المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من لم يجد الهدي: - مناسك الحج لابن تيمية ط ركائز

[ابن تيمية]

الفصل: ‌من لم يجد الهدي:

ف‌

‌مَنْ لم يَجِدِ الهديَ:

صامَ ثلاثةَ أيامٍ قبلَ يومِ (1) النحرِ (2)، وسبعةً إذَا رجعَ (3).

ولَهُ أنْ يصومَ الثلاثةَ مِنْ حينَ أَحْرَمَ بالعمرةِ في أَظْهَرِ أقوالِ العلماءِ، وفيها (4) ثلاثُ رواياتٍ عنْ أحمدَ رضي الله عنه:

- قِيلَ: إنَّهُ (5) يصومُهَا قبلَ الإحرامِ بالعمرةِ (6).

- وقيل (7): لا يصومُهَا إلَّا بعدَ الإحرامِ بالحجِّ (8).

(1) قوله: (يوم) سقط من (ج).

(2)

واختار شيخ الإسلام: وجوب صومها قبل يوم النحر.

والمذهب: يجب صومها فجر يوم النحر. ينظر: شرح العمدة 5/ 66، الإنصاف 3/ 513.

(3)

زيد في (د): (إلى أهله).

(4)

في (ج) و (د): (وفيه).

(5)

في (أ): (له أن).

(6)

قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (5/ 68): (ذكر القاضي وابن عقيل: رواية أخرى أنه يجوز صومها قبل الإحرام بالعمرة من أول أشهر الحج).

قال في المغني (3/ 418): (وأما تقديم الصوم على إحرام العمرة؛ فغير جائز، ولا نعلم قائلًا بجوازه، إلا رواية حكاها بعض أصحابنا عن أحمد، وليس بشيء؛ لأنه لا يقدم الصوم على سببه ووجوبه، ويخالف قول أهل العلم، وأحمد ينزه عن هذا).

(7)

وهو مذهب المالكية والشافعية. ينظر: بداية المجتهد 2/ 133، روضة الطالبين 3/ 53.

(8)

قوله: (إلَّا بعدَ الإحرامِ بالحجِّ، وقيل: يصومها) هو في (ب): قيل: له أن =

ص: 128

- وقيل: يصومها (1) من حين الإحرام (2) بالعمرة، وهُوَ الأرجحُ (3).

- وقدْ قيلَ: إنه (4) يصومُهَا بعدَ التحلُّلِ منَ العمرةِ (5)؛ فإنَّهُ من (6) حينئذٍ شَرَعَ في الحجِّ، ولكنْ دَخَلَتِ العمرةُ في الحجِّ [إلى يوم القيامة (7) كما دخلَ الوُضوءُ في الغُسْلِ، قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ](8) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (9)، وأصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانُوا متمتِّعِينَ معهُ، وإنَّما أَحْرَمُوا بالحجِّ يوم التروية، وحينئذ فلا بدَّ من صوم بعض الثلاثة (10) قبل الإحرام بالحجِّ.

= يصومها قبل الإحرام، وقيل: يصومها من حين أحرم قبل الإحرام بالعمرة.

(1)

قوله: (إلَّا بعدَ الإحرامِ بالحجِّ. وقيل: يصومها) سقطت من (أ).

(2)

في (أ): (يحرم)، وفي (ب):(أحرم).

(3)

وهو مذهب الحنفية والحنابلة. ينظر: المبسوط 4/ 181، الإنصاف 3/ 513.

(4)

في (أ) و (ب): أيضاً.

(5)

وهي رواية عن أحمد. ينظر: الإنصاف 3/ 513.

(6)

قوله: (من) سقط من (ج) و (د).

(7)

قوله: (إلى يوم القيامة) سقط من (ج).

(8)

ما بين معقوفتين سقط من (د).

(9)

تقدم تخريجه صفحة (117).

(10)

قوله: (الثلاثة) سقط من (ج).

ص: 129

ويُسْتَحَبُّ أنْ يشرَبَ مِنْ ماءِ زمزمَ، ويتضلَّعَ منه (1)، ويدعُوَ عندَ شُرْبِه (2) بما شاءَ (3) مِنَ الأدْعِيَةِ الشرعيةِ (4)، ولا يُسْتَحَبُّ الاغتسالُ مِنْهَا (5).

