى

- ‌المفاهيم العقدية في أحداث غزة

- ‌مذبحة غزة وحوار الأديان

- ‌دماء غزة تغذي شريان الأمة

- ‌يا أصحاب الحجة والبيان…لا تخطئوا العنوان

- ‌أحكام شهر الله المحرم

- ‌قنوت النوازل

- ‌من يحمي حقوق العلماء

- ‌نقض دعاوى من استدل بيُسر الشريعة على التيسير في الفتاوى

- ‌الليبراليون السعوديون: الأقلية الناطقة

- ‌من أسباب الانحراف الفكري قلة الفقه في دين الله

- ‌كيف تكون قارئاً عظيما للكتب

- ‌بحث في حكم إسبال الثياب

- ‌التهنئة بالعام الهجري الجديد

- ‌الاشتغال بالتوافه

- ‌المثقفون العرب .. المزورون العرب

- ‌الحوار بين الأديان (حقيقته وأنواعه)

- ‌الأعياد المحدثة

- ‌مناهج الإسلاميين في مقاومة التغريب

- ‌سمات المرجئة والخوارج وأهل الغلو

- ‌مآخذ على ما يفعله بعض الأئمة في دعاء القنوت

- ‌طلابُ العلمِ والدعاةُ في رمضان

- ‌مآلات الخطاب المدني

- ‌(ملخص) مآلات الخطاب المدني

- ‌اللبراليون الجدد .. عمالة تحت الطلب

- ‌موقف العلامة محمد بن عثيمين من التصوير

- ‌خرافة السر (قراءة تحليلية لكتاب "السر" و"قانون الجذب

- ‌رُؤْيَةٌ شَرْعِيَّةٌ في الجِدَالِ والحِوارِ مع أهْلِ الكِتَاب ِ

- ‌التدين الجديد وأثره في تمرير ثقافة التغريب في مجتمعاتنا

- ‌خدعة التحليل السياسي

- ‌معالم ومنارات في تنزيل أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والحوادث

- ‌مسألة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌الداعية القدوة والسفر للسياحة

- ‌جريمة بناء الكنائس في الجزيرة العربية

- ‌من مقالات المشرف

- ‌لا لاعتذار البابا

- ‌الفتن إذا أقبلت لا يعرفها إلا القليل وإذا أدبرت عرفها الجميع

- ‌سنة الله فيمن لا يقدر المسلمون على الانتقام منه كمن سب الرسول أو آذاه

- ‌فتاوى واستشارات

- ‌حكم الدعاء بقولهم: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه)

- ‌ما الحكم لو صادف العيد يوم الجمعة

- ‌حكم أداء فريضة الحج مع الخشية من الإصابة بأنفلونزا الخنازير

- ‌حكم رقص النساء في الأفراح وغيرها من المناسبات

- ‌حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم الاستشهاد بهذين البيتين

- ‌حكم شراء وإهداء ما يسمى البطاقة العائلية للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌هل ينتهي القنوت بانتهاء النازلة

- ‌حكم الجهاد في فلسطين

- ‌حكم تقصير المرأة شعرها

- ‌حكم لبس شماغ البنات

- ‌حكم تشقير الحواجب

- ‌هل الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة

- ‌حكمُ السَّعْيِ في المسْعى الجديد

- ‌من هم أهل الحديث

- ‌كتاب الشهر [تعريف وتقييم]

- ‌كتاب أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة

- ‌إحياء علوم الدين

- ‌مشاهد من المقاصد

- ‌كتاب "الدين والسياسة تمييز لا فصل

- ‌أدلة إثبات أن جدة ميقات

- ‌كتاب فقه العصر

- ‌الأهلة نظرة شمولية ودراسات فلكية

- ‌كتاب المتشددون منهجهم ومناقشة أهم قضاياهم

- ‌الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة - عرض وتحليل

- ‌تصحيح المفاهيم العقدية في الصفات الإلهية

- ‌كتاب: المهدي المنتظر في روايات أهل السنة والشيعة الإمامية دراسة حديثية نقدية

- ‌في الطريق إلى الألفة الإسلامية

- ‌تحرير المرأة في عصر الرسالة

- ‌مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتوى المعاصرة

- ‌كتاب: المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك

- ‌كتاب: افعل ولا حرج

- ‌القول التمام بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام

- ‌كتاب (أهل السنة الأشاعرة: شهادة علماء الأمة وأدلتهم)

- ‌كتاب الأسبوع [تعريف وتقييم]

- ‌خزانة الكتب لعامي 1431هـ - 1432ه

- ‌العقيدة الواسطية

- ‌معالم ومنارات في تنزيل نصوص الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والحوادث

