الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزكاة
في القرآن الكريم
تعدد ذكر الزكاة في القرآن الكريم في مواطن كثيرة مما يدل على أهميتها والعناية بها. والمتتبع لسور القرآن، المكي منها والمدني، يجد أن الزكاة ذكرت في النوعين، أعني: المكي والمدني، فهي من آكد العبادات بعد الشهادتين والصلاة، وقد قرنت بالصلاة كثيرا، كما سيأتي بيان ذلك.
قال ابن جرير: قال قتادة: وكان يقال: إن الزكاة قنطرة الإِسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلف عنها هلك، وقد كان أهل الردة بعد نبي الله قالوا: أما الصلاة، فنصلي، وأما الزكاة، فوالله لا تغصب أموالنا، قال أبو بكر: والله لا أفرق بين شيء جمع الله بينه، والله لو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه 1.
ويقول ابن تيمية: وجعل الإِسلام مبنيا على أركان خمسة، ومن آكدها الصلاة، وهي خمسة فروض، وقرن معها الزكاة، فمن آكد العبادات: الصلاة وتليها الزكاة ففي الصلاة عبادته وفي الزكاة الإحسان إلى خلقه، فكرر فرض الصلاة في القرآن في غير آية، ولم يذكره إلا وقرن معها الزكاة 2.
وقال تلميذه ابن كثير:
كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإِنفاق من الأمواال، فإن الصلاة حق الله وعبادته، وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتوكل عليه، والإِنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم، وأولى الناس بذلك القرابات الأهلون والمماليك، ثم الأجانب، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بني الإِسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
1 تفسير ابن جرير (24/93) .
2 الفتاوى (25/6) .
رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت"، والأحاديث في هذا كثيرة. انتهى1.
وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} النساء77.
كان المؤمنون في ابتداء الإِسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة، وإن لم تكن ذات النصب، وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم2.
ويقول المراغي في تفسيره ما نصه:
"وقد فرضت الزكاة المطلقة في أول الإسلام، وكانت اشتراكية، والباعث عليها القلوب والضمائر، لا إكراه الحكام، ثم جعلت معينة محددة عندما صار للإسلام دولة، وسرُّ الوضع الأولى: أن جماعة المسلمين في مكة قبل الهجرة كانوا محصورين، ومنهم الموسر والمعسر، وصاحب الثروة وذو الفقر المدقع، فوجب أن يقوم أغنياؤهم بكفالة فقرائهم وجوبا دينيا إذا كانت الزكاة المعينة لا تكفيهم3.
ويقوله رشيد رضا4:
فرضت الزكاة المطلقة بمكة في أول الإسلام، وترك مقدارها ودفعها إلى شعور المسلمين وأرحيتهم، ثم فرض مقدارها من كل نوع من أول الأموال في السنة الثانية على المشهور.. اهـ.
ويشهد لهذا قول الضحاك: كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم، حتى نزلت فرائض الصدقات: سبع آيات في سورة براءة مما يذكر فيهن الصدقات، هن الناسخات المثبتات5.
ولقد وردت الزكاة في القرآن مجملة غير مفصلة ولا معروفة المقدار والأنصبة، لكن ثبت في السنة تفاصيلها وبيان مقدارها.
1 تفسير القرآن العظيم (1/ 65، 66) . ط دار الفكر.
2 تفسير القرآن العظيم (2/ 339) . ط دار الفكر.
3 تفسير المراغي 110/118.
4 تفسير المنار (10/ 215) .
5 تفسير القرآن العظيم (1/ 65) . ط دار الشعب.
ولقد اعتنى القرآن بهذا الركن العظيم وتنوعت صيغه يا الدلالة عليه كما سيأتي بيانه، وكيفية الاعتناء بهذا الغرض في كتاب الله تتضح لنا وتتجلى الأمور التالية:
أولا: أهمية الزكاة في القرآن والعناية بها:
إن الله سبحانه تولى بنفسه العظيمة قسمتها وبيان حكمها، قال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة. 6. وأخرج أبو داود في سننه بسند فيه ضعف من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك 1. وقال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية:
لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إيّاه في قسم الصدقات، بيّن تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره، فجزأها لهؤلاء المذكورين2.