وأمَّا زيارَةُ المساجدِ التي بُنِيَتْ بمكَّةَ غيرَ المسجدِ الحرامِ؛ كالمسجدِ الذي تحتَ الصَّفَا، ومَا (6) فِي سَفْحِ أبي قُبَيْسٍ، ونحوِ ذلكَ مِنَ المساجدِ الَّتِي بُنِيَتْ على آثارِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ؛ كمسجدِ الْمَوْلِدِ (7) وغيرِه، فليسَ قَصْدُ شيءٍ مِنْ ذلِكَ مِنَ السُّنَّةِ، ولا استحبَّهُ (8) أحدٌ مِنَ الأئمةِ، وإنَّما المشروعُ إتيانُ المسجدِ الحرامِ

(1) في (أ): (منها).

(2)

في (أ) و (ب): (شربها).

(3)

في (د): (يشاء).

(4)

ومن ذلك ما ورد عن عكرمة قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شرب من زمزم قال: «اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ» رواه الدارقطني (2738). وضعفه الألباني في الإرواء (4/ 332).

(5)

والمذهب: يباح رفع الحدث من ماء زمزم.

وعنه: يكره الغسل وحده، واختاره شيخ الإسلام.

وعنه: يكره الوضوء والغسل. ينظر: مجموع الفتاوى 12/ 600، الإنصاف 1/ 27.

(6)

في (ب): (والمسجد الذي).

(7)

أي البيت الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بني فيه مسجد. ينظر: أخبار مكة للأزرقي 2/ 198.

(8)

في (ب): (يستحبه).

ص: 130

خاصَّةً، والمشاعِرِ؛ عرفةَ، ومزدلِفَةَ، ومنىً (1)، [والصَّفَا، والمروةِ.

وكذلك قَصْدُ الجبالِ والبِقَاعِ التي حَوْلَ مكةَ غيرِ المشاعِرِ؛ عرفةَ ومزدلفةَ ومِنًى] (2)، مثلُ جبلِ حِرَاءَ، والجبلِ الذي عند مِنًى الذي يُقَالُ (3): إنَّهُ كان فيه (4) قُبَّةُ الفِدَاءِ، ونحوِ ذلِكَ، فإنَّهُ ليسَ مِنْ سُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم زيارةُ شيءٍ مِنْ ذلِكَ، بلْ هو بدعةٌ.

وكذلِكَ ما يُوجَدُ في الطرقاتِ مِنَ المساجِدِ المبنيةِ على الآثارِ والبقاعِ الَّتِي يقالُ: إنَّها (5) مِنَ الآثارِ؛ لم يَشْرَعِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قصد (6) شيءٍ مِنْ ذلكَ بخصوصِهِ (7)، ولا زيارةَ شيءٍ مِنْ ذلكَ (8).

ودخولُ نفس (9) الكعبةِ ليسَ بفرضٍ ولا سُنَّةٍ مؤكَّدَةٍ، بلْ دخولُها حَسَنٌ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يدخُلْها فِي الحجِّ ولَا في العمرةِ؛ لَا (10)

(1) قوله: (ومنى) سقط من (ج) و (د).

(2)

ما بين معقوفين سقط من (ب).

(3)

زيد في (د): (له).

(4)

قوله: (كان فيه) سقط من (ب).

(5)

في (د): (لها).

(6)

في (ج) و (د): (زيارة).

(7)

قوله: (بخصوصه) سقط من (ب)، وهو في (د):(خصوصه).

(8)

قوله: (ولا زيارة شيء من ذلك) سقط من (ب).

(9)

قوله: (نفس) سقط من (ج) و (د).

(10)

في (ب): (ولا).

ص: 131

عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، ولا عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وإِنَّمَا دخلَها عامَ فتحِ مكةَ (1).

ومَن دخلَها يُسْتَحَبُّ (2) له أنْ يصلِّيَ فيها، ويُكَبِّرَ اللهَ ويَدْعُوَهُ ويَذْكُرَهُ، وإذَا (3) دخلَ مِنَ (4) البابِ تقدم (5) حتى يصيرَ بينَهُ وبينَ الحائطِ ثلاثةُ أَذْرُعٍ والبابُ خلْفَهُ، فذلِكَ هو المكانُ الذي صلَّى فيهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولَا يدخلُها إلَّا حافِيًا.

