الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسافِرُ إلى مكةَ قبلَ أَشْهُرِ الحجِّ ويعتمرُ ويُقِيمُ بها حتى يَحُجَّ، فهذا الإفرادُ له أفضلُ باتفاقِ الأئمةِ الأربعةِ (1).
و
الإحرامُ بالحجِّ قبلَ أَشْهُرِهِ
(2) ليس بمَسْنُونٍ (3)، بل مكروهٌ، وإذا فعلَهُ فهلْ يصيرُ مُحْرِمًا بعمرةٍ أو بحَجٍّ؟ فيهِ نزاعٌ (4).
- وأمَّا إذا فَعَلَ ما يفعلُه غالبُ الناسِ؛ وهو أنْ يَجْمَعَ بينَ العمرةِ والحجِّ في سَفْرَةٍ واحدةٍ، ويَقْدَمَ مكةَ في أَشْهُرِ الحجِّ
= الحج، فإن كثيرًا من الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قد اعتمروا قبل ذلك، ومع هذا فأمرهم بالتمتع، لم يأمرهم بالإفراد، ولأن هذا يجمع بين عمرتين وحجة وهدي، وهذا أفضل من عمرة وحجة).
(1)
قال في مجموع الفتاوى (26/ 85): (إذا أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهو أفضل من القران والتمتع الخاص بسفرة واحدة، وقد نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة مع مالك والشافعي وغيرهم).
وفي مختصر الفتاوى المصرية 1/ 484: (فأما من أفردهما في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج وأقام إلى الحج؛ فهذا أفضل من التمتع، وهو قول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وقول أحمد وغيره، وبعض أصحاب مالك والشافعي وغيرهم).
(2)
في (أ): (أشهر الحج).
(3)
في (ج) و (د): (مسنوناً).
(4)
ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة: أن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد حجًا مع الكراهة.
وذهب الشافعية: أنه ينعقد عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام. ينظر: المبسوط 4/ 61، مواهب الجليل 3/ 18، الحاوي 4/ 28، شرح المنتهى 1/ 527.
- وهنَّ: شوالٌ، وذُو القَعْدَةِ، وعَشْرٌ من ذِي الْحِجَّةِ-: فهذا إنْ ساقَ الهَدْيَ فالقِرَانُ أفضلُ له (1)، وإنْ لم يَسُقِ الهَدْيَ؛ فالتحلُّلُ مِنْ إحرامِه بعمرةٍ أفضلُ (2).
فإنَّهُ قد ثبتَ [بالنقولِ الْمُسْتَفِيضَةِ التي لم يختلفْ في صِحَّتِهَا أهلُ العلمِ](3) بالحديثِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حجَّ حَجَّةَ الوداعِ هو وأصحابُه أَمَرَهُمْ جميعَهم أنْ يَحِلُّوا مِن إحرامِهم، ويجعلُوها عُمْرَةً، إلَّا مَنْ ساقَ الهَدْيَ فإنَّه أَمَرَهُ أنْ يَبْقَى على إحرامِه حتى يبلُغَ مَحِلَّهُ يومَ النَّحْرِ (4)، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قدْ ساقَ الهَدْيَ هو وطائفةٌ من أصحابِه، وقَرَنَ هو بين العمرةِ والحجِّ، فقالَ:«لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» (5).
ولم يعتمِرْ بعدَ الحجِّ أحدٌ ممنْ كانَ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا عائشةَ
(1) في (د): (له أفضل)، وقوله:(له) سقط من (ب).
(2)
والمذهب عند الحنابلة: أن التمتع أفضل، ثم الإفراد. ينظر: الإنصاف 3/ 434.
تتمة: اختار شيخ الإسلام: أن القران مع سوق الهدي أفضل من تمتع بلا سوق للهدي. ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 90.
(3)
ما بين معقوفين سقط من (د).
(4)
ومن ذلك ما أخرجه البخاري (1085) ومسلم (1240) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلا من معه الهدي» .
(5)
أخرجه مسلم (1232) من حديث أنس رضي الله عنه.
وحدَها؛ لأنَّها كانتْ قدْ (1) حاضَتْ، فلم يُمْكِنْهَا الطوافُ؛ [لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:«تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ] (2) بِالْبَيْتِ» (3)، فَأَمَرَهَا (4) أنْ تُهِلَّ بالحجِّ وتَدَعَ أفعالَ العمرةِ؛ لأنَّها كانتْ مُتَمَتِّعَةً، ثُمَّ إنَّها طلبتْ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُعْمِرَهَا، فأَرسلَها مع أَخِيهَا عبدِ الرحمنِ فاعتمرتْ مِنَ التَّنْعِيمِ (5).
والتنعيمُ هو أقربُ الحِلِّ إلى مكةَ، وبه اليومَ المساجدُ التي تسمَّى:«مساجدَ عائشةَ» ، ولم تكنْ هذِه على عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنَّما بُنِيَتْ بعدَ ذلك علامةً على (6) المكانِ الذي أَحْرَمَتْ منه عائشةُ رضي الله عنها.
وليس دخولُ هذهِ المساجدِ والصلاةُ (7) فيها - لِمَنِ اجتازَ بِهَا مُحْرِمًا - لَا فرضًا ولا سُنَّةً، بلْ قَصْدُ ذلك واعتقادُ (8) أنَّهُ يُسْتَحَبُّ؛
(1) في (ب): (قد كانت).
(2)
ما بين معقوفين سقط من (ب).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (14363) من حديث عائشة رضي الله عنها، وأصله في البخاري (305)، ومسلم (1211) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ:«فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري» .
(4)
في (ب): (وأمرها).
(5)
أخرجه البخاري (316)، ومسلم (1211) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6)
قوله: (على) سقط من (د).
(7)
في (ب) و (د): (ولا الصلاة).
(8)
في (ب): (واعتقد).
بدعةٌ مكروهةٌ، لكنْ مَنْ خرجَ مِنْ مكةَ ليعتمرَ (1)؛ فإنَّهُ إذا (2) دخلَ واحدًا منها، وصلَّى فيه لأجلِ الإحرامِ؛ فلا بأسَ بذلك.
ولم يكنْ على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وخلفائِه الراشدِينَ أحدٌ يخرُجُ مِنْ مكةَ لِيَعْتَمِرَ (3) إلَّا لِعُذْرٍ (4)، لَا في رمضانَ، ولَا في (5) غيرِ رمضانَ، والذينَ حَجُّوا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليسَ فيهم (6) مَنِ اعتمرَ بعدَ الحجِّ مِنْ مكةَ إلَّا عائشةَ، كما ذُكِرَ، ولا كَانَ هذا مِنْ فِعْلِ الخلفاءِ الراشدِينَ.
والذين استحبُّوا الإفرادَ مِنَ الصحابةِ؛ إنما استحبُّوا أنْ يَحُجَّ في سَفرةٍ ويعتمرَ في أخرى، ولم (7) يستحبُّوا أنْ يحجَّ ويعتمرَ عَقِبَ (8) ذلك عمرةً مَكِّيَّةً (9)، بلْ هذا لم يكونُوا يفعلونَهُ قطُّ، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكونَ شيئًا نادِرًا (10).
(1) في (د): (يعتمر).
(2)
قوله: (إذا) سقط من (د).
(3)
في (د): (يعتمر).
(4)
قوله: (ليعتمر إلا لعذر) هو في (ب): ليعقد الإزار.
(5)
قوله: (في) سقط من (ج) و (د).
(6)
في (د): (منهم).
(7)
في (أ) و (ب): (لم).
(8)
في (د): (عقيب).
(9)
المذهب: تشرع العمرة للمفرد بعد حجه. ينظر: الإنصاف 3/ 347.
(10)
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 26/ 86: (وأما إذا أفرد الحج واعتمر عقب ذلك من أدنى الحل؛ فهذا الإفراد لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من =
وقد (1) تنازَعَ السلفُ في هذا: هلْ يكونُ متمتِّعًا عليه دمٌ، أمْ لَا؟ (2) وهلْ تُجْزِئُهُ هذه العمرةُ عنْ عمرةِ الإسلامِ، أمْ لَا؟ (3)
وقدِ اعتمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ هِجْرَتِهِ أربعَ عُمَرٍ:
عمرةَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ وَصَلَ إلى الحديبيةِ -والحديبيةُ (4) وراءَ الجبلِ
= أصحابه الذين حجوا معه، بل ولا غيرهم، كيف يكون هو الأفضل مما فعلوه معه بأمره؟ ! بل لم يعرف أن أحدًا اعتمر من مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عائشة، لا في حجة الوداع ولا قبلها ولا بعدها؛ بل هذه العمرة لا تجزئ عن عمرة الإسلام في إحدى الروايتين عن أحمد، وعند بعض أهل العلم أنها متعة، وتكره العمرة في ذي الحجة عند طائفة من أهل العلم، مع أن عائشة كانت إذا حجت صبرت حتى يدخل المحرم، ثم تحرم من الجحفة، فلم تكن تعتمر من أدنى الحل، ولا في ذي الحجة).
وفي الإنصاف 4/ 57: (كره الشيخ تقي الدين الخروج من مكة للعمرة إذا كان تطوعًا، وقال: هو بدعة؛ لأنه لم يفعله عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا صحابي على عهده إلا عائشة، لا في رمضان ولا في غيره اتفاقًا).
(1)
في (أ) و (ب): (وإن).
(2)
والمنصوص عن أحمد: لا يجب على من اعتمر بعد الحج هديٌ. ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 141.
(3)
العمرة من التنعيم: تجزئ عن عمرة الإسلام عند الحنابلة والشافعية.
وعن الإمام أحمد: لا تجزئ عن العمرة الواجبة. ينظر: تحفة المحتاج 4/ 49، الإنصاف 4/ 56.
وأما الحنفية والمالكية: فلا يرون وجوب العمرة أصلاً، واختاره شيخ الإسلام. ينظر: بدائع الصنائع 2/ 226، بداية المجتهد 2/ 87 الاختيارات ص 170.
(4)
قوله: (والحديبية) سقط من (ب) و (د).
الذي بالتنعيمِ عندَ مساجدِ عائشةَ، عنْ يمينِكَ وأنتَ داخِلٌ إلى مكةَ-، فصَدَّهُ (1) المشركونَ عنِ البيتِ، فصالَحَهُمْ (2)، وحَلَّ مِنْ إحرامِه وانصرَفَ.
وعمرةُ القَضِيَّةِ؛ اعْتَمَرَ مِنَ العامِ القابِلِ.
وعمرةُ الجِعْرَانَةِ؛ لأنَّهُ (3) كانَ قدْ قَاتَلَ المشركِينَ بِحُنَيْنٍ - وحُنَيْنٌ مِنْ ناحيةِ المشرقِ (4) مِنْ ناحيةِ الطائفِ-، وأمَّا بدرٌ فهي بين المدينةِ وبين مكةَ، وبين الغزوتَيْنِ سِتُّ سنينَ، ولكنْ قُرِنَا (5) في الذِّكْرِ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى أَنْزَلَ فيهما الملائكةَ لِنَصْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنِينَ في القتالِ، ثم ذهبَ فَحَاصَرَ المشركِينَ بالطائفِ، ثم رجعَ، وقَسَمَ غنائمَ حُنَيْنٍ بالجِعْرَانَةِ (6)، فلمَّا قَسَمَ غنائمَ حُنَيْنٍ اعتمرَ مِنَ الجِعْرَانَةِ داخِلًا إلى مكةَ لا خارجًا منها للإحرامِ.
والعمرةُ الرابعةُ مع حَجَّتِهِ، فإنَّه قَرَنَ بين العمرةِ والحجِّ باتفاقِ أهلِ المعرفةِ بِسُنَّتِهِ، وباتفاقِ الصحابةِ على ذلك، ولم يُنْقَلْ عن أحدٍ
(1) في (أ): (ثم صده).
(2)
قوله: (المشركونَ عنِ البيتِ، فصالَحَهُمْ) سقط من (ب).
(3)
في (أ): (أنه)، وفي (ج):(وأنه)، وقوله:(لأنه) سقط من (ب).
(4)
في (ب): (الشرق).
(5)
في (ج): (قرنتا)، وفي (د):(قرن).
(6)
قوله: (بالجعرانة) سقط من (ب).
مِنَ الصحابةِ أنَّهُ تمتَّعَ تمتُّعًا (1) حَلَّ فيه، بل كانُوا يُسَمُّونَ القِرَانَ (2): تمتُّعًا، ولا نُقِلَ عن أحدٍ مِنَ الصحابةِ أنَّه لَمَّا قَرَنَ طافَ طَوَافَيْنِ وسَعَى سَعْيَيْنِ.
وعامةُ المنقولِ عنِ الصحابةِ في صفةِ حَجَّتِهِ ليستْ (3) بمختلفةٍ، وإنَّما اشتبهتْ على مَن لم يعرفْ مُرَادَهُمْ، وجميعُ الصحابةِ الذينَ نُقِلَ عنهم أنَّه أَفْرَدَ الحجَّ؛ كعائشةَ (4)، وابنِ عمرَ (5)، [وجابرٍ (6)؛ قالُوا: إنَّه تمتَّعَ بالعمرةِ إلى الحجِّ، وقدْ (7) ثبتَ هذا (8) في الصحيحَيْنِ عنْ عائشةَ (9)
(1) في (ب): (متمتعاً).
(2)
في (د): (القرن).
(3)
في (ب): (ليس).
(4)
أخرج مسلم (1211) عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج» .
(5)
أخرج مسلم (1231) عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: «أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفردًا» .
(6)
أخرج ابن ماجه (2966) عن جابر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج» وصححه الألباني، وفي البخاري (1651) ومسلم (1216) قال جابر رضي الله عنه:«أهلَّ النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج» واللفظ للبخاري.
(7)
في (ج) و (د): (فقد).
(8)
قوله: (هذا) سقط من (ج) و (د).
(9)
أخرج البخاري (1692)، ومسلم (1228) عن عروة بن الزبير: «أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالحج إلى العمرة، وتمتع =
وابنِ عمرَ (1)] (2) بإسنادٍ أصحَّ مِنْ إسنادِ الإفرادِ، ومُرادُهُم بالتمتُّعِ القِرَانُ، كما ثَبَتَ ذلكَ في الصِّحَاحِ أيضًا (3).
فإذَا أرادَ الإحرامَ:
- فإنْ كانَ قارِنًا قالَ: لبَّيْكَ [عمرةً وحَجًّا.
- وإنْ كانَ متمتِّعًا قالَ: لَبَّيْكَ عمرةً.
- وإنْ كانَ مُفْرِدًا قالَ: لَبَّيْكَ] (4) حَجَّةً.
أوْ قالَ: اللهُمَّ إنِّي قد (5) أوجبتُ عمرةً وحَجًّا، أوْ أَوْجَبْتُ عمرةً أوجبت حجًّا، [أو أوجبت عمرةً أتمتَّعُ بها إلى الحجِّ، أو قال: اللهم إني أريد العمرة](6)، أو أريدُ الحجَّ، أو أريدُهُمَا، أو أريدُ التمتُّعَ بالعمرةِ إلى الحجِّ، فمهما قالَ (7) مِنْ ذلكَ؛ أَجْزَأَهُ باتفاقِ
= الناس معه».