ثانيا: أنها أحد أركان الإسلام الخمسة:
فإن الزكاة المفروضة أحد مباني الإسلام الخمسة، كما ثبت ذلك النقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان3.
بل هي الركن الثالث من أركان الإسلام، جعلها الله قرينة للصلاة في مواطن كثيرة من كتابه الحكيم.
1 رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب من يعطي الصدقة 2/ 281 رقم 1630 وفي سنده الأفريقي فيه ضعف.
2 تفسير القرآن العظيم (3/ 411) . ط دار الفكر.
3 صحيح البخاري كتاب الإيمان باب دعاؤكم إيمانكم (1/ 49) مع الفتح طبعة السلفية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
قال ابن زيد: افترض الله الصلاة والزكاة وأبى أن يفرق بينهما وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة1.
ثالثا: إن المرء يستحق أخوة الِإيمان والدخول في جماعة المسلمين إذا حقق ثلاثة أمور وهي: الشهادة والصلاة والزكاة، قال تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} التوبة 11.
قال الزين ابن المنير معلقا على هذه الآية: لأنها تضمنت أنه لا يدخل في التوبة من الكفر وينال أخوة المؤمنين في الدين إلا من أقام الصلاة وآتى الزكاة. أهـ 2.
رابعا: إن الله سبحانه لا يقبل توبة المشرك به إلا إذا حقق الثلاثة الأمور السابقة، وهي الشهادة والصلاة والزكاة.
يقول ابن كثير رحمه الله ت 774 هـ.
"ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه لا قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها، حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال، وهي الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته، ونبه بأعلاها على أدناها، فإن أشرف الأركان بعد الشهادة الصلاة التي هي حق الله عز وجل، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد للفقراء والمحاويج، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين، ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة"3. ويقول القرطبي رحمه الله:
"والأصل أن القتل متى كان للشرك يزول بزواله، وذلك يقتضي زوال القتل بمجرد التوبة من غير اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولذلك سقط القتل بمجرد التوبة قبل وقت الصلاة والزكاة، وهذا بين في هذا المعنى، غير أن الله تعالى ذكر التوبة، وذكر معها لشرطين آخرين، فلا سبيل إلى الغائهما"4.
1 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/ 81) .
2 تفسير القرآن العظيم (3/ 65) . ط دار الشعر.
3 فتح الباري (3/ 267) .
4 الجامع لأحكام القرآن (8/ 74) .
6-
وقال تعالى في أهل الكتاب عامة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} البينة 5
ابعا: إن القرآن حدد المصارف التي تصرف فيها الزكاة:
وهذا النص يبين لنا أن الله سبحانه تولى أمر صرف الزكاة بنفسه العليّة وقسّمها وبين حكمها، ولم يكل ذلك إلى أحد من خلقه، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فجزأها سبحانه بين هذه الأصناف الثمانية، وهذا يدل على العناية بأمر الزكاة وعظم شأنها، وأنه لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتصرف في هذه الفريضة وفق استحسانه أو هوا5 أو رغبته سواء كان المعطى قريباً أم بعيداً.
وعن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك 1.
ثامنا: كونها وردت في القرآن الكريم بصيغ متنوعة ومتعددة:
فقد وردت صراحة بلفظ الزكاة في عدة أماكن من القرآن الكريم.
ومرة وردت بلفظ الصدقة.
ومرة وردت بلفظ النفقة.
ومرة وردت بلفظ العفو.
وسيأتي بيان هذا كله إن شاء الله تعالى في باب معاني الزكاة في القرآن الكريم.
تاسعا: كونها مفروضة في العهد المكي جملة، ومفصلة في العهد المدني حيث ذكرت
1 رواه أبو داود في الزكاة باب من يعطي الصدقة وحد الغنى رقم 1630، وفي سنده الأفريقي فيه ضعف. وانظر تفسير ابن كثير (4/ 105) .