والحِجْرُ أَكْثَرُهُ مِنَ البيتِ مِنْ حيثُ ينحني، وأما (6) حائِطُه: فمَنْ دخلَهُ فهو كَمَنْ دخلَ الكعبةَ.

وليسَ على داخِلِ الكعبةِ مَا ليسَ على غَيْرِهِ مِنَ (7) الحُجَّاجِ، بل يجوزُ له مِن المشيِ حافِيًا، وغيرِ ذلِكَ ما (8) يجوزُ لِغَيْرِهِ.

(1) رواه البخاري (397)، ومسلم (1329) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة، وبلال، وعثمان بن طلحة الحَجَبي، فأغلقها عليه، ثم مكث فيها، قال ابن عمر: فسألت بلالًا حين خرج: ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «جعل عمودين عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه - وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة - ثم صلى» .

(2)

في (ب): (استحب).

(3)

في (ج) و (د): (فإذا).

(4)

في (ج) و (د): (مع).

(5)

في (أ) و (ب): (مشى).

(6)

قوله: (ينحني، وأما) سقط من (أ) و (ب).

(7)

قوله: (من) سقط من (د).

(8)

قوله: (ما) سقط من (أ) و (ب).

ص: 132

والإكثارُ مِنَ الطوافِ بالبيتِ؛ مِنَ الأعمالِ الصالحةِ، فهو (1) أفضلُ مِنْ أنْ يخرُجَ الرجلُ مِنَ الحرم (2) ويأتِيَ بعمرةٍ (3) مكيَّةٍ؛ فإنَّ هذا لم يكنْ مِنْ أعمالِ السابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ المهاجرِينَ والأنصارِ، ولا رَغَّبَ فيهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِهِ (4)، بلْ كَرِهَهُ السلفُ (5).

(1) في (أ) و (ب): (هو).

(2)

في (أ) و (ب): (الحرة).

(3)

في (أ): عمرة. وفي (ب): (عمرات).

(4)

في (ب): (وأمته).

(5)

قوله: (السلف) سقط من (ب)، وهو في (د):(السلف الصالح).

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (26/ 248): (أما من كان بمكة من مستوطن ومجاور وقادم وغيرهم؛ فإن طوافه بالبيت أفضل له من العمرة، وسواء خرج في ذلك إلى أدنى الحل - وهو التنعيم الذي أحدث فيه المساجد التي تسمى مساجد عائشة -، أو أقصى الحل من أي جوانب الحرم، سواء كان من جهة الجعرانة أو الحديبية أو غير ذلك، وهذا المتفق عليه بين سلف الأمة، وما أعلم فيه مخالفًا من أئمة الإسلام في العمرة المكية).

وقال (26/ 264): (وهذا الذي ذكرناه مما يدل على أن الطواف أفضل فهو يدل على أن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب؛ بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار؛ بل الاعتمار فيه حينئذ هو بدعة لم يفعله السلف، ولم يؤمر بها في الكتاب والسنة، ولا قام دليل شرعي على استحبابها، وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة باتفاق العلماء، ولهذا كان السلف والأئمة ينهون عن ذلك، فروى سعيد في سننه عن طاوس أجلّ أصحاب ابن عباس قال: الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون؟ قيل: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء، وإلى =

ص: 133

فصلٌ

وإذَا دَخَلَ المدينةَ قبلَ الحجِّ أو بعدَهُ: فإنَّهُ يأتِي مسجدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويصلِّي فيهِ، والصَّلاةُ فيهِ خيرٌ مِنْ ألفِ صلاةٍ فيما سِوَاهُ إلَّا المسجدَ الحرامَ (1)، ولَا تُشَدُّ الرحالُ إلَّا إليهِ وإلَى المسجدِ الحرامِ

= أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء.