- ‌صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة

- ‌الفكر الليبرالي تحت المجهر الشرعي

- ‌التربية الجماعية في الإسلام

- ‌فقه الفتن - دراسة في ضوء نصوص الوحي والمعطيات التأريخية لسلف الأمة

- ‌الإسلام الذي يريده الغرب - قراءة في وثيقة أمريكية

- ‌الأحكام الشرعية للنوازل السياسية

- ‌نوازل العقار- دراسة فقهية تأصيلية لأهم قضايا العقار المعاصرة

- ‌التمايز العادل بين الرجل والمرأة في الإسلام

- ‌جلاء الظلمة في التحذير من سيادة الشعب والأمة

- ‌نظرية السيادة وأثرها على شرعية الأنظمة الوضعية

- ‌موقف الاتجاه العقلي الإسلامي المعاصر من قضايا الولاء والبراء

- ‌ مجلة التأصيل للدراسات الفكرية المعاصرة

- ‌ اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية

- ‌أحكام الطواف بالبيت الحرام

- ‌مشكل لباس الإحرام

- ‌المبالغة في التيسير الفقهي

- ‌المرأة والحقوق السياسية في الإسلام

- ‌ولاية المرأة في الفقه الإسلامي

- ‌الحقيقة المفقودة

- ‌كفاية النبيه شرح التنبيه في فقه الإمام الشافعي

- ‌شبهات المبتدعة في توحيد العبادة

- ‌التشيع في البحرين - تاريخه - اهدافه

- ‌المناسبات الموسمية بين الفضائل والبدع والأحكام

- ‌التحفة في أحكام العمرة والمسجد الحرام

- ‌من فقه رمضان والصيام - آداب وأحكام

- ‌مسائل صلاة الليل

- ‌تعظيم قدر الصلاة

- ‌تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية الجامع لكلام الإمام ابن تيمية في التفسير

- ‌شرح العقيدة الطحاوية

- ‌سنن الله في الأمم من خلال آيات القرآن الكريم

- ‌إتحاف القاري بالرد على مبيح الموسيقى والأغاني - رد علمي مؤصل على الجديع

- ‌الاستثمار وضوابطه في الفقه الإسلامي

- ‌قراءة في الاستراتيجية الغربية لحرب الإسلام بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م

- ‌نقد التسامح الليبرالي

- ‌الاستثمار وضوابطه في الفقه الإسلامي

- ‌التجارة الإلكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي

- ‌اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي

- ‌ملاحم آخر الزمان عند المسلمين وأهل الكتاب وآثارها الفكرية

- ‌كل بدعة ضلالة - قراءة ناقدة وهادئة لكتاب مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة

- ‌حركة التشيع في الخليج العربي - دراسة تحليلية نقدية

- ‌آفاق الاستثمار في الجهات الخيرية

- ‌البحرين بركان على جزيرة

- ‌تحرير المرأة عند العصرانيين - كتاب (تحرير المرأة في عصر الرسالة) أنموذجاً

- ‌خزانة الكتب لعامي 1430 - 1431ه

- ‌ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر

- ‌تدوين علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة

- ‌التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي

- ‌المراكز الإسلامية في أمريكا الشمالية نشأتها - أنشطتها والأحكام الفقهية المتعلقة بها

- ‌ابن عربي عقيدته وموقف علماء المسلمين منه

- ‌أحكام الكتب في الفقه الإسلامي

- ‌دراسة وتحقيق قاعدة الأصل في العبادات المنع

- ‌أحكام الدف في الفقه الإسلامي - دراسة فقهية مقارنة

- ‌الضوابط الشرعية لوقف العمل بنصوص القرآن والسنة

- ‌السرقة الإلكترونية

- ‌نظرية الوسائل في الشريعة الإسلامية

- ‌مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية

- ‌قراءة في خطاب النهضة إشكالات وتساؤلات

- ‌الجامع لأحكام الحج والعمرة

- ‌الموسوعة الميسرة لقاصد مكة المكرمة

- ‌النوازل في الحج

- ‌تفسير القرآن العظيم

- ‌حركة التغريب في السعودية .. تغريب المرأة أنموذجًا

- ‌الفتيا المعاصرة دراسة تأصيلية تطبيقية في ضوء السياسة الشرعية

- ‌حكم تقنين الشريعة الإسلامية

- ‌منهج أهل السنة والجماعة في تدوين علم العقيدة (إلى نهاية القرن الثالث الهجري)

- ‌آراء أبي الحسن السبكي الاعتقادية - عرض ونقد في ضوء عقيدة السلف الصالح

- ‌بدعة إعادة فهم النص

- ‌الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي

- ‌منهج الشيخ ابن باز في الفقه والفتوى

- ‌الغلو في التكفير بين أهل السنة والجماعة وغلاة الشيعة الاثني عشرية

- ‌مكانة الكتب وأحكامها في الفقه الإسلامي

- ‌اليسوعية والفاتيكان والنظام العالمي الجديد

- ‌المصالحات والعهود في السياسة الشرعية

- ‌ولاية الفقيه وتطورها

- ‌شرح مختصر الطحاوي

- ‌الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف

- ‌الدرر البازية في الرد على الانحرافات العقدية والشرعية

- ‌نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار

- ‌قوادح الاستدلال بالإجماع

- ‌الصهيونية النصرانية دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية

- ‌مناهج الفكر العربي المعاصر في دراسة قضايا العقيدة والتراث

- ‌الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها

- ‌تكوين المفكر - خطوات عملية

- ‌أثر التحول المصرفي في العقود الربوية

- ‌إضاءات في طريق العلم

- ‌خزانة الكتب

- ‌الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز

- ‌الاختلاط تحرير وتقرير وتعقيب

- ‌اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية وآراؤه في قضايا معاصرة