الزكاة صراحة في بعض السور المكية، مثل قوله تعالى في سورة المزمل:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} . وفي سورة المؤمنون: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} .
ووردت في بعض السور الأخرى بغير لفظ الزكاة، كما في سورة الأنعام:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، وفي سورة الذاريات:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} ، وفي سورة المعارج:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} إلى غير ذلك من السور المكية التي ذكرت فيها الزكاة صراحة، إلا أن الزكاة في ذلك العهد لم تفصل أحكامها، وتتضح مقاديرها، وتذكر شروطها، ويعرف مستحقها، لكن جاء في الآيات المدنية بيان مستحقيها، والحث على ايتائها. وبينت السنة المطهرة أحكامها ومقاديرها وشروطها. يقول ابن كثير في أول سورة المؤمنون ما نصه:
وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة. والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه} آية 1411.
وقال في آخر سورة المزمل ما نصه:
وقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} : أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم، وآتوا الزكاة المفروضة، وهذا يدل لمن قال: إن فرض الزكاة نزل بمكة، لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة، والله تعالى أعلم2.
1 تفسير ابن كثير (5/457) .
2 تفسير ابن كثير (8/386) .
معاني الزكاة في القرآن الكريم
تكرر لفظ الزكاة في القرآن الكريم حوالي اثنين وثلاثين مرة، وردت معرفة بالألف واللام في ثمانية وعشرين موضعا، ووردت منكرة في بقية المواضع، وفي أحد هذه المواضع المعرفة وردت في سياق واحد مع الصلاة، وإن كان يفصل بينهما آية واحدة، وذلك في أول سورة المؤمنون، قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} .
وقرنت الزكاة بالصلاة في ستة وعشرين موضعا.
ووردت في القرآن الكريم بغير لفظها الصريح، كالإنفاق والصدقة والعفو وهي بمعنى الزكاة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
والقرآن الكريم لما عبر عن الزكاة بلفظها الصريح، لم يقصره ويحصره على الزكاة المفروضة، بل جعل له دلالات ومعان أخر، كما أنه لم يحصر أو يقصر التعبين عن الزكاة المفروضة بلفظ الزكاة الصريح، بل عبر عنها بألفاظ أخرى كما أشير إليه أعلاه.
يقول ابن العربي رحمه الله: تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو.1
وقال: والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض2.
ولنبدأ الآن في الشروع في بيان معاني لفظ الزكاة الواردة في القرآن الكريم بلفظ الزكاة أو مشتقاتها:
أولا: أطلق القرآن الكريم لفظ الزكاة، وأريد بها معان عدة3
المعنى الأول: الزكاة المفروضة:
وهذا المعنى تكرر في القرآن في أغلب المواطن التي ذكر فيها لفظ الزكاة خاصة إذا كانت مقرونة بالصلاة، ومن ذلك:
1 نقلاً عن فتح الباري (3/262) .
2 أحكام القرآن (2/ 959) ، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/ 168.
3 ذكر الفيروز آبادي أنه ورد على ستة عشر وجهاً، انظر بصائر ذوي التمييز (3/ 134) .
ا- قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} البقرة 43.
قال قتادة: فريضتان واجبتان فأدوهما إلى الله. 1.
وقال الطبري: أما إيتاء الزكاة، فهو أداء الصدقة المفروضة.
وقال الحسن: فريضة واجبة لا تنفع الأعمال إلا بها مع الصلاة.
وقال أبو محمد بن أبي حاتم وكذا روى عن عائشة2.
وقال البغوي: أدوا زكاة أموالكم المفروضة3 وقال ابن عطية: والزكاة في هذه الآية هي المفروضة بقرينة إجماع الأمة على وجوب الأمر بها4.
وقال القرطبي: أمر أيضاً يقتضي الوجوب. والإيتاء: الإعطاء، ثم قال: واختلف في المراد بالزكاة هنا، فقيل: الزكاة المفروضة لمقارنتها بالصلاة 5، وحكى أن هذا قول أكثر العلماء.
