الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ) الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ، أَوْ غَرَرًا، وَلَوْ اُشْتُرِطَ
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ فِي بَيَان حَقِيقَة وَأَحْكَام الرَّهْن]
بَابُ)
فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ وَأَحْكَامِ الرَّهْنِ (الرَّهْنُ) لُغَةً اللُّزُومُ وَالْحَبْسُ، وَكُلُّ مَلْزُومٍ فَهُوَ رَهْنٌ يُقَالُ هَذَا رَهْنٌ لَك أَيْ مَحْبُوسٌ لَك، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] ، أَيْ مَحْبُوسَةٌ، وَالرَّاهِنُ دَافِعُ الرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ بِكَسْرِ الْهَاءِ قَابِضُهُ، وَبِفَتْحِهَا الشَّيْءُ الْمَرْهُونُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى آخِذِهِ لِوَضْعِ الرَّهْنِ عِنْدَهُ وَعَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ الرَّهْنُ، وَجَمْعُ الرَّهْنِ رِهَانٌ وَرُهُونٌ، وَرَهْنٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْهَاءِ. ابْنُ يُونُسَ الرَّهْنُ وَالرِّهَانُ عَرَبِيَّانِ لَكِنَّ الرَّهْنَ بِضَمٍّ فِي جَمْعِ الرَّهْنِ أَكْثَرُ، وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ أَكْثَرُ. وَقِيلَ جَمْعُ الرَّهْنِ رِهَانٌ وَجَمْعُ رِهَانٍ رَهْنٌ بِالضَّمِّ فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ، يُقَالُ رَهَنْته وَأَرْهَنْتُهُ وَارْتَهَنْته حَكَاهُ السَّمِينُ. وَشَرْعًا يُطْلَقُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْعَقْدِ، وَاسْمًا لِلشَّيْءِ الْمَرْهُونِ، وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: الرَّهْنُ (بَذْلُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ إعْطَاءُ جِنْسٍ شَمِلَ الرَّهْنَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ مُضَافٌ لَهُ لِ (مَنْ) أَيْ شَخْصٍ إضَافَةَ مَصْدَرٍ لِفَاعِلِهِ (لَهُ الْبَيْعُ) لِتَمْيِيزِهِ لِإِخْرَاجِ بَذْلِ مَنْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ، وَمَفْعُولُ الْبَذْلِ (مَا) أَيْ شَيْئًا (يُبَاعُ) أَخْرَجَ بِهِ بَذْلَ مِنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَكَلْبٍ، وَلَمَّا خَرَجَ بِقَوْلِهِ مَا يُبَاعُ بَذْلُ مَا فِيهِ غَرَرٌ وَكَانَ رَهْنُهُ صَحِيحًا، عَطَفَهُ عَلَى مَا يُبَاعُ لِإِدْخَالِهِ فَقَالَ (أَوْ) بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ (غَرَرًا) أَيْ شَيْئًا فِيهِ غَرَرٌ غَيْرُ شَدِيدٍ كَآبِقٍ وَشَارِدٍ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ دَفْعُ مَالِهِ قَرْضًا أَوْ بَيْعًا لِأَجَلٍ بِلَا تَوَثُّقٍ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَجَازَ تَوَثُّقُهُ فِيهِ بِمَا فِيهِ غَرَرٌ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فِي الْجُمْلَةِ خَيْرٌ مِنْ لَا شَيْءَ، فَإِنْ اشْتَدَّ كَالْجَنِينِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَعْرُوفِ.
وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ رَهْنُهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ، بَلْ (وَلَوْ اُشْتُرِطَ) رَهْنُ
فِي الْعَقْدِ وَثِيقَةً بِحَقٍّ:
ــ
[منح الجليل]
الْغَرَرِ (فِي الْعَقْدِ) أَيْ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ فَلَا يَفْسُدُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ جَوَازُ رَهْنِ الْغَرَرِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهَا أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ رَهْنَ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ فِيهِ يُفْسِدُهُ. الْمَازِرِيُّ وَهُمَا جَارِيَانِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِدَ إذَا قَارَنَ الصَّحِيحَ هَلْ يُصَيِّرُهُ مَمْنُوعًا أَمْ لَا. الْحَطّ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الرَّهْنُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لَا، وَهَذِهِ إحْدَى النَّظَائِرِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ، وَالثَّانِيَةُ الْهِبَةُ، وَالثَّالِثَةُ الْخُلْعُ، وَالرَّابِعَةُ الصُّلْحُ، وَذَكَرَ عِلَّةَ بَذْلِ مَا يُبَاعُ بِقَوْلِهِ (وَثِيقَةً) أَيْ لِلتَّوَثُّقِ بِهِ (بِحَقٍّ) لِإِخْرَاجِ بَذْلِ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ لِغَيْرِ التَّوَثُّقِ بِهِ، كَبَذْلِ الْمَبِيعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْمُعَارِ وَالْمَوْهُوبِ وَالْمُتَصَدِّقِ بِهِ.
وَتَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ الرَّهْنَ بِمَا ذُكِرَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ. إعْطَاءُ امْرِئٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الرَّهْنَ بِحَالٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ، وَالْإِعْطَاءُ مَصْدَرٌ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَيَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا لَكِنْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقَهُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَالٌ مُعْطَى مَثَلًا. وَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ: مَالُهُ قُبِضَ تَوْثِيقًا بِهِ فِي دَيْنٍ. قَالَ فَخَرَجَتْ الْوَدِيعَةُ وَالْمَصْنُوعُ بِيَدِ صَانِعِهِ وَالرَّقِيقُ الْجَانِي الْمُسَلَّمُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. الْحَطّ يُقَالُ الرَّهْنُ يُطْلَقُ فِي عُرْفِهِمْ عَلَى الْعَقْدِ أَيْضًا، كَقَوْلِهِمْ يَصِحُّ الرَّهْنُ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ، فَتَعْرِيفُهُ بِالْإِعْطَاءِ وَالْبَذْلِ الْمُرَادُ بِهِمَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ أَيْضًا. وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْبَذْلِ فِي التَّعْرِيفَاتِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وَفِي الْإِعْطَاءِ وَلِلْبَذْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِقْبَاضِ وَالْإِذْنِ فِيهِ، وَلَوْ تَوَلَّى الْمُرْتَهِنُ قَبْضَهُ بِنُقُسِهِ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا.
وَعَرَّفَهُ ابْنُ شَاسٍ بِأَنَّهُ: احْتِبَاسُ الْعَيْنِ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ، وَنَظَرَ فِيهِ وَفِي تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْإِعْطَاءِ أَوْ الِاحْتِبَاسِ، وَلَا يَكَادُونَ يُطْلِقُونَهُ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ أَمَّا الْعَقْدُ أَوْ الشَّيْءُ الْمَرْهُونُ، فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ الرَّهْنُ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ، وَقَوْلُهُمْ يَصِحُّ رَهْنُ كَذَا وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ كَذَا وَاشْتِرَاطُهُمْ الصِّيغَةُ فِيهِ أَوْ جَعْلُهَا رُكْنًا لَهُ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ مَا يُنَافِي مَا قَالَاهُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ
كَوَلِيٍّ، وَمُكَاتَبٍ، وَمَأْذُونٍ
. وَآبِقٍ، وَكِتَابَةٍ، وَاسْتُوْفِيَ مِنْهَا أَوْ رَقَبَتِهِ، إنْ عَجَزَ
ــ
[منح الجليل]
وَأَمَّا الْقَبْضُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ وَلَا فِي صِحَّتِهِ وَلَا فِي لُزُومِهِ فَيَنْعَقِدُ وَيَصِحُّ وَيَلْزَمُ بِالْقَوْلِ ثُمَّ يَطْلُبُ الْمُرْتَهِنُ الْإِقْبَاضَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ يَصِحُّ الرَّهْنُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ. اهـ. فَأَنْتَ تَرَى الْقَبْضَ وَالْإِقْبَاضَ مُتَأَخِّرَيْنِ عَنْ الْعَقْدِ، وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الشَّيْءِ غَيْرُ ضَرُورَةٍ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِهِ. وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُهُمْ إنْ جَنَى الرَّهْنَ وَعِلَّةَ الرَّهْنِ، وَلِذَا حَدَّهُ الْوَانُّوغِيُّ بِقَوْلِهِ: عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ، قَصَدَ بِهِ التَّوْثِيقَ بَعْدَ قَوْلِهِ لِإِخْفَاءٍ فِي إشْكَالِ تَعْرِيفِ شَيْخِنَا بِأَنَّهُ مَالٌ قُبِضَ تَوَثُّقًا بِهِ فِي دَيْنٍ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مِنْ الرَّهْنِ إلَّا مَا هُوَ مَقْبُوضٌ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ الرَّهْنِ. اهـ. وَكُلُّ هَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِعْطَاءِ وَالْبَذْلِ وَالْإِقْبَاضِ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَثَّلَ لِمَنْ لَهُ الْبَيْعُ فَقَالَ (كَوَلِيٍّ) لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ فَلَهُ رَهْنُ مَتَاعِ مَحْجُورِهِ فِيمَا يَتَدَايَنُهُ لِلْمَحْجُورِ لِنَفَقَتِهِ أَوْ كِسْوَتِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْوَصِيُّ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ رَهْنًا فِيمَا يَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ كِسْوَةٍ أَوْ طَعَامٍ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ عُرُوضَ الْيَتِيمِ بِمَا أَسْلَفَهُ رَهْنًا، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مِنْ مَتَاعِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَدِنْهُ لِلْوَلَدِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَالِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ (وَ) كَرَقِيقٍ (مُكَاتَبٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ مُعْتَقٍ بِفَتْحِهَا عَلَى أَدَاءِ مَالٍ مُؤَجَّلٍ، فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ بَعْضَ مَالِهِ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ لِإِحْرَازِهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِالْكِتَابَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِإِصَابَةِ وَجْهِ الرَّهْنِ (وَ) كَرَقِيقٍ (مَأْذُونٍ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا سَيِّدُهُمَا فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ إذْنٌ فِي تَوَابِعِهَا، وَمِنْهَا الرَّهْنُ، وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا فِيهِ.
(وَ) مَثَّلَ لِمَا يَصِحُّ رَهْنُهُ فَقَالَ كَرَقِيقٍ (آبِقٍ وَكِتَابَةٍ) أَيْ مَالٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الرَّقِيقِ فِي نَظِيرِ عِتْقِهِ بِأَدَائِهِ، فَيَجُوزُ لِسَيِّدِ الْآبِقِ رَهْنُهُ، وَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ رَهْنُ كِتَابَتِهِ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ (وَاسْتَوْفَى) الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ (مِنْهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ إذَا حَلَّ أَجَلُهَا وَأَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ (أَوْ) مِنْ ثَمَنِ (رَقَبَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (إنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا.
وَخِدْمَةِ مُدَبَّرٍ. وَإِنْ رَقَّ جُزْءٌ فَمِنْهُ، لَا رَقَبَتِهِ وَهَلْ يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ؟ قَوْلَانِ:
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ الْحَاجِبِ وَرَهْنُ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ إنْ قُبِضَ قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِ وَفَلَسِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ يَجُوزُ رَهْنُ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ. وَقَوْلُهُ إنْ قُبِضَ قَبْلَ مَوْتِ رَاهِنِهِ وَفَلَسِهِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ رَهْنَ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضَا قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِمَا، نَعَمْ قَبْضُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِمَا شَرْطٌ فِي اخْتِصَاصِ الْمُرْتَهِنِ بِهِمَا عَنْ بَاقِي غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ. الْحَطّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الصِّقِلِّيِّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ كَذَلِكَ. وَفِي النَّوَادِرِ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا تُرْهَنُ الْأَجِنَّةُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسِّرٍ تُرْهَنُ كَالْآبِقِ وَالشَّارِدِ وَيَصِحُّ رَهْنُهَا بِقَبْضِهَا. اهـ. وَسَيَقْتَصِرُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ.
(وَخِدْمَةِ) رَقِيقٍ (مُدَبَّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ عَلَى مَوْتِ مَالِكِهِ فَلَهُ رَهْنُهَا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ مِنْهَا (وَإِنْ) مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ وَقَدْ (رُقَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الْقَافِ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ لِاسْتِغْرَاقِهِ الدَّيْنَ أَوْ (جُزْءٌ) مِنْ الْمُدَبَّرِ لِلدَّيْنِ أَيْ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ وَرَجَعَ لِلرَّقَبَةِ (ف) يُسْتَوْفَى الدَّيْنُ (مِنْهُ) أَيْ الْمُسْتَرَقِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْكُلُّ أَوْ الْجُزْءُ (لَا) يَجُوزُ رَهْنُ (رَقَبَتِهِ) أَيْ الْمُدَبَّرِ عَلَى أَنْ تُبَاعُ لِلدَّيْنِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ فِي دَيْنٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ التَّدْبِيرِ، فَإِنْ وَقَعَ هَذَا (وَهَلْ) يَصِحُّ الرَّهْنُ و (يَنْتَقِلُ) الرَّهْنُ (لِخِدْمَتِهِ) أَيْ الْمُدَبَّرِ وَيُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَوْ لَا يَصِحُّ وَلَا يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ، فِي الْجَوَابِ (قَوْلَانِ) فَإِنْ رُهِنَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ فِي دَيْنٍ سَابِقٍ عَلَى تَدْبِيرِهِ صَحَّ، كَذَا قَرَّرَهُ الْمَوَّاقُ بِأَنَّهُ رَهَنَ رَقَبَتَهُ عَلَى أَنَّهُ قِنٌّ فَتَبَيَّنَ مُدَبَّرًا فَهَلْ يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ قَوْلَانِ.
قَالَ وَأَمَّا لَوْ رَهَنَ رَقَبَتَهُ عَلَى أَنَّهُ مُدَبَّرٌ يُبَاعُ فِي الْحَيَاةِ فِي الدَّيْنِ الْمُتَأَخِّرِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْخِدْمَةِ قَطْعًا، فَلَوْ قَالَ خَلِيلٌ فَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَظَهَرَ مُدَبَّرًا فَهَلْ يَنْتَقِلُ إلَخْ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ " ق " ثُمَّ بَعْدَ حِينَ اطَّلَعْت عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِذَا هُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ
كَظُهُورِ حَبْسِ دَارٍ
، وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ؛
ــ
[منح الجليل]
خَلِيلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ خَلِيلٌ. اهـ. وَاللَّخْمِيُّ مَعَ الْمَازِرِيِّ نَسَبَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ. الْحَطّ يَجُوزُ رَهْنُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ سَوَاءٌ رَهَنَ مِنْهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا أَوْ رَهَنَ جَمِيعَهَا، فَإِنْ رَهَنَ مِنْهَا مَعْلُومَةً جَازَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ رَهَنَ جَمِيعَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ جَازَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا رَهَنَهُ فِي عَقْدِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي رَهْنِ الْغَرَرِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ.
وَرَهْنُ الرَّقَبَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَرْتَهِنَ رَقَبَتَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَلَا مَالَ لَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي رَهْنِ الْغَرَرِ إذْ لَا يُدْرَى مَتَى يَمُوتُ السَّيِّدُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ جَازَ اتِّفَاقًا. وَالثَّانِي: رَهَنَ رَقَبَتَهُ عَلَى بَيْعِهَا لَهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ. فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَهَلْ تَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ.
وَشَبَّهَ فِي الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ (كَظُهُورِ حُبُسِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ وَقْفِ (دَارٍ) رُهِنَتْ عَلَى أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَثَبَتَ تَحْبِيسُهَا عَلَى رَاهِنِهَا فَقِيلَ يَبْطُلُ رَهْنُهَا وَلَا يَنْتَقِلُ الرَّهْنُ إلَى مَنْفَعَتِهَا. وَقِيلَ يَصِحُّ رَهْنُهَا وَيَنْتَقِلُ إلَيْهَا لِجَوَازِ بَيْعِهَا وَرَهْنِهَا فَلَا يَبْطُلُ رَهْنُهَا بِبُطْلَانِ رَهْنِ الدَّارِ حَكَاهُمَا فِي تَوْضِيحِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ تَحْبِيسُهَا عَلَى غَيْرِ رَاهِنِهَا فَلَا يَنْتَقِلُ الرَّهْنُ لِمَنْفَعَتِهَا، إذْ لَا حَقَّ لِلرَّاهِنِ فِيهَا
وَعَطَفَ عَلَى آبِقٍ فَقَالَ (وَ) كَرَهْنِ (مَا) أَيْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَجَدْوٍ (لَمْ يَبْدُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَظْهَرُ (صَلَاحُهُ) فَيَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ جَوَازِ الْغَرَرِ فِي الرَّهْنِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ كَالْجَنِينِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ.
ابْنُ عَرَفَةَ فِي صُلْحِهَا قَدْ جَوَّزَ أَهْلُ الْعِلْمِ رَهْنَ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْغُلَامِ وَثَمَرَةَ النَّخْلِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَلَمْ يُجِيزُوا رَهْنَ الْأَجِنَّةِ. الْمَازِرِيُّ رَهْنُ ثَمَرَةٍ لَمْ تُخْلَقْ كَرَهْنِ الْجَنِينِ. قُلْت ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ خِلَافُ ذَلِكَ. ابْنُ الْحَارِثِ اتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَى ارْتِهَانِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَظْهَرْ، وَاخْتَلَفَا فِي ارْتِهَانِ مَا فِي الْبَطْنِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ كَالثَّمَرَةِ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَجُوزُ إفْرَادُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ، وَقَدْ أَجَازُوا ارْتِهَانَهُ سِنِينَ وَهُوَ لَمْ يَظْهَرْ فِي غَيْرِ الْأُولَى.
وَانْتُظِرَ لِيُبَاعَ، وَحَاصَّ مُرْتَهِنُهُ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، فَإِذَا صَلُحَتْ: بِيعَتْ، فَإِنْ وَفَّى: رَدَّ مَا أَخَذَهُ، وَإِلَّا قُدِّرَ مُحَاصًّا بِمَا بَقِيَ
لَا كَأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ
ــ
[منح الجليل]
وَ) إذَا رَهَنَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ ثُمَّ مَاتَ رَاهِنُهُ أَوْ فُلِّسَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ (اُنْتُظِرَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ بُدُوُّ صَلَاحِهِ (لِيُبَاعَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ لِلرَّاهِنِ مَالٌ غَيْرُ الرَّهْنِ قَضَى الدَّيْنَ مِنْهُ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ مُرْتَهِنِهِ (وَحَاصَّ) بِشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَاسَمَ (مُرْتَهِنَهُ) أَيْ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ غُرَمَاءُ رَاهِنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ مَعَ دُيُونِهِمْ (فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ) لِلرَّاهِنِ (فَإِذَا صَلُحَتْ) الثَّمَرَةُ الْمَرْهُونَةُ أَيْ بَدَا صَلَاحُهَا وَجَازَ بَيْعُهَا (بِيعَتْ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ لِتَوْفِيَةِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ (فَإِنْ وَفَّى) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْفَاءِ مُشَدَّدَةً ثَمَنُهَا بِجَمِيعِهِ (رَدَّ) الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ (مَا أَخَذَهُ) بِمُحَاصَّةِ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِ الرَّاهِنِ وَتَحَاصَصَ فِيهِ الْغُرَمَاءُ بِبَوَاقِي دُيُونِهِمْ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوفِ ثَمَنُهَا بِجَمِيعِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ (قُدِّرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْمُرْتَهِنُ (مُحَاصًّا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، لِلْغُرَمَاءِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ (بِمَا بَقِيَ) لَهُ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ ثَمَنَ الثَّمَرَةِ، فَمَا يَخُصُّهُ بِهَذِهِ الْمُحَاصَّةِ مِمَّا أَخَذَهُ بِالْمُحَاصَّةِ الْأُولَى أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى مَا يَخُصُّهُ بِالثَّانِيَةِ مِمَّا أَخَذَهُ بِالْأَوْلَى يَرُدُّهُ لِبَاقِي الْغُرَمَاءِ يَتَحَاصُّونَ فِيهِ بِبَوَاقِي دُيُونِهِمْ كَمَالٍ حَدَثَ لِلْمُفْلِسِ مَثَلًا لِغُرَمَاءَ ثَلَاثَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَارْتَهَنَ أَحَدُهُمْ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَمَالُ مَدِينِهِمْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ تَحَاصُّوا فِيهِ فَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمْ خَمْسِينَ، فَإِذَا بَدَا صَلَاحُ الرَّهْنِ وَبِيعَ بِمِائَةٍ اخْتَصَّ بِهَا الْمُرْتَهِنُ وَرَدَّ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَخَذَهَا بِالْمُحَاصَّةِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا لِصَاحِبَيْهِ لِكُلِّ مِنْهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ بِيعَ بِخَمْسِينَ اخْتَصَّ الْمُرْتَهِنُ بِهَا وَقُدِّرَ مُحَاصًّا لِصَاحِبَيْهِ بِخَمْسِينَ فَيَخُصُّهُ ثَلَاثُونَ وَيَزِيدُ مَا أَخَذَهُ بِالْمُحَاصَّةِ الْأُولَى عَلَيْهَا عِشْرُونَ يَرُدُّهَا لِصَاحِبَيْهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَشَرَةٌ.
وَذَكَرْت بَعْضَ مَفْهُومِ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ فَقَالَ (لَا) يَصِحُّ رَهْنُ (كَأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) عَلَى يَتِيمٍ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ بِدُونِ إذْنِ الْوَصِيِّ الْآخَرِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ
وَجِلْدِ مَيْتَةٍ، وَكَجَنِينٍ
وَخَمْرٍ؛ وَإِنْ لِذِمِّيٍّ، إلَّا أَنْ تَتَخَلَّلَ، وَإِنْ تَخَمَّرَ: أَهْرَاقَهُ بِحَاكِمٍ
ــ
[منح الجليل]
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدٌ كَالْوَصِيَّيْنِ لَشَمِلَ كُلَّ مَنْ تَوَقَّفَ تَصَرُّفُهُ عَلَى إذْنِ غَيْرِهِ كَالنَّاظِرَيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهَذِهِ عَادَتُهُ.
وَذَكَرَ بَعْضَ مُحْتَرَزِ مَا يُبَاعُ فَقَالَ (وَ) لَا يَصِحُّ رَهْنُ (جِلْدِ مَيْتَةٍ) اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يُدْبَغْ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ دُبِغَ وَلَا جِلْدَ أُضْحِيَّةٍ وَلَا كَلْبَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَنْعِ بَيْعِهِ (و) لَا يَصِحُّ رَهْنٌ (كَجَنِينٍ) لِقُوَّةِ غَرَرِهِ فِي عَقْدِ بَيْعٍ وَيَجُوزُ بَعْدَهُ كَعَقْدِ قَرْضٍ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَدَخَلَ بِالْكَافِ سَمَكٌ فِي بَحْرٍ وَطَيْرٌ فِي هَوَاءٍ وَلُؤْلُؤٌ غَيْرُ مَوْصُوفٍ. ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا ارْتِهَانُ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَجَازَهُ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسِّرٍ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا كَانَ الِارْتِهَانُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ: وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي جَوَازِهِ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ الْجَنِينِ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ وَبَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ فِيهِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ رَهْنُ (خَمْرٍ) عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَتْ (لِذِمِّيٍّ) وَرَهَنَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا، بَلْ وَإِنْ رُهِنَتْ لِذِمِّيٍّ مِنْ مُسْلِمٍ فَإِنْ رَهَنَهَا ذِمِّيٌّ عِنْدَ ذِمِّيٍّ فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا رَاضِيَيْنِ بِحُكْمِنَا وَتُرَاقُ إنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ أَسْلَمَ وَإِلَّا رُدَّتْ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ تَتَخَلَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ تَصِيرُ الْخَمْرُ خَلًّا فَلَا تُرَاقُ إنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ وَلَا تُرَدُّ إنْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ، وَيَخْتَصُّ بِهَا الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حُكْمَيْنِ مُقَدَّرَيْنِ.
(وَإِنْ) رَهَنَ مُسْلِمٌ عَصِيرًا عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ و (تَخَمَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا (أَهْرَاقَهُ) أَيْ صَبَّ الْمُرْتَهِنُ الْعَصِيرَ الَّذِي صَارَ خَمْرًا عَلَى الْأَرْضِ (ب) حُكْمِ (حَاكِمٍ) مَالِكِيٍّ إنْ وُجِدَ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ يَحْكُمُ بِعَدَمِ إرَاقَتِهَا وَتَخْلِيلِهَا لِيَرْفَعَ خِلَافَهُ وَيَأْمَنَ حُكْمَهُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا، وَإِلَّا أَرَاقَهَا بِلَا حُكْمٍ لِأَمْنِهِ مِنْ التَّغْرِيمِ وَكَسْرِ إنَائِهَا الْفَخَّارِ
وَصَحَّ: مُشَاعٌ، وَحِيزَ بِجَمِيعِهِ، إنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ شَرِيكَهُ،
ــ
[منح الجليل]
وَشَقِّ الْجِلْدِ، وَعُلِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى إرَاقَةُ الْخَمْرِ الَّتِي رَهَنَهَا مُسْلِمٌ بِحَاكِمٍ أَيْضًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ إرَاقَتَهَا بِغَيْرِ حَاكِمٍ، فَإِنْ رَهَنَ الْعَصِيرَ ذِمِّيٌّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَتَخَمَّرَ فَلَا تُرَاقُ وَتُرَدُّ لِلذِّمِّيِّ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَيَبْقَى الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الذِّمِّيُّ فَتُرَاقُ، وَهَلْ بِحَاكِمٍ وَيَبْقَى الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ أَيْضًا أَمْ لَا؟ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ ارْتَهَنَ عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا فَلْيَرْفَعْهُ إلَى الْإِمَامِ لِيُهْرَاقَ بِأَمْرِهِ كَالْوَصِيِّ يَجِدُ خَمْرًا فِي التَّرِكَةِ اهـ.
(وَصَحَّ) أَنْ يُرْهَنَ جُزْءٌ (مُشَاعٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ شَائِعٌ فِي كُلِّهِ نِصْفٌ (وَحِيزَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قُبِضَ مِنْ الرَّاهِنِ الْجُزْءُ الْمُشَاعُ (ب) حَوْزِ (جَمِيعِهِ) أَيْ الْكُلِّ الَّذِي رُهِنَ جُزْؤُهُ الْمُشَاعُ (إنْ بَقِيَ فِيهِ) أَيْ الْجَمِيعُ أَيْ إنْ كَانَ بَاقِيهِ الَّذِي لَمْ يُرْهَنْ (لِلرَّاهِنِ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشَاعُ مِنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَقَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُكْتَفَى فِي الْعَقَارِ بِحَوْزِ الْبَعْضِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلَانِ مَنْسُوبَانِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ عِنْدِي بَيَانٌ لَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ الِاكْتِفَاءُ بِحَوْزِ الْجُزْءِ إنْ كَانَ الْبَاقِي لِغَيْرِ الرَّاهِنِ، وَيُنْزَلُ الْمُرْتَهِنُ مَنْزِلَتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. " د " كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلرَّاهِنِ النِّصْفُ وَرَهَنَ الرُّبْعَ فَلَا بُدَّ مِنْ حَوْزِ الْجَمِيعِ إذْ صَدَقَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ يَكْفِي حَوْزُ نِصْفِ الرَّاهِنِ، فَلَوْ قَالَ وَحِيزَ مِلْكُهُ بِهِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا الْإِيهَامِ.
(وَ) مَنْ لَهُ جُزْءٌ شَائِعٌ فِي عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَقَارٍ وَأَرَادَ رَهْنَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَلَهُ رَهْنُهُ و (لَا يَسْتَأْذِنُ) الرَّاهِنُ (شَرِيكَهُ) فِي رَهْنِهِ، أَيْ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِئْذَانُهُ لِتَصَرُّفِ الشَّرِيكِ مَعَ الْمُرْتَهِنِ وَعَدَمِ تَعَلُّقِ الرَّهْنِ بِحِصَّتِهِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ نَعَمْ يُنْدَبُ اسْتِئْذَانُهُ فِيهِ. فِي التَّوْضِيحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَرَهْنُ الْمُشَاعِ فِيمَا بَاقِيهِ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ رُبْعًا أَوْ مُنْقَسِمًا لَا يَفْتَقِرُ لِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ أَوْ وَقْفِهِ عَلَيْهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَائِلَا لِأَنَّ رَهْنَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ بَيْعِهِ
وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ وَيَبِيعَ وَيُسَلِّمَ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْرِهِ وَيَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ لَهُ، وَلَوْ أَمَّنَا شَرِيكًا فَرَهَنَ
ــ
[منح الجليل]
نَاجِزًا، ثُمَّ قَالَ وَصَوَّبَ الْبَاجِيَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَفْتَقِرُ لِإِذْنِ الشَّرِيكِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ بَيْعِ حَظِّهِ أَوْ دُعَائِهِ لِبَيْعِ جَمِيعِهِ، فَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِ الدَّيْرِ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا، وَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ قُضِيَ الدَّيْنُ بِهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ مِثْلِهِ.
(وَلَهُ) أَيْ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَرْهَنْ نَصِيبَهُ (أَنْ يَقْسِمَ) الْمُشْتَرَكَ الَّذِي يَقْبَلُهَا بِحَضْرَةِ شَرِيكِهِ الرَّاهِنِ وَالرَّهْنُ فِي حَوْزِ مُرْتَهِنِهِ (وَ) لَهُ أَنْ (يَبِيعَ) مَنَابَهُ (وَيُسْلِمَ) لِلْمُشْتَرِي مَا بَاعَهُ لَهُ وَلَا يَمْنَعُهُ رَهْنُ شَرِيكِهِ مَنَابَهُ مِنْ ذَلِكَ، إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ الرَّهْنُ بِحِصَّتِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ الشَّارِحُ يُسْلِمُهَا فِيمَا شَاءَ وَنَسَبَهُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَهُ تت. فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَنْقَسِمُ مِنْ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ فَرَهَنَ حِصَّتَهُ مِنْهُ جَازَ ذَلِكَ إذَا جَازَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ شَاءَ شَرِيكُهُ الْبَيْعَ قَاسَمَهُ فِيهِ الرَّاهِنُ وَالرَّهْنُ كَمَا هُوَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ، فَإِنْ غَابَ الرَّاهِنُ أَقَامَ الْإِمَامُ مَنْ يَقْسِمُ لَهُ، ثُمَّ تَبْقَى حِصَّةُ الرَّاهِنِ فِي الْوَجْهَيْنِ رَهْنًا وَيُطْبَقُ عَلَى كُلِّ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ.
(وَلَهُ) أَيْ رَاهِنِ جُزْئِهِ الْمُشَاعِ مِنْ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْرِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ وَهُوَ شَرِيكُهُ الَّذِي لَمْ يَرْهَنْ حِصَّتَهُ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ رَهْنُ جُزْئِهِ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَلَّى قَبْضَ رِيعِهِ (وَيَقْبِضُهُ) أَيْ الْجُزْءَ الْمُسْتَأْجَرَ وَيَسْتَغِلُّهُ (الْمُرْتَهِنُ لَهُ) أَيْ الرَّاهِنُ. اللَّخْمِيُّ أَوْ يُقَاسِمُهُ الرَّقَبَةَ أَوْ الْمَنْفَعَةَ لِئَلَّا تَجُولَ يَدُهُ فِي رَهْنِهِ فَيَبْطُلَ حَوْزُهُ، وَصُورَةُ قَسْمِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ شَخْصَيْنِ شَرِكَةٌ فِي دَارَيْنِ عَلَى الشُّيُوعِ وَرَهَنَ أَحَدُهُمَا حَظَّهُ مِنْهُمَا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ حَظَّ شَرِيكِهِ مِنْهُمَا وَاقْتَسَمَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الْغَلَّةَ بِجَعْلِ غَلَّةِ إحْدَى الدَّارَيْنِ لِلرَّاهِنِ وَغَلَّةِ الْأُخْرَى لِمُرْتَهِنٍ، فَلِلرَّاهِنِ حِينَئِذٍ إيجَارُ الدَّارِ الَّتِي خَصَّتْهُ بِالْقِسْمَةِ وَقَبَضَ أُجْرَتَهَا.