- ‌معيار البدعة - ضوابط البدعة على طريقة القواعد الفقهية

- ‌الاختلاط بين الجنسين

- ‌حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها

- ‌شبهات عصرانية مع أجوبتها

- ‌الحوثية في اليمن في ظل الأطماع المذهبية والتحولات الدولية

- ‌العلامة المحدث المباركفوري ومنهجه في كتابه تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي

- ‌مصادر التلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد

- ‌نقد الليبرالية

- ‌دراسات في أهل البيت النبوي

- ‌شعاع الذكرى في أسماء الله وصفاته الحسنى وأثرها في حياة العبد

- ‌الشجرة الزكية في أنساب بني هاشم

- ‌العمولات المصرفية حقيقتها وأحكامها الفقهية

- ‌إفادة الأنام بذكر أخبار بلد الله الحرام مع تعليقه المسمى بإتمام الكلام

- ‌الكلام على حديث ابن عمر في فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المسائل المستجدة في نوازل الزكاة المعاصرة

- ‌أحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني دراسة فقهية تأصيلية موازنة

- ‌الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن (عرض ودراسة)

- ‌تجديد الدين (مفهومه وضوابطه وآثاره)

- ‌التنوع المشروع في صفة الصلاة

- ‌الآراء الشاذة في أصول الفقه، دراسة استقرائية نقدية

- ‌تصحيح أحاديث المستدرك بين الحاكم النيسابوري والحافظ الذهبي

- ‌الصوفية في حضرموت نشأتها أصولها آثارها (عرض ونقد)

- ‌دليل الأفكار للمؤسسات التطوعية - مراكز الأحياء أنموذجا

- ‌التعامل مع غير المسلمين أصول معاملتهم واستعمالهم دراسة فقهية

- ‌الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة النجدية وموقفهم من آل البيت عليهم السلام

- ‌الرواة المختلف في صحبتهم ممن لهم رواية في الكتب الستة

- ‌المدخل إلى علم المختصرات- المختصرات الفقهية نموذجا

- ‌الفتوى المعاصرة ما لها وما عليها

- ‌صوت المرأة - بحث فقهي

- ‌الأحاديث الواردة في شأن السبطين الحسن والحسين

- ‌ثم أبصرت الحقيقة - دراسة موضوعية لأبرز نقاط الخلاف السني الشيعي

- ‌قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية - دراسة نقدية في ضوء الإسلام

- ‌أحكام المجاهرين بالكبائر

- ‌الموسوعة الشعرية للكاتب والأديب والواعظ

- ‌موقف ابن تيمية من الصوفية

- ‌القمار حقيقته وأحكامه

- ‌فلسطين - دراسات منهجية في القضية الفلسطينية

- ‌الغيرة على المرأة

- ‌فقه المتغيرات في علائق الدولة الإسلامية بغير المسلمين

- ‌موقف الصحابة من الفرقة والتفرق

- ‌المقاطعة الاقتصادية تأصيلها الشرعي واقعها والمأمول لها

- ‌تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب عملية ومراحل منهجية

- ‌الأحكام الفقهية المتعلقة بالداخل في الإسلام جمعاً وتوثيقاً ودراسة

- ‌عدالة الصحابة رضي الله عنهم عند المسلمين

- ‌وقت الرمي أيام التشريق

- ‌كيف نفهم التيسير? وقفات مع كتاب (افعل ولا حرج)

- ‌منهج التيسير المعاصر دراسة تحليلية

- ‌رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز

- ‌التوضيح لشرح الجامع الصحيح

- ‌نوازل الزكاة دراسة فقهية تأصيلية لمستجدات الزكاة

- ‌أحكام فن التمثيل في الفقه الإسلامي

- ‌الدعاء وأحكامه الفقهية

- ‌التميز التربوي والإيماني في البلد الأمين مكة

- ‌أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها

- ‌الدعاء في خطبة الجمعة حكمه وصوره

- ‌التعامل المشروع للمرأة مع الرجل الأجنبي في ضوء السنة

- ‌الاتجاهات المعاصرة في دراسة السنة النبوية في مصر وبلاد الشام

الفصل: ‌مناهج الإسلاميين في مقاومة التغريب

‌مناهج الإسلاميين في مقاومة التغريب

إبراهيم السكران

أصبح هناك اليوم منهجان واضحان لصيانة الهوية ومقاومة تهديدات التغريب، وإذا شئنا أن نتجاوز المفاهيم الثقافية إلى جوهر الإشكالية في عبارة بسيطة، فإن الفتنة التي تعرض للشباب المسلم اليوم هي "استعظام دنيا الكفار"، والمراد أن هذه الفتنة المعاصرة خلقت منهجين لمقاومتهما، كلاهما يحاولان الإجابة على إشكالية "مقاومة تهديدات التغريب" وهذان المنهجان:

أولهما: منهج "تعظيم الدنيا" ويستهدف هذا المنهج إعادة عرض الوحي في صورة المعظِّم لشأن عمران الدنيا، وإعادة عرض التراث باعتباره ينشد الحضارة والمدنية الدنيوية، وهدف هذا المنهج من إعادة رسم المشهد بهذه الطريقة "تلافي الاصطدام بين سطوة الحضارة والدين" حتى لا يتخلى الناس عن عقيدتهم وإيمانهم وتراثهم إذا رأوها لا تدفع باتجاه الحضارة الدنيوية، وهذا المنهج أخذ به بعض المنتسبين للُّغة الدعوية الحديثة، ولا يشك الإنسان أن كثيراً منهم أخذ بهذا المنهج بحسن قصد بهدف تقريب الإسلام للناس وخصوصاً للطبقات المثقفة بالثقافة الغربية المعاصرة، حيث يردد كثيراً أصحاب هذا الاتجاه (إن آخر ما يمكن أن نقاوم به التغريب هو التزهيد في الدنيا).

وثانيهما: منهج "تعظيم العبودية" ويستهدف هذا المنهج تربية الناس -والشباب خصوصاً- على ما تواتر عليه القرآن والسنة وفقه القرون المفضلة من "تعليق القلوب بالآخرة"، والاستعلاء على حطام الدنيا وزهرتها، واعتبارها مجرد وسيلة نحرص عليها لننصر مبدأنا لا لكونها عظيمة في ذاتها، وترسيخ هذا المعنى في النفوس.

فإذا امتلأ قلب الشاب المسلم بمعاني "تعظيم الآخرة ووسيلية الدنيا" أصبحت القرون المفضلة في وعيه أرقى المجتمعات وأشرفها بما بلغته من تنوير العلوم الإلهية ومنازل العبودية ثم الاجتهاد في تحصيل وسائلها الدنيوية مع عدم الركون إليها، وأصبح المجتمع الغربي في نظره حالة من الانحطاط والظلامية بسبب ما سُلِبه من تنوير العلوم الإلهية والإعراض عن الله، والاستغراق في تدبير المعاش الحاضر وعلم ظاهر الحياة والدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون، وهذا المنهج أخذ به جماهير الإسلاميين اليوم ولله الحمد.

والواقع أنه عند التأمل والتدبر يكتشف الإنسان -بكل بداهة- أن المنهج الثاني هو المنهج الذي أخذ به النبي صلى الله عليه وسلم، وربّى أصحابه عليه.

فإن أصحاب النبي رضوان الله عليهم لم يستطيعوا أن يدكوا حضارة فارس والروم إلا حين زكى النبي صلى الله عليه وسلم نفوسهم وربى فيهم تعظيم الآخرة ووسيلية الدنيا، والشموخ بالعلوم الإلهية، فرباهم على ذلك بكل حدث يمرون به، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغل الأحداث والوقائع لترسيخ معنى إرادة الله والدار الآخرة في نفوس أصحابه والاستعلاء على مظاهر الدنيا واعتبارها مجرد وسيلة لبناء المستقبل الأخروي.

والشواهد والمستندات التي تؤكد أن هذا المنهج هو "المنهج النبوي" في مقاومة تهديدات الهوية كثيرة جداً، بل أكثرها يعرفها القارئ الكريم، ومنها على سبيل المثال أنه حين مر النبي صلى الله عليه وسلم بالجدي الأسك استغل الحادثة وربى في أصحابه حقارة الدنيا بالنسبة للآخرة، فكما روى مسلم من حديث جابر:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلا من بعض العالية، والناس كنفته، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به. قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت؟! فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم).

ص: 236

وحين أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية، أعاد ذات الدرس عليهم، فكما روى البخاري عن البراء بن عازب قال:(أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرقة من حرير، فجعل الناس يتداولونها بينهم ويعجبون من حسنها ولينها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون منها؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: والذي نفسي بيده لمناديل سعد في الجنة خير منها).

وحين تضايق عمر من بذاذة بيت رسول الله بالنسبة إلى قصور الحضارات الأخرى، رباه النبي صلى الله عليه وسلم بحزم على هذا المعنى، حيث روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب أنه قال:(رفعت رأسي في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أُهباً ثلاثة، فلما رأيت أثر الحصير في جنبه قلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى النبي جالسا ثم قال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا»).

هذا الحوار العظيم بين النبي وعمر من أدق المشاهد التي تحكم بين المنهجين السابقين وتفصل فيهما، فحين عبَّر عمر عن تألمه وهو يقارن "المظاهر الدنيوية" في الحضارة الفارسية والرومية بمحدودية المجتمع الإسلامي، لم يعبر له صلى الله عليه وسلم عن "تعظيم الدنيا" ليداري سطوة الحضارة عليه، فلم يقل له النبي إن لدينا نصوصاً كثيرة في فضل عمران الدنيا ونحن نسعى لبنائها أيضاً.

بل بالعكس من ذلك تماماً، فقد حذره من أن يغتر بتلك المظاهر المدنية الدنيوية، وأعاد تذكيره بقطب رحى الإسلام "مركزية الآخرة"، وخاطبه بعبارة شديدة فيها استعظام لموقف عمر، فقال له:(أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا)

وفي رواية أخرى في الصحيحين أن النبي قال له: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟).