2-
وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} البقرة 83.
روى ابن جرير بسند فيه ضعف عن الضحاك عن ابن عباس قال: إيتاء الزكاة ما كان الله فرض عليهم في أموالهم من الزكاة، وهي سنة كانت لهم غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم كانت زكاة أموالهم قربانا تهبط إليه نار فتحملها فكان ذلك تقبله، ومن لم تفعل النار به ذلك كان غير متقبل، وكان الذي قرب من مكسب لا يحل من ظلم أو غشم، أو أخذ بغير ما أمر الله به وبينه له6.
وقال أبو الليث السمرقندي: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} : المفروضة7.
1 تفسير ابن جرير (1/257) .
2 تفسير ابن أبي حاتم (1/ 150) ، وبحر العلوم للسمرقندي (1/ 339)
3 تفسير البغوي (1/67) .
4 تفسير ابن عطية (1/256) .
5 الجامع لأحكام القرآن (1/343-344) ، وابن كثير (1/ 85) .
6 تفسير ابن جرير (1/393) .
7 بحر العلوم (1/408) .
3-
وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} البقرة 115.
قال مقاتل بن سليمان: يعني: أعطوا الزكاة المفروضة 1.
4-
وقوله تعالى: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ} البقرة 177.
قال سعيد بن جبير: {وَآتَى الزَّكَاةَ} : يعني الزكاة المفروضة 2.
وكذلك قال مسلم بن يسار.
وقال مقاتل بن سليمان: {وَآتَى} : وأعطى، {الزَّكَاةَ} : المفروضة 3 وكذلك فسرها أبو الليث السمرقندي4.
5-
وقوله تعالى: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة 277
قال ابن جرير: وآتوا الزكاة المفروضة عليهم في أموالهم 5.
وقال مقاتل بن سليمان: يعني: وأعطوا الزكاة من أموالهم 6.
6-
وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة
…
الآية} النساء77.
قال ابن جرير: "ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد، وقد فرض عليهم الصلاة والزكاة، وكانوا يسألون الله أن يفرض عليهم القتال، فلما فرض عليهم القتال شق ذلك عليهم، وقالوا ما أخبر الله عنهم في كتابه7.
1 تفسير الخمسمائة آية ص 135.
2 الدر المنثور (1/ 416-417) .
3 تفسير مقاتل (1/ 157) .
4 انظر بحر العلوم (547/1) .
5 تفسير ابن جرير (3/106) .
6 تفسير مقاتل (1/226) .
7 تفسير الطبري 5/ 170.
وهذا السبب الذي ذكره ابن جرير ساقه بإسناده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله: كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة، فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا، فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال، فكفوا فأنزل الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُم ْ
…
الآية} .
وهذا الحديث رواه ابن أبي حاتم والنسائي والحاكم وابن مردويه كما ذكر ذلك ابن كثير1.
المعنى الثاني: المراد به الشهادة:
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} فصلت 6-7.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الذين لا يشهدون لا إله إلا الله2.
وقال عكرمة: الذين لا يقولون لا إله إلا الله.
قال ابن كثير: والمراد بالزكاة ههنا طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة ومن أهم ذلك طهارة النفس من الشرك3.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بالآية المذكورة زكاة الأموال، وهذا مروي
عن قتادة والسدي4.
وصوّب هذا القول الحافظ ابن جرير بناء على أن ذلك هو الأشهر من معنى الزكاة، وقال ابن كثير: وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير، وفيه نظر، لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة على ما ذكره غير واحد، وهذه الآية مكية5.
1 تفسير القرآن العظيم (2/ 339) .
2 تفسير ابن جرير (24/92) .
3 تفسير القرآن العظيم (6/162) .
4 تفسير ابن جرير (93/24) ، وانظر تفسير القرآن العظيم (6 / 162) .
5 تفسير القرآن العظيم (6/162) .
المعنى الثالث: إن المراد بها تزكية البدن، وتطهيره من الذنوب والمعاصي:
قال تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} مريم 31.
