الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصوم في القرآن الكريم
فرض الله سبحانه الصوم على هذه الأمة كما فرضه على الذين من قبلهم، طاعة لربهم، ووقاية لهم من الذنوب والمعاصي: قال تعالى: (يا أيها الذينءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة 183.
والصوم سوأء كان فرضا أو نفلًا له فضل عظيم عند الله، بينت السنة الصحيحة
ثوابه ومنزلته.
ففي الصحيحين وغيرهما عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لايدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون، فإذا أغلق عليهم لم يدخل منه أحد (1) .
ومن فضل الصوم أن الله سبحانه تولى الجزاء عليه، وأضافه إليه سبحانه:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يقول الله عزوجل: إنها ترك شهوته وطعامه من أجلي فالصيام لي، وأنا أجزي بهإ (2) .
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صام
يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النارسبعين خريفا (3) .
قال القرطبي:
وإنما خص الصوم بأنه له، وإن كانت العبادات كلها له، لأمرين باين الصوم بهما
سائر العبادات:
أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها، مما لايمنع منه سائر
العباد ات.
(1) صحيح البخاري مع فتح الباري (33/2 1) السلفية، ومسلم في الصوم 8/2 0 8 رقم 66 1.
(2)
صحيح البخاري مع فتح الباري (2/ 125) السلفية ومسلم لا الصوم 806/2 رقم 161، 164. (3) صحيح مسلم كتاب الصوم 808/2 رقم 168.
الثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه، لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصا
به، وماسواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنعا ورياء، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره، وقيل غيرهذا (1) .
تعريف الصوم لغة وشرعاً:
يطلق الصوم في اللغة على الكف والِإمساك عن الكلام، ومنه قوله تعالى عن مريم عليها السلام:(إني نذرت للرحمن صوما فلن كلم اليوم إنسيا) مريم 26.
ومنه قول النابغة الذيباني:
خيل صيام وخيل غيرصائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
قال ابن فارس في مادة صوم:
الصاد والواو والميم أصل يدل على امساك وركود في مكان، من ذلك صوم الصائم،
وهو امساكه عن مطعمه ومشربه وسائرمامنعه، ويكون الامساك عن الكلام صوما (2) . وأما في الشرع، فهو الِإمساك عن الأكل والشرب والجماع من الفجر حتى غروب الشمس، كما حدده الشارع الحكيم.
قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة 187.
قالط القرطبي: وتمامه وكماله باجتناب المحظورات، وعدم الوقوع في المحرمات، لقوله عليه الصلاة والسلام: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " (3) .
معاني الصوم في القرآن:
يطلق الصوم في القرآن الكريم على معنيين:
الأول: الصوم الشرعي المعروف الذي هو الِإمساك والكف عن الأكل والشرب
(1) الجامع لأحكام القرآن (2/ 274) .
(2)
معجم مقاييس اللغة (323/3) .
(3)
الجامع لأحكام القرآن (273/2) .
والجماع، من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، ومنه قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة 183. وقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) مهو البقرة 185.
الثاني: الصمت والكف عن الكلام.
ومنه قوله تعالى: (إني نذرت للرحمن صوما فلن كلم اليوم إنسيا)(1) مريم 26.
عناية القرآن الكريم بالصوم:
تتجلى العناية القرآنية بالصوم في الأمور التالية:
أولا: إن الصوم كان مفروضا على الأمم السابقة.
ثانيا: إن الصوم مفروض على هذه الأمة، وهذه زيادة في العناية به على من سبق،
ويدل على هذين الأمرين قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة 183.
ثالثا: إن الصوم مفروض على المريض والمسافر، لقوله تعالى:! الوفمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر! هو البقرة 184.
وهذا يدل على الاهتمام والعناية به، حتى في حالات الطوارىء التي تطرأ على الإِنسان.
رابعا: تعدد أنواعه يا القرآن الكريم كما سيأتي بيانه.
أنلا الصيام في القرآن الكريم:
أولا: صوم الفرض، الذي هو صوم شهررمضان:
قالت تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة 183: 185.
(1) انظر نزهة الأعين النوأظر (2/ 4) .
ثانيا: صوم الفدية، وهو نوعان:
النوع الأول: مقداره عشرة أيام، ولايكون إلا عند العجز عن الاتيان بالفدية، ويؤدى على مرحلتين:
المرحلة الأولى: صوم ثلاثة أيام في الحج.
المرحلة الثانية: صوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله:
قال تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب) .
النوع الثاني: مقداره ثلاثة أيام، وذلك عندما يخل الِإنسان ببعض نسك الحج لطارىء طرأ عليه، كالمرض والأذى: قال تعالى:! وفمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام..! الآية البقرة 196.
وقد بينت السنة النبوية مقدار هذا الصيام:
أخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن معقل قال: قعدت إلى كعب بن عجرة في
هذا المسجد- يعني مسجد الكوفة- فسألته عن فدية من صيام، فقال: حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سَبيهإِ، والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ماكنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟ قلت: لا، قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكن، لكل مسكيئ نصف صاع من طاعم، واحلق رأسك، فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة (1) .
