الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
ونماذج منه
للدكتور/ أحمد بن عبد الله الزهراني
أولا: معنى التفسير لغة:
يطلق التفسير في اللغة على الكشف والبيان والإيضاح والتفصيل ومن ذلك قوله تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} الفرقان 33.
كما يطلق ويراد به التأويل ومنه قوله تعالى: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِه} يوسف 36. يقول ابن كثير في معنى قوله تعالى: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} .
أي ولا يقولون قولا يعارضون به الحق، إلا جئناك بما هو الحق في نفس الأمر، وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم 1.
قال ابن فارس: "فسر" الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدل على بيان شيء وإيضاحه. من ذلك فسر، يقاله: فسرت الشيء وفسرته2" اهـ.
وجاء في القاموس: الفسر: الإبانة وكشف المغطى كالتفسير3.
1تفسير القرآن العظيم6/118 ط الشعب.
2معجم مقاييس اللغة 4/ 504.
3القاموس المحيط 2/ 110.
ثانيا: معنى التفسير في الاصطلاح:
تنوعت عبارة المفسرين وكثرت أقوالهم في بيان حدّه وتعريفه والذي ظهر لي منها "أن التفسير علم جليل يفهم به كتاب الله سبحانه المنزل على نبيه محمد صلي الله عليه وسلم.
وهذا التعريف ذكره الزركشي 1 ويندرج تحته التعاريف المتعددة في حدّ التفسير.
ثالثا: معنى موضوعي:
هذه نسبة إلى موضوع: الذي هو المادة التِي يؤخذ أو يتركب أو يبنى منها جزئيات البحث ويضم بعضها إلى بعض ليصير موضوعا.
يقول الدكتور محمد أحمد القاسم: "وموضوعي" نسبة إلى موضوع وإضافة "تفسير" إلى "موضوعي" لما صارت علما على هذا الفن بعد أن ركبت معها وصارت كلمة واحدة كتركيب "معد يكرب "لما فتنوسيت تلك الإضافة " 2.
رابعا: تعريف التفسير الموضوعي:
هو إفراد الآيات القرآنية التي تعالج موضوعا واحدا وهدفا واحدا، بالدراسة والتفصيل، بعد ضم بعضها إلى بعض، مهما تنوعت ألفاظها، وتعددت مواطنها - دراسة متكاملة مع مراعاة المتقدم والمتأخر منها، والاستعانة بأسباب النزول، والسنة النبوية، وأقوال السلف الصالح المتعلقة بالموضوع3.
فوائد التفسير الموضوعي:
1-
أنه تفسير للقرآن بالقرآن، فما أطلق في مكان منه قيد في مكان آخر وما ذكر موجزا في موطن منه ذكر مفصلا في آخر.
2-
الوقوف على عظمة القرآن الكريم من خلال مواضيعه المتنوعة والتعرف على تشريعاته النيرة والمتعددة.
1 البرهان في علوم القرآن1/13.
2 التفسير الموضوعي للقران الكريم ص 7.
3 انظر التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ص 7 د/ محمد أحمد القاسم والبداية في التفسير الموضوعي ص52 د/ عبد الحي الفرماوي.
3-
بيان ما تضمنه القرآن الكريم من أنواع الهداية الربانية من خلال تلك المواضيع المتنوعة.
4-
التخلق بأخلاق القرآن والانتفاع به من حيث زيادة الإيمان.
5-
التمكن من فهم القرآن الكريم فهما جيدا.
6-
الاطلاع على أساليب القرآن الكريم المتنوعة.
7-
جمع الآيات المتناثرة في القرآن ذات الموضوع والهدف الواحد في مكان واحد ثم دراستها دراسة متكاملة.
8-
الرد على أهل الأهواء والشُّبه قديما وحديثا لكون دراسة مثل هذا النوع من التفسير يجمع شتات الموضوع الواحد ويحيط بجميع أطرافه فيمكن دراسته والرد على الآخرين.
9-
إزالة ما يوهم التعارض بين آيات القرآن الكريم وتوجيه ذلك توجيها سليما 1.
نشأة التفسير الموضوعي:
قد يخيل للقارئ أو الباحث أن هذا العلم أو الاصطلاح "التفسير الموضوعي" لا يعرف لدى علمائنا الأقدمين، وإنما الكتاب المعاصرون هم الذين اعتنوا به وقدموا فيه جهودا قيمة بل صرح بعض الكتاب المعاصرين بهذا الرأي فقال:"هذا النوع لم نجد من عنى به من الأقدمين وإنما جهود متأخرة في الرسائل العلمية تقدم طرفا منه مثل الجهاد في القرآن، المشركون في القرآن، الآيات الكونية في القرآن إلا أننا ما نزال في أمسّ الحاجة إلى المزيد من ذلك"2 اهـ.
وهذا القول مجانب للصواب، بعيد عن الحقيقة. وهو من فضول الكلام الذي ألقي على عواهنه بدون دراسة ولا بحث ولا رؤية.