(وَلَوْ) رَهَنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ و (أَمَّنَا) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ جَعَلَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (شَرِيكًا) لِلرَّاهِنِ أَمِينًا عَلَى الرَّهْنِ وَحَائِزًا لَهُ (فَرَهَنَ)
حِصَّتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَأَمَّنَّا الرَّاهِنَ الْأَوَّلَ: بَطَلَ حَوْزُهُمَا
وَالْمُسْتَأْجَرُ وَالْمُسَاقِي، وَحَوْزُهُمَا الْأَوَّلُ: كَافٍ
ــ
[منح الجليل]
الشَّرِيكُ الْأَمِينُ (حِصَّتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ) الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ (وَأَمَّنَا) أَيْ الرَّاهِنَ الثَّانِيَ الْأَمِينَ عَلَى الرَّهْنِ الْأَوَّلِ وَمُرْتَهِنِهِ أَيْ جَعَلَا (الرَّاهِنَ الْأَوَّلَ) أَمِينًا عَلَى الرَّهْنِ الثَّانِي (بَطَلَ حَوْزُهُمَا) أَيْ الرَّهْنَيْنِ أَوْ الرَّاهِنَيْنِ لِجَوَلَانِ يَدِ كُلِّ رَاهِنٍ عَلَى رَهْنِهِ بِحَوْزِهِ لِرَهْنِ الْآخَرِ الشَّائِعِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ حَوْزُهُمَا عَدَمُ بُطْلَانِ أَصْلِ الرَّهْنِ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قَامَ كُلٌّ مِنْ الْمُرْتَهِنَيْنِ يَطْلُبُ حَوْزَ رَهْنِهِ قَبْلَ حُصُولِ مَانِعٍ لِرَاهِنِهِ قُضِيَ لَهُمَا بِهِ أَفَادَهُ الْمُوَضِّحُ وَغَيْرُهُ. وَمَفْهُومُ أَمَّنَا الرَّاهِنَ الْأَوَّلَ أَنَّهُمَا لَوْ أَمَّنَا أَجْنَبِيًّا أَوْ الْمُرْتَهِنَ بَطَلَ حَوْزُ رَهْنِ الثَّانِي فَقَطْ لِجَوَلَانِ يَدِهِ عَلَى رَهْنِهِ بِحَوْزِهِ رَهْنَ الْأَوَّلِ حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالشَّارِحُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ.
وَعَطَفَ عَلَى مُشَاعٍ فَقَالَ (وَ) صَحَّ رَهْنُ الشَّيْءِ أَوْ الشَّخْصِ (الْمُسْتَأْجَرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَسْرِهَا عَلَى الثَّانِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ رَهْنُهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ إجَارَتِهِ (وَ) صَحَّ رَهْنُ الْحَائِطِ أَوْ الشَّخْصِ (الْمُسَاقِي) بِفَتْحِ الْقَافِ فِيهِمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ رَهْنُهُ عِنْدَ عَامِلِهِ قَبْلَ تَمَامِ عَمَلِهِ بِدَلِيلٍ (وَحَوْزُهُمَا) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْكَسْرِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَالْعَامِلِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ (الْأَوَّلُ) أَيْ السَّابِقُ عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ (كَافٍ) فِي حَوْزِ الرَّهْنِ، عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ.
وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ عِنْدَهُمَا. الْحَطّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسَاقِي هُوَ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا جَعَلَ مَعَهُمَا أَمِينًا أَوْ يَجْعَلَانِهِ عِنْدَ أَمِينٍ وَلَا يُكْتَفَى بِحَوْزِهِمَا الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لِأَنْفُسِهِمَا.
ابْنُ عَرَفَةَ الْجَلَّابُ مَنْ سَاقَى حَائِطَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ رَهَنَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَيَنْبَغِي لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَعَ الْعَامِلِ فِي الْحَائِطِ غَيْرَهُ. الصِّقِلِّيُّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ سَاقَى حَائِطَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ فَلْيَجْعَلْ الْمُرْتَهِنُ مَعَ الْمُسَاقِي رَجُلًا، أَوْ يَجْعَلَانِهِ بِيَدِ عَدْلٍ. مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
وَالْمِثْلِيُّ وَلَوْ عَيْنًا بِيَدِهِ، إنْ طُبِعَ عَلَيْهِ.
ــ
[منح الجليل]
جَعَلَهُ بِيَدِ الْمُسَاقِي أَوْ أَجْبَرَهُ يَبْطُلُ حَوْزُهُ اهـ، ثُمَّ قَالَ وَرَهْنُ مَا هُوَ مُؤَاجَرٌ فِي تَقَرُّرِ حَوْزِهِ لِمُرْتَهِنِهِ بِكَوْنِهِ بِيَدِ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَلَغَوْهُ. ثَالِثُهَا هَذَا إنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِحَوْزِهِ لِمُرْتَهِنِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الْمُرْتَهِنُ يَدَهُ مَعَهُ، الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَالثَّانِي لِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، وَالثَّالِثُ لِاخْتِيَارِهِ اهـ.
(وَ) صَحَّ رَهْنُ (الْمِثْلِيِّ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنًا، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (عَيْنًا) أَيْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إنْ جُعِلَ بِيَدِ أَمِينٍ، بَلْ وَلَوْ جُعِلَ (بِيَدِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (إنْ طُبِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ خُتِمَ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمِثْلِيِّ طَبْعًا مُحْكَمًا مَتَى أُزِيلَ عُرِفَ. الْحَطّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَوْ عَيَّنَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْعَيْنِ كَمَا هِيَ قَاعِدَتُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِهَا إذَا لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَأَشْهَبُ يَصِحُّ. وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهَا إلَّا مَطْبُوعًا عَلَيْهَا بِاتِّفَاقِهِمَا، هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ. وَأَمَّا الْبَاجِيَّ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ شَاسٍ فَلَمْ يَنْقُلُوا عَنْ أَشْهَبَ إلَّا أَنَّ الطَّبْعَ فِي النَّقْدِ مُسْتَحَبٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمِثْلِيَّ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ خِلَافٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجِبُ طَبْعُهُ وَأَشْهَبُ لَا، وَالْعَيْنُ يَجِبُ طَبْعُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي وُجُوبِهِ وَنَدْبِهِ عِنْدَ أَشْهَبَ طَرِيقَانِ. فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَازِرِيِّ وَالْمِثْلِيُّ إنْ طُبِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ وَالْمُبَالَغَةُ فِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ إذَا لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْبَاجِيَّ فَلَا تَتَأَتَّى الْمُبَالَغَةُ عَلَى الْعَيْنِ وَلَا عَلَى غَيْرِهَا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَشْهَبَ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ طَبْعِهِمَا وَالْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ كُلَّهَا لَا تُرْهَنُ إلَّا مَطْبُوعًا عَلَيْهَا، فَفِي رُهُونِهَا وَلَا تُرْهَنُ الدَّنَانِيرُ إلَّا أَنْ يُطْبَعَ عَلَيْهِ لِيَمْنَعَ الْمُرْتَهِنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَرَدِّ مِثْلِهِ. وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَلَا يُطْبَعُ عَلَيْهِ حَذَرًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا لَا يُطْبَعُ عَلَى سَائِرِ الْعُرُوضِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ.
ابْنُ يُونُسَ أَشْهَبُ لَا أُحِبُّ ارْتِهَانَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا مَطْبُوعَةً لِلتُّهْمَةِ بِسَلَفِهَا. فَإِنْ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهَا فَلَا يَفْسُدُ الرَّهْنُ وَلَا الْبَيْعُ، وَيَسْتَقْبِلُ طَبْعَهَا إنْ عَثَرَ عَلَيْهَا وَمَا بِيَدِ أَمِينٍ لَا
وَفَضْلَتُهُ، إنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ وَرَضِيَ
ــ
[منح الجليل]
يُطْبَعُ عَلَيْهِ. وَمَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الطَّعَامِ الْإِدَامِ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ جَرَتْ مَجْرَى الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ مَا يُخَافُ فِيهَا.
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَوْ قَالَ وَالْمِثْلِيُّ إنْ طُبِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ لَأَشَارَ لِخِلَافِ أَشْهَبَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ، وَأَمَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى فَالْعَيْنُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّبْعِ عِنْدَ أَشْهَبَ، فَلَا تَتَأَتَّى الْمُبَالَغَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِي: مَحَلُّ الطَّبْعِ إذَا لَمْ يُوضَعْ بِيَدِ أَمِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ.
الثَّالِثُ: أَبُو الْحَسَنِ الْمُرَادُ بِالطَّبْعِ طَبْعٌ لَا يُقْدَرُ عَلَى فَكِّهِ وَإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ فِي الْغَالِبِ، وَأَمَّا الطَّبْعُ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى فَكِّهِ أَصْلًا فَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِمَا، وَالطَّبْعُ الَّذِي يُقْدَرُ عَلَى فَكِّهِ وَإِعَادَتِهِ لِحَالِهِ فَلَا يَكْفِي.
الرَّابِعُ: لَوْ قَامَ غُرَمَاءُ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ قَبْلَ طَبْعِ الْمِثْلِيِّ فَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي يَكُونُ مُرْتَهِنُهُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ. أَبُو الْحَسَنِ وَلَيْسَ هَذَا يَبِينُ لِأَنَّهُ رَهْنٌ مَحُوزٌ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ.
(وَ) إنْ رَهَنَ مَا قِيمَتُهُ مِائَةً فِي خَمْسِينَ مَثَلًا صَحَّ رَهْنُ (فَضْلَتِهِ) أَيْ زِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَى الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ هُوَ فِيهِ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ (إنْ عُلِمَ) الْمُرْتَهِنُ (الْأَوَّلُ وَرَضِيَ) بِرَهْنِ فَضْلَتِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ غَيْرِهِ اُشْتُرِطَ رِضَاهُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ. ابْنُ سَلْمُونٍ إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ هُوَ فِيهِ فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَ دَيْنًا آخَرَ وَيَكُونَ رَهْنًا بِهِ إلَى أَجَلِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَجُوزُ إلَى أَبْعَدَ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ فَضْلَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ وَرِضَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. اهـ. وَمَعْنَى فَضْلَتِهِ زِيَادَةُ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الدَّيْنِ فَيَرْهَنُهَا عِنْدَ آخَرَ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ يَسْتَوْفِي مِنْهُ دَيْنَهُ، وَفَضْلَةُ ثَمَنِهِ يَسْتَوْفِي مِنْهَا الثَّانِي فِيهَا إنْ ارْتَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فِي خَمْسِينَ ثُمَّ رَهَنَ رَبُّ الرَّهْنِ فَضْلَتَهُ لِغَيْرِك لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِك وَتَكُونُ حَائِزًا لِلثَّانِي، فَإِنْ هَلَكَ الثَّوْبُ بِيَدِك بَعْدَ ارْتِهَانِ الثَّانِي فَضْلَتَهُ ضَمِنْت مِنْهُ مَبْلَغَ دَيْنِك وَكُنْت أَمِينًا فِي الْبَاقِي، وَيَرْجِعُ
وَلَا يَضْمَنُهَا الْأَوَّلُ:
ــ
[منح الجليل]
الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ فَضْلَةَ الرَّهْنِ بِيَدِ عَدْلٍ
. (وَ) إنْ تَلِفَ الرَّهْنُ الَّذِي رَهَنْت فَضْلَتَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ بِرِضَاهُ وَهُوَ بِيَدِ الْأَوَّلِ فَ (لَا يَضْمَنُهَا) أَيْ الْفَضْلَةَ الْمُرْتَهِنُ (الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهَا وَيَضْمَنُ قَدْرَ دَيْنِهِ إنْ كَانَ أَحْضَرَ الرَّهْنَ وَقْتَ ارْتِهَانِ الثَّانِي، أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِسَلَامَتِهِ حِينَهُ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ جَمِيعَهُ، وَإِنْ جُعِلَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي وَهَلَكَ فَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي حِصَّةَ الْأَوَّلِ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهَا وَيَضْمَنُ الْفَضْلَةَ الَّتِي رُهِنَتْ عِنْدَهُ، فَإِنْ رُهِنَتْ الْفَضْلَةُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَتَلِفَ ضَمِنَ جَمِيعَهُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: فِي التَّوْضِيحِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْأَوَّلِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِهِ، فَفِي الْبَيَانِ وَأَمَّا إنْ كَانَ بِيَدِ عَدْلٍ فَالِاعْتِبَارُ إنَّمَا هُوَ بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ الْمُرْتَهِنِ.
الثَّانِي: الرَّجْرَاجِيُّ ارْتِهَانُ فَضْلَةِ الرَّهْنِ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ فَضْلَةً فِي عَيْنِ الرَّهْنِ أَوْ فَضْلَةً فِي قِيمَتِهِ، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَرْهَنَهُ نِصْفَ الثَّوْبِ فِي عَشْرَةٍ فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ الثَّوْبِ لِيُتِمَّ حَوْزَةٌ لِلنِّصْفِ الْمَرْهُونِ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَرْهَنَهُ الثَّوْبَ فِي خَمْسَةٍ وَقِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، وَفَائِدَةُ اخْتِلَافِ الصُّورَتَيْنِ مَعْرِفَةُ مَا يَصِحُّ لِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرَ بَقِيَ بِدَيْنِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ أَوْ يَنْقُصُ عَنْهُ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي أَحَقُّ بِمَا نَافَ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ.
فَإِنْ كَانَتْ كَفَافَ دَيْنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي، ثُمَّ لَا يَخْلُو رَهْنُ الْفَضْلَةِ مِنْ كَوْنِ رَهَنَهَا عِنْدَ الْأَوَّلِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَإِنْ رَهَنَهَا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِ الرَّهْنِ بِيَدِ الْأَوَّلِ أَوْ بِيَدِ عَدْلٍ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْأَوْلَى فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ كَانَ الْمَرْهُونُ عِنْدَ الثَّانِي مَا زَادَ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ أَوْ صِفَتِهِ، أَيْ مَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ رَهْنَ الْغَرَرِ لَا يَجُوزُ فَيُمْنَعُ رَهْنُ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ عَدْلٍ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْوَجْهِ الثَّانِي.
كَتَرْكِ الْحِصَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ أَوْ رَهْنِ نِصْفِهِ، وَمُعْطَى دِينَارًا لِيَسْتَوْفِيَ نِصْفَهُ وَيَرُدَّ نِصْفَهُ.
ــ
[منح الجليل]
وَأَمَّا إذَا رَهَنَهُ مِنْ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ بِيَدِ عَدْلٍ أَوْ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِ عَدْلٍ فَإِنْ رَضِيَ بِالْحَوْزِ لِلثَّانِي فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا جَوَازُهُ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ أَوْ سَخِطَ قَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ إذَا لَا فَائِدَةَ لِرِضَاهُ. وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْأَوَّلِ فَفِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كُلُّهَا قَائِمَةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهَا جَوَازُهُ رَضِيَ بِهِ الْأَوَّلُ أَوْ كَرِهَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهَا. وَالثَّانِي عَدَمُ جَوَازِهِ وَلَا يَكُونُ حَوْزُهُ حَوْزًا لِلثَّانِي وَإِنْ رَضِيَ لِأَنَّ حَوْزَهُ أَوَّلًا إنَّمَا كَانَ لِنَفْسِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهَا الْجَلَّابُ أَيْضًا، وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ رِضَا الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ بِالْحَوْزِ لِلثَّانِي فَيَجُوزُ، وَعَدَمِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي كِتَابِ الرُّهُونِ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ أَحْوَالٍ، فَالْجَوَازُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَوَّلُ إذَا اسْتَوَى أَجَلَا الدَّيْنِ أَوْ كَانَ الثَّانِي أَبْعَدَ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ حُلُولًا وَدَيْنُ الْأَوَّلِ عَرْضٌ مِنْ بَيْعٍ، وَدَخَلَ الثَّانِي عَلَى قَبْضِهِ حَقَّهُ بِحُلُولِ أَجَلِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْأَوَّلِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا مِنْ قَرْضٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَوَّلُ أَفَادَهُ الْحَطّ
. وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَقَالَ (ك) اسْتِحْقَاقِ غَيْرِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الرَّهْنِ و (تَرْكِ الْحِصَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَتَلِفَ وَهُوَ بِيَدِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ صَارَ أَمِينًا عَلَيْهَا لِخُرُوجِهَا مِنْ الرَّهِينَةِ بِاسْتِحْقَاقِهَا، أَوْ فِي نُسْخَةٍ " غ "(أَوْ رَهْنِ نِصْفِهِ) أَيْ الثَّوْبِ مَثَلًا، قَالَ هُوَ مَجْرُورٌ عَطْفٌ عَلَى تَرْكِ، وَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي رُهُونِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ارْتَهَنَ نِصْفَ ثَوْبٍ وَقَبَضَ جَمِيعَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا نِصْفَهُ (وَ) كَشَخْصٍ (مُعْطَى) بِفَتْحِ الطَّاءِ (دِينَارًا لِيَسْتَوْفِيَ نِصْفَهُ) قَضَاءً لِحَقِّهِ أَوْ قَرْضًا (وَيَرُدَّ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ الْمُعْطَى (نِصْفَهُ) أَيْ الدِّينَارَ لِمُعْطِيهِ فَيُغَيَّبُ عَلَيْهِ وَيَعُودُ وَيُدْعَى تَلَفُهُ بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ وَلَا تَفْرِيطٍ فَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الَّذِي يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهِ، زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفَ: وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ
فَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الثَّانِي أَوَّلًا قُسِمَ، إنْ أَمْكَنَ.
ــ
[منح الجليل]
ضَاعَ قَبْلَ صَرْفِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ لِيَسْتَوْفِيَ نِصْفَهُ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ اصْرِفْهُ وَخُذْ نِصْفَهُ فَتَلِفَ قَبْلَ صَرْفِهِ لَضَمِنَهُ كُلَّهُ مُعْطِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى جَمِيعِهِ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ صَرْفِهِ فَضَمَانُهُ مِنْهُمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
ثُمَّ عَادَ لِتَتْمِيمِ مَسْأَلَةِ وَفَضْلَتُهُ فَقَالَ (فَإِنْ حَلَّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً أَيْ حَضَرَ (أَجَلُ) الدَّيْنِ (الثَّانِي أَوَّلًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً أَيْ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الْأَوَّلِ (قُسِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الرَّهْنُ بَيْنَ الْمُرْتَهِنَيْنِ (إنْ أَمْكَنَ) قَسْمُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنْ يَدْفَعَ لِلْأَوَّلِ قَدْرَ مَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ لَا أَزْيَدَ، وَبَاقِيهِ لِلثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ الثَّانِي فَلَا يُدْفَعُ مِنْهُ لِلثَّانِي إلَّا مِقْدَارُ دَيْنٍ، وَتَكُونُ بَقِيَّةُ الرَّهْنِ كُلُّهَا لِلدَّيْنِ الْأَوَّلِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مِثْلُ مَا قَالَهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ الْجَلَّابِ. ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ قَسْمَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا فِي الْجَلَّابِ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ.
الثَّانِي: تت ظَاهِرُهُ قَسْمُهُ وَلَوْ كَانَ يَنْقُصُ حَظُّ صَاحِبِهِ. طفي يُؤْخَذُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَأَبِي زَيْدٍ التَّقْيِيدُ بِمَا لَا يَنْقُضُ، وَنَقَلَهُ فِي كَبِيرِهِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَبِهِ قَيَّدَ " س " الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ لَا تُنْقَصَ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ قَسْمِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا فِي السَّمَاعَيْنِ وَنَصِّ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى وَأَبِي زَيْدِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلَيْنِ لَهُمَا رَهْنٌ مِنْهُمَا قَامَ أَحَدُهُمَا يَبِيعُهُ وَآخَرُ صَاحِبُهُ الْغَرِيمُ بِحَقِّهِ يَقْسِمُ إنْ لَمْ يُنْقِصْ الْقَسْمَ حَظَّ الْقَائِمِ فَيُبَاعُ حَظُّهُ لِقَضَاءِ حَقِّهِ، وَيُوقَفُ حَظُّ مَنْ أَخَّرَ الْغَرِيمَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ كَذَلِكَ بِيعَ وَعَجَّلَ حَقَّ الْقَائِمِ وَحَقَّ الْآخَرِ إنْ حَلَفَ مَا أَخَّرَهُ إلَّا لِإِعْطَاءِ رَهْنِ مِثْلِهِ. اهـ. وَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يُنْقِصَ الْقَسْمُ حَظَّ الْقَائِمِ كَمَا فِي السَّمَاعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَا لِأَنَّ الْقَائِمَ هُنَا هُوَ الثَّانِي الَّذِي حَلَّ دَيْنَهُ أَوَّلًا، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ الرَّهْنِ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ وَفَّى بِدَيْنِهِ أَمْ لَا.
الثَّالِثُ: تت مَفْهُومُ قَوْلِهِ أَوَّلًا أَنَّهُمَا لَوْ حَلَّا مَعًا أَوْ الْأَوَّلُ فَقَطْ لَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
وَإِلَّا بِيعَ وَقُضِيَا
ــ
[منح الجليل]
وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. طفي اُنْظُرْ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْقَسْمِ عِنْدَ حُلُولِهِمَا، بَلْ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنَانِ وَهَكَذَا قَالَ الزَّرْقَانِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ فِي حُلُولِهِمَا مَعًا، وَأَمَّا فِي حُلُولِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُقْسَمُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَيُبَاعُ وَيُعَجَّلُ لِلْأَوَّلِ حَقُّهُ، وَهَلْ يُعَجَّلُ لِلثَّانِي أَوْ يُطْبَعُ عَلَى الْبَاقِي وَيُرْهَنُ عِنْدَ الثَّانِي حَتَّى يَحِلَّ أَجَلُهُ قَوْلَانِ، وَاقْتَصَرَ " ح " عَلَى كَلَامِهِ.
الرَّابِعُ: اسْتَشْكَلَ قَسْمَ الرَّهْنِ بِأَنَّ قَسْمَ الْأَوَّلِ قَدْ يَتَغَيَّرُ سُوقُهُ فَلَا يَفِي بِدَيْنِهِ، وَهُوَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى رَهْنِ الْجَمِيعِ. وَجَوَابُ ابْنِ عَاشِرٍ بِأَنَّ الْفَضْلَةَ رُهِنَتْ بِرِضَا الْأَوَّلِ يُرَدُّ بِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَا الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُ الرَّهْنِ (بِيعَ) الرَّهْنُ (وَقُضِيَا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الدَّيْنَانِ بِأَنْ يَقْضِيَ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي مِنْ الْبَاقِي لِأَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَبَعْدَ حُصُولِ الْمَالِ لِلرَّاهِنِ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ دَيْنِ الْأَوَّلِ، كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ بَحْثٌ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ وَقُضِيَا بِأَنَّ فِيهِ فَضْلًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَحِلَّ أَجَلُ الْأَوَّلِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِلَّا بِيعَ أَنَّهُ يُبَاعُ وَلَا يُوقَفُ، وَلَوْ أَتَى لِلْأَوَّلِ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ قَالَهُ تت.
الْبُنَانِيُّ يُبَاعُ وَلَا يُوقَفُ أَيْ يُبَاعُ وَيُعَجَّلُ لِلْأَوَّلِ دَيْنُهُ وَلَا يُوقَفُ، وَلَوْ أَتَى لِلْأَوَّلِ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ وَقَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه " إنَّهُ يُبَاعُ الرَّهْنُ وَيُعْطَى الَّذِي لَمْ يَحِلَّ حَقُّهُ حَقَّهُ كُلَّهُ وَلَا يُوضَعُ إلَى أَنْ يَحِلَّ أَجَلُهُ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ يُشْبِهُ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُجْعَلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهَا حَقُّهُ بِاتِّفَاقٍ، وَلَا يَكُونُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ آخَرَ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بَيْعَ رَهْنِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ بَيْعَ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
فَإِنْ قِيلَ إنْ حَلَّ أَجَلُ الثَّانِي أَوَّلًا وَلَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ بِيعَ وَعُجِّلَ لِلْأَوَّلِ دَيْنُهُ، وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الْأَوَّلِ أَوَّلًا فَفِي تَعْجِيلِ حَقِّ الثَّانِي قَوْلَانِ فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْأَوَّلِ بِالرَّهْنِ أَقْوَى مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الثَّانِي، إذْ لَيْسَ لِلثَّانِي إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الْأَوَّلِ.
وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ، وَرَجَعَ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ نُقِلَتْ عَلَيْهِمَا، وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ، وَهَلْ مُطْلَقًا؛
ــ
[منح الجليل]
وَلَمَّا شَمِلَ قَوْلُهُ فِي التَّعْرِيفِ مَا يُبَاعُ الْمُسْتَعَارُ بَيَّنَ حُكْمَهُ عَاطِفًا عَلَى مُشَاعٍ فَقَالَ (وَ) صَحَّ رَهْنُ الشَّيْءِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ (الْمُسْتَعَارُ لَهُ) أَيْ لِأَجْلِ رَهْنِهِ، فَإِنْ أَدَّى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ هُوَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ رَجَعَ الرَّهْنُ لِمُعِيرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ وَأَعْسَرَ الرَّاهِنُ بِيعَ الرَّهْنُ وَوَفَّى الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ فِيهِ مِنْ ثَمَنِهِ (وَرَجَعَ صَاحِبُهُ) أَيْ مُعِيرُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ (بِقِيمَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ الْمُعَارِ الْمَبِيعِ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ هُوَ فِيهِ، كَذَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الْمُدَوَّنَةُ وَاخْتِصَارِهَا أَبُو مُحَمَّدٍ (أَوْ) رَجَعَ صَاحِبُهُ (بِمَا أَدَّى) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالدَّالِ مُشَدَّدَةً الرَّاهِنُ فِي الدَّيْنِ (مِنْ ثَمَنِهِ) أَيْ الرَّهْنِ بَيَانُ مَا كَمَا فِي نَقْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَهْذِيبِهِ. تت وَهُوَ أَصْوَبُ مِنْ الْأَوَّلِ (نُقِلَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ رُوِيَتْ وَاخْتُصِرَتْ الْمُدَوَّنَةُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُؤَدَّى بِالْفَتْحِ، وَهَلْ هَذَا اخْتِلَافٌ وَهُوَ رَأْيُ الْأَكْثَرِ، أَوْ تَخْيِيرٌ وَهُوَ رَأْيُ سَحْنُونٍ. وَعَلَى أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ فَبَاقِيهِ إنْ كَانَ لِلْمُعِيرِ لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ مَا فِيهِ وَفَاءُ دَيْنِهِ، وَعَلَى رُجُوعِهِ بِالْقِيمَةِ فَالْفَاضِلُ مِنْهُ لِلْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ السِّلْعَةَ فَبِيعَتْ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ وَأَدَّى يَحْتَمِلُ الْبِنَاءَ لِلْفَاعِلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِلْمَفْعُولِ لِيَشْمَلَ أَدَاءَ وَكِيلِ الرَّاهِنِ أَفَادَهُ تت.
(وَضَمِنَ) الْمُسْتَعِيرُ الرَّهْنَ الْمُعَارَ (إنْ خَالَفَ) الْمُسْتَعِيرُ الْمُعِيرَ بِرَهْنِهِ فِي غَيْرِ مَا اسْتَعَارَهُ لَهُ، فَفِيهَا مَنْ اسْتَعَارَ سِلْعَةً لِيَرْهَنَهَا فِي دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ وَرَهَنَهَا فِي طَعَامٍ فَأَرَاهُ ضَامِنًا. الْحَطّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا ضَمَانُ الرِّهَانِ وَالْعَوَارِيِّ، بَلْ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِيرُ فِي ضَمَانِهِ مُطْلَقًا، قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ أَمْ لَا، كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، بِدَلِيلِ فَرْضِهِمْ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْبُنَانِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ مِنْ قَوْلِهِ وَضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ.
(وَهَلْ) ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ الْمُخَالِفِ الرَّهْنَ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِإِقْرَارِهِ لِمُعِيرِهِ بِالْمُخَالَفَةِ وَمُخَالَفَةِ الْمُرْتَهِنِ وَعَدَمِ حَلِفِ الْمُعِيرِ وَكَوْنِ الرَّهْنِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ،
أَوْ إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَعِيرُ لِمُعِيرِهِ وَخَالَفَ الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ يَحْلِفْ الْمُعِيرُ؟ تَأْوِيلَانِ.
وَبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافٍ: كَأَنْ لَا يَقْبِضَ
ــ
[منح الجليل]
وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ (أَوْ) مَحَلُّ ضَمَانِهِ (إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَعِيرُ لِمُعِيرِهِ) بِالتَّعَدِّي (وَخَالَفَهُ الْمُرْتَهِنُ) بِأَنْ قَالَ لَمْ يَتَعَدَّ (وَلَمْ يَحْلِفْ الْمُعِيرُ) عَلَى تَعَدِّي الْمُسْتَعِيرِ بِأَنْ نَكَلَ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ رَهْنٌ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ، فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) فِي فَهْمِ كَلَامِهَا السَّابِقِ.
(وَبَطَلَ) الرَّهْنُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ (ب) سَبَبِ (شَرْطٍ مُنَافٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ لِمُقْتَضَى عَقْدِهِ (كَأَنْ) يَشْتَرِطَ رَاهِنُهُ أَنْ (لَا يَقْبِضَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الرَّهْنَ مِنْهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى صِحَّةِ الْعَقْدِ قَبْضُهُ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . الْحَطُّ مِنْ الشَّرْطِ الْمُنَافِي مَا فِي آخِرِ كِتَابِ رُهُونِهَا وَنَصُّهُ وَمَنْ رَهَنَ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَضَتْ سَنَةٌ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ رُهُونِ النَّاسِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا رَهْنًا. ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ فَلَّسَ دَخَلَ فِيهِ الْغُرَمَاءُ وَلَيْسَ مِنْهُ مَسْأَلَةُ غَلْقِ الرَّهْنِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ، وَمُرْتَهِنُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْبِضَ حَقَّهُ. وَغَلَقَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ فَقَافٍ أَيْ صَيْرُورَتُهُ فِي الدَّيْنِ إذَا حَلَّ أَجَلُهُ وَلَمْ يُوفِهِ الرَّاهِنُ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يَغْلِقُ الرَّهْنُ» . مَالِكٌ تَفْسِيرُهُ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِالدَّيْنِ وَفِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَمَّا رَهَنَ فِيهِ وَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى أَجَلِ كَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِمَا رَهَنَ فِيهِ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَحِلُّ، وَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ. فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ بِاَلَّذِي رَهَنَ بِهِ فَهُوَ لَهُ، وَأَرَى هَذَا الشَّرْطَ مَفْسُوخًا. الْبَاجِيَّ غَلَقَ الرَّهْنَ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُفَكَّ يُقَالُ غَلَقَ الرَّهْنُ إذَا لَمْ يُفَكَّ، وَمَعْنَى التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ الرَّهْنُ عَلَى وَجْهٍ يَئُولُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ فَكِّهِ.
(فَائِدَةٌ) تت النَّطْرُونِيُّ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعَ عَشْرَةَ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ وَالْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَالْعُمْرَى وَالْعَطِيَّةِ وَالنِّحْلَةِ وَالْعَرِيَّةِ وَالْمِنْحَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْإِسْكَانِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْإِرْفَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِخْدَامِ وَالصِّلَةِ وَالْإِحْبَاءِ، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ لِابْنِ بَشِيرٍ، زَادَ ابْنُ بُكَيْر فِي شَرْحِهِ التَّحْرِيرَ عَشْرَ مَسَائِلَ الْقَرْضَ وَالْإِقْطَاعَ عَلَى قَوْلٍ، وَالْحَمْلَ عَلَى قَوْلٍ أَيْضًا. وَقِيلَ كَالْحَمَالَةِ وَالْمَشْهُورُ افْتِقَارُ الْكَفَالَةِ وَالْمَالِ الْمُخَالَعِ بِهِ عَلَى قَوْلٍ، وَالزِّيَادَةُ بَعْدَ عَقْدٍ لَا يَصِحُّ كَالصُّلْحِ عَلَى دَمٍ عَمْدٍ، وَعَنْ شَيْءٍ مَجْهُولٍ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالزِّيَادَةُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ عَلَى قَوْلٍ وَالْمَشْهُورُ افْتِقَارُ الْمَعَادِنِ لِلْمَحُوزِ وَالْوَصِيَّةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ. وَاخْتُلِفَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الصَّدَاقِ، وَنَظَمَهَا تت فَانْظُرْهُ.
طفي الْعَطِيَّةُ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، وَلِذَا أَسْقَطَهَا بَعْضُهُمْ وَالنِّحْلَةُ مَا يُعْطِيهِ وَالِدُ الزَّوْجِ لِوَلَدِهِ أَوْ وَالِدُ الزَّوْجَةِ لِابْنَتِهِ لِأَجْلِ النِّكَاحِ، فَإِذَا كَانَ فِي عَقْدِهِ فَلَا تَحْتَاجُ لِلْحَوْزِ. وَفِي غَيْرِهِ تَحْتَاجُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْعَرِيَّةُ بِشَدِّ الْيَاءِ هِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا وَبَطَلَتْ إنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ. وَالْمِنْحَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ هِبَةُ لَبَنِ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ، وَعِبَارَةُ الْمُتَيْطِيَّةِ الْمَنِحَةُ هِيَ النَّاقَةُ أَوْ الشَّاةُ يُعِيرُهَا الرَّجُلُ لِرَجُلٍ يَنْتَفِعُ بِلَبَنِهَا
وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ
ــ
[منح الجليل]
مُدَّةً، وَيُقَالُ لَهَا مَنِحَةٌ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ. وَالْهَدِيَّةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ بِسَبَبِ فَرَحٍ أَوْ فَزَعٍ كَعُرْسٍ وَنِفَاسٍ وَمَوْتٍ.