هذه هي التربية النبوية، وهذا هو منهج النبوة في مقاومة سطوة الحضارات الأخرى، أما إذا أكدنا للمتسائل عظمة الدنيا فقد أججنا دوافع الانبهار أصلاً، وصببنا الزيت على النار، ذلك أن استعظام دنيا الكفار لا يعالج بـ"تعظيم الدنيا"، لأنه وبكل بساطة لا يعالج الأثر السلبي بتكريس دوافعه! فهل عالج القرآن الركون بتأكيد احترام الإسلام للدعة؟ وهل عالج القرآن التثاقل إلى الأرض عن الجهاد بتأكيد احترام الإسلام لجبلَّة كراهية القتال؟ وتأمل في كل الآثار السلبية لا تجد القرآن يعالجها بتأكيد دوافعها، وهذا أمر ظاهر.

وإنما يحسن بيان "أهمية الدنيا" في حالتين فقط:

إما أن يوجد مثقف يظن أن الإسلام يدعو للرهبنة وتحريم الطيبات والرفاه، فهذا يبين له أن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين من أكل الطيبات، وأن الله لم يحرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وأنه من أَخذ المال بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع، وأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، ونحو ذلك.

وأما الحالة الثانية: فهي أن يوجد شاب متحمس يظن أن العمل للإسلام لا يستحق تحصيل الأسباب والسعي فيها وأنه ليس ثمة سنن كونية للنجاح الإصلاحي، فهذا يبين له أمر الله بإعداد القوة واتخاذ الأسباب، وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن النبي ظاهر بين درعين، وقال (ألا إن القوة الرمي)، وأن قوم شعيب قالوا:{ولولا رهطك لرجمناك} ، ونحو ذلك.

ص: 237

فمثل هذين الحالين -وإن كانا ليسا شائعين بحمد الله- يحسن فيهما بيان أهمية الدنيا لا يخالف في ذلك أحد من فقهاء الإسلام، أما تحويل الخطاب الديني كله إلى شحن قلوب الناس والشباب المسلم بتعظيم الدنيا والمغالاة في قيمة المدنية المادية وإقرار كونها المعيار في تقييم المجتمعات والشخصيات فهذا انحراف مصادم للمنهج القرآني والتزكية النبوية وهدي القرون المفضلة.

ومما يؤكد ما سبق أنه حين جاءت الجزية من البحرين صلى بعض الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم متعرضين له، علّه أن يصيبهم من المال، فأعاد النبي درس الدنيا/الآخرة فكما روى البخاري في الصحيح عن عمرو بن عوف الأنصاري:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم وقال: أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء؟ قالوا أجل يا رسول الله. قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم).

وهذا المعنى وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخشى الفقر على أمته، بل كان يخشى عليهم المنافسة في شؤون الدنيا، أعاده عليهم بحروفه، وذلك حين صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين، كما روى البخاري في الصحيح عن عقبة بن عامر قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها. قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بل كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقارن بين قيمة الدنيا وقيمة الآخرة، فكما قارن بين مناديل سعد في الجنة والدنيا، فإنه قال كما روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد يعني سوطه، خير من الدنيا وما فيها).

وقد كان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على أن الرفاه التام إنما هو في الآخرة، وأن الكفار هم الذين يتتبعون ألوان الرفاه في الدنيا كما نبههم على ذلك حين حرَّم الحرير وآنية الذهب فقال لهم:(لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة) خرجاه من حديث حذيفة.

بل تأمل في صورة الدنيا كلها كيف ضرب لها النبي صلى عليه وسلم مثلاً فريداً فقال كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر).

وضرب لها مثلاً آخر فقال صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء).

ص: 238

ومن وجه آخر لم يكتف الخطاب القرآني ببيان وسيلية الدنيا وخطر تعظيمها فقط، بل كانت آيات القرآن تتنزَّل على مجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوالية في وقائع متتابعة تؤكد مرة بعد أخرى على تعميق الشعور بفرادة المجتمع المسلم وعلوهم على كل قوى المجتمعات الدنيوية الكافرة، انظر كيف تزكيهم آيات القرآن بهذا المعنى:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]

والخطاب في هذه الآية ليس لرسول الله بل هو لـ"المؤمنين" في مجتمع الصحابة ومن بعدهم، كم هي دلالة عميقة أن تكون هذه الآية نزلت أصلاً في لحظة "انكسار عسكري" أمام قوى الكفر، ومع ذلك يؤكد لهم تعالى أنهم "الأعلون"، بل ولا يعتبر هذا المعنى مجرد "تشريف" بل هو "عقيدة" ولذلك ربط التمسك بها بصحة الإيمان فقال:{إن كنتم مؤمنين} .

هذا المعنى لـ"علو الإيمان" لا يعقله التغريبيون المعاصرون، ولذلك إذا رأوا بعض الدول الإسلامية المستضعفة تتساقط تحت قوى الإمبريالية الغربية، يرددون: إن دعاة الإسلام هم باعة الوهم ومروجو التضليل وتغييب الوعي إذ خدرونا بشعار "استعلاء الإيمان" ونحن نتساقط تحت قوى الكفر.