وبعضهم يذهب إلى عدم تحديد بداية لهذا الاصطلاح "التفسير الموضوعي" لما عند الأقدمين، كما في عصرنا الحاضر حيث يقول: "إذ إِنه حتى لو وجد هذا اللون من
1 انطر البداية في التفسير الموضوعي ص68-70 د/ عبد الحي الفرماويَ.
2 دراسات في القرآن الكريم- من التفسير الموضوعي ص 6 للدكتور: محمد عبد السلام محمد. ط الأولى.
التفسير لدى بعض المتقدمين فإنه لم يكن معروفا وشائعا بينهم بهذا الاسم فيما أعلم"اهـ.
والذي يجدر التنبيه عليه حول هذا الرأي. أن لا مشاحة في الاصطلاح فكون هذا الاصطلاح "التفسير الموضوعي" ما عرف إلا في العصر الحاضر لا ينفي عدم وجود هذا العلم لدى الأقدمين، ولأن قوله "إذ إِنه حتى لو وجد" الخ يثير التشكيك في عدم وجوده وهذا غير وارد بل هو موجود كما سأبين ذلك- إن شاء الله تعالى-.
إن هذا الفن من التفسير اعتنى به العلماء الأقدمون جمعا وترتيبا ودراسة واستنباطا وجالوا فيه وصالوا. وكان من فرسان ميدانه العلم العالم مقاتل بن سليمان الأزدي ت 150 هـ حيث ألف فيه كتابا قيما سماه "تفسير الخمسمائة آية في الأمر والنهي والحلال والحرام " جعل ترتيبه على طريقة الفقهاء- رحمهم الله في تأليفهم، بدأه بتفسير الإيمان، ثم ذكر أبواب الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ثم المظالم، ثم المواريث، ثم الربا، ثم الخمر، ثم النكاح، ثم الطلاق، ثم الزنا، ثم ذكر بعض الآداب والمعاملات في دخول البيوت، ثم ذكر أبواب الجهاد.
ومقاتل رحمه الله وإن لم يستقص ذكر الآيات ذات الموضوع الواحد في مكان واحد، فهو بحق من أوائل العلماء الذين كتبوا فيما نحن بصدده من التفسير الموضوعي 1.
والمتتبع لجهود علمائنا الأقدمين في هذا الفن التخصصي يجد لهم جهودا قيمة، وأيادي علمية مشرقة وقد تعددت المواضيع القرآنية التي ألفوا فيها فمنها ما وصل إلينا، ومنها الذي لازال حبيسا بين جدران المكتبات وظلامها الدامس ومنها الذي فقد ولم نعلم عنه إلا من خلاله الكتب العلمية أو الثبت العلمي لصاحبها، ومن تلك المواضيع.
كتاب الوجوه والنظائر في القرآن الكريم. للحافظ مقاتل بن سليمان رحمه الله.
وهذا العلم الجليل علاقته بالتفسير الموضوعي واضحة وقد اعتنى به علماؤنا الأقدمون والمتأخر ون وألفوا فيه كتبا قيمة.
1 وكتابه حقق رسالة ماجستير وقام بتحقيقه عبيد الله لعلى السلمي بالجامعة الإسلامية وانظر ص 60 منه.
يقول الحافظ ابن الجوزي:
"وقد نسب كتاب في الوجوه والنظائر إلى عكرمة، وكتاب آخر إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وممن ألف في الوجوه والنظائر الكلبي، ومقاتل بن سليمان، وأبو الفضل العباسي بن الفضل الأنصاري، وروى مطروح بن محمد بن شاكر عن عبد الله بن هارون الحجازي عن أبيه كتابا في الوجوه والنظائر، وأبو بكر محمد بن الحسن النقاش، وأبو عبد الله الحسن بن محمد الدامغاني، وأبو علي بن البناء من أصحابنا، وشيخنا أبو الحسن علي بن عبيد الله ابن الزاغوني، ولا أعلم أحدا جمع الوجوه والنظائر سوى هؤلاء"1 انتهى.
زاد الزركشي: "وأبو الحسن بن فارس وسمى كتابه "الأفراد"2 وزاد السيوطي: "ومحمد بن عبد الصمد المصري، ثم قالا وقد أفردت في هذا الفن كتابا سميته "معترك الأقران في مشترك القرآن "3.
قلت: وقد سبق السيوطي في التأليف ابن العماد بن الحنبلي المتوفى سنة 887 هـ وعنوان كتابه "كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر" مطبوع وقد بين أهل العلم معنى أو المقصد بالوجوه والنظائر.
فقال ابن الجوزي: "واعلم أن معنى الوجوه والنظائر أن تكون الكلمة الواحدة ذكرت في مواضع من القرآن على لفظ واحد، وحركة واحدة وأريد بكل مكان معنى غير الآخر، فلفظ كل كلمة ذكرت في موضع نظير للفظ الكلمة المذكورة في الموضوع الآخر. وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الآخر هو الوجوه.