وَالْإِرْفَاقُ إرْفَاقُ الْجَارِ بِجِدَارٍ أَوْ سَقْيٍ أَوْ طَرِيقٍ أَوْ قَاعٍ يُبْنَى فِيهِ وَالْعِدَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَخِفَّةِ الدَّالِ مَصْدَرُ وَعَدَ.
ابْنُ عَرَفَةَ هِيَ إخْبَارٌ عَنْ إنْشَاءِ الْمُخْبِرِ مَعْرُوفًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْوَفَاءُ بِهَا مَطْلُوبٌ اتِّفَاقًا. ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِسَبَبِهَا فِي الْمُسَبَّبِ أَوْ بِشَرْطِ دُخُولِهِ بِهَا فِيهِ رَابِعُهَا لَا يُقْضَى بِهَا مُطْلَقًا. وَالْإِخْدَامُ هِبَةُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ. وَالصِّلَةُ الْعَطِيَّةُ لِذِي رَحِمٍ. وَالْحِيَاءُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ مَا يُعْطِيهِ الزَّوْجُ وَلِيَّ الزَّوْجَةِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ، وَهُوَ فِي الْعَقْدِ لَا يَحْتَاجُ لِحَوْزٍ وَبَعْدَهُ يَفْتَقِرُ لَهُ. وَالْإِقْطَاعُ إعْطَاءُ الْإِمَامِ أَرْضًا، فَإِنْ مَاتَ الْإِمَامُ قَبْلَ حَوْزِهَا انْتَقَلَ النَّظَرُ فِيهَا لِلْمُوَلَّى بَعْدَهُ. قَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ افْتِقَارُ الْكَفَالَةِ كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ عَدَمُ افْتِقَارِ الْكَفَالَةِ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوَّلًا كَالْحَمَالَةِ إذْ هِيَ الْكَفَالَةُ.
(وَ) بَطَلَ (بِاشْتِرَاطِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ظَنَّ) الرَّاهِنُ (فِيهِ) أَيْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (اللُّزُومَ) لِثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ فِيهِ، وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَظُنَّ لُزُومَهُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ فَلِرَاهِنِهِ أَخْذُهُ مِنْ مُرْتَهِنِهِ، كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَدَفَعَ لِصَاحِبِهِ رَهْنًا فِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ، وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْقَرْضُ الْفَاسِدُ وَظَاهِرُهُ كَابْنِ شَاسٍ بُطْلَانُهُ وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا فِيمَا لَزِمَهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِاشْتِرَاطِهِ، بَلْ عَدَمُهُ أَوْلَى لِتَوَهُّمِ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ. وَمَفْهُومُ ظَنِّ اللُّزُومِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَفَاتَ الْمَبِيعُ فَالظَّاهِرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَوْنُهُ رَهْنًا فِي عِوَضِهِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا فِي عِوَضِ الْمَبِيعِ الْفَائِتِ، وَظَاهِرُهُ اشْتَرَطَ الرَّهْنَ أَمْ لَا، ظَنَّ اللُّزُومَ أَمْ لَا.
" غ " أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ رَهْنٌ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ فَظَنَّ لُزُومَ الْوَفَاءِ بِهِ فَرَهَنَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَدَّاهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ. اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَهُوَ نَصُّ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ، وَقَدْ أَصَابَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي إضْرَابِهِ عَنْهُ صَفْحًا، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَعْمَلَ لَهُ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَبُولٍ وَلَا رَدٍّ خِلَافَ عَادَتِهِ، وَمَا أَرَاهُ إلَّا مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ.
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الرَّهْنُ بِدِينَارَيْنِ قَضَى أَحَدَهُمَا أَوْ بِثَمَنِ عَبْدَيْنِ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا أَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ بِمِائَةٍ ثَمَنَ عَبْدٍ بِيعَ فَاسِدًا فَكَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسِينَ فَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِمَا بَقِيَ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ ابْنُ حَبِيبٍ أَصْبَغُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ابْتَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا عَلَى أَنْ يَرْتَهِنَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا رَهَنَهُ إيَّاهُ وَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ وَقَعَ الْبَيْعُ وَكَذَا إنْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَالرَّهْنُ فَاسِدًا عَلَى أَنَّ اللَّخْمِيَّ وَابْنَ يُونُسَ لَمْ يَتَنَازَلَا فِي ظَنَّ اللُّزُومَ. اهـ. وَنَقَلَهُ الْحَطّ ثُمَّ قَالَ وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ اخْتَلَفَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِدَيْنَيْنِ فَقَضَى أَحَدُهُمَا أَوْ بِعَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا، أَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ كَانَ عَبْدًا وَاحِدًا بِيعَ بِمِائَةٍ بَيْعًا فَاسِدًا فَكَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسِينَ فَقِيلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَكُونُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِالْبَاقِي.
وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي حُقُوقِ ثَلَاثَةٍ فَقَضَى أَحَدُهَا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِهِ، فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ أَقْرَضَهُ مِائَةً عَلَى أَنَّ رَهَنَهُ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلَانِ، فَقِيلَ يَقْبِضُ الرَّهْنَ وَيَسْقُطُ نِصْفُهُ الْمُقَابِلُ لِلدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ كَوْنَ جَمِيعِهِ رَهْنًا بِالثَّانِي مِثْلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَى هَذَا يُفَضُّ الرَّهْنُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إذَا اسْتَحَقَّ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ أَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ فِي الطَّلَاقِ إذَا رَهَنَ بِالصَّدَاقِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْفَضُّ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَةً أَنَّهُ يَبْقَى رَهْنًا فِي الْبَاقِي. وَمَنْ أَسْلَمَ دِينَارًا فِي ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَأَخَذَ بِهَا رَهْنًا ثُمَّ فَسَخَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الدِّينَارُ وَالدَّرَاهِمُ سَوَاءٌ كَانَ أَحَقَّ بِهِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ دِينَارُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ أَرْبَعِينَ كَانَ أَحَقَّ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الرَّهْنِ، وَالْبَاقِي هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنًا فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ.
وَاخْتَلَفَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عِشْرِينَ فِي كَوْنِهِ أَحَقَّ بِجَمِيعِهِ أَوْ بِثُلُثَيْهِ، وَيَسْقُطُ مِنْ الرَّهْنِ مَا يَنُوبُ الْعَشَرَةَ الزَّائِدَةَ لِأَنَّهَا كَالْمُسْتَحَقَّةِ اهـ. وَنَصُّ ابْنِ يُونُسَ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَالْعَجَبُ مِنْ " غ " فِي عَدَمِ نَقْلِهِ قَالَ فِيهَا وَمَنْ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ فَرَهَنَك بِهِ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ مِنْهُ إلَى الْأَجَلِ فَالرَّهْنُ لَك بِدَيْنِك لَمْ يَجُزْ بِذَلِكَ، وَيُنْقَضُ هَذَا الرَّهْنُ وَلَا يُنْظَرُ بِهِ الْأَجَلُ، وَلَك أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّك وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ وَيَصِيرُ السَّلَفُ حَالًّا.
ابْنُ يُونُسَ هَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَوْ السَّلَفِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَصِحُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ الرَّهْنِ، وَكَذَا فِي السَّلَفِ لَا يَدْرِي هَلْ يَرْجِعُ لَهُ مَا سَلَفَ أَوْ الرَّهْنُ، فَإِنْ عَثَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ فُسِخَ الْبَيْعُ إنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى فَفِيهَا الْقِيمَةُ حَالَّةً، وَيَصِيرُ السَّلَفُ حَالًّا وَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِالرَّهْنِ حَتَّى يَأْخُذَ حَقَّهُ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ بَعْدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ فَلَا يُفْسَخُ إلَّا الرَّهْنُ وَحْدَهُ وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ بِلَا رَهْنٍ إلَى أَجَلِهِ، وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ فِي فَلَسٍ وَلَا فِي مَوْتٍ لِقَوْلِهِمْ فِيمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِنَفْعٍ. قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِ وَإِنْ قُبِضَ فِي فَلَسِ الْغَرِيمِ أَوْ مَوْتِهِ.
أَبُو الْحَسَنِ حَمَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ يُونُسَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ مِثْلُ أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى نَعْتِ الْفَسَادِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَيَرْهَنُهُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا صَحِيحًا إلَى الْأَجَلِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ مَعَ الْقِيَامِ وَالرَّهْنُ إلَى رَاهِنِهِ، فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْبِضَ الْقِيمَةَ قَوْلًا وَاحِدًا، انْتَهَى، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا تَبِعَ ابْنَ شَاسٍ وَكَلَامُهُ مُخَالِفٌ لِلْمُدَوَّنَةِ وَلِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ أَنَّ السَّلَفَ الْفَاسِدَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
الثَّانِي: إذَا قُلْنَا لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَتَارَةً يُفْسَخُ وَهَذَا مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ،
وَحَلَفَ الْمُخْطِئُ الرَّاهِنُ أَنَّهُ ظَنَّ لُزُومَ الدِّيَةِ وَرَجَعَ
ــ
[منح الجليل]
وَتَارَةً يُنْقَلُ لِلْقِيمَةِ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ، فَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةَ الثَّمَنِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَهَلْ يَكُونُ جَمِيعُ الرَّهْنِ رَهْنًا بِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوَّلًا قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ كَانَ الرَّهْنُ رَهْنًا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْهَا فَقَطْ.
الثَّالِثُ: لَا يُقَالُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالنُّقُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الرَّهْنِ مَنْعُ التَّوَثُّقِ بِهِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِعَيْنٍ شَبَهٍ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مَعْنَى لِصِحَّةِ الرَّهْنِ إلَّا ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لِبُطْلَانِهِ إلَّا عَدَمَ ذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ لِتَوَهُّمِهِ بَعْضُ النَّاسِ.
الرَّابِعُ: ابْنُ حَبِيبٍ إنْ وَقَعَ الرَّهْنُ فَاسِدًا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ شَيْئًا بِهَذَا الرَّهْنِ.
الْخَامِسُ: ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْمَرْهُونَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ الرَّهْنَ بَيْعًا فَاسِدًا فَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَالرَّهْنُ بِيَدِكَ أَوْ بِيَدِ أَمِينٍ فَقَبَضْتَهُ لَمْ يَتِمَّ لَك مِلْكُ الرَّهْنِ بِشَرْطِكَ فَتَرُدَّهُ إلَى رَبِّهِ وَتَأْخُذَ دَيْنَكَ وَلَك حَبْسُهُ حَتَّى تَأْخُذَ دَيْنَك. ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ فَاتَ الرَّهْنُ بِيَدِك بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى فِي الْحَيَوَانِ وَالسِّلَعِ وَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْقَلْعِ فِي الْعَقَارِ فَلَا تَرُدَّهُ، وَلَزِمَتْك قِيمَتُهُ يَوْمَ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ يَوْمَهُ وَالسِّلْعَةُ مَقْبُوضَةٌ فَتُقَاصِصُهُ بِدَيْنِك وَتَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ.
السَّادِسُ: ابْنُ يُونُسَ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ فَقِيلَ يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّ يَدَ رَبِّهِ بِهِ ارْتَفَعَتْ عَنْهُ وَيَدَ الْأَمِينِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْ الْأَمِينِ لِأَنَّهُ كَانَ حَائِزًا لِلْبَائِعِ فَبَقِيَ عَلَى حَوْزِهِ لَهُ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ.
(وَ) مَنْ جَنَى خَطَأً تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ وَظَنَّ أَنَّ دِيَتَهُ لَزِمَتْهُ وَحْدَهُ فَرَهَنَ بِهَا شَيْئًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لُزُومُهَا الْعَاقِلَةَ (حَلَفَ الْمُخْطِئُ الرَّاهِنُ) عَلَى (أَنَّهُ ظَنَّ لُزُومَ الدِّيَةِ لَهُ) وَحْدَهُ (وَرَجَعَ) الْمُخْطِئُ الرَّاهِنُ فِي رَهْنِهِ فِي جَمِيعِ الدِّيَةِ وَصَارَ فِيمَا يَخُصُّهُ مِنْهَا. وَمَفْهُومُ ظَنِّ لُزُومِ الدِّيَةِ
أَوْ فِي قَرْضٍ مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ، وَصَحَّ فِي الْجَدِيدِ
ــ
[منح الجليل]
لَهُ أَنَّهُ إنْ رَهَنَ فِيهَا عَالِمًا لُزُومَهَا لِلْعَاقِلَةِ فَلَا يَرْجِعُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَذَا إنْ نَكَلَ
وَعَطَفَ عَلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ فَقَالَ (أَوْ) رَهَنَ (فِي قَرْضٍ) جَدِيدٍ (مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ) لِرَبِّهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنًا فِيهِمَا بَطَلَ الرَّهْنُ فِي الدَّيْنِ الْقَدِيمِ وَصَارَ الرَّهْنَ كُلَّهُ (وَصَحَّ) الرَّهْنُ كُلُّهُ (فِي) الْقَرْضِ (الْجَدِيدِ) فَإِنْ فَلَّسَ الرَّاهِنُ أَوْ مَاتَ اخْتَصَّ الرَّهْنُ بِالْجَدِيدِ عَلَى الْأَصَحِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَابْنِ الْحَاجِبِ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ بِرَهْنٍ أَوْ لَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، كَانَ فِي الرَّهْنِ الْأَوَّلِ وَفَاءٌ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، كَانَ الْأَوَّلُ حَالًّا أَوْ لَا.
الْحَطّ نَصُّهَا وَإِنْ أَسْلَفْت سَلَمًا بِلَا رَهْنٍ أَوْ بِهِ ثُمَّ أَسْلَفْته سَلَفًا آخَرَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ رَهْنًا بِالسَّلَفِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَجَهِلْتُمَا أَنَّ الثَّانِيَ فَاسِدٌ فَقَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ فِي السَّلَفِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي فِي الثَّانِي، وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ الثَّانِي رَهْنًا فِي شَيْءٍ مِنْ السَّلَفِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَقَوْلُهُ مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: فِي التَّوْضِيحِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى هَذَا الرَّهْنِ قَبْلَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ يُرَدُّ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ.
الثَّانِي: الْحَطّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ نَصٌّ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، بَلْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ لَوْ عَثَرْنَا عَلَى هَذَا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ هَلْ يَرُدُّ السَّلَفَ أَوْ يُقَالُ إذَا أَسْقَطَ مُشْتَرِطٌ الشَّرْطَ شَرْطَهُ يَمْضِي اهـ. طفي مُرَادُهُ بِالصِّحَّةِ اخْتِصَاصُهُ بِهِ عَنْ الْغُرَمَاءِ وَحَبْسُهُ فِي دَيْنِهِ إنْ فَاتَ بِيَدِ الْمُقْتَرِضِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَكَيْفَ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْقَرْضَ فَاسِدٌ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْحَطّ، كَلَامُهُ نَصٌّ إلَخْ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُؤَيِّدُ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ " س ".
عب وَفَائِدَتُهُ أَيْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ فِي الْجَدِيدِ فَقَطْ وَيُحَاصِصُ بِالْقَدِيمِ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ صَحَّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ إذَا حَصَلَ لِلرَّاهِنِ مَانِعٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
لَا الصِّحَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْفَسَادِ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ، وَلِذَا يَجِبُ رَدُّهُ حَيْثُ كَانَ قَائِمًا فَقَدْ تَجُوزُ فِي إطْلَاقِ الصِّحَّةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ صَحَّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يُخْتَصُّ بِهِ إلَخْ هُوَ الصَّوَابُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ " ح " كَلَامُهُ نَصٌّ إلَخْ.
قُلْت تَأَمَّلْ جَوَابَهُمْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْحَطّ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ السَّابِقَةِ عَقِبَ شَرْحِ قَوْلِهِ وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ لَا مَعْنَى لِصِحَّةِ الرَّهْنِ إلَّا لِتَوَثُّقٍ بِهِ وَلَا لِبُطْلَانِهِ إلَّا عَدَمَهُ.
الثَّالِثُ: قَيَّدَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمَسْأَلَةَ بِكَوْنِ الدَّيْنِ الْقَدِيمِ مُؤَجَّلًا، قَالَ أَمَّا لَوْ كَانَ حَالًّا أَوْ حَلَّ أَجَلُهُ لَصَحَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيًّا لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ قَدْ مَلَكَ أَخْذَهُ، فَتَأْخِيرُهُ كَابْتِدَاءِ سَلَفٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَكَذَا عِنْدِي لَوْ كَانَ عَدِيمًا وَكَانَ الرَّهْنُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ دَيْنٌ مُحِيطٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمَلِيءِ. اهـ. وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ قَالَهُ الْحَطّ.
الرَّابِعُ: الْحَطّ اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ قَرْضٍ بَلْ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ وَشَرَطَ أَنَّ الْأَوَّلَ دَاخِلٌ فِي رَهْنِ الثَّانِي وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ. عب مَفْهُومُ قَوْلِهِ مِنْ قَرْضٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي بَيْعٍ جَدِيدٍ لَصَحَّ فِي الْبَيْعِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ الطَّارِئُ قَرْضًا. الْبُنَانِيُّ غَرَّهُ قَوْلُ الْحَطّ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَهُوَ قُصُورٌ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْحُرْمَةِ كَمَا فِي " ق "، وَنَصُّهُ وَانْظُرْ إنْ كَانَ لَك ثَمَنُ شَيْءٍ ثُمَّ طَلَبَ مِنْك دَنَانِيرَ تُسَلَّمَا لَهُ عَلَى شَيْءٍ. قَالَ فِي الرِّوَايَةِ هَذَا جَائِزٌ إذَا كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ لَمْ يَحِلَّ قَبْلُ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْتَهِنَ مَعَ ذَلِكَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ وَالْآخَرِ قَالَ ذَلِكَ حَرَامٌ. ابْنُ رُشْدٍ اشْتَرَطَ كَوْنَ الْمُبَايَعَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ حُلُولِ الْأُولَى لِئَلَّا يَقْضِيَهُ الدَّنَانِيرَ الَّتِي أَسْلَمَهَا فِي الطَّعَامِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ قَدْ رَجَعَتْ إلَيْهِ دَنَانِيرُهُ وَآلَ أَمْرُهُمَا إلَى فَسْخِ الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي طَعَامٍ إلَى أَجْلٍ وَلَمْ يَجُزْ إذَا هُوَ أَسْلَمَ إلَيْهِ الدَّنَانِيرَ فِي طَعَامٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَنْ يَرْهَنَ مِنْهُ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ وَالْآخَرِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الرَّهْنِ، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَتْ مُعَامَلَتُهُمَا وَرَدَّ إلَيْهِ دَنَانِيرَهُ وَكَانَ جَمِيعُ الرَّهْنِ رَهْنًا بِالْأَقَلِّ مِنْهَا أَوْ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي ارْتَهَنَهُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اهـ. وَصَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ
وَبِمَوْتِ رَاهِنِهِ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ، وَلَوْ جَدَّ فِيهِ
، وَبِإِذْنِهِ فِي وَطْءٍ؛ أَوْ إسْكَانٍ، أَوْ إجَارَةٍ، وَلَوْ لَمْ يَسْكُنْ،
ــ
[منح الجليل]
بِأَنَّ دَيْنَ الْبَيْعِ مِثْلُ دَيْنِ الْقَرْضِ فِي الْفَسَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ بِشَرْطٍ قَوْلَهُ (وَ) بَطَلَ الرَّهْنُ (بِمَوْتِ رَاهِنِهِ) قَبْلَ حَوْزِهِ (أَوْ فَلَسِهِ) أَيْ قِيَامِ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ (قَبْلَ حَوْزِهِ) أَيْ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ تَرَاخَى فِي حَوْزِهِ وَلَمْ يَجِدَّ فِيهِ، بَلْ (وَلَوْ جَدَّ) الْمُرْتَهِنُ (فِيهِ) أَيْ حَوْزِ الرَّهْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِلُهُ لَا يَبْطُلُ كَالْمَشْهُورِ فِي الْهِبَةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَلَمْ يَكْفِ الْجَدُّ فِي حَوْزِهِ وَالْمَوْهُوبُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ وَاهِبِهِ فَكَفَى الْجَدُّ فِي حَوْزِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَارِثٍ اخْتَلَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ فِي الْمُشْتَرَطِ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْعِ يَدَعُ الْمُرْتَهِنُ قَبْضَهُ حَتَّى يَقُومَ الْغُرَمَاءُ أَوْ حَتَّى يَبِيعَهُ رَبُّهُ فَأَبْطَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُنْقَضُ بَيْعُهُ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. مُحَمَّدٌ فَجَعَلَ سَحْنُونٌ لِلِارْتِهَانِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ. اهـ. وَفِيهَا وَإِنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَرْهَنَك عَبْدَهُ مَيْمُونًا بِحَقِّك فَفَارَقَك قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ، وَلَك أَخْذُهُ مِنْهُ رَهْنًا مَا لَمْ تَقُمْ الْغُرَمَاءُ فَتَكُونُ أُسْوَتَهُمْ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مَضَى بَيْعُهُ وَلَيْسَ لَك أَخْذُهُ بِرَهْنِ غَيْرِهِ، لِأَنَّ تَرْكَك إيَّاهُ حَتَّى بَاعَهُ كَتَسْلِيمِك لِذَلِكَ وَبَيْعُك الْأَوَّلَ لَا يُنْقَضُ.
(وَ) بَطَلَ الرَّهْنُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ (فِي وَطْءٍ) لِأَمَتِهِ الْمَرْهُونَةِ وَلَوْ لَمْ يَطَأْهَا، فِي التَّوْضِيحِ لَوْ كَانَتْ مُخَلَّاةً تَذْهَبُ وَتَجِيءُ فِي حَوَائِجِ الْمُرْتَهِنِ فَوَطِئَهَا رَاهِنُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بَطَلَ الرَّهْنُ عَلَى الْمَشْهُورِ جَعَلُوا كَوْنَهَا مُخَلَّاةً كَالْإِذْنِ فِي وَطْئِهَا (أَوْ) بِإِذْنِهِ فِي (إسْكَانٍ) لِدَارٍ مَرْهُونَةٍ أَوْ حَانُوتٍ كَذَلِكَ (أَوْ) فِي (إجَارَةٍ) لِلذَّاتِ الْمَرْهُونَةِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ إنْ أَمْكَنَهُ أَوْ آجَرَهُ اتِّفَاقًا، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُسْكِنْ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. الْحَطّ يُرِيدُ وَلَوْ لَمْ يُؤْجِرْ وَلَمْ يَطَأْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
مَنْعُ الرَّاهِنِ أَنْ يَسْقِيَ زَرْعَهُ بِمَا ارْتَهَنَ مِنْهُ مِنْ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِهَا زَرْعَهُ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ مَنْ ارْتَهَنَ دَارًا فَأَذِنَ لِرَبِّهَا أَنْ يُسْكِنَ أَوْ يُكْرِيَ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ حِينَ أَذِنَ لَهُ وَلَوْ لَمْ يُسْكِنْ وَلَمْ يُكْرِ. وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَهَنْت أَرْضًا فَزَرَعَهَا الرَّاهِنُ بِإِذْنِك وَهِيَ بِيَدِك خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ أَبُو الْحَسَنِ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِك كَأَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فَزَرَعَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَزْرَعْ وَلَمْ يُكْرِ وَلَمْ يُسْكِنْ كَمَا قَالَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ.
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي وَطْءٍ بَطَلَ الرَّهْنُ وَكَذَا فِي إسْكَانٍ وَإِجَارَةٍ. الْمُوَضِّحُ مُقْتَضَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ كَافٍ فِي الْبُطْلَانِ وَهُوَ نَصُّهَا فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ، وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالسُّكْنَى وَالْكِرَاءِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ ثَالِثًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِهِ بِيَدِ عَدْلٍ فَيَبْطُلُ بِالْإِذْنِ أَوْ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِذْنِ لِوُجُودِ صُورَةِ الْحَوْزِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ تَفْسِيرًا جَمَعَ بِهِ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ.
طفي أَجْمَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْمُبْطِلَاتِ فِيهَا تَفْصِيلٌ فَمِنْهَا مَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ مِنْ أَصْلِهِ، وَمِنْهَا مَا يُبْطِلُ حَوْزَهُ فَقَطْ وَلِلْمُرْتَهِنِ رَدُّهُ لِحَوْزِهِ بِالْقَضَاءِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُفَوِّتٌ، فَمِنْ الثَّانِي الْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ وَالْإِسْكَانِ وَالْإِجَارَةِ، وَمِنْ الْأَوَّلِ الْإِعَارَةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْإِذْنُ فِي الْبَيْعِ مَعَ التَّسْلِيمِ، فَلَوْ قَدَّمَ هَذَيْنِ وَعَطَفَهُمَا عَلَى مَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ مِنْ قَوْلِهِ، وَبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافٍ. وَأَخَّرَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى الرَّدِّ إلَخْ لِيَنْطَبِقَ عَلَى الْجَمِيعِ فِعْلُهُ فَلَهُ الرَّدُّ لِتَحَرُّرِ كَلَامِهِ. وَطَابَقَ النَّقْلَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَجْمَلَ اتِّكَالًا عَلَى رَدِّ ذِهْنِ النَّاظِرِ اللَّبِيبِ كُلًّا لِأَصْلِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ يَحْتَاجُ لِوَحْيٍ يُسْفِرُ عَنْهُ، وَلَا يُقَالُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَدْخُلُ فِي أَوْ اخْتِيَارًا لِأَنَّا نَقُولُ كَذَلِكَ الْبَيْعُ اخْتِيَارًا عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ تَبِعَ فِيهَا ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا مَعَ الْحَمْلِ، فَظَاهِرُ لَغْوِ الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ، فَفِيهَا وَمَنْ رَهَنَ أَمَتَهُ ثُمَّ وَطِئَهَا فَأَحْبَلَهَا، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ كَانَتْ مُخَلَّاةً تَذْهَبُ وَتَجِيءُ فِي حَوَائِجِ الْمُرْتَهِنِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلرَّاهِنِ وَلَا رَهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهَا اهـ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
عَلَى لَفْظِهَا وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِحَالٍ، وَلَمَّا نَقَلَ " ق " لَفْظُهَا قَالَ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ كَلَامِ خَلِيلٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ اهـ.
الْبُنَانِيُّ فِي عَزْوِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ نَظَرٌ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَطْءِ فَقَدْ بَحَثَ فِيهَا ابْنُ رَحَّالٍ فِي شَرْحِهِ مِثْلَ بَحْثِ طفي قَالَ إذَا أَحْبَلَهَا بَطَلَ الرَّهْنُ مِنْ أَصْلِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْبِلْهَا فَيَبْطُلُ حَوْزُهَا فَقَطْ وَلَهُ أَخْذُهَا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِذْنِ دُونَ وَطْءٍ فَالرَّهْنُ وَحَوْزُهُ صَحِيحَانِ مَعًا خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وضيح و " ح "، إذْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَمُسْتَنَدُهُمْ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِذْنِ فِي الْإِسْكَانِ. وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يُحْبِلْهَا، يَبْطُلُ الْحَوْزُ فَقَطْ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى قَوْلِهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فَأَحْبَلَهَا يَعْنِي وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُحْبِلْهَا لِأَنَّ تَصَرُّفَ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِهَا.
وَأَمَّا الْإِذْنُ فِي الْإِسْكَانِ وَالْإِجَارَةِ فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا فِي كِتَابِ حَرِيمِ الْبِئْرِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ، وَنَصُّهَا فِيهِ لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُسْكِنَ أَوْ يُكْرِي فَقَدْ خَرَجَتْ الدَّارُ مِنْ الرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِنْ أَوْ يُكْرِي نَعَمْ فِي " ق " عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ إجَارَةٍ مَا نَصُّهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ وَأَجَرَهُ مِنْ الرَّاهِنِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إنْ قَامَ الْمُرْتَهِنُ بِرَدِّهِ قَضَى لَهُ بِهِ. اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ ابْنُ الْمَوَّازِ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ فَاخْتَصَرَهُ. " ق " عَلَى عَادَتِهِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَوْهَمَ. طفي حَتَّى عَزَا ذَلِكَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: " د " يَنْبَغِي أَنَّ فِي كَلَامِهِ حَذْفًا مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي، وَمِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ، فَقَوْلُهُ أَوْ إسْكَانٌ يُرِيدُ أَوْ سُكْنَى، وَقَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُسْكِنْ يُرِيدُ أَوْ يُسْكِنْ غَيْرَهُ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ.
وَتَوَلَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِهِ
، أَوْ فِي بَيْعٍ وَسَلَمٍ
ــ
[منح الجليل]
الثَّانِي: لَوْ قَالَ بَدَلَ وَلَوْ لَمْ يُسْكِنْ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَكَانَ أَحْسَنَ.
الثَّالِثُ: إذَا بَطَلَ الرَّهْنُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَقِيَ الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ أَفَادَ فِي ضَيْح أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَلَمَّا كَانَ الْإِذْنُ فِي الْإِسْكَانِ وَالْإِجَارَةِ مُبْطِلًا، وَفِي تَرْكِهِمَا ضَرَرٌ عَلَى الرَّاهِنِ ذَكَرَ مَا يَخْلُصُ مِنْ هَذَا فَقَالَ (وَتَوَلَّاهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِسْكَانِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَابَةُ (الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ دُونَ إذْنِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُنْتَقَى إنْ تَرَكَ الْمُرْتَهِنُ إكْرَاءَ الدَّارِ الَّتِي لَهَا قَدْرٌ أَوْ الْعَبْدُ الْكَثِيرُ الْخَرَاجُ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ ضَمِنَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِتَضْيِيعِهَا عَلَى الرَّاهِنِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْحَقِيرُ فَلَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ أَنْ يُكْرِيَهَا كَالْوَكِيلِ عَلَى الْكِرَاءِ لَا يَضْمَنُ وَذَكَرَهُمَا فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَزَادَ عَنْ فَضْلٍ أَنَّ قَوْلَ أَصْبَغَ هُوَ أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ عَالِمًا بِذَلِكَ غَيْرَ مَنْكُولَةٍ.
وَعَطَفَ عَلَى وَطْءٍ فَقَالَ: (أَوْ) أَذِنَهُ لِلرَّاهِنِ (فِي بَيْعٍ) لِلرَّهْنِ (وَسَلَّمَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ لِبَيْعِهِ فَيَبْطُلُ رَهْنُهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ. فِي التَّوْضِيحِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. فِي الشَّامِلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِذْنَ مَعَ التَّسْلِيمِ يَبْطُلُ وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ. طفي اعْتِرَاضُهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ فِيهِ الْبَيْعَ فَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْإِذْنِ سَوَاءٌ سَلَّمَ أَمْ لَا، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ أَوْ اخْتِيَارًا فَلَهُ أَخْذُهُ إلَخْ، وَقَوْلُ " س " و " ج " إنَّ ابْنَ عَرَفَةَ ذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا عَلَى وُقُوعِ الْبَيْعِ وَلَا دَلِيلَ لَهُمَا فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الَّذِي نَقَلَاهُ.
الْبُنَانِيُّ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَجَدْت فِيهِ الدَّلِيلَ الْقَوِيَّ لِمَا ذَكَرَهُ عج، وَأَنَّ كَلَامَ طفي تَحَامُلٌ وَقُصُورٌ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَوْ أَسْلَمَهُ لِرَاهِنِهِ لِيَبِيعَهُ فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ إنَّمَا فَعَلْته لِتَعْجِيلِ حَقِّي وَسُقُوطِهِ لِأَنَّ شَرْطَ تَعْجِيلِهِ الثَّمَنَ عَلَى الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. نَقَلَ الصِّقِلِّيُّ قَوْلَيْ أَشْهَبَ. اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَإِلَّا حَلَفَ وَبَقِيَ الثَّمَنُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ
: كَفَوْتِهِ بِجِنَايَةٍ، وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ
ــ
[منح الجليل]
وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ مَعَ إذْنِهِ لَهُ فِي بَيْعِهِ، بِأَنْ أَبْقَاهُ تَحْتَ يَدِهِ وَقَالَ إنَّمَا أَذِنْت لَهُ فِي بَيْعِهِ لِإِحْيَائِهِ وَحَلَّ ثَمَنُهُ رَهْنًا فِي مَحَلِّهِ أَوْ الْإِتْيَانُ بِرَهْنٍ آخَرَ ثِقَةً (حَلَفَ) الْمُرْتَهِنُ عَلَى ذَلِكَ (وَبَقِيَ الثَّمَنُ) الَّذِي بِيعَ الرَّهْنُ بِهِ رَهْنًا فِي الدَّيْنِ لِحُلُولِ الْأَجَلِ (إنْ لَمْ يَأْتِ) الرَّاهِنُ (بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ) فِي قِيمَتِهِ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِهِ وَعَلَيْهِ عُقِدَ الْبَيْعُ أَوْ الْقَرْضُ، وَلِزِيَادَتِهَا فَائِدَةٌ إذْ قَدْ تَتَغَيَّرُ الْقِيمَةُ بِنَقْصٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَفِي ضَمَانِهِ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَحُلِيٍّ أَوْ عَدَمِهِ بِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُشْبِهُ الرَّهْنَ الَّذِي بِيعَ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ كَقِيمَتِهِ يَوْمَ رَهْنِهِ لَا يَوْمَ بَيْعِهِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ غَلَائِهِ أَوْ رُخْصِهِ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهَا قِيمَتُهُ كَقِيمَتِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي الْقِيمَةِ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الدَّيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ الْآخِذُ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ عَقْدُهُ، وَلِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَائِدَةٌ إذْ قَدْ تَنْخَفِضُ السُّوقُ فِي الْأَجَلِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَأْتِيهِ بِمِثْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرُهَا، وَظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى اعْتِبَارُهُمَا مَعًا، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهَا يُشْبِهُ الرَّهْنَ الَّذِي بِيعَ أَيْ فِي أَنَّهُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهَا قِيمَتُهُ كَقِيمَتِهِ ظَاهِرٌ فِي اشْتِرَاطِ مُسَاوَاةِ الْقِيمَةِ.