ثالثا: صوم الكفارة، وهي أنلا:
الأول: صح كفارة القتل، ومقداره شهران متتابعان:
قال تعالى: (ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير
رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) النساء92.
(1) صحيح البخاري (8/ 34) رقم 4517 مع الفتح.
وصوم هذين الشهرين الشرط فيه التتابع، لا إفطار فيها إلا من عذر شرعي كالمرض أو النفاس أو الحيض، فإن قدر أنه أفطر من غيى عذر، استأنف الصيام من جديد.
الثاني: صح كفارة الظهار، ومقداره شهران متتابعان:
لقوله تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعن من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.. . الآية) المجادلة 3، 4. الثالث: صوم كفارة اليمين، ومقداره ثلاثة أيام:
وذلك بعد العجز عن اعتاق رقبة أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم:
قال تعالى: (لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدّتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ماتطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبذلن الله لكم آياته لعلكم تشكرون) المائدة 89.
الرابع: صوم كفارة قتل الصيد وهومحرم:
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ماقتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه. والله عزيز ذو انتقام) المائدة 95.
ومقدار الصيام في هذه الكفارة مطلق غيى مقيد، ولم يرد بتحديده وتعيينه نص شرعي في حد علمي، وبناء على هذا اختلفت أقوال أهل العلم في تقديره.
والذي يدل عليه ظاهر الَاية أن المحرم الذي ارتكب ذلك المحظور فهو مخدر بين
أحد ثلاثة أمور: إما المثل، وإما اطعام مساكين، واما عدل ذلك من الصيام، أي عدل الطعام صياما، سواء كثر ذلك الطعام أو قل.
يقول الشيخ الشنقيطي:
"واعلم أن ظاهر الآية الكريمة أنه يصوم عدل الطعام المذكور. ولوزاد الصيام عن
شهرين أو ثلاثة، وقال بعض العلماء: لايتجاوز صيام الجزاء شهرين، لأنهما أعلى الكفارات، واختاره ابن العربي، وله وجه من النظر، ولكن ظاهر الَاية يخالفه (1) انتهى. الخامس: صوم كفارة الجماع، ومقداره شهران متتابعان:
وهذا النوع من الصيام لم يرد له ذكر في القرآن الكريم، وإنما السنة النبوية هي التي نصت عليه وبينته.
ففي الصحيحن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يارسول الله هلكت، قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله عييه: هل تجد رقبة تعتقها، قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا
…
الحديث (2) واللفظ للبخاري. رابعا: صوم النفل:
وهو أنه، منها ماهو مطلق، ومنها ماهو مقيد.
خامسا: صوم محرم:
وهذان الأخيران ورد بيانهما في السنة النبوية، ولم يرد لهما ذكر أو اشارة في القرآن الكريم، فلم أدخل في بيان تفصيلاتها وذكر أفى لتها.
أوجه اليسر في الصيام:
الصيام عبادة تولى الله سبحانه الاجزاء عليها، ومضاعفة الثواب لمن قام بها خير قيام، ومع هذا، فهي ميسرة، ليس فيها تكليف بما لايطيق العبد، أو تذمر وملل، وسبحان العالم بما يصلح أحوال النفوس البشرية ويهذبها وبربيها ويخضعها للامتثال الشرعي سرا وعلانية، ومن أوجه اليسر يا الصيام الآتي:
أولا: إن الله سبحانه لما كتب على عباده الصوم جعل له مدة معينة محدودة، وأياما معدودة، ولم يفرضه على الاطلاق في جميع الأوقات على الِإنسان، حتى لايشق عليه، بل وعينه في شهرواحد، وهوشهررمضان المبارك:
(1) أضواء البيان (150/2) .
(2)
رواه البخاري في الصيام باب إذا جامع في رمضان (2/ 1 4) ، ومسلم في كتاب الصيام 2/ 1 78 رقم 1 8.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات..) الَاية. البقرة 83 أ-184.
ثانيا: إن الله سبحانه لما فرض علينا صيام تلك الأيام المعدودة شرع لنا صيام النهار، والاقتصار عليه من الفجر حتى غروب الشمس، وأباح لنا الافطار والأكل والشرب لا بقية الجزء الَاخر وهو الليل: قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة 187. ثالثا: إن الله سبحانه لم يكلف المريض صيام ما افترض عليه حتى يبهأ من مرضه، وكلفه القضاء من أيام أخر:
قال تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
…
) البقرة 184.
رابعا: إن الله سبحانه رخص للمسافر أن يفطر في سفره، وألزمه القضاء في أيام أخر: قال تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
…
) البقرة 184.
خامسا: إن من فاته شيء من رمضان لعذرما وجب القضاء موسعاً، فله قضاؤه من رمضان إلى رمضان وهذا من اليسرفي قضاء الصوم.