فإذا النظائر اسم للألفاظ، والوجوه اسم للمعاني، فهذا الأصل في وضع كتب الوجوه والنظائر.
والذي أراده العلماء بوضع كتب الوجوه والنظائر أن يعرفوا السامع لهذه النظائر أن معانيها تختلف، وأنه ليس المراد بهذه اللفظة ما أريد بالأخرى"4 انتهى.
1 نزهة الأعين النواظر1/2.
2 البرهان في علوم القرآن1/102.
3 الإتقان في علوم القران 2/121.
4 نزهة الأعين النواظر 1/ 302.
وعلى هذا المنوال مشى الزركشي في البرهان فقال: "فالوجوه: اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان كلفظ "الأمة". والنظائر كالألفاظ المتواطئة " وذكر غير هذا وتبعه السيوطي في الإتقان1.
طريقة البحث في التفسير الموضوعي:
يرى الدارسون للتفسير الموضوعي أن الكتابة والبحث فيه له طريقان، وأن للدراسة أو البحث فيه منهجا محددا.
أما الطريق الأول لكيفية البحث فيه فهي أن ينظر الباحث إلى السورة القرآنية من أولها إلى آخرها على أنها وحدة متكاملة الفكرة والمنهج والموضوع وقد عالجت ذلك الموضوع العام من خلاله موضوعاتها المتعددة مثال ذلك: سورة المنافقين: موضوعها: فضح المنافقين والتحذير منهم.
وقد عالجت السورة هذا الموضوع من خلال موضوعاتها المتعددة نحو:
1-
بيان كذب المنافقين وأنهم يقولون مالا يعتقدون.
2-
جرأتهم على الأيمان الكاذبة تسترا على نفاقهم وخوفا على دمائهم.
3-
صدهم عن سبيل الله بأساليبهم الخبيثة الماكرة.
4-
سيطرة الجبن والخوف عليهم مع أن الناظر لهم يراهم أصحاب أجسام ضخام.
5-
إعراضهم عن الهدى وعدم الاستجابة لهم وصد الناس عنه.
6-
فضح دسائسهم ومناوراتهم وما تحمله نفوسهم اللئيمة من الخبث والغدر والخيانة للإسلام والمسلمين.
7-
تحذير المؤمنين من أن يقعوا في أدنى صفة من صفات المنافقين "وأدنى درجات النفاق عدم التجرد لله والغفلة عن ذكره اشتغالا بالأموال والأولاد، والتقاعس عن البذل في سبيل الله حتى يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه البذل والصدقات"2.
1 البرهان في علوم القرآن1/102.
2 الإتقان في علوم القرآن 2/121.
3 في ظلال القران 8/104 وانظر التحرير والتنوير 28/ 233 وتفسير المراغي28/106.
والطريقة الثانية: هي أن ينظر الباحث إلى الآيات القرآنية المتنوعة في القرآن كله، بجمع تلك الآيات ذات الموضوع الواحد والهدف المشترك في موضوع واحد، ويقوم بدراستها دراسة متكاملة مراعيا ترتيبها حسب أسباب النزول لكي يعرف المتقدم منها من المتأخر مستعينا في ذلك بالسنة الصحيحة وفهم السلف لذلك. ومحاولا قدر جهده وطاقته الإحاطة بجوانب الموضوع كله.
وهذه "الطريقة الثانية هي المعمول بها في مجال البحوث العلمية الموضوعية، وإذا ما أطلقت كلمة "تفسير موضوعي" فلا يفهم منها إلا بحث موضوع من موضوعات القرآن الكريم على مستوى القرآن جميعه"1.
أهمية منهج الدراسة في التفسير الموضوعي.
وبناء على هذه الطريقة فلابد من تحديد منهج لدراسة الموضوع المختار، من أجل الإلمام بأطراف الموضوع، والربط بين أجزائه وإظهاره في صورة متكاملة تكشف للقارئ عظمة القرآن الكريم وأهدافه السامية. وتقضي على الدراسات المبتورة والدعاوى المضللة من المستشرقين وأتباعهم 2.
تحديد المنهج:
أولا: اختيار الموضوع المراد دراسته.
ثانيا: جمع الآيات القرآنية المتعلقة به.
ثالثا: ترتيبها وفق أسباب النزول لمعرفة المتقدم من المتأخر منها.
رابعا: شرحها شرحا وافيا يجلي مضمونها ويكشف عن مكنونها ويربط بين أجزائها. وإزالة ما يتوهم أنه اختلاف وتناقض بينها أو ناسخ ومنسوخ أو خاص وعام أو مطلق ومقيد أو مجمل ومفسر.
خامسا: الاستعانة في الموضوع بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله من السنة الصحيحة المبينة
1 التفسير الموضوعي للقران الكريم ص 17 للدكتور محمد أحمد يوسف القاسم.
2 انظر البدايةَ في التفسير الموضوعي ص 57- 61.