المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل قرض ما يسلم فيه] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٥

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[فصل قرض ما يسلم فيه]

(فَصْلٌ) يَجُوزُ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ فَقَطْ

ــ

[منح الجليل]

[فَصْلٌ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَرْضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَرَنَهُ بِالسَّلَمِ لِتَشَابُهِهِمَا فِي دَفْعِ مَالٍ مُعَجَّلٍ فِي مَالٍ مُؤَخَّرٍ (يَجُوزُ) أَيْ يُنْدَبُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُهُ أَوْ يُحَرِّمُهُ أَوْ يُكَرِّهُهُ وَتَعْسُرُ إبَاحَتُهُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ. ابْنُ عَرَفَةَ وَحُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ النَّدْبُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُهُ أَوْ كَرَاهَتُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ وَإِبَاحَتُهُ تَعْسُرُ «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ دِرْهَمُ الْقَرْضِ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ وَدِرْهَمُ الصَّدَقَةِ بِعَشْرَةٍ فَسَأَلَ جِبْرِيلَ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُقْتَرِضُ لَا يَقْتَرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» ، أَفَادَهُ تت، وَفَاعِلُ يَجُوزُ (قَرْضُ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَعْنَاهُ لُغَةً الْقَطْعُ وَشَرْعًا دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي مِثْلِهِ غَيْرِ مُعَجَّلٍ لِنَفْعِ آخِذِهِ فَقَطْ لَا يُوجِبُ عَارِيَّةً مُمْتَنِعَةً أَفَادَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ مُتَمَوَّلٍ أَخْرَجَ بِهِ دَفْعَ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ فِي مِثْلِهِ أَخْرَجَ بِهِ السَّلَمَ، وَقَوْلُهُ غَيْرِ مُعَجَّلٍ أَخْرَجَ بِهِ الْمُبَادَلَةَ وَالْمُرَاطَلَةَ وَقَوْلُهُ لِنَفْعِ آخِذِهِ فَقَطْ أَخْرَجَ بِهِ مَا لِنَفْعِ دَافِعِهِ فَقَطْ أَوْ لِنَفْعِهِمَا مَعًا فَقَرْضٌ فَاسِدٌ، وَقَوْلُهُ لَا يُوجِبُ عَارِيَّةً مُمْتَنِعَةً لِإِخْرَاجِ مَا أَوْجَبَ عَارِيَّةً مُمْتَنِعَةً. الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْقَرْضَ الْفَاسِدَ وَشَأْنُ التَّعْرِيفِ شُمُولُهُ أَيْضًا.

وَأَضَافَ قَرْضُ لِمَفْعُولِهِ (مَا) أَيْ الْمُتَمَوَّلُ الَّذِي (يُسْلَمُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ (فِيهِ) مِنْ عَيْنٍ وَعَرَضٍ وَطَعَامٍ وَحَيَوَانٍ وَرَقِيقٍ (فَقَطْ) أَيْ لَا يَجُوزُ قَرْضُ مَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ كَأَرْضٍ وَدَارٍ وَبُسْتَانٍ وَتُرَابِ صَائِغٍ وَمَعْدِنٍ وَجَوْهَرٍ نَفِيسٍ وَجُزَافٍ لَا يُحْزَرُ لِكَثْرَتِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا جِلْدَ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ وَجِلْدَ ضَحِيَّةٍ وَمِلْءَ مِكْيَالٍ مَجْهُولٍ وَوَيْبَاتٍ وَحَفْنَاتٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْأَخِيرِ، وَيَجُوزُ قَرْضُهَا خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْأَوَّلِ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ فَقَطْ

وَلَمَّا شَمِلَ قَوْلُهُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ الْجَارِيَةَ

ص: 401

إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ. وَرُدَّتْ، إلَّا أَنْ تَفُوتَ عِنْدَهُ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَالْقِيمَةُ كَفَاسِدِهِ

ــ

[منح الجليل]

وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " عَلَى مَنْعِ قَرْضِهَا اسْتَثْنَاهَا فَقَالَ (إلَّا جَارِيَةً) أَيْ أَمَةً شُبِّهَتْ بِالسَّفِينَةِ فِي سُرْعَةِ الْجَرْي ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً (تَحِلُّ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا (لِلْمُسْتَقْرِضِ) فَلَا يَجُوزُ قَرْضُهَا لَهُ لِتَأْدِيَتِهِ لِإِعَارَةِ الْفَرْجِ لِأَنَّ لِلْمُقْتَرَضِ رَدَّ عَيْنِ الْقَرْضِ. وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ جَوَازُ قَرْضِهَا لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَمَحْرَمِهَا وَامْرَأَةٍ وَصَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى، وَيَلْحَقُ بِهِ الصَّغِيرُ يَقْتَرِضُ لَهُ وَلِيُّهُ أَمَةً، وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ اقْتِرَاضُ الْجَوَارِي قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ هُنَا مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا لَا بَأْسَ أَنْ تَأْمُرَهُ يَبْتَاعُ لَك عَبْدَ فُلَانٍ بِطَعَامِهِ هَذَا أَوْ بِثَوْبِهِ هَذَا وَذَلِكَ قَرْضٌ، عَلَيْك الْمِثْلُ لَهُمَا بَعْضُ شُيُوخِنَا أَوْ بِجَارِيَتِهِ هَذِهِ وَعَلَيْك مِثْلُهَا وَلَيْسَ فِيهِ عَارِيَّةٌ لِلْفَرْجِ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ لِيَدِ الْمُسْتَقْرِضِ. أَبُو الْحَسَنِ وَرُبَّمَا أُلْقِيَتْ بِأَنْ يُقَالَ أَيْنَ يَجُوزُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمِهَا فَيُقَالُ بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ أَفَادَهُ الْحَطّ.

(وَ) إنْ أُقْرِضَتْ الْجَارِيَةُ لِمَنْ تَحِلُّ هِيَ لَهُ فُسِخَ قَرْضُهَا و (رُدَّتْ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْجَارِيَةُ لِمُقْرِضِهَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ تَفُوتَ) الْجَارِيَةُ (بِمُفَوِّتِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ (الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) مِنْ حَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي قُوَّتِهَا بِمُجَرَّدِ الْغَيْبَةِ عَلَيْهَا. ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ بِشِبْهِ الْوَطْءِ فِيهَا. لِلصَّقَلِّيِّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَعُونَةِ وَالْمَازِرِيِّ بِزِيَادَةٍ وَظَنَّ بِالْقَابِضِ، فَإِنْ فَاتَتْ بِذَلِكَ (فَالْقِيمَةُ) لِلْأَمَةِ تَلْزَمُ الْمُقْرِضَ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ وَلَدِهَا مِنْهُ لِلْخِلَافِ فَكَأَنَّهُ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْغَارَّةِ فَقِيمَتُهُ تَلْزَمُ الْمَغْرُورَ لِإِحْبَالِهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَتَى بِقَوْلِهِ (كَفَاسِدِهِ) أَيْ الْبَيْعِ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ لِيُفِيدَ اعْتِبَارَهَا يَوْمَ الْقَبْضِ، وَأَنَّ الْقَرْضَ إذَا فَسَدَ يُرَدُّ إلَى فَاسِدِ أَصْلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ لَا إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ الَّذِي تُرَدُّ فِيهِ الْعَيْنُ أَوْ الْمِثْلُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ كَوْنِ الْبَيْعِ أَصْلًا لِلْقَرْضِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي دَفْعِ الْمَالِ فِي عِوَضِ الْمُكَايَسَةِ.