قال أبو طالب: قيل: لأحمد بن حنبل: ما تقول في عمرة المحرم؟ فقال: أي شيء فيها؟ العمرة عندي التي تعمد لها من منزلك، قال الله:{وأتموا الحج والعمرة لله} وقالت عائشة: إنما العمرة على قدره؛ يعني على قدر النصب والنفقة، وذكر حديث علي وعمر: إنما إتمامها أن تحرم بها من دويرة أهلك

وعن عائشة أيضًا قالت: لأن أصوم ثلاثة أيام أو أتصدق على عشرة مساكين أحب إلي من أن أعتمر العمرة التي اعتمرت من التنعيم. وقال طاوس: فمن اعتمر بعد الحج ما أدري أيعذبون عليها أم يؤجرون؟ وقال عطاء بن السائب: اعتمرنا بعد الحج فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير.

وقد أجازها آخرون؛ لكن لم يفعلوها، وعن أم الدرداء أنه سألها سائل عن العمرة بعد الحج، فأمرته بها. وسئل عطاء عن عمرة التنعيم فقال: هي تامة ومجزئة. وعن القاسم بن محمد قال: عمرة المحرم تامة.

وروى عبد الرزاق في مصنفه: قال أخبرني من سمع عطاء يقول: طواف سبع خير لك من سفرك إلى المدينة

).

(1)

رواه البخاري (1190)، ومسلم (1394) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 134

والمسجدِ الأَقْصَى، هكَذَا (1) ثَبَتَ في الصحيحَيْنِ مِنْ (2) حديثِ أبِي هُرَيْرَةَ (3) وأَبِي سعيدٍ (4)، وهو مَرْوِيٌّ مِنْ طرقٍ أُخَرَ (5).

ومسجِدُهُ كانَ أصغرَ مما هو اليومَ، وكذلكَ المسجدُ الحرامُ، لكنْ زادَ فيهِمَا الخلفاءُ الرَّاشِدُونَ ومَنْ بعدَهُمْ، وحُكْمُ الزيادةِ حُكْمُ الْمَزِيدِ في جميعِ الأحكامِ.

ثمَّ يُسَلِّمُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحِبَيْهِ، فإنَّهُ قدْ (6) قالَ:«مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» ، رواهُ أبُو داودَ وغيرُهُ (7)، وكانَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ إذَا دخلَ المسجدَ يقولُ (8): «السَّلَامُ عليكَ يَا رسولَ اللهِ، السلامُ عليكَ يَا أَبَا بكرٍ، السلامُ

(1) في (ب): (وهكذا).

(2)

قوله: (من) سقط من (د).

(3)

البخاري (1189)، ومسلم (1397).

(4)

البخاري (1188)، ومسلم (827).

(5)

في (ب): (طريق أخرى).

فرواه أحمد (23850) من حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه، ورواه ابن ماجه (1410) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.

(6)

قوله: (قد) سقط من (ب).

(7)

رواه أبو داود (2041)، وأحمد (10815) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال شيخ الإسلام في الإخنائية ص 98:(رواه أبو داود وغيره بإسناد جيد).

(8)

في (ج): (يقول إذا دخل المسجد).

ص: 135

عليكَ يَا أَبَتِ»، ثم ينصرِفُ (1)، وهكَذَا كانَ الصحابةُ يسلِّمُونَ عليه.

وإذا قالَ في سَلَامِهِ (2): السلامُ عليكَ يَا رسولَ اللهِ، السلام عليك (3) يا نَبِيَّ اللهِ، يَا خِيَرَةَ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ، يا أَكْرَمَ الخَلْقِ على رَبِّهِ، يا إمامَ الْمُتَّقِينَ؛ فهذَا كُلُّهُ (4) مِنْ صفاتِهِ [بِأَبِي هُوَ وأُمِّي صلى الله عليه وسلم.

وكذلِكَ] (5) إذَا (6) صلَّى عليهِ مَعَ السلامِ عليهِ؛ فهذَا مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ.

[ويسلِّمُ عليهم (7) مستقْبِلَ الحُجْرَةِ، مُسْتَدْبِرَ (8) القِبْلَةِ عندَ أكثرِ العلماءِ؛ كمالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمدَ (9).

(1) رواه عبد الرزاق (6724). وصححه الألباني في فضل الصلاة (ص 24).

(2)

قوله: (في سلامه) سقط من (ب).