وهذا من أبين الأدلة وأظهرها على أن المعيار الإلهي لقيمة المجتمعات ليس هو "مظاهر القوة المدنية" بل المعيار الإلهي هو "العبودية" بمعناها الشامل، الذي تكون فيه التزكية الإيمانية وفروض الأعيان في هرمه، ويليها الفروض الكفائية ومصالح المسلمين العامة.

وعلى أية حال، أمثال هذه النصوص الشرعية لا تخفى القارئ العزيز قطعاً، بل هو يعرف مثلها وزيادة، وإنما المقصود تذكير النفس والإخوان بها، والإشارة إلى طرف من البراهين الكثيرة على صحة المنهج الإسلامي في صيانة الهوية ومقاومة تهديدات التغريب، وضعف المناهج الحديثة.

وكون الدنيا وسيلة للآخرة، يؤكده ما ذكره بعض محققي الأصوليين من أن وظيفة التشريع إقامة مصالح الدنيا لتقوم مصالح الآخرة، كما قال الإمام أبو حامد في الإحياء:(وأحكام الخلافة، والقضاء، والسياسات، بل أكثر أحكام الفقه، مقصودها: حفظ مصالح الدنيا، ليتم بها مصالح الدين).

مع أن هذه بعض وظائفها، إلا أنه ربطها بالهدف النهائي وهو إقامة الدين، والكلام على تعليل الشريعة سبق في مقالة "مآلات الخطاب المدني".

ومن تأمل في "تراجع الخيرية" في قرون الإسلام الأولى علم أنه كلما ابتعد الناس عن نور النبوة الأولى والتربية النبوية الأخروية فإنه يحصل لبعض المنحرفين في المجتمع الإسلامي من الانبهار بالثقافات المجاورة ما لا يحصل لسابقيهم، وهذا كله بسبب ما نقص في قلوبهم من تعظيم الآخرة عمن سبقهم، وما داخل القلوب من التثاقل إلى الأرض.

بل إن من تأمل لحظة ارتطام الفكر الإسلامي بسطوة الحداثة اليونانية في تاريخ الإسلام المبكر وكيف سببت ارتجاجات وفقدان تماسك لدى كثير من العباقرة والأذكياء، علم أن أئمة الإسلام الذين ثبتوا في تلك المحنة لم يتمكنوا من مقاومة تلك الأعاصير الحداثية إلا حين كانت العلوم الإلهية الموروثة عن خاتم الرسل أعظم في نفوسهم من كل ما سواها، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.

وهذه البراهين السابقة إنما هي مستقاة من دروس القرآن والسنة وهدي القرون المفضلة، أما لو شئنا الانتقال إلى "النتائج الواقعية" وقارنَّا مثلاً بين "مخرجات المدرسة التربوية الإسلامية" وبين مخرجات الخطاب الديني المتبني لـ"تعظيم الدنيا" فسنرى البون الشاسع في الفعالية والنجاعة.

ص: 239

فمخرجات المدرسة التربوية الإسلامية عميقة الإيمان بمرجعية الوحي، وشديدة الاعتزاز بسلفها، متشبعة بقيم العمل للإسلام والغيرة على الدين، وراسخة الإيمان بظلامية الثقافة الغربية، وجادَّة في امتلاك الوسائل الحديثة كالتخصصات العلمية والمؤسسات الإعلامية وتوظيف التقنيات البرمجية والاتصالية، وغير ذلك مما هو ظاهر لكل أحد، فانظر كيف أن اتِّباع منهج الوحي وهدي القرون المفضلة في تعظيم الآخرة لم يقدها إلى الرهبانية كما يزعم غلاة المدنية، بل قادها إلى النجاح في تنظيم هرمية اهتماماتها بشكل صحيح، فكانت تلك المخرجات التربوية أنجح من غيرها في دينها ودنياها ولله الحمد.

وبالمقابل قارن ذلك بمخرجات "خطاب التأويل الديني" المتبني لـ"تعظيم الدنيا" تجد من يتصالح معه من العلمانيين لم يتزحزحوا عن علمانيتهم قيد أنملة، ومن استمع له من الشباب الدعاة وتشبع بمفاهيمه تجد الكثير منهم اضطربت معاييره، فنقصت هيبة السلف في نظره، وارتفعت قيمة الكفار، وبدأ يشعر بسذاجة المشروعات الدعوية الإيمانية، ثم خسارة "المكتسبات السلوكية" الراقية التي تربى عليها، وغير ذلك من المظاهر المعروفة.

فأين هذا المنهج من ذاك؟

وأساس الخلل الذي لم يتنبه له خطاب التأويل الديني المتبني لـ "أولوية المدنية المادية" هو أنه يمارس دون وعي "إعادة تشكيل داخلي للمعايير" بما يتناقض مع المعايير الإلهية لقيمة المجتمعات والشخصيات والثقافات والأمم.