ص: 402

وَحَرُمَ هَدِيَّتُهُ، إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِثْلُهَا، أَوْ يَحْدُثْ مُوجِبٌ كَرَبِّ الْقِرَاضِ وَعَامِلِهِ. وَلَوْ بَعْدَ شَغْلِ الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ

ــ

[منح الجليل]

وَحَرُمَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ (هَدِيَّتُهُ) أَيْ إهْدَاءُ الْمُقْتَرِضِ لِمُقْرِضِهِ لِتَأْدِيَتِهَا لِلسَّلَفِ بِزِيَادَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ لَا يَحِلُّ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ أَنْ يُهْدِيَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ هَدِيَّةً وَلَا أَنْ يُطْعِمَهُ طَعَامًا رَجَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَ بِدَيْنِهِ. وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ غَرَضِهِ، وَيَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَعَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَصَحَّتْ نِيَّتُهُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ شِهَابٍ، وَيُكْرَهُ لِلَّذِي لَهُ الدَّيْنُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ.

وَإِنْ تَحَقَّقَ صِحَّةُ نِيَّتِهِ فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِاسْتِجَازَةِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ (إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِثْلُهَا) أَيْ الْهَدِيَّةِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقَرْضِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ مِثْلُهَا مِنْ الْمُهْدِي لِلْمُهْدَى لَهُ لَمْ تَحْرُمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِمِثْلِهَا مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مَنْ تُعَوِّدَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعُلِمَ أَنَّ هَدِيَّتَهُ لَيْسَتْ لِلدَّيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مِثْلَهَا فِي قَدْرِ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدَّيْنِ وَهُوَ تَقْيِيدُ اللَّخْمِيِّ (أَوْ) لَمْ (يَحْدُثْ) بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقَرْضِ (مُوجِبٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ سَبَبٌ لِلْإِهْدَاءِ، فَإِنْ حَدَثَ كَصِهَارٍ وَجِوَارٍ فَلَا تَحْرُمُ إذَا عُلِمَ أَنَّ إهْدَاءَهُ بَعْدَ الدَّيْنِ لَيْسَ لِلدَّيْنِ، بَلْ لِلْمُوجِبِ الَّذِي حَدَثَ تت.

(تَنْكِيتٌ) لَوْ قَالَ حَرُمَ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ لِيَشْمَلَ الْمُقْتَرِضَ وَغَيْرَهُ لَكَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ دَحُونٍ عَنْ فَهْمِهِ قَوْلَ سَحْنُونٍ الْحُرْمَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقْتَرِضِ. وَشَبَّهَ فِي الْحُرْمَةِ فَقَالَ (ك) هَدِيَّةِ (رَبِّ) أَيْ مَالِكِ (الْقِرَاضِ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ لِعَامِلِهِ (وَ) هَدِيَّةِ (عَامِلِهِ) أَيْ الْمُتَّجِرُ فِي الْقِرَاضِ لِرَبِّ الْمَالِ فَتَحْرُمُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا بِإِهْدَائِهِمَا إدَامَةَ الْعَمَلِ فِي الْمَالِ إنْ أَهْدَى أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ قَبْلَ شَغْلِ الْمَالِ اتِّفَاقًا بَلْ (وَلَوْ بَعْدَ شَغْلِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ شِرَاءِ السِّلَعِ ب (الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ نَظَرًا لِلْمَآلِ وَمُقَابِلُهُ الْجَوَازُ بَعْدَهُ نَظَرًا لِلْحَالِ وَنَصِّ ابْنِ يُونُسَ، وَقِيلَ

ص: 403

وَذِي الْجَاهِ

وَالْقَاضِي

ــ

[منح الجليل]

لَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ وَإِنْ شَغَلَ الْمَالُ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ إذَا نَضَّ أَنْ يُبْقِيَهُ بِيَدِهِ، وَبِهَذَا أَقُولُ وَالْمَنْعُ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ مِثْلِهَا وَعَدَمِ حُدُوثِ مُوجِبٍ.