وَشَبَّهَ فِي بَقَاءِ عِوَضِ الرَّهْنِ رَهْنًا إنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ فَقَالَ (كَفَوْتِهِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مَصْدَرُ فَاتَ أَيْ تَلِفَ الرَّهْنُ (ب) سَبَبِ (جِنَايَةٍ) عَلَيْهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ (وَ) قَدْ (أُخِذَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (قِيمَتُهُ) أَيْ الرَّهْنِ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ فَتَكُونُ رَهْنًا فِي الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ هُوَ فِيهِ إنْ لَمْ يَأْتِ الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ وَمَفْهُومُ فَوْتِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفُتْ بِهَا بِأَنْ كَانَتْ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ عَيَّبْته فَلَا يَلْزَمُ الرَّاهِنَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُجْعَلُ الْأَرْشُ رَهْنًا مَعَ الرَّهْنِ. ابْنُ الْقَاسِمِ أَرْشُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ رَهْنٌ. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ عِوَضُ بَعْضِهِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ تُؤْخَذْ قِيمَتُهُ فَلَا يَلْزَمُ الرَّاهِنَ مِثْلُهُ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنْ فَاتَ بِجِنَايَةِ الرَّاهِنِ فَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَ الدَّيْنَ أَوْ يَأْتِيَ بِرَهْنِ مِثْلِهِ أَوْ يَجْعَلَ قِيمَتَهُ رَهْنًا فِي مَحَلِّهِ
وَبِعَارِيَّةٍ أُطْلِقَتْ وَعَلَى الرَّدِّ
، أَوْ رَجَعَ اخْتِيَارًا، فَلَهُ أَخْذُهُ، إلَّا بِفَوْتِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ إنْ لَمْ تُنْقِصْهُ بِأَنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَدِيَةُ نَحْوِ الْجَائِفَةِ لِلرَّاهِنِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْهَا.
(وَ) بَطَلَ الرَّهْنُ (بِعَارِيَّةٍ) أَيْ إعَارَةُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ لِرَاهِنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ لِأَنَّ إذْنَهُ كَجَوَلَانِ يَدِهِ فِيهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِلَا عِوَضٍ (أُطْلِقَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ لَمْ تُقَيَّدْ بِأَجَلٍ وَلَا عَمَلٍ يَنْقَضِي قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ فِيهَا ذَلِكَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى إسْقَاطِ الْمُرْتَهِنِ حَقَّهُ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ أُطْلِقَتْ لِكَوْنِهِ مَفْهُومَ غَيْرِ شَرْطٍ فَقَالَ (وَ) إنْ لَمْ تُطْلَقْ وَأَعَارَهُ الرَّهْنَ (عَلَى) شَرْطِ (الرَّدِّ) لِلْمُرْتَهِنِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ بِأَنْ قَيَّدَهَا بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ يَنْقَضِي قَبْلَهُ، أَوْ قَالَ لَهُ إذَا فَرَغَتْ حَاجَتُك فَرُدَّهُ إلَيَّ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ الرَّاهِنِ
(أَوْ رَجَعَ) الرَّهْنُ لِرَاهِنِهِ (اخْتِيَارًا) مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إعَارَةٍ بِإِيدَاعٍ أَوْ إجَارَةٍ وَانْقَضَتْ مُدَّتُهَا قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ فَ (لَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (أَخْذُهُ) أَيْ الرَّهْنِ مِنْ رَاهِنِهِ وَجَعْلُهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ بِلَا يَمِينٍ وَلَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا أَيْضًا، لَكِنْ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ نَقْضٌ لِلرَّهْنِ وَشَبَّهَ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ قَبْلَ قِيَامِ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، فَفِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْإِجَارَةِ إنْ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا، فَإِنْ قَامَ قَبْلَهُ وَقَالَ جَهِلْت أَنَّ ذَلِكَ نَقْضٌ لِرَهْنِي وَأَشْبَهَ فِيمَا قَالَ حَلَفَ وَرَدَّهُ مَا لَمْ يَقُمْ الْغُرَمَاءُ. اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ صُورَةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا اهـ.
فَإِنْ قُلْت تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لِلرَّاهِنِ تُبْطِلُ الرَّهْنَ وَلَمْ تُبْطِلْهُ هُنَا. قُلْت مَا تَقَدَّمَ مَحَلُّهُ إذَا قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ طَلَبِ الْمُرْتَهِنِ أَخْذَهُ مِنْ رَاهِنِهِ وَمَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَهُ مِنْ رَاهِنِهِ قَبْلَهُ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ.
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إجَارَةُ الرَّهْنِ لِرَاهِنِهِ وَهُوَ مِلْكُهُ وَغَلَّتُهُ لَهُ. قُلْت يُتَصَوَّرُ بِاكْتِرَاءِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ مِنْ رَاهِنِهِ ثُمَّ إكْرَائِهِ لَهُ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لَهُ أَخْذُهُ فَقَالَ (إلَّا) إذَا تَلَبَّسَ الرَّهْنُ (بِفَوْتِهِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ
بِكَعِتْقٍ، أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَدْبِيرٍ، أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ
وَغَصْبًا، فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا؛
ــ
[منح الجليل]
الْوَاوِ أَيْ الرَّهْنِ بِتَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِيهِ (بِكَعِتْقٍ) أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إيلَادٍ (أَوْ حَبْسٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ تَحْبِيسٍ (أَوْ تَدْبِيرٍ) أَوْ بَيْعٍ قَالَهُ تت و " ح "(أَوْ) ب (قِيَامِ الْغُرَمَاءِ) أَيْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ عَلَى الرَّاهِنِ عَطَفَ عَلَى فَوْتِهِ. أَبُو الْحَسَنِ أَوْ مَوْتِ الرَّاهِنِ.
الرَّجْرَاجِيُّ أَوْ رَهْنِهِ عِنْدَ غَرِيمٍ آخَرَ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَيُعَجِّلُ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ هُوَ فِيهِ فِي غَيْرِ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ وَالْمَوْتِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي التَّفْوِيتِ بِالتَّدْبِيرِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ، فَكَيْفَ يَمْنَعُ اسْتِمْرَارَهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى مَنْعِهِ هُنَا أَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُرْتَهِنَ مِنْ بَيْعِهِ الْآنَ فَيُرَدُّ إلَيْهِ لِيَحُوزَهُ حَوْزَ ارْتِهَانِ الْمُدَبَّرِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ فَالصَّوَابُ الْجَوَابُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ مَنْعٌ هُنَا مِنْ الرَّهْنِيَّةِ لِانْضِمَامِهِ إلَى مَا هُوَ مُبْطِلٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ رَدُّ الرَّهْنِ لِرَاهِنِهِ اخْتِيَارًا.
(وَ) إنْ عَادَ الرَّهْنُ لِرَاهِنِهِ (غَصْبًا) عَنْ الْمُرْتَهِنِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (أَخْذُهُ) أَيْ الرَّهْنِ مِنْ رَاهِنِهِ أَخْذًا (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ فَوْتِهِ بِكَعِتْقٍ إلَخْ وَجَعْلِهِ رَهْنًا كَمَا كَانَ الْحَطّ قَالَ الشَّارِحُ سَوَاءٌ فَاتَ بِمَا ذَكَرَ أَمْ لَا، قَامَ غُرَمَاؤُهُ أَمْ لَا، وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَلَوْ عَادَ اخْتِيَارًا، وَانْظُرْ قَوْلَهُمَا فَاتَ بِمَا ذُكِرَ أَوَّلًا كَيْفَ يَأْخُذُهُ إذَا فَاتَ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ وَكَانَ الرَّاهِنُ مَلِيًّا، فَإِنَّ غَايَتَهُ كَوْنُهُ بِمَنْزِلَةِ عِتْقِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ وَهُوَ بِيَدِ مُرْتَهِنِهِ وَسَيَأْتِي مَعْنَى عِتْقِ الْمُوسِرِ وَكِتَابَتِهِ وَيُعَجِّلُ الدَّيْنَ، فَكَذَا مَا هُنَا. عب قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الرَّاهِنَ يُحْمَلُ فِي أَخْذِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ غَصْبًا عَلَى قَصْدِهِ إبْطَالَ رَهِينَتِهِ، فَعُومِلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ بِخِلَافِ عِتْقِهِ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ وَهُوَ بِيَدِ مُرْتَهِنِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى قَصْدِهِ، إبْطَالُ رَهِينَتِهِ حَتَّى يُعَامَلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ مَا أَفَادَهُ " ح " مِنْ تَقْيِيدِهَا هُنَا بِمَا يَأْتِي.
وَإِنْ وَطِئَ غَصْبًا فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَجَّلَ الْمَلِيءُ الدَّيْنَ أَوْ قِيمَتَهَا، وَإِلَّا بُقِّيَ
ــ
[منح الجليل]
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: طفي قَوْلُهُ أَوْ اخْتِيَارًا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الرَّكَاكَةِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ أَوْ عَلَى الرَّدِّ مِنْ جُمْلَةِ الِاخْتِيَارِ، وَتَبِعَ فِيهَا ابْنَ الْحَاجِبِ، فَلَوْ قَالَ وَاخْتِيَارًا فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَفُتْ بِعِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ قَامَ الْغُرَمَاءُ إلَّا بِعَارِيَّةٍ أُطْلِقْت كَمَا عَبَّرَ ابْنُ شَاسٍ لَأَجَادَ.
الثَّانِي: طفي قَوْلُهُ وَغَصْبًا. إلَخْ قَسِيمٌ اخْتِيَارًا، إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ قَاصِرَةٌ لِبَقَاءِ عَوْدِهِ بِغَيْرِ غَصْبٍ وَلَا اخْتِيَارٍ لِأَنَّ الْغَصْبَ أَخَصُّ مِنْ نَقِيضِ الِاخْتِيَارِ. فَلَوْ قَالَ وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ قَاصِرًا، أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ الرُّجُوعُ اخْتِيَارًا فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ لِلرَّاهِنِ دُونَ اخْتِيَارٍ لَا يَبْطُلُ حَوْزُهُ لِقَوْلِهَا فِي اللُّقَطَةِ إنْ أَبَقَ الْعَبْد الرَّهْن صَدَقَ الْمُرْتَهِنُ فِي إبَاقِهِ وَلَا يَحْلِفُ وَهُوَ عَلَى حَقِّهِ. فَإِنْ وَجَدَهُ رَبُّهُ وَقَامَتْ الْغُرَمَاءُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ إنْ كَانَ حَازَهُ قَبْلَ إبَاقِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ بِيَدِ رَاهِنِهِ فَتَرَكَهُ حَتَّى قَامَتْ الْغُرَمَاءُ اهـ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ بِالْغَصْبِ مَا قَابَلَ الِاخْتِيَارَ، وَفِيهِ تَكَلُّفٌ.
الثَّالِثُ: قَسِيمُ قَوْلِهِ: لَهُ أَخَذَ لَهُ عَدَمُ أَخْذِهِ وَيَتَعَجَّلُ دَيْنَهُ.
الرَّابِعُ: إذَا خَلَّصَ الرَّهْنَ مِنْ الرَّهِينَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ لَزِمَ الرَّاهِنَ مَا فَعَلَ فِيهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُرْتَهِنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ رَدِّ الْغَرِيمِ وَرَدُّهُ رَدُّ إيقَافِ
وَذَكَرَ بَعْضَ مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَبِإِذْنِهِ فِي وَطْءٍ فَقَالَ (وَإِنْ وَطِئَ) الرَّاهِنُ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ (غَصْبًا) عَنْ مُرْتَهِنِهَا فَإِنْ لَمْ يُحْبِلْهَا بَقِيَتْ رَهْنًا، وَإِنْ أَحْبَلَهَا (فَوَلَدُهُ) أَيْ الرَّاهِنِ الْوَاطِئِ أَمَتَهُ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ أَمَتِهِ (وَعَجَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الرَّاهِنُ (الْمَلِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ (الدَّيْنَ) الْمَرْهُونَ هُوَ فِيهِ (أَوْ قِيمَتَهَا) أَيْ الْأَمَةِ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ يَقُولُ لَا يَلْزَمُنِي زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ يَقُولُ لَا يَلْزَمُنِي الْآنَ إلَّا قِيمَةُ مَا جَنَيْت عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ مَلِيًّا (بَقِيَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُخَفَّفًا أَوْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الرَّهْنُ الَّذِي هُوَ الْأَمَةُ عَلَى رَهِينَتِهِ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْ وِلَادَتِهَا وَحُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ فَتُبَاعُ كُلُّهَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ الْوَفَاءُ إلَّا بِهِ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهَا مَا يُوَفَّى بِهِ وَعَتَقَ بَاقِيهَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ خِلَافًا فِي عِتْقِ بَاقِيهَا وَإِيقَافِهِ بَعْضَ أُمِّ وَلَدٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَبْتَاعُ بَعْضَهَا بِيعَتْ كُلُّهَا وَقَضَى الْمُرْتَهِنُ وَالْبَاقِي لِرَاهِنِهَا يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّهُ ثَمَنُ أُمِّ وَلَدٍ. وَقِيلَ تُبَاعُ كُلُّهَا وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَبْتَاعُ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ لِضَرَرِهَا بِتَبْعِيضِ عِتْقِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بِالدَّيْنِ اتَّبَعَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِبَاقِيهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ تُبَعْ حَامِلًا لِرَجَاءِ تَجَدُّدِ مَالٍ لِلرَّاهِنِ يَفِي بِدَيْنِهِ وَتَتِمُّ أُمُومَتُهَا لِوَلَدِهَا. وَلِأَنَّ جَنِينَهَا حُرٌّ وَهُوَ كَجُزْئِهَا وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْبَيْعِ. تت وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا أُمُّ الْوَلَدِ، وَالثَّانِيَةُ أَمَةُ الشَّرِيكَيْنِ يَطَؤُهَا أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا، وَالثَّالِثَةُ أَمَةُ الْمُفْلِسِ الْمَوْقُوفَةِ لِبَيْعِهَا فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ، وَالرَّابِعَةُ الْأَمَةُ الْجَانِيَةُ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِجِنَايَتِهَا فَتَحْمِلُ مِنْهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَالْخَامِسَةُ أَمَةُ مَيِّتٍ مَدِينٍ وَطِئَهَا بَعْضُ وَرَثَتِهِ عَدِيمًا عَالِمًا بِالدَّيْنِ فَتَحْمِلُ مِنْهُ، وَالسَّادِسَةُ أَمَةُ الْقِرَاضِ يَطَؤُهَا الْعَامِلُ فَتَحْمِلُ مِنْهُ وَهُوَ عَدِيمٌ، وَنَظَمْتهَا فَقُلْت:
تُبَاعُ أُمُّ الْوَلَدِ فِي سِتَّةٍ فَاجْتَهِدْ
…
أَحْبَلَهَا رَاهِنُهَا أَوْ الشَّرِيكُ فَاعْدُدْ
أَوْ أَحَدُ الْوُرَّاثِ أَوْ مُقَارِضٌ فَقَيِّدِ
…
أَوْ مُفْلِسٌ وَإِنْ جَنَتْ سَلِّمْ لَهُ تُسَدَّدْ
وَزِيدَ أَمَةُ الْمُكَاتَبِ فَأَضَفْتهَا فَقُلْت:
وَأَمَةٌ سَيِّدُهَا مُكَاتَبٌ فَاعْتَمِدْ
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَك أَنْ تَجْعَلَ لَهَا فَائِدَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ تُوجَدُ أَمَةٌ حَامِلٌ بِحُرٍّ، وَأَضَفْتهَا فَقُلْت:
وَهَذِهِ السِّتُّ لَهَا فَائِدَةٌ يَا سَيِّدِي
…
قِنٌّ بِحُرٍّ حَامِلٍ فَاظْفَرْ بِهِ لِتَقْتَدِي
" غ " وَقَدْ أَجَادَ بَعْضُ الْأَذْكِيَاءِ مِمَّنْ لَقِينَاهُ إذْ نَظَمَ النَّظَائِرَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ التَّوْضِيحِ فَقَالَ
تُبَاعُ عِنْدَ مَالِكٍ أُمُّ الْوَلَدْ
…
فِي سِتَّةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ تُعَدْ
وَهِيَ إنْ أَحْبَلَ حَالَ عِلْمِهِ
…
بِمَانِعِ الْوَطْءِ وَحَالَ عُدْمِهِ
مُفْلِسٌ مَوْقُوفَةٌ لِلْغُرَمَا
…
أَوْ رَاهِنٌ مَرْهُونَةٌ لِيَغْرَمَا
أَوْ ابْنُ مِدْيَانٍ إمَاءُ التَّرِكَهْ
…
أَوْ الشَّرِيكُ أَمَةٌ لِلشَّرِكَهْ
أَوْ عَامِلُ الْقِرَاضِ مِمَّا حَرَّكَهْ
…
أَوْ سَيِّدٌ جَانِيَةٌ مُسْتَهْلَكَهْ
فِي هَذِهِ السِّتَّةِ تَحْمِلُ الْأَمَهْ
…
حُرًّا وَلَا يُدْرَأُ عَنْهَا مَلْأَمَهْ
وَالْعَكْسُ جَاءَ فِي مَحَلٍّ فَرْدِ
…
وَهُوَ حَمْلُ حُرَّةٍ بِعَبْدِ
فِي الْعَبْدِ يُفْشِي مَالَهُ مِنْ مُعْتِقِهْ
…
وَمَا دَرَى السَّيِّدُ حَتَّى أَعْتَقَهْ
فَالْأُمُّ حُرَّةٌ وَمِلْكُ السَّيِّدِ
…
يَشْمَلُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ وَلَدِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْحَطّ: وَيُضَافُ إلَيْهَا الْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ وَهِيَ حَامِلٌ، وَالْأَمَةُ الْغَارَّةُ، وَأَمَةُ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ عَنْهَا وَفِيهَا وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ فَيَبِيعُ أُمَّهُ وَيُوَفِّي الْكِتَابَةَ. وَذَكَرَ " غ " هُنَا الْمَسَائِلَ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا أُمُّ الْوَلَدِ وَذَكَرَ عَكْسَهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ وَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ وَحَمَلَتْ مِنْهُ وَأَعْتَقَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهُ بِإِعْتَاقِهَا حَتَّى أَعْتَقَهُ، فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَمَتَهُ مَاضٍ فَتَكُونُ حُرَّةً وَاَلَّذِي فِي بَطْنِهَا رَقِيقٌ لِأَنَّهُ لِلسَّيِّدِ.
قَالَ فِي الْجَلَّابِ وَلَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ تَعْتِقْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ، ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ وَأَمَتُهُ حَامِلٌ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمَأْذُونُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ لَمْ أُعَجِّلْ لَهَا ذَلِكَ وَكَانَتْ حُدُودُهَا حُدُودَ أَمَةٍ حَتَّى تَضَعَ فَيَرِقَّ الْوَلَدُ لِلسَّيِّدِ الْأَعْلَى وَتَعْتِقَ هِيَ بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ فِيهَا بِغَيْرِ إحْدَاثِ عِتْقٍ. اهـ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْعَبْدُ بَعْدَ عِتْقِهِ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَهَا إذَا أَعْتَقَهَا فِي حَالِ رِقِّهِ لِأَنَّ عِتْقَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَقْوَى مِنْ عِتْقِهِ قَبْلَهُ. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا يُحْكَمُ لَهَا بِالْحُرِّيَّةِ حَتَّى تَضَعَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا حُرَّةٌ حَامِلَةٌ بِعَبْدٍ فِيهِ مُسَامَحَةٌ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ صِحَّةَ قَوْلِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَا تُوجَدُ حُرَّةً حَامِلَةً بِعَبْدٍ وَسُقُوطُ اعْتِرَاضِ ابْنِ نَاجِي عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُوَضِّحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْبُنَانِيُّ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُسَامَحَةِ فِي أَمَةِ الْمُكَاتَبِ الَّتِي زَادَهَا الْحَطّ.
وَصَحَّ بِتَوْكِيلِ مُكَاتَبِ الرَّاهِنِ فِي حَوْزِهِ، وَكَذَا أَخُوهُ عَلَى الْأَصَحِّ لَا مَحْجُورِهِ وَرَقِيقِهِ وَالْقَوْلُ لِطَالِبِ تَحْوِيزِهِ لِأَمِينٍ.
وَفِي تَعْيِينِهِ نَظَرَ الْحَاكِمُ،
ــ
[منح الجليل]
وَصَحَّ) حَوْزُ الرَّهْنِ (بِتَوْكِيلِ) الْمُرْتَهِنِ لِ (مُكَاتَبِ الرَّاهِنِ فِي حَوْزِهِ) أَيْ الرَّهْنِ لَهُ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فَلَا سَبِيلَ لِسَيِّدِهِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ (وَكَذَا) أَيْ مُكَاتَبُ الرَّاهِنِ فِي صِحَّةِ حَوْزِهِ الرَّهْنَ (أَخُوهُ) أَيْ الرَّاهِنِ فَيَصِحُّ حَوْزُهُ الرَّهْنَ بِتَوْكِيلِ الْمُرْتَهِنِ، (عَلَى الْأَصَحِّ) عِنْدَ الْبَاجِيَّ مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَهُ فِيهَا أَيْضًا لَا يَنْبَغِي وَضَعَّفَهُ أَيْ حَوْزَ الْأَخِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ رَهْنٌ لِلرَّهْنِ وَضَعْفٌ (لَا) يَصِحُّ حَوْزُ (مَحْجُورِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ بِتَوْكِيلِ مُرْتَهِنِهِ لِأَنَّ لِلرَّاهِنِ النَّظَرَ فِيمَا بِيَدِ مَحْجُورِهِ فَتَجُولُ يَدُهُ عَلَى الرَّهْنِ، وَدَخَلَ فِي مَحْجُورِهِ زَوْجَتُهُ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى بُطْلَانِ حَوْزِهَا وَخَرَجَ عَنْهُ وَلَدُهُ الرَّشِيدُ فَحَوْزُهُ صَحِيحٌ بِتَوْكِيلِ الْمُرْتَهِنِ. سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَوْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا بَائِنًا عَنْ أَبِيهِ جَازَ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
(وَ) لَا يَصِحُّ حَوْزُ (رَقِيقِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ وَمِنْهُ أُمُّ وَلَدِهِ الْبَاجِيَّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَ مَالِهِ وَمَنْعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَدُهُ جَائِلَةٌ عَلَى مَا فِي حَوْزِهِ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُدَبَّرًا وَمُعْتَقًا لِأَجَلٍ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَلَوْ مَرِضَ الرَّاهِنُ وَقَرُبَ الْأَجَلُ أَوْ مُبَعَّضًا لِأَنَّ مَالَهُ لِلرَّاهِنِ إذَا مَاتَ وَقِيلَ الْمُبَعَّضُ كَالْمُكَاتَبِ لِإِحْرَازِهِ مَالَهُ (وَ) إنْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ حِرْزَهُ لِلرَّاهِنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ يَحُوزُهُ أَمِينٌ أَوْ عَكْسُهُ فَ (الْقَوْلُ لِطَالِبِ تَحْوِيزِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (لِأَمِينٍ) غَيْرِ مُرْتَهِنِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَسْلِيمِهِ لِمُرْتَهِنِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَسْلِيمَهُ لِمُرْتَهِنِهِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ دُعِيَ إلَيْهِ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا دَخَلَا عَلَى السُّكُوتِ، وَأَمَّا إنْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَادَةً قَالَهُ شَارِحُ التُّحْفَةِ.
(وَ) إنْ اتَّفَقَا عَلَى جَعْلِهِ بِيَدِ أَمِينٍ وَاخْتَلَفَا (فِي تَعْيِينِهِ) أَيْ الْأَمِينِ الَّذِي يَحُوزُ الرَّهْنَ بِأَنْ عَيَّنَ الرَّاهِنُ أَمِينًا وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرَهُ (نَظَرَ الْحَاكِمُ) فِيمَنْ يَحُوزُهُ مِنْهُمَا لِأَصْلَحِيَّتِهِ،
وَإِنْ سَلَّمَهُ دُونَ إذْنِهِمَا، فَإِنْ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلِلرَّاهِنِ ضَمِنَهَا أَوْ الثَّمَنَ؛
ــ
[منح الجليل]
فَإِنْ رَآهُمَا مُسْتَوِيَيْنِ خُيِّرَ فِي دَفْعٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَلَا يَدْفَعُهُ لِغَيْرِهِمَا وَلَوْ غَيْرَ صَالِحَيْنِ لِرِضَاهُمَا بِهِمَا. قَالَ فِي الْمُعْتَمَدِ فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُ الْعَدْلِ الْحَائِزِ لِلرَّهْنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَدْعُوَ إلَى ثِقَةٍ لِيَجْعَلَ الرَّهْنَ عِنْدَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِهِ نَظَرَ الْحَاكِمُ (وَ) الْوَاجِبُ عَلَى الْأَمِينِ الْحَائِزِ لِلرَّهْنِ أَنْ لَا يُسْلِمَهُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ ف (إنْ سَلَّمَهُ) أَيْ الْأَمِينُ الرَّهْنَ لِأَحَدِهِمَا (دُونَ إذْنِهِمَا) أَيْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْزِيعِ أَيْ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ لِلرَّاهِنِ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 135] أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا، وَالنَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى فَإِنْ سَلَّمَهُ (لِلْمُرْتَهِنِ) بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ وَتَلِفَ (ضَمِنَ) الْأَمِينُ (قِيمَتَهُ) أَيْ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ قَدْرَ الدَّيْنِ سَقَطَ عَنْ الرَّاهِنِ وَبَرِئَ الْأَمِينُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ ضَمِنَ الْأَمِينُ الزَّائِدَ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ بِتَسْلِيمِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ وَرَجَّحَ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَسَقَطَ الدَّيْنُ فِي قَدْرِهِ مِنْهَا وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْهُ سَقَطَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا وَاتَّبَعَ الْمُرْتَهِنُ بِبَاقِيهِ الرَّاهِنَ، وَهَذَا إذَا سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الرَّاهِنُ إلَّا بَعْدَهُ، فَإِنْ عَلِمَهُ قَبْلَهُ فَلَهُ تَغْرِيمُ أَيِّهِمَا شَاءَ الْقِيمَةَ لِتَعَدِّيهِمَا الْأَمِينَ بِالدَّفْعِ وَالْمُرْتَهِنَ بِالْأَخْذِ وَتُوقَفُ بِيَدِ أَمِينٍ آخَرَ وَلِلرَّاهِنِ الْإِتْيَانُ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ وَأَخْذُهَا، فَإِنْ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ وَلَمْ يَتْلَفْ فَلِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ وَجَعْلُهُ عِنْدَ أَمِينٍ آخَرَ.
(وَ) إنْ سَلَّمَهُ الْأَمِينُ (لِلرَّاهِنِ) بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَتَلِفَ (ضَمِنَهَا) أَيْ الْأَمِينُ الْقِيمَةَ لِلْمُرْتَهِنِ (أَوْ) ضَمِنَ لَهُ (الثَّمَنَ) أَيْ الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ هُوَ فِيهِ فَيَضْمَنُ لَهُ أَقَلَّهُمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَهِيَ الَّتِي تَعَدَّى عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ طَلَبٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الرَّهْنَ بِكَوْنِهِ يُغَابُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بِهِ فِيهَا لِقَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ ضَمَانُ الْأَمِينِ ضَمَانُ عَدَاءٍ فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ.
وَانْدَرَجَ صُوفٌ تَمَّ، وَفَرْخُ نَخْلٍ، لَا غَلَّةٌ
ــ
[منح الجليل]
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: إنْ اطَّلَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى تَسْلِيمِ الْأَمِينِ الرَّهْنَ لِرَاهِنِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ وَقَبْلَ تَلَفِ الزَّمَنِ وَقَبْلَ حُصُولِ مَانِعٍ لِلرَّاهِنِ مِنْ فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ وَمَرَضِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَجُنُونِهِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُهُ وَجَعَلَهُ عِنْدَ أَمِينٍ آخَرَ، وَإِنْ حَصَلَ لِلرَّاهِنِ مَانِعٌ أَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ وَهُوَ مَحَلُّ الضَّمَانِ.
الثَّانِي: مَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُرْتَهِنُ بِهِ وَيَسْكُتُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ.
الثَّالِثُ: الظَّاهِرُ أَنَّ قِيمَتَهُ تُعْتَبَرُ يَوْمَ هَلَاكِهِ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فِي تَسْلِيمِ الْأَمِينِ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ لِرَاهِنِهَا بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنِهَا وَوَطِئَهَا الرَّاهِنُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا يَوْمَ وَطِئَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهَا الْحَطّ. عب وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ اعْتِبَارُهَا يَوْمَ التَّعَدِّي.
(وَ) إنْ رُهِنَتْ غَنَمٌ (انْدَرَجَ) فِي رَهْنِهَا (صُوفٌ) عَلَى ظُهُورِهَا (تَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ أَيْ اسْتَحَقَّ الْجَزَّ يَوْمَ الْعَقْدِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ سِلْعَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ تُقْصَدُ بِالرَّهْنِ. وَقِيلَ لَا يَنْدَرِجُ لِأَنَّهُ غَلَّةٌ، وَمَفْهُومُ تَمَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَنْدَرِجُ وَهُوَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا (وَ) إنْ رُهِنَتْ أُنْثَى حَامِلٌ انْدَرَجَ فِي رَهْنِهَا (جَنِينٌ) لِأَنَّهُ كَجُزْئِهَا وَأَحْرَى مَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ رَهْنِهَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ الْمَوَّازِ لَوْ شُرِطَ أَنَّ مَا تَلِدُهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ لِمُنَاقَضَتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا يَنْدَرِجُ الْبِيضُ لِتَكَرُّرِ الْوِلَادَةِ اهـ تت (وَ) إنْ رَهَنَ النَّخْلَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ الْمُهْمَلَةِ انْدَرَجَ فِي رَهْنِهَا (فَرْخُ نَخْلٍ) فِي الْجَلَّابِ فَرْخُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ رَهْنٌ مَعَ أُصُولِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَهُ تت. الْحَطّ الْمَعْنَى صَحِيحٌ سَوَاءٌ قُرِئَ بِالْمُعْجَمَةِ أَوْ بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْقَامُوسِ الْفَرْخُ وَلَدُ الطَّائِرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْجَمْعُ أَفْرَاخُ وَأَفْرُخٌ وَفِرَاخٌ وَفُرُوخٌ وَأَفْرِخَةٌ وَفِرْخَانُ، وَفَرْخُ الزَّرْعِ نَبْتُ أَفْرَاخِهِ (لَا) تَنْدَرِجُ فِي الرَّهْنِ (غَلَّةٌ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ اللَّامِ وَلِلرَّهْنِ كَأُجْرَةِ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَلَبَنٍ وَجُبْنٍ وَسَمْنٍ وَعَسَلِ نَحْلٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ دُخُولَهَا.
وَثَمَرَةٌ، وَإِنْ وُجِدَتْ، وَمَالُ عَبْدٍ؛
وَارْتَهَنَ إنْ أَقْرَضَ
أَوْ بَاعَ
أَوْ يَعْمَلُ لَهُ
ــ
[منح الجليل]
(وَ) لَا يَنْدَرِجُ فِي رَهْنِ الشَّجَرِ (ثَمَرَةٌ) إنْ لَمْ تُوجَدْ حَالَ الْعَقْدِ، بَلْ (وَإِنْ وُجِدَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الثَّمَرَةُ حِينَ رَهْنِ الشَّجَرِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أُبِّرَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَفَرَّقَ بَيْنَ الصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ بِفُرُوقٍ مِنْهَا أَنَّ الثَّمَرَةَ بِعَمَلِ الرَّاهِنِ وَنَفَقَتِهِ وَلَا عَمَلَ لَهُ فِي الصُّوفِ، وَبَيْنَ الْجَنِينِ وَالثَّمَرَةِ بِأَنَّ السُّنَّةَ حَكَمَتْ بِأَنَّ غَلَّةَ الرَّهْنِ لِرَاهِنِهِ وَالْجَنِينُ لَيْسَ غَلَّةٌ، بَلْ كَجُزْءٍ. وَأَشَارَ بِالْمُبَالَغَةِ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطَةِ تَنْدَرِجُ قَالَهُ تت (وَ) لَا يَنْدَرِجُ فِي الرَّهْنِ (مَالُ عَبْدٍ) مَرْهُونٍ مَوْجُودٍ مَعَهُ حِينَ رَهَنَهُ فَأَحْرَى مَا يَسْتَفِيدُهُ بِنَحْوِ هِبَةٍ.