(1)
أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227) بلفظ:«تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، بالعمرة إلى الحج وأهدى» .
(2)
ما بين معقوفين سقط من (ب).
(3)
تنظر المسألة: مجموع الفتاوى 26/ 61 وما بعدها، زاد المعاد 2/ 112.
(4)
ما بين معقوفين سقط من (د).
(5)
قوله: (قد) سقط من (ج) و (د).
(6)
ما بين معقوفين سقط من (ج) و (د).
(7)
زيد في (د): (شيئاً).
الأئمةِ، ليسَ في ذلكَ عبارةٌ مخصوصةٌ، ولا يجبُ شيءٌ مِنْ هذهِ العباراتِ باتفاقِ الأئمةِ؛ كما لا يجبُ التلفُّظُ بالنيةِ في الطهارةِ والصلاةِ والصيامِ باتفاقِ الأئمةِ، بلْ متى لَبَّى قاصِدًا للإحرامِ؛ انعقدَ إحرامُهُ باتفاقِ المسلمينَ.
ولا يجبُ عليه أنْ يتكلَّمَ قبلَ التلبيةِ بشيءٍ، ولكنْ تنازَعَ العلماءُ: هلْ يُستحبُّ أن يتكلَّم بذلكَ (1)؟ (2) كمَا تنازَعُوا: هلْ يُسْتَحَبُّ التلفُّظُ بالنيةِ في الصلاةِ؟ (3)
(1) قوله: (أن يتكلم بذلك) هو في (أ): (التكلم بشيء من ذلك).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة: أنه يستحب التلفظ بالنية، خلافاً للمالكية. ينظر: بدائع الصنائع 2/ 144، القوانين الفقهية 89، المجموع 7/ 224، الفروع 5/ 328.
(3)
قال شيخ الإسلام: (تنازع العلماء هل يستحب أن يتكلم بما نواه؟ على قولين، واتفقوا على أنه لا يستحب الجهر بالنية ولا تكرير التكلم بها؛ بل ذلك منهي عنه باتفاق الأئمة، ولو لم يتكلم بالنية صحت صلاته عند الأئمة الأربعة وغيرهم، ولم يخالف إلا بعض شذوذ المتأخرين).
وقال: (ولم يشرع لأحد أن يقول قبل التلبية شيئًا، لا يقول: اللهم إني أريد العمرة والحج، ولا الحج والعمرة، ولا يقول: فيسره لي وتقبله مني، ولا يقول: نويتهما جميعًا، ولا يقول: أحرمت لله، ولا غير ذلك من العبادات كلها .... )، وقال: (وجميع ما أحدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير وقبل التلبية وفي الطهارة وسائر العبادات؛ فهي من البدع التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 222 - 242.
والصوابُ المقطوعُ به: أنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ شيءٌ من ذلكَ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَشْرَعْ للمسلمينَ (1) شيئًا مِن ذلكَ، ولَا كانَ يتكلَّمُ قبلَ التكبيرِ بشيءٍ (2) مِنْ ألفاظِ النيةِ، لا هو ولا أصحابُه، بلْ لَمَّا أَمَرَ ضُبَاعَةَ بنتَ الزُّبَيْرِ بالاشتراطِ قالتْ: فكيفَ أقولُ؟ قالَ: قُولِي: «لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، مَحِلِّي مِنَ الأرضِ حيثُ تَحْبِسُنِي» ، رواهُ أهلُ السُّنَنِ (3)، وصحَّحَهُ الترمذيُّ، ولفظُ النسائِيِّ: إنِّي أريدُ الحجَّ، فكيفَ أقولُ؟ قال:«قُولِي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، مَحِلِّي مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي، فَإِنَّ لَكِ (4) عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ» ، وحديثُ (5) الاشتراطِ في الصحيحَيْنِ (6).
لكنَّ المقصودَ بهذَا اللفظِ: أنَّهُ أَمَرَهَا بالاشتراطِ في التلبيةِ (7)، ولم (8) يَأْمُرْهَا أنْ تقولَ قبلَ التلبيةِ شيئًا، لَا اشتراطًا ولا غيرَهُ،
(1) قوله: (للمسلمين) سقط من (د).
(2)
قوله: (بشيء) سقط من (ب).
(3)
أخرجه أبو داود (1776)، والترمذي (941)، والنسائي (2766)، وابن ماجه (3936)، وصححه الألباني.
(4)
في (أ): (ذلك).
(5)
في (ب): (حديث).
(6)
البخاري (5089)، ومسلم (1207) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7)
في (د): (بالتلبية).
(8)
في (أ) و (ب): (لم).
وكانَ يقولُ في تلبيتِهِ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا (1)» (2)، وكانَ يقولُ للواحدِ منْ أصحابِهِ:«بِمَ أَهْلَلْتَ؟ » (3).
وقالَ في المواقيتِ: «مُهَلُّ أهلِ المدينةِ مِنَ ذي (4) الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ قَرْنُ الْمَنَازِلِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ، وَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ» (5)، والإهلالُ هو التلبيةُ.
فهذَا هُوَ الذِّي شَرَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمسلمِينَ (6) التكلُّمَ بِهِ في ابتداءِ الحجِّ والعمرةِ، وإنْ كانَ مشروعًا بعدَ ذلِكَ، كما تُشْرَعُ تكبيرةُ الإِحرامِ (7)، ويُشْرَعُ التكبيرُ بعد ذلكَ عندَ تغيُّرِ الأحوالِ.
ولو أَحْرَمَ إحرامًا مطلقًا جازَ، فلو أَحْرَمَ بالقصدِ للحجِّ (8) مِنْ
(1) في (أ): (وحجة).
(2)
أخرجه مسلم (1232) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (4352)، ومسلم (1216) من حديث جابر رضي الله عنه.
(4)
في (ج) و (د): (ذو) بدل: (من ذي).
(5)
أخرجه مسلم (1183) من حديث جابر رضي الله عنه ما عدا قوله: (وَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ) فأخرجها البخاري (1526)، ومسلم (1181) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6)
قوله: (للمسلمين) سقط من (ج) و (د).
(7)
في (أ): الافتتاح. وفي (ب): (الاستفتاح).
(8)
قوله: (للحج) سقطت من (أ) و (ب).
حيثُ الجملةُ، ولا يَعْرِفُ هذا التفصيلَ؛ جازَ.
ولَوْ أَهَلَّ ولَبَّى كما يَفعلُ الناسُ قاصِدًا (1) للنُّسُكِ، ولم يُسَمِّ شيئًا بلفظِهِ، ولا (2) قَصَدَ بقلبِه لَا تمتُّعًا ولا إفرادًا ولا قِرَانًا؛ صَحَّ حجُّهُ أيضًا (3)، وفَعَلَ واحدًا مِنَ الثلاثةِ، فإنْ فَعَلَ ما أَمَرَ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَهُ كانَ حسنًا.
وإنِ اشترطَ على رَبِّهِ خوفًا مِنَ العارِضِ فقالَ: (وإنْ حَبَسَنِي حابِسٌ فمَحِلِّي حيثُ حَبَسْتَنِي)؛ كانَ حسنًا (4)؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ ابنةَ عَمِّهِ ضُبَاعَةَ بنتَ الزُّبيرِ بنِ عبدِ المطلبِ أَنْ تشترِطَ على رَبِّها (5) لَمَّا كانتْ شاكيةً، فخافَ أنْ يَصُدَّهَا المرضُ عنِ البيتِ، ولم يكنْ يأمرُ بذلكَ كلَّ مَنْ حَجَّ.
وكذلك إنْ شاءَ الْمُحْرِمُ أنْ يتطيَّبَ في بدنِه فهو حَسَنٌ، ولا يُؤْمَرُ
(1) في (ج) و (د): (قصداً).
(2)
في (د): (ولو).
(3)
قوله: (أيضاً) سقط من (د).
(4)
المذهب: يستحب الاشتراط مطلقاً. ينظر: كشاف القناع 2/ 409.
واختار شيخ الإسلام: استحباب الاشتراط للمحرم إن كان خائفًا، وإلا فلا؛ جمعًا بين الأخبار. ينظر: الفروع 5/ 329، اختيارات البعلي ص 173.
(5)
في (د): (أن اشترطي على ربك).
الْمُحْرِمُ قبلَ الإحرامِ بذلكَ (1)(2)؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعلَهُ ولم يأمُرْ بهِ الناسَ.
ولم يكنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمُرُ أحدًا بعبارةٍ بعينِها، وإنَّما يقالُ: أَهَلَّ بالحجِّ، أَهَلَّ بالعمرةِ، أو يقالُ: لَبَّى بالحجِّ، أو (3) لَبَّى بالعمرةِ، وهوَ تأويلُ قولِه تعالَى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
وقد ثَبَتَ (4) عنه في الصحيحَيْنِ (5) أنَّهُ قالَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ (6) مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .
وهذَا على قراءةِ مَن قَرَأَ: {فَلَا رَفَثٌ وَلَا فُسُوقٌ} بالرفعِ (7)، فالرَّفَثُ: اسمٌ للجِمَاعِ قولًا وعملًا، والفسوقُ: اسمٌ للمعاصِي
(1) في (د): (ولا يُؤْمَرُ بذلكَ الْمُحْرِمُ قبلَ الإحرامِ).
(2)
والمذهب: يستحب التطيب قبل الإحرام. ينظر: شرح المنتهى 1/ 528.
(3)
قوله: (أو) سقط من (ج) و (د).
(4)
في (ج) و (د): (وثبت).
(5)
أخرجه البخاري (1521)، ومسلم (1350) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
في (ج) و (د): (خرج).
(7)
قال الأزهري في معاني القراءات 1/ 196: (قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) رفعًا بالتنوين، وقرأ الباقون نصبًا غير منوَّن، على التبرئة، واتفقوا كلهم على نصب اللام من قوله:(ولا جدالَ في الحج)، وقال:(ولو قرئ: (ولا جدالٌ) بالرفع والتنوين كان ذلك جائزًا في =
كلِّها، والجِدَالُ على هذه القراءةِ هو الْمِرَاءُ في أَمْرِ الحَجِّ، فإنَّ اللهَ قَدْ أَوْضَحَهُ (1) وبَيَّنَهُ وقَطَعَ المراءَ فيه، كَما كانُوا في الجاهليةِ يَتَمَارَوْنَ في أحكامِه.
وعلى القراءةِ الأُخرى قد يُفَسَّرُ بهذا (2) المعنَى أيضًا، وقدْ فَسَّرُوهَا: بألَّا يمارِيَ الحاجُّ أحدًا.
والتفسيرُ الأولُ أصحُّ؛ فإنَّ اللهَ لم يَنْهَ الْمُحْرِمَ ولا غيرَه (3) عن الجِدَالِ مطلقًا، بلِ (4) الجدالُ قد يكونُ واجبًا أو مُسْتَحَبًّا، كما قالَ تعالَى:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقدْ يكونُ الجِدَالُ مُحَرَّمًا في الحجِّ وغيرِهِ؛ كالجدالِ بغيرِ عِلْمٍ، والجدالِ (5) في الحقِّ بعدَما تَبَيَّنَ.
= كلام العرب، فأما في القرآن فلا يجوز؛ لأن القراءة سنة، ولم يقرأ بها أحد من القراء).
وفي جامع البيان لأبي عمرو الداني 2/ 910: (وأجمعوا على النصب من غير تنوين في قوله: (ولا جدال في الحج) إلا شيئًا يروى عن المفضل عن عاصم، أنه رفع الأسماء الثلاثة ونوّنها، ولم أقرأ بذلك من طريقه).
(1)
في (د): (وضحه).
(2)
في (د): (في هذا).
(3)
قوله: (ولا غيره) سقط من (أ) و (ب).
(4)
في (ب): (فإن).
(5)
في (ج) و (د): (وكالجدال).
ولفظُ: (الفُسوقِ) يتناولُ ما حَرَّمَهُ (1) اللهُ تعالَى، ولا يختصُّ بالسِّبَابِ، وإنْ كانَ سِبَابُ المسلمِ فسوقًا، فالفسوقُ يَعُمُّ هذا وغيرَهُ.
وَ (الرَّفَثُ) هو الجِمَاعُ، وليسَ في المحظوراتِ مَا يُفْسِدُ الحجَّ إلا جنسُ الرَّفَثِ، فلهذا مَيَّزَ بينَهُ وبينَ الفسوقِ.
فأمَّا (2) سائرُ المحظوراتِ؛ كاللِّبَاسِ والطِّيبِ؛ فإنَّهُ وإن كانَ يَأْثَمُ بها، فلا تُفسِدُ (3) الحجَّ عندَ أحدٍ مِنَ الأئمةِ المشهورِينَ.
وينبغِي للمُحْرِمِ أن (4) لا يتكلَّمَ إلا بما يَعْنِيهِ، وكانَ شُرَيْحٌ إذا أَحْرَمَ كأنَّهُ الحيَّةُ الصَّمَّاءُ (5).
ولا يكونُ الرجلُ مُحْرِمًا بمجرَّدِ ما في قلبِه مِن قَصْدِ الحجِّ ونِيَّتِهِ (6)؛ فإنَّ القصدَ مَا زالَ في القلبِ منذُ خرجَ مِن بلدِهِ، بلْ لا بُدَّ مِن قولٍ أو عملٍ يصيرُ بِهِ (7) مُحْرِمًا،
(1) في (ب): (حرم).
(2)
في (ج) و (د): (وأما).
(3)
في (أ) و (ب): (يفسد).
(4)
في (أ): (أنه).
(5)
الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 141.
(6)
في (د): (ونية).
(7)
قوله: (به) سقط من (ب).
هذا هو الصحيحُ مِن القولَيْنِ (1).
والتجرُّدُ مِنَ اللباسِ واجبٌ في الإحرامِ، وليسَ (2) شرطًا فيهِ، فلو أَحْرَمَ وعليه ثيابه (3)؛ صَحَّ ذلك بِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (4)، وباتِّفاقِ أئمةِ أهلِ العلمِ، وعليه أنْ يَنْزِعَ اللباسَ المحظورَ.
(1) والذي اختاره شيخ الإسلام هو قول الحنفية.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة: أن النية وحدها تجزئ في الدخول في النسك. ينظر: القوانين الفقهية 1/ 398، حاشية الدسوقي 2/ 21، الحاوي 4/ 81، الإنصاف 3/ 431.
(2)
في (أ) و (ب): (ليس).
(3)
في (ج): (ثياب).
(4)
لعله يشير يشير إلى حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة وعليه أثر الخلوق - أو قال: صفرة -، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه: «اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق الصفرة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك» . أخرجه البخاري (1789)، ومسلم (1180).
فصلٌ (1)
يُسْتَحَبُّ (2) أنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ صلاةٍ؛ إِمَّا فرضٍ، وإمَّا تطوُّعٍ إن كانَ وقتَ تطوُّعٍ، في أحدِ القولَيْنِ (3)، وفي الآخرِ إِنْ كانَ يصلِّي فرضًا أَحْرَمَ عَقِيبَهُ، وإلَّا فليسَ للإحرامِ صلاةٌ تَخُصُّهُ، وهذا أَرْجَحُ (4).