صحيح أن من اقترب من بعض النخب المثقفة -التي ابتلي بعضها بالتبرم بدين الله- فسيرى أن محاولة إبراز معاني المدنية في القرآن والسنة والتراث لهم يساهم في تخفيف احتقانهم، لكن هذا المنهج وإن كان يخفف بعض الاحتقان لدى أمثال هؤلاء؛ إلا أنه يدمر الشاب المسلم الذي تربى على معاني الإيمان، ووقر في قلبه إيثار الله والدار الآخرة.

وأصدقك القول أيها القارئ الكريم أنني تأملت كثيراً في ظواهر الانحراف الثقافي في صحافتنا ومنتدياتنا -وخصوصاً في مستوياته الشبابية- فرأيت أنه إذا تشرب قلب الشاب "الغلو المطلق في أولوية المدنية المادية" بحيث أصبحت "معياره" في تقييم المجتمعات والشخصيات قاده ذلك "تدريجياً" إلى زهاء خمسة عشر كارثة:

التحييد العملي للنص، والإزراء بالقرون المفضلة، والاستخفاف بقيمة علوم الشريعة، واللهج بتعظيم الكفار، والسرور بالحديث الفكري المجرد، والتدهور السلوكي، والعزوف الدعوي، والتحول للمشروعات الفكرية "الشخصية"، واستسذاج الموعظة والخطاب الإيماني، والحدة في محاسبة الإسلاميين، والرحابة وحسن الظن تجاه الدراسات المنحرفة، وذبول الحَمية لله ورسوله تجاه الكتابات المنتهكة للمحكمات، والتركيز على زلات المحتسبين بما يفوق عدوان المجاهرين، والتلذذ بمناهضة الفتاوى، والولع برخص العلماء وشذوذات الفقهاء.

وباختصار شديد: (إن خطاب التأويل الديني يبدأ بالتجديد وينتهي بالتجديف).

ومن الإنصاف أن أؤكد أن أمثال هذه الكوارث لا يجمعها كل من غلا في المدنية وجعلها فوق الإيمان والفرائض، بل هناك تفاوت هائل لا ينضبط طرفاه، وهذا أمر يعرفه كل من تابع الساحة الثقافية، فبعضهم يقارف بعضها وبعضهم يزيد عليها، بل بعضهم فاضل في ذاته لكنه لم يحسم رؤيته تجاه هذه المظاهر نسأل الله أن يحفظ مثل هذا النمط.

وإنما المراد أن أمثال هذه المظاهر الكارثية بمجموعها باتت مشاهد مؤلمة ومحزنة تستدعي استيقاظ الشعور وصعق إحساس الدعاة لإطفاء الحريق في منزلنا الداخلي، يجب أن نعمل سوياً بكل ما نملك لتحريك الوعي بهذه الأزمة، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

ص: 240

والمقصود هاهنا أن الأمر المشاهد المعلوم الذي أكدته التجارب الحية أن بعض النخب المثقفة المحتقنة تجاه الدين حتى وإن خف احتقانها عن طريق خطاب التأويل الديني المتبني لـ"أولوية الدنيا" فإنها تستمر في فرض الرقابة على النص الديني، وتطالبه دوماً أن يكون مبرِّراً ومسوِّغاً لمنتجات الحضارة المعاصرة، ولا تقبل منه أن يمارس دوراً سيادياً حقيقياً.

ولا يشك مؤمن أن هذه الحالة التي هي "فرض الرقابة على النص" ليست مكسباً دعوياً ولا منجزاً يتشرف الإنسان بتحقيقه، بل هذه الحالة لا يرضى بها من عقل حقيقة الإسلام الذي هو "امتلاء القلب بالاستسلام لله"، فالانقياد والخضوع والانصياع والتسليم والامتثال هو جوهر حقيقة الإسلام، ولذلك اشتهر بين أهل العلم تعريف الإسلام بأنه "الاستسلام"، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى الجوهري في حقيقة الإسلام، كما جاء في قوله تعالى:{ومَن يُسْلِمْ وجْهَهُ إلى اللَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى} [لقمان:22].

كما أقسم الحق تبارك وتعالى على هذا المعنى في قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا} [النساء:65].

فانظر كيف أقسم تعالى هذه المرة بذاته العظيمة-لا بشيء من مخلوقاته كما هي غالب أقسام القرآن- وما ذاك إلا تعظيماً للمُقسَم به، وهو نفي الإيمان على من لم يرض ويسلم لأوامر الشارع ونواهيه مع تنظيف القلب من كل حرج أو تردد في القبول.

وأكد سبحانه أنه ليس للمؤمن اختيار أمام أوامر الله ونواهيه، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36].

فبالله عليك أخي القارئ تأمل هذا المعنى الذي علق الله عليه الإيمان، ثم قارنه بموقف بعض النخب المثقفة التي لا تبتهج بالوحي إلا إذا وافق الحضارة المعاصرة، فإذا لم يوافقها مارست أشد أساليب التعنت في تطلب الحسم الدلالي، وستجد حتماً أن ذلك نابع من شعبة خفية في القلب تعبر عن شرخ عميق في "أرضية الانقياد" التي يقف عليها إسلام المرء.