(تَنْكِيتٌ) مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ شَرَطَ انْدِرَاجَهُ أَوْ عَدَمَهُ عُمِلَ بِهِ اتِّفَاقًا
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ سَبْقُ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ سَبْقُ الرَّهْنِ الدَّيْنَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَارْتَهَنَ) أَيْ جَازَ أَنْ يَسْتَلِمَ شَيْئًا يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ (إنْ أَقْرَضَ) الْمُرْتَهِنُ مُسْتَلِمَهُ رَاهِنَهُ أَوْ غَيْرَهُ مَالًا بِأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ خُذْ هَذَا رَهْنًا عِنْدَك فِيمَا أَقْتَرِضُهُ أَنَا مِنْك أَوْ فِيمَا يَقْتَرِضُهُ مِنْك فُلَانٌ، فَإِنْ أَقْرَضَ لَزِمَ الرَّهْنُ وَإِلَّا فَلَا.
(أَوْ) ارْتَهَنَ إنْ (بَاعَ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَتَسَلَّمَ شَيْئًا يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ فِي الثَّمَنِ إنْ بَاعَ سِلْعَةً كَذَا لِدَافِعِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ فِي النُّكَتِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِمَا يُدَايِنُهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مَا لَمْ يُجَاوِزْ قِيمَتَهُ بِخِلَافِ بَايَعَهُ أَوْ دَايَنَهُ وَأَنَا حَمِيلٌ بِهِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَلْزَمُهُ إذَا ثَبَتَ مَبْلَغُهُ أَفَادَهُ تت
(أَوْ) ارْتَهَنَ أَنْ (يَعْمَلَ لَهُ) الْمُرْتَهِنُ عَمَلًا مَعْلُومًا لِلرَّاهِنِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ يَكُونُ الشَّيْءُ الْمُسْتَلَمُ رَهْنًا فِيهَا إنْ عَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ فَاعِلَ يَعْمَلُ ضَمِيرُ الرَّاهِنِ بِأَنْ يُعَجِّلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ لِلْعَامِلِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ رَهْنًا بِهَا خَوْفًا مِنْ أَكْلِهَا وَتَرْكِ الْعَمَلِ.
" غ " كَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ وَفِيهِ قَلَقٌ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَبْيَنُ إذْ قَالَ وَيَجُوزُ
وَإِنْ فِي جُعْلٍ
ــ
[منح الجليل]
عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ أَوْ يَبِيعَهُ أَوْ يَعْمَلَ لَهُ وَيَكُونُ بِقَبْضِهِ الْأَوَّلِ رَهْنًا، وَكَذَا عِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ إذْ قَالَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَتَقَرَّرُ الرَّهْنُ وَالْتِزَامُهُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَقِّ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ الرَّهْنُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ " رضي الله عنه " وَفِيهَا إنْ دَفَعْت لِرَجُلٍ رَهْنًا، بِكُلِّ مَا أُقْرِضَ لِفُلَانٍ جَازَ اهـ. إذَا كَانَ الِارْتِهَانُ فِي عَقْدِ إجَارَةٍ
، بَلْ (وَإِنْ فِي جُعْلٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ بِأَنْ يُجَاعِلَهُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِجُعْلٍ مَعْلُومٍ وَيَرْتَهِنُ الْعَامِلُ عَنْ الْجَاعِلِ رَهْنًا فِي الْجُعْلِ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِتَمَامِ الْعَمَلِ، أَوْ يُعَجِّلُ الْجَاعِلُ لِجُعْلٍ وَيَرْتَهِنُ مِنْ الْعَامِلِ رَهْنًا فِي الْجُعْلِ.
طفي أَطْبَقَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ شُرَّاحِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ فِي جُعْلٍ أَيْ فِي عِوَضٍ جُعِلَ وَالرَّاهِنَ، أَمَّا الْجَاعِلُ لِلْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْجُعْلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِتَمَامِ الْعَمَلِ، وَأَمَّا الْمَجْعُولُ لَهُ فِي الْجُعْلِ الَّذِي أَخَذَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَوْنُ الْمَعْنَى عَمَلَ جُعْلٍ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجُعْلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَا آيِلًا إلَى اللُّزُومِ، إذْ لِلْمَجْعُولِ لَهُ التَّرْكُ مَتَى يَشَاءُ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مِنْهُمْ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ شَرْطَ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ لَازِمًا أَوْ آيِلًا إلَى اللُّزُومِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ، وَأَخْرَجَا الْكِتَابَةَ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي نِسْبَتِهِ لِلْمَذْهَبِ نَظَرٌ، فَإِنْ صَحَّتْ فَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ إذْ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ جَوَازُ الرَّهْنِ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَتَبِعَ ابْنُ شَاسٍ الشَّافِعِيَّةَ وَلَا يَبْعُدُ كَوْنُهُ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَهُ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ لِكَوْنِ الْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا لَيْسَتْ دَيْنًا لَازِمًا لَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ. اهـ. فَسَلَّمَ اشْتِرَاطَ اللُّزُومِ وَنَازَعَ فِي إخْرَاجِ الْكِتَابَةِ فَهِيَ دَيْنٌ لَازِمٌ عِنْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِذَا صَحَّ الرَّهْنُ فِيهَا مِنْ الْمُكَاتَبِ، قَالَ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَمَالَةً وَالْحَمَالَةُ لَا تَصِحُّ فِي الْكِتَابَةِ.
وَنَازَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَبْعُدُ كَوْنُهُ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَلَا يَكُونُ مَا عَلَيْهِ لَازِمًا لَهُ يَتَقَرَّرُ مِنْهُ رَهْنٌ. يُرَدُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِامْتِنَاعِ الرَّهْنِ بِكِرَاءِ مُشَاهَرَةٍ وَالْتِزَامُهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ اهـ،
لَا فِي مُعَيَّنٍ أَوْ مَنْفَعَتِهِ
ــ
[منح الجليل]
فَقَدْ رَدَّ اشْتِرَاطَ اللُّزُومِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِذَا حَادَ عَمَّا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ فِي الْمَرْهُونِ بِهِ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ لَازِمًا وَقَالَ فِيهِ مَالٌ كُلِّيٌّ لَا يُوجِبُ الرَّهْنَ فِيهِ غَرِمَ رَاهِنُهُ مَجَّانًا بِحَالٍ. فَقَوْلُنَا مَالٌ دُونَ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لِيَشْمَلَ الْكِتَابَةَ وَيَخْرُجُ بِالْكُلِّيِّ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ لِامْتِنَاعِ الرَّهْنِ بِهِ لِمَلْزُومِيَّةِ انْقِلَابِ حَقِيقَتِهِ أَوْ حَقِيقَةِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى مِنْ الرَّهْنِ بَطَلَ كَوْنُهُ مُعَيَّنًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ بَطَلَ كَوْنُ الرَّهْنِ تَوَثُّقًا بِهِ فَتَبْطُلُ حَقِيقَةُ الرَّهْنِ. وَقَوْلُنَا لَا يُوجِبُ إلَخْ يُدْخِلُ الْكِتَابَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَاتَبِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ غُرْمًا مَجَّانًا بِحَالٍ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى الْكِتَابَةَ دُونَ الرَّهْنِ أَوْ بِهِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ غُرْمًا مَجَّانًا بِحَالٍ، وَإِنْ عَجَزَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِعَجْزِهِ صَارَ مِلْكُهُ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ ضَرُورَةَ نُفُوذِ انْتِزَاعِ السَّيِّدِ مَالَهُ، وَهَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ مَجَّانًا بِحَالٍ وَأَخْذُ الرَّهْنِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فِي الْكِتَابَةِ يُوجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ غُرْمًا مَجَّانًا فِي حَالِ عَجْزِهِ بَعْدَ أَخْذِ الرَّهْنِ فِيمَا رَهَنَ فِيهِ أَوْ بَعْضِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامِلْهُ بِهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَهِيَ لَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا لِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَادَ عَنْ عِبَارَتِهِمَا لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْبُنَانِيُّ اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ بِالرَّهْنِ فِي كِرَاءِ الْمُشَاهَرَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فَهُوَ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ، وَادَّعَى طفي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيِلِ إلَى اللُّزُومِ أَنْ يَرْهَنَ فِيهِ بَعْدَ لُزُومِهِ لَا ابْتِدَاءً قَالَ وَهَذَا مُرَادُهُ مُشْتَرَطُ اللُّزُومِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِكَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَارْتَهَنَ إنْ أَقْرَضَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرْهَنُ فِيهِ قَبْلَ اللُّزُومِ أَيْضًا وَمِنْهُ كِرَاءُ الْمُشَاهَرَةِ فَالظَّاهِرُ مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(لَا) يَصِحُّ الرَّهْنُ (فِي) شَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْيَاءِ مُثَقَّلًا كَشِرَاءِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ وَيَأْخُذُ بِهِ رَهْنًا. ابْنُ عَرَفَةَ لِمَلْزُومِيَّتِهِ انْقِلَابَ حَقِيقَتِهِ أَوْ حَقِيقَةَ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى مِنْ الرَّهْنِ بَطَلَ تَعَيُّنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ بَطَلَ كَوْنُ الرَّهْنِ مُتَوَثِّقًا بِهِ فِيهِ فَتَبْطُلُ حَقِيقَةُ الرَّهْنِ (أَوْ) فِي (مَنْفَعَتِهِ) أَيْ الْمُعَيَّنِ كَاكْتِرَائِهِ دَابَّةً بِعَيْنِهَا وَارْتِهَانِهِ فِي مَنْفَعَتِهَا رَهْنًا
وَنَجْمِ كِتَابَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ
؛ وَجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَتِهِ، إنْ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ، لَا قَرْضٍ
ــ
[منح الجليل]
فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَقْبَلُ الِاشْتِغَالَ بِمُعَيَّنٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ التَّوَثُّقُ لِلِاسْتِيفَاءِ وَمُحَالٌ اسْتِيفَاءُ الْمُعَيَّنِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالْمُعَارِ الْمُعَيَّنِ يُؤْخَذُ بِهِ رَهْنٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي قِيمَتِهِ بِالتَّعَدِّي عَلَيْهِ أَوْ التَّفْرِيطِ فِيهِ لَا فِي عَيْنِهِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اسْتَعَرْت دَابَّةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْك فَلَا تَضْمَنْهَا، وَإِنْ رَهَنْت بِهَا رَهْنًا فَمُصِيبَتُهَا مِنْ رَبِّهَا وَالرَّهْنُ فِيهَا لَا يَجُوزُ فَإِنْ ضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ إذْ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَنْفُذُ وَلَا يَلْزَمُ، وَقَالَ أَشْهَبُ مَرَّةً هُوَ رَهْنٌ وَمَرَّةً إنْ أُصِيبَتْ الدَّابَّةُ بِمَا يَضْمَنُهَا بِهِ فَهُوَ رَهْنٌ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ مَدٍّ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، إذْ لَا يَضْمَنُهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْعَارِيَّةِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ. أَبُو الْحَسَنِ كَانَ يَقُولُ لَا أُعِيرُك إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي رَهْنًا عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِهَا وَفِيهَا مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا وَأَعْطَى بِالْأُجْرَةِ رَهْنًا جَازَ. أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِثَمَنِ الْمَنَافِعِ كَمَا يَجُوزُ بِثَمَنِ الْأَعْيَانِ.
(وَ) لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فِي جِنْسِ (نَجْمٍ) أَيْ مَالٍ مُؤَجَّلٍ بِالْهِلَالِ بِسَبَبِ (كِتَابَةٍ) أَيْ عِتْقٍ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ النَّجْمَ لَيْسَ لَازِمًا لِلْأَجْنَبِيِّ حَالًا وَلَا مَآلًا وَلَا شَرَطَ الْمَرْهُونَ فِيهِ لُزُومَهُ الرَّاهِنَ حَالًا أَوْ مَآلًا. وَمَفْهُومٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ صِحَّةُ الرَّهْنِ فِيهِ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِطْلَاقُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَدَمَ صِحَّتِهِ فِيهِ خِلَافُ نَصِّهَا وَهُوَ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَيَصِحُّ مِنْهُ
(وَجَازَ) لِلْمُرْتَهِنِ (شَرْطُ مَنْفَعَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا، أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إنْ عُيِّنَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْمَنْفَعَةَ بِتَعْيِينِ زَمَنِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَالثَّانِي كَوْنُ الرَّهْنِ (لِ) ثَمَنِ (بَيْعٍ) إذْ غَايَتُهُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ إذْ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ فَيُقَابِلُهَا بَعْضُ الْمُثَمَّنِ وَهُوَ جَائِزٌ (لَا) يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ شَرْطُ مَنْفَعَتِهِ فِي (قَرْضٍ) لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَمَفْهُومُ شَرْطِ أَنْ تَبَرَّعَ الرَّاهِنِ بِهَا لِلْمُرْتَهِنِ
وَفِي ضَمَانِهِ إذَا تَلِفَ: تَرَدُّدٌ
وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ إنْ شُرِطَ بِبَيْعٍ وَعُيِّنَ وَإِلَّا فَرَهْنٌ ثِقَةٌ
ــ
[منح الجليل]
بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ. الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " فِي الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ إذْ لَا يُدْرَى كَيْفَ يَرْجِعُ إلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا. وَلِمَالِكٍ " رضي الله عنه " كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَالْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِإِطْلَاقِهِ وَلِذِكْرِهِ مَسْأَلَةَ الضَّمَانِ عَقِبَهُ إذْ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يُعَابُ عَلَيْهِ.
(وَفِي ضَمَانِهِ) أَيْ الرَّهْنِ كُلِّهِ الْمُشْتَرِطِ مَنْفَعَتَهُ الْمُرْتَهِنُ (إذَا تَلِفَ) وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهُ رَهْنٌ وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَدَمُ ضَمَانِهِ شَيْئًا مِنْهُ كَسَائِرِ الْمُسْتَأْجَرَاتِ، وَهُوَ رَأْيُ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُمْ وَضَمَانُهُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ رَأْيُ التُّونُسِيِّ، قَالَ يُنْظَرُ لِلْقَدْرِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ بِالْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ الرُّبْعُ كَانَ رُبْعُهُ مُسْتَأْجَرًا لَا ضَمَانَ فِيهِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مُرْتَهَنَةً تُضْمَنُ ضَمَانَ الرِّهَانِ (تَرَدُّدٌ) ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ ابْنُ رُشْدٍ الصَّوَابُ أَنْ يَغْلِبَ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ. عب مَحَلُّهُ إذَا اُشْتُرِطَتْ مَنْفَعَتُهُ مَجَّانًا وَتَلِفَ فِي مُدَّتِهَا وَالرَّاجِحُ حِينَئِذٍ ضَمَانُهُ كَالرَّهْنِ. فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ مُدَّةِ الْمَنْفَعَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فَضَمَانُهُ كَالرَّهْنِ بِلَا تَرَدُّدٍ، وَإِنْ اُشْتُرِطَتْ لِتُحْسَبَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ تَطَوَّعَ الرَّاهِنُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ ضَمَانُ الرَّهْنِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْإِجَارَةِ بِوُقُوعِ الْمَنْفَعَةِ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ صَرَاحَةً أَوْ تَسَاوِي الْقَوْلَيْنِ.
(وَ) مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ رَهْنِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الرَّهْنِ (أُجْبِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الرَّاهِنُ (عَلَيْهِ) أَيْ دَفْعِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِأَمِينٍ (إنْ شُرِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الرَّهْنُ (بِبَيْعٍ وَعُيِّنَ) بِضَمِّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الرَّهْنُ كَهَذَا الثَّوْبِ إذْ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ. عب وَلَا مَفْهُومَ لِلْبَيْعِ إذْ الْقَرْضُ كَذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الرَّهْنَ الْمُشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ (فَرَهْنٌ ثِقَةٌ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ
وَالْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لَا يُفِيدُ. وَلَوْ شَهِدَ الْأَمِينُ. وَهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ وَبِهِ عُمِلَ؟
ــ
[منح الجليل]
يُوَفَّى بِالدَّيْنِ وَاعْتِيدَ رَهْنُ مِثْلِهِ فِي مِثْلِهِ يَلْزَمُ الرَّاهِنَ دَفْعُهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِأَمِينٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ وَيُخَيَّرُ الْبَائِعُ وَشَبَهُهُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَبَقَاءِ دَيْنِهِ بِلَا رَهْنٍ. ابْنُ عَرَفَةَ أَرَادَ بِشَبَهِهِ الْمُسْلَفَ. عب عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ سَوَاءٌ عَيَّنَ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ الْمُعَيَّنَ يُجْبَرُ عَلَى عَيْنِهِ فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ وَعَيَّنَ كَانَ أَوْلَى.
(وَالْحَوْزُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ زَايٌ أَيْ حِيَازَةُ الرَّهْنِ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْأَمِينُ وَدَعْوَاهُ (بَعْدَ) حُصُولِ (مَانِعِهِ) أَيْ الْحَوْزِ مِنْ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَرَضِ الرَّاهِنِ الْمُتَّصِلِينَ بِمَوْتِهِ أَنَّ حِيَازَتَهُ قَبْلَهُ (لَا يُفِيدُ) الْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ اخْتِصَاصَ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ فَيُحَاصِصُهُ فِيهِ سَائِرُ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ الْأَمِينُ لِلْمُرْتَهِنِ بِسَبْقِ حَوْزِهِ مَانِعَهُ، بَلْ (وَلَوْ شَهِدَ الْأَمِينُ) الَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَ مَانِعِهِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ دَعْوَى. وَأَشَارَ بِلَوْ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ. طفي لَيْسَ مُرَادُهُ حُدُوثَ الْحَوْزِ بَعْدَ الْمَانِعِ لِأَنَّ هَذَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَبَطَلَ بِمَوْتِ رَاهِنِهِ وَفَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ وُجُودَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْمَانِعِ لَا يُفِيدُ مَعَ دَعْوَاهُ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَهُ وَعَلَيْهِ تَأْتِي الْمُبَالَغَةُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ شَهِدَ الْأَمِينُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَدُ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْفَلْسِ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحَوْزُ وَإِنْ اتَّفَقَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلُ.
الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا ادَّعَى فِيمَا هُوَ مَحُوزٌ بِيَدِهِ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ الْقَائِمِ الْآنَ بِالرَّاهِنِ فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ عَنْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ شَهِدَ لَهُ الْأَمِينُ الَّذِي وُضِعَ الرَّهْنُ تَحْتَ يَدِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحَوْزُ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لَهُ قَبْلَهُ.
(وَهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ) أَيْ الْقَبْضِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْمَانِعِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا التَّحْوِيزَ وَلَا عَايَنُوهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَوْنُهُ بِتَحْوِيزِ الرَّاهِنِ. ابْنُ عَاتٍ (وَبِهِ) أَيْ الْقَوْلِ بِكِفَايَةِ بَيِّنَةِ
أَوْ التَّحْوِيزُ؟ تَأْوِيلَانِ. وَفِيهِمَا دَلِيلُهُمَا
ــ
[منح الجليل]
الْحَوْزِ (عُمِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ حُكِمَ (أَوْ) لَا تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى (التَّحْوِيزِ) أَيْ تَسْلِيمِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِأَمِينٍ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ. ابْنُ نَاجِي يَكْفِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِ كَفَى بِاخْتِلَافٍ (وَفِيهَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ (دَلِيلُهُمَا) أَيْ مُفِيدُ الْقَوْلَيْنِ. تت فَدَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْلُ هِبَتِهَا إنْ قَبَضَ الْهِبَةَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ جَازَ قَبْضُهُ إذْ يُقْضَى عَلَى الْوَاهِبِ بِذَلِكَ إذَا مَنَعَهُ.
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَ الرَّهْنِ كَذَلِكَ. وَدَلِيلُ الثَّانِي كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ عُمُومِ قَوْلِ هِبَتِهَا لَا يُقْضَى بِالْحِيَازَةِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِحَوْزِهِ فِي حَبْسٍ أَوْ رَهْنٍ. أَوْ هِبَةٍ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِشْهَادِ أَوْ الْإِقْرَارِ لَغْوٌ فِي الْحَوْزِ، وَكَانَ يَجْرِي فِي الْمُذَاكَرَاتِ أَنَّ التَّحْوِيزَ شَرْطٌ فِي حَوْزِ الرَّهْنِ لَا يَكْفِي الْحَوْزُ دُونَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ اهـ.
الْحَطّ أَشَارَ بِهَذَا لِظَاهِرِ كَلَامِهَا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَنَصُّهُ وَلَا يُقْضَى بِالْحِيَازَةِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِحَوْزِهِ فِي حَبْسٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُعْطِي فِي صِحَّتِهِ أَنَّ الْمُعْطِيَ قَدْ حَازَ وَقَبَضَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ فَلَا يُقْضَى بِهِ إنْ أَنْكَرَ وَرَثَتُهُ حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ. اهـ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَيْهِمَا أَنَّ قَوْلَهَا حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَوْزِ الْحِيَازَةُ وَالِاسْتِيلَاءُ وَوَضْعُ الْيَدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّحْوِيزُ وَالتَّسْلِيمُ وَالدَّفْعُ.
وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ مُحْتَمِلَةً لِلْقَوْلَيْنِ وَهِيَ كَعِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَدُ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحَوْزُ وَإِنْ اتَّفَقَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ مُعَايِنَةٍ أَنَّهُ حَازَ قَبْلَهُ الْمُصَنِّفِ، يَعْنِي إذَا وُجِدَ بِيَدِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عِنْدَ شَخْصٍ سِلْعَةٌ لِلْمَدِينِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا رَهْنٌ عِنْدَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ وَافَقَهُ الرَّاهِنُ خَشْيَةَ أَنْ يَتَقَارَّا لِإِسْقَاطِ حَقِّ بَاقِي الْغُرَمَاءِ. عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. مُحَمَّدٌ صَوَابُهُ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا مُعَايَنَةُ الْحَوْزِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَيْنِ أَيْ هَلْ يُكْتَفَى بِمُعَايَنَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْحَوْزِ أَوْ التَّحْوِيزِ وَاخْتَارَ الْبَاجِيَّ الْحَوْزَ، قَالَ وَعِنْدِي لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ وُجِدَ بِيَدِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ لَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، وَلَعَلَّهُ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ خِلَافُهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ حَازَهُ كَانَ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْحِيَازَةَ. ثُمَّ قَالَ فِي ضَيْح قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِمُعَايَنَةٍ أَنَّهُ حَازَ يَحْتَمِلُ كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمُعَايَنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّحْوِيزِ اهـ. الْحَطّ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، فَعُلِمَ صِحَّةُ قَوْلِهِ وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا وَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ و " غ " اهـ. الْبُنَانِيُّ وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ النَّاصِرِ وَنَصُّ ابْنِ عَاتٍ إنْ كَانَتْ الْحِيَازَةُ بِالْمُعَايَنَةِ جَازَ وَيَخْرُجُ مِنْ إدَارَتِهِ إلَى إدَارَةِ الْمُرْتَهِنِ وَمِلْكِهِ وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بِيَدِهِ وَقَدْ حَازَهُ كَانَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْحِيَازَةَ وَلَا عَايَنُوهَا لِأَنَّهُ صَارَ مَقْبُوضًا وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَبِهِ عُمِلَ إشَارَةً لِكَلَامِ ابْنِ عَاتٍ.
" غ " أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا لِقَوْلِ الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا تَنْفَعُ الشَّهَادَةُ فِي حِيَازَةِ الرَّهْنِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ فِي تَقَارُرِ الْمُتَرَاهِنِينَ بِالْحِيَازَةِ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِمَا إذْ قَدْ يُفْلِسُ الرَّاهِنُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِالْحِيَازَةِ وَلَوْ وُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ تَفْلِيسِ الرَّاهِنِ فَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَهُ قَبْلَهُ وَجَحَدَهُ الْغُرَمَاءُ لَجَرَى عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الصَّدَقَةِ تُوجَدُ بِيَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ فَيَدَّعِي قَبْضَهَا فِي صِحَّتِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِلْغُرَمَاءِ لَوَجَبَ تَصْدِيقُ الرَّاهِنِ وَقَبُولُ إقْرَارِهِ لِأَنَّهُ قَدْ حَازَ الرَّهْنَ فَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَى حَقِّهِ إلَى مَبْلَغِ قِيمَتِهِ. اهـ. وَنَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ، فَأَنْتَ تَرَى الْمُصَنِّفَ نَزَّلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إذْ رَدَّ دَلِيلَ الْمُدَوَّنَةِ لِبَيِّنَةِ الْحَوْزِ وَالتَّحْوِيزِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا إذَا وُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ مُرْتَهِنِهِ بَعْدَ تَفْلِيسِ الرَّاهِنِ فَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَهُ قَبْلَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ فِي الرَّهْنِ يُوجَدُ بِيَدِ مُرْتَهِنِهِ بَعْدَ مَوْتِ رَاهِنِهِ
وَمَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ، وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ
ــ
[منح الجليل]
يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَوْزِهِ فِي صِحَّتِهِ، وَكَذَا الْهِبَةُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ سَبَبُ الْخِلَافِ الِاسْتِصْحَابَانِ اسْتِصْحَابُ مِلْكٍ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ وَاسْتِصْحَابُ أَنَّ هَذَا الِانْتِقَالَ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ اهـ فَتَأَمَّلْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ تَنْزِيلِ الْمُصَنِّفِ. تت تَتِمَّةُ صِفَةِ قَبْضِ الرَّهْنِ. الْمَازِرِيُّ نَقَلَ التَّصَرُّفَ فِيهِ عَنْ رَاهِنِهِ لِمُرْتَهِنِهِ فَمَا يُنْقَلُ يَنْقُلُهُ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ يَدِ أَمِينٍ وَمَا يُنْقَلُ كَالرُّبْعِ يَصْرِفُ التَّصَرُّفَ فِيهِ عَنْ رَاهِنِهِ لِمُرْتَهِنِهِ.
وَإِنْ كَانَ بَيْتًا بِهِ مَتَاعُ رَاهِنِهِ فَإِنْ وَلِيَ الرَّاهِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَطَلَ حَوْزُهُ وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ فَقِيلَ حَوْزٌ وَفِيهِ نَظَرٌ.
(وَ) إنْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ قَبْلَ حَوْزِهِ عَنْهُ (مَضَى بَيْعُهُ) أَيْ الرَّهْنِ إذَا بَاعَهُ رَاهِنُهُ قَبْلَ (قَبْضِهِ) أَيْ الرَّهْنِ مِنْ رَاهِنِهِ (إنْ فَرَّطَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (مُرْتَهِنُهُ) أَيْ الرَّهْنِ فِي قَبْضِهِ مِنْ رَاهِنِهِ وَبَقِيَ دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ مُرْتَهِنُهُ فِي قَبْضِهِ بِأَنْ جَدَّ فِي طَلَبِهِ وَبَادَرَ الرَّاهِنُ بِبَيْعِهِ (فَتَأْوِيلَانِ) فِي فَهْمِ قَوْلِهَا وَإِنْ بِيعَتْ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةٌ عَلَى أَنْ يَرْهَنَ عِنْدَك فِي ثَمَنِهَا مَيْمُونًا بِحَقِّك فَفَارَقَك قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ، وَلَك أَخْذُهُ مِنْهُ رَهْنًا مَا لَمْ تَقُمْ الْغُرَمَاءُ فَتَكُونُ أُسْوَتَهُمْ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِك إيَّاهُ مَضَى بَيْعُهُ وَلَيْسَ لَك عَلَيْهِ رَهْنٌ غَيْرُهُ لِأَنَّ تَرْكَك إيَّاهُ حَتَّى بَاعَهُ كَتَسْلِيمِك إيَّاهُ وَبَيْعُك الْأَوَّلُ غَيْرُ مُنْتَقِضٍ، فَفَهِمَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلَهَا لِأَنَّ تَرْكَك إيَّاهُ. . . إلَخْ عَلَى أَنَّهُ فَرَّطَ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ تَرْكَك إيَّاهُ. . . إلَخْ وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ وَلَمْ يَتَرَاخَ لَمْ يَمْضِ الْبَيْعُ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَلِلْمُرْتَهِنِ رَدُّ الْبَيْعِ إنْ أَرَادَ، فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ كَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَهَذَا فَهْمُ ابْنِ الْقَصَّارِ، وَفَهِمَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى مُضِيِّهِ وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا، وَفَهِمَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ مُضِيِّ الْبَيْعِ مُطْلَقًا فَرَّطَ أَمْ لَا وَيُخَيَّرُ فِي بَيْعِهِ الْأَوَّلِ بَيْنَ فَسْخِهِ وَأَخْذِ سِلْعَتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَقِيمَتِهَا إنْ فَاتَتْ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهَا بِشَرْطِ هَذَا الرَّهْنِ الْمُعَيَّنِ، فَلَمَّا فَوَّتَهُ كَانَ أَحَقَّ بِسِلْعَتِهِ وَإِمْضَائِهِ وَإِبْقَاءِ دَيْنِهِ بِلَا رَهْنٍ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَعْنَى مَا فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ أَدْخَلَهُ بَعْضُهُمْ فِي كَلَامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْمُصَنِّفُ فَقَالَ مَا نَصُّهُ تَحْقِيقُ مَا هُنَا أَنَّ لِلشُّيُوخِ فِي فَهْمِ الْمُدَوَّنَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ.
الْأُولَى: إذَا لَمْ يُفَرِّطْ يَمْضِي الْبَيْعُ وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِرَهْنٍ آخَرَ وَيُخَيَّرُ فِي فَسْخِ بَيْعِهِ الْأَوَّلِ وَإِمْضَائِهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَمَنْ مَعَهُ.
الثَّانِيَةُ: يَمْضِي الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ وَالثَّمَنُ رَهْنٌ وَهَذِهِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ.
وَالثَّالِثَةُ: تَخْيِيرُ الْمُرْتَهِنِ بَيْنَ رَدِّ بَيْعِهِ وَإِمْضَائِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ فَالثَّمَنُ رَهْنٌ وَهَذِهِ لِابْنِ الْقَصَّارِ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَفِي الْمُضِيِّ وَالتَّخْيِيرِ قَوْلَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَسْقُطُ طَلَبُ الرَّهْنِ وَيُخَيَّرُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَوْ يَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا قَوْلَانِ، فَقَوْلُهُ وَمَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْ وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ رَهْنٍ آخَرَ اتِّفَاقًا إنْ فَرَّطَ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ هُوَ إمَّا الْإِمْضَاءُ فَقَطْ وَالثَّمَنُ رَهْنٌ وَإِمَّا التَّخْيِيرُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ وَإِلَّا خُيِّرَ أَنَّ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ لِحَمْلِهِمَا الْمُدَوَّنَةَ عَلَى التَّفْرِيطِ. فَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَفِي الْإِمْضَاءِ وَسُقُوطِ الرَّهْنِ وَعَدَمِ الْإِمْضَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الصَّادِقِ بِالْإِمْضَاءِ وَرَهْنُ الثَّمَنِ وَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ فَتَأَمَّلْ الْمُقَامَ فَإِنَّهُ قَدْ زَلَّتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَالْأَقْلَامُ. اهـ. وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّيْخُ الْمِسْنَاوِيُّ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَأَوَّلَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ فَرَّطَ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ تَرْكَك إيَّاهُ إلَخْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا تَوَانٍ لَكَانَ لَهُ مَقَالٌ فِي رَدِّ الْبَيْعِ، فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ مُشْتَرِيه كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ تَرَاخَى فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاخَ فَبَادَرَ الرَّاهِنُ لِلْبَيْعِ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ وَمَضَى الْبَيْعُ وَكَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا فُسِخَ الْبَيْعُ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ فَلَمَّا فَوَّتَهُ الرَّاهِنُ بِبَيْعِهِ كَانَ أَحَقَّ بِسِلْعَتِهِ. فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَفِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَسُقُوطِ الرَّاهِنِ كَمَا فِي التَّفْرِيطِ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ وَإِمْضَائِهِ وَجَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَعَدَمُ إمْضَائِهِ لِلْمُرْتَهِنِ رَدُّهُ وَجَعْلُ الرَّهْنِ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ الْقَصَّارِ.
وَبَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ، أَوْ دَيْنُهُ عَرْضًا
، وَإِنْ أَجَازَ تَعَجَّلَ
ــ
[منح الجليل]
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَيَّدَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ إمْضَاءَ بَيْعِ الرَّهْنِ وَعَدَمَ طَلَبِ الرَّاهِنِ بِرَهْنٍ آخَرَ بِمَا إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ، فَلَوْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا فَرَّطَ أَمْ لَا حَتَّى يَأْتِيَ رَهْنٌ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ شُيُوخَ الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ لَمْ يَفُتْ وَأَخْذُ الرَّهْنِ. وَإِنْ فَاتَ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا أَوْ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا وَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ الصَّادِرِ مِنْ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ، وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ عَنْ نَفْسِهِ. وَنُقِلَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ لَهُ رَدُّ بَيْعِهِ وَيُوضَعُ لَهُ رَهْنٌ مَكَانَهُ.