(3)

قوله: (السلام عليك) سقط من (ج) و (د).

(4)

زيد في (د): (جائز).

(5)

ما بين معقوفين سقط من (ب).

(6)

قوله: (وكذلك إذا) هو في (أ) و (ب): (وإذا).

(7)

قوله: (ويسلم عليهم) سقط من (د)، وهو في (ب):(ويسلم عليه)، وهو في (ج):(ويسلمون عليه).

(8)

في (ج) و (د): (مستقبلي الحجرة مستدبري).

(9)

ينظر: المدخل لابن الحاج 1/ 261، المجموع 8/ 273، شرح المنتهى 1/ 594.

ص: 136

وأمَّا أبو حنيفةَ فإنه قالَ (1): يستقبِلُ القبلةَ. فمِنْ أصحابِهِ مَنْ قالَ: يستدبِرُ الحُجْرَةَ، ومنهم مَنْ قالَ: يَجْعَلُهَا عَنْ يسارِهِ (2).

واتَّفَقُوا على أنَّه لا يَسْتَلِمُ الحُجْرَةَ (3)، ولا يُقَبِّلُهَا، ولا يطوفُ بها، ولَا يُصَلِّي إليها] (4)، ولا يدعُو هناكَ مُسْتَقْبِلَ الحجرةِ؛ فإنَّ هذا كلَّهُ مَنْهِيٌّ عنه باتِّفَاقِ الأئمةِ.

ومالِكٌ مِنْ أعظمِ الأئمةِ كراهيةً لذلِكَ، والحكايةُ الْمَرْوِيَّةُ عنه: أنَّهُ أَمَرَ المنصورَ أنْ يستقبِلَ الحجرةَ وقتَ الدعاءِ؛ كَذِبٌ على مالِكٍ.

ولا يَقِفُ عندَ القبرِ للدعاءِ (5) لِنَفْسِهِ؛ فإنَّ هَذَا بدعةٌ، ولَمْ يكنْ أَحَدٌ مِنَ الصحابةِ يَقِفُ عندَهُ يدعو (6) لِنَفْسِهِ، ولكن كانوا يَسْتَقْبِلُونَ القِبْلَةَ ويدعونَ في مَسْجِدِهِ، فإنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ:«اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» (7)، وقالَ: «لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ

(1) في (ج) و (د) بدل (فإنه قال): (قال).

(2)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار 1/ 176، مراقي الفلاح 1/ 283.

(3)

قوله: (ومنهم مَنْ قالَ: يَجْعَلُهَا عَنْ يسارِهِ، واتَّفَقُوا على أنَّه لا يَسْتَلِمُ الحُجْرَةَ) سقط من (ب).

(4)

ما بين معقوفين ذكر في (ج) و (د) بعد قوله: (ويسلمون عليه).

(5)

في (د): (يدعو).

(6)

في (ب): (ويدعو).

(7)

رواه مالك (1/ 172) مرسلاً. قال شيخ الإسلام في حقوق آل البيت =

ص: 137

قبورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» (1)، وقالَ:«أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» ، فقالُوا: كيفَ تُعْرَضُ صلاتُنا عليكَ وقدْ أَرِمْتَ؟ أَيْ: بَلِيتَ. قالَ: «إِنَّ اللَّهَ تعالى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجسادَ (2) الْأَنْبِيَاءِ» (3)، فأخبرَ أنَّهُ يسمعُ الصلاةَ والسلامَ مِنَ القريبِ، وأنَّهُ يبُلَّغُ ذلِكَ مِنَ (4) البعيدِ.

وقالَ: «لَعَنَ اللَّهُ (5) الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ، يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا، قَالَتْ عائشةُ: «ولَوْلَا ذلِكَ لأُبْرِزَ (6)

= (ص 58): (ثابت).

(1)

رواه أحمد (8804) وأبو داود (2041) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال شيخ الإسلام في الإخنائية (ص 105): (حديث حسن ورواته ثقات مشاهير، لكن عبد الله بن نافع الصائغ؛ فيه لين لا يمنع الاحتجاج به).

(2)

في (أ) و (ب): (لحوم).