فسرت الزكاة في هذا الموضع بمعنيين:
الأول: أن المراد بها زكاة الأموال.
والثاني: تطهير الجسد من دنس الذنوب، وهو الذي مال إليه الحافظ ابن جرير1.
ومنذ قوله تعالى: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً} مريم 13.
قال ابن جرير: الطهارة من الذنوب، واستعمال بدنه في طاعة ربه (2) . وكذلك قوله تعالى: بوليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبي!! ن واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلن وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة
…
الآية! هو البقرة 177. قال ابن كثير:
وقوله:! ووءاتى الزكاة! يحتمل أن يكون المراد به زكاة النفس وتخليصها من الأخلاق الدنية الرذيلة، كقوله: (قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها! والشمس 9-15، وقول موسى لفرعون: كوهل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى! والنازعات 8 ا-19. وقوله تعالى:! ووويل للمشركين الذين لأ يؤتون الزكاة! وفصلت 7.
ويحتمل أن يكون المراد زكاة المالي، كما قال سعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، ويكون المذكور من اعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين إنما هو التطوع والبر والصلة، ولهذا ورد في الحديث عن فاطمة بنما قيس: أن في المال حقا سوى الزكاة، والله أعلم (3) أهـ.
(1) تفسير ابن جرير (16/ 81) ، وانظر زاد المسير (5/ 229) .
(2)
تفسير ابن جرير (57/16) .
(3)
تفسير ابن كثير (1/ 299) .
ثانيا: عبر عن الزكاة في القرآن الكريم بغيريفظها الصريح، وهو أنواع:
أطلق لفظ الصدقة والمراد به الزكاة:
قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمسحن والعاملن عليها والمؤلفة قلويهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله علينم حكيم) التوبة 60.
فقوله: (فريضة من الله وهو: أي حكما مقدرا بتقدير الله وفرضه وقسمه.
ومن ذلك قوله تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) التوبة 58.
وقوله تعالى: (وخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) التوبة 103.
وقوله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لايحب كل كفار أثيم) البقرة 276.
2-
الإِنفاق: أطلق وأريد به الزكاة، ومن ذلك:
قوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون) البقرة 3
وقوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) التوبة 34.
من أوجه اليسر في الزكاة:
أولا: كون الزكاة مفروضة في الأموال الفضليّة دون الأموال المعدة للقنية والاحتياج (كالمنزل الذي يسكنه والعقار الذي يحتاج إليه والأواني والفرش والأثاث التي يستعملها، وعبيد الخدمة وحيوانات العمل)(1) .
ثانيا: أن ايجابها مشروط بشرطين:
أ- بلوغ النصاب.
2-
أن يحول عليه الحول.
(1) إرشاد أولى البصاثر والألباب للسعدي ص 71.
ثالثا: أمر الشارع بالتوسط في أخذ الزكاة، فلا يؤخذ من المزكى كرائم ماله، ولا الرديء المغمض فيه.
رابعا: فرق الشارع الحكيم في الزكاة في الخارج من الأرض من الثمار فما خرج منها بمؤنة كسقي ففيه نصف العشر، وما خرج منها بلا مؤنة كسقي المطرففيه العشر، وهذا مشروط بأن تبلغ ثلاثمائة صاع فصاعدا.
خامسا: ما عثرعليه من دفن الجاهلية سواء كان كثيرا أوقليلا ففيه الخمس، وهو المعروف بالركاز، للحديث المتفق عليه: في الركاز الخمس (1) ، وهذا من اليسر، حيث لم يأخذه كله أو نصفه.
سادسا: أوجب الشرل الزكاة في الخارج من الأرض من الثمار عند حصاده، لقوله تعالى:(وءاتوا حقه يوم حصاده) الأنعام 141، وهذا فيه يسر من ناحيتين:
الأولى: يسر اخراجه على مالكه.
والثانية: تعلق طمع المحتاج إليه في تلك الحالة (2) .