الثَّالِثُ: كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُشْتَرَطِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ. وَأَمَّا الْمُتَطَوِّعُ بِهِ بَعْدَهُمَا فَحُكْمُ بَيْعِهِ كَحُكْمِ بَيْعِ الْهِبَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَالثَّمَنُ لِلْمُعْطَى، رُوِيَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِهِمَا، فَيُقَالُ هُنَا هَلْ الثَّمَنُ لِلرَّاهِنِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا، أَوْ يَكُونُ رَهْنًا نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
الرَّابِعُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ عَلَى رَهْنٍ مَضْمُونٍ ثُمَّ سَمَّى لَهُ رَهْنًا ثُمَّ بَاعَهُ فَلَا كَلَامَ أَنَّ بَيْعَهُ مَاضٍ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِبَدَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْحَطّ.
(وَ) إنْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (بَعْدَهُ) أَيْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ بِلَا إذْنِهِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (رَدُّهُ) أَيْ بَيْعِ الرَّهْنِ (إنْ بِيعَ) الرَّهْنُ (ب) ثَمَنٍ (أَقَلَّ) مِنْ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرْضًا مِنْ بَيْعٍ كَانَ أَوْ قَرْضٍ لِضَرَرِهِ بِهِ (أَوْ) بَيْعٍ بِقَدْرِهِ أَوْ أَكْثَرَ وَكَانَ (دَيْنُهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (عَرْضًا) مِنْ بَيْعٍ إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ قَبُولُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ أَيْضًا، فَإِنْ بَاعَهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ الْعَرْضِ مِنْ قَرْضٍ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ رَدُّهُ وَيَتَعَجَّلُ دَيْنُهُ إنْ شَاءَ
(وَإِنْ أَجَازَ) الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ بِأَقَلَّ أَوْ بِالْمِثْلِ وَدَيْنُهُ عَرْضٌ مِنْ بَيْعٍ (تَعَجَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ الْمَرْهُونَ فِيهِ قَبْلَ أَجَلِهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ فَإِنْ وَفَّى بِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا اتَّبَعَ الرَّاهِنُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ لِيَتَعَجَّلَ، هَذِهِ طَرِيقَةُ
وَبَقِيَ إنْ دَبَّرَهُ
، وَمَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَكِتَابَتُهُ، وَعَجَّلَ وَالْمُعْسِرُ يَبْقَى
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ رُشْدٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
(وَ) إنْ دَبَّرَ الرَّاهِنُ الرَّقِيقَ الْمَرْهُونَ (بَقِيَ) الرَّقِيقُ الرَّهْنُ رَهْنًا (إنْ دَبَّرَهُ) الرَّاهِنُ بَعْدَ رَهْنِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ التَّدْبِيرُ كَالْعِتْقِ فَيُعَجِّلُ الْمُوسِرُ الدَّيْنَ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ. عب أَيْسَرَ الرَّاهِنُ أَوْ أَعْسَرَ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ أَمْ لَا، هَذَا ظَاهِرُهُ كَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِهَا إنْ دَبَّرَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ لَا يُقَالُ تَقَدَّمَ أَنَّ رَهْنَ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ ابْتِدَاءً فَلَا يُتَوَهَّمُ بُطْلَانُ الرَّهْنِ بَطَرٌ وَالتَّدْبِيرُ فَائِدَةٌ لِلنَّصِّ عَلَى هَذَا لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُدَبَّرِ ابْتِدَاءً حَيْثُ كَانَ إنَّمَا يُبَاعُ إنْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَلَا مَالَ لَهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَقُّ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى أَنْ يُبَاعَ إذَا حَلَّ الْحَقُّ وَسَيِّدُهُ حَيٌّ وَالدَّيْنُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ تَدْبِيرِهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ، وَأَمَّا طُرُوُّ التَّدْبِيرِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ إذَا حَلَّ الْحَقُّ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ لِلْمُرْتَهِنِ.
(وَ) إنْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ رَقِيقَهُ الْمَرْهُونَ (مَضَى عِتْقُ) الرَّاهِنِ (الْمُوسِرِ) رَقِيقُهُ الْمَرْهُونُ (وَ) إنْ كَاتَبَهُ مَضَتْ (كِتَابَتُهُ) أَيْ الْمُوسِرُ وَيُعَجِّلُ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِمَا وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ رَهْنٍ آخَرَ وَظَاهِرُهُ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَشْعَرَ تَعْبِيرُهُ بِالْمُضِيِّ بِعَدَمِ الْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَصَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهُ أَفَادَهُ تت. الْحَطّ أَفَادَ بِقَوْلِهِ مَضَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَكَذَا تَدْبِيرُهُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَوْزِ أَوْ بَعْدَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ فِي سَمَاعِ عِيسَى.
(وَعَجَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (الرَّاهِنُ الدَّيْنَ لِلْمُرْتَهِنِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ.
أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ ظَاهِرُ تَأْوِيلِ ابْنِ يُونُسَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ قَبُولُ رَهْنٍ آخَرَ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّاهِنِ بَعْدَ رِضًا بِتَعْجِيلِهِ وَمَحَلُّ تَعْجِيلِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ كَالْعَيْنِ مُطْلَقًا وَالْعَرْضِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ وَرَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِهِ، وَإِلَّا فَفِي غُرْمِ الرَّاهِنِ قِيمَتَهُ وَتُرْهَنُ وَإِتْيَانِهِ بِرَهْنِ مِثْلِهِ وَبَقَائِهِ رَهْنًا بِحَالِهِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ تَرَدُّدٌ (وَ) الرَّاهِنُ (الْمُعْسِرُ) إذَا أَعْتَقَ رَقِيقَهُ الْمَرْهُونَ أَوْ كَاتَبَهُ (يَبْقَى) رَهْنُهُ بِحَالِهِ لِلْأَجَلِ، فَإِنْ أَيْسَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَخَذَ مِنْهُ الدَّيْنَ وَنَفَذَ عِتْقُهُ وَكِتَابَتُهُ وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُمَا بِقَدْرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ إنْ وُجِدَ مَنْ يَشْتَرِي بَعْضًا وَيُعْتِقُ بَاقِيهِ.
فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ، بِيعَ كُلُّهُ، وَالْبَاقِي لِلرَّاهِنِ
وَمُنِعَ الْعَبْدُ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ الْمَرْهُونُ هُوَ مَعَهَا
ــ
[منح الجليل]
(فَإِذَا تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ الَّذِي أَعْتَقَهُ الْمُيَسَّر بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ (بِيعَ) الرَّقِيقُ (كُلُّهُ) بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَوَفَّى الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ (وَالْبَاقِي) مِنْهُ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ مِلْكٌ (لِلرَّاهِنِ) يَفْعَلُ بِهِ مَا يَشَاءُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا أَوْجَبَ بَيْعَهُ فِي هَذَا الْحَالِ صَيَّرَ الْبَاقِي مِلْكًا لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ بِيعَ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ الدَّيْنِ. . إلَخْ مُسْلِمٌ فِي الْعِتْقِ وَغَيْرُ مُسْلِمٍ فِي الْكِتَابَةِ. فَفِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ بَعْدَ أَجَلِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ. . . إلَخْ مَا نَصَّهُ أَشْهَبُ، وَإِنَّمَا يُبَاعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فِي الْعِتْقِ وَأَمَّا فِي الْوِلَادَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ فَيُبَاعُ الرَّقِيقُ كُلُّهُ وَفَضْلُ ثَمَنِهِ لِسَيِّدِهِ إذْ لَا يَكُونُ بَعْضُ أُمِّ وَلَدٍ وَلَا بَعْضُ مُكَاتَبٍ وَلَا بَعْضُ مُدَبَّرٍ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَيَّدَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ عَزَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَنَصَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَاتَبَ الرَّاهِنُ عَبْدَهُ بَعْدَ رَهْنِهِ يَبْقَى مُكَاتَبًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْسُرُ سَيِّدُهُ يَوْمَ الْأَجَلِ فَلَا يَكُونُ فِي ثَمَنِ الْكِتَابَةِ إذَا بِيعَتْ وَفَاءَ الدَّيْنِ فَتَبْطُلُ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ إنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ وَمَضَتْ الْكِتَابَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ نُقِضَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا مِثْلَ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَفَاءٌ بِهِ نُقِضَتْ كُلُّهَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَعْضُهُ مُكَاتَبًا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ الْحَقُّ مُعَجَّلًا وَمَضَى عِتْقُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَفِي الْعَبْدِ فَضْلٌ بِيعَ مِنْهُ وَقُضِيَ الدَّيْنُ وَأَعْتَقَ الْفَضْلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حِينَئِذٍ فَضْلٌ اهـ.
(وَمُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (الْعَبْدُ) الْمَرْهُونُ مَعَ أَمَتِهِ (مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (الْمَرْهُونِ هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (مَعَهَا) أَيْ أَمَتِهِ بِأَنْ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الرَّهْنِ أَوْ رَهَنَ بِمَالِهِ فَدَخَلَتْ، وَلَوْ قَالَ الْمَرْهُونَةُ مَعَهُ لَشَمِلَ الصُّورَتَيْنِ أَيْضًا وَأَوْلَى إذَا رُهِنَتْ وَحْدَهَا، وَعِلَّتُهُ إنْ رَهَنَهَا يُشْبِهُ انْتِزَاعَهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لَهَا لِبَيْعِهَا وَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا يُحَدُّ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ
وَحُدَّ مُرْتَهِنٌ وَطِئَ،
ــ
[منح الجليل]
وَيَسْتَمِرُّ إلَى فَكِّهَا مِنْ الرَّهْنِ فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِلَا تَجْدِيدِ تَمْلِيكٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ رَهْنُهَا انْتِزَاعٌ لَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِتَمْلِيكٍ جَدِيدٍ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ أَمَتُهَا أَنَّ لَهُ وَطْءَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِسَيِّدِهِ بَعْدَ رَهْنِهَا كَمَا إذَا بَاعَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ عِصْمَتِهِ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ مَعَهَا أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ وَحْدَهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَالْمَرْهُونُ صِفَةٌ لِأَمَةٍ فَهُوَ بِالْجَرِّ وَأُبْرِزَ الضَّمِيرُ لِجَرَيَانِهِ عَنْ غَيْرِ مَأْهُولِهِ.
(وَحُدَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ (مُرْتَهِنٌ) بِكَسْرِ الْهَاءِ (وَطِئَ) الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ عِنْدَهُ بِلَا إذْنٍ مِنْ رَاهِنِهَا إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمِلْكِ وَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ رُهِنَ مَعَهَا وَبِيعَ لِأَنَّهُ ابْنُ زِنَا فَلَا نَسَبَ لَهُ بِالْمُرْتَهِنِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ وَطِئَهَا أَيْ الْمُرْتَهِنُ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ عِنْدَهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ حُدَّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ مَعَ الْأَمَةِ رَهْنًا وَعَلَيْهِ لِلرَّاهِنِ مَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا إذَا أَكْرَهَهَا. وَكَذَا إذَا طَاوَعَتْهُ وَهِيَ بِكْرٌ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ اهـ.
ابْنُ يُونُسَ وَالصَّوَابُ أَنَّ عَلَيْهِ نَقْصَهَا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ زَانِيَةً وَفِي الطَّوْعِ هِيَ زَانِيَةٌ فَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى سَيِّدِهَا عَيْبًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ غُرْمُ قِيمَتِهَا، وَنَحْوُ هَذَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ، أَنَّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ مَا نَقَصَهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِمَّا نَقَصَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا كَالْحُرَّةِ اهـ.
أَبُو الْحَسَنِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الطَّوْعِ أَحَدُهَا، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ. الثَّانِي عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُخْدَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُغْتَصَبَةِ. اهـ. فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا فِي الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا. وَفِي الطَّوْعِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا عَلَى الرَّاجِحِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَرَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا أَيْضًا، وَقَوْلُهُ فَوَلَدَتْ أَبُو الْحَسَنِ يُرِيدُ كَذَا إنْ لَمْ تَلِدْ مِنْهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
يَعْنِي يُحَدُّ سَوَاءٌ حَمَلَتْ أَمْ لَا. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اشْتَرَى الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْأَمَةَ وَوَلَدَهَا لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ وَلَدُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنُوقِضَ قَوْلُهَا لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهَا لَوْ كَانَ جَارِيَةً فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، إذْ رُبَّمَا أُخِذَ مِنْ عَدَمِ عِتْقِهِ إبَاحَةَ وَطْئِهَا كَقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَجَوَابُ بَعْضِ الْمَغَارِبَةِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ لَا يَخْفَى سُقُوطُهُ عَلَى مُنْصِفٍ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَأْثِيرَ مَانِعِ احْتِمَالِ الْبُنُوَّةِ فِي حِلَّةِ الْوَطْءِ أَخَفُّ مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي رَفْعِ الْمِلْكِ بِالْعِتْقِ. اهـ. وَانْظُرْ الْبُنَانِيَّ.
إلَّا بِإِذْنٍ، تُقَوَّمُ بِلَا وَلَدٍ. حَمَلَتْ، أَمْ لَا
. وَلِلْأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ، إنْ لَمْ يَقُلْ: إنْ لَمْ آتِ:
ــ
[منح الجليل]
وَيُحَدُّ الْمُرْتَهِنُ بِوَطْءِ الْمَرْهُونَةِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) حَالَ وَطْئِهَا (بِإِذْنِ) مَنْ رَاهَنَهَا فِي وَطْئِهَا فَلَا يُحَدُّ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ عَطَاءٍ بِجَوَازِ التَّحْلِيلِ (وَتُقَوَّمُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالْوَاوِ مُشَدَّدَةً الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ فِي وَطْئِهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِرَفْعِ إعَارَةِ الْفَرْجِ وَحْدَهَا (بِلَا وَلَدٍ) لِتَخَلُّقِهِ حُرًّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي وَطْئِهَا مُوسِرًا كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ مُعْسِرًا سَوَاءٌ (حَمَلَتْ) الْأَمَةُ مِنْ وَطْءِ مُرْتَهِنِهَا (أَمْ لَا) الْجَلَّابُ وَمَنْ ارْتَهَنَ أَمَةً فَوَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَوَلَدُهَا رَهْنٌ مَعَهَا يُبَاعُ بِبَيْعِهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَإِحْلَالُهَا لَهُ وَلَمْ تَحْمِلْ لَزِمَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتُهَا وَقَاصَّ الرَّاهِنُ بِهَا مِنْ حَقِّهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَمَلَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا دُونَ قِيمَةِ وَلَدِهَا وَيُقَاصُّ بِهَا مِنْ حَقِّهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ.
(وَ) إنْ جَعَلَ الرَّهْنَ بِيَدِ أَمِينٍ وَحَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّاهِنِ فَ (لِلْأَمِينِ) عَلَى الرَّهْنِ (بَيْعُهُ) أَيْ الرَّهْنِ لِتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ (بِإِذْنٍ) مِنْ الرَّاهِنِ لِلْأَمِينِ (فِي) بَيْعِهِ حَصَلَ هَذَا الْإِذْنُ مِنْهُ حَالَ (عَقْدِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ الْبَيْعَ أَوْ الْقَرْضَ الْمَرْهُونَ فِيهِ وَأَوْلَى إنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَوْكِيلٍ سَالِمٍ عَنْ تَوَهُّمِ إكْرَاهِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ إذْنِهِ فِي الْعَقْدِ فَيُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ لِضَرُورَتِهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ، وَظَاهِرُهُ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ. وَحَكَى الْمُتَيْطِيُّ خِلَافًا فِي دَيْنِ الْقَرْضِ وَلَا يَحْتَاجُ الْأَمِينُ لِإِذْنٍ مِنْ الرَّاهِنِ غَيْرِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ وَلَا مِنْ الْحَاكِمِ، وَمَفْهُومٌ بِإِذْنِهِ مَنْعُهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَمَفْهُومٌ فِي عَقْدِهِ جَوَازُهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى.
وَمَحَلُّ جَوَازِ بَيْعِ الْأَمِينِ (إنْ لَمْ يَقُلْ) الرَّاهِنُ فِي صِيغَةِ إذْنِهِ فِي بَيْعِهِ (إنْ لَمْ آتِ) بِالدَّيْنِ فِي أَجَلِ كَذَا فَبِعْهُ، وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ إذْنًا مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَكْشِفُ عَنْ مَجِيئِهِ أَوْ عَدَمِهِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَسْتَقِلُّ الْأَمِينُ بِالْبَيْعِ إذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ بِشَرْطٍ صَوَابٍ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَوْكِيلٍ سَالِمٍ عَنْ تَوَهُّمِ كَوْنِ الرَّاهِنِ مُكْرَهًا فِيهِ.
كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ، وَإِلَّا مَضَى فِيهِمَا
ــ
[منح الجليل]
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (ك) بَيْعِ (الْمُرْتَهِنِ) الرَّهْنَ فَيَجُوزُ اسْتِقْلَالُهُ بِهِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ (بَعْدَهُ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَمْ يَقُلْ إنْ لَمْ آتِ، فَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ. وَمَفْهُومُ بَعْدَهُ أَنَّهُ إنْ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَالَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْأَمِينُ الْحَاكِمَ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ الَّذِي قَالَ رَاهِنُهُ لَهُ بَعْدَ إنْ لَمْ آتِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ الْمُرْتَهِنُ فِيهِ وَقَدْ كَانَ الْإِذْنُ لَهُ فِيهِ بَعْدَهُ، وَقَالَ إنْ لَمْ آتِ أَوْ حَالَ عَقْدِهِ سَوَاءٌ قَالَ إنْ لَمْ آتِ أَوَّلًا (مَضَى) بَيْعُهُ (فِيهِمَا) أَيْ الْأَمِينِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ ظَاهِرِهِ وَلَوْ لَمْ يَفُتْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَرُدُّ مَا لَمْ يَفُتْ. ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ إنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَنَّهُ مُوَكِّلٌ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ مِثْلُ قَوْلِهِ أَبِيعُك بِكَذَا إلَى أَجَلِ كَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي كَذَا وَأَنَا مُوَكَّلٌ عَلَى بَيْعِهِ دُونَ مُؤَامَرَةِ سُلْطَانٍ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ عَنْ بَيْعِهِ بِمَالِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَقِّ وَهُوَ إسْقَاطُ الْعَنَاءِ عَنْهُ فِي الرَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ إنْ أَلَدَّ بِهِ، وَإِسْقَاطُ الْإِثْبَاتِ عَنْهُ إنْ أَنْكَرَ أَوْ غَابَ، وَهَذَا قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَلَهُ عَزْلُهُ، وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ بَاعَهُ قَبْلَ عَزْلِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي تَوْكِيلِ الرَّاهِنِ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهَا وَكَالَةُ اضْطِرَارٍ لِحَاجَتِهِ إلَى ابْتِيَاعِ مَا اشْتَرَى أَوْ اسْتِقْرَاضِ مَا اُسْتُقْرِضَ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُبَاعُ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا إذَا أَلَدَّ فِي بَيْعِهِ أَوْ غَابَ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ يَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ قُرْبِ غَيْبَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا، وَذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْقَاضِي فَأَشْبَهَ حُكْمَهُ عَلَى الْغَائِبِ. وَأَمَّا لَوْ طَاعَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا وَيُوَكِّلُهُ عَلَى بَيْعِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ لَجَازَ بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ الرَّاهِنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ وَالتَّوْكِيلِ عَلَى بَيْعِهِ. اهـ. نَقَلَهُ الْحَطّ، قَالَ وَضَمِيرُ فِيهِمَا رَاجِعٌ لِمَفْهُومٍ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعٌ بَلْ إذْنُ الْحَاكِمِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِدُونِهِ مَضَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رَسْمٍ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلِمَفْهُومِ إنْ لَمْ يَقُلْ إنْ لَمْ آتِ فَإِنْ
وَلَا يُعْزَلُ الْأَمِينُ، وَلَيْسَ لَهُ إيصَاءٌ بِهِ
، وَبَاعَ الْحَاكِمُ، إنْ امْتَنَعَ
ــ
[منح الجليل]
قَالَهُ فَلَيْسَ لِلْأَمِينِ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِدُونِهِ مَضَى صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
(وَلَا يُعْزَلُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الزَّايِ (الْأَمِينُ) عَلَى الرَّهْنِ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي بَيْعِهِ وَغَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فِي عَزْلِهِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَحْدَهُ أَوْ الْمُرْتَهِنِ وَحْدَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ إلَى أَوْثَقَ مِنْهُ. بُنَانِيٌّ رَادًّا عَلَى عب فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى عَزْلِهِ فَهُوَ لَهُمَا وَلَيْسَ لِلْأَمِينِ عَزْلُ نَفْسِهِ فِي صُورَتَيْهِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْأَمِينِ عَلَى الرَّهْنِ (إيصَاءٌ) عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ سَفَرِهِ (بِ) حِفْظٍ (هـ) أَيْ الرَّهْنِ لِغَيْرِهِ إذَا لَحِقَ فِيهِ لِلْمُتَرَاهِنَيْنِ وَهُمَا لَمْ يَرْضَيَا إلَّا بِأَمَانَتِهِ وَالْأَحْسَنُ وَلَا يَنْفُذُ إيصَاؤُهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ ابْتِدَاءُ عَدَمِ النُّفُوذِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَمِثْلُهُ الْقَاضِي، بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ وَالْمُخَيَّرِ وَالْوَصِيِّ وَإِمَامٍ لِلصَّلَاةِ الَّذِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ إنْ شَرَطَهُ لَهُ الْوَاقِفُ، فَفِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ قَاعِدَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، وَنَصُّهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوصِيَ بِالْقَضَاءِ لِغَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْقَضَاءِ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، وَالْمَعْنَى الَّذِي تَنْضَبِطُ بِهِ هَذِهِ الْأُصُولُ عَلَى اخْتِلَافِهَا أَنَّ مَنْ مَلَكَ حَقًّا عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ مَعَهُ عَزْلَهُ فَلَهُ أَنْ يُوصَى بِهِ وَيَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالْخَلِيفَةِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُخَيَّرَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَإِمَامِ الصَّلَاةِ وَكُلِّ مَنْ مَلَكَ حَقًّا عَلَى وَجْهٍ يَمْلِكُ مَعَهُ عَزْلَهُ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقَاضِي وَالْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ وَخَلِيفَةِ الْقَاضِي الْمُقَامِ لِلْأَيْتَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمِنْ يَدِهِ أَخَذَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَبَاعَ الْحَاكِمُ) الرَّهْنَ لِتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ (إنْ امْتَنَعَ) الرَّاهِنُ مِنْ أَدَائِهِ أَوْ أَلَدَّ أَوْ غَابَ. فِي التَّوْضِيحِ إذَا رَفَعَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ أَمَرَ الرَّاهِنَ بِالْوَفَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ قَالَ فِي الْبَيَانِ أَوْ أَلَدَّ أَوْ غَابَ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ الرَّهْنَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ يَتَخَرَّجَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَذَلِكَ عِنْدِي إنْ أَشْبَهَ كَوْنَهُ لَهُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُشْبِهْ كَوْنَهُ لَهُ كَرَهْنِ الرَّجُلِ حُلِيًّا أَوْ ثَوْبًا لَا يُشْبِهُ لِبَاسَهُ وَكَرَهْنِ الْمَرْأَةِ سِلَاحًا فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا لِلسُّلْطَانِ بَعْدَ إثْبَاتِ الْمِلْكِ. ثُمَّ قَالَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ لِلْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ وَمِلْكُ الرَّاهِنِ لَهُ وَيُحَلِّفَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا وَهَبَهُ دَيْنَهُ وَلَا قَبَضَهُ وَلَا أَحَالَهُ بِهِ وَإِنَّهُ لَبَاقٍ عَلَيْهِ إلَى حِينِ قِيَامِهِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ ابْنِ فَرْحُونٍ ابْنُ الْحَاجِبِ يُثْبِتُ اسْتِمْرَارَ مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَى حِينِ حَوْزِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ وَصِحَّةَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ حَوْزَهُ قَبْلَ الْمَانِعِ. ثُمَّ قَالَ الْحَطّ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الرَّاهِنِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ:
وَالْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ.
وَالثَّالِثُ: اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ.
وَالرَّابِعُ: فَتْوَى ابْنِ عَتَّابٍ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا فِي الْعَقَارِ وَهَكَذَا حَصَّلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ.
(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ: هَلْ يَتَوَقَّفُ بَيْعُ الْحَاكِمِ الرَّهْنَ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي سَيَتِمُّ بِهِ ثَمَنُ مِثْلِهِ اخْتَارَ ابْنُ عَرَفَةَ عَدَمَ ذَلِكَ.
الثَّانِي: اخْتَارَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَوْلَى مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ نَصَّ ابْنِ يُونُسَ بِخِلَافِهِ، وَأَنَّهُ اخْتَارَ مَا ذُكِرَ لِأَخْذِهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَمُوَافَقَةِ ابْنِ يُونُسَ فَرَاجِعْهُ.
الثَّالِثُ: اُنْظُرْ هَلْ يُبَاعُ الرَّهْنُ جَمِيعُهُ أَوْ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُوَفَّى الدَّيْنُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ النَّظَرُ فِيهِ فَإِنْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي بَاقِيهِ بِيعَ وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ.
الرَّابِعُ: فِي الْمُنْتَقَى إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَبِيعَ بِعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ تِلْكَ الْفَضْلَةِ. وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيمَا بَقِيَ إنْ شَاءَ تَمَسَّكَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ اهـ.
الْخَامِسُ: الْبُرْزُلِيُّ مَنْ أَثْبَتَ دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ وَبِيعَتْ دَارُهُ فِيهِ ثُمَّ قَدِمَ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ قَضَاءٌ
وَرَجَعَ مُرْتَهِنُهُ بِنَفَقَتِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ، وَلَيْسَ رَهْنًا بِهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ رَهْنٌ بِهَا، وَهَلْ وَإِنْ قَالَ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ؟ تَأْوِيلَانِ.
ــ
[منح الجليل]
فَقَالَ اللَّخْمِيُّ الْبَيْعُ نَافِذٌ. وَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا بَاعَ الرَّهْنَ ثُمَّ أَثْبَتَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ قَضَاهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُنْقَضُ.
السَّادِسُ: فِي الْبَيَانِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَبِيعُ الرَّهْنَ إلَّا بِجُعْلٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجُعْلُ عَلَى طَالِبِ الْبَيْعِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَاجَةِ وَالرَّاهِنُ يَرْجُو دَفْعَ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ. وَقَالَ عِيسَى عَلَى الرَّاهِنِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ أَفَادَهَا الْحَطّ.
(وَ) إذَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ نَفَقَةً مُحْتَاجًا إلَيْهَا (رَجَعَ مُرْتَهِنُهُ) أَيْ الرَّهْنِ عَلَى رَاهِنِهِ (بِنَفَقَتِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الرَّاهِنِ (فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ لَا فِي عَيْنِ الرَّهْنِ عَقَارًا كَانَ الرَّهْنُ أَوْ حَيَوَانًا إنْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي الْإِنْفَاقِ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَنْفِقْ عَلَيْهِ، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ) الرَّاهِنُ (لَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الرَّهْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ غَلَّتَهُ لَهُ وَمَنْ لَهُ الْغَلَّةُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ. فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِأَمْرِ رَبِّهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّاهِنِ. اهـ. حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا، مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ زَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى قِيمَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُؤَنَ تَجْهِيزٍ وَنَحْوِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ أَشْهَبَ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ فَنَفَقَتُهُ فِي عَيْنِ الرَّهْنِ.
(وَلَيْسَ) الرَّهْنُ (رَهْنًا بِهِ) أَيْ مَا أَنْفَقَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ) الرَّاهِنُ (بِأَنَّهُ) أَيْ الرَّهْنَ (رَهْنٌ بِهَا) أَيْ النَّفَقَةِ بِأَنْ قَالَ لَهُ الرَّهْنُ رَهْنٌ بِمَا تُنْفِقُهُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِهَا.
(وَهَلْ) لَا يَكُونُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا بِهَا إنْ لَمْ يَقُلْ وَنَفَقَتُكَ فِي الرَّهْنِ بَلْ (وَإِنْ قَالَ) الرَّاهِنُ أَنْفِقْ (وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ) فَإِنْ قَامَ الْغُرَمَاءُ اُخْتُصَّ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ وَحَاصَصَهُمْ بِالنَّفَقَةِ فِي بَاقِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَهْنًا فِيهَا، أَوْ كَوْنَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
لَيْسَ رَهْنًا بِهِ إنْ لَمْ يَقُلْ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ فَإِنْ قَالَهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِهِ فَيَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الْغُرَمَاءِ بِالرَّهْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ أَيْضًا فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِابْنِ شَبْلُونٍ وَابْنِ رُشْدٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ يُونُسَ وَجَمَاعَةٍ فِي فَهْمِ قَوْلِهَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَا يَكُونُ مَا أَنْفَقَ فِي الرَّهْنِ إذَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ رَبِّهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَلَهُ حَبْسُهُ بِنَفَقَتِهِ وَبِمَا رَهَنَهُ إلَّا أَنْ يَقُومَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِفَضْلَتِهِ عَنْ دَيْنِهِ لِأَجْلِ نَفَقَتِهِ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَنْفِقْ وَالرَّهْنُ بِمَا أَنْفَقْت رَهْنٌ اهـ.
طفي فَهِمَهَا ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ، وَقَوْلُهُ وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِمَا أَنْفَقْت وَجَعَلَ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَرْتِيبُهُ وَلَا يَكُونُ مَا أُنْفِقَ فِي الرَّهْنِ إذَا أُنْفِقَ بِأَمْرِ رَبِّهِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَلَهُ حَبْسُهُ بِمَا أَنْفَقَهُ وَبِمَا رَهَنَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ مِنْهُمْ بِفَضْلَتِهِ عَنْ دَيْنِهِ لِأَجْلِ نَفَقَتِهِ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ، وَأَنْفِقْ وَالرَّهْنُ بِمَا أَنْفَقْت رَهْنٌ، فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالنَّفَقَةِ، فَمَعْنَى أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ أَنْفِقْ لِتَتْبَعَ وَتَأْخُذَ نَفَقَتَك مِنْ الرَّهْنِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُعْطِي رَجُلًا سِلْعَةً وَيَقُولُ بِعْهَا وَاسْتَوْفِ دَيْنَك مِنْ ثَمَنِهَا فَفَلِسَ الدَّافِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ وَهِيَ فِي يَدِك رَهْنُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ الْبَيْعِ، ثُمَّ قَالَ طفي وَفَهِمَهَا ابْنُ شَبْلُونٍ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ لَا مَعَ قَوْلِهِ أَنْفِقْ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ، إذْ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ الرَّهْنِ لَا أَنَّ الرَّهْنَ رَهْنٌ بِهَا قَالَهُ عِيَاضٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: طفي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ، فَفِي إدْخَالِ نَفَقَةِ الْعَقَارِ هُنَا نَظَرٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَلِذَا كَانَتْ فِي الرَّهْنِ لَا فِي ذِمَّتِهِ، وَالْوَاجِبَةُ فِي ذِمَّتِهِ فِي نَفَقَةِ الْعَقَارِ عَلَى الْقَوْلِ يُجْبِرُهُ عَلَى إصْلَاحِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
تَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْرِيقِ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ الْوَاجِبَةُ قَبْلَ رَهْنِهِ بَاقِيَةٌ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ مُفَرِّعًا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ نَفَقَةَ الْعَقَارِ وَأَنَّهَا فِي الرَّهْنِ لَا فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِهَا لَهُ، وَعَلَى اللُّزُومِ تَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى الثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةِ بِيَدِهِ فَقَطْ لَا عَلَى عُمُومِ الْعَقَارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَمَا قُلْنَاهُ قَرَّرَ بِهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَاشِرٍ فِي حَاشِيَتِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ وَرَجَعَ مُرْتَهِنُهُ بِنَفَقَتِهِ فِي الذِّمَّةِ، يَعْنِي الَّتِي شَأْنُهَا الْوُجُوبُ عَلَى الْمَالِكِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَمْلُوكُ رَهْنًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى كَشَجَرٍ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى كَشَجَرٍ أَيْ مِمَّا تُوقَفُ سَلَامَتُهُ عَلَى النَّفَقَةِ وَلَا تَلْزَمُ مَالِكَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا نَفَقَتُهُ، وَبِعَدَمِ اللُّزُومِ فَارَقَتْ هَذِهِ قَوْلَهُ وَرَجَعَ مُرْتَهِنُهُ بِنَفَقَتِهِ فِي الذِّمَّةِ اهـ وَهُوَ صَوَابٌ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْرِيقِ ذِكْرُ الْمُدَوَّنَةِ كُلَّ مَسْأَلَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَتْ وَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِأَمْرِ رَبِّهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَا يَكُونُ مِمَّا أَنْفَقَ فِي الرَّهْنِ إلَى أَنْ قَالَتْ. وَأَمَّا الْمُنْفِقُ عَلَى الضَّالَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ نَفَقَتَهُ اهـ. وَيَدُلُّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالضَّالَّةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ فَقَطْ، ثُمَّ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ الْمُنْهَارِ بِئْرُهُمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الْبُنَانِيُّ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ الْمِسْنَاوِيُّ مَا أَفَادَهُ " ز " مِنْ أَنَّ الْعَقَارَ كَالْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِافْتِقَارِهِ إلَى الْإِصْلَاحِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالنَّفَقَةِ فَيَرْجِعُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْأَشْجَارِ.