(وَ) كَهَدِيَّةٍ إلَى (ذِي الْجَاهِ) فَتَحْرُمُ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِثْلُهَا وَلَمْ يَحْدُثْ مُوجِبٌ. أَبُو عَلِيٍّ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْأَخْذَ عَلَى الْجَاهِ إلَّا إذَا كَانَ يُمْنَعُ غَيْرُهُ بِجَاهِهِ مِنْ أَمْرٍ يَجِبُ عَلَى ذِي الْجَاهِ دَفْعُهُ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ بِلَا مَشْيٍ وَحَرَكَةٍ، وَإِنَّ قَوْلَهُ وَذِي الْجَاهِ مُقَيَّدٌ بِهَذَا أَيْ مِنْ حَيْثُ جَاهُهُ فَقَطْ كَاحْتِرَامِ زَيْدٍ مَثَلًا بِذِي جَاهٍ، وَمُنِعَ مِنْ أَجْلِ احْتِرَامِهِ فَهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ زَيْدٍ، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ تَجُوزُ الْمَسْأَلَةُ لِلضَّرُورَةِ إنْ كَانَ يَحْمِي بِسِلَاحِهِ، فَإِنْ كَانَ يَحْمِي بِجَاهِهِ فَلَا لِأَنَّهُ ثَمَنُ الْجَاهِ اهـ، يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا ذُكِرَ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ ثَمَنُ الْجَاهِ إنَّمَا حَرُمَ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الذَّهَابُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ اهـ.

وَفِي الْمِعْيَارِ سُئِلَ الْقُورِيُّ عَنْ ثَمَنِ الْجَاهِ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي حُكْمِ ثَمَنِ الْجَاهِ فَمِنْ قَائِلٍ بِالتَّحْرِيمِ بِإِطْلَاقٍ، وَمِنْ قَائِلٍ بِالْكَرَاهَةِ بِإِطْلَاقٍ، وَمِنْ مُفَصِّلٍ فِيهِ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ ذُو الْجَاهِ يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ وَتَعَبٍ وَسَفَرٍ فَأَخَذَ مِثْلَ أَجْرِ نَفَقَةِ مِثْلِهِ فَجَائِزٌ وَإِلَّا حَرُمَ. اهـ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْحَقُّ. وَفِي الْمِعْيَارِ أَيْضًا سُئِلَ الْعَبْدُوسِيُّ عَمَّنْ يَجُوزُ النَّاسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَخُوفَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَجَابَ ذَلِكَ جَائِزٌ بِشُرُوطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَاهٌ قَوِيٌّ بِحَيْثُ لَا يُتَجَاسَرُ عَلَيْهِ عَادَةً، وَأَنْ يَكُونَ سَيْرُهُ مَعَهُمْ بِقَصْدِ تَجْوِيزِهِمْ فَقَطْ لَا لِحَاجَةٍ لَهُ، وَأَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَيْثُ يَرْضَى بِمَا يَدْفَعُونَهُ لَهُ. وَفِي الْمِعْيَارِ أَيْضًا سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ رَجُلٍ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ ظُلْمًا فَبَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَهَلْ يَجُوزُ فَأَجَابَ نَعَمْ يَجُوزُ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ.

(وَ) كَهَدِيَّةٍ إلَى (الْقَاضِي) فَتَحْرُمُ لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ جَوَازَ الْهَدِيَّةِ إلَيْهِ الَّتِي اعْتَادَهَا قَبْلَ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ قَوْلَيْنِ. قُلْت وَلَعَلَّ الْفَرْقَ شِدَّةُ حُرْمَةِ الرِّشْوَةِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِجَوَازِهَا أَحَدٌ بِخِلَافِ

ص: 404

وَمُبَايَعَتِهِ مُسَامَحَةً، أَوْ جَرُّ مَنْفَعَةٍ: كَشَرْطِ عَفِنٍ بِسَالِمٍ،

ــ

[منح الجليل]

مَا قَبْلَهَا، فَإِنْ الشَّافِعِيَّ جَوَّزَ الْأَخْذَ عَلَى الْجَاهِ، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ عَلَى الدَّافِعِ لِلْقَاضِي إذَا أَمْكَنَهُ خَلَاصُ حَقِّهِ أَوْ دَفْعُ مَظْلِمَتِهِ بِدُونِهَا وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ عَلَى الْقَاضِي فَقَطْ.