ويُسْتَحَبُّ أنْ يغتسلَ للإحرامِ، ولو كانتْ نُفَسَاءَ أو حائِضًا.
وإنِ احتاجَ إلى التنظيفِ؛ كتقليمِ الأظفارِ، ونَتْفِ الإبْطِ، وحَلْقِ العانةِ، ونحوِ ذلك؛ فَعَلَ ذلكَ (5)، وهذا ليسَ مِن خصائصِ الإحرامِ، وكذلكَ (6) لم يكنْ له (7) ذِكْرٌ فيما نقلَهُ الصحابةُ، لكنَّهُ مشروعٌ بحسبِ الحاجةِ، وهكذا يُشْرَعُ لمصلِّي الجمعةِ والعيدِ على هذا الوجهِ (8).
(1) قوله: (فصل) سقط من (ب).
(2)
في (ب): ويستحب.
(3)
وهو قول الأئمة الأربعة: أنه يسن لمن أراد النسك أن يصلي ركعتين للإحرام. ينظر: بدائع الصنائع 2/ 144، القوانين الفقهية ص 88، نهاية المحتاج 2/ 359، الإنصاف 3/ 433.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 326، اختيارات البعلي ص 173.
(5)
قوله: (فعل ذلك) مكانه في (ب): فصل.
(6)
في (د): ولذلك.
(7)
قوله: (له) سقط من (ب).
(8)
والمذهب: يسن لصلاة الجمعة والعيد ولمريد الإحرام التنظُّف؛ بأخذ شعر، =
ويُسْتَحَبُّ أنْ يُحْرِمَ في ثوبَيْنِ نَظيفَيْنِ، فإنْ كانَا أَبْيَضَيْنِ فهو (1) أفضلُ، ويجوزُ أنْ يُحْرِمَ في جميعِ أجناسِ الثيابِ المباحةِ؛ مِنَ القُطنِ والكَتَّانِ والصوفِ.
والسُّنَّةُ أنْ يُحْرِمَ في إزارٍ ورِدَاءٍ، سواءٌ كانَا مَخِيطَيْنِ أو غَيْرَ مَخِيطَيْنِ باتفاقِ الأئمةِ، ولوْ أَحْرَمَ في غيرِهما؛ جازَ إذا كانَ مما يجوزُ لُبْسُهُ.
ويجوزُ أنْ يُحْرِمَ في الأبيضِ وغيرِهِ مِنَ الألوانِ الجائزةِ وإنْ كانَ مُلَوَّنًا.
والأفضلُ أنْ يُحْرِمَ في نَعْلَيْنِ إنْ (2) تيسَّرَ، والنعلُ: هي التي يُقَالُ لها: التَّاسُومَةُ (3).
فإنْ لم يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ، وليسَ عليهِ أنْ يقطعَهُمَا دونَ الكَعْبَيْنِ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بالقطعِ أوَّلًا (4)، ثمَّ رَخَّصَ بعدَ ذلك في
= من حلق عانة، وقص شارب، ونتف إبط، وتقليم أظفار. ينظر: شرح المنتهى 1/ 528.
(1)
في (ج) و (د): فهما.
(2)
في (أ): وإن.
(3)
التاسومة: هي النَّعْل التي تلبس في المشي. وقال ابن قاسم في حاشيته: (تعرف بنجد والحجاز: بالنعال ذوات السيور). ينظر: النهاية في غريب الحديث 5/ 83، حاشية الروض 3/ 552.
(4)
كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَلْبَسُ القُمُصَ، =
عَرَفَاتٍ في لُبْسِ السراويلِ لمنْ لم يَجِدْ [إزارًا، ورخَّصَ في (1) لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لمنْ لم يَجِدْ](2) نَعْلَيْنِ (3)، وإنَّما رَخَّصَ في المقطوعِ أوَّلًا؛ لأنَّهُ يَصِيرُ بالقطعِ كالنعلَيْنِ.
ولهذا كانَ الصحيحُ: أنَّهُ يجوزُ أنْ يلبسَ ما دونَ الكَعْبَيْنِ، مثلَ الْخُفِّ الْمُكَعَّبِ والجمجمِ (4) والْمَدَاسِ، ونحوِ ذلكَ، [سواءٌ كانَ واجدًا للنَّعْلَيْنِ أو فاقِدًا لهما (5).
وإذا لم يَجِدْ نَعْلَيْنِ ولا ما يقومُ مقامَهُمَا؛ مثلَ الجمجمِ والمداسِ (6)، ونحوِ ذلكَ] (7)؛ فله أنْ يَلْبَسَ الخُفَّ، ولا يقطعَهُ،
= وَلا العَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا الخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ» أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1177).
(1)
قوله: (ورخص في) هو في (أ) و (ب): (وفي).
(2)
ما بين معقوفين سقط من (ب).
(3)
كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ» أخرجه البخاري (1843)، ومسلم (1178).
(4)
الجمجم: المداس. ينظر: المعجم الوسيط (ص: 133).
(5)
والمذهب: لا يجوز لبسها مع وجود النعلين، وعليه الفدية. ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 196، تهذيب السنن 1/ 349، الفروع 5/ 425، الإنصاف 3/ 465.
(6)
في (د): المداس.
(7)
ما بين معقوفين سقط من (ب).
وكذلكَ إذا لم يجدْ إزارًا؛ فإنَّهُ يلبسُ السراويلَ، ولا يَفْتُقُهُ، هذا أصحُّ قَوْلَيِ العلماءِ (1)؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ في البدلِ (2) في عرفاتٍ (3)، كما رواهُ ابنُ عُمَرَ (4).
وكذلكَ يجوزُ أنْ يلبَسَ كلَّ ما كانَ مِن (5) جِنْسِ الإزارِ والرِّدَاءِ، فلهُ أنْ يلتَحِفَ بالقَبَاءِ (6) والْجُبَّةِ والقميصِ، ونحوِ ذلكَ، ويتغطَّى بهِ باتفاقِ الأئمةِ عرضًا، ويلبَسَهُ مقلوبًا؛ يجعلُ أسفلَهُ أعلَاهُ، ويتغطَّى باللِّحافِ وغيرِهِ، لكنْ لا يُغَطِّي رأسَهُ إلَّا لحاجةٍ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم نَهَى
(1) ذكر شيخ الإسلام مسألتين:
الأولى: لبس الخف لمن لم يجد نعلين: فالمذهب عند الحنابلة: يلبسهما دون قطع، ولا فدية عليه، وهو من المفردات.
وذهب الجمهور: إلى وجوب القطع، وإلا فدى.
الثانية: لبس السراويل لمن لم يجد الإزار:
ذهب الحنفية والمالكية: أنه لا يجوز له لبس السراويل، وإن لبسها فدى، لكن عند الحنفية: لو فتق السراويل فلا شيء عليه.
وذهب الشافعية والحنابلة: يجوز له لبس السراويل ولا فدية عليه. ينظر: تحفة الفقهاء ص 421، بداية المجتهد 2/ 91، الحاوي 4/ 97 - 98، مجموع الفتاوى 21/ 191، الإنصاف 3/ 464.
(2)
في (أ) و (ب): للبدل.
(3)
في (أ): بعرفات.
(4)
هكذا في جميع النسخ الخطية، وصوابه:(ابن عباس).
(5)
قوله: (من) سقط من (ب).
(6)
قال في المطلع ص 208: (ثوبٌ ضيقٌ من ثياب العجم).
الْمُحْرِمَ أنْ يلبسَ القميصَ والبُرْنُسَ (1) والسراويلَ والخُفَّ [والعِمامةَ (2)، ونَهَاهُمْ أنْ يُغَطُّوا رأسَ الْمُحْرِمِ بعدَ الموتِ (3)، وأَمَرَ مَنْ أَحْرَمَ](4) فِي جُبَّتِهِ (5) أنْ يَنْزِعَهَا عنهُ (6)، فما كانَ مِن هذا الجنسِ فهو [في مَعْنَى ما نَهَى عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
فمَا كانَ في معنى القميصِ فهو] (7) مثلُهُ، وليسَ له أنْ يَلْبَسَ
(1) قال في تاج العروس (15/ 448): (البُرنس: بالضم، قلنسوة طويلة، وكان الناس يلبسونها في صدر الإسلام، قاله الجوهري، أو هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به، دُرَّاعة كان، أو جبة، أو ممطراً، قاله الأزهري، وصوبوه، وهو من البرس، بالكسر: القطن، والنون زائدة، وقيل: إنه غير عربي).
(2)
تقدم تخريجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما صفحة (41) حاشية (4).
(3)
يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، إذ وقع من راحلته فأوقصته، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا» . أخرجه البخاري (1839)، ومسلم (1206)، واللفظ لمسلم.
(4)
ما بين معقوفين سقط من (د).
(5)
في (ج) و (د): جبة ..
(6)
يشير إلى حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة وعليه أثر الخلوق - أو قال: صفرة -، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه: «اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق الصفرة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك» . أخرجه البخاري (1789)، ومسلم (1180).
(7)
ما بين معقوفين سقط من (ب).
القميصَ، لَا بِكُمٍّ ولَا بِغَيْرِ كُمٍّ، وسواءٌ (1) أَدْخَلَ فيه (2) يَدَيْهِ (3) أو لم يُدْخِلْهُمَا (4)، وسواءٌ (5) كان سليمًا أو مخروقًا.
وكذلكَ لا يلبسُ الْجُبَّةَ ولا القَبَاءَ الذي يُدْخِلُ يَدَيْهِ (6) فيه، وكذلكَ الدِّرْعُ الذي يُسَمَّى:«عرق جين» (7)، وأمثالَ (8) ذلك باتفاقِ الأئمةِ، وأمَّا إذا طَرَحَ القباءَ (9) على كَتِفَيْهِ مِن غيرِ إدخالِ يَدَيْهِ ففيهِ نِزَاعٌ، وهذا معنى قولِ الفقهاءِ: لا يَلْبَسُ المخيط.
والْمَخِيطُ: ما (10) كانَ مِن اللِّبَاسِ على قَدْرِ العضوِ.
وكذلك لا يَلْبَسُ ما كانَ في معنى الخُفِّ؛ كالْمُوقِ (11) والْجَوْرَبِ ونحوِ ذلكَ.
(1) زيد في (ب): كان.
(2)
قوله: (فيه) سقط من (ج) و (د).
(3)
في (د): يده.
(4)
في (د): لم يدخلها.
(5)
في (د): سواء.
(6)
في (د): يده.
(7)
علق عليه في الطبعة الأولى: (كلمة تركية، معناها: القميص الذي يلبس ليمتص العرق، فيكون فوق الركبة).
(8)
في (ب): أو مثال.
(9)
في (أ) و (ب): (الرداء).
(10)
في (أ): (أي ما).
(11)
قال في تاج العروس (26/ 408): (الموق: خف غليظ يُلبس فوق الخف).
ولا يَلْبَسُ ما كانَ في معنى السراويلِ؛ كالتُّبَّانِ (1) ونحوِهِ.
وله أنْ يَعْقِدَ ما يحتاجُ إلى عَقْدِه؛ كالإِزَارِ وهِمْيَانِ النفقةِ (2).
والرِّدَاءُ (3) لا يحتاجُ إلى عَقْدٍ (4)، فلا يَعْقِدْهُ، فإنِ احتاجَ إلى عَقْدِهِ: ففيهِ نزاعٌ (5)، والأَشْبَهُ جَوَازُهُ حينئذٍ.
وهلِ المنعُ مِن عَقْدِهِ (6) منعُ كراهةٍ أو تحريمٍ؟ فيهِ نزاعٌ، وليسَ
(1) قال في الصحاح (5/ 2086): (التُبَّانُ: بالضم والتشديد: سراويلُ صغيرٌ مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط، يكون للملاحين).
(2)
الهِميان: بكسر الهاء، كيس يجعل فيه النفقة ويشد على الوسط، وجمعه همايين، وهو معرب. ينظر: لسان العرب 15/ 364، المصباح المنير 2/ 641.
(3)
قوله: (وهميان النفقة والرداء) هو في (د): (وحميان الرداء).
(4)
في (ج) و (د): (عقده).
(5)
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة: إلى تحريم عقد الرداء، فإن فعل فعليه الفدية.
وذهب الحنفية: إلى كراهة عقد الرداء.
وظاهر كلام شيخ الإسلام وظاهر ما نقله البعلي في الاختيارات: جوازه مطلقاً، للحاجة وغيرها، قال البعلي ص 174:(ويجوز عقد الرداء في الإحرام، ولا فدية عليه فيه).
وقال في الفروع 5/ 428: (قال شيخنا: ورداء لحاجة). ينظر: البناية شرح الهداية 4/ 168، أسهل المدارك 1/ 481، المجموع 7/ 255، شرح المنتهى 1/ 540.
(6)
قوله: (من عقده) هو في (د): (منه).
على تحريمِ (1) ذلكَ دليلٌ، إلا ما نُقِلَ عنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما [أنَّهُ كَرِهَ عَقْدَ الرِّدَاءِ (2).
وقدِ اختلفَ المتَّبِعُونَ لابنِ عمرَ] (3)؛ فمنهم (4) مَنْ قالَ: هو كراهةُ تَنْزِيهٍ؛ كأبي حنيفةَ وغيرِه، ومنهم مَن قالَ: هو (5) كراهةُ تحريمٍ.
وأمَّا الرأسُ فلا يغطِّيهِ (6) بِمَخِيطٍ ولا غيرِهِ، فلا يُغَطِّيهِ بعِمامةٍ، ولا كُوفِيَّةٍ (7)، ولا قَلَنْسُوَةٍ (8)، ولا ثوبٍ يَلْصَقُ بهِ، ولا غيرِ ذلكَ.
(1) في (أ) و (ب): (لتحريم).
(2)
أخرج مالك في الموطأ (1/ 326) عن نافع: «أن عبد الله بن عمر كان يكره لُبْس المِنْطَقة للمحرم» .
وأخرج ابن أبي شيبة (15438) عن مسلم بن جندب قال: سمعت ابن عمر يقول: «لا تعقد عليك شيئًا وأنت محرم» .
(3)
ما بين معقوفين سقط من (ج) و (د).
(4)
في (د): (منهم).
(5)
قوله: (هو) سقط من (ب) و (ج) و (د).
(6)
زيد في (ج) و (د): (لا).
(7)
قال في تاج العروس (24/ 346): (الكوفية: ما يلبس على الرأس، سميت لاستدارتها).
(8)
في (ج) و (د): (ولا قلنسوة ولا كوجية).
قال في المطلع (ص 36): (قَلَنْسُوَة، وفيها ست لغات: قلنسوة، وقلساة، وقلنساة، وقلسوة، الأربع بفتح القاف، وقُلَنْسِيَة وقُلْنِسية، بضم القاف فيهما، =
وله أنْ يستظِلَّ تحتَ السقفِ والشجرِ، ويستظلَّ في الخيمةِ، ونحوِ ذلكَ، باتفاقِهِمْ.