الثَّانِي: قِيلَ قَوْلُهُ وَلَيْسَ رَهْنًا بِهِ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الذِّمَّةِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَاشِرٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ كَوْنَهُ رَهْنًا لَا يُنَافِي تَعَلُّقَ الْمَرْهُونِ بِهِ بِالذِّمَّةِ لَهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنَّمَا فَائِدَةُ كَوْنِهَا فِي الذِّمَّةِ أَنَّهَا إذَا زَادَتْ عَلَى الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ بِمَا زَادَ فِي ذِمَّتِهِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ رَهْنًا بِهَا أَمْ لَا.
الثَّالِثُ: اُعْتُرِضَ قَوْلُهُ وَهَلْ وَإِنْ قَالَ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ تَأْوِيلَانِ بِأَنَّهُمَا إنَّمَا وَقَعَا فِي أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَلَى وَالْوَاوِ وَقَدْ يَبْحَثُ
فَفِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ: تَأْوِيلَانِ
ــ
[منح الجليل]
فِيهِ قَالَهُ عج، أَيْ فِي قِيَاسِ الْوَاوِ عَلَى عَلَى بِأَنَّ عَلَى أَظْهَرُ فِي حَبْسِهِ فِي النَّفَقَةِ مَعَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ لِقُرْبِهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ رَهَنَ بِهَا. وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَعْنَى مَعَ عَلَى أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك بِسَبَبِ الرَّهْنِ فَلِذَا جَاءَ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَانِ. وَقِيَاسُ أَنْفِقْ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ عَلَيْهِ فِي جَرَيَانِ التَّأْوِيلَيْنِ ظَاهِرٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ الْآتِي وَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا أَوْ وَعَلَيْك أَلْفٌ لَزِمَ الْعِتْقُ وَالْمَالُ أَفَادَهُ عب.
الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ابْنَ يُونُسَ صَاحِبُ التَّأْوِيلِ الثَّانِي يُفِيدُ أَنَّهُ رَهَنَ بِهَا سَوَاءٌ قَالَ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك رَهْنٌ أَوْ قَالَ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ وَنَصَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَكُونُ مَا أَنْفَقَ فِي الرَّهْنِ إذَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ رَبِّهِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ أَوْ أَنْفِقْ وَالرَّهْنُ بِمَا أَنْفَقْت رَهْنٌ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالنَّفَقَةِ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ غَابَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَنْفِقْ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَالضَّالَّةِ. اهـ. يَنْقُلُ " ق " فَعَبَّرَ مَرَّةً بِعَلَى وَمَرَّةً بِالْوَاوِ وَلِاسْتِوَائِهِمَا، وَكَذَا ابْنُ رُشْدٍ وَنَصُّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْفِقْ عَلَى الرَّهْنِ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِيهِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَا فَضَلَ مِنْ الرَّهْنِ عَنْ حَقِّهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ نَفَقَتَهُ إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِبَقِيَّةِ الرَّهْنِ فِي نَفَقَتِهِ مِنْهُمْ: وَرَأَى أَشْهَبُ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ الرَّهْنِ فِي نَفَقَتِهِ بِقَوْلِهِ أَنْفِقْ وَنَفَقَتُك فِيهِ اهـ. وَعَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مَحَلِّ التَّأْوِيلِ مِثْلَ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ وَفِيهَا لَوْ قَالَ أَنْفِقْ وَالرَّهْنُ بِمَا أَنْفَقْت رَهْنٌ فَهُوَ بِهَا رَهْنٌ، وَلَوْ قَالَ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ فَفِي كَوْنِ فَائِدَتِهِ حَبْسُهُ عَلَى رَبِّهِ فِي النَّفَقَةِ لَا رَهْنًا بِهَا أَوْ رَهْنًا بِهَا قَوْلُ ابْنِ شَبْلُونٍ أَخْذًا بِظَاهِرِهَا وَالصَّقَلِّيُّ مَعَ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مُؤَوِّلًا عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةَ.
وَفَرَّعَ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ فَقَالَ (فَفِي افْتِقَارِ) صِحَّةِ عَقْدِ (الرَّهْنِ لِلَّفْظِ) مِنْ مَادَّتِهِ (مُصَرَّحٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ مُثَقَّلًا (بِهِ) وَهُوَ الْآتِي عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ شَبْلُونٍ وَابْنِ رُشْدٍ وَعَدَمُ افْتِقَارِهِ إلَى لَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ وَهُوَ الْآتِي عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ يُونُسَ (تَأْوِيلَانِ) لَازِمَانِ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِمَا قَالَهُ طفي. الْبُنَانِيُّ أَيْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُمَا تَأْوِيلَانِ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ
وَإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى: كَشَجَرٍ خِيفَ عَلَيْهِ: بُدِئَ بِالنَّفَقَةِ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى عَدَمِ جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَعَلَى التَّقْيِيدِ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ
وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ، إنْ كَانَ بِيَدِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى خَاصَّتِهِ وَهُوَ اخْتِصَاصُ مَنْ حِيزَ لَهُ بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ، وَفِي لُزُومِ كَوْنِ الدَّلَالَةِ مُطَابِقَةً أَوْ تَكْفِي دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ.
(وَإِنْ) رُهِنَ شَجَرٌ أَوْ زَرْعٌ بِبِئْرِهِ فَانْهَارَتْ ف (أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى كَشَجَرٍ) وَزَرْعٍ (خِيفَ عَلَيْهِ) التَّلَفُ بِانْهِدَامِ بِئْرِهِ وَامْتِنَاعِ الرَّاهِنِ مِنْ إصْلَاحِهَا (بُدِئَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مِنْ الرَّهْنِ (بِالنَّفَقَةِ) عَلَيْهِ عَلَى الدَّيْنِ فَيَسْتَوْفِي مِنْ ثَمَنِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ النَّفَقَةَ وَمَا فَضَلَ عَنْهَا كَانَ فِي دَيْنِهِ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ وَفَاتِهِ شَيْءٌ فَهُوَ لِرَبِّهِ أَوْ غُرَمَائِهِ، فَإِنْ قَصَرَ عَنْهَا فَلَا يَتْبَعُ الرَّاهِنَ بِتَمَامِهَا وَعَبَّرَ بِالشَّجَرِ لِيَشْمَلَ النَّخْلَ وَأَدْخَلَ الزَّرْعَ بِالْكَافِ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ بِدُونِ عِلْمِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ.
(وَتُؤُوِّلَتْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً أَيْ فُهِمَتْ الْمُدَوَّنَةُ (عَلَى عَدَمِ جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الرَّهْنِ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ الَّذِي انْهَارَتْ بِئْرُهُ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالتَّطَوُّعِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَرِطًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ، وَيُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ فِي إنْفَاقِهِ لِلْإِصْلَاحِ وَيُبْدَأُ بِهِ وَتَرَكَهُ وَقَدَّمَ هَذَا التَّأْوِيلَ لِقُوَّتِهِ عِنْدَهُ وَإِنْ رَدَّهُ بَعْضُهُمْ (وَ) تَأَوَّلَهَا ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا (عَلَى التَّقْيِيدِ) لِعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَى الْإِنْفَاقِ (بِالتَّطَوُّعِ) بِالرَّهْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرَطُ فِيهِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ. وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ عَقَارِهِ وَعَلَى هَذَا إنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ فَنَفَقَتُهُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ. طفي التَّبْدِئَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ فَلَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَفِي إجْبَارِهِ قَوْلَانِ. وَإِذَا لَمْ يُجْبَرْ فَأَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ فَفِي الشَّجَرِ يُبْدَأُ بِالنَّفَقَةِ وَمَفْهُومُ خِيفَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
(وَضَمِنَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (مُرْتَهِنٌ إنْ كَانَ) الرَّهْنُ (بِيَدِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ حَالَ كَوْنِ الرَّهْنِ
مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ
، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ، أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ، إلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقًا، وَأَفْتَى بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ،
ــ
[منح الجليل]
مِمَّا يُغَابُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ مَعَ وُجُودِهِ كَحُلِيٍّ (وَلَمْ تَشْهَدْ) لِلْمُرْتَهِنِ (بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ) أَيْ الرَّهْنِ أَوْ سَرِقَتِهِ فَيَضْمَنُهُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَرَاءَةَ مِنْ ضَمَانِهِ
بَلْ (وَلَوْ شَرَطَ) الْمُرْتَهِنُ (الْبَرَاءَةَ) مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشَرْطُهَا يُقَوِّيهَا. وَأَشَارَ بِلَوْ لِقَوْلِ أَشْهَبَ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ إنْ شَرَطَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ضَمَانُ أَصَالَةٍ. اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ إنَّمَا يَحْسُنُ خِلَافُهُمَا فِي الرَّهْنِ الْمُشْتَرَطِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ، أَمَّا الرَّهْنُ الْمُتَطَوَّعُ بِهِ فَلَا يَحْسُنُ خِلَافُهُمَا فِيهِ لِأَنَّ تَطَوُّعَهُ بِهِ مَعْرُوفٌ، وَإِسْقَاطُ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ فَهُوَ إحْسَانٌ عَلَى إحْسَانٍ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِلَغْوِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَعْمَالِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ. اهـ. وَحِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ فِي الْعَارِيَّةِ طَرِيقٌ مِنْ طَرِيقَتَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهَا بِقَوْلِهِ وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ تَرَدَّدَ. وَعَطَفَ عَلَى شَرْطٍ فَقَالَ (أَوْ عُلِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ) أَيْ الرَّهْنِ الَّذِي اُعْتِيدَ وَضْعُهُ فِيهِ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ وَضَعَهُ فِيهِ وَاحْتَرَقَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِذَلِكَ فَيَضْمَنُهُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْهُ فِيهِ (إلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ) أَيْ الرَّهْنِ حَالَ كَوْنِهِ (مُحَرَّقًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ أَيْ بِهِ أَثَرُ الْحَرْقِ فَلَا يُقَالُ الصَّوَابُ غَيْرُ مُحَرَّقٍ مَعَ عِلْمِ احْتِرَاقِ مَحَلِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. زَادَ مُحَمَّدٌ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ النَّارَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ خِلَافًا وَهَذَا مُقْتَضَى عَدَمِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَثَّلَ بَقَاءَ بَعْضِهِ مُحَرَّقًا بَقَاؤُهُ مَقْطُوعًا أَوْ مَكْسُورًا أَوْ مَبْلُولًا.
(وَأَفْتَى) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ (بِعَدَمِهِ) أَيْ الضَّمَانِ (فِي) صُورَةِ (الْعِلْمِ) بِاحْتِرَاقِ مَحَلِّ الرَّهْنِ مَعَ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ وَضَعَهُ بِهِ وَاحْتَرَقَ أَفْتَى بِهِ الْبَاجِيَّ حِينَ احْتَرَقَتْ أَسْوَاقُ طَرْطُوشَةَ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُونَ أَنَّ الرُّهُونَ احْتَرَقَتْ فِي حَوَانِيتِهِمْ وَخَالَفَهُمْ الرَّاهِنُونَ، قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَفْعِهِ فِي الْحَوَانِيتِ الَّتِي يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِنَقْلِهِ عَنْهَا
وَإِلَّا فَلَا
، وَلَوْ اشْتَرَطَ ثُبُوتَهُ، إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ
ــ
[منح الجليل]
فَأَحْرَى أَنْ يُصَدَّقَ فِي احْتِرَاقِهِ مَنْ عُرِفَ احْتِرَاقُ حَانُوتِهِ وَبِهِ أَفْتَيْت فِي طَرْطُوشَةَ عِنْدَ احْتِرَاقِ أَسْوَاقِهَا وَكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ، وَظَنِّي أَنَّ بَعْضَ الطَّلَبَةِ أَظْهَرَ لِي رِوَايَةً عَنْ ابْنِ أَيْمَنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. اهـ. فَتَعَقَّبَ الشَّارِحُ الْمُصَنِّفَ بِأَنَّهُ أَخَلَّ بِقَوْلِ الْبَاجِيَّ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ كَلَامُهُ هُنَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ لَمَّا فَتَحَ الرُّومُ الْمُهْدِيَةَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةِ وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَكَثُرَتْ الْخُصُومَاتُ مَعَ الْمُرْتَهِنِينَ وَالصُّنَّاعِ وَفِي الْبَلَدِ مَشَايِخُ مُتَوَافِرُونَ عِلْمًا أَفْتَى جَمِيعُهُمْ بِتَكْلِيفِ الْمُرْتَهِنِينَ وَالصُّنَّاعِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَا عِنْدَهُمْ أَخَذَهُ الرُّومُ، وَأَفْتَيْت بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَكَانَ الْقَاضِي يَعْتَمِدُ فَتَوَايَ لَكِنْ تَوَقَّفَ فِي الْعَمَلِ بِهَا لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَنِي حَتَّى شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّ شَيْخَ الْجَمَاعَةِ السُّيُورِيَّ أَفْتَى بِمَا أَفْتَيْت بِهِ ثُمَّ قَدَّمَ كِتَابَ الْمُنْتَقَى فَذَكَرَ فِيهِ فِي الِاحْتِرَاقِ مِثْلَ مَا أَفْتَيْت بِهِ، وَذَكَرَ كَلَامَ الْبَاجِيَّ السَّابِقَ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ مُعْتَرِضٌ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ قَالَهُ تت.
طفي جَعَلَ فِي كَبِيرِهِ مَحَلَّهُ وَالْمَحَلُّ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الرَّهْنُ عَادَةً ثُمَّ قَالَ وَبِمَا قَرَّرْنَا بِهِ مَحَلَّ الرَّهْنِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَصَاحِبِ التَّكْمِلَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ إلَخْ وَسَبَقَهُ بِذَلِكَ " غ ". ثُمَّ ذَكَرَ الشَّارِحُ فَرْقًا بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الْبَاجِيَّ وَالْمَازِرِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْمُصِيبَةَ عَامَّةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمَازِرِيِّ ثُمَّ صَحَّ بِمَفَاهِيمِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَ بِيَدِهِ إلَخْ لِلْمُبَالَغَةِ عَلَيْهَا وَالتَّفْصِيلِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ أَوْ مَتْرُوكًا فِي مَوْضِعِهِ كَثِمَارٍ فِي رُءُوسِ شَجَرِهَا وَزَرْعٍ بِأَرْضِهِ وَسَفِينَةٍ بِمَرْسَاهَا وَعَرْضٍ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارِ الرَّاهِنِ مُغْلَقٌ عَلَيْهِ وَمِفْتَاحُهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ أَوْ وُجِدَ بَعْضُهُ بِهِ أَثَرُ الْحَرْقِ وَعُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ فَقَطْ عَلَى فَتْوَى الْبَاجِيَّ (فَلَا) يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرَّاهِنُ ضَمَانَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ
بَلْ (وَلَوْ اشْتَرَطَ) الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ (ثُبُوتَهُ) أَيْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ أَحْوَالِ عَدَمِ ضَمَانِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ وَإِلَّا فَلَا فَقَالَ (إلَّا أَنْ) يَدَّعِيَ الْمُرْتَهِنُ تَلَفَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ عِنْدَهُ وَ (يُكَذِّبُهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (عُدُولٌ) بِضَمِّ الْعَيْنِ
فِي دَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ
وَحَلَفَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ
ــ
[منح الجليل]
وَالدَّالِ جَمْعُ عَدْلٍ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ عَدْلَيْنِ وَعَدْلًا وَمَرْأَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَالٌ (فِي دَعْوَاهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (مَوْتَ دَابَّةٍ) مَرْهُونَةٍ عِنْدَهُ بِسَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ تَكْذِيبًا صَرِيحًا بِأَنْ قَالُوا بَاعَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا أَوْ عِنْدَهُ فِي مَحَلِّ كَذَا، أَوْ ضِمْنًا بِأَنْ قَالُوا لَمْ نَعْلَمْ مَوْتَ دَابَّةٍ لَهُ وَنَحْنُ مُلَازِمُونَ لَهُ بِسَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَمَفْهُومُ عُدُولٍ أَنَّهُ لَوْ كَذَّبَهُ غَيْرُهُمْ فَلَا يَضْمَنُ لِاتِّهَامِهِمْ بِكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ.
الْمَازِرِيُّ لَوْ كَذَّبَهُ غَيْرُ عُدُولٍ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحُكْمُ عَنْ تَصْدِيقِهِ لِتَكْذِيبِهِ بِتَكْذِيبِ قَوْمٍ لَيْسُوا بِعُدُولٍ. أَمَّا لَوْ صَدَّقُوهُ لَتَأَكَّدَ ظَنُّ صِدْقِهِ عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَهُمْ، وَيَكْفِي فِي تَصْدِيقِهِ إخْبَارُهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا دَابَّةً مَيِّتَةً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا الرَّهْنُ، كَذَا فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَمِثْلُهُ لِلْبَاجِيِّ زَادَ وَيَحْلِفُ إنَّمَا هِيَ، قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى صِفَةٍ يَغْلِبُ الظَّنُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَ الَّتِي بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ يَكُونُ أَمْرُهَا مُحْتَمِلًا لَهَا وَلِغَيْرِهَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُسْتَصْحَبُ الْحُكْمُ بَعْدَ ضَمَانِ مَا لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ تت.
عب لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ وَقْتَ ضَمَانِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ. " د " فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبَضَهُ مُطْلَقًا أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَرَى عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَضْمَنُهَا يَوْمَ رُؤْيَتِهِ عِنْدَهُ. اهـ. فَإِنْ تَكَرَّرَتْ رُؤْيَتُهُ عِنْدَهُ ضَمِنَهَا يَوْمَ آخِرِ رُؤْيَةٍ. الْبُنَانِيُّ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ضَمِنَ مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ ضَيَاعِهِ أَوْ يَوْمَ ارْتِهَانِهِ قَوْلَانِ وُفِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا ظَهَرَ عِنْدَهُ يَوْمَ دَعْوَى تَلَفِهِ وَالثَّانِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَتَى ضَاعَ.
(وَ) إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَادَّعَى تَلَفَهُ وَلَمْ تَشْهَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ (حَلَفَ) الْمُرْتَهِنُ (فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ) وَأَوْلَى فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ مَعَ غُرْمِ الْقِيمَةِ فَأَوْلَى مَعَ عَدَمِهَا، كَذَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ يَمِينِهِ مَعَ ضَمَانِهِ تُهْمَتَهُ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي تَغْيِيبِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ الْعَمَلُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِي نَقْلِهِ مَالِكٌ " رضي الله عنه فِي مُوَطَّئِهِ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يُؤْخَذْ لِمَنْفَعَةِ رَبِّهِ فَقَطْ فَيَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَلَا لِمَنْفَعَةِ إلَّا آخِذٌ فَقَطْ كَالْقَرْضِ فَيَكُونُ مِنْهُ فَقَطْ، بَلْ أَخَذَ نَهْبًا مِنْهَا فَتَوَسَّطَ فِي حُكْمِهِ وَجَعَلَ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّاهِنِ لِعَدَمِ تُهْمَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَمَا يُغَابُ عَلَيْهِ
أَنَّهُ تَلِفَ بِلَا دُلْسَةٍ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ
وَاسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ، إنْ قُبِضَ الدَّيْنُ، أَوْ وُهِبَ،
ــ
[منح الجليل]
مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِتُهْمَتِهِ وَصِيغَةُ يَمِينِهِ هُنَا مُخْتَلِفَةٌ فَيَحْلِفُ (أَنَّهُ) أَيْ الرَّهْنَ (تَلِفَ بِلَا دُلْسَةٍ) بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ كَذِبٍ فِي دَعْوَى تَلَفِهِ (و) أَنَّهُ ضَاعَ و (لَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ) فِي دَعْوَى ضَيَاعِهِ فَالْوَاو لِلتَّقْسِيمِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرُهُ حَلَفَ مُتَّهَمًا كَانَ أَمْ لَا لِأَنَّهَا يَمِينُ اسْتِظْهَارٍ.
وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُهُ بِلَا دُلْسَةٍ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُدَلِّسْ مَعَ أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا السَّبَبُ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَحْلِفُ تَلِفَ بِسَبَبِهِ أَمْ لَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الدُّلْسَةِ يَضْمَنُ ضَمَانَ الرَّهْنِ وَمَعَهَا ضَمَانُ التَّعَدِّي وَهُوَ يُخَالِفُ الْأَوَّلَ بِالنَّظَرِ لِوَقْتِ الضَّمَانِ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِخْفَاءُ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ ابْنِ مُزَيْنٍ. عِيَاضٌ وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْمُدَوَّنَةَ وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ثَانِيهَا لَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الرَّاهِنُ عِلْمَ دُلْسَتِهِ وَيَحْلِفُ عَلَيْهَا، فَإِنْ حَلَفَ حَلَفَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ. ثَالِثُهَا يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ.
(وَاسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ) أَيْ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ عَلَى مُرْتَهِنِهِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لِرَبِّهِ و (إنْ قَبَضَ) الْمُرْتَهِنُ (الدَّيْنَ) مِنْ الرَّاهِنِ (أَوْ وَهَبَ) الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ لِلرَّاهِنِ أَوْ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِصَدَاقِهَا وَتَبَيَّنَ فَسَادُهُ وَفُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ فِي نِكَاحِ تَفْوِيضٍ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْمَوْضِعُ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا قَرَّرْنَا. وَلَوْ قَالَ وَإِنْ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ لَشَمِلَ مَا زِدْنَاهُ وَأَشَارَ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ أَنَّ الرَّهْنَ بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ هِبَتِهِ يَصِيرُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَبْضُهَا لِمَحْضِ الْأَمَانَةِ وَنَفْعِ رَبِّهَا وَقَبَضَهُ تَوَثُّقًا أَوْ نَفْعًا لَهُمَا الرَّاهِنُ بِأَخْذِ الدَّيْنِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالتَّوَثُّقِ بِهِ فِيهِ أَفَادَهُ عب.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فَالْمَوْضِعُ لِلْمُبَالَغَةِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا اسْتِمْرَارَ قَبْلَهَا فَالْأَوْلَى نَسْخُهُ إنْ قَبَضَ بِلَا وَاوٍ. الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ عَلَى شَخْصٍ دَيْنٌ بِرَهْنٍ وَوَهَبَ الدَّيْنَ لِلْمَدِينِ ثُمَّ ضَاعَ الرَّهْنُ ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، زَادَ وَيَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِيمَا وَهَبَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَهَبْهُ لِيَتْبَعَ ذِمَّتَهُ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ فَيُقَاصِصُهُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ دَفَعَهُ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ زَادَ
إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ يَدْعُوهُ لِأَخْذِهِ، فَيَقُولُ: أَتْرُكُهُ عِنْدَك.
وَإِنْ جَنَى الرَّهْنُ وَاعْتَرَفَ رَاهِنُهُ: لَمْ يُصَدَّقْ إنْ أَعْدَمَ، وَإِلَّا بَقِيَ،
ــ
[منح الجليل]
الدَّيْنُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ هَلْ يُوَافِقُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَشْهَبَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. وَفِي النَّوَادِرِ إذَا تَلِفَ الرَّهْنُ وَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ لِرَاهِنِهِ فَقَالَ أَشْهَبُ الرَّاهِنُ أَحَقُّ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الْقِيمَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ أَحَقَّ بِهِ اهـ. وَاسْتَثْنَى مِنْ أَحْوَالِ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ هِبَتِهِ فَقَالَ (إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِرَاهِنِهِ (أَوْ يَدْعُوهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بَعْدَ بَرَاءَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ (لِأَخْذِهِ) أَيْ الرَّهْنِ بِدُونِ إحْضَارِهِ (فَيَقُولُ) الرَّاهِنُ فِي الثَّانِيَةِ (أَتْرُكُهُ) أَيْ الرَّهْنَ (عِنْدَك) يَا مُرْتَهِنُ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَدِيعَةً لِأَنَّهُ صَارَ أَمَانَةً، فَإِنْ دَعَاهُ لِأَخْذِهِ قَبْلَ بَرَاءَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ اسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ. وَإِنْ أَحْضَرَهُ بَعْدَهَا فَلَا يَضْمَنُهُ وَلَمْ يَقُلْ أَتْرُكُهُ عِنْدَك، وَمِثْلُ إحْضَارِهِ شَهَادَةً بَيِّنَةً بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ يَدْعُوهُ لِأَخْذِهِ إذْ مَتَى قَالَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ أَتْرُكُهُ عِنْدَك وَتَلِفَ بَرِئَ مِنْهُ دَعَاهُ لِأَخْذِهِ أَمْ لَا.
(وَإِنْ جَنَى) الرَّقِيقُ (الرَّهْنُ) بَعْدَ حِيَازَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ أَيْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ (وَاعْتَرَفَ رَاهِنُهُ) بِجِنَايَتِهِ (لَمْ يُصَدَّقْ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا رَاهِنُهُ فِي اعْتِرَافِهِ بِجِنَايَةِ الرَّهْنِ (إنْ أَعْدَمَ) الرَّاهِنُ وَعَجَزَ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَلَوْ بَعْضَهُ حَالَ اعْتِرَافِهِ وَاسْتَمَرَّ أَوْ طَرَأَ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ لِاتِّهَامِهِ عَلَى تَخْلِيصِهِ الرَّهْنَ مِنْ يَدِ مُرْتَهِنِهِ وَدَفَعَهُ فِي الْجِنَايَةِ وَإِبْقَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ فِي ذِمَّتِهِ بِلَا رَهْنٍ وَعَدَمِ تَصْدِيقِهِ بِالنِّسْبَةِ لِدَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيُؤَاخِذُ بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ خَلَصَ الرَّهْنُ مِنْ الدَّيْنِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ، وَإِنْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ اتَّبَعَ مُسْتَحَقُّ الْجِنَايَةِ الرَّاهِنَ بِالْأَقَلِّ مِنْ ثَمَنِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ مُعْدِمًا خُيِّرَ بَيْنَ إسْلَامِهِ لِمُسْتَحِقِّ الْجِنَايَةِ وَفِدَائِهِ مَعَ بَقَائِهِ رَهْنًا فِي الْحَالَيْنِ وَقَدْ أَفَادَ هَذَا بِقَوْلِهِ (بَقِيَ) الرَّهْنُ عَلَى رَهِينَتِهِ سَاقِطًا
إنْ فَدَاهُ؛ وَإِلَّا أُسْلِمَ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَدَفْعِ الدَّيْنِ
وَإِنْ ثَبَتَتْ، أَوْ اعْتَرَفَا وَأَسْلَمَهُ، فَإِنْ أَسْلَمَهُ مُرْتَهِنُهُ أَيْضًا، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمَالِهِ
ــ
[منح الجليل]
حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْهُ (إنْ فَدَاهُ) أَيْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ الرَّاهِنُ الْمَلِيءُ بَقِيَ أَيْضًا مُتَعَلِّقًا بِهِ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ و (أَسْلَمَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْجَانِي الرَّهْنَ (بَعْدَ الْأَجَلِ وَدَفَعَ الدَّيْنَ) لِمُسْتَحِقِّ أَرْشِ الْجِنَايَةِ.
فَإِنْ أَعْدَمَ قَبْلَ دَفْعِهِ أَوْ فَلَّسَ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تُعْرَفْ إلَّا بِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ وَتَوَثُّقُ الْمُرْتَهِنِ بِهِ سَابِقٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَالرَّاهِنُ مَلِيءٌ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ الدَّيْنِ وَعَلَى إسْلَامِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ أَبَى مِنْ فِدَائِهِ أَوَّلًا وَهُوَ مَلِيءٌ ثُمَّ أَرَادَهُ حِينَ الْأَجَلِ وَنَازَعَهُ مُسْتَحَقُّ الْجِنَايَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إذْ لَوْ مَاتَ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ. اهـ. وَسَبَقَهُ إلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ. وَمَحَلُّ قَوْلِهِ وَإِلَّا بَقِيَ إلَخْ إنْ اعْتَرَفَ الرَّاهِنُ الْمَلِيءُ أَنَّهُ جَنَى وَهُوَ رَهْنٌ كَمَا أَفَادَهُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بَعْدَ الرَّهْنِ أَنَّهُ جَنَى قَبْلَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ أَوْ اعْتَرَفَ بِجِنَايَتِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ بَقِيَ رَهْنًا إنْ فَدَاهُ، وَإِنْ أَبَى حَلَفَ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِحَمْلِ جِنَايَتِهِ وَأُجْبِرَ عَلَى إسْلَامِهِ وَتَعْجِيلِ الْحَقِّ إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ وَلَمْ يَرْضَ مُسْتَحِقُّهُ بِتَعْجِيلِهِ لَغَا إقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ وَيُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ تَغْرِيمِهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ رَهْنِهِ لِتَعَدِّيهِ وَبَيْنَ صَبْرِهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَيُبَاعُ فَيُتْبِعُهُ بِثَمَنِهِ أَوْ الْأَرْشِ إنْ كَانَ أَقَلَّ أَفَادَهُ عب
(وَإِنْ ثَبَتَتْ) جِنَايَةُ الرَّهْنِ (أَوْ اعْتَرَفَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنَانِ بِهَا فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا لِلرَّاهِنِ فَلَا يَقْتُلُهُ حَتَّى يُعَجِّلَ الدَّيْنَ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ حَقٌّ لِسَيِّدِهِ وَحَقٌّ لِمُرْتَهِنِهِ وَحَقٌّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ مَالِكُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ وَإِسْلَامِهِ، فَإِنْ فَدَى بَقِيَ رَهْنًا بِحَالِهِ (وَ) إنْ لَمْ يَفْدِهِ (أَسْلَمَهُ) أَيْ أَرَادَ السَّيِّدُ إسْلَامَهُ لِمُسْتَحِقِّ الْجِنَايَةِ خُيِّرَ مُرْتَهِنُهُ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ.
(فَإِنْ أَسْلَمَهُ مُرْتَهِنُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَسْلَمَهُ الرَّاهِنُ (ف) هُوَ (لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) أَوْ وَلِيِّهِ (بِمَالِهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ مَعَهُ رَهْنُ مَالِهِ مَعَهُ أَمْ لَا. زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَبْقَى دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِحَالِهِ
وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَفِدَاؤُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَطْ، إنْ لَمْ يَرْهَنْ بِمَالِهِ وَلَمْ يَبِعْ إلَّا فِي الْأَجَلِ
ــ
[منح الجليل]
أَيْ بِلَا رَهْنٍ. ابْنُ يُونُسَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْجِنَايَةَ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ سَيِّدُهُ، زَادَ فِي النُّكَتِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَالُ الْعَبْدِ مُشْتَرَطًا إدْخَالُهُ فِي الرَّهْنِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمَالَ إذَا قَبَضَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ قَدْ يُسْتَحَقُّ فَيَغْرَمُ السَّيِّدُ عِوَضَهُ، لِأَنَّ رِضَاهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ كَدَفْعِهِ مِنْ مَالِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ ذَلِكَ الرَّاهِنُ وَأَبَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إدْخَالُهُ مُشْتَرَطًا فِي الرَّهْنِ فَلَا كَلَامَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَطًا إدْخَالُهُ فِيهِ فَإِنْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ فِدَاءَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ كَانَ ذَلِكَ لِلرَّاهِنِ قَالَهُ تت، وَنَحْوُهُ لِلشَّارِحِ.
(وَإِنْ فَدَاهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْجِنَايَةِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ (فَفِدَاؤُهُ) أَيْ الْمَالِ الَّذِي فَدَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْجِنَايَةِ (فِي رَقَبَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَبْدَأٌ عَلَى الدَّيْنِ لَا فِي مَالِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنَّمَا افْتَكَّهُ لِيَرُدَّهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ جِنَايَتِهِ، وَهُوَ إنَّمَا كَانَ مَرْهُونًا بِدُونِ مَالِهِ كَمَا قَالَ (إنْ لَمْ يُرْهَنْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ الْعَبْدُ (بِمَالِهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ. وَلِمَالِكٍ " رضي الله عنه " فِدَاؤُهُ فِي رَقَبَتِهِ وَمَالِهِ مَعًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَضَعَتْهُ فِي التَّوْضِيحِ بِوَجْهَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ رَهَنَ بِمَالِهِ لَعَادَ مَعَهُ وَكَانَ الْفِدَاءُ فِيهِمَا اتِّفَاقًا. وَأَمَّا ذِمَّةُ الرَّاهِنِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْفِدَاءُ بِهَا مُطْلَقًا قَالَهُ " د ".