(3)

رواه أحمد (16162)، أبو داود (1047)، والنسائي (1374)، وابن ماجه (1085) من حديث أوس بن أبي أوس رضي الله عنه دون قوله:(وليلة الجمعة). قال شيخ الإسلام في الإخنائية (ص 144): (له شواهد)، وصححه الألباني.

وروى البيهقي (3/ 249) عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيلَةَ الجُمُعَة» .

(4)

قوله: (ويبلغ ذلك من) سقط من (د)، وهو في (ب): يبلغه ذلك.

(5)

في (ب): (لعنة الله على).

(6)

في (أ): (أبرز).

ص: 138

قَبْرُهُ، ولكِن (1) كَرِهَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا»، أخرجَاهُ في الصحيحَيْنِ (2).

فدَفَنَتْهُ الصحابَةُ في موضِعِهِ الذِي ماتَ فيهِ مِنْ حُجْرَةِ عائشةَ، وكانتْ هِيَ وسائِرُ الحُجَرِ خارجَ المسجدِ مِنْ قِبْلِيِّهِ وشَرْقِيِّهِ (3)، لكِنْ لَمَّا كانَ في زمنِ الوليدِ بنِ عبدِ الملكِ عمرَ (4) هذا المسجدَ وغيرَهُ، وكانَ نائبُه على المدينةِ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، فأَمَرَ أنْ تُشْتَرى (5) الحُجَرُ ويُزَادَ (6) في المسجدِ، فدَخَلَتِ الحُجْرَةُ في المسجدِ مِنْ ذلِكَ الزمانِ، وبُنِيَتْ منحرفةً عنِ القبلةِ مُسَنَّمَةً؛ لئلَّا يصلِّيَ أحدٌ إليها؛ فإنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ:«لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» ، رواهُ مسلِمٌ عنْ أبِي مَرْثَدٍ (7) الغَنَوِيِّ (8)، والله أعلم (9).

وزيارَةُ القبورِ علَى وَجْهَيْنِ: زيارةٍ شرعيَّةٍ، وزيارةٍ بِدْعِيَّةٍ.

فالشَّرعِيَّةُ: المقصودُ بِهَا السلامُ علَى الميِّتِ، والدعاءُ لَهُ، كما

(1) في (ج) و (د): (ولكنه).

(2)

البخاري (435)، ومسلم (529).

(3)

في (ب): (قبلته وشرقه).

(4)

في (أ) و (ب): (غير).

(5)

في (أ) و (ب): (يشتري).

(6)

في (ب): (ويزيد).

(7)

في (ب): (راشد).

(8)

مسلم (972).

(9)

قوله: (والله أعلم) سقطت من (أ) و (ب).

ص: 139

يُقْصَدُ بالصلاةِ على جنازَتِهِ، فزيارَتُهُ بعدَ موتِهِ مِنْ جنسِ الصلاةِ عليهِ.

فالسُّنَّةُ فيها (1): أنْ يُسَلِّمَ على الميِّتِ ويَدْعُوَ له، سَوَاءٌ كانَ نَبِيًّا أو غيرَ نَبِيٍّ، كمَا كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ أصحابَهُ إذا زَارُوا القبورَ أنْ يقولَ أحدُهُمْ:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، ويَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا ومِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ» (2)، «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ» (3)، وهكَذَا يقولُ إذَا زَارَ أهلَ البَقِيعِ ومَنْ بِهِ مِنَ الصحابةِ وغيرِهِمْ (4)، أوْ زارَ (5) شهداءَ أُحُدٍ وغيرَهُمْ.

وليستِ الصَّلَاةُ عندَ قُبُورِهِمْ أو قبورِ غيرِهِمْ مُسْتَحَبَّةً عندَ أَحَدٍ منْ

(1) قوله: (فيها) زيادة من (أ).

(2)

البخاري (435)، ومسلم (529).

(3)

رواه أحمد (24425)، وابن ماجه (1546) عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدته من الليل، فإذا هو بالبقيع، فقال:«سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأنتم لنا فرط، وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم» . حسنه ابن الحجر في الفتوحات (4/ 222)، وقال الألباني:(ضعيف وهو صحيح دون: تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم).

(4)

في (ج) و (د): (أو غيرهم).