وأمَّا الاستظلالُ بالْمَحْمِلِ؛ كالمحارة (1) التي لها رأس في حالِ السيرِ؛ فهذا فيه نزاعٌ (2)، والأفضلُ للمُحْرِمِ: أنْ يَضْحَى لمن أَحْرَمَ له، كما كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه يَحُجُّونَ، وقدْ رأى ابنُ عُمَرَ رجلًا ظُلِّلَ عليه، فقالَ:«أَيُّهَا الْمحرِمُ، اضْحَ (3) لِمَنْ أحرمتَ لهُ» (4).
ولهذا كانَ السلفُ يكرهونَ القِبَابَ على المحامِلِ، وهي المحاملُ التي لها رأسٌ، وأمَّا المحاملُ المكشوفةُ فلم يَكْرَهْهَا إلا بعضُ النُّسَّاكِ.
= غير أن جمع قُلَنْسِيَة، وقَلَنْسَاة: قَلَانِس).
(1)
قال في المصباح المنير (1/ 335): (الصدفة: المحارة، وهي محمل الحاج).
(2)
ذهب الحنفية والشافعية وأحمد في رواية: إلى الجواز.
وذهب المالكية والحنابلة: إلى عدم الجواز. ينظر: المبسوط 4/ 129، ومواهب الجليل 3/ 144، والمجموع 7/ 267، والإنصاف 3/ 461.
(3)
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة 4/ 505: (اضحَ: بكسر الهمزة، من ضَحِيَ بالفتح والكسر، يَضْحَى ضَحىً، إذا برز للشمس، كما قال: {وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}، وبعض المحدثين يرويه بفتح الهمزة، من أضحى يُضحِي إضحاءً، ومعناها هنا ضعيف).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (14253)، وصححه النووي في المجموع (7/ 267)، والألباني في الإرواء (4/ 200).
وهذا في حقِّ الرجلِ، وأمَّا المرأةُ فإنها عورةٌ، فلذلك جازَ لها أنْ تلبسَ الثيابَ التي تَسْتُرُها (1)، وتستظِلُّ بالْمَحْمِلِ، لكنْ نهاهَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تَنْتَقِبَ أو تلبسَ القُفَّازَيْنِ، والقفازُ (2): غِلَافٌ (3) يُصْنَعُ لليدِ كما يفعلُهُ حملة (4) البُزَاةِ (5).
ولو غطَّتِ المرأةُ وجهَها بشيءٍ لا يَمَسُّ الوجهَ؛ جازَ بالاتفاقِ.
وإنْ كانَ يَمَسُّهُ: فالصحيحُ أنه يجوزُ أيضًا (6)، ولا تُكَلَّفُ المرأةُ أنْ تُجافِيَ سُترتَها عنِ الوجهِ، لا بِعُودٍ ولا بِيَدٍ (7) ولا غيرِ ذلكَ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سوَّى بين وجهِها ويَدهَا (8)، وكلاهُما كبدنِ الرجلِ لا كَرَأْسِهِ، وأزواجُه صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَسْدِلْنَ على وجوهِهنَّ مِن غيرِ مراعاةِ المجافاةِ (9)، ولم يَنْقُلْ أحدٌ من أهلِ العلمِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ:
(1) في (ج): (تستتر بها).
(2)
في (ج) و (د): (والقفازان).
(3)
في (ب): (بخلال).
(4)
قوله: (يفعله حملة) هو في (أ) و (ب): تفعله.
(5)
في (ب): (المرأة)، وفي (د):(النبرات).
(6)
والمذهب: لا يجوز إلا لحاجة إلى ستر وجهها؛ كمرور أجانب قريبًا منها. ينظر: اختيارات البعلي ص 174، الإنصاف 3/ 508.
(7)
في (أ): (ولا يدها).
(8)
في (ج) و (د): (ويديها).
(9)
ومن ذلك ما أخرجه أحمد (24021)، وأبو داود (1833) عن عائشة رضي الله عنها =
«إحرامُ المرأةِ في وجهِها» ، وإنما قال هذا القولَ (1) بعضُ السلفِ (2)، لكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهاها أنْ تَنْتَقِبَ أو تلبَسَ القفازَيْنِ، كما نهى الْمُحْرِمَ أنْ يلبَسَ القميصَ والخُفَّ، مع أنَّه يجوزُ له أن يسترَ يَدَيهِ (3) ورِجْلَيْهِ باتفاقِ الأئمةِ.
والبُرْقُعُ (4) أقوى مِنَ النقابِ، فلهذا يُنْهَى عنه باتفاقِهم، ولهذا كانتِ الْمُحْرِمَةُ لا تلبَسُ ما يُصْنَعُ لسترِ الوجهِ؛ كالبُرْقُعِ ونحوِه؛ فإنَّه كالنِّقَابِ.
= قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه» . قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 391): (إسناده منقطع)، وصححه الألباني في تخريج المشكاة (2690).
(1)
قوله: (قال هذا القول) مكانه في (ج) و (د): (هذا قول).
(2)
رواه الدارقطني (2761)، عن ابن عمر مرفوعاً، إلا أن البيهقي رواه من طريق الدارقطني بالإسناد نفسه موقوفاً (9048)، ونقله ابن حجر في إتحاف المهرة (10844) عن الدارقطني موقوفاً، ويؤكد ذلك: أن البيهقي قال في المعرفة 7/ 139: (وعنه أنه قال: «إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه»، وروي ذلك عنه في المرأة مرفوعاً، ورفعه ضعيف)، فلعل نسخة الدارقطني حصل بها زيادة ذكر الرفع خطأً في الطباعة أو من بعض النساخ.
وقد روي مرفوعاً عند الدارقطني (2760)، والبيهقي (9049)، وصوب الدارقطني وقفه.
(3)
في (أ): (يده).
(4)
في (د): (والبرق). =
وليسَ للمُحْرِمِ أنْ يلبَسَ شيئًا ممَّا نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنهُ إلَّا لحاجةٍ، كما أنَّهُ ليسَ للصائِمِ أنْ يُفْطِرَ إلا لحاجةٍ، والحاجةُ مثلُ: البَرْدِ الذي يخافُ أنْ يُمْرِضَهُ إذا (1) لم يُغَطِّ رأسَهُ، أو مثلُ مرضٍ نَزَلَ به يحتاجُ معه إلى تغطيةِ رأسِهِ، فيَلْبَسُ قَدْرَ الحاجةِ، فإذَا استَغْنى عنه نَزَعَ.
وعليهِ أنْ يَفْتَدِيَ (2)؛ إمَّا بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ، وإمَّا بِنُسُكٍ شاةٍ، وإما (3) بإطعامِ ستةِ مساكينَ، لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ مِن تمرٍ أو شعيرٍ، أو مُدٌّ مِن بُرٍّ (4).
وإنْ أطعمَهُ (5) خبزًا جازَ (6)، ويكونُ رِطْلَيْنِ بالعِرَاقِيِّ؛ قريبًا من نصفِ رِطلٍ بالدِّمَشْقِيِّ.
وينبغِي أنْ يكونَ مأدومًا.
= والبُرْقُعُ والبُرْقَعُ والبُرْقُوعُ: كقنفذ وجندب وعصفور، وهو شيء يلبس على الوجه يكون للنساء والدواب، وفيه خرقان للعينين. ينظر: تهذيب اللغة 3/ 188، القاموس المحيط 20/ 319.
(1)
في (ب): (إن).
(2)
في (ب): (يفدي).
(3)
في (ج) و (د): (أو).
(4)
في (أ) و (ب): (طعام).
(5)
في (ب): (أطعم).
(6)
والمذهب: لا يجزئ الخبز. ينظر: الفروع 5/ 400، اختيارات البعلي ص 174، الإنصاف 3/ 508.
وإنْ أطعمَهُ (1) مِمَّا يَأكُلُ؛ كالبقسماطِ (2) والرُّقَاقِ ونحوِ ذلكَ؛ جازَ، وهو أفضلُ مِن أن (3) يُعْطِيَهُ قمحًا أو شعيرًا.
وكذلكَ في سائرِ الكفَّارَاتِ إذا أعطاهُ مما يُقْتَاتُ بهِ (4) مع أُدْمِهِ، فهو أفضلُ مِن أن يُعْطِيَهُ حَبًّا مجرَّدًا إذا لم يكنْ عادتُهم أنْ يَطْحَنُوا بأيديهم ويَخْبِزُوا بأيديهِم.
والواجبُ في ذلكَ كلِّه ما ذَكَرَهُ اللهُ تعالَى بقولِه: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} الآية [المائدة: 89]، فأَمَرَ اللهُ تعالَى بإطعامِ المساكينِ مِن أوسطِ ما يُطْعِمُ الناسُ أهلِيهِمْ.
وقد تنازَعَ العلماءُ في ذلِكَ: هَلْ ذلِكَ مُقَدَّرٌ بالشَّرعِ، أوْ يُرْجَعُ فيه (5) إلى العُرْفِ؟ وكذلكَ تنازَعُوا في النفقةِ؛ نفقةِ الزوجةِ، والراجِحُ في هذا كلِّهِ (6):
(1) في (ب): (أطعم).
(2)
في (د): (جاز كالقسماط).
البقسماط: اسم لنوع من الخبز، يخبز ويجفف، وهو البقصم، ويسمى في المغرب: بشماط. ينظر: المعجم الوسيط ص 65، تكملة المعاجم العربية 1/ 392.
(3)
في (أ) و (ب): (مما).
(4)
سقطت من (أ)، وفي (ب):(منه).
(5)
في (ب): (في ذلك كله).
(6)
قوله: (في هذا كله) سقط من (ب).
أنْ (1) يُرْجَعَ فيه إلى العُرْفِ (2)، فيُطْعِمُ كلُّ قومٍ مما (3) يُطْعِمُونَ أهلِيهِمْ، ولَمَّا كانَ كعبُ بنُ عُجْرَةَ ونحوُه يَقْتَاتُونَ التمرَ؛ أَمَرَهُ (4) النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُطْعِمَ فَرَقًا مِنَ التمرِ بينَ سِتَّةِ مساكينَ (5)، والفَرَقُ: ستةَ عَشَرَ رِطلًا بالبغدادِيِّ.
وهذِه الفديةُ: يجوز أنْ يُخْرِجَهَا إذا احتاجَ إلى فِعْلِ المحظورِ قَبْلَهُ وبعدَهُ.
[ويجوزُ أن يذبحَ النُّسُكَ](6) قبلَ أنْ يَصِلَ إلى مكةَ.
ويصومُ الأيامَ الثلاثةَ متتابِعَةً إنْ شاءَ، أو متفرِّقَةً (7) إنْ شاءَ، فإن كانَ له عذرٌ أخَّر فِعلَها، وإلَّا عجَّل فِعْلَها (8).
(1) في (د): (أنه).
(2)
والمذهب: أن جنس الإطعام في الفدية والكفارات محدد، وهو: مد بر، أو نصف صاع تمر، أو شعير، أو زبيب، أو أقط. شرح المنتهى 3/ 167.
(3)
في (ب): (ما).
(4)
في (أ) و (ب): (أمرهم).
(5)
رواه مسلم (1201) من حديث كعب بن عجرة بلفظ: «احلق رأسك، ثم اذبح شاة نسكًا، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين» ، ورواه أبو داود (1856) بلفظ:«أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين» ، وفي رواية:«وأطعم فرقاً بين ستة مساكين» . والحديث أصله في البخاري (1816).
(6)
ما بين معقوفين سقط من (ب).
(7)
في (ج): (ومتفرقة).
(8)
قوله: (وإلا عجل فعلها) سقط من (أ) و (ب).
وإذا لَبِسَ، ثم لَبِسَ مراراً (1)، ولم يكنْ أدَّى الفديةَ؛ أجزأتْهُ فديةٌ واحِدَةٌ في أظهرِ قَوْلَيِ العلماءِ. (2)
(1) في (أ) و (ب): (مرات).
(2)
وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
وعن الإمام أحمد: تلزمه كفارة لكل مرة. ينظر: التجريد للقدوري 4/ 1792، التبصرة للخمي 3/ 1292، المجموع 7/ 378، الإنصاف 3/ 526.
فصلٌ
فإذَا أَحْرَمَ لَبَّى بتلبيةِ (1) رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» (2).
وإنْ زادَ على ذلِكَ: «لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ» (3)، أَوْ «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ» (4) وَنَحْوَ ذلِكَ (5)؛ جَازَ، كما كانَ الصحابةُ يَزِيدُونَه (6) ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُهُمْ فلا يَنْهَاهُمْ (7)، وكانَ هو يُدَاوِمُ على تَلْبِيَتِهِ.
ويُلَبِّي مِن حينِ يُحْرِمُ، سواءٌ رَكِبَ دابَّته (8) أو لم يَرْكَبْهَا، وإنْ
(1) في (ب): تلبية.
(2)
رواه البخاري (5915)، ومسلم (1184).
(3)
رواه أحمد (14440)، وأبو داود (1813) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر-، قال: والناس يزيدون: «ذا المعارج» ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع، فلا يقول لهم شيئًا. وصححه الألباني.
(4)
رواه مسلم (1184) عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً.
(5)
قوله: (ونحو ذلك) سقط من (ب).
(6)
في (ج) و (د): (يزيدون).
(7)
في (ج) و (د): (فلم ينههم).
(8)
في (ج): (دابة).
أَحْرَمَ بعد ذلِكَ (1) جازَ.
والتلبيةُ هِيَ (2): إجابةُ دعوةِ اللهِ تعالَى لخلقِه (3) حينَ دعاهُم إلى (4) حجِّ بيتِهِ على لسانِ خليلِهِ، والْمُلَبِّي: هو المستسلِمُ المنقادُ لغيرِه كما ينقادُ الذي (5) لُبِّبَ وأُخِذَ بِلَبَّتِهِ (6)، والمعنَى: إِنَّا مُجِيبُوكَ لدعوتِكَ، مستسلِمُونَ لحِكْمَتِكَ، مُطِيعُونَ لأمرِكَ، مرةً بعدَ مَرَّةٍ، دائماً (7) لا نزالُ على ذلِكَ.
والتلبيةُ شعارُ الحجِّ، فأفضلُ الحجِّ:«العَجُّ والثَّجُّ» (8)، فالعَجُّ: رَفْعُ الصوتِ بالتلبية (9)، والثَّجُّ: إراقةُ دماءِ الْهَدْيِ، ولهذا (10) يُسْتَحَبُّ رفعُ الصوتِ بها للرَّجلِ (11) بحيثُ لا يُجْهِدُ نفسَهُ، والمرأةُ
(1) زيد في (ب): (فحبس).
(2)
في (أ) و (ب): (هو).
(3)
سقطت (لخلقه) من (أ) و (ب).
(4)
زيد في (ب): (الحج).
(5)
قوله: (ينقاد الذي) هو في (أ) و (ب): (ينقاد لله إلَّا).
(6)
في (أ): بلببه، وفي (ب):(بلبه).
(7)
قوله: (دائماً) سقط من (د).
(8)
يشير إلى حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الحج أفضل؟ قال: «العج والثج» . رواه الترمذي (827)، وابن ماجه (2924). وصححه الألباني.
(9)
قوله: (بالتلبية) سقط من (أ) و (ب).
(10)
سقطت من (أ).
(11)
في (أ) و (ب): (للرجال).
ترفعُ صوتها (1) بحيثُ تُسْمِعُ رفيقَتَها.