تت تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا رَهَنَ فِي خَمْسِينَ بِدُونِ مَالِهِ وَهُوَ خَمْسُونَ وَفِدَاءُ الْمُرْتَهِنِ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَبِيعَتْ رَقَبَتُهُ بِخَمْسِينَ فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي فَدَاهُ بِهَا مِنْ الْخَمْسِينَ الَّتِي بِيعَ بِهَا وَيَأْخُذُ الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةَ مِنْهَا مِنْ دَيْنِهِ وَيُحَاصِصُ بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ مِنْهُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي هِيَ مَالُهُ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَأْخُذُ الْخَمْسَةَ وَالسَّبْعِينَ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ وَالْمَالِ وَالْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ الْبَاقِيَةُ مِنْهَا لِبَاقِي الْغُرَمَاءِ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي رَقَبَتِهِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ الْفِدَاءُ عَلَى ثَمَنِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ لِاحْتِجَاجِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِأَنَّ الصَّوَابَ حِينَئِذٍ إسْلَامُهُ فِي جِنَايَتِهِ (وَلَمْ يُبَعْ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَيْ الرَّهْنُ الْجَانِي الَّذِي فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ بِدُونِ إذْنِ رَاهِنِهِ (إلَّا فِي) انْتِهَاءِ (الْأَجَلِ) لِلدَّيْنِ الْمَرْهُونِ
وَإِنْ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ رَهْنًا بِهِ
وَإِذَا قُضِيَ بَعْضُ الدَّيْنِ أَوْ سَقَطَ، فَجَمِيعُ الرَّهْنِ فِيمَا بَقِيَ
ــ
[منح الجليل]
فِيهِ أَيْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى مَا كَانَ مَرْهُونًا عَلَيْهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُبَاعُ قَبْلَ الْأَجَلِ. اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ. الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا مُنَافٍ لِتَوْجِيهِ الْمَشْهُورِ بِرُجُوعِهِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ بَيْعُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ، فَإِنْ زَادَ ثَمَنُهُ عَلَى الْفِدَاءِ وَالدَّيْنِ فَهُوَ لِلرَّاهِنِ إذْ تَسْلِيمُهُ لَمْ يَقْطَعْ حَقَّهُ فِيهِ.
(وَإِنْ) فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْجِنَايَةِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ (فَلَيْسَ) الرَّهْنُ (رَهْنًا بِهِ) أَيْ الْفِدَاءِ وَهُوَ سَلَفٌ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وَلَوْ زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَكُونُ رَهْنًا بِالْفِدَاءِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَوْ قَالَ كَبِإِذْنِهِ لَمَشَى عَلَيْهِ مَعَ إفَادَتِهِ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ قَوْلُهُ فَفِدَاؤُهُ إلَخْ. ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ فَدَاهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ فَفِي كَوْنِهِ رَهْنًا فِيمَا فَدَاهُ بِهِ مَعَ دَيْنِهِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ نَصَّ عَلَى كَوْنِهِ رَهْنًا بِالْفِدَاءِ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ مَعَ أَشْهَبَ. الْمُتَيْطِيُّ خَالَفَ كُلٌّ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَوْلَهُ فِيمَنْ أَمَرَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ سِلْعَةً يَنْقُدُ ثَمَنَهَا عَنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَكُونُ بِيَدِ الْمَأْمُورِ رَهْنًا فِيمَا دَفَعَ، وَقَالَ أَشْهَبُ هِيَ رَهْنٌ بِهِ. ابْنِ عَرَفَةَ وَيُجَابُ لِابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الدَّافِعَ فِي الْجِنَايَةِ مُرْتَهِنٌ فَانْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ وَصْفِهِ. وَلِأَشْهَبَ يَتَقَدَّمُ اخْتِصَاصُ الرَّاهِنِ بِمَالِ الْعَبْدِ قَبْلَ جِنَايَتِهِ فَاسْتُصْحِبَ وَعَدَمُ تَقَدُّمِ اخْتِصَاصِ الْأَمْرِ بِالسِّلْعَةِ قَبْلَ الشِّرَاءِ.
(وَ) إنْ (قُضِيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بَعْضُ الدَّيْنِ) الْمَرْهُونِ فِيهِ سَوَاءٌ قَضَاهُ الرَّاهِنُ أَوْ نَائِبُهُ وَبَقِيَ عَلَى الرَّاهِنِ بَعْضُهُ (أَوْ سَقَطَ) بَعْضُهُ عَنْ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِإِبْرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ بِنَاءٍ (فَجَمِيعُ الرَّهْنِ) رَهِينٌ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ قَضَاءِ بَعْضِهِ أَوْ سُقُوطِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الرَّهْنِ رَهْنٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي رُهِنَ فِيهِ
كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ
ــ
[منح الجليل]
بِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ فِيهِمَا لَا بِمَعْنَى التَّوْزِيعِ إنْ اتَّحَدَ مَالِكُ الدَّيْنِ، وَإِنْ تَعَدَّدَ وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمْ فِيهِ فَعَلَى مَعْنَى التَّوْزِيعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الرَّهْنُ أَوْ تَعَدَّدَ كَثِيَابٍ وَهُوَ كَذَلِكَ تَنْكِيتٌ ظَاهِرُهُ أَيْضًا سَوَاءٌ اتَّحَدَ الرَّاهِنُ أَوْ تَعَدَّدَ، اتَّحَدَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ تَعَدَّدَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا، فَفِي تَوْضِيحِهِ عَنْهَا إذَا أَقْرَضَاهُ جَمِيعًا وَاشْتَرَطَا أَنْ يَرْهَنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ. قِيلَ فَإِنْ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ فَهَلْ لَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ مِنْ الرَّهْنِ قَالَ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ رَهَنَا دَارًا لَهُمَا فِي دَيْنٍ فَقَضَى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّارِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك اهـ.
وَاسْتَشْكَلَ بِجَوَلَانِ يَدِ الرَّاهِنِ مَعَ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي لَمْ يُعْطَ دَيْنُهُ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِحَوْزِ الرَّهْنِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى خُرُوجِ حِصَّةِ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الرَّاهِنِ، وَأَمَّا كَوْنُ بَقَائِهَا تَحْتَ يَدِ الرَّاهِنِ لَا يَبْطُلُ الْحَوْزُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَالْمُسْتَفَادُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمَكَّنُ الرَّاهِنُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ تُبَاعُ الْحِصَّةُ أَوْ تُجْعَلُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ أَوْ الْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ وَتَقَدَّمَ وَحِيزَ بِجَمِيعِهِ إنْ بَقِيَ لِلرَّاهِنِ.
وَشَبَّهَ عَكْسَ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِهَا فِي حُكْمِهَا فَقَالَ (كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِ) أَيْ الرَّهْنِ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ يَنْقَسِمُ قُسِمَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُسْتَحِقِّ وَبَقِيَتْ حِصَّةُ الرَّاهِنِ رَهْنًا وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ وَبَقِيَتْ حِصَّةُ الرَّاهِنِ مِنْ ثَمَنِهِ رَهْنًا وَطُبِعَ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ تَفِي بِالدَّيْنِ وَمِنْ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُعَجَّلُ الدَّيْنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَفَادَهُ تت. وَمَفْهُومُ بَعْضِهِ أَنَّهُ إنْ اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ كُلَّهُ زَالَتْ رَهِينَتُهُ، فَإِنْ
وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنِيَّةِ،
ــ
[منح الجليل]
كَانَ مُعَيَّنًا وَاسْتُحِقَّ قَبْلَ قَبْضِهِ خُيِّرَ مُرْتَهِنُهُ بَيْنَ فَسْخِ بَيْعِهِ وَلَوْ فَاتَ، وَإِمْضَائِهِ وَإِبْقَاءِ دَيْنِهِ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمُعَيَّنُ بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَمْ يَغُرَّ الرَّاهِنُ بَقِيَ الدَّيْنُ بِلَا رَهْنٍ وَالْأَخِيرُ الْمُرْتَهِنُ كَمَا مَرَّ. وَإِنْ اسْتَحَقَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ قَبْضِهِ فَعَلَى الرَّاهِنِ خَلْفَهُ عَلَى الْأَرْجَحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالتَّلَفِ كَالِاسْتِحْقَاقِ.
(وَ) إنْ كَانَ لِشَخْصٍ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ وَبِيَدِ رَبِّ الدَّيْنِ مُتَمَوَّلٌ لِلْمَدِينِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَهَنَ فِي الدَّيْنِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ رَهْنًا فِيهِ ف (الْقَوْلُ) الْمُعْتَبَرُ الْمَعْمُولُ بِهِ (لِمُدَّعِي) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (نَفْيِ الرَّهْنِيَّةِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمَدِينُ أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهَا فَعَلَى مُدَّعِيهَا إثْبَاتُهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْعَادَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا لَمْ تُصَدِّقْهُ الْعَادَةُ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَإِنْ قُلْت أَمَّا دَعْوَى رَبِّ الدَّيْنِ الرَّهْنِيَّةَ وَالْمَدِينِ نَفْيَهَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَكْسُهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ وَتَقَعُ رَبُّ الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيهَا وَالْمَدِينُ إنَّمَا هُوَ فِي نَفْيِهَا. قُلْت يُتَصَوَّرُ فِي تَلِفَ مَالِ الْمَدِينِ بِيَدِ رَبِّ الدَّيْنِ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ بِتَلَفِهِ فَالْمَدِينُ يَدَّعِيهَا لِيَضْمَنَهُ رَبُّ الدَّيْنِ وَرَبُّ الدَّيْنِ يَنْفِيهَا لِيُسْقِطَ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ نَمَطٌ وَجُبَّةٌ وَهَلَكَ النَّمَطُ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ أَوْدِعْنِي النَّمَطَ وَالْجُبَّةُ رَهْنٌ، وَقَالَ الرَّاهِنُ النَّمَطُ رَهْنٌ وَالْجُبَّةُ هِيَ الْوَدِيعَةُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الْآخَرِ فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ لَمَّا هَلَكَ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْجُبَّةَ رَهْنٌ وَيَأْخُذُهَا رَبُّهَا ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَيَحْلِفَانِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ نَافِي الرَّهِينَةِ بِيَمِينِهِ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتَخَلِّفِ فِيهِ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَسَلَّمَ الرَّاهِنُ رَهِينَةَ بَعْضِهِ وَأَنْكَرَ رَهِينَةَ الْآخَرِ. قَالَ فِي الشَّامِلِ وَصُدِّقَ نَافِي الرَّهْنِيَّةِ كَبَعْضٍ مُتَعَدِّدٍ.
الثَّالِثُ: قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا تُصَدِّقُ الْعَادَةُ الْمُرْتَهِنَ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، كَبَيَّاعِ الْخُبْزِ وَشَبَهِهِ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْخَاتَمُ وَنَحْوُهُ وَيَدَّعِي الرَّهْنِيَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ صَاحِبِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ. الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَاعْتَمَدَهُ فِي الشَّامِلِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ
وَهُوَ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، لَا الْعَكْسُ
ــ
[منح الجليل]
خِلَافٌ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ قَوْلًا ثَالِثًا، وَنَصُّهُ وَلَوْ ادَّعَى حَائِزُ شَيْءٍ ارْتِهَانَهُ وَرَبُّهُ إيدَاعَهُ فَالْمَذْهَبُ تَصْدِيقُهُ. اللَّخْمِيُّ إنْ شَهِدَ عُرْفٌ لِحَائِزِهِ صُدِّقَ كَالْبَقَّالِ فِي الْخَاتَمِ وَنَحْوِهِ.
ابْنُ الْعَطَّارِ لَوْ ادَّعَى حَائِزُ عَبْدَيْنِ أَنَّهُمَا رَهْنٌ وَقَالَ رَبُّهُمَا بَلْ أَحَدُهُمَا صَادِقٌ وَلَوْ ادَّعَى حَائِزُ عَبْدٍ رُهِنَ جَمِيعُهُ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ نِصْفُهُ صُدِّقَ حَائِزُهُ (وَهُوَ) أَيْ الرَّهْنُ بِاعْتِبَارِهِ قِيمَتَهُ وَلَوْ مِثْلِيًّا وَفَاتَ فِي ضَمَانِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ كَانَ قَائِمًا (كَالشَّاهِدِ) لِلرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ (فِي قَدْرِ الدَّيْنِ) الْمَرْهُونِ فِيهِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَخَذَهُ وَثِيقَةً بِدَيْنِهِ وَالشَّأْنُ أَنَّهُ لَا يَتَوَثَّقُ إلَّا بِمِقْدَارِ دِينِهِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ فِي مِائَةٍ وَالْمُرْتَهِنُ فِي مِائَتَيْنِ صُدِّقَ مَنْ شَهِدَ الرَّهْنُ لَهُ وَعَدْلٌ كَالْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ شَاهِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي أَشْهُرِ الْقَوْلَيْنِ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى الذِّمَّةِ، إذْ لَوْ كَانَ شَاهِدًا عَلَيْهَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ.
ابْنُ نَاجِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَمْ يَقُلْ شَاهِدٌ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الرَّهْنِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَجَبْته بِأَنَّهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ قَامَ لِلْمُرْتَهِنِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَهَلْ يُضَمُّ لِلرَّهْنِ وَتَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهَا مَعَ الشَّاهِدِ، نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ لَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ شَاهِدًا حَقِيقِيًّا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ ارْتَهَنَهُ فِي مِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ الْمِائَةُ لَك عَلَيَّ وَلَمْ أَرْهَنْك إلَّا بِخَمْسِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إلَى مَبْلَغِ قِيمَةِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يُسَاوِ إلَّا بِخَمْسِينَ فَعَجَّلَهَا الرَّاهِنُ قَبْلَ الْأَجَلِ لِيَأْخُذَ رَهْنَهُ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أُسْلِمُهُ حَتَّى آخُذَ الْمِائَةَ فَلِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ إذَا عَجَّلَ الْخَمْسِينَ قَبْلَ أَجَلِهَا وَتَبْقَى الْخَمْسُونَ بِغَيْرِ رَهْنٍ كَمَا لَوْ أَنْكَرَهَا لَمْ تَلْزَمْهُ فَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ بَقَاءُ رَهْنِهِ فِي الْخَمْسِينَ.
(لَا) يَكُونُ (الْعَكْسُ) أَيْ شَهَادَةُ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الرَّهْنِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِفَتِهِ بَعْدَ هَلَاكِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ ادَّعَى صِفَةً دُونَ مِقْدَارِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالْغَارِمُ مُصَدَّقٌ. ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا فِي قَوْلَةٍ شَاذَّةٍ لِأَشْهَبَ قَالَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُ الْمُرْتَهِنِ لِقِلَّةِ مَا ذُكِرَ جِدًّا فَيَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ. ابْنُ يُونُسَ إنَّمَا أَعْرِفُ
إلَى قِيمَتِهِ، وَلَوْ بِيَدِ أَمِينٍ عَلَى الْأَصَحِّ، مَا لَمْ يَفُتْ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وَحَلَفَ مُرْتَهِنُهُ، وَأَخَذَهُ،
ــ
[منح الجليل]
يَنْحُو إلَى هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ أَتَى الْمُرْتَهِنُ بِرَهْنٍ يُسَاوِي عُشْرَ الدَّيْنِ مَثَلًا وَقَالَ هَذَا الَّذِي ارْتَهَنْت مِنْك بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَهَلْ يَكُونُ الدَّيْنُ شَاهِدًا لِلرَّاهِنِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَاهِدًا اهـ. وَذَكَرَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ قَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ لِلرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَشْبَهَ قَوْلَهُ أَوْ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ وَذَكَرَهُمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى وَفِي النَّوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَانْتِهَاءُ شَهَادَةِ الرَّهْنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ (إلَى) غَايَةِ (قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ يَوْمَ الْحُكْمِ إنْ بَقِيَ وَاعْتِبَارُهَا إنْ تَلِفَ إذْ كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ مُرْتَهِنِهِ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (بِيَدِ أَمِينٍ) عَلَيْهِ (عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَصَوَّبَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا بِيَدِ أَمِينٍ فِي كَوْنِهِ شَاهِدًا وَلَغْوُهُ قَوْلَا مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي وَصَوَّبَ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ حَائِزٌ لِلْمُرْتَهِنِ أَيْضًا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الشَّاهِدَ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْحَقِّ وَمَا بِيَدِ الْأَمِينِ لَمْ يَتَمَخَّضْ كَوْنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَمَحَلُّ كَوْنِ مَا بِيَدِ الْأَمِينِ مِنْ الرَّهْنِ شَاهِدًا إذَا كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ فَاتَ فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا بِقَوْلِهِ (مَا) أَيْ مُدَّةَ كَوْنِهِ (لَمْ يَفُتْ) أَيْ الرَّهْنُ (فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ) بِأَنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ فَاتَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ بِيَدِهِ وَلَا بَيِّنَةَ بِهَلَاكِهِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ فَاتَ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ بِأَنْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةً أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ تَلِفَ بِيَدِ أَمِينٍ فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ فِي ضَمَانِ مُرْتَهِنِهِ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَتَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِذَا فَاتَ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ فَلَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فَلَا يُوجَدُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَهُوَ كَدَيْنٍ بِلَا رَهْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدِينِ.
وَرَتَّبَ عَلَى كَوْنِهِ كَالشَّاهِدِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ لِلرَّهْنِ فَقَالَ (وَحَلَفَ مُرْتَهِنُهُ) أَيْ الرَّهْنِ الَّذِي شَهِدَ الرَّهْنُ لَهُ بِقَدْرِ دَيْنِهِ (وَأَخَذَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فِي دَيْنِهِ لِثُبُوتِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِمَالٍ إذَا أَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَهُ، وَمُقَابِلُهُ يَحْلِفُ الرَّاهِنُ إذَا حَلَّفَهُ الْمُرْتَهِنُ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ كُلْفَةَ بَيْعِ الرَّهْنِ. وَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ
إنْ لَمْ يَفْتِكْهُ، فَإِنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِنُ، وَإِنْ نَقَصَ: حَلَفَا، وَأَخَذَهُ إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ بِقِيمَتِهِ
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ تَالِفٍ:
ــ
[منح الجليل]
يَخْشَى اسْتِحْقَاقَ الرَّهْنِ أَوْ ظُهُورَ عَيْبِهِ وَصَحَّحَهُ عِيَاضٌ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الْحَلِفِ مَعَ الرَّهْنِ حَلَفَ الرَّاهِنُ وَعَمِلَ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا عَمِلَ بِقَوْلِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا فَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِ إنْ حَلَفَ أَوْ نَكَلَا (إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ) أَيْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ وَشَهِدَ لَهُ بِهِ الرَّهْنُ مِنْ قَدْرِ الدَّيْنِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَخْذُهُ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ سَلَّمَهُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ.
وَأَشَارَ إلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ زَادَ) مَا ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ وَوَافَقَتْ دَعْوَى الرَّاهِنِ (حَلَفَ الرَّاهِنُ) وَأَخَذَهُ وَدَفَعَ مَا أَقَرَّ بِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَعَمِلَ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا عَمِلَ بِقَوْلِ الرَّاهِنِ فَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِ إذَا حَلَفَ أَوْ نَكَلَا.
وَأَشَارَ إلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ نَقَصَ) مَا ادَّعَاهُ الرَّاهِنُ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ رَهَنَ عَلَى عِشْرِينَ وَالرَّاهِنُ عَلَى عَشْرَةٍ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ خَمْسَةَ عَشْرَ (حَلَفَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنَانِ وَيَبْدَأُ الْمُرْتَهِنُ بِالْحَلِفِ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَالشَّاهِدِ لِلْمُرْتَهِنِ إلَى قِيمَتِهِ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ وَتَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَيُقَدَّمُ النَّفْيُ عَلَى الْإِثْبَاتِ (وَأَخَذَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فِي دَيْنِهِ، وَكَذَا إنْ نَكَلَا (إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ) أَيْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (بِقِيمَتِهِ) يَوْمَ الْحُكْمِ، فَإِنْ افْتَكَّهُ أَخَذَهُ بِهَا لَا بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَاعْتُبِرَ هُنَا فَكُّهُ بِهَا فَقَطْ لِذَلِكَ وَأَخَذَهُ فِيمَا مَرَّ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ لِتَسْلِيمِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ لَهُ بِهِ وَشَهَادَةِ الرَّهْنِ لَهُ. تت تَنْكِيتٌ فِي قَوْلِهِ حَلَفَا إجْمَالٌ لِاحْتِمَالِهِ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُوَطَّإِ وَبِهِ قَرَّرَهُ الشَّارِحُ، وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ حَلِفِهِ عَلَيْهَا وَحَلِفِهِ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ.
(فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنَانِ (فِي قِيمَةِ) رَهْنٍ (تَالِفٍ) عِنْدَ مُرْتَهِنِهِ لِتَشْهَدَ عَلَى الدَّيْنِ
تَوَاصَفَاهُ، ثُمَّ قُوِّمَ
فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ
فَإِنْ تَجَاهَلَا، فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ، إنْ بَقِيَ.
ــ
[منح الجليل]
أَوْ لِيَغْرَمَهَا الْمُرْتَهِنُ حَيْثُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ غُرْمُهَا (تَوَاصَفَاهُ) أَيْ ذَكَرَ الْمُتَرَاهِنَانِ صِفَاتِ الرَّهْنِ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ لِيُقَوِّمُوهُ بِحَسَبِهَا (ثُمَّ) إنْ اتَّفَقَا عَلَى صِفَاتِهِ (قُوِّمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الرَّهْنُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَقُضِيَ بِقَوْلِهِمْ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكْفِي وَاحِدٌ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ، قِيلَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ هُنَا وَقَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي لَا مُقَوِّمَ هُوَ فِي مُقَوِّمِ الْمُشْتَرَكِ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقِسْمَتِهِ. ابْنُ نَاجِي لَا يَدَّعِي لِلتَّقْوِيمِ جَمَاعَةً إذْ لَا قَائِلَ بِاشْتِرَاطِهَا وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ هَلْ يَكْفِي وَاحِدًا أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ أَوْ شَهَادَةٌ.
(فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنَانِ (فِي صِفَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ التَّالِفِ بِأَنْ وَصَفَهُ الرَّاهِنُ بِمَا يَقْتَضِي كَثْرَةَ قِيمَتِهِ فِي تَغْرِيمِهَا الْمُرْتَهِنَ أَوْ قِلَّتِهَا فِي شَهَادَتِهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَوَصَفَهُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا يَقْتَضِي قِلَّتَهَا فِي الْأَوَّلِ وَكَثْرَتَهَا فِي الثَّانِي (فَالْقَوْلُ) الْمَعْمُولُ بِهِ (لِلْمُرْتَهِنِ) بِيَمِينِهِ وَلَوْ ادَّعَى شَيْئًا يَسِيرًا لِأَنَّهُ غَارِمٌ، زَادَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ بِقِلَّةِ مَا ادَّعَاهُ جِدًّا، وَهَذَا إذَا كَانَ التَّوَاصُفُ لِتَغْرِيمِ الْمُرْتَهِنِ الْقِيمَةَ فَإِنْ كَانَ لِشَهَادَتِهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ تَجَاهَلَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنَانِ صِفَاتِ الرَّهْنِ التَّالِفِ بِأَنْ قَالَ كُلٌّ لَا أَعْلَمُ صِفَاتِهِ الْآنَ (فَالرَّهْنُ بِمَا) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ رَهْنٌ (فِيهِ) فَلَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِشَيْءٍ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ أَصْبَغُ حَدِيثَ الرَّهْنِ بِمَا فِيهِ. اللَّخْمِيُّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَدْرِي هَلْ لَهُ شَيْءٌ عِنْدَ صَاحِبِهِ أَمْ لَا، وَمَفْهُومُ تَجَاهَلَا أَنَّهُ لَوْ وَصَفَهُ أَحَدُهُمَا وَتَجَاهَلْ الْآخَرُ لِعَمَلٍ بِوَصْفِ الْوَاصِفِ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ (وَاعْتُبِرَتْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (قِيمَتُهُ) أَيْ الرَّهْنِ الشَّاهِدَةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الْمُتَنَازِعِ فِيهِ (يَوْمَ الْحُكْمِ) بَيْنَ الْمُتَرَاهِنَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (إنْ بَقِيَ) الرَّهْنُ لِأَنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ فَكَذَا الرَّهْنُ.
وَهَلْ يَوْمُ التَّلَفِ أَوْ الْقَبْضِ أَوْ الرَّهْنِ إنْ تَلِفَ؟ أَقْوَالٌ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ وُزِّعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا:
ــ
[منح الجليل]
(وَهَلْ) تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ التَّالِفِ (يَوْمَ) حُصُولِ (التَّلَفِ) لَهُ لِأَنَّ عَيْنَهُ كَانَتْ شَاهِدًا فَلَمَّا تَلِفَتْ قَامَتْ قِيمَتُهَا مَقَامَهَا فِي الشَّهَادَةِ رَوَاهُ عِيسَى فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (أَوْ) تُعْتَبَرُ يَوْمَ (الْقَبْضِ) لَهُ مِنْ رَاهِنِهِ لِأَنَّهُ كَشَاهِدٍ وَضَعَ خَطَّهُ وَمَاتَ فَيُعْتَبَرُ خَطُّهُ وَتُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُ يَوْمَ كَتَبَهُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ) تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ عَقَدَ (الرَّهْنَ) وَهَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا. الْبَاجِيَّ وَهُوَ أَقْرَبُ لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَرْهَنُونَ مَا يُسَاوِي الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ فِيهِ غَالِبًا، وَهَذَا الْخِلَافُ (إنْ تَلِفَ) الرَّهْنُ فِي الْجَوَابِ (أَقْوَالٌ) ثَلَاثَةٌ كُلُّهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنَانِ (فِي) كَيْفِيَّةِ قَبْضِ دَيْنٍ (مَقْبُوضٍ) بِيَدِ صَاحِبِ دِينَيْنِ عَلَى مَدِينٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ وَالْآخَرُ بِلَا رَهْنٍ حَالَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ (فَقَالَ الرَّاهِنُ) الْمَقْبُوضُ (عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ) فَقَطْ فَقَدْ خَلَّصَ الرَّهْنَ مِنْ الرَّهِينَةِ فَأَعْطِنِيهِ أَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالدَّيْنُ غَيْرُ الْمَرْهُونِ فِيهِ بَاقٍ فِي ذِمَّتِي سَأُوَفِّيكَهُ إذَا حَلَّ أَجَلُهُ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ دَيْنِ غَيْرِ الرَّهْنِ فَقَطْ وَمَا زَالَ الرَّهْنُ رَهْنًا فِي دَيْنِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ تَنَازَعَهُمَا بَعْدَ قَبْضِهِ (وُزِّعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ قُسِّمَ الْمَقْبُوضُ عَلَى الدِّينَيْنِ بِنِسْبَةِ كُلِّ عَدَدٍ مِنْهُمَا لِمَجْمُوعِهِمَا (بَعْدَ حَلِفِهِمَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنِينَ إنْ كَانَ تَنَازُعُهُمَا بَعْدَ قَبْضِهِ وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا. فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ قَضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَإِنْ كَانَ حَالُهُ وُزِّعَ بِلَا يَمِينٍ وَسَوَاءٌ حَلَّ الدَّيْنَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا اسْتَوَى أَجَلُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ تَقَارُبٌ أَوْ تَبَاعُدٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُوَزَّعُ إذَا حَلَّا أَوْ أَجَّلَا بِأَجَلٍ وَاحِدٍ أَوْ بِمُتَقَارِبَيْنِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْقَضَاءَ عَنْ الْحَالِّ أَوْ الْقَرِيبِ. وَظَاهِرُ نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُوَضِّحِ عَنْهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّ التَّوْضِيحِ، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِمَا إذَا حَلَّ الدَّيْنَانِ أَوْ لَمْ يَحِلَّا وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ حَلَّ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْقَضَاءَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّا وَأَجَلُهُمَا
كَالْحَمَالَةِ.
ــ
[منح الجليل]
وَاحِدٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا فَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ مِئَتَانِ فَرَهَنَك بِمِائَةٍ مِنْهُمَا رَهْنًا ثُمَّ قَضَاك مِائَةً وَقَالَ هِيَ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ وَقُلْت لَهُ أَنْتِ هِيَ الَّتِي لَا رَهْنَ فِيهَا وَقَامَ الْغُرَمَاءُ أَوْ لَمْ يَقُومُوا فَإِنَّ الْمِائَةَ يَكُونُ نِصْفُهَا بِمِائَةِ الرَّهْنِ وَنِصْفُهَا لِلْمِائَةِ الْأُخْرَى. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا إنْ ادَّعَيَا الْبَيَانَ. وَقَالَ أَشْهَبُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَضِي.
ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا قُسِّمَ الْمَقْبُوضُ بَيْنَ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَالِفِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ سِتِّينَ وَالثَّانِي ثَلَاثِينَ وَاقْتَضَى ثَلَاثِينَ فَلِلْأَوَّلِ عِشْرُونَ وَلِلثَّانِيَّ عَشَرَةٌ وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ اخْتَلَفَا عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي أَيِّ الْحَقَّيْنِ يَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ فَيَجْرِي الْأَمْرُ عِنْدِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَشَبَّهَ فِي التَّوْزِيعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ فَقَالَ (كَالْحَمَالَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَحْتَمِلُ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَدِينٌ بِمِائَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ أَصَالَةٌ وَالْأُخْرَى حَمَالَةٌ فَقَضَى مِائَةً وَادَّعَى أَنَّهَا مِائَةُ الْأَصَالَةِ وَادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّهَا مِائَةُ الْحَمَالَةِ الثَّانِيَةِ مَدِينٌ بِمِائَتَيْنِ أَصَالَةً إحْدَاهُمَا بِحَمَالَةٍ وَالْأُخْرَى بِدُونِهَا، وَقَضَى مِائَةً وَادَّعَى أَنَّهَا مِائَةُ الْحَمَالَةِ وَادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّهَا مِائَةُ غَيْرِ الْحَمَالَةِ فَيَحْلِفَانِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَيُوَزَّعُ الْمَقْبُوضُ بَيْنَ الْمِائَتَيْنِ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَابْنُ يُونُسَ الْأَوْلَى بِيُسْرِ الْغَرِيمِ وَالْكَفِيلِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ كَفَالَةٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا الْقَرْضُ، وَقَالَ الْمُقْتَضَيْ بَلْ هِيَ الْكَفَالَةُ قَضَى نِصْفَهَا عَنْ الْقَرْضِ وَنِصْفَهَا عَنْ الْكَفَالَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَضِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ مُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِثْلُهُ فِي حَقَّيْنِ أَحَدُهُمَا بِحَمَالَةٍ وَالْآخَرُ بِلَا حَمَالَةٍ وَكَذَا حَقٌّ بِيَمِينِ وَحَقٌّ بِلَا يَمِينٍ. أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ مَالَهُ.
(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ: إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ كَذَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَضَاهُ مُبْهَمًا فَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُبْهَمٌ بِيَمِينِهِ وَيُفَضُّ عَلَى الْمَالَيْنِ أَوْ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِبْهَامِ فُضَّ عَلَيْهِمَا بِالْأَوْلَى.
الثَّانِي: فِي نَوَازِلِ عِيسَى سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ دَنَانِيرُ وَنَحْوُهَا عَلَى رَجُلٍ وَلَهُ عَلَى ابْنِهِ مِثْلُهَا فَدَفَعَ الْأَبُ لِابْنِهِ مَا عَلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ لِرَبِّهِ فَقَالَ هَذَا مَالُك عَلَى أَبِي ثُمَّ ادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ لَهُ قَضَاءً عَنْ الِابْنِ وَأَنْكَرَ قَوْلَ الِابْنِ فَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ بِيَمِينِهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الِابْنُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ هَذَا عَنْ أَبِي. قُلْت فَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَمْرِ أَبِيهِ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ عَنْهُ قَالَ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةِ الدَّفْعِ عِيسَى إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْمَدْفُوعَ مَالُ الْأَبِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الِابْنَ مُدَّعٍ وَقَدْ حَكَمَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ.
الثَّالِثُ: حَكَى ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَيْنِ فِيمَنْ عَلَيْهِ عَشَرَتَانِ لِرَجُلَيْنِ فَوَكَّلَ مَنْ يَقْضِيهِمَا عَنْهُ وَدَفَعَ الْوَكِيلُ عَشَرَةً ثُمَّ فُلِّسَ فَقَالَ الْوَكِيلُ هِيَ لِفُلَانٍ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْآخَرِ أَحَدُهُمَا قَبُولُ قَوْلِ الْوَكِيلِ وَالثَّانِي أَنَّهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ اهـ مِنْ الْحَطّ.