سابعا: لم يوجب الشرع الزكاة في بهيمة الأنعام حتى تبلغ النصاب المقدر شرعا
(ثم من تسهيله لم يوجب ثا هذا النوع حتى تتغذى بالمباح، وتسوم الحول أوأكثره، فإذا كان صاحبها يعلفها، فلا يجمع عليه بين مؤنة العلف وايجاب الزكاة عليه (3) .
الَاثار المترتبة على أداء الزكاة:
أولا: تحقيق الطاعة والعبودية لله سبحانه، والِإتباع لرسوله علميه، قال تعالى:(ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) الأحزاب 71.
ثانيا: كونهاتطهيراللنفس وتزكية لها.
قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها..) التوبة 103.
(1) رواه البخاري في الزكاة باب في الركاز الخمس 1/ 465 ومسلم في الحدود باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار 1334/3 رقم 45، 46.
(2)
إرشاد أولى البصائر والألباب ص 73.
(3)
المصدر السابق ص 73.
يقول ابن سعدي رحمه الله: ولهذا سميت زكاة لأنها تزكى صاحبها فيزداد إيمانه
ويتم إسلامه.
ثالثا: كونها تطهيراً للمال وزيادة يا نمائه وسببا في بركته:
قال تعالى: (وماءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) الروم 39.
وقال تعالى: (ويمحق الله الربا ويربب الصدقات) البقرة 268.
وقال تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) سبأ 39.
رابعا: القضاء على الشح فإنه خصلة ذميمة وخلق سيء:
قال تعالى: (لووكان الانسان قتوراً) الِإسراء100.
وقال تعالى: (وأحضرت الأنفس الشح) النساء128.
والإِقتار والشح قيود للإِنسان وعبودية، والمطلوب منه أن يكسرتلك القيود ويخلص العبودية لخالقه، فبإخراجه الزكاة طيبة بها نفسه خالصة بها نيته علو وارتفاع.
خامسا: التعود على الِإنفاق والبذل والعطاء.
والِإنفاق خصلة كريمة، وصفة رفيعة، وخلق جميل، ضد الشح تماما، بل هو علامة على الإِسلام والإِيمان والتقوى.
قال تعالى: (والذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) البقرة 3.
وقال تعالى: (الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا
لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) الأنفال 2، 3.
يقول عبد القادر عودة:
"على أن الإِنفاق يعتبرها الاسم أصلا من أصول البر، أي الخير، فلا يتم الخيرإلا بالِإنفاق، لقوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر منءامن بالله واليوم الَاخر والملائكة والكتاب والنبي!! ن وءاتى المال على حبه ذوي القربى
واليتامى والمساكن وابن السبيل والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (1) .
ولقد ورد الحث على الِإنفاق في القرآن في مواطن متعددة، ومن أهم ذلك أن القرآن المكي اعتنى بهذا الخلق العظيم:
قال تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما زقناهم ينفقون) الشورى 38.
وقال تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) المعارج 25.
وقال تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ومايغني عنه ماله إذا تردى) الليل 5- اا.
وقال تعالى: (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلأ ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى)(2) .
سادسا: كونها عونا لأهل الحاجات ورفعا لكرامتهم وصونا لها:
يقول القرضاوي: والزكاة بالنظر لأخذها تحرير للِإنسان مما يمس كرامة الإِنسان، ومؤازرة عملية ونفسية له في معركته الدائرة مع أحداث الحياة، وتقلبات الزمان، فمن الذي يأخذ الزكاة ويستفيد منها من الأفراد:
إنه الفقيى الذي أتعبه الفقر.
أو المسكين الذي أرهقته المسكنة.
أو الرقيق الذي أذله الرق.
أو الغارم الذي أضناه الدين.
أو ابن السبيل الذي أبأسه الانقطاع عن الأهل والمال (3) .
(1) المال والحكم في الِإسلام، ص 52 ط 4، الدأر السعودية للنشر.
(2)
انظر فقه الزكاة للقرضاوي (2/ 59 هـ 862) .
(3)
فقه الزكاة للقرضاوي (2/ 872) .