(5)

في (ب): (وزار).

ص: 140

أئمةِ المسلمِينَ، بلِ الصلَاةُ في المساجِدِ الَّتِي ليسَ فيهَا قبرُ (1) أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ والصالِحِينَ وغيرِهِمْ أفضلُ مِنَ الصلاةِ في المساجِدِ الَّتِي (2) فيهَا ذلِكَ باتفاقِ أئمةِ المسلِمِينَ، بلِ الصلاةُ فِي المساجدِ (3) الَّتِي علَى القبورِ إمَّا مُحَرَّمَةٌ، وإمَّا (4) مكروهةٌ.

والزيارَةُ البِدْعِيَّةُ: أنْ يكونَ مقصود الزَّائِر (5) أنْ يطلُبَ حوائِجَهُ مِنْ ذلِكَ الميِّتِ، أو يَقْصِدَ الدعاءَ عندَ قَبْرِهِ، أوْ يقصِدَ الدعاءَ بِهِ، فهذا لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا اسْتَحَبَّهُ أحدٌ مِنْ سلفِ (6) الأمَّةِ، بلْ هو مِنَ البِدَعِ الْمَنْهِيِّ عنهَا باتِّفاقِ سَلَفِ الأمَّةِ (7) وأئمَّتِهَا.

وقدْ كَرِهَ مالِكٌ وغيرُهُ أنْ يقولَ القائِلُ: زُرْتُ قبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم (8)، وهذَا اللَّفْظُ لم يُنْقَلْ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بلِ الأحاديثُ المذكورَةُ فِي هذَا البابِ مثلُ قَوْلِهِ: «مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبِي (9) إِبْرَاهِيمَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ؛

(1) قوله: (قبر) سقط من (ب).

(2)

في (ب): (المسجد الذي).

(3)

قوله: (في المساجد) سقط من (ب).

(4)

في (د): (أو).

(5)

في (أ) و (ب): (الزائر مقصوده).

(6)

قوله: (سلف) سقط من (ب).

(7)

قوله: (بلْ هو مِنَ البِدَعِ الْمَنْهِيِّ عنهَا باتِّفاقِ سَلَفِ الأمَّةِ) سقط من (ج) و (د).

(8)

ينظر: المدونة 1/ 400.

(9)

قوله: (أبي) سقط من (ب).

ص: 141

ضَمِنْتُ لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ» (1)، وقولِهِ:«مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي، وَمَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي» (2)، ونَحْوُ ذلِكَ؛ كلُّهَا أحاديثُ ضَعِيفَةٌ، بل موضوعةٌ، لَيْسَتْ في شيءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الإسلام (3) الَّتِي يُعْتَمَدُ علَيْهَا، ولا نَقَلَهَا إمامٌ مِنْ أئمَّةِ المسلمِينَ، لَا (4) الأئمَّةُ الأربعةُ ولا نحوهمْ، ولكن رَوَى بَعْضَهَا البَزَّارُ والدَّارَقُطْنِيُّ ونحوُهما (5) بأسانيدَ ضعيفةٍ؛ لأنَّ مِن (6) عادَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وأمثالِهِ أن يذكروا (7) هذا في السُّنَنِ (8) ليُعْرَفَ، وهو وغيرُهُ يُبَيِّنُونَ (9) ضَعْفَ الضعيفِ مِنْ ذلِكَ.

وإذَا (10) كانَتْ هذِهِ الأمورُ الَّتِي فيها شِرْكٌ وَبِدْعَةٌ قد (11) نَهَى

(1) قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (18/ 125) عنه: (كذب موضوع ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث).

(2)

رواه الطبراني في الكبير (13496)، والدارقطني (2693)، والبيهقي (10273).

(3)

في (أ) و (ب): (المسلمين).

(4)

في (ب): (ولا).

(5)

قوله: (بنحوهما) سقط من (ب).

(6)

في (ج): (ولأن من)، وفي (د):(ولا من).

(7)

في (ج) و (د): (يذكرون).

(8)

في (ب): (السنة).

(9)

في (ب): (يثبتون).

(10)

في (ب) و (ج) و (د): (فإذا).

(11)

قوله: (قد) سقط من (ج) و (د).

ص: 142