ولذلك تجد بعضاً منهم لا يسأل أصلاً عن موقف الوحي من هذه المستجدات والمنتجات والتطبيقات والأفكار والفلسفات، بل يتمنى أن لا يثير أحد هذا الموضوع أصلاً، فإذا جُوبه بالدليل استنجد بصناع التأويلات.

ألا يعكس ذلك ضمور الشغف بمرجعية الوحي؟!.

وبعض آخر -من هذه النخب المثقفة- يشعر شعوراً عميقاً أن الوحي ليس لديه إضافة جوهرية للحضارة المعاصرة، بل يعتبر أن أعظم خدمة يسديها للوحي هو أن يؤكد للناس أنه موافق لإبداعات الحضارة المعاصرة، وأن الوحي ولله الحمد ليس ضدها، ونحو ذلك، وهذا جهل عميق بوظيفة النبوات أصلاً، فإن الله تعالى بين أنه بعث النبوات وأنزل معهم الكتب السماوية بهدف أن "تحكم" بين الناس في كل شؤون حياتهم، لا أن تسوِّغ لهم حياتهم، كما قال تعالى:{فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنزلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة:213].

ص: 241

وتأمل في هذا الشمول الذي ذكرته هذه الآية عن وظيفة الكتب السماوية {ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} حيث تؤكد هذه الدلالة الشاملة أن "الحاكمية" ليست مقتصرة على الجانب التشريعي فقط، بل يدخل في ذلك الحاكمية الفلسفية والفكرية والثقافية وكل ما يختلف الناس فيه، مما يبين أن الصراع مع العلمانية اليوم لا يتوقف على "العلمانية التشريعية" التي تدعوا لإقصاء الشريعة عن الأوعية القانونية والمؤسسة القضائية، بل هناك صراع أعمق مع "العلمانية الثقافية" التي تدعوا -نظرياً أو عملياً- لعزل الوحي عن الحاكمية في نقاش القضايا الفكرية والمنهجية والشؤون العامة.

فإذا أعاد المؤمن تدبر قوله تعالى عن "وظيفة النبوات"{فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنزلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} شعر بالهوة الكبيرة التي تفصل بين منهج "تبيئة الحضارة" بمعنى تسويغ منتجات الحضارة عبر التأويلات المتكلفة وشذوذات الفقهاء، وبين منهج "هداية الحضارة" الذي امتلأ باليقين بشدة حاجة أمراض هذه الحضارة إلى الدواء الإلهي.

إنه بكل بساطة افتراق جذري متصاعد بين من يريد "تقليص" دور الوحي في حياة الناس، وبين من يريد "تفعيل" دور الوحي وبسط هيمنته على الحياة العامة.

والمقصود هاهنا بيان أن هذه "الحالة الدينية" التي سبقت الإشارة إليها -وهي أن بعض المثقفين المحتقنين انتفعوا بخطاب التأويل الديني المتبني لـ"تعظيم الدنيا"- إنما تعبر في الحقيقة عن تدين "غير جاد" ذلك أنه مربوط بمقدار ما يقدمه الوحي من "معطيات دنيوية"، فإذا نقصت هذه المعطيات الدنيوية أصابته فتنة، وهذه الحالة الدينية المهترئة حالة قديمة قد كشفها لنا القرآن بشكل مبكر، كما يقول تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وِإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ} [الحج: 11].

وقد استنبط ترجمان القرآن ابن عباس هذا المعنى أيضاً من قوله تعالى {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} حيث يقول رضي الله عنه في معنى هذه الآية: (كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه، وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر).

فإذا وازن العاقل بين "مكسب" تخفيف احتقان بعض النخب المثقفة تجاه الدين، وبين "خسارة" حرارة التدين عند آلاف الطاقات الشبابية الدعوية، علم يقيناً أنه ليس من العقلانية في شيء أن نستصلح بضعة مثقفين محتقنين يعبدون الله على حرف، ونخسر آلاف الشباب المسلم الذين يعدون مكتسبات أضخم وأهم، إذ هم قاعدة الإسلام وأمله القادم.

كم نحن بحاجة إلى التطعيم المسبق بمصل إيماني يحمي شباب الإسلام أن يجرفهم وهج الحضارة المادية ومعايير المدنية الدنيوية، ليواصلوا مسيرتهم النهضوية دون أن ينهار "سلم الأولويات"، فتراهم في كل حقل يسبقون غيرهم مع امتلاء قلوبهم بعظمة الوحي وعبقرية القرون المفضلة ومتاعية الدنيا وانحطاط الكفار.

والله الشاهد أنني ما كتبت المقالات السابقة إلا بهدف أن تكون "حصانة وقائية" للشاب المتدين أن ينجرف في طريق بات معروفاً لكل ذي بصيرة، ومعلوم كيف تدهور فيه عشرات من الشباب الذين كانوا طاقات دعوية ومشاعل هداية، فأصبحوا اليوم من أعظم المتثاقلين عن الفرائض، وأشد الناس ضيقاً بالذكرى والموعظة، وأكثر الناس هجراناً للوحي، فضلاً عن العمل للإسلام وحمل هم المسلمين.

ص: 242