(وَ) حَرُمَ (مُبَايَعَتُهُ) أَيْ مَنْ تَحْرُمُ هَدِيَّتُهُ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ وَذِي الْجَاهِ وَالْقَاضِي بَيْعًا (مُسَامَحَةً) أَيْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَإِنْ وَقَعَ رَدَّ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَفِيهِ قِيمَةُ الْمُقَوِّمِ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ، وَأَمَّا مُبَايَعَتُهُ بِلَا مُسَامَحَةٍ فَقِيلَ تَجُوزُ. وَقِيلَ تُكْرَهُ وَيُكْرَهُ بَيْعُ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ بِمُسَامَحَةٍ خَشْيَةَ أَنْ يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى زِيَادَةِ الْمَدِينِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ (أَوْ جَرُّ مَنْفَعَةٍ) لِغَيْرِ الْمُقْتَرِضِ الْأَصْوَبُ ضَبْطُهُ مَصْدَرًا مَرْفُوعًا مُضَافًا لِمَفْعُولِهِ مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ وَعَلَى هَدِيَّتِهِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَيْ وَجَرُّ مَنْفَعَةٍ، أَيْ لِلْمُقْرِضِ قَالَهُ " غ ".

سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ حَلَّ أَجَلُهَا فَأَعْسَرَ بِهَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَخِّرْهُ بِالْعَشَرَةِ وَأَنَا أُسْلِفُك عَشَرَةَ دَنَانِيرَ. قَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " إنْ كَانَ الَّذِي يُعْطِي يَكُونُ لَهُ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَضَاءً عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَلَفًا لَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيَّنَ عَلَى مَا قَالَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءً عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَلَفًا مِنْهُ لَهُ لِأَنَّهُ سَلَفُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ لِغَرَضٍ لَهُ فِي مَنْفَعَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، إذْ لَا يَحِلُّ السَّلَفُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُسْلِفُ مَنْفَعَةَ الَّذِي أَسْلَفَهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْفَعَةِ مَنْ سِوَاهُ.

وَمَثَّلَ لِجَرِّ الْمَنْفَعَةِ فَقَالَ (كَشَرْطِ) قَضَاءِ شَيْءٍ (عَفِنٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ مُتَعَفِّنٍ أَوْ مُسَوِّسٍ (ب) شَيْءٍ (سَالِمٍ) مِنْ الْعَفَنِ وَالسُّوسِ وَمَبْلُولٍ بِيَابِسٍ وَقَدِيمٍ بِجَدِيدٍ فَيُمْنَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ الْمَنْعَ بِمَا إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ نَفْعِ الْمُتَسَلِّفِ فَقَطْ وَإِلَّا جَازَ وَالْعَادَةُ الْعَامَّةُ أَوْ الْخَاصَّةُ كَالشَّرْطِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ جَوَازُ قَضَاءِ عَفِنٍ بِسَالِمٍ إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ وَلَا عَادَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ حَسَنٌ قَضَاءً، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «خَيْرُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» .

ص: 405

وَدَقِيقٍ أَوْ كَعْكٍ بِبَلَدٍ، أَوْ خُبْزِ فُرْنٍ بِمِلَّةٍ، أَوْ عَيْنٍ عَظُمَ حَمْلُهَا: كَسَفْتَجَةٍ، إلَّا أَنْ يَعُمَّ الْخَوْفُ، وَكَعَيْنٍ كُرِهَتْ إقَامَتُهَا، إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ نَفْعُ الْمُفْتَرِضِ فَقَطْ فِي الْجَمِيعِ: كَفَدَّانٍ

ــ

[منح الجليل]