ويُسْتَحَبُّ الإكثارُ منها عندَ اختلافِ الأحوالِ، مثلُ: أدبارِ الصلواتِ، ومثلُ (2) إذا صَعِدَ نَشْزًا، أو هَبَطَ وادِيًا، أو سمعَ مُلَبِّيًا، أو أقبلَ الليلُ والنهارُ (3)، أو التقتِ الرِّفَاقُ، وكذلكَ إذا فعلَ ما نُهِيَ عنه.
وقد رُوِيَ: «أنَّ (4) مَن لَبَّى حتى تغرُبَ الشمسُ فقدْ أمسى مغفورًا لَهُ» (5).
وإنْ دعا عَقِيبَ (6) التلبيةِ، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسألَ اللهَ رضوانَهُ والجنةَ، واستعاذَ برحمتِهِ مِن سخطِه والنارِ (7)؛ فحَسَنٌ (8).
(1) في (أ) و (ب): (الصوت).
(2)
زيد في (ج): (ما).
(3)
في (ج): (أو النهار).
(4)
في (ج) و (د): (أنه).
(5)
رواه أحمد (15008)، وابن ماجه (2925) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أضحى يومًا محرمًا ملبيًّا حتى غربت الشمس؛ غربت بذنوبه كما ولدته أمه» ، وضعفه الألباني.
(6)
في (ب): (عقب).
(7)
قوله: (سخطه والنار) هو في (أ) و (ب): (النار).
(8)
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة 4/ 419: (وذلك لما روي عن القاسم بن محمد قال: «كان يُستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم» =
فصلٌ
وَمِمَّا يُنْهَى عنه المُحْرِمُ:
أَنْ يتطيَّبَ بعدَ الإحرامِ في بَدَنِهِ أو (1) ثيابِه.
أو يتعمَّدَ (2) لشَمِّ (3) الطِّيبِ.
وأمَّا الدُّهنُ في رأسِهِ أو بَدَنِهِ بالزيتِ والسمنِ ونحوِه (4) إذَا لم (5) يكنْ فيهِ طِيبٌ؛ ففيهِ نِزَاعٌ مشهورٌ (6)، وتَرْكُهُ أَوْلَى.
ولَا يُقلِّمُ أظفارَهُ.
= رواه الدارقطني (2507)، وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار» رواه الشافعي (1/ 123)، والدارقطني (2507)، ولأن الملبي قد أجاب الله في دعائه إلى حج بيته، فيستجيب الله له دعاءه جزاءً له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة عند كل دعاء).
(1)
في (أ): (و).
(2)
في (أ) و (ب): (تعمد).
(3)
في (أ): (ليشم)، وفي (ب): يشم.
(4)
في (ب): (ونحو ذلك).
(5)
قوله: (إذا لم) هو في (ب): (ولم).
(6)
ذهب الحنفية والمالكية: إلى المنع من الادهان مطلقاً، بدهن مطيب أو غير مطيب. =
ولَا يقطعُ شعرَه.
وله أنْ يَحُكَّ بدنَهُ إذا حَكَّهُ.
ويحتجِمَ في رأسِه وغير رأسِه (1) ويفتصد (2) إذا احتاج إلى ذلك (3)، وإنِ احتاجَ أنْ يحلِقَ شعرًا لذلِكَ جازَ؛ فإنَّهُ قدْ ثَبَتَ في الصَّحيحِ (4):«أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ» ، ولا يمكِنُ ذلِكَ إلَّا مَعَ حَلْقِ بعضِ الشعرِ (5).
وكذلِكَ إذا اغتسلَ وسقطَ شيءٌ مِن شعرِهِ بذلِكَ؛ لم يَضُرَّهُ، وإنْ
=وذهب الشافعية: إلى أن الادهان جائز في البدن، وغير جائز في الرأس واللحية.
وذهب الحنابلة: إلى جواز الادهان بغير المطيب. ينظر: المبسوط 4/ 122، والشرح الكبير للدردير 2/ 60، والمجموع 7/ 279، والإنصاف 3/ 472.
(1)
قوله: (في رأسه وغير رأسه) سقطت من (أ) و (ب).
(2)
في (ب): (ويفصد).
(3)
قوله: (ويفتصد إذا احتاج إلى ذلك): ذكر في (ج) و (د) بعد قوله: (وإنْ تيقَّنَ أنَّهُ انقطعَ بالغسلِ).
(4)
رواه البخاري (1836)، ومسلم (1203) من حديث عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه.
(5)
قال شيخ الإسلام: (والمحرم إن احتاج وقطع شعره لحجامة أو غسل لم يضره).
والمذهب: عليه فدية. ينظر: الفروع 5/ 400، اختيارات البعلي ص 174، الإنصاف 3/ 459.
تيقَّنَ أنَّهُ انقطعَ بالغسلِ.
ولهُ أنْ يغتسلَ مِنَ الجنابةِ بالاتِّفاقِ، وكذلِكَ لغيرِ الجنابةِ.
ولَا ينكِحُ الْمُحْرِمُ ولا يُنْكَحُ، ولا يَخْطُبُ.
ولَا يصيدُ (1) صيدًا بَرِّيًّا، ولا يتملَّكُهُ بشراءٍ ولا اتِّهابٍ، ولَا غيرِ ذلِكَ، ولَا يُعِينُ على صيدٍ، ولا يذبَحُ صيدًا.
فأمَّا صيدُ البحرِ؛ كالسمكِ ونحوِه؛ فله أنْ يصطادَهُ (2) ويأكُلَهُ.
وله أنْ يقطعَ الشجرَ، لَكِنَّ نفسَ الحرمِ (3) لَا يقطعُ شيئًا مِنْ شجرِهِ وإنْ كانَ غيرَ مُحْرِمٍ (4)، ولا مِنْ نباتِهِ المباحِ إلَّا الْإِذْخِرَ (5).
وأمَّا ما غَرَسَ الناسُ أو زرعوه؛ فهو لهم.
وكذلك ما يَبِسَ مِنَ النباتِ؛ يجوزُ أَخْذُهُ.
ولا يصطادُ به (6) صَيْدًا وإنْ كانَ مِنْ صَيْدِ (7) الماءِ؛ كالسمكِ،
(1) في (ج) و (د): (يصطاد).
(2)
في (ب): (يصيده).
(3)
في (أ): (المحرم).
(4)
في (ب): (حرم).
(5)
قال في المطلع (ص 220): (الإِذخِر: بكسر الهمزة والخاء، نبت طيب الرائحة، الواحدة إِذْخِرَةٌ).
(6)
في (ب): (فيه).
(7)
قوله: (صيد) سقط من (ج) و (د).
على الصحيحِ.
بَلْ (1) ولَا يُنَفِّرُ صيدَهُ؛ مثلَ أنْ يُقِيمَهُ ليقعدَ مكانَهُ.
وكذلك حَرَمُ مدينةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهُوَ مَا بينَ لَابَتَيْهَا، وَاللَّابَةُ: هِيَ الْحَرَّةُ؛ وهِيَ الأرضُ الَّتِي فيها حجارةٌ سُودٌ، وهو (2) بَرِيدٌ في بَرِيدٍ، والبَريدُ أربع فراسِخَ، وهو مِن (3) عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ، وعَيْرٌ هو جَبَلٌ عند المِيقَاتِ يُشْبِهُ العَيْرَ، وهو الحِمَارُ، وثَوْرٌ هو جبلٌ مِنْ ناحيةِ أُحُدٍ، وهو غَيْرُ جبلِ ثَوْرٍ الذي بمكةَ؛ فهذا الحَرَمُ أيضًا:
لا يُصَادُ (4) صيدُهُ.
ولا يُقْطَعُ شجرُهُ إلَّا لحاجةٍ؛ كآلَةِ الركوبِ والحَرْثِ (5).
ويُؤْخَذُ مِنْ حَشِيشِهِ ما يُحْتَاجُ إليه للعَلَفِ (6)؛ [فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لأهلِ المدينةِ في هذا لِحَاجَتِهِمْ إلى ذلِكَ (7)؛ إذْ ليسَ حَوْلَهُمْ
(1) قوله: (بل) سقط من (ب).
(2)
في (أ) و (ب): (وهي).
(3)
في (ب): (ما بين).
(4)
في (أ): (ولا يصطاد).
(5)
قوله: (والحرث) سقط من (ب).
(6)
في (ب): (العلف).
(7)
كما في حديث علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ» =
ما يستغنونَ به عنه، بِخِلَافِ الحرمِ المكيِّ] (1).
وإذَا أَدْخَلَ (2) إليه (3) صيداً؛ لم يكنْ عليه إرسالُهُ.
وليسَ (4) في الدنيا حَرَمٌ - لا بيتُ المقدسِ ولا غيرُهُ - إلا هذانِ الحَرَمَانِ، ولا يسمَّى غيرُهما حَرَمًا؛ كما يسمِّي الْجُهَّالُ، فيقولونَ: حَرَمُ المقدِسِ، وحرمُ الخليلِ؛ فإنَّ هَذَيْنِ وغيرَهُما ليسَا (5) بِحَرَمٍ باتفاقِ المسلمينَ.
والحَرَمُ الْمُجْمَعُ عليه: حَرَمُ مكةَ، وأمَّا المدينةُ فلها حَرَمٌ أيضًا عندَ الجمهورِ (6)، كمَا استفاضَتْ بذلِكَ الأحاديثُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
= رواه أحمد (959)، وأبو داود (2035)، وصححه النووي في المجموع 7/ 478)، والألباني. وحديث كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَذِنَ بِقَطْعِ المَسَدِ، والقَائمِتَينِ، والمُتَّخَذَةِ عَصَا الدَّابَّةِ» رواه الطبراني في الكبير 17/ 18. قال في مجمع الزوائد 3/ 304: (فيه كثير بن عبد الله المزني، وهو متروك).
(1)
ما بين معقوفين سقط من (أ) و (ب).
(2)
في (ب): (دخل)، وفي (د):(رأى دخل).
(3)
في (ب) و (ج): (عليه).
(4)
في (ب): (ليس).
(5)
في (أ): (ليس).
(6)
المدينة حرم عند المالكية والشافعية والحنابلة، خلافاً للحنفية. ينظر: مجمع الأنهر 1/ 312، التاج والإكليل 4/ 262، المجموع 7/ 476، الإنصاف 3/ 559.))
ولم يتنازَعِ (1) المسلمونَ في حَرَمٍ ثالِثٍ (2)، إلَّا فِي «وَجٍّ» (3)، وهُوَ وادٍ بالطائِفِ (4)، وهو عندَ بعضِهم حَرَمٌ، وعندَ الجمهورِ ليس بِحَرَمٍ. (5)
وللمُحْرِمِ أنْ يقتُلَ ما يؤذِي بعادَتِهِ الناسَ؛ كالحيَّةِ، والفأرَةِ، والعقربِ (6)، والغرابِ، والكلبِ العَقُورِ (7).
وله أنْ يدفَعَ ما يُؤْذِيهِ مِنَ الآدَمِيِّينَ والبهائِمِ، حتى لو صالَ عليه أحدٌ ولم يندفِعْ إلَّا بالقتالِ؛ قاتَلَهُ؛ فإن النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال (8): «مَنْ [قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ](9) قُتِلَ
(1) في (ب): (ولما تنازع).
(2)
في (ب): (ثلاث).
(3)
قوله: (إلا في وج) سقط من (د)، ومكانها في (ج):(إلا وجًّا). وفي (أ) و (ب): (إلا في مرح).
(4)
في (د): (في الطائف).
(5)
ذهب الحنفية والشافعية: إلى تحريم وادي وج.
وذهب الحنابلة: إلى أنه لا ليس بحرم. ينظر: التجريد للقدوري 4/ 2122، المجموع 7/ 477، الإنصاف 3/ 563.
(6)
في (ج) و (د): (والعقرب والفأرة).
(7)
والمذهب عند الحنابلة: يستحب قتلها. ينظر: الإنصاف 3/ 488.
(8)
في (أ) و (ب): (قال النبي صلى الله عليه وسلم.
(9)
ما بين معقوفين سقط من (أ) و (ب).
دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٍ، [وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ](1)» (2).
وإذا قَرَصَتْهُ (3) البراغيثُ (4) أو القملُ (5)(6)؛ فله إلقاؤُهَا عنه، وله قَتْلُهَا، ولا شَيْءَ عليه، [وإلقاؤُها أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِهَا (7).
وكذلِكَ ما يتعرَّضُ له مِنَ الدوابِّ، فيُنْهَى عنْ قَتْلِهِ، وإنْ كانَ في نفسِهِ مُحَرَّمًا؛ كالأسدِ والفهدِ (8)، فإذا قتلَهُ فلا جزاءَ عليه في أَظْهَرِ
(1) ما بين معقوفين سقط من (د).
(2)
رواه أحمد (1652)، وأبو داود (4772)، والترمذي (1421) وقال: حسن صحيح، والنسائي (4095)، وابن ماجه (2580)، من حديث سعيد بن زيد مرفوعاً. وصححه الألباني.
(3)
في (ب): (قرصه).
(4)
والمذهب: يجوز قتل البراغيث مطلقًا. ينظر: الإنصاف 3/ 468.
(5)
في (ب) و (ج) و (د): (والقمل).
(6)
والمذهب: يحرم قتل القمل، وإن قتلها فلا كفارة عليه. ينظر: الإنصاف 3/ 486.
(7)
ينظر: الفروع 5/ 4070، اختيارات البعلي ص 174.
(8)
والمذهب: يستحب قتل كل ما كان طبعه الأذى، وإن لم يوجد منه أذىً؛ كالأسد والنمر والذئب والفهد وما في معناه. ينظر: كشاف القناع 2/ 439.
وقال شيخ الإسلام في شرح العمدة 4/ 581: (وعنه رواية أخرى: أنه إنما يقتل إذا عدا عليه بالفعل، فإذا لم يعد فلا ينبغي قتله
…
، وهذه الرواية أصح إن شاء الله) ثم ذكر سبعة وجوه لترجيحها.
قولَيِ العلماءِ] (1)(2).
وأمَّا التَّفَلِّي (3) بدونِ التأذِّي؛ فهو مِنَ الترفُّهِ، فلا يفعلْهُ، ولو (4) فعلَهُ فلا شَيْءَ عليه.
ويَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ الوطءُ ومقدِّمَاتُه، ولا يطأُ شيئًا، لا (5) امرأةً ولا غيرَ امرأةٍ.
ولا يتمتَّعُ بقُبلةٍ، ولا مسٍّ بِيَدٍ، ولا نظرٍ بشهوةٍ.
فإنْ جامَعَ؛ فَسَدَ حَجُّهُ، وفي الإنزالِ بغيرِ جِماعِ (6) نزاعٌ (7).
ولَا يَفْسُدُ الحجُّ بشيءٍ مِنَ المحظوراتِ إلَّا بهذا الجنسِ.
فإنْ قَبَّلَ بشهوةٍ، أو أَمْذَى لشهوةٍ: فعليه دَمٌ.
(1) ما بين معقوفين سقط من (أ) و (ب).
(2)
فمذهب الحنفية والمالكية: فيه الفدية.
والمذهب عند الشافعية والحنابلة: لا يحرم قتل محَرَّم الأكل، ولا فدية فيه. ينظر: التجريد للقدوري 4/ 2114، أسهل المدارك 1/ 488، المجموع 7/ 333، الإنصاف 3/ 485.
(3)
في (ب): (القتل).
(4)
في (د): (فلو).
(5)
في (ج) و (د): (سواء كان).
(6)
في (ج) و (د): (الجماع).
(7)
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة: إلى عدم فساد حجه.
وذهب المالكية وأحمد في رواية: إلى فساد حجه. ينظر: البحر الرائق =
فصلٌ
إذَا أتَى مكةَ جازَ أنْ يدخُلَ مكةَ والمسجدَ مِنْ جميعِ الجوانبِ، لكنَّ الأفضلَ أنْ يأتِيَ مِنْ وجهِ الكعبةِ؛ اقتداءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّهُ دخلَها مِنْ وَجْهِهَا مِنَ الناحيةِ العُلْيَا (1) التي فيها اليومَ بابُ الْمَعْلَاةِ، ولم يكنْ على عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَكَّةَ ولا للمدينةِ سورٌ ولا أبوابٌ مَبْنِيَّةٌ، ولكنْ دخلَها مِنَ الثنيَّةِ العُلْيَا؛ ثنيةِ كَدَاءَ -بالفتحِ والمدِ- المشرِفَةِ على المقبرةِ، ودخلَ المسجدَ مِنَ البابِ الأعظمِ الذي يُقالُ له: بابُ بَنِي شَيْبَةَ (2)، ثم ذهبَ إلى الحَجَرِ الأسودِ؛ فإنَّ هذا (3) أقربُ الطرقِ إلى الحجرِ الأسودِ (4) لمنْ دخلَ مِنْ ناحية (5) الْمَعْلَاةِ (6).
= 3/ 16، مواهب الجليل 3/ 166، البيان 4/ 229، الإنصاف 3/ 502.
(1)
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى) رواه البخاري (1575)، ومسلم (1257).
(2)
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم في عقد قريش دخل مكة من هذا الباب الأعظم) رواه ابن خزيمة (2700) وصححه الألبني.
(3)
قوله: (فإن هذا) هو في (ب): (فإذا هو).
(4)
قوله: (الأسود) سقط من (أ) و (ب).
(5)
في (ج) و (د): (باب).
(6)
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (5/ 145): (وذلك لما تقدم في دخول مكة من =
ولم يكنْ قديمًا بمكةَ بناءٌ يعلو على (1) البيتِ، ولا (2) كانَ فوق (3) الصَّفَا والمروةِ والْمَشْعَرِ الحرامِ بناءٌ، ولا كانَ بِمِنًى ولا بعرفاتٍ (4) مسجدٌ، ولا عندَ الجمراتِ مساجدُ، بل كل (5) هذه مُحْدَثَةٌ بعد الخلفاءِ الراشدِينَ، ومنها ما أُحْدِثَ [بعدَ الدولةِ الأمويَّةِ، ومنها ما أُحْدِثَ](6) بعدَ ذلِكَ، فكانَ البيتُ يُرَى قبلَ دُخولِ المسجدِ.
وقدْ ذكرَ ابنُ جريج (7): أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ (8) إذا رأَى البيتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا، وَزِدْ مَنْ (9) شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ واعْتَمَرَهُ (10) تَشْرِيفًا
= أعلاها؛ لأن باب بني شيبة أقرب باب، إذا دخله الداخل استقبل وجه الكعبة، وهو أبعد بابٍ من هذه الناحية عن الحجر الأسود، فيكون ممره في المسجد أولى من ممره خارج المسجد، إما إلى ناحية الصفا أو ناحية دار الندوة).
(1)
قوله: (على) سقطت من (أ) و (ب).
(2)
في (ب): (وقال).
(3)
في (أ) و (ب): (بين).
(4)
في (د): (وعرفات).
(5)
في (أ): (كان).
(6)
ما بين معقوفين سقط من (أ) و (ب).
(7)
في (ج) و (د): (ابن جرير).
(8)
قوله: (كان) سقط من (ب).
(9)
زيد في (ب): (عظمه).
(10)
في (ج): (أو اعتمره).
وَتَعْظِيمًا» (1)، فمَنْ رأَى البيتَ قبلَ دخولِ المسجدِ فَعَلَ ذلِكَ.
وقدِ اسْتَحَبَّ ذلِكَ مَنِ استحبَّهُ عندَ رؤيةِ البيتِ ولو كانَ بعد دخولِ المسجدِ (2)، لكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد أنْ دخلَ المسجدَ (3) ابتدأَ بالطوافِ، ولم يُصَلِّ قبلَ ذلِكَ تحيةَ (4) المسجدِ، ولا غيرَ ذلِكَ، بلْ تحيةُ المسجدِ الحرامِ هُوَ الطوافُ بالبيتِ.
وكانَ صلى الله عليه وسلم يغتسلُ لدخولِ مكةَ، كما كان يَبِيتُ بِذِي طُوًى (5)، وهي (6) عندَ الآبَارِ التي يقالُ لها اليوم (7): آبارُ الزَّاهر (8)، فمَنْ تيسَّرَ
(1) رواه الشافعي (ص 125)، والبيهقي (9213) عن ابن جريج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: «اللهم زد هذا البيت تشريفاً، وتعظيماً، وتكريماً، ومهابةً، وزد من شرفه، وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبرًّا» . قال ابن القيم في زاد المعاد 2/ 207: (وهو مرسل، ولكن سمع هذا سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقوله).
(2)
وهو ظاهر المذهب: أنه إذا رأى البيت رفع يديه ودعا.
وعند شيخ الإسلام: لا يشتغل بالدعاء. ينظر: الإنصاف 4/ 4.
(3)
قوله: (المسجد) سقط من (ب).
(4)
في (د): (بتحية).
(5)
روى البخاري (491)، ومسلم (1259) عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي طَوًى، حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا، وَيَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَهُ» .
(6)
في (ج) و (د): (وهو).
(7)
قوله: (اليوم) سقط من (ب) و (ج) و (د).
(8)
في (أ) و (ب) و (د): (الزهر).
له المبيتُ بها والاغتسالُ (1)، ودخولُ مكةَ نهارًا، وإلَّا فليسَ عليه شيءٌ مِنْ ذلِكَ.
وإذا دخلَ المسجدَ: بدأَ بالطوافِ، فيبتدِئُ (2) بالحَجَرِ (3)
(1) وفي الاختيارات للبعلي ص 30: (ولا يستحب الغسل لدخول مكة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، ولا لطواف الوداع، ولو قلنا باستحبابه لدخول مكة؛ كان الغسل للطواف بعد ذلك فيه نوع عبث لا معنى له).
ولعله أخذه من قول صاحب الفروع (1/ 264): (ويستحب لدخول مكة، قال في المستوعب: حتى لحائض، وعند شيخنا -أي: شيخ الإسلام-: لا، ومثله أغسال الحج).
فلعل البعلي فهم بقوله: (وعند شيخنا: لا) أنه راجع إلى أصل الغسل لدخول مكة، والظاهر أنه يرجع إلى الحائض، وأنه لا يشرع لها الغسل لدخول مكة، قال في مجموع الفتاوى (26/ 190):(ومع هذا فلم تؤمر -أي: الحائض- بالغسل عند دخول مكة والوقوف بعرفة).
وأما الاغتسال لدخول مكة فمستحب؛ لظاهر ما ذكره في المنسك، ولقول شيخ الإسلام في شرح العمدة (5/ 143):(ويستحب أن يغتسل لدخول مكة)، ويؤيده أن المرداوي لم يذكر عن شيخ الإسلام عدم استحباب الغسل لدخول مكة، قال في الإنصاف (1/ 250):(واختار الشيخ تقي الدين: عدم استحباب الغسل للوقوف بعرفة، وطواف الوداع، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار. وقال: ولو قلنا باستحباب الغسل لدخول مكة؛ كان الغسل للطواف بعد ذلك فيه نوع عبث لا معنى له).
(2)
في (ب): (فيبدأ).
(3)
في (ج) و (د): (من الحجر).
الأسودِ؛ يستقبِلُهُ (1) استقبالًا (2)، ويستلِمُهُ (3)، ويُقَبِّلُهُ إنْ أمكنَ، ولا يُؤْذِي أحدًا بالمزاحَمَةِ عليهِ، فإنْ لم يمكِنِ: استلَمَهُ (4) وقبَّلَ يدَهُ، وإلَّا أشارَ (5) إليهِ.
ثمَّ يَنتقلُ للطوافِ، ويجعلُ البيتَ عنْ يَسَارِه، وليسَ عليه أنْ يذهبَ إلى مَا بينَ الرُّكْنَيْنِ، ولا يمشِي عَرْضًا [ثم ينتقلُ للطوافِ، بلْ](6) ولا يُسْتَحَبُّ ذلِكَ، ويقولُ إذا استلَمَهُ:«باسمِ اللهِ، واللهُ أكبرُ» (7)، وإنْ شاءَ قالَ:«اللَّهُمَّ إيمانًا بِكَ، وتصديقًا بكتابِكَ، ووفاءً بعهدِكَ، واتِّبَاعًا لسنةِ نبيِّكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم» (8).
(1) في (ب): (فيستقبله)، وفي (د):(ويستقبله).
(2)
قال في الفروع 6/ 34: (وفي استقباله أي: الحجر الأسود- بوجهه وجهان، وعند شيخنا هو السنة).
(3)
في (أ): (يستلمه).
(4)
في (أ): (استلامه).
(5)
قوله: (وإلا أشار) هو في (ب): (والإشارة).
(6)
ما بين معقوفين سقط من (ب).
(7)
رواه عبد الرزاق (8894) عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً.
(8)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، قال ابن الملقن:(هذا الحديث غريب من هذا الوجه، لا يحضرني من خرجه مرفوعاً بعد البحث عنه)، وقال الحافظ:(لم أجده هكذا).
وقد روى نحوه الشافعي في الأم (2/ 186)، قال: أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال: أُخْبِرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا الحجر؟ قال «قولوا: باسم الله والله أكبر، إيماناً بالله، وتصديقاً =
ويجعلُ البيتَ عنْ يسارِه، فيطوفُ (1) سبعًا، ولا يخترِقُ الحِجرَ في طوافِهِ؛ لأنَّ (2) أكثرَ الحِجرِ مِنَ البيتِ، واللهُ أمرَ بالطوافِ به لا بالطوافِ فيه.
ولا يستلمُ مِنَ الأركانِ إلَّا الرُّكْنَيْنِ اليمانِيَيْنِ دون (3) الشَّامِيَّيْنِ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما استلَمَهُمَا خاصَّةً؛ لأنَّهما على قواعِدِ إبراهيمَ، والآخَرَانِ هما في دَاخِلِ البيتِ، فالرُّكنُ الأسودُ يُسْتَلَمُ ويُقَبَّلُ، واليَمَانِيْ يُسْتَلَمُ ولا يُقَبَّلُ، والآخرانِ لا يُسْتلَمانِ ولا يُقَبَّلانِ.
والاستلامُ: هو مَسْحُهُ باليدِ.
وأمَّا سائرُ جوانبِ البيتِ، ومَقامُ إبراهيمَ، وسائرُ ما في الأرضِ مِن المساجدِ وحيطانِها، ومقابرِ الأنبياءِ والصالحينَ؛ كحُجْرَةِ نبيِّنَا محمد (4) صلى الله عليه وسلم، ومغارةِ إبراهيمَ، ومقامِ نبيِّنَا صلى الله عليه وسلم الذي كانَ يصلِّي
= بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم». قال ابن كثير في إرشاد الفقيه 1/ 333: (منقطع).
وروى الطبراني في الأوسط (5486)، عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد أن يستلم الحجر قال: «اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويستلمه» ، وصحح إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 537.
(1)
في (ب): (ويطوف).
(2)
في (ج) و (د): (لما كان).
(3)
قوله: (دون) سقط من (أ) و (ب).
(4)
قوله: (محمد) سقط من (ج) و (د).
فيه، وغيرِ ذلك مِنْ مقابرِ الأنبياءِ والصالحينَ، وصخرةِ (1) بيتِ المقدسِ: فلا تُسْتَلَمُ (2) ولا تُقَبَّلُ (3) باتفاقِ الأئمةِ (4).
وأمَّا الطوافُ بذلك: فهو مِنْ أعظمِ البِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ، ومَنِ اتَّخَذَهُ دِينًا يُستتابُ، فإنْ تابَ وإلا قُتِلَ.
ولو وَضَعَ يدَهُ على الشَّاذَرْوَانِ (5) الذي تربط (6) فيه أستارُ
(1) في (ب): (وصخرات).
(2)
في (أ) و (ب): (فلا يستلم).
(3)
في (ب) و (ب): (ولا يقبل).
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 17/ 476: (ولا يقبل ما على وجه الأرض إلا الحجر الأسود).
(4)
قوله: (باتفاق الأئمة) سقط من (ب).
وفي الاختيارات ص 175: (ولا يشرع تقبيل المقام ومسحه إجماعًا، فسائر المقامات غيرَه أولى).
(5)
وهو ما فَضَلَ عن جدار الكعبة، قال في المطلع (ص 229):(شَاذَرْوان الكَعْبَةِ: بفتح الشين والذال المعجمتين، وسكون الراء: القدر الذي ترك خارجًا عن عرض الجدار مرتفعًا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع، قال الأزرقي: قدره ستة عشر إصبعًا، وعرضه: ذراع، والذراع أربع وعشرون اصبعًا، وهو جزء من الكعبة نَقَصَته قريش، وهو ظاهر في جوانب البيت إلا عند الحجر الأسود، وهو في هذا الزمان قد صفح بحيث يعسر الدوس عليه، فجزى الله فاعله خيرًا).
(6)
في (ج) و (د): (يربط).
الكعبةِ؛ لم يَضُرَّهُ ذلك في أَصَحِّ قولَيِ العلماءِ (1)، وليسَ الشَّاذَرْوَانُ مِنَ البيتِ (2)، بل جُعِلَ (3) عمادًا للبيتِ (4).
ويُستحَبُّ له في الطوافِ الأولِ: أنْ يرمُلَ مِنَ الحَجَرِ إلى الحَجَرِ فِي الأطوافِ الثلاثةِ، والرَّمَلُ: مثلُ الهَرْوَلَةِ، وهو مسارعةُ المشيِ مع تقارُبِ الخُطَى، فإنْ لم يمكِنه (5) الرَّمَلُ للزحمةِ (6)؛ كانَ خروجُهُ إلى حاشيةِ المطافِ والرَّملُ أفضلَ مِن قُرْبِهِ إلى البيتِ بدونِ الرَّمَلِ، وأمَّا إذا أمكنَ القُرْبُ مِنَ البيتِ مع إكمالِ السُّنَّةِ فهو (7) أَوْلَى.
ويجوزُ أنْ يطوفَ مِن وراءِ قُبَّةِ زمزمَ ومَا وراءَها مِنَ السقائف (8) المتصلةِ بحيطانِ المسجدِ.
ولو صلَّى المصلِّي في المسجدِ والناسُ يطوفُونَ أمامَهُ؛ لم
(1) وهو قول الحنفية ووجه عند الشافعية.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة: إلى عدم الصحة. ينظر: الدر المختار 2/ 496، مواهب الجليل 3/ 70، المجموع 8/ 24، الإنصاف 4/ 15.
(2)
والمذهب: أن الشاذروان من البيت. ينظر: شرح المنتهى 1/ 574.
(3)
في (د): (جعلا).
(4)
ينظر: الفروع 6/ 38، اختيارات البعلي ص 175.
(5)
في (ج): (لم يمكن).
(6)
في (ب): (للمزاحمة).
(7)
قوله: (فهو) سقط من (ب).
(8)
في (أ) و (ب): (السقاية)، وفي (د):(السقائق).
يُكْرَهْ، سواءٌ مَرَّ أمامَهُ رجلٌ أو امرأةٌ، وهذا مِنْ خصائِصِ مكةَ.
وكذلِكَ يُسْتَحَبُّ أنْ يَضْطَبِعَ في هذا (1) الطوافِ، والاضْطِبَاعُ: هو أنْ يُبْدِيَ ضَبْعَهُ الأيمنَ، فيضعَ (2) وسطَ الرِّدَاءِ تحتَ إبْطِهِ الأيمنِ، وطرفَيه (3) على عاتقِه (4) الأيسرِ.
وإنْ تَرَكَ الرَّمَلَ والاضطباعَ؛ فلا شيءَ عليه.
ويُسْتَحَبُّ له في الطوافِ: أنْ يذكُرَ اللهَ تعالَى ويَدْعُوَهُ بما يُشْرَعُ، وإنْ قرأَ القرآنَ سِرًّا فلا بأسَ (5)، وليسَ فيه ذِكْرٌ محدودٌ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لا بأَمْرِهِ، ولا بِقَوْلِهِ، ولا بتعلِيمِهِ، بلْ يدعُو (6) فيه بسائرِ الأدعيةِ الشرعيةِ، ومَا يذكُرُهُ كثيرٌ مِنَ الناسِ مِنْ دعاءٍ معيَّنٍ تحتَ الميزابِ ونحوِ ذلِكَ فلَا أصلَ لَهُ، لكن كان (7) يختِمُ طوافَهُ بينَ
(1) في (أ) و (ب): (هذه).
(2)
زيد في (د): (في).
(3)
في (أ) و (ب): (وطرفه).
(4)
قوله: (عاتقه) سقطت من (أ) و (ب).
(5)
قال في الاختيارات ص 175: (ويسن القراءة في الطواف، لا الجهر بها، فأما إن غلَّط المصلين؛ فليس له ذلك إذًا، وجنس القراءة أفضل من جنس الطواف).
(6)
في (أ): (يدعوه).
(7)
قوله: (لكن كان) هو في (ج) و (د): (وكان النبي صلى الله عليه وسلم.
الركنينِ بقولِهِ (1): «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (2)، كمَا كانَ يختِمُ سائِرَ الأدعية (3) بذلِكَ، وليسَ في ذلك ذِكْرٌ وَاجِبٌ باتفاقِ الأئمةِ.
والطوافُ بالبيتِ كالصلاةِ إلَّا أنَّ اللهَ أباحَ فيه الكلامَ، فمَنْ تكلَّمَ فيهِ فلا يتكلَّمْ إلَّا بخيرٍ، ولهذا يُؤْمَرُ الطائِفُ أنْ يكونَ متطهِّرًا الطهارَتَيْنِ الصغرى والكبرى (4)، ويكونَ مستورَ العَوْرَةِ، مُجْتَنِبَ النجاسةِ التي يجتنِبُهَا المصلِّي، والمطافُ طاهِرٌ (5)؛ لكنْ (6) في وجوبِ الطهارةِ في الطوافِ نزاعٌ بين العلماءِ (7)، فإنَّهُ لم يَنْقُلْ أحدٌ
(1) في (ب): (بقول).
(2)
رواه أحمد (15399)، وأبوداود (1892) عن عبد الله بن السائب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» . وحسنه الألباني.
(3)
في (ج) و (د): (دعائه).
(4)
قوله: (الصغرى والكبرى) سقطت من (أ) و (ب).
(5)
في (ج): (والطائف طاهراً).
(6)
قوله: (لكن) سقط من (د).
(7)
ذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد: إلى أنه لا يشترط رفع الحدث، فإن طاف محدثًا فعليه دم. لكن عند الحنفية: إن طافت وهي محدثة حدثاً أصغر فعليها شاة، وفي الحدث الأكبر بدنة.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط الطهارة.
وعن الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام: أن الطهارة سنة. ينظر: المبسوط =
عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ أَمَرَ بالطهارةِ للطوافِ، ولا نَهَى (1) الْمُحْدِثَ أنْ يطوفَ، ولكنَّهُ طافَ طاهِرًا (2)، لكن (3) ثبتَ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ نَهَى الحائِضَ عنِ الطوافِ (4)، وقدْ قالَ النبي صلى الله عليه وسلم:«مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (5)، فالصلاةُ الَّتِي أَوْجَبَ لها الطهارةَ: مَا كانَ يُفْتَتَحُ بالتكبيرِ ويُخْتَمُ بالتسليمِ؛ كالصلاةِ الَّتِي فيها ركوعٌ وسجودٌ؛ وكصلاةِ (6) الجنازةِ، وسجدَتَيِ السهوِ، وأمَّا الطوافُ وسجودُ التلاوَةِ؛ فليسَ (7) مِنْ هذَا، والاعتكافُ يُشْتَرَطُ له المسجدُ، ولا يُشْتَرَطُ له الطهارةُ بالاتفاقِ، والمعتكِفَةُ الحائضُ تُنْهَى عَنِ اللُّبْثِ في المسجدِ [مع الحيضِ، وإنْ
= 4/ 38، القوانين الفقهية ص 89، روضة الطالبين 3/ 79، الفتاوى 26/ 205، الفروع 6/ 34، اختيارات البعلي ص 175، الإنصاف 4/ 16.
(1)
زيد في (ب): (عن).
(2)
عن عائشة رضي الله عنها: «أن أول شيء بدأ به - حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ، ثم طاف» رواه البخاري (1416) ومسلم (1235).
(3)
في (ج) و (د): (لكنه).
(4)
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما حاضت: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» رواه مسلم (1211).
(5)
رواه أحمد (1006)، وأبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وصححه الألباني.
(6)
في (د): (كصلاة).
(7)
في (ج): (فليسا).
كانتْ تَلْبَثُ في المسجدِ] (1) وهي مُحْدِثَةٌ.
قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ في «مناسكِ (2) الحجِّ» لابنِهِ عبدِ اللهِ: حَدَّثَنَا سهلُ بنُ يوسفَ، أنبأنَا شعبةُ، عنْ حمادٍ ومنصورٍ، قالَ: سألتُهما عنِ الرجلِ يطوفُ بالبيتِ وهو غيرُ متوضِّئٍ؟ فلمْ يَرَيَا بهِ (3) بأسًا.
قالَ عبدُ اللهِ: سألتُ أبِي عنْ ذلِكَ، فقالَ:(أَحَبُّ إلَيَّ ألَّا يطوفَ بالبيتِ وهو (4) غيرُ متوضِّئٍ؛ لأنَّ الطوافَ بالبيتِ صلاةٌ) (5).
وقدِ اختلفتِ الروايةُ عنْ أحمدَ في اشتراطِ الطهارةِ فيهِ ووجوبِها؛ كما هو أَحَدُ القولَيْنِ في مذهبِ أبي حنيفةَ، لكنْ لا يختلفُ مذهبُ أبِي حنيفةَ أنَّها ليستْ بشرطٍ.
ومَنْ طافَ في جَوْرَبٍ ونحوِه؛ لئلَّا يَطَأَ نجاسةً مِن ذَرقِ (6) الحمامِ (7)، أو غَطَّى يَدَيه (8) لئلَّا يمسَّ امرأةً (9)، ونحوُ ذلِكَ؛ فقدْ
(1) ما بين معقوفين سقط من (ب).
(2)
في (ب): (منسك).
(3)
في (د): (بهما).
(4)
قوله: (وهو) سقط من (د).
(5)
مسائل عبدالله ص 211.
(6)
في (أ) و (ب): (خرؤ).
(7)
قوله: (من ذرق الحمام) سقط من (ب).
(8)
في (أ) و (ب): (يده).
(9)
في (د): (المرأة).
خالَفَ السُّنَّةَ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ والتابعِينَ ما زالُوا يطوفونَ بالبيتِ، وما زالَ الحَمَامُ بمكةَ، والاحتياطُ (1) حَسَنٌ ما لم يفضِ بصاحبه إلى مخالفة (2) السُّنَّةِ المعلومةِ، فإذا أفضَى إلى (3) ذلك كانَ خطأً.
واعلَمْ أنَّ القولَ الذي يتضمَّنُ مخالفةَ السُّنَّةِ: خطأٌ؛ كمَنْ يخلعُ نعلَيْهِ في الصلاةِ المكتوبةِ وصلاةِ (4) الجنازةِ خوفًا مِن أنْ يكونَ فيهما نجاسةٌ، فإنَّ هذا خطأٌ مخالِفٌ للسُّنَّةِ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يصلِّي في نعلَيْهِ، وقالَ:«إِنَّ الْيَهُودَ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ فَخَالِفُوهُمْ» (5)، وقالَ:«إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ (6) فَلْيَنْظُرْ فِي نَعْلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَذًى؛ فَلْيَدْلُكْهُمَا فِي التُّرَابِ؛ فَإِنَّ التُّرَابَ (7) لَهُمَا طَهُورٌ» (8)، وكمَا يجوزُ أنْ يصلِّيَ في نَعْلَيْهِ؛ فكذلِكَ (9) يجوزُ أنْ يطوفَ في نَعْلَيْهِ.
(1) في (ج) و (د): (لكن الاحتياط).
(2)
قوله: (يفض بصاحبه إلى مخالفة) هو في (ج) و (د): (يخالف).
(3)
قوله: (إلى) سقط من (ب).
(4)
في (ج) و (د): (أو صلاة).
(5)
رواه أبو داود (652) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه. وصححه الألباني.
(6)
في (ج): (المسجد أحدكم).
(7)
قوله: (التراب) سقط من (ب).
(8)
رواه أحمد (11877)، وأبو داود (386) و (650) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه. وصححه الألباني.
(9)
في (أ): (كذلك).
وإنْ لم يمكِنْهُ الطوافُ ماشِيًا، فطافَ راكِبًا أو محمولًا؛ أَجْزَأَهُ بالاتفاقِ.
وكذلِكَ ما يَعْجِزُ عنهُ مِنْ واجباتِ الطوافِ؛ مثلُ مَنْ كانَ (1) به نجاسةٌ لا يمكِنُه (2) إزالتُها؛ كالمستحاضَةِ (3) ومَنْ به سَلَسُ البولِ، فإنَّهُ يطوفُ ولا شيءَ عليهِ باتِّفاقِ الأئمةِ.
وكذلِكَ لوْ لَمْ يمكِنْهُ الطوافُ إلا عُرْيَانًا، فطافَ بالليلِ، كمَا لو لم يُمْكِنْهُ الصلاةُ إلا عُرْيَانًا (4).
وكذلِكَ المرأةُ الحائِضُ إذا لم يُمْكِنْهَا طوافُ الفرضِ إلا حائضًا بحيث لا يمكِنُهَا التأخُّرُ بمكةَ (5).
(1) في (د): (كانت).
(2)
في (أ): (ولا يمكن). وفي (ب): (لا يمكن).
(3)
في (أ) و (ب): (كالاستحاضة).
(4)
والمذهب ستر العورة شرط للطواف. ينظر: المبدع 3/ 202، الإنصاف 4/ 16.
(5)
والمذهب عند الحنابلة: لا يجوز ولا يصح الطواف، وتقدمت المسألة قريباً.
تتمة: اختار شيخ الإسلام أن طواف الحائض لا يخلو من أمرين:
أن تطوف للحاجة: فيصح طوافها، ولا شيء عليها.
أن تطوف لغير حاجة: فعليها دم.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (26/ 214): (فإذا طافت حائضًا مع التعمد؛ توجه القول بوجوب الدم عليها، وأما مع العجز: فهنا غاية ما يقال: =
ففِي (1) أحدِ قولَيِ العلماءِ الذين يُوجِبُونَ الطهارةَ على الطائِفِ: إذَا طافَتِ الحائضُ، أو الْجُنُبُ، أو الْمُحْدِثُ، أو حامِلُ النجاسةِ مطلقًا: أجزأَهُ الطوافُ، وعليه دَمٌ؛ إمَّا شاةٌ، وإمَّا (2) بَدَنَةٌ معَ الحيضِ والجنابةِ، وشاةٌ معَ الحَدَثِ الأصغرِ.
ومَنْعُ الحائضِ مِنَ الطوافِ قَدْ (3) يُعَلَّلُ: بأنَّهُ يُشبِهُ الصلاةَ (4)، وقدْ يُعَلَّلُ: بأنَّها ممنوعةٌ من المسجد (5) كما تُمْنَعُ منه
= إن عليها دمًا، والأشبه: أنه لا يجب الدم).
وقال أيضاً (26/ 241): (ومن قال: إن الطهارة فرض في الطواف وشرط فيه، فليس كونها شرطًا فيه أعظم من كونها شرطًا في الصلاة، ومعلوم أن شروط الصلاة تسقط بالعجز، فسقوط شروط الطواف بالعجز أولى وأحرى، هذا هو الذي توجه عندي في هذه المسألة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولولا ضرورة الناس واحتياجهم إليها علمًا وعملًا لما تجشمت الكلام حيث لم أجد فيها كلامًا لغيري، فإن الاجتهاد عند الضرورة مما أمرنا الله به، فإن يكن ما قلته صوابًا فهو حكم الله ورسوله والحمد لله، وإن يكن ما قلته خطأ؛ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان من الخطأ، وإن كان المخطئ معفوًّا عنه).
(1)
في (أ) و (ب): (وفي).
(2)
في (د): (أو).
(3)
في (ب): (وقد).
(4)
قوله: (الصلاة) سقط من (ب).
(5)
قوله: (من المسجد) هو في (أ): (مع الحدث). وفي (ب): (من الحديث).
بالاعتكافِ (1)، كمَا (2) قالَ عز وجل لإبراهيمَ صلى الله عليه وسلم:{وطَهِّر بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (3)[الحج: 26]، فأَمَرَ (4) بتطهيره لهذِهِ العباداتِ، فمُنِعَتِ الحائضُ مِنْ دخولِهِ.
وقَد أجمع (5) العلماءُ على أنَّهُ لا يجبُ للطوافِ ما يجبُ للصلاةِ مِنْ تحريمٍ وتحليلٍ وقراءةٍ وغيرِ ذلكَ، ولا يُبْطِلُهُ ما يبطِلُهَا مِنَ الأكلِ والشُّربِ والكلامِ وغيرِ ذلِكَ، ولهذا كانَ مُقْتَضَى (6) تعليلِ مَن مَنَعَ الحائِضَ لِحُرْمَةِ المسجدِ: أنَّهُ لا يَرَى الطهارَةَ شرطًا، بلْ مقتضَى قولِه أنَّه يَجُوزُ لها [ذلك عندَ الحاجةِ، كما يجوز لها](7) دخولُ المسجِدِ عندَ الحاجةِ، وقدْ أَمَرَ اللهُ تعالَى بتطهيرِهِ للطائِفِينَ والعاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ، والعاكِفُ فيهِ لا يُشْتَرَطُ له الطهارةُ، ولا تَجِبُ (8) عليه الطهارةُ مِنَ الحَدَثِ الأصغرِ باتفاقِ المسلمِينَ، ولو اضْطُرَّتِ العاكِفَةُ الحائِضُ إلى لُبْثِهَا فيه للحاجةِ؛ جازَ ذلِكَ، وأمَّا
(1) في (أ) و (ب): (من الاعتكاف).
(2)
في (ج): (وكما).
(3)
كتبت الآية في (أ) و (ب) و (ج): (وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود).
(4)
في (ج): (فأمره).
(5)
في (ج) و (د): (اتفق).
(6)
في (أ): (يقتضي).
(7)
ما بين معقوفين سقط من (أ) و (ب).
(8)
في (أ): (يجب).
الرُّكَّعُ السجودُ فَهُمُ المصلُّونَ، والطهارةُ (1) شرطٌ للصلاةِ باتِّفاقِ المسلمِينَ، والحائِضُ لا تُصَلِّي لا قضاءً ولا أداءً.
يبقَى الطائِفُ؛ هل يُلْحَقُ بالعاكِفِ، أو بالمصلِّي، أو يكونُ قِسْمًا ثالثًا بينهما؟ هذا (2) مَحَلُّ اجتهاد (3).
وقولُه: «الطَّوَافُ بِالبَيْتِ صَلَاةٌ» ، لَمْ يثبُتْ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنْ هو ثابِتٌ عنِ ابنِ عبَّاسٍ (4)، وقدْ رُوِيَ مرفوعًا (5)، ونَقَلَ (6) بعضُ الفقهاءِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّهُ قالَ:«إِذَا طَافَ بالبيتِ وهو جُنُبٌ: عليهِ دَمٌ» (7).
(1) في (أ): (والطهارات).
(2)
قوله: (هذا) سقط من (ج).
(3)
في (أ) و (ب): (نزاع).
(4)
قوله: (عن ابن عباس) سقط من (ب).
(5)
أما المرفوع: فرواه أحمد (15423)، والنسائي (2922)، عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه سلم.
ورواه الترمذي (960) قريباً من هذا اللفظ عن ابن عباس مرفوعاً.
أما الموقوف على ابن عباس: فرواه البيهقي (9305). ورجح جماعة من الحفاظ الموقوف؛ كالنسائي والدارقطني والبيهقي والنووي وابن تيمية.
(6)
زيد في (د): (عن).
(7)
ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما بعض الحنفية؛ كالكاساني في بدائع الصنائع (2/ 129)، والمرغيناني في الهداية (1/ 161). قال الحنفي في التنبيه على مشكلات الهداية (3/ 1113):(ليس لهذا ذكر في كتب الحديث فيما أعلم)، وقال ابن حجر في الدراية (2/ 41):(لم أجده).
ولَا رَيْبَ أنَّ المرادَ بذلِكَ: أنَّهُ يُشْبِهُ الصلاةَ مِنْ بَعْضِ الوجوهِ، ليس المرادُ: أنَّهُ نوعٌ مِنَ (1) الصلاةِ التي يُشْتَرَطُ لها الطهارةُ، وهكذا قولُه (2):«إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يُشَبِّكن (3) بَيْنَ أَصَابِعِهِ؛ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» (4)، وقولُه:«إِنَّ الْعَبْدَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، مَا (5) دَامَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَمَا كَانَ يَعْمِدُ (6) إِلَى الصَّلَاةِ» (7)، ونحوُ ذلِكَ.
فلا يجوزُ لحائضٍ أنْ تطوفَ إلا طاهرةً إذَا أَمْكَنَهَا ذلِكَ، باتفاقِ العلماءِ.
ولَوْ قَدِمَتِ المرأةُ حائِضًا (8)؛ لم (9) تَطُفْ بالبيتِ، لكنْ تَقِفُ بعرفةَ، وتفعلُ سائرَ المناسكِ كلِّها (10) معَ الحيضِ إلَّا الطوافَ،
(1) قوله: (من) سقط من (ج) و (د).
(2)
في (أ): (وهذا كقوله).
(3)
في (ب) و (ج): (فلا شبك).
(4)
رواه أحمد (18103)، وأبو داود (562)، والترمذي (386) من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه. وصححه الألباني.
(5)
في (ج) و (د): (وما).
(6)
في (د): (يعهد).
(7)
رواه البخاري (3229)، ومسلم (649) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8)
زاد في (أ) و (ب): (بالضاد).
(9)
في (أ) و (ب): (ولم).
(10)
قوله: (كلها) سقطت من (أ) و (ب).
فإنَّها تنتظِرُ حتى تَطْهُرَ إنْ أمكنَها ذلك، ثم تطوفُ، وإنِ اضطُرَّتْ إلى الطوافِ فطافَتْ؛ أَجْزَأَهَا ذلك (1) على الصحيحِ مِنْ قَوْلَيِ العلماءِ.
فإذَا قضَى الطوافَ؛ صلَّى ركعَتَينِ للطوافِ (2)، وإنْ صلَّاهُمَا عندَ مَقَامِ إبراهيمَ فهو أَحْسَنُ (3)، ويُسْتَحَبُّ أنْ يقرأَ فيهما بسورَتَيِ الإخلاصِ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثمَّ إِذَا صلَّاهُمَا اسْتُحِبَّ له (4) أنْ يستلِمَ الحَجَرَ.
ثمَّ يخرجُ إلى الطوافِ بينَ الصَّفَا والمروةِ، ولو أَخَّرَ ذلك إلى ما (5) بَعْدِ طوافِ الإفاضةِ؛ جازَ.
فإنَّ الحَجَّ فيهِ ثلاثةُ أَطْوِفَةٍ (6):
- طوافٌ عندَ الدخولِ، وهو يسمَّى: طوافَ القُدومِ والدخولِ (7) والورودِ.
(1) قوله: (ذلك) سقطت من (أ) و (ب).
(2)
في (أ) و (ب): (ركعتي الطواف).
(3)
في (ب): (حسن).
(4)
قوله: (له) سقطت من (أ).
(5)
قوله: (ما) سقطت من (ج) و (د).
(6)
في (أ): (أطوافه). و (ب): (أطواف).
(7)
قوله: (وهو يسمَّى: طواف القدوم والدخول) سقط من (أ) و (ب).
- والطوافُ الثانِي: هو (1) بعدَ التعريفِ، ويقالُ له: طوافُ الإفاضةِ والزيارَةِ، وهو طوافُ الفرضِ الذي لا بُدَّ منه، كما قالَ تعالَى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
-[والطوافُ (2) الثالِثُ: هو لِمَنْ أرادَ الخروجَ مِنْ مكَّةَ، وهو طوافُ الوَدَاعِ](3).
وإذَا سعَى عَقِيبَ (4) واحدٍ منها (5): أَجْزَأَهُ.
فإذَا خرجَ للسعيِ: خرجَ مِنْ بابِ الصَّفَا، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْقَى
(1) في (ب): (وهو).
(2)
في (د): (لطواف).
(3)
ما بين المعكوفتين تأخر في (أ) و (ب) بعد قوله: (أجزأه).
فالمثبت يدل على جواز تأخير السعي بعد طواف الوداع، وهو الموافق للمطبوع ضمن مجموع الفتاوى طبعة ابن قاسم، خلافاً لما في (أ) و (ب)، ولم أجد في كتب شيخ الإسلام كلاماً له حول هذه المسألة إلا ما في شرح العمدة (5/ 374) في ذكر شروط السعي حيث قال: (الخامس: أن يتقدمه طواف، سواء كان واجبًا، أو مسنونًا، فإذا طاف عقب طواف القدوم، أو طواف الزيارة: أجزأ ذلك، وإن طاف عقب طواف الوداع لم
…
) وما بعده بياض.
(4)
في (ج): (عقب).
(5)
في (أ) و (ب): (منهما).
على الصَّفَا والمروةِ، وهما في جانبَي (1) جَبَلَيْ (2) مكةَ، فيُكَبِّرُ ويُهَلِّلُ ويدعو اللهَ تعالَى، واليومَ قد بُنِيَ فوقَهما دَكَّتَانِ (3)، فمَنْ وصلَ إلى أسفلِ البِنَاءِ؛ أَجْزَأَهُ السعيُ وإنْ لم يَصْعَدْ فوقَ البناءِ.
فيطوفُ بالصَّفَا (4)[والمرْوَةِ سبعًا؛ يبتدِئُ بالصَّفَا](5)، ويختِمُ بالمروةِ، فينتهي طوافه عند المروة (6)، ويُستحَبُّ أنْ يسعَى في بطنِ الوادِي؛ مِنَ العَلَمِ إلى العَلَمِ، وهُمَا مُعلَّمَانِ (7) هُنَاكَ، وإنْ لم يَسْعَ في بطنِ الوادِي، بَلْ مَشَى على هَيْئَتِهِ جميعَ ما (8) بينَ الصَّفَا والمرْوَةِ؛ أَجْزَأَهُ (9) باتفاقِ العلماءِ، ولَا (10) شيءَ عليه.
ولَا صلاةَ عَقِيبَ الطوافِ بالصَّفَا والمرْوَةِ، وإنَّما الصلاةُ عَقِيبَ الطوافِ بالبيتِ؛ بِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، واتفاقِ السلفِ والأئمَّةِ.
(1) في (ج) و (د): (جانب).
(2)
في (ب): (جبل).
(3)
في (ب): (إذا كان ناظر).
(4)
قوله: (بالصفا) سقط من (ب).
(5)
ما بين معقوفين سقط من (أ) و (ب).
(6)
قوله: (فينتهي طوافه عند المروة) سقط من (ج) و (د).
(7)
في (ب): (علمان).
(8)
قوله: (ما) سقط من (ب).
(9)
في (أ): (وأجزأه).
(10)
في (د): (فلا).
فإذَا طافَ بينَ الصَّفَا والمرْوَةِ؛ حَلَّ مِنْ إحرامِهِ، كما أَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه لَمَّا طافُوا بهما أنْ يَحِلُّوا، إلَّا مَنْ كانَ معه هَدْيٌ فلَا يَحِلُّ حتى ينحرَهُ (1)(2).
والْمُفْرِدُ والقَارِنُ لَا يَحِلَّانِ إلَّا يومَ النحرِ.
ويُستحَبُّ له أنْ يُقَصِّر مِنْ شعرِهِ لِيَدَعَ الحِلَاقَ (3) للحجِّ، وكذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم (4)(5).
وإذَا حَلَّ (6): حَلَّ له ما حرم عليه بالإحرامِ (7).
(1) في (ب): (ينحر).
(2)
أخرجه البخاري (1651) ومسلم (1218) من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
في (أ): (الخلاف).
(4)
قوله: (وكذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم سقطت من (أ) و (ب).
(5)
عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالًا، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج» أخرجه البخاري (1568)، ومسلم (1216).
(6)
في (أ): (وإذا أحل)، وفي (ب):(فإذا دخل)، وفي (ج):(إذا أحل).
(7)
في (أ) و (ب): (حل له ما كانَ حراماً).
فصلٌ
فإذَا (1) كانَ يومُ التَّرْوِيَةِ: أَحْرَمَ وأهَلَّ (2) بالحجِّ، فيفعلُ كمَا فَعَلَ عندَ الْمِيقَاتِ، إنْ (3) شاءَ أَحْرَمَ مِنْ مكةَ، وإنْ شاءَ (4) مِنْ خارجِ مكةَ، هذَا هُوَ الصوابُ، وأصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّما أَحْرَمُوا كمَا أَمَرَهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ البَطْحَاءِ (5).
والسُّنَّةُ أنْ يُحْرِمَ مِنَ الموضعِ الذِي هو نازِلٌ فيهِ، [وكذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم](6)، وكذلِكَ المكِّيُّ يُحْرِمُ مِنْ أهلِهِ، كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَ مَكَّةَ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها (7)» (8).
(1) في (أ) و (ب): (إذا).
(2)
قوله: (وأهل) سقط من (أ) و (ب).
(3)
في (ج) و (د): (وإن).
(4)
زيد في (ب): (أحرم).
(5)
عن جابر رضي الله عنه قال: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح» رواه مسلم (1214) والبخاري تعليقًا (2/ 160)، ورواه أحمد (14418) بلفظ:«فإذا أردتم أن تنطلقوا إلى منىً، فأهلوا، فأهللنا من البطحاء» . قال النووي في شرح مسلم (4/ 218): (الأبطح: هو الموضع المعروف على باب مكة، ويقال لها البطحاء أيضًا).
(6)
ما بين معقوفين سقط من (ج) و (د).
(7)
قوله: (منها) هو في (ج): من مكة، وسقط من (د).
(8)
تقدم تخريجه صفحة (19).
والسُّنَّةُ أنْ يَبِيتَ الحاجُّ بِمِنًى، فيُصَلُّونَ بها (1) الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والفجرَ، ولا يَخْرُجونَ منها حتَّى تطلُعَ الشمسُ، كمَا فَعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
[وأَمَّا الإِيقادُ فهو بِدْعَةٌ مكروهةٌ باتفاقِ العلماءِ (2)](3)، وإنَّما الإِيقادُ بِمُزْدَلِفَةَ خاصةً (4) بعدَ الرجوعِ مِن عرفةَ، وأمَّا الإِيقادُ بعرفةَ
(1) قوله: (بها) سقط من (ج) و (د).
(2)
أي: إشعال النيران. قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (5/ 228): (وقد أعرض جمهور الناس في زماننا عن أكثر هذه السنن، فيوافون عرفة من أول النهار، وربما دخلها كثير منهم ليلًا، وبات بها، وأوقد النيران بها، وهذا بدعة وخلاف للسنة، ويتركون إتيان نمرة والنزول بها).
وقال في الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 94): (ومنها: إيقاد النيران عليه ليلة عرفة، واهتمامهم لذلك باستصحاب الشمع له من بلادهم، واختلاط الرجال بالنساء في ذلك صعودًا وهبوطًا بالشموع المشتعلة الكثيرة، وقد تزاحم المرأة الجميلة بيدها الشمع الموقد كاشفة عن وجهها، وهي ضلالة شابهوا فيها أهل الشرك في مثل ذلك الموقف الجليل، وإنما أحدثوا ذلك من قريب حين انقرض أكابر العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وحين تركوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصولهم بعرفات قبل دخول وقت الوقوف بانتصاف يوم عرفة؛ لكونهم يرحلون في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رحلة واحدة، وإنما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم السير في الثامن من مكة الى منًى، والمبيت بها إلى يوم عرفة، وتأخير الوصول بعرفات إلى ما بعد زوال الشمس يوم عرفة).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (أ).
(4)
قوله: (خاصة) سقطت من (أ).
وقوله: (وأَمَّا الإِيقادُ فهو بِدْعَةٌ مكروهةٌ باتفاقِ العلماءِ، وإنَّما الإِيقادُ بِمُزْدَلِفَةَ =