(وَ) شَرْطِ دَفْعِ مِثْلِ (دَقِيقٍ أَوْ كَعْكٍ) مُسْلَفٍ بِبَلَدٍ بِشَرْطِ مِثْلِهِ (بِبَلَدٍ) آخَرَ غَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ لِيُسْقِطَ الْمُقْرِضُ عَنْ نَفْسِهِ كُلْفَةَ حَمْلِهِ مِنْ بَلَدِ الْقَرْضِ إلَى الْبَلَدِ الْآخَرِ، كَأَنْ يُسْلِفَهُ بِمِصْرَ دَقِيقًا أَوْ كَعْكًا بِشَرْطِ دَفْعِ قَضَائِهِ بِمَكَّةَ فَيُمْنَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ لِلْحَاجِّ، وَيَجُوزُ بِلَا شَرْطٍ، فِي الْحَمْدِيسِيَّةِ جَوَازُهُ لِلْحَاجِّ مَعَ الشَّرْطِ (وَ) شَرْطُ قَضَاءِ (خُبْزِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ آخِرَهُ زَايٌ (فُرْنٍ ب) خُبْزِ (مِلَّةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً أَيْ رَمَادٍ حَارٍّ يُخْبَزُ بِهِ، أَوْ حُفْرَةٍ يُجْعَلُ فِيهَا رَمَادٌ حَارٌّ يُخْبَزُ بِهِ، وَخُبْزُ الْمِلَّةِ أَحْسَنُ مِنْ خُبْزِ الْفُرْنِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ (أَوْ) شَرَطَ قَضَاءَ (عَيْنٍ) أَيْ ذَاتَ نَقْدٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ (عَظُمَ حَمْلُهَا) بِبَلَدٍ آخَرَ فَيُمْنَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِنَفْعِ الْمُقْرِضِ بِدَفْعِ مُؤْنَةِ حَمْلِهَا عَنْ نَفْسِهِ. وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ (كَسَفْتَجَةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْجِيمُ أَعْجَمِيَّةٌ أَيْ وَرَقَةٌ يَكْتُبُهَا مُقْتَرِضٌ بِبَلَدٍ كَمِصْرِ لِوَكِيلِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ كَمَكَّةَ لِيَقْضِيَ عَنْهُ بِهَا مَا اقْتَرَضَهُ بِمِصْرَ فَيُمْنَعُ لِانْتِفَاعِ الْمُقْرِضِ بِدَفْعِ كُلْفَةِ مَا أَقْرَضَهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ وَغَرَّرَهُ بَرًّا وَبَحْرًا (إلَّا أَنْ يَعُمَّ الْخَوْفُ) الْبَرَّ وَالْبَحْرَ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ (وَكَ) قَرْضِ (عَيْنٍ) أَيْ ذَاتِ نَقْدٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ (كُرِهَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (إقَامَتُهَا) عِنْدَ مَالِكِهَا لِخَوْفِ تَلَفِهَا بِعَفَنٍ أَوْ سُوسٍ مَثَلًا فَيَحْرُمُ قَرْضُهَا لِيَأْخُذَ بَدَلَهَا لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا لِغَيْرِ الْمُقْتَرِضِ (إلَّا أَنْ يَقُومَ) أَيْ يُوجَدَ (دَلِيلٌ) أَيْ قَرِينَةٌ (عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ) بِقَرْضِ مَا كُرِهَتْ إقَامَتُهُ (نَفْعُ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ) فَيَجُوزُ (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعُ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ، كَمَا إذَا كَانَ الْمُسَوِّسُ أَوْ الْقَدِيمُ إنْ بَاعَهُ يَأْتِي ثَمَنُهُ بِأَضْعَافِهِ لِمَسْغَبَةٍ أَوْ غَلَاءٍ وَشُبِّهَ بِالْمُسْتَثْنَى فِي الْجَوَازِ أَوْ مَثَّلَ لَهُ فَقَالَ (كَفَدَّانٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ

ص: 406

مُسْتَحْصِدٍ: خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ: يَحْصُدُهُ وَيَدْرُسُهُ وَيَرُدُّ مَكِيلَتَهُ، وَمُلِكَ، وَلَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ، إلَّا بِشَرْطٍ، أَوْ عَادَةٍ:

ــ

[منح الجليل]

آخِرُهُ نُونٌ، أَيْ مِقْدَارٍ مِنْ الزَّرْعِ (مُسْتَحْصِدٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ حَانَ حَصَادُهُ (خَفَّتْ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ سَهُلَتْ (مُؤْنَتُهُ) أَيْ حَصْدُ الْفَدَّانِ وَدَرْسُهُ وَتَذْرِيَتُهُ (عَلَيْهِ) أَيْ مَالِكِهِ وَأَقْرَضَهُ لِمَنْ (يَحْصُدُهُ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا (وَيَدْرُسُهُ) وَيُذَرِّيهِ وَيَنْتَفِعُ بِحَبِّهِ ثُمَّ يَقْضِيهِ مِثْلَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُقْرِضُ نَفْسَهُ بِفِعْلِ الْمُقْتَرِضِ كَمَا فِي " ق " عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّشْبِيهُ يُفِيدُهُ.

(وَيَرُدُّ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمُقْتَرِضُ لِلْمُقْرِضِ (مَكِيلَتَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ الْحَبَّ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَتِبْنَهُ لِمُقْرِضِهِ وَإِنْ هَلَكَ الزَّرْعُ قَبْلَ حَصْدِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى مُقْرِضِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ (وَمُلِكَ) بِضَمٍّ بِكَسْرٍ أَيْ الْقَرْضُ أَيْ مَلَكَهُ الْمُقْتَرِضُ بِالْعَقْدِ وَصَارَ مَالًا فَيَقْضِي عَلَى الْمُقْرِضِ بِدَفْعِهِ لَهُ (وَلَمْ يَلْزَمْ) الْمُقْتَرِضَ (رَدُّهُ) أَيْ الْقَرْضِ لِمُقْرِضِهِ إلَّا بَعْدَ انْتِفَاعِهِ بِهِ انْتِفَاعَ أَمْثَالِهِ، فَإِنْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ وَجَبَ عَلَى الْمُقْرِضِ قَبُولَهُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِنَقْصٍ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُقْتَرِضِ وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ.

وَاسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ لُزُومِ رَدِّهِ فَقَالَ (إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ) بِرَدِّهِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ، فَإِنْ انْتَفَيَا فَهُوَ كَالْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ فِيهَا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَيْنِ. فَقِيلَ لَهُ رَدُّهَا وَلَوْ بِالْقُرْبِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهَا الْقَدْرَ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ أَعَارَهُ لِمِثْلِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَيْسَ هَذَا عَمَلًا بِالْعَادَةِ، إذْ قَدْ تَزِيدُ عَلَيْهِ بِفَرْضِ وُجُودِهَا.

وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ فَقَالَ (كَأَخْذِهِ) أَيْ الْقَرْضَ فَلَا يَلْزَمُ رَبَّهُ أَخْذُهُ إنْ دَفَعَهُ الْمُقْتَرِضُ

ص: 407

كَأَخْذِهِ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ، إلَّا الْعَيْنَ.

ــ

[منح الجليل]

لَهُ (بِغَيْرِ مَحَلِّهِ) الَّذِي يَقْضِي فِيهِ لِزِيَادَةِ الْكُلْفَةِ عَلَيْهِ (إلَّا الْعَيْنَ) أَيْ الدَّنَانِيرَ أَوْ الدَّرَاهِمَ الْمُقْرَضَةَ فَيَلْزَمُ مُقْرِضُهَا أَخْذَهَا بِغَيْرِ مَحَلِّهِ لِخِفَّةِ حَمْلِهَا إلَّا لِخَوْفٍ أَوْ احْتِيَاجٍ إلَى كَبِيرِ حَمْلٍ، وَمِثْلُهَا الْجَوَاهِرُ النَّفِيسَةُ.

(خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ) : الْأُولَى: ابْنُ الْعَرَبِيِّ. انْفَرَدَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " عَنْهُ بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ لِخَبَرِ الصَّحِيحِ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ» الْحَدِيثُ.

الثَّانِيَةُ: فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إنْ وَعَدْت غَرِيمَك بِتَأْخِيرِ الدَّيْنِ لَزِمَك لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ لَازِمٌ، سَوَاءٌ قُلْت لَهُ أُؤَخِّرُك أَوْ أَخَّرْتُك.

الثَّالِثَةُ: ابْنُ نَاجِي: فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَمِقْدَارًا يَقُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ افْتِقَارُ الْقَرْضِ لَأَنْ يَكُونَ بِلَفْظِهِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اشْتِرَاطِ مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَمِقْدَارًا لِأَنَّ قَضَاءَ الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ يُوجِبُهُمَا الْحُكْمُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ نَصٌّ عَلَيْهِمَا فِي الْعَقْدِ، وَاخْتُلِفَ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ بِهِ إنْ شَرَطَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا يُمْنَعُ فِي الطَّعَامِ، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ سَنَدُ مَنْعِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أُقْرِضُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي مِثْلَهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ يَقْتَضِي إعْطَاءَ الْمِثْلِ لِإِظْهَارِ صُورَةِ الْمُكَايَسَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ قَصَدَ بِشَرْطِ إعْطَاءِ الْمِثْلِ عَدَمَ الزِّيَادَةِ فَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، وَإِنْ قَصَدَ الْمُكَايَسَةَ كُرْه، وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ نَفْعِ الْمُقْرِضِ.

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الرَّابِعَةُ: ابْنُ عَرَفَةَ: لِلْمُقْتَرِضِ رَدُّ عَيْنِ الْمُقْتَرَضِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَبِهِ اتَّضَحَ تَعْلِيلُ مَنْعِهِ فِي الْإِمَاءِ بِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ لِلْفُرُوجِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِنَقْصٍ فَوَاضِحٌ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِقَبُولِهِ، وَلَوْ تَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِقَبُولِهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ عَدَمُهُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ الْمُقْتَرِضِ يُرَدُّ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِقَبُولِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَهُوَ عَرْضٌ لِانْتِفَاءِ الْمِنَّةِ عَلَى الْمُقْرِضِ فِيهِمَا لِتَقَدُّمِ مَعْرُوفِهِ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ بِمَحَلِّ قَبْضِهِ وَهُوَ غَيْرُ عَيْنٍ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِهِ تَرَاضِيًا. الْجَلَّابُ إنْ حَلَّ أَحَلَّهُ وَإِلَّا فَلَا. ابْنُ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ مِنْ أَقْرَضَ طَعَامًا بِبَلَدٍ فَخَرِبَ وَانْجَلَى أَهْلُهُ وَأَيِسَ مِنْ عِمَارَتِهِ إلَّا بَعْدَ طُولٍ فَلَهُ أَخْذُ قِيمَتِهِ فِي مَوْضِعِ السَّلَفِ، وَإِنْ رَجَا قُرْبَ عِمَارَتِهِ تَرَبَّصَ إلَيْهَا وَلَوْ كَانَ مَنْ سَلَّمَ خُيِّرَ فِي الْإِيَاسِ بَيْنَ تَرَبُّصِهِ وَأَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ. قُلْت الْأَظْهَرُ إنْ لَمْ تُرْجَ عِمَارَتُهُ عَنْ قُرْبٍ الْقَضَاءُ بِالدَّفْعِ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعِ عِمَارَةٍ لِمَحِلِّ الْقَرْضِ.

الْخَامِسَةُ: ابْنُ نَاجِي: اُخْتُلِفَ إذَا أَرَادَ الْمَدِينُ دَفْعَ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَهَلْ يُجْبَرُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى قَبْضِهِ أَمْ لَا فَرَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يُجْبَرُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْبَرُ، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ فَيُجْبَرُ اتِّفَاقًا، وَعَزَا الْجُزُولِيُّ الْأَوَّلَ لِمَالِكٍ، وَحَكَى الثَّانِيَ بِقِيلَ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّانِي. ابْنُ يُونُسَ ابْنِ الْمَوَّازِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَجَاءَ بِبَعْضِهِ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ إلَّا الْمَالَ كُلَّهُ فَأَرَى أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَخْذِ مَا جَاءَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا فَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِ مَا جَاءَ بِهِ، أَفَادَهَا الْحَطّